السبت 22 جمادى الأولى 1446 هـ :: 23 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

03- شرح حديث (سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ..)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

نص الحديث الثالث

00:00:03

عن جبير بن مطعم قال: "سمعت النبي ﷺ يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور: 35-37] قال جبير: "كاد قلبي أن يطير" [رواه البخاري: 4854].

وفي رواية: "سمعت النبي ﷺ يقرأ في المغرب بالطور، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي" [رواه البخاري: 4023].

شرح الحديث الثالث

00:00:45

جبير بن مطعم كان مشركا قدم المدينة بعد بدر يطلب فداء أسارى بدر، جاء من طرف المشركين بعد معركة بدر، النبي ﷺ كان حريصا أن الأسرى والوفود من يأتي يسمع القرآن حتى يسمع كلام الله فكان ينزلهم في أماكن قريبة من المسجد حتى يسمعوا؛ فسمع جبير بن مطعم وهو مشرك لما جاء المدينة في طلب الفداء فداء الأسارى من قومه وافق في صلاة المغرب النبي ﷺ يقرأ سورة الطور، فسمع منه هذه الآيات أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ  هل خلقوا من العدم أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ  لأنفسهم؟، لا الخلق من العدم ما يمكن ،كيف يعني شيء يوجد من لا شيء، وما الذي أوجده؟، حدث من تلقاء نفسه، لا يمكن، هم الخالقون لأنفسهم لا يمكن كيف يخلق الإنسان نفسه قبل أن يوجد، فما الاحتمال الثالث الوحيد الباقي الصحيح: أن هناك خالقا أو موجودا أوجد هذا من العدم بقدرته.

لما سمع جبير هذه الآيات وقعت في قلبه وأثرت تأثيرا بليغا، وكانت سبب هدايته إلى الإسلام، وقد جاء في بعض الروايات: "فكأنما صدع عن قلبي حين سمعت القرآن" رواه الإمام أحمد، الحديث فيه ضعف؛ لكن معناه موافق.

كأنما صدع عن قلبي في تلك اللحظة التي سمعت فيها الآيات، انفتح لي شيء ما كان يراه.

قوارع القرآن ضد الملحدين

00:03:13

وهذه الآيات من قوارع القرآن.

قوارع القرآن في ترى هذا باب عظيم قوارع القرآن، لماذا؟ لأن هذا في مناقشات في الشبكات الإنترنت والمناظرات والمناقشات مهمة قوارع القرآن؛ لأنها تقرع يعني لو شفت ملحد تقول له:  أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ [الطور: 35-36].

 أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ  [إبراهيم: 10].

 أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ [النحل: 17].

 هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ  [لقمان: 11].

 آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل: 59].

 أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ [النمل: 61].

وهكذا هذه قوارع القرآن تقرع، ولذلك جبير بن مطعم لما سمعها انزعج وقلق وانصدع عن قلبه، وأصيب بالرهبة؛ لأنه عرف ما تضمنته الآية من الحجة البالغة، والعرب هؤلاء يفهمون، كانوا يفهمون القرآن على وجهه، وهذه الآية كافية لمن عنده عقل في الدلالة على وجود الخالق سبحانه، وأنه هو الذي خلق، وما يمكن إذا واحد عاقل إلا أن يذعن، يعني ماذا سيفعل غير الإذعان لما في الآية؟

وأي منكر وعاقل إذا قرأت عليه لا بد أن يسلم إلا إذا عاند، وقد تقرر في العقل مع الشرع أن الأمر لا يخلو من ثلاثة احتمالات: إما أنهم خلقوا من غير شيء، لا خالق خلقهم، وجدوا من غير إيجاد ولا موجد، وهذا محال.

ثانيا: أنهم هم الخالقون لأنفسهم، وهذا أيضا محال، بل هو أشد في البطلان.

الثالث: الذي تقوم به الحجة أن هناك موجدا وخالقا، وهو الله ، فإذا تعين هذا علم أنه المستحق للعبادة؛ لأنه وراء قضية التسليم.

الآن في صراعنا مع الملاحدة الآن ترى بعض الملاحدة يقول أو بعض الكفار يقولون: طيب خلاص سلمنا لكم أنه في خالق، خلاص سلمنا لكم في خالق، سلمنا في خالق، لكن خلقهم وتركهم، لماذا للتملص من قضية؟ ما الخطوة التي بعد؟ أنه في خالق، أنه في شرع، وفي مراد لهذا الخالق من الخلق، لماذا خلقه الكافر؟ ماذا يريد أن يقول ليزيغ؟

يقول: خلق وترك، لماذا خلق يلزم من هذا أنه خلق عبثا، ولذلك من قوارع القرآن: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون: 115]، هذه من قوارع القرآن؛ لأن هذه في المناقشات هذه تجي وراء هذه، يعني إذا سلم في النهاية انحشر في الزواية، وقال: خلاص أقر أن هناك موجد وخالق، فأنت لا بد أن تنتقل معه إلى النقطة التي بعده في النقاش، هذه أصول في النقاشات، فلماذا خلقهم؟ كذا بس؟ يعني ما يمكن الخالق الحكيم، ما يمكن الخالق العظيم، صاحب القدرة هذه العجيبة أن يخلق بلا قصد، بس كذا يخلق بلا قصد، ما يمكن لا بد يكون في قصد.

ما القصد؟

بعدين يجي الرد في قوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  [الذاريات: 56] هذه في آخر سورة الذاريات، وإيش الذاريات بالنسبة للطور؟

فالآيات تتجاور وتترابط، خلاص كل واحدة تقود إلى الأخرى، الحق منه سبحانه.

وإذا كان خلقنا لعبادته فكيف نعبده؟ من الذي سيخبرنا كيف نعبده؟ هو، فكيف يخبرنا؟ رسول وكتاب واضحة، يعني التسلسل واضح يعني ولا بد، فهذا الرسول وهذا الكتاب، فيقال للكافر: اقرأ ترجمة الكتاب إذا كنت لا تعرف العربية، خلاص أنت اعترفت أنه خالق، وأنه ما يمكن يخلق عبثا، وأنه خلق الخلق لعبادته فكيف يعبدوه، هو الذي عليه البيان، ما يمكن الخلق يستنبطون كيف من أنفسهم، كل واحد يعبد على كيفه.

كيف يعبدونه؟ برسول يرسله، وكتاب ينزله.

خلاص اقرأ، يالله اعبد، الآن وصلنا إلى المبتغى، قال جبير في الحديث: "كاد قلبي أن يطير" لقوة الدليل المفحم المقنع فدخل الإيمان في قلبه واطمأن.

السبر والتقسيم في إقامة الحجة على الملحدين

00:10:08

وهذا الدليل دليل عقلي يعني هو دليل من الكتاب من القرآن، لكنه يناقش العقل يخاطب العقل:  أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ  هذا حوار عقلي  أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ [الطور: 35- 36].

هذه الطريقة تسمى عند العلماء: طريقة السبر والتقسيم، يعرض لك الاحتمالات، الاحتمال الأول هذا صحيح؟ لا، ما يمكن باطل، الاحتمال الثاني هذا صحيح؟ لا، لا يمكن، الاحتمال الثالث، ماذا بقي؟ هذه طريقة السبر والتقسيم، فنحصر الاحتمالات ونناقشها واحدا واحدا، ما هي الاحتمالات الممكنة؟ هذا أو هذا نناقشها واحدا واحدا حتى نصل إلى الحق، قال الإمام الشنقيطي -رحمه الله- محمد الأمين: "السبر والتقسيم عند الأصوليين يستعمل لاستنباط علة الحكم الشرعي، وضابط هذا المسلك أمران: الأول: حصر أوصاف الأصل المقيس عليه. والثاني: إبطال ما ليس صالحا للعلة، فإن كان الحصر والإبطال معا قطعيين فهو دليل قطعي، وإن كانا ظنيين أو أحدهما ظنيا فهو دليل ظني، ومثال ما كان الحصر والإبطال فيه قطعيين قوله تعالى:  أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ  [الطور: 35]" شف يحصر الاحتمالات، ويبطل الحصر.

والإبطال شف هذه طريقة السبر والتقسيم، هذا العنوان الأساسي إيش يجي بعده الحصر والإبطال؟ الذي هو احصر الاحتمالات، وكر عليها واحدا واحدا، الأول، الثاني، نبطل كل الأباطيل، فيبقى عندنا في الأخير الاحتمال الوحيد الصحيح الباقي، قال الشيخ: "لأنه حصر أوصاف المحلي في الأقسام الثلاثة التي هي أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور: 35] قطعي لا شك فيه لأنهم إما أن يخلقوا من غير شيء أو يخلقوا أنفسهم أو يخلقهم خالق ولا رابع البتة، وإبطال القسمين الأولين قطعي لا شك فيه -يعني لا شك أنه باطل ما يمكن يكون أنه صح أكيد باطل- فيتعين أن الثالث حق لا شك فيه"، لكن هو حذف في الآية، الحين الآية ما هو مذكور في الآية، ليس لظهوره؛ لأنه خلاص هو الوحيد الباقي، فدلالة هذا السبر والتقسيم على عبادة الله وحده قطعية لا شك فيها.

شف مثلا في القرآن: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ  [فاطر: 3].

الكلام السابق في "أضواء البيان" للشنقيطي -رحمه الله-.