الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخواني: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحييكم في هذه الليلة، وأسال الله أن يجعل اجتماعنا هذا على ما يحب ويرضى، وأسأله أن يكتب لنا ولكم في هذه الجلسة الفائدة والخير إنه سميع مجيب. وموضوعنا -أيها الإخوة- معالم في طريق العبودية، هذا الطريق الذي شرعه الله ووضح معالمه في القرآن، وأرسل الأنبياء وبعثهم لكي يبينوا للناس هذا الطريق ويسلكوه فيتبعهم الناس ويسيرون وراءهم، فيكونوا هم القدوات والأئمة الذين يؤتم بهم في هذا الطريق.
شرف العبودية لله
هذا الطريق -أيها الإخوة- طريق الشرف والعبودية أرقى المراتب، ورسول الله ﷺ لما قال: لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله [رواه البخاري: 3445].
ظن بعض الجهلة من المتصوفة وغيرهم: أن في هذا الحديث حط من قدره ﷺ.
ولكن في الحقيقة أن في هذا الحديث رفع لدرجته ﷺ وإظهاراً لفضل الله عليه، وأن أفضل كلمة يوصف بها ﷺ من ألفاظ الثناء والمدح هي أن يكون عبداً، إنما أنا عبد .
إذاً، هذه الكلمة -أيها الإخوة- ليست كلمة ذم، وليست كلمة تغض من منزلة من يسلك هذا السبيل، وإنما يشعر المسلم بالفخر والاعتزاز وهو يخاطب من قبل العظيم الكريم بقوله مثلاً: قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ [إبراهيم: 31].
وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء: 53].
إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الإسراء: 65].
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: 53].
العبودية لله شرف، ولغير الله تلف.
ومما زادني شرفاً وتيهاً | وكدت بأخمصي أطأ الثريا |
دخولي تحت قولك يا عبادي | وأن صيرت أحمد لي نبياً |
ومن عظمة منزلة العبودية -أيها الإخوة-: أنها تشمل كل شيء في الحياة
ومن عظمة منزلة العبودية -أيها الإخوة-: أنها تشمل كل شيء في الحياة، بل إنها تعبد صاحبها لربه بشتى طرق العبادة وأنواعها، ولذلك فإنك تجد مثلاً في العبادات أنماطاً مختلفة، وأنواعاً من العبودية يراد منها تخليص هذه النفس من كل شيء، من كل مراد، من كل مطلوب، من كل مرغوب إلا الله.
ولذلك تجد في بعض أنواع العبادات ما فيه تضحية وتقديم لشيء محبوب إلى النفس؛ مثل الزكاة، فالزكاة فيها تضحية بالمال.
ومثلاً تجد بعض أنواع العبادات فيها امتناع عن شيء محبوب؛ مثل الصيام، هو ليس فيه إعطاء شيء محبوب، ولكن هنا المسألة امتناع عن شيء محبوب بالصيام.
ومنها: ما فيه نوع من المشقة والتعب كالحج والوضوء في البرد الشديد، هذا فيه نوع من المشقة، ولذلك لما كان بعض الناس تسهل عليهم أموراً، وتصعب عليهم أخرى، فرضت أنواع من العبادات فيها أنواع من العبودية، بعض الناس لو كان غنياً يقول: أنا مستعد أن أدفع الآلاف المؤلفة لكن ما أذهب إلى البيت الحرام وأدخل في الزحام وأجلس في الحر، أمسي في الحر في منى، وهكذا..، أنا مستعد أدفع آلاف مؤلفة ولا أفعل هذا، ولكن تجد من حكمة العليم الخبير أن هذا الشخص أرغم وفرض عليه الحج لكي لا يعتقد أنه يعبد الله بماله فقط، وأنه مطالب بشيء من العبادات فيه مشقة.
بعض الناس ممكن يقدم مالاً لكن يصعب عليه الجوع، بعض الناس قد يسهل عليه الجوع لكن يصعب عليه الامتناع من الزوجة.
فتأمل حكمة الله في فرض العبادات بأنواع مختلفة كلها فيها تطهير للنفس من شوائب وعلائق كثيرة يمكن أن تقوم فيها، وأبرز سمات العبودية ومعالمها: توحيد الوجهة لله بهذا التعبد، والإخلاص له ، فصرف العبودية لله فقط لا لأحد غيره: إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ [غافر (66].
أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ [الزمر (64].
هكذا خاطب النبي قومه.
ولذلك -أيها الإخوة- لما كانت العبودية تصرف لله فقط لا لأحد غيره وجدنا في الشريعة أن أموراً تدل على العبادة محظورة لا تجوز إلا لله؛ فمثلاً: السجود لا يجوز إلا لله؛ لأنه يعبر عن معنى من معاني العبودية، الركوع لا يجوز إلا لله، تقبيل الأرض لا يجوز أن تقبل الأرض لشخص من الأشخاص؛ لأن فيه صرف لنوع من أنواع العبودية، معنى من معاني العبودية تدل على الخضوع والتذلل، فلذلك لا يجوز أن تصرف لمخلوق، كشف الرأس تعظيماً لأحد لا يمكن أن يكون إلا لله عندما يكشف في الإحرام.
أما كشف إنسان رأسه تعظيماً لأحد، فإن هذا فيه نوع من أنواع التعظيم لغير الله، القيام للإنسان والقيام على رأس الإنسان من الأمور المنهي عنها شرعاً، لماذا؟
لأن فيها نوع من التعظيم لا ينبغي إلا لله: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين: 6] تعبيد الاسم لغير الله لا يجوز، يجوز أن نقول: عبد الله، عبد الرحمن، عبد السميع، عبد الأول، عبد الآخر.
لكن لا يجوز أن نقول: عبد الدار، وعبد الكعبة، وعبد الرضا، وعبد الرسول، وعبد محمد، وعبد النور، وعبد المسيح، وعبد الإمام، وعبد الصادق، وعبد الراضي، وعبد الخضر، كل هذا التعبيد لا يجوز مطلقاً؛ لأن العبودية لا يصح أن تكون إلا لله، حتى الأسماء لا يجوز أن تكون دالة على معنى لا يجوز إلا لله، وإنما يكون التعبيد لله -عز وجل- فقط.
العبودية تتضمن أشياء تتضمن المحبة والخوف والرجاء، وهذا المزيج من أعمال القلب قد يكون غريباً، يعني هل تتصور أن تحب إنسان وتخافه في نفس الوقت؟ صعب جداً، لكن الله تحبه وتخافه في نفس الوقت، ويسهل أن تتصور ذلك جداً وأنت تدرس الأسماء والصفات، اعلموا أن الله شديد العقاب وأنه غفور رحيم.
نحن نعبد الله ليس خوفاً من النار فقط، وليس طمعاً في الجنة فقط، وإنما حباً له أيضاً، فنحن نعبده حباً له ورجاء لثوابه وخوفاً من عقابه، ومن أفرد واحدة من هذه فعبد الله بها دون المراحل الأخرى فقد وقع في ضلال عظيم.
الذي يعبد الله بالحب وحده فهو زنديق، والذي يعبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، والذي يعبد الله بالخوف وحده فهو حروري.
ويكون النقص في عبودية الناس بحسب ذلك.
لماذا نجد بعض الناس يقول عندما يسأل عن عمل من الأعمال المحرمة فيقال له: هذا لا يجوز، هذا حرام، فتجد بعض هؤلاء يقولون: حرام يعني حرام كبير وإلا صغير، يعني كم سيئة فيها هذه؟
فلو قيل له: أن فيها خمس سيئات أو ثلاث سيئات أقدم عليها مباشرة، لماذا؟
لأنه لا ينظر إلى من عصى، ولكن ينظر إلى صغر المعصية.
والمفروض أن تكون القاعدة: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى من عصيت.
فعندما تفكر في عظمة الله فتتراءى لك معصيتك عظيمة جداً، ولذلك المحبة من أبرز علامات العبودية.
من أبرز معالم العبودية: المحبة
من أبرز معالم العبودية: المحبة: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ [البقرة: 165].
الذين آمنوا يحبون ربهم أشد مما يحب كل محبوب محبوبه، هؤلاء المؤمنون يحبون ربهم أشد من حب كل محبوب لمحبوبه، المحبة من صميم العبودية، بعض الناس يتصور أن العبودية هي ذل وخضوع فقط، وهذا ليس بصحيح، ولذلك عندما ينطلق الإنسان في الأعمال الصالحة من محبته لله، فإن أعماله تكتسب حيوية لا تكتسبها في حالة من يعبد الله بالذل فقط دون المحبة.
لماذا يشعر بعض الناس أن الدين أثقال وقيود؟ ولماذا يقولون: إن صلاة الفجر ثقيلة جداً وإن الصيام شاق جداً؟ وهذه بعض العبادات مكروهة إلى أنفسهم، لماذا؟
لأنهم يعبدون الله من منطلق الخضوع والذل، لكن بدون محبة، ولو توفرت المحبة بالإضافة إلى الخضوع والذل لأحبوا هذا العمل، ولخف عليهم جداً، ولما شعروا بوطأته.
بعض الناس يقول في نفسه: ليت صلاة الفجر ما فرضت، ليت الحج لم يفرض.
الحج مشقة وتعب، لو أحبوا ربهم لتلذذوا بطاعته ولما فكروا في مثل هذه الأفكار الرديئة. والإنسان لا يترك محبوباً إلا لمحبوب آخر، الإنسان يحب النوم في وقت الفجر، هذا يكون من أنفس وأعز أنواع النوم أو أوقات النوم على الإنسان.
الآن عندما تريد أن تقول لشخص: قم لصلاة الفجر، وهو يحب النوم، كيف يمكن أن يترك هذا المحبوب وهو النوم وقت صلاة الفجر؟ كيف يمكن أن يتركه إلا إذا كان هناك محبوب آخر أقوى من المحبوب الأول، فيسهل عليه عند ذلك ترك هذا المحبوب لأجل المحبوب الآخر؟
ففي حالتنا هذه عندما يفكر شخص أن الله يحب منه أن يقوم لصلاة الفجر في هذا الوقت المبكر جداً، وهو يحب النوم، لا يمكن أن يترك هذا النوم المحبوب إلا بمحبة شيء آخر وهو الله ، فيترك النوم بسهولة ليقوم لصلاة الفجر.
ولذلك ترى الناس يتفاوتون في القيام لصلاة الفجر، والنشاط في ذلك، من أهم الأسباب تفاوتهم في محبة الله -عز وجل-، كلما عظمت محبتهم كلما تسارعوا وأسرعوا في القيام، من عبودية الله.
إذاً، أن تحب ما يحبه الله، وأن تبغض ما يبغضه الله، وأن ترضى بما قضى به الله وحكم، وأن تعتقد أن هذا هو الخير لك، ولذلك الآن لماذا هذا يساعدنا على فهم مواقف بعض الناس، أو ما يدور في أذهانهم تجاه بعض المحرمات؟
بعض الناس يقول: يا ليت الزنا حلال، يا ليت الربا حلال، يا ليت الخمر حلال، هو قد لا يفعله، لا يفعل هذه الأشياء، لكن في قرارة نفسه ربما يقول: ليت الزنا حلال كان أشبعنا شهواتنا فيه، ليت الربا حلال لنكثر هذه الأموال، ليت الخمر حلال كي ننتشي ونشعر بهذه اللذة والنشوة في شرب الخمر.
هؤلاء وإن لم يقدموا على هذه المعاصي ولم يفعلوها، لكن الحقيقة أن جانب محبتهم لله ، وقل بصفة أخرى بعبارة أخرى: مسألة عبوديتهم لله فيها نقص، لو أن عبوديتهم لله كملت لما قالوا هذا الكلام.
وقال الواحد منهم: الحمد لله أن الزنا حرام، وشعر الواحد بالفرحة؛ لأن الخمر حرام، وشعر بالسرور؛ لأن الربا حرام، لماذا؟ لأنه يحب ما يحبه محبوبه وهو الله .
من مقتضيات العبودية أيضاً: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله
من مقتضيات العبودية أيضاً: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار.
انظروا وتمعنوا في هذا الحديث كيف أن الإسلام هذا الدين العظيم إذا جاء بشيء فرضه وأكمله وفرعه من جوانب كثيرة جداً؟ فالمحبة مثلاً عمل من أعمال القلب، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما هذا تكميل المحبة وتوفيرها أن يحب المرء لا يحبه إلا لله هذا تفريع المحبة، يعني هذه المحبة تنتشر وتسري لينظر الإنسان من هم الناس الذين يحبهم الله فيحبهم هو، هذا تفريع المحبة، ودفع ضدها: أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار [رواه البخاري: 16 ومسلم: 43]، فالتكميل والتفريع ودفع الضد من سياسة الشريعة وطريقة الإسلام في تحقيق القواعد الإيمانية في النفوس.
ولذلك لما جاء الخبر عن واحد من الصحابة -رضوان الله عليهم- أنه كان يقرأ سورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1] في كل ركعة، لما سأله ﷺ أو طلب منهم أن يسألوه، لماذا يفعل هذا؟ قال: إني أحبها ؛ لأنها صفة الرحمن، قال الصحابي: لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها.
لاحظ هذا الرجل ما بلغ المنزلة العظيمة هذه إلا بشيء وقر في قلبه، ما هو؟ لأنها صفة الرحمن.
انظر إلى كلام الصحابي: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها.
فأنا أحب أن أقرأ بها، لماذا؟ لأن آياتها قصيرة؟ لأنها تنتهي بسرعة؟
لا؛ لأنها صفة الرحمن، فهو لأنه يحب الرحمن فيحب أن يقرأ صفة الرحمن فيحب هذه السورة، فلذلك قال النبي ﷺ: أخبروه أن الله يحبه [رواه البخاري: 7375 ومسلم: 813].
وفي رواية أخرى صحيحة: حبك إياها أدخلك الجنة [رواه البخاري: 775، ومسلم: 2903].
العبودية ليست ادعاء، فمثلاً: المحبة جعل الله التي هي أساس من أساسيات العبودية جعل الله لأهل محبته علامتين، لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران: 31].
والعبودية هذه ليست ادعاء، وإنما كل شيء فيها له براهين وإثباتات، فمثلاً: المحبة جعل الله التي هي أساس من أساسيات العبودية جعل الله لأهل محبته علامتين، لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران: 31].
وأيضاً العلامة الثانية: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ [التوبة: 24] فصار إذاً صارت العلامات اتباع الرسول ﷺ والجهاد في سبيل الله بجميع أنواعه، ليس الشأن أن تحب الله هكذا مجرداً، وإنما أن تحب ما يحبه الله ، تحب ما يحبه المحبوب.
تعصي الإله وأن تزعم حبه | هذا محال في القياس بديع |
لو كان حبك صادقاً لأطعته | إن المحب لمن يحب مطيع |
يقول ابن القيم -رحمه الله-: ولقد لمت مرة شخصاً على ترك الصلاة، لماذا لا تصلي في المسجد؟ فقال لي –انظر إلى الشبهة الشيطانية-: إني لا أرى نفسي أهلاً لدخول بيته، يعني أنا أشوف نفسي في مستوى أنزل مني أدخل بيت الله المسجد، أنا إنسان ملوث بالقاذورات، ليس مستواي أني أدخل بيت الله وأصلي، فانظر إلى هذا كيف تلاعب به الشيطان بدلاً من أن يدخل بيت الله ليطهر نفسه من القاذورات ويكون بمستوى أن يدخل الجنة، يتذرع بهذه الحيلة الشيطانية لكي لا يدخل المسجد ولا يصلي.
وإذا استطردنا في نفس القياس يعني كيف يقف بين يدي الله وهو ملوث بالقاذورات إذاً ما في داعي يصلي؛ لأن مستواه لا يؤهله لأن يقف بين يدي الله في الصلاة.
إذاً، يترك الصلاة، وهكذا يتلاعب الشيطان لمثل هؤلاء، كل شيء يحبه الله يبتعدون عنه ويأتون لذلك بالمسوغات الشيطانية التي ليست بمسوغات حقيقة، ولما علم الله شوق المحبين إلى لقائه ضرب لهم موعداً: مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ [العنكبوت: 5].
ومن الأدلة أيضاً والعلامات في قضية المحبة التي هي من قواعد العبودية: أن من أحب شيئاً أكثر من ذكره، ولهج به دائماً.
ولذلك أمر الله -تعالى- عباده بأن يذكروه أخوف ما يكون وفي أخوف موضع وهو القتال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا [الأنفال: 45] في أخوف موضع تؤمر بذكر الله.
ومن هذه العلامات أيضاً: الإقبال على حديث المحبوب واستماعه والإصغاء إليه والشوق لذلك الحديث وتفريغ السمع والقلب لأجل ذلك، ولهذا لم يكن شيء أحب إلى أهل الإيمان من استماع كلام الرحمن، "من أحب شيئاً أكثر من ذكره".
الناس الآن في مجالسهم ماذا يكثرون من ذكر أي شيء؟
الوظائف والترقيات والعلاوات والانتدابات والأراضي والأسهم والشركات والعقارات والتجارات والأرباح والخسائر والسيارات وأنواعها والموضات والأزياء، وغير ذلك، دائماً يلهجون بذكرها في المجالس، لو كان هؤلاء فعلاً يحبون الله هل كانوا سيستغنون عن ذكر الله بهذه التوافه، أم أنهم سيذكرون الله كثيراً؟
ومعنى ذكر الله ليس فقط سبحان الله، والحمد لله، في المجلس هكذا دائماً، مع أن هذه عبادة طيبة ومشروعة ومستحبة ومأمور بها، ولكن أيضاً الثناء على الله، والدعوة إلى سبيل الله، والرد على أهل البدع حمية لدين الله، ودفاعاً عن شريعة الله، والرد على كيد الكائدين لهذا الدين، وتبيين سنة سيد المرسلين وسيرته وصحابته وطريقته، وهكذا...
لو كان حبنا صادقاً فعلاً لله كانت مجالسنا الآن كلها ذكر لكل ما يحبه الله من الأقوال والأفعال، ولكن لأن في قلوبنا شيء من الدنيا، أو شيء كبير من الدنيا فتجدنا نغلب ذكر الدنيا والاشتغال بحديث الدنيا على التكلم بما يرضي الله .
وكذلك لأن المحب يحب دار محبوبه.
تجد الآن لو أن إنساناً أحب شخصاً فإنه لا يزال يحوم حول داره وحول بيته ويأتي ويتردد عليه دائماً، وتجد أن مجلس هذا الشخص المحبوب دائماً يرابط فيه المحب، ولأجل هذه الطبيعة في النفس جعل الله لأهل محبته بيتاً في الأرض يأتون إليه تعبيراً عن شيء من محبتهم لربهم ، فيأتون إلى بيت المحبوب الله الذي يحبونه ويستطاب في ذلك هجر الأوطان والأحباب ويلذ فيها السفر الذي هو قطعة من العذاب، لماذا؟
لأن الله أضافه إلى نفسه: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحـج: 26] فلما نسبه إلى نفسه وصار بيته اشتاق إليه المحبون فأتوه، فهم لا يفرغون من عمرة إلا ويأتون بعمرة، ولا يفرغون من حج إلا ويأتون بالحج القادم، وهكذا..، فهم يحبون بيت محبوبهم، يحبون بيت الله يؤوون إليه دائماً.
وكذلك الوحدة والأنس والاشتغال بالله والتفرغ له، هذا من الأسرار في قيام الليل، وهذا أيضاً مما شرع لأجله دفع المار بين يدي المصلي، كما ذكر ذلك ابن القيم -رحمه الله- وقال: ولهذا السر -والله أعلم- أمر النبي ﷺ برد المار بين يدي المصلي، حتى أمر بقتاله، لماذا؟
لأن الإنسان عندما يقف بين يدي الله، فإن الله يكون أمام المصلي كما ورد بذلك الحديث، يكون أمام المصلي، فالإنسان لو جاء يقطع ويمر فيجب دفعه؛ لأن الإنسان الآن مشتغل بالتوجه إلى الله وتركيزه كله في هذا الجانب، فهو يرفض أن يأتي إنسان ليقطع ويمر من أمامه ويشغله عن هذا التركيز، فلذلك يقاتل ويأثم المار ويأثم أيضاً الشخص الذي يسمح للمار أو بعبارة أدق ينقص من أجره، ينقص من أجره بحسب إهماله وتفريطه في دفع المار بين يديه.
ولأجل ذلك كان لا بد لعباد الله أن ينظروا ما هي الأشياء والصفات والخصال التي يحبها الله حتى يكثروا منها: وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 146]، والله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران: 76]، وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 148]، واللّه يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222]، و الله يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159]، و يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ [الصف: 4].
أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.
أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها.
أحب الأعمال إلى الله أن تموت ولسانك رطباً من ذكر الله.
أحب عباد الله إلى الله أنفعهم أحسنهم خلقاً.
أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أحب البلاد إلى الله مساجدها.
أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد: سبحان الله وبحمده.
أحب الصيام إلى الله صيام داود.
كلها أحاديث صحيحة تبين بعض الأشياء التي يحبها الله لكي تأتيها، وكذلك مما تستلزمه هذه العبودية ولا زال الكلام في المحبة وهو أحد قواعدها أن تحب المرء لا تحبه إلا لله.
الآن هناك مشكلات كثيرة تواجه الناس.
ومن ضمن هذه المشكلات أن بعض الناس تنشأ بينهم علائق وعلاقات لا ترضي الله، ويتقرب بعضهم إلى بعض، لا لله، وإنما لأغراض أخرى.
الآن هناك مشكلات كثيرة تواجه الناس.
ومن ضمن هذه المشكلات أن بعض الناس تنشأ بينهم علائق وعلاقات لا ترضي الله، ويتقرب بعضهم إلى بعض، لا لله، وإنما لأغراض أخرى.
ولذلك تنقية العلاقات من صميم الإيمان ومن صميم المحبة ومن صميم العبودية.
وبعض الناس لا يهتمون بتنقية علاقاتهم، وإنما يترك لأهوائه أو لعاطفته أن تنتشر وتسير كما تريد دون حدود ولا قيود ولا مراجعة ولا محاسبة ولا تنقية فيقع في النهاية فريسة لتعلقات وعلاقات بأشخاص لا ترضي الله ، مثلاً بعض الناس قد يتعلق بشخص وينجذب إليه؛ لأن الطباع متشابهة فيقضي معه أوقات طويلة مضيعة لجزء من حياته لا يرضي الله.
بعض الناس يقيم علاقات مع شخص لأجل الانتفاع الدنيوي به فحسب؛ لأن له وظيفة يستطيع أن يتوسط له، لأنه مديره في العمل يرقيه وينتدبه، لأنه تاجر وصاحب محل لو ذهب إليه لأرخص له في السعر، لأنه متفوق دراسياً فيشرح له وينفعه عند الاختبارات، لأنه صاحب سلطة يجلب له نفع ويدفع عنه ضر، وهكذا يتعلق بأشخاص لمصالح دنيوية فقط، لا لأن هذه المصالح فيها طاعة لله أحياناً أو منفعة للدين، لا، لأجل المصلحة ذاتها وليس لأجل الله.
قد يتعلق إنسان بشخص تعلقاً محرماً بحيث أن كلاً منهما يساعد الآخر على الفاحشة، فواحد يجلب للآخر نساء والآخر يجلب له الخمر أو المخدرات.
وأحياناً تكون بينهما علاقة فاحشة، تعلق من جهة عمل الفاحشة من الزنا أو الفاحشة الكبرى مثلاً تعلق رجل بامرأة أو بمثله في عمل الفاحشة.
وأحياناً يكون التعلق عشقاً بهيمياً يعبد فيه العاشق المعشوق مع الله، شرك في المحبة.
ينبغي أن نحب المخلوقين لله لا لغرض آخر، ولذلك نحب أولياء الله محبة محبوب، المحبوب من محبة المحبوب، نحب أنبياء الله، لماذا نحب إبراهيم؟ لماذا نحب نوحاً؟ لماذا نحب موسى؟ لماذا نحب أيوب؟ لماذا نحب يوسف؟ لماذا نحب خاتم الأنبياء محمداً ﷺ؟ لماذا نحبهم؟ هل رأيناهم؟ لماذا نحبهم؟ لماذا نحب علماءنا ومجددي هذا الدين؟ لماذا نحب الخلفاء الراشدين؟ لماذا نحب الصحابة؟ لماذا نحب عمر بن عبد العزيز؟ لماذا نحب الشافعي وأحمد ومالك وأبا حنيفة والأوزاعي والثوري وابن عيينة والليث بن سعد؟ لماذا نحب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وغيرهم من علمائنا الأجلاء، لماذا نحبهم؟
إننا نحبهم؛ لأنهم يدافعون عن الشريعة.
إننا نحبهم لأنهم يحبون الله، ولأن الله يحبهم ويضع لهم القبول في الأرض، ولذلك نحن نحبهم.
لا لشكلهم، لا لظرافتهم، لا لخفة الدم، إلى غير ذلك من الاعتبارات الجاهلية التي يتعلق بعض الناس بآخرين من أجلها.
إذا لم تعبد الله فلا بد أن تعبد غير الله
ومن لم يعبد الله لا بد أن يعبد غير الله، هذه قاعدة ومعلم آخر من معالم طريق العبودية: إذا أنت لم تعبد الله لا بد أن تعبد غير الله، لا يمكن أن نقبل كلام واحد يأتي ويقول: ترى يا جماعة أنا لا أعبد الله ولا أعبد غير الله، أنا ما أعبد أحداً أبداً، لا الله ولا غير الله، فنقول له: مستحيل أنت كذاب؛ لأن البشر مفطورون على هذا، الإنسان مفطور إذا ما أحب الله أن يحب شيئاً آخر، لأنك لا بد أن تحب، لا بد أن تعبد، لا بد أن تهوى شيئاً لا بد، فإذا ما عبدت الله تعبد المال، إذا ما عبدت المال تعبد الجمال، إذا ما عبدت الجمال تعبد الهوى، إذا ما عبدت الهوى تعبد النفس الأمارة بالسوء الشيطان العشق، ممكن تعبد أشخاصاً لابد أن تعبد شيئا، لا يمكن أن يبقى هذا القلب خاوياً لا يعبد شيئاً، لا بد أن يعبد شيئاً، ولذلك الرسول ﷺ قال: وأصدقها: حارث، وهمام [رواه أبو داود: 4950، وأحمد: 19032]؛ لأن كل واحد فيه هم وسعي وعمل وحراثة، وفيه نية، وقلبه فيه أشياء ينطوي على أعمال، القلب يعمل ليس متوقفاً، ليس القلب يعمل في ضخ الدم، واحد يتصور معنى أن القلب يعمل يعني يضخ الدم؟
لا.
هناك قلب في الإنسان يعمل أعمالاً، رجاء محبة خوفاً توكلاً استعانة استغاثة حباً بغضاً كرهاً، يعمل أعمال القلب ليس بمتوقف، فمن لم يعبد الله لا بد أن يعبد غير الله، وهذه قاعدة مهمة جداً نستطيع أن نفهم من خلالها لماذا تحدث الانحرافات الآن؟ من يرجو النفع من شخص، أو يرجو منه دفع الشر، ثم يزعم أنه يحب الله، فهذا من نفاق الأقوال، لو كان هذا يحب الله فعلاً لتوكل على الله في دفع الشر وجلب الخير.
الآن لنوضح المسألة أكثر، لو أنت أحببت إنسانا لأنه أحسن إليك، لو واحد أحسن إليك ألا تحبه؟ لو واحد عمل لك معروفاً ألا تحبه؟
بلى، ألست تحبه؟ بلى، لماذا تحبه، لذاته، أم لإحسانه؟
لإحسانه.
ولكن الله -عز وجل- يحب لذاته .
وهذا من الفروق بين محبة الخالق ومحبة المخلوق.
أنت لماذا تحب مخلوقاً؟ أفعل لك خيراً؟ لأنه لأجل الخير الذي فعله لك صار عندك محبة لهذا المخلوق، لا لذات المخلوق؟ لا بد يكون فيه شيء جعلك تحبه، لا بد أن يكون عمل لك أعمالاً، فيه صفات لأجلها أن تحبه، ولا يجوز أن يحب شيء لذاته إلا الله كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فيه فرق بين حب الأشياء، حب الأشياء الدنيوية هذا حب طبيعي، حب الأكل حب طبيعي، لكن حتى تتضح الفروق أكثر الآن الإنسان يحب المال، يحب الأكل، يحب النساء، لا لذات الأكل، لا، لأن هذا مثلاً اسمه خبز، لا لذات الخبز أنت تحب الخبز لذات الخبز؟ لا، وإنما تحبه لأنه يسد الجوع، لأن طعمه لذيذ، فأنت تحبه، حتى المحبة الطبيعية فيها نقص، أنت ما تحب الشيء لذاته وإنما تحبه لشيء فيه، والمحبة الطبيعية ركزت في النفوس لبقاء الأنفس، لبقاء الناس، والله ركز محبته في النفوس لتبقى الأبدان، لكي يعبد الله وحده، لكن لو أن الإنسان أحب شيئاً من الأشياء الدنيوية لذاتها وقع في الشرك، لو واحد أحب إنساناً لأن هذا شكله، لذات الشخص للحمه لدمه لعصبه لشعره، هذا إذا أحبه لذاته فقط دون اعتبارات أخرى يمكن أن يقع في الشرك، لكن الشيء الذي يحب لذاته فقط هو الله ، من أحب شخصاً لهواه مثل أن يحبه لدنيا يصيبها أو لخدمة أو لحاجة يقوم له بها، أو لعصبية مثلاً، أو لجمال صورته، فليست هذه محبة لله، لو أحببت شخصاً لجمال صورته، هذه محبة لله؟ لو أحببت شخصاً؛ لأنه من قبيلتك فقط، هل هذه محبة لله؟
كلا، بل إن هذه المحبة هي التي توقع صاحبها في الكفر والفسوق والعصيان، كل من تعلق بمخلوق خضع قلبه لذلك المخلوق، وصار فيه من العبودية لهذا المخلوق بحسب التعلق والمحبة، فالرجل إذا تعلق قلبه بامرأة مثلاً ولو كانت مباحة.
الآن ما حكم محبة الزوجة المحبة الطبيعية؟
جائز، ما في إشكال.
الواحد يحب زوجته ما في شيء، لكن لو أن الإنسان تعمق في هذا الحب حتى وصل إلى التعلق بهذه المرأة، تعلق قلبه بها، وبقي أسيراً لها، فهي تتحكم فيه وتتصرف بما تريد، مع أنه في الظاهر هو الزوج وهو سيدها، لكن تتحكم فيه ولا سيما إذا علمت أنه لا يمكن أن يستغني عنها ولا يمكن أن يستبدلها بغيرها، فإنها حينئذ تتحكم فيه تحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور المظلوم، ولذلك يقول الرسول ﷺ: ((تعس عبد)) الزوجة، أسر القلب أعظم من أسر البدن، عندما كان الكفار قد احتلوا بعض بلدان المسلمين لم تكن خطورة وضع المسلمين مثل الخطورة الآن بعد أن خرج الإنجليز الحمر وبقي الإنجليز السمر، ليس الآن المسألة أخطر، لماذا؟
لأن من أول كانت المسألة الناس في استرقاق لكن استرقاق أبدان.
الآن الناس وقعوا في استرقاق القلوب، ولذلك لما خرج الكفار من البلدان الإسلامية ما تحس تحسنت الأحوال، ما خرجوا إلا بعد أن زرعوا من يسترق القلوب وتتعلق قلوب المسلمين بالكفار، ولذلك صارت التبعية مع أن الكفار ذهبوا إلى بلادهم لكن بقيت التبعية، إذا كان البدن مستعبداً والقلب حراً صار الإنسان مستريحاً، ليست هذه مشكلة، لكن المشكلة إذا كان القلب مستعبداً فإن الإنسان يصبح ذليلاً في أسر عظيم حتى لو سافر في أرجاء الدنيا كلها وانطلق شرقاً وغرباً فهو لا يزال مأسوراً؛ لأن القلب هو الذي أسر الآن، لكن يوسف ألقي في السجن، ما تأثر إيمانه؟
ما تأثر، لأن قلبه حر، ليس هناك إشكال الآن، الآن لو أن الزوجة وهي مباحة للإنسان استعبدت قلبه يمكن أن يقع في مهاوي مما ينافي العبودية، فكيف إذا كان هذا المحبوب شيئاً محرماً، فإذا استعبد قلب إنسان صورة محرمة كامرأة بغي امرأة أجنبية أو أمرد، فكيف يكون وضعه؟
يكون وضعه في غاية الذل لهذا المعشوق المتعلق به الذي أسر قلبه، فتجده يسيره كيفما يشاء، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وهؤلاء عشاق الصور، أيش يعني الصور؟ يعني أشكال الناس نساء أو مردان، هؤلاء عشاق الصور من أعظم الناس عذاباً وأقلهم ثواباً، من أعظم الناس عذاباً وأقلهم ثواباً، ويجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد، ولو سلم من الفاحشة الكبرى، يعني ليس بالضرورة أن يقع في الفاحشة، لا، قد لا يقع في الفاحشة، لكن يقع فيما هو أسوأ من الفاحشة وهو الشرك، إذا تعلق قلبه بهذا الشخص بحيث أنه يصحو وينام على ذكراه، يفكر فيه طيلة يومه لا يستطيع أن يبتعد عنه، ولا أن يتوقف عن سماع حديثه، ولو غابت عنه صورته لكلمه بالهاتف كلاماً طويلاً جداً لساعات طويلة جداً، لا يستطيع أن يفارق خياله ولو وقف في الصلاة وقال: إياك نعبد وإياك نستعين، فإن قلبه متعلق بتلك الصورة، وهو يقول: إياك نعبد وإياك نستعين، ولكن قلبه متعلق بتلك الصورة التعلق المحرم، هذا الذي يفضي إلى الشرك، المحبة مع الله، هنا جعل هذا الشخص أشركه مع الله في المحبة.
وهذه خطورة لا بد أن ننقي العلاقات، لا بد أن نهتم بميل القلب، لا بد أن ينقح الإنسان ويصحح مسيرته وميوله من آن لآخر، حتى لا يقع في مثل هذه المهاوي، وهناك كثير من أصحاب القلوب الضعيفة الذين لديهم استعداد هائل؛ لأن يقعوا في التعلق ببعض الصور لأدنى مناسبة، فدوام تعلق القلب بمخلوق من غير مجاهدة ولو لم يعمل الإنسان الفاحشة أشد ضرراً من أن يفعل ذنباً ثم يتوب منه ويزول أثره من قلبه، الإنسان لو فعل الفاحشة ممكن يتوب وينمحي أثر هذه الفاحشة ، "التائب من الذنب كمن لا ذنب له".
لكن لو واحد متعلق بإنسان التعلق المحرم، هذا كيف يزول من قلبه؟ كيف يزول الأثر؟
قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم | العشق أعظم مما بالمجانين |
العشق لا يستفيق الدهر صاحبه | وإنما يصرع المجنون في حين |
هذا حال العاشق الولهان.
والله يصرف عن عباده الصالحين ما يسوءه سبحانه من الميل إلى الأشخاص والصور والتعلق بها، ويصرفهم عن الفاحشة؛ كما صرف يوسف : كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: 24].
لكن هنا قد يسأل واحد يقول: كيف أكتشف أن محبتي لفلان هي محبة في الله وأخوة في الله فعلاً، وأنها ليست شيئاً آخر؟ يعني أنا ما عندي ميزان واضح، أريد أن توضح لي كيف أبين لنفسي أن محبتي لفلان فعلاً محبة لله وليست مثلاً محبة تشابه طباع والا محبة لأشياء دنيوية بحتة والا علاقة عشق وتعلق ومحبة مع الله تصل إلى الشرك، ما هو الميزان؟
نقول: لو رأيت هذا الشخص بما يذكرك؟ لو سمعت كلامه بماذا يذكرك؟ لو كان رؤيتك لهذا الشخص تذكرك بالله، فإذاً علاقتك به علاقة صحيحة شرعية، ولذلك ورد في الحديث الصحيح: أولياء الله الذين إذا رؤوا ذكر الله ، حديث عظيم، أولياء الله الذين إذا رؤوا ذكر الله ، يعني إذا رأيته استجلبتك أنوار الطاعة في وجهه لتذكرك بالله، أولياء الله الذين إذا رؤوا ذكر الله ، حديثه إذا كان يذكرك بالله، وتشعر بزيادة إيمان شعور حقيقي.
فإذاً، محبتك لهذا الشخص محبة صحيحة، لأن كلامه يجذبك إلى الله ويقربك من الله، لذلك الإنسان في بعض لحظات الصفاء فعلاً يحس بالانجذاب إلى واعظ من الوعاظ أو إلى مربٍ من المربين أو داعية من الدعاة أو خطيب من الخطباء يحس بأنه يحبه لماذا يحبه؟ لأنه يشعر إذا كانت لحظة صفاء في القلب يشعر فعلاً بأن كلام هذا الخطيب وهذا الواعظ وهذا الإنسان يقربه من الله، ويحس أن هذا الكلام يرفع إيمانه، هذه محبة صحيحة، هذه محبة صحيحة، هنا تطمئن، حتى لو مات الشخص، ممكن واحد يتعلق بالذكرى، المساكين هؤلاء الذين همهم في الذكرى والذكريات والكلمات والصور الكلام الفاضي، الذكريات ترى هذه أيضاً تدخل في قضية المحبة من دون الله، الآن بعض الناس يلتذ إذا تذكر معشوقه أو مغنٍ من المغنين أو مطرب أو راقصة أو ممثلة، أليس كذلك؟
بعض الناس يشعرون بلذة، مع أن هذا المغني أو هذه الراقصة أو هذا المعشوق قد مات، حتى قضية الذكرى هذه لها أثر في سلوك الإنسان، وهي دالة على مدى العبودية، هل أنت تعبد الله حقاً أم لا؟
الآن اسأل نفسك هذا السؤال: إذا ذكرت رسول الله ﷺ في نفسك الآن، لو تذكرت رسول الله ﷺ في خيالك في ذهنك، تذكرته ﷺ، بماذا تشعر؟ وإذا ذكرت الأنبياء والصحابة، أليس تذكرك لهم يقربك من الله؟
ألست تشعر وأنت تتذكر السيرة النبوية وتستعرض تفاصيل السيرة النبوية أنك اقتربت من الله أكثر؟
إذاً، قضية التذكر هذه قضية إيمانية أيضاً، ولذلك كلما تغلغل الإيمان كلما ملك على الإنسان خياله ومشاعره وذهنه وتفكيره، ويجلس الآن بدل ما يتذكر المحبوب والمعشوق التافه يتذكر طيلة الوقت رسول الله ﷺ: المعارك، الصحابة، العلماء، سيرهم، أخبارهم، يعيش معهم في ذهنه، مع أنهم أموات، لذلك، الآن قضية الشعور هذا هذه مسألة مهمة.
عندما يسافر الإنسان بعيداً عن إخوانه في الله من المهم جداً أن يبقى شعوره معهم، متصل بإخوانه في الله، فهو لا يزال يتذكر وقد سافر إلى أبها، لا زال يتذكر المراكز الصيفية في الرياض، وأنه قد جلس مع إخوانه في الله، الحلقات، وأنه كان يتربى مع فلان وفلان، وأنه كان يتردد إلى العلماء فلان وفلان، والمشايخ فلان وفلان، وأن إخوانه في الله فلان، هذا يدق عليه الهاتف في ساعة معينة ليوقظه لقيام الليل، وأن فلاناً كان يحفظ معه القرآن.
إذاً، هذه قضية المشاعر، قضية الذكريات قضية مهمة جداً، لو انقطعت لو واحد سافر إلى مكان وانقطعت صلته الشعورية بإخوانه فهو على خطر عظيم، ما هي أسباب الانحراف؟
لما سافر إلى مكان آخر لا يتذكرهم لا يتذكر مجالسهم لا يتذكر حلق الذكر لا يتذكر الأشياء المؤثرة، ولذلك ينحرف بعد حين.
هل وجدتم الآن ما مدى تغلغل قضية العبودية لله في الأفكار والمشاعر والأذهان وحتى الخيالات؟
دعونا نأخذ مثالاً آخر؛ قضية المحبة هل هذا أحبه لله وإلا لغير الله؟
هذه مسألة قد تختلط عند الكثيرين، وبعض الناس يوهم نفسه أنه يحبه لله، لأنه يمكن يخترع مناسبة يقول: تعال نحفظ قرآناً، وتعال نقرأ كذا، مع أنه عندما يجلس ليقرأ معك كتاباً نافعاً فإنه سيسرح عن الكتاب وأفكار الكتاب ويفكر بهذا الشخص إذا كانت محبته له ليست محبة لله.
مثال من السيرة: أبو بكر الصديق يحب الرسول ﷺ، وأبو طالب يحب الرسول ﷺ.
فالآن فكر في هذا المثال: أبو بكر يحب الرسول ﷺ ودخل الجنة.
وأبو طالب يحب الرسول ﷺ ودخل النار: "أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة أبو طالب يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، وأنه يظن أنه أشدهم عذاباً وإنه لأهونهم".
أخف أهل النار عذاباً يوم القيامة أبو طالب خالد مخلد في النار.
وأبو بكر الصديق يحب الرسول ﷺ وأبو طالب يحب الرسول ﷺ، فلماذا هذا محبته نفعته ودخل الجنة، وذلك محبته للرسول ﷺ لم تنفعه ودخل النار؟
لأن أبا بكر الصديق أحب الرسول ﷺ لأجل الحق الذي جاء به من عند الله، ويجب أن يتابعه.
ولكن أبا طالب يحب محمداً ﷺ لأنه ابن أخيه وقريبه، وهو الذي رباه من صغره، وقلب أبي طالب متعلق بمن رباه من الصغر، رباه يتيماً، ما أحب أبو طالب الرسول ﷺ لأنه نبي جاء بالحق، وأنه يجب اتباعه، ما أحب الرسول ﷺ لأنه جاءه بما يحيي القلوب، وجاءه بالقرآن، ولكن أحبه لقرابة.
وعموماً فإن الأشخاص الذين يحبهم الله، والمفروض أن نحبهم تظهر الدلائل والآثار على محبة الله لهم تظهر في الأرض، يضع الله لهم القبول في الأرض، هذا حديث في الصحيحين واللفظ الذي أسوقه لمسلم عن سهيل بن أبي صالح قال: "كنا بعرفة فمر عمر بن عبد العزيز وهو على الموسم" كان أمير الناس على الموسم، "فقام الناس ينظرون إليه، فقلت لأبي: يا أبت إني أرى الله يحب عمر بن عبد العزيز، قال: وما ذاك؟ قلت: لما له من الحب في قلوب الناس" فقال: إني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله ﷺ: إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلاناً فأحبه يا جبريل، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض [رواه البخاري: 3209، ومسلم: 2637 و2637].
ولذلك الآن ترى الصحابة، الأنبياء، العلماء، ذكراهم خالدة باقية في الأرض: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح: 4] الله رفع ذكر الرسول ﷺ إلى قيام الساعة، وذكره في الأذان، أقل شيء في الأذان يذكر يومياً خمس مرات في مختلف أماكن الأرض يذكر اسم الرسول ﷺ: أشهد أن محمداً رسول الله: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح: 4] .
وأيضاً إبراهيم : وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء: 84].
فالصالحون يبقي الله ذكراهم حية في النفوس، فلا يزال الناس يتناقلون أخبارهم وسيرتهم وأعمالهم، ويتذاكرون بها ويتلونها ويقتدون بها، تبقى ذكراهم حية.
لكن قل لي: كثير من الفسقة المجرمين العصاة فرعون بماذا يذكره الناس؟ هل يأتي واحد يقول: أنا أحب فرعون جداً، وقارون، وهامان؟ هل تجد واحداً يقول: أنا أحب أبا جهل من أهل الإيمان؟
لا.
هؤلاء يذكرون باللعنات.
هؤلاء يذكرون باللعنات لو ذكروا.
وكثير منهم الآن أهل البدع طمس الله ذكراهم، فلا يذكرون إلا على سبيل النقد، أو أن يذكرهم أعداء الإسلام فيرفعون اسم الحلاج فينبري أهل السنة للرد عليهم، ويسقط الحلاج في الأرض.
ولكن يهجم ناس على شيخ الإسلام ابن تيمية فيجرحون فيه فينبري له أناس يقيضهم الله ليدافعوا عنه ويرتفع ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عالياً فوق.
كم من الافتراءات على دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب؟
كثيرة جداً، قالوا عنه كل ما يخطر بالبال، وألصقوا به كل التهم، كافر، زنديق، يكره الرسول ﷺ، يفعل، يفعل.
بل بلغ ببعضهم أنه أراد يبين لك جهله، جاء يتكلم على ابن القيم وأفكار ابن القيم قال: والذي يظهر أن ابن القيم وهابي، ومحمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- اعتمد على كلام ابن القيم -رحمه الله-، وبينهما مئات السنين.
التعلق بحطام الدنيا
مسألة التعلق، نحن الآن نريد أن نركز لأن فعلاً فيه مشكلات كثيرة حاصلة الآن في الواقع في قضية التعلق هذه.
والعبودية الكفرية أو العبودية الزائفة ليست عبودية للأشخاص فقط، فقد تكون عبودية لأشياء أخرى من حطام الدنيا: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران: 14].
فإذاً، هناك من الناس من يكون عبيداً للمال، يستعبدهم المال ويسترقهم المال.
وهناك أناس صالحون المال لو كان عندهم ملايين هائلة لا يضرهم، لا تضرهم كثرة تلك النقود والأموال؛ لأنهم يصرفونها في طاعة الله ويكتسبونها من المباحات وينفقونها في طاعة الله: "نعم المال الصالح للرجل الصالح [رواه البيهقي في شعب الإيمان: 1190، والبخاري في الأدب المفرد: 299، وصححه الألباني في تخريج مشكلة الفقر: 19] لماذا؟
لأن العبد الصالح يحتاج إلى المال في مطعمه ومشربه وملبسه ومسكنه ومنكحه، فهو يطلب المال من الله ويرغب إليه أن يرزقه مالاً، والله يعطيه المال ويرزقه وهو ينفقه في الطاعات والمباحات، فيكون هذا المال عند الرجل الصالح بمنزلة كما يعبر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بمنزلة حماره الذي يركبه.
الآن لما الواحد يركب الحمار من قديم أو قل السيارة، لما يركب الحمار هل يحتاج إلى الحمار؟
نعم، يحتاج إلى الحمار حتى يوصله إلى المكان المقصود، هل يحب الحمار؟ ويتعلق قلبه بهذا الحمار، ويجري وراء هذا الحمار، ويلبي رغبات الحمار؟ ولو قال له الحمار: اذهب يميناً لذهب يميناً أو شمالاً؟
ابن تيمية -رحمه الله- يضرب أمثلة جميلة، يقول: والكنيف بيت الخلاء الذي يقضي حاجته فيه، الإنسان يحتاج إلى بيت الخلاء.
هل يحب بيت الخلاء، ويتمنى أن يبقى في بيت الخلاء سنيناً ودهوراً، وبيت الخلاء هذا شيء عظيم في نفسه؟
لا، طبعاً.
وهكذا ينبغي أن يكون المال، أنت تحتاجه، نعم تحتاجه، ونحن لا نذهب مذاهب الصوفية الغلاة نقول: لا نحتاج الأموال، ولا نريد أموالاً، ونرمي أموالنا في سلة المهملات.
لا، طبعاً.
لكن ما موقفنا من هذا المال؟ هل نحب المال حباً جماً، ونتحرك وراء المال حسب ما يقتضيه المال ونسهر ونتعب بما يملي علينا المال، أم أننا نستعمل المال نحرص عليه فقط؛ لأننا نحتاجه، لكن لو تعارض مع عبوديتنا لله مع طاعتنا لله تركنا المال؟ بعض الناس الآن يقول: أنا أعمل في الدكان الفلاني أو في المحل الفلاني أو الوظيفة الفلانية أحس أن فيها شبهات أحس أن فيها شيئاً من الحرام، لكن ما أدري ماذا أفعل؟
نقول: إذا علمت أنه محرم هنا تبرز المسألة: هل أنت تحب المال فيجعلك تعصي الله وتطلب المال وتحرص عليه حتى لو كان حراماً، أم أنك تتركه لله؟
إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج: 19- 21].
لو واحد أحب المال لذات المال لا لكي يستعين به على طاعة الله فإنه يكون عابداً للمال من دون الله، لو واحد أحب المنصب والرئاسة لا ليتوصل بها إلى إقامة دين الله، وتطبيق الأحكام، وحماية المؤمنين ونفعهم، وإنما لذات المنصب ولذات الرئاسة، فإن هذا يقدح في عبوديته لله ، ولذلك يقول ﷺ: ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه ما معنى الحديث؟
يعني أن الحرص على المال والشرف هذا فيه فساد الدين لا ينقص عن الفساد الذي يحدثه الذئب في الغنم، الزريبة المقفلة من الغنم.
ما ذئبان جائعان في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه يعني بأفسد للدين من الذئب الذي يعيش في الغنم، فشبه الذئب هنا تشبيهه في شئين متقابلين، الذئب شبهه بالمال والشرف، وشبه الدين هنا مقابله في المثل بالغنم، حتى يصبح فهم المثال واضح الحديث، فإذا تركنا الذئب يعيث في الغنم هي زريبة مقفلة والإنسان حرص على الشرف والمال ليس لأجل الله، فإنه يفسد دينه أكثر مما يفسد الذئب الغنم قتلاً وتجريحاً وأكلاً، وهكذا، ولذلك لأن صور الأشياء تتعدد، من الناس من يعبد الزوجة، ومنهم من يعبد المال، ومنهم من يعبد أشخاصاً، ومنهم من يعبد وظيفة، لذلك يقول ﷺ: تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش [رواه البخاري: 2887] فكل من تعلق بمنصب أو شخص فهو عبد له، رقيق له، والحر والعبد
العبد حر ما قنع | والحر عبد ما طمع |
وهكذا..
أطعت مطامعي فاستعبدتني | ولو إني قنعت لكنت حراً |
كما يقول الشاعر.
وبخلاصة أخرى: فإن تعلق العبد بما سوى الله مضرة عليه، إذا أخذ منه أكثر مما يحتاج إليه، فلو أن إنسانا أكل أو شرب فوق طاقته، فماذا يحدث له؟
قد يموت.
لو أسرف في النكاح فوق ما يستطيع قد يهلك ويضعف وتنحل قواه.
ولو أحب إنسان شيئاً حباً تاماً بحيث تخلل قلبه، فلا بد أن يأتي يوم يسأم منه ويمله.
انظر لو أنت أحببت الله لا يمكن أن يأتي يوم تسأم وتمل إذا استمررت في محبتك لله بطريقة صحيحة، لكن لو أحببت إنساناً وغاليت فيه، فلا بد يأتي يوم تسأم منه، ولذلك تجد الحديث الصحيح ما قاله جبريل لمحمد ﷺ: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من أحببت فإنك مفارقه [رواه الطبراني في الأوسط: 4278 والحاكم: 7921، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال "حسن لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 627].
لكن الله لو أحببته فأنت مع الله ولو في القبر بعد الموت وفي الآخرة وفي الجنة أنت مع الله، ومن أحب شيئاً لغير الله فلا بد أن يحصل له ضرر سواء وجد هذا الشيء أو فقده، الآن لو واحد يعبد المال، لو وجد المال فإنه سيتضرر؛ لأن المال يدفعه إلى عمل المحرمات، يستخدمه في المعصية.
لو هو يحب المال جداً، لكن فقد المال، فماذا يحصل له؟
سيتعذب ويتألم لفقد المال.
لذلك الآن تجد بعض التجار المتعلقين بالدنيا أو أصحاب المقاولات لما يفوتهم مشروع أو التاجر تفوته صفقة ويخسر فيها، ماذا يحصل له؟ يتحسر ويتندم ويتقطع قلبه هلعاً وحسرة على هذا الذي فاته، مع أنه ليس عنده، فهو يتقطع حسرة وألماً فهو معذب سواء عنده المال؛ لأنه يستخدمه في المحرمات وهو معذب أيضاً حتى لو فقد المال بالحسرة والندم والألم، فانظر ماذا تفعل عبودية غير الله بصاحبها، نفس الشيء لو واحد عشق امرأة بالحرام لو وصل إليها وزنا بها مثلاً لعذب، ولو حرم منها وتمنعت عليه أو اكتشف أبوها العلاقة ومنعها من الخروج، ماذا يحصل له؟ ماذا يحصل له؟ أيضاً يتعذب ويتألم لفوات تلك المعشوقة، فتأمل ماذا تفعل العبودية لغير الله؟ ماذا تفعل بالشخص؟ تذله والله حتى تمسح به الأرض، هذه العبودية لغير الله، ولذلك يعذب حتى يوم القيامة يأتي صاحب المال الذي ما أدى الزكاة، عبوديته للمال منعته من أداء الزكاة يأتي ماله يوم القيامة شجاع أقرع يعني ثعبان سقط شعر رأسه من كثرة السم وقوة السم فيطوقه في رقبته ويقول: أنا كنزك أنا مالك، فيعذب حتى في الآخرة فهو معذب، الآن بعض الناس يظن أن أصحاب الأموال الكبيرة الذين لا يخافون الله أو أصحاب الرئاسات الكبيرة الذين لا يخافون الله يظن أن هؤلاء مستريحين وأنهم مبسوطين وأنهم منعمين، والحقيقة أنهم يعيشون في شقاء، وهذا الذي عنده الملايين كل شوي يخشى أن يسرق شيء، أن الموظف خان، صار اختلاس، فاتت بيعة، فاتت صفقة، راحت مقاولة وهكذا، فهم في عذاب فعلاً، ولذلك تجد فيهم مرض الضغط والسكري منتشر أكثر مما ينتشر في الناس العاديين، غير الحسرة والألم والندامة والشقاء النفسي: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طـه: 124] معيشة ضنكاً شديدة شاقة عذاب أليم.
ولو أن الإنسان حصل له لذات وسرور بغير الله، افترض واحد تنعم بمال أو شيء، حتى لو كان مباحاً، ما هو لازم يكون محرماً، فإنك تجد هذا الشيء لا يدوم له، لا يبقى له، وهو يتنقل من نوع إلى نوع، من شخص إلى شخص، لذلك تجد حتى الناس الذين عندهم الأشياء الفارهة وأنواع الترفيه يسأم، لو كان عنده صالة ترفيه في قصره لسأم وطلب نوعاً آخر من أنواع الترفيه، ابن آدم ما يشبعه شيء، لما يكون عبد للهوى والترفيه ما يشبعه شيء، يريد ترفيهاً من نوع آخر، وثالث، ورابع، وهكذا..، ولكن.
وكذلك الذي يتعلق بشخص فهو معذب، وربما ينتقل من شخص إلى آخر، وهكذا، وقد يتنعم بهذا في وقت دون وقت، وتارة يصبح الشيء الذي يتنعم به مؤذ له وضار به.
ولكن تأمل حال أهل الجنة فإنه مع كمال تنعمهم باللذات في الجنة، هل هذه اللذات في الجنة تصبح في أي وقت من الأوقات تصبح ضرراً عليهم أو مؤذية؟
وكذلك لبيان شرف اللذة الناتجة من رؤية الله، وأنها أعظم من كل شيء جاء الحديث الصحيح عن رسول الله ﷺ: إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد: إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، قالوا: ألم يبيض وجوهنا وينجنا من النار ويدخلنا الجنة؟ " قال: «فيكشف الحجاب» قال: «فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه [رواه الترمذي: 3105 وابن ماجه: 187، وأحمد: 18941، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم"].
قصور أنهار لبن خمر وعسل حور عين أشجار ثمار طيور، لكن النظر إلى وجه الله لا يعدله لذة، ينسون لذة الجنة بجانب لذة النظر إلى وجه الله ، ولذلك ماذا كان يقول ﷺ في دعائه: وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة [رواه النسائي: 1305، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 2497].
بعض الناس الذين يعتمدون أشياء ويعبدون أشياء تعلقهم بها تعلق استناد على شيء وهمي، لا حقيقة له، لنوضح ذلك بمثال: افترض الآن تاجراً كبيراً جداً، يتاجر في البورصة في الأسهم أو في العملات وعنده ملايين، عنده قصور، عنده خدم، عنده موظفون، وهكذا، هو الآن كيف ينظر إليه الناس؟ بنوع من الإجلال والإكبار والإعظام لهذه الشخصية الغنية الثرية.
هو كيف ينظر إلى الناس؟
مترفعاً عليهم ويرى نفسه غنياً.
ولذلك عندما يعامل السائق أو الخادم أو الموظف من طرف أنفه، لماذا؟
بسبب القوة المزعومة الآتية من أمواله.
الآن هذا الشخص، الساعة السادسة في بيته يعامل الناس في البيت بنفس الطريقة الآتية من قوة المال، من قوة مركزه المالي، وحتى يعامل في الديوانيات والمجالس من واقع مركزه المالي، وتطلق عليه الألفاظ بحسب منصبه.
افترض هذا الشخص الساعة السادسة خسرت أمواله كلها التي تعمل في سوق الأسهم والبورصات كله خسرت، وصار إنسانا عليه ديون بالملايين، راحت الثروة كلها، صار عليه ديون بالملايين، لو باع كل أملاكه لا يستطيع أن يسدد ديونه، لكن لم يعلم بعد والناس لم يعلموا بعد الحادثة صارت الساعة السادسة، لم يعلم إلا ثاني يوم، الآن في خلال أربع وعشرين ساعة هذه كيف يعامل الناس؟ وكيف يعامله الناس؟
ما زالوا يعاملوه بحسب مركزه المالي وغناه، وهو يعاملهم أيضاً، ويترفع عليهم من واقع مركزه المالي وثرائه، لكن الآن هو يترفع عليهم وهم يعاملونه بالتوسل إليه، وبالسؤال والشحاذة منه، وهو إنسان ما عنده شيء بالعكس عليه ديون.
في هذا الوقت أليست قوة المال قوة وهمية؟
ولذلك عندما ينتشر الخبر يصير مثله مثل أي واحد ثاني في الشارع عادي جداً، ولا يستقبل في المناسبات ولا يستقبل في المحافل بنفس الطريقة الأولى ولا شيء، راح المصدر الموهوم، وهكذا...
هذا الغني الذي لا يخاف الله تنقلب به الأحوال، لكن المؤمن الذي يعبد الله لا تتغير أحواله؛ لأنه يأوي إلى ركن شديد، ما تتغير أحواله، لو انتقل من مكان إلى آخر وهو ما زال يعبد الله وهو يأوي إلى الله ، قوته مستمدة من الله ، ولذلك لا تتغير أحواله، لا تتغير معاملته للناس، ولا تتغير معاملة الناس له؛ لأنه يعتمد على الله .
أيضاً من مقتضيات العبودية: أن ترضي الله
أيضاً من مقتضيات العبودية: أن ترضي الله، من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس .
لو واحد فعل شيئاً فيه رضا لله لكن الناس سيزعلون، لو فعله لرضي الله عليه وأرضى عنه الناس، لكن من أرضى الناس بسخط الله، فإن الله يغضب عليه ويغضب عليه الناس، فيه ناس مساكين عندهم عقدة اسمها إرضاء جميع الأطراف، وهذه قضية خطيرة وحساسة وهي منعطف يردي بعض الناس في عبوديتهم لله إلى المهاوي، إرضاء جميع الأطراف، كيف يعني؟ يعني صاحب الدين، وصاحب المنصب، وصاحب المال، إذا جلس مع أهل الدين صار ديناً وما في أحسن منه، وإذا جلس مع أصحاب المنكرات الفواحش صار أرداهم، وإذا جلس مع المستهزئين بالدين استهزأ، وإذا جلس مع علماء تكلم بالعلم، ويا شيخ فلان، وأحسن الله إليك، وعفا الله عنك، يريد أن يرضي زوجته، ونفس الوقت أولاده والجيران والناس، لو كان بسخط الله إرضاء جميع الأطراف، بعض الناس هذا همهم.
هذه مشكلة خطيرة جداً، أن يرضي جميع الأطراف إلا الله -عز وجل-.
بعض الناس هذا منهجهم، هذه طريقتهم، هذه سياستهم في الحياة إرضاء جميع الأطراف إلا الله ، وفي النهاية يسخط الله عليهم ويسخط عليهم جميع الأطراف، والحديث واضح في المسألة.
ثم الإنسان لا يمكن أن يرضي جميع الأطراف، ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون، هذا في جهة، عبد له سبعة يملكوه، ورجلاً سلماً لرجل، وعبد ليس له إلا سيد واحد، هذاك العبد الذي يملكه سبعة، واحد يقول له: جهز لي الطعام، وواحد يقول له: اترك من يدك الآن، وجهز لي الملابس، وواحد يقول: جيب السيارة، وواحد يقول: افعل كذا، وواحد يقول: اخرج، وواحد يقول: ادخل، فهو مسكين مضطرب تتنازعه الرغبات من جميع الجوانب؛ لأنه ليس له سيد واحد، له مجموعة أسياد، ورجلاً سلماً لرجل، ما في أحد مصدر الأوامر واحد، هل يستويان مثلاً؟ نفس القضية، هذا مثل ضربه الله للشخص الذي يعبد قلبه مأسور يعيش في عبودية لأطراف كثيرة للمال والأشخاص والمنصب والرئاسة والزوجة ولأهوائه وشهواته، هل هذا مثله في الاستقرار والطمأنينة مثل واحد يعبد الله فقط.
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الزمر: 29].
ولذلك تعس عبد الدينار، عبد الدرهم، عبد الخميلة، عبد الزوجة، عبد الهوى، عبد الفاحشة، عبد المخدرات، عبد الشغل، فيه ناس عندهم عبادة للعمل، عبادة للشغل، عبادة للوظيفة، يسهر في مكتبه إلى الساعة الثانية عشر ليلاً.
وبعض الناس عندهم الشغل مثل الصنم، يعني يعبد العمل حتى لو كان بغير نتيجة؛ لأنه يحب العمل فقط.
وإذا كانت المحبوبات غالباً لا تنال إلا بالمكروهات، الواحد إذا يريد أن يصل إلى منصب ومرتبة عالية جداً، كم سيضحي ويبذل؟
لا بد يسهر ويتعب ويدرس، ويأتي بشهادات، ويتملق إلى فلان وفلان، ويذهب إلى فلان وفلان، حتى في النهاية يصعد إلى المرتبة الذي يريدها.
والتاجر الذي يريد أن يجمع الأموال يسهر ويكدح ويسافر ويقابل، ويأتي من هنا ومن هناك، واتصالات وتلفونات، لماذا؟
لكي يصل إلى ثراء معين.
هذا يعني فاته نوم، فاتته راحة.
إذا كانت المحبوبات مثل المنصب والمال لا ينال إلا بمكروهات، ومع ذلك الناس يضحون ويبذلون ويتحملون هذه المكروهات، أليس الأولى بنا نحن المسلمين الذين نريد أن نعبد الله أن نتحمل المكروهات في سبيل إرضاء الله أكثر مما يتحمل أولئك المكروهات لما وصلوا إلى المنصب والجاه والمال الذي يريدوه؟
ينبغي أن نكون كذلك.
العبودية لها جانب أخلاقي في التعامل مع الناس
والعبودية أيضاً لها جانب أخلاقي، ولذلك تجد الآيات: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [الفرقان: 64 - 65].
وفي الإنفاق وفي معاملة الناس.
فالعبودية ليست قضية فقط قلبية ليس لها علاقة بالتعامل مع الناس.
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63] فيه تواضع في هذا الجانب.
وكذلك فنحن نعبد الله، من عبودية الله: أن نعبده في جميع الأوقات والأحوال.
بعض الناس يعبد الله يقول: أنا أعبد الله إذا الله أعطاني الشيء الطيب الذي أنا أحبه فأنا أعبد الله، لكن إذا ما أعطاني فأنا أشك.
بعض الناس عندما يعبد الله يتوقع الآن يأتيه الغنى والأموال والصحة والعافية، فلو أن الله ابتلاه بمرض وهو إنسان يطيع الله ويزكي ويصوم ويحج ويصلي، ولا يقترف الفواحش ولا المنكرات، ثم أن الله ابتلاه مثلاً -أبعد الله عنا وعنكم الشر- مثلاً بسرطان، ماذا يمكن بعض الناس ضعاف النفوس، ماذا يمكن أن يقولوا؟
يمكن ترى في قلوبهم أشياء مثل: لماذا؟ ليش يا ربي؟ ليش أنا أيش سويت لك حتى ...؟
وهكذا يقوم الاعتراض على القضاء والقدر والسخط على ما قدر الله عليه، لماذا؟ لأنه يريد المكافأة في الدنيا الآن: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ [الحـج: 11]، أو الحمد لله العبادة هذه جابت النتيجة، وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ [الحـج: 11].
هذه الآية لها قصة وشرح، في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: "كان الرجل يقدم المدينة" من الناس الذين يسمعون عن الإسلام يريدون أن يعرفوا ما هو الإسلام من الأعراب من البادية من المناطق الأخرى يأتون إلى المدينة، فيقيمون فيها مع الرسول ﷺ ويسلمون ويشهدون، "فإن ولدت امرأته غلاماً ونتجت خيله" يعني جالها أولاد الفرس، قال: "هذا دين صالح" واستمر عليه، "وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء" [رواه البخاري: 4742].
هذا تفسير ابن عباس لهذه الآية.
وهذا تفسير دقيق جداً، وهو عين ما يقع من الناس الآن، ولذلك تراهم هؤلاء الذين نقص عندهم الركن السادس من أركان الإيمان: "أن تؤمن بالقدر خيره وشره" تجد واحداً منهم ممكن لو ماتت زوجته وهو إنسان عنده عيال وفي مرحلة حرجة جداً ويحتاج إلى الزوجة جداً وماتت الزوجة في مرض فجأة ممكن يرفع بصره إلى السماء معترضاً يقول: لماذا يا رب؟ لماذا تفعل هذا لي؟ ماذا فعلت لك؟ فسر لي؟ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء: 23] .
فنحن نعبد الله سواء جاءتنا أموال، ما جاءتنا أموال، جاءتنا صحة جاءنا مرض، جاءنا أولاد صار الواحد عقيما لا ينجب، نعبد الله دائماً في جميع الحالات.
ولسنا على حرف إن أصابنا خير اطمأنا، وإذا أصابتنا فتنة انقلبنا على أعقابنا وخسرنا الدنيا والآخرة.
ونعبد الله دائماً حتى الموت: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: 99].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد.