إن الأمن نعمة عظيمة من الله وظهرت منته بها على قريش لما قال لهم: لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش : 1 - 4].
وامتنّ بها أيضاً على أهل مكة لما قال لهم: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ [العنكبوت : 67].
مقدمة:
ولا شك أن رجال الأمن الذين يقومون بالمحافظة عليه والسهر والرعاية من أجل تحقيقه وتطبيقه وإقامته، هؤلاء أولى الناس بالرعاية في هذا الجانب؛ لأن المجتمع بلا رجال يحمون الأمن ويسهرون على تحقيقه يكون مجتمعًا متسبيًا تنتشر فيه الجرائم ويعمُّ فيه الخوف، ولذلك كان لا بد من الاعتناء برجال الأمن لأجل القيام على هذا الأمن.
وفي هذا الحديث سنتعرض إن شاء الله لموضوع الأمن والشُّرطة، وبعض الأمور الشرعية المتعلقة بهذا الجانب مع ذكر بعض الأمور الواقعية أيضًا، بالإضافة لبعض الفتاوى المتعلقة بحالات تمر عليهم أو تمر بهم.
استعمالات لفظة الشرطة في الكتاب والسُنّة
أما بالنسبة للشُّرطة فإنها من الولايات الشرعية، وقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن الولايات الشرعية المقصد منها تولي أي ولاية: إقامة الشرع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والشُّرطة كلمة معروفة قديمة، واستعملوها للناس الذين جعلوا لأنفسهم علامات من الشرطة الشَّرطة الأشراط والشُّرطة كتيبة في الجيش تشهد الحرب وتتهيأ للموت، كما جاء في الحديث الصحيح: تخرج شُرطة يشترطون إما النصر وإما أنهم لا يرجعون
الشرطة هم الجند الذين يعتمد عليهم الوالي أو الخليفة في استتاب الأمن وحفظ النظام والقبض على المجرمين، إقامة المعروف وإزالة المنكر، هذه الهيئة النظامية في عصرنا الحديث المكلّفة بحفظ الأمن والنظام.
وكان في القديم هناك الظهير والعينُ، وهناك الجنود، وكان لفرعون في القديم جنود، وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ [الأعراف: 111]، ينفذون أوامره، وقد ورد لفظ الشرطة صراحة في السنة النبوية في حديث أنس بن مالك قال: "إن قيس بن سعد كان يكون بين يدي النبي ﷺ بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير" رواه البخاري - رحمه الله - وورد أيضا لفظ الشرطي في السنة النبوية في حديث أبي هريرة وهو حديث صحيح صححه الألباني في السلسلة: قال رسول الله ﷺ: ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها فمن أدرك ذلك منهم فلا يكونن عِرِّيفًا ولا شُرطيًا ولا جابيًا ولا خازنًا [رواه ابن حبان: 4586، وأبو يعلى الموصلي: 1115، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 360].
فإذن، هذه اللفظة جاءت في السنة النبوية.
وكذلك حذّر النبي ﷺ من قوم يكونون في آخر الزمان في آخر هذه الأمة قال: رجال معهم سياط كأنها أذناب البقر يغدون في سخط الله ويروحون في غضبه [رواه أحمد: 22150، والطبراني في الكبير: 8000، وابن أبي شيبة: 37742، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1893].
وهذه الأحاديث التي جاءت بهذه اللفظة وبهذه الكلمة تدل على أن الكلمة كانت معروفة عند العرب، وكما قلنا في المعركة التي حدثنا النبي ﷺ عنها في آخر الزمان بين المسلمين والروم النصارى الصليبين قال في المواجهة: ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة.... الحديث [رواه مسلم: 2899]
وعرفوها العلماء بأنها طائفة من الجيش تقدم للقتال وتتقدم فتكون في الطليعة، وقد كانت هذه الشرطة قبل الإسلام موجودة كما سبق الحديث في قدماء المصريين، وكذلك كانت عند الرومان، وكذلك كانت موجودة في بعض المجتمعات البشرية الأولى؛ مما فيه حفظ السُّلطة، أو القيام على تنفيذ النظام ونحو ذلك.
أما بالنسبة للإسلام فإن الإسلام لما جاء ولا شك جاء بتحقيق الأمن، وجاء بحفظ خمس ضروريات مهمة جدًا؛ حفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ النفس، وحفظ المال، وحفظ العرض.
والشرطة بمفهومها الحديث تقوم على حفظ هذه الأمور، حفظ الدين، فتدرأ شرور المبتدعة والمشركين؛ ومنهم الدجالين والعرافين والمشعوذين، فإذن، وظيفة الشرطة في حماية الدين في درء أخطار مثل هؤلاء، كذلك الذين يروجون الأفكار الهدامة مثل الزنادقة ينشرون الكفر أو الانحلال، كذلك من قيامهم بحفظ المال السهر والحراسة والرعاية لأسواق الناس وبيوت الناس من اللصوص والقُطّاع والمنتهبين.
وحفظ العرض يكون بمنع الجرائم التي فيها الاختطاف والاغتصاب والاعتداء، وأوكار الدعارة... إلى آخره، لأجل حفظ العرض.
وحفظ النفس بمنع الجرائم التي فيها القتل والجراحات حفاظاً على النفس.
فإذن، عمل الشرطة إذا تدبرنا فيه هو تحقيق لقواعد الشريعة بحفظ هذه الأمور الخمسة؛ حفظ الدين، وحفظ العقل، ولذلك يحاربون المخدرات والمسكرات والخمور، وحفظ العرض، وحفظ المال، وحفظ النفس.
كانت القضية في عهد النبي ﷺ أبسط وأسهل من أن يكون هناك شرطة لهم زي خاص، كان الناس كلهم شرطة، كان كلهم يحافظون على الأمن، وإذا حدثت حادثة ضجة، صار شيء مفاجئ في المدينة خرج الصحابة خرج الناس لرؤية: ما الخبر وهم ينجدون ويستطلعون ويستكشفون الخطر، وكان على رأسهم النبي ﷺ كان للنبي ﷺ حراس وكان ينتدب أحياناً بعض الناس للحراسة، وكان سعد حرسه مرة حتى سمع غطيطه ﷺ وأمن فنام هذه النومة العميقة، كانوا يحرسونه في المعارك والغزوات، وكان المغيرة بن شعبة يقوم على رأس النبي ﷺ وإذا أراد المشرك أن يقرب يده من لحية النبي عليه الصلاة والسلام الشريفة ضرب يده بنعل السيف وقال: "أخِّر يدك عن لحية رسول اللهﷺ " [رواه البخاري: 2731].
وكذلك فإن النبي ﷺ كان له بوّاب أو حاجب في بعض الأحيان ينظّم دخول الناس عليه.
أما بالنسبة لحراسة المدينة النبوية، فقد حدث في الغزوات أن النبي ﷺ وكل أناساً بحفظ أنقاب المدينة وطرق المدينة ومداخل المدينة الرئيسة.
كذلك كان يرسل أناساً في تبليغ الأوامر، كان النبي ﷺ يرسل العيون في الجهاد في سبيل الله يتجسسون للمسلمين ويجمعون المعلومات.
كان النبي ﷺ يرسل ناسًا في المطاردة والقبض، ولذلك لما جاء هؤلاء العرنيين وقتلوا الراعي واستاقوا إبل بيت المال وعذّبوا الراعي وسملوا عينيه، فقأوهما، النبي ﷺ بعث رهطًا من أصحابه، ما تعالى النهار إلا وهؤلاء المجرمين قد جيء بهم مصفّدين فأمر النبي ﷺ بالمسامير فأحميت فكحلهم بها وقطع أيديهم وأرجلهم تركهم ينزفون في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا جزاءً وفاقاً.
كان ﷺ يرسل من يتتبع آثار المجرمين والقافة، كانوا أيضًا على عهده ﷺ لما أرسل من قبل أحد المسلمين خطابًا إلى المشركين يحذِّرهم من قدوم المسلمين إلى مكة للغزو، النبي ﷺ أرسل كوكبة طليعة شجعان فرسان من أصحابه لأخذ هذا الخطاب قبل أن يصل إلى كفار قريش.
وكذلك فإن النبي ﷺ لما اكتشف عيناً للمشركين كان يتجسس بين المسلمين أرسل وراءه من يقتله، فقتله ذلك الصحابي، هناك مهمات فيها تحقيق في عهد النبي ﷺ فكلّف بعض أصحابه بالقيام بعملية التحقيق، حقق مع ماعز بنفسه في قضية الحدود لما اعترف وسأله واستنطقه وكرر عليه السؤال وأعاده عليه بألفاظ صريحة، المسألة فيها إزهاق روح، إزهاق نفس، فكان هناك من يحقق، كما حقق علي بن أبي طالب والزبير بن العوام والمقداد مع المرأة التي حملت الخطاب للكفار وهددوها بالتفتيش، ولذلك أخرجت الخطاب" [رواه البخاري: 3007، ومسلم: 2494].
كان النبي ﷺ له سجّانون، فمثلاً: ثمامة لما رُبط في المسجد، ناس من أسرى بدر من كفار قريش وكل من يحرسهم، إذن، هذه حراسة للمساجين وقيام عليهم؛ حتى لا يهربوا.
النبي ﷺ أرسل من يتأكد من إراقة الخمور وإزالة المنكرات، أرسل من يحرّق مسجد الضرار على المنافقين لما بنوه، أرسل من يخرّب ويحرّق أصنام الكفار، مثل: ذي الخَلصَة، والكعبة اليمانية، الكعبة الشامية، هكذا بعث عليًا أيضًا: "ألا يدع تمثالاً إلا طمسه ولا قبراً مشرفاً إلا سواه" [رواه مسلم: 969].
كان للنبي ﷺ رجال يقومون بتنفيذ الحدود فيجلدون ويرجمون ويقتلون، واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها وهكذا وكذلك أمر بلالاً في المرأة التي كانت تستعير الحلي ثم تمسكه وتجحده قال: قُم يا بلال، فخذ بيدها فاقطعها رواه النسائي.
هذه إحدى روايات قصة المرأة المخزومية، هذه المهمات التي اطلع بها بعض الصحابة بتكليف من النبي ﷺ هي مهمات في الحقيقة للرجال الشرطة.
الشرطة في عهد الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم
في عهد الصديق وكل أناساً بحراسة أنقاب المدينة، لما قامت حركة الردة وصار الخوف من هؤلاء كفار العرب ووكل أبو بكر أناسًا من المسلمين بأنقاب المدينة، علي يحرس مدخلاً من مداخل المدينة، الزبير مدخلاً آخر، طلحة مدخلاً ثالثاً، عبد الله بن مسعود يتولى العسس وهي الحراسة الليلية.
وفي عهد عمر كذلك كان يعُسّ بنفسه فيخرج بالليل، وكان له أصحاب يعاونونه أيضاً، وكان له حاجب يدعى يرفأ، وأيضاً فإن عمر اشترى داراً للسجن، وجعل هناك من يحرسها، واستعان بالولاة، واستعان والي عمر بالشام وهو معاوية بالشرطة في الشام، جعل لها منصب ولّى عليه أحد المسلمين، كما أن عمرو بن العاص في مصر كذلك ولى على الشرطة لما فتحت مصر خارجة بن حذافة السهمي وأبا مسلم المرادي، عرفت الشرطة في الكوفة أيام المسلمين أيضًا لما فتحوها، وكان الشرطة يرسلون لجلب المرتدين ولذلك أتوا ببعضهم، فمن تاب خُلِّي سبيله، وعبد الله بن النواحة المرتد لما أصر ضُربت عنقه.
في عهد عثمان كذلك كان هناك شرطة يتولون بعض الأمور، في عهد علي أيضاً، وكان هناك دار للسجن في عهد علي ، ولم يكن مستوثق البناء فربما حصل منه حالات هروب، فهدمه وبنى بدلاً منه سجناً آخر، ولذلك يُقال بأن علي أول من بنى سجنًا في الإسلام، لكن عمر خصص دارًا للحبس والسجن، علي بناها خصيصاً لأجل هذا.
وكانت الشرطة لها وظائف في عصر الدولة الأموية، وكان للخلفاء أصحاب شرطة يقومون بالأمور، وكانوا يحرصون ويدققون في اختيارهم، كلما كانت الأمة بخير وعافية كان أصحاب هذه المناصب بعيدين عن الظلم، يعني صاحب الشرطة أو والي الشرطة بعيد عن الظلم، أمين، قوي، حريص، شديد الغيرة في أوامر الدين، كان الخلفاء يكتبون للولاة الشرطة النصائح، كذلك يقوم العلماء بنصحهم، وحدث في بعض حالات الضعف والظلم التي مرت في بعض العهود الإسلامية أن كان بعض القائمين على الشرطة فيهم تعدِّ وتعسُّف وتعجرف، فربما أن بعضهم كان يقتل على الظِّنة بدون تثبُّت، وعلى جريمة لا تستحق القتل فيقتل عليها، فإذا أُتي برجل قد نقب على قوم بيتهم، نقب بطنه حتى يخرج من ظهره، نفس آلة النقْب التي حفر بها على بيت الناس ليستولي على المال، يأخذها فيحفر بها بطنه إلى ظهره، إذا أُتي بنبّاش قبر، كانوا يسرقون الأكفان فيدفنه فيه وهو حي حتى يموت، وهكذا وجدت تجاوزات من بعضهم؛ خصوصًا لما تولى الحجاج الظالم، ملأ السجون، وقتل الآلاف وقد قال الله تعالى: إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم [إبراهيم: 22]، ولما كان بعض هؤلاء الشرطة الجبارين في عهد الحجاج يثبتون جداتهم في قضية استتابة الأمور للحجاج ولو بالظلم والبطش كان يكافئهم بمناصب أخرى، ولذلك ضمّ إلى ذلك الظالم شرطة البصرة مع شرطة الكوفة لما أثبت جدارته بزعمه فيها.
وظائف الشرطة في عهد الدولة العباسية
وجد في بعض العصور الإسلامية أيضاً ازدهار وتقدم ونمو لدور الشرطة وزيادة الاهتمام بها.
فمثلاً: في عهد الدولة العباسية صار صاحب الشرطة أحد أركان الحكم الأربعة وكذلك فإن هناك دخول لوظائف جديدة كما قلنا مثل استخدام النساء في أعمال البحث والتحري، هذا كان حادثا في عهد الدولة العباسية، وحراسة الدواوين والقيام عليها كان من وظائف الشرطة في ذلك الوقت، كانوا يولُّون الأمصار، كانوا يحرسون الأمن، كانوا أيضاً يقومون بالحفاظ على القضاء وما ينتج عن القاضي من الأوامر، وإحضار الناس واستدعائهم إلى آخره.
إذن، كانت لهم اختصاصات هؤلاء الشرطة، وقضية إقامة الحدود وتأمين طرق الحجاج على سبيل المثال، كان ذلك معروفاً لديهم.
علاقة الشرطة بالقضاء والحسبة
أما بالنسبة لعصرنا فطبيعة الحال فإن وظائف الشرطة قد توسعت وتطورت كثيرًا، لكن يهمنا جدًا التركيز على قضية علاقة الشرطة بالقضاء وعلاقة الشرطة بالحسبة ورجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما بالنسبة للقضاء فإن القضاء في الإسلام منزلته عظيمة، والله يقضي بالحق، وقد أنزل شرعه ليقضى به ويحكم بين الناس، هذا من القضاء الذي فيه اختصاص النظر في الخصومات وكذلك إثبات الحدود والحكم على الأشخاص، هذا القضاء الذي يحتاج إلى علم وأمانة، وقوة هذا القضاء الذي فيه إحقاق الحق وإبطال الباطل ونصر المظلوم، هذا القضاء له علاقة كبيرة بالشرطة؛ لأنه لولا الشرطة ما نُفذّت أوامر القضاة، ولا أتي بهؤلاء المطلوبين إلى القاضي، ولا أتي بالخصوم الذين يتهربون إليه، فإذن، هؤلاء الشرطة الذين يتولونه حفظ هيبة القاضي، منع الخصوم من التطاول على القاضي، لو لم يقم الشرطة بهذا الدور لتجرأ الناس على القضاة، لصفعوا القاضي وركلوه وبصقوا عليه وأقاموه من كرسيه ونزعوه، ولكن الشرطة يحققون هيبة القاضي، والقاضي لا بد أن يكون له هيبة ليحكم ويكون حكمه فاصلاً، ولا يعترض عليه الخصوم ويجادلون فيه، فهو الذي ينظر في الدعاوى، والقضايا عنده تصل إلى أن يحكم في دماء الناس، يحكم في أعراض الناس، يحكم في أموال الناس، وكذلك له إشراف قضائي، يحتاج إلى مؤازرة ومعاونة من الشرطة، فهم الذين يتولوَّن إحضار الخصوم، يبعث القاضي الشُّرطة لينادي فلاناً، ويأتي بفلان، ويقبض على فلان ويحفظ النظام في مجلس القضاء، وإلا ضاعت هيبته، فإذن، هناك علاقة وثيقة بين الشرطة وبين القضاء، ويجب أن تُحفظ ويحوّل المجرم بالطريقة الصحيحة إلى القاضي؛ لأن هناك حالات من التسيب ربما تحدث أثناء التحويل والقبض على المجرمين إلى وصوله إلى القاضي، من القبض إلى وصوله إلى القاضي قد تحدث أشياء من الخلل ومنافاة الأمانة فيجب الحذر منها؛ لأن هذا الشخص الذي يقوم - الشرطي - الذي يقوم بهذه الوظيفة إذا لم يتق الله فيها ربما يؤدي إلى تضييع حد من حدود الله، تعطيل حد من حدود الله، عدم استكمال إجراءات تؤدي إلى إقامة حد من حدود الله "وإقامة حد من حدود الله في أهل الأرض خير لهم من أن يُمطروا أربعين صباحاً"، حد واحد من حدود الله يقام في الأرض، حد سرقة، حد قتل، حد جلد، خير لأهل الأرض جميعاً من أن يُمطروا أربعين صباحاً" [رواه ابن ماجه: 2538، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 3130].
فإذن، يجب العمل بدقة وأمانة في القبض على المجرمين وتحويلهم إلى القضاء وعدم التسيُّب، وعدم قبول الشفاعات التي تؤدي إلى إطلاق المجرمين وضياع الحقوق؛ لأن هذه القضية إذا وصلت إلى القاضي سيأخذ فيها الحق للمظلوم من الظالم، فإذا هُرّب الظالم ضاعت، إذن قضية وصول الحق إلى المظلوم.
وأما بالنسبة للحِسبة؛ وهم الذين يقومون باحتساب الأجر للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هؤلاء الذين عظُمت وظيفتهم عند الله جدًا، هؤلاء الذين لولاهم لعمّ الشر والفحش وضاعت الفرائض وتُركت الصلاة، وانتشرت المعاصي بين الناس، هؤلاء أهل الحسبة القائمين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذين يحتسبون حتى على المؤذنين، وحتى على البائعين، وحتى على الناس في اماكن أعمالهم، هؤلاء بينهم وبين الشرطة علاقة كبيرة، ولذلك عبّر ابن القيم - رحمه الله - تعبيرًا يدل على أن أصحاب الشرطة أنفسهم هم أهل حِسبة، هم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وليس فقط يدعون القضية لغيرهم ممن ربما يقوم بهذا وربما لا يقوم وربما لا يكفي وربما يتقاعس وربما يجلس في مكتبه والناس لا تغلق للصلاة، فقال ابن القيم - رحمه الله - في المهمة الأساسية لولاة الشرطة: "منع الفساد في الأرض، وقمع أهل الشر والعُدوان، وذلك لا يتم إلا بالعقوبة للمتهمين المعروفين بالإجرام" [الطرق الحكمية: 92]. إذن، لا بد أن يكون هناك تعاون كبير بين رجال الحسبة ورجال الشرطة في محاربة الشِّرك في البلد، محاربة البدع المشعوذين، السحرة، العرافين، الكهَّان، كذلك محاربة الاحتفالات البدعية، ومنعها، كذلك محاربة الحفلات التي فيها منكرات ومنعها، والحيلولة دون إقامتها، أماكن اختلاط الرجال بالنساء والفُسّاق، أهل المجون الذين يجتمعون في هذه الأماكن يجب منعهم وهذا لا يتم إلا بتعاون بين رجال الحسبة ورجال الشرطة.
ولا شك أن وظيفة الحسبة أقرب إلى الشرع من جهة صميم العمل من الشُّرطة الذين ربما يكون دورهم فيه نوع من فرض النظام أكثر، يعني: لو قلت لي: أيهما أولى بالفقه والعلم؛ رجل حسبة وإلا رجل شرطة؟ وكلاهما يجب أن يكون عنده فقه وعلم، لكن الشروط العلمية الفقهية في صاحب الحسبة أكثر.
شروط صاحب الشرطة
ولذلك فإن رجل الشرطة لا يصلح أن يتولى ولاية الشرطة بدون شروط، لا بد أن يكون له شروط، فعلى سبيل المثال يجب أن يكون مسلماً فلا يولى الكفار في الشرطة إطلاقاً، كيف تجعل لهؤلاء سلطان على الناس وهم ليسوا بمسلمين؟ فربما يكون تاركاً للصلاة بالكلية، وتارك الصلاة بالكلية ليس بمسلم لحديث: من تركها فقد كفر
[رواه أحمد: 22937، والترمذي: 2621، وابن ماجة: 1079، والنسائي: 326، وصححه الألباني في المشكاة: 574].
ربما يكون يسب الدين والرب والنبي ﷺ،وهذا رجل محكوم بكفره، إلى غير ذلك من أنواع المكفِّرات التي تخرج عن الملة فيجب أن يكون مسلمًا.
ثانياً: يجب أن يكون ذكراً، ويمكن الاستعانة بالنساء في بعض الوظائف.
أما جعل شرطة نسائية يقومون في الشوارع، وفي الدوريات يدورون على النساء، وعلى الرجال، فهذه بدعة محرّمة، ما أنزل الله بها من سلطان، وهي من تقليد الغرب، والذي يفعلها إنما يرضخ لوطأتهم، ويكون منهزمًا نفسيًا، ولا شك من خواء قلبه من الإيمان عندما يفعل ذلك، وهذه فتنة عظيمة أن تُجعل النساء في الشوارع يقمن بدور الشرطة، فهذا يضربها من هنا وذاك من هناك، وليت شعري كيف يستتب أمن تقوم عليه المرأة ناقصة العقل المسكينة العاطفية التي تحيض وتنفس، وتُدغدغ عواطفها بسرعة؟ وكيف يمكن أن تحفظ أمنًا وأنها تطارد مجرمين وتضرب وتُلقي القبض؟ ولذلك الشكاوى في بلاد الغرب من التحرُّش الجنسي في أماكن العمل في أقسام الشرطة عندهم كثير جدًا أول ضحية بيد من؟ أصدقائها وأصحابها من زملاء المهنة، ولذلك عندهم مشكلات عظيمة في القضية هذه، ويقولون: النساء الشرطيات التي اشتكين من رؤسائهن الرجال في العمل في قضايا التحرُّش الجنسي ما يتعدى ولا 5% مما حصل لأنه يهددها بالفصل والنقل والاضطهاد إلى آخره، ولذلك لا تشتكي وتسكت على البلاء الذي هي فيه.
حرمة تولية الكفار في الشرطة
وكذلك فإنه لا يمكن أن يولى الكفار في الشرطة؛ لأن الله قال في كتابه العزيز وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء: 141]. والأصل أنها لإعلاء كلمة الله، أما بالنسبة للرجولة والذكورة كشرط للشرطي فقد قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء: 34]، فكيف تجعل المرأة قوامة على الرجل بإعطائها ولاية الشرطة والشرطة أصلا من ولاية العامة التي لا تعطى للنساء، وقد قال ﷺ: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة [رواه البخاري: 4425]، وهذا حديث صحيح رواه الإمام البخاري - رحمه الله تعالى -: لن يفلح ، فإذن، لن يحصلوا على الفلاح بهذه التولية إذا فعلوها، وأصلاً فطرة المرأة وخلقة المرأة لا تناسب هذا، تصور امرأة في الشهر السابع والثامن والتاسع تريد أن تطارد مجرماً، أو أنها تقيم شيئاً في الطريق من النظام، هذه تقيم النظام وهي بهذا الوضع وبهذه الحالة! وكما قلنا فإنه قد نُشرت الاحصائيات بأن أكثر الشرطيات قد تعرضن للمساومة والابتزاز على بيع أعراضهن من قبل رؤسائهن، فالتي توافق وترضخ للفحشاء تحظى بالمعاملة الجيدة، وتنال نصيبها من الإجازات والترقيات والمكافآت، والتي ترفض تُصاب بالحرمان، وتُلقى عليها الواجبات الثقيلة، وإذا حاولت أن تشتكي لن تجد من ينصفها، كيف تثبت أنها تعرضت للتحرش الجنسي؟ وكثيراً ما ينتهي الأمر بالفصل من العمل، لا شك أن ولاية الشرطة تقتضي قضاء ساعات طويلة خارج البيت، وربما عدم المبيت في البيت أصلاً، فيها حراسة ليلية، تخلي النساء في الليل يحرسن، وتخلع ثيابها خارج بيت الزوجية، تبدّل الثياب وتلبس ملابس الشرطة، تبدل الثياب ثم تبلس الملابس المدنية في أقسام الشرطة، ولا عقول لهؤلاء الذين يفعلون هذا الفعل، أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف : 18]. في الخصام غير مبين، فكيف يزجر المجرمين؟ كيف يقيم حجة عليهم ؟كيف يتولى التحقيق؟ إذا هو في الخصام غير مبين، كيف يتولى التحقيق واستخراج المعلومات؟
ثم لا بد أن يكون صاحب الشرطة، أو الذي يلي الشرطة عاقلاً، وهذا معروف، فإن المجنون والمعتوه لا يصلح أن يكون كذلك، بعض الناس عندهم أمراض نفسية شبه الجنون، فهذا ما يولى الشرطة، كيف يتولى الشرطة وفيه المرض النفسي؟ هذا الذي يجعله شبيه المجنون، وربما يكون عند البعض انفصام شخصية، وخطير أن تعطيه سلاحًا، كيف تعطيه سلاحًا وعنده انفصام شخصية وقد يرتكب الجريمة؟
وكذلك يجب أن يكون بالغاً، ومعروف أن الصغير والصبي لا يتولى مثل هذا الأمر.
أهمية العلم بالنسبة لرجال الشرطة
ولا بد أن يكون عنده علم، وهنا نأتي إلى مسألة العلم، أهمية العلم بالنسبة لرجال الشرطة لما قلنا: إن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - قال: إنما مقصود جميع الولايات الإسلامية، الولايات الإسلامية يعني ولاية القضاء، ولاية الشرطة، ولاية الحسبة، هذه اسمها في الإسلام ولايات، "إنما مقصود جميع الولايات الإسلامية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" فالآن كيف يكون قائماً بهذا إذا كان لا يعلم المنكر ولا يعلم المعروف؟ إذا ما عنده علم كيف توكله عليها؟ وأصلاً هي وظيفته شرعاً إقامة المعروف وإزالة المنكر، إذا ما كان عنده علم كيف يعرف الطاعة من المعصية حتى ينفذ؟ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قد تكون القضية لها علاقة بالقضاء، بالتحقيق، بالحدود، كيف يميز بين الأشياء إذا لم يكن صاحب علم؟ المسألة تحتاج إلى فقه، حتى قضية استخراج المعلومات من المشبوه لها أصول شرعية، إذا ما كان عنده علم بها كيف يتولاها؟ ولذلك لا بد أن يوجد لضباط الشرطة وجنود الشرطة وأفراد الشرطة نظام تعليم يتعلمون فيه ما يحتاجون إليه، ويعرف الحلال والحرام بوجه عام، ويحيط بالأخلاق والآداب الشرعية، والإلمام بالأعراف والعادات الاجتماعية، بل عنده علوم دنيوية أيضاً يحتاج إليها وتقنيات يحتاج للتدريب عليها، وإذا كنا نعمل لهم دورات في الاتصالات وفي التزييف وفي القبض والتحقيق والتفتيش، فلا بد أن يعمل لهم كذلك دورات شرعية لتعلمهم ما يحتاجون إليه من الدين أثناء عملهم.
ولا بد أن يكون الذي يتولى الشرطة في الإسلام عدلاً؛ هذا الشرطي الآن ممكن يتحكم بألف شخص في الشارع، هذه الدورية مسؤولة عن حي كامل، هذه مسؤولية عامة، قضية الشرطة ليست قضية واحد يتعامل مع واحد، هذا واحد يتعامل مع ألف مع ألفين مع آلاف، يتولى مسؤولية سوق كامل، مسؤولية حي كامل، ولذلك ولاية الشرطة من الولايات العامة، وليست خاصة يقتصر أثرها على ناس محدودين.
اشترط جمهور الفقهاء العدالة فيمن يتولى الشرطة
ومن هنا فإن جمهور الفقهاء اشترطوا العدالة فيمن يتولى الشرطة، فقال الماوردي: "أن يكون صادق اللهجة ظاهر الأمانة عفيفًا عن المحارم متوقياً المآثم، بعيداً عن الرِّيب، مأموناً في الرضا والغضب، مستعملاً لمروءة مثله في دينه ودنياه" عنده اجتناب للكبائر وعدم إصرار على الصغائر، هذه العدالة المهمة، وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق: 2].
قد أشار ربنا إليها، هذه العدالة التي يشهد له بها الثقات الأمناء العدالة، لم يطعن عليه في بطن ولا فرج، لم يعرف عليه جريمة في دينه، غير مظهر للمنكرات، ما عنده منكر ظاهر أو معصية ظاهرة، لماذا يجب أن يكون عدلاً؟ لأنه مؤتمن على أرواح الناس وأعراض الناس وأموال الناس ودين الناس، فكيف بعد ذلك يكون هو نفسه فاسق فاجر مرتكب للمعاصي مرتكب للكبائر ديوث؟ كيف يمكن أن يكون هذا مؤتمنًا على أعراض الناس وأموال الناس ودين الناس قبل ذلك ودماء الناس ونفوس الناس؟ ثم قضية سلامة الأعضاء، وأن يكون سليم النطق، سليم السمع، سليم البصر، له حاسة جيدة في الشم أو غير ذلك، هذه من لوازم القيام بالعمل؛ لأننا لا نتصور أن أهل العاهات يقومون بهذه القضية.
وهناك أمور يجب أن يتقي فيها الشرطي ربه، فيخلص النية لله في عمله، فبعض الناس لا ينظر إلا إلى الدراهم التي يأخذها في آخر الشهر، وهذا حظه من العمل! فهو لا ينوي بعمله حراسة المسلمين، ولا القيام على الدين، ولا تحقيق الشرع، ولا الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، كل هذا لا ينظر إليه، ينبغي عليه أن يفكر على الأقل في قضية فضل الحراسة في سبيل الله، و عينان لا تمسهما النار عين باتت تحرس في سبيل الله لماذا لا ينوي هذا؟ يكون له به أجر عظيم، إذا كان سيسهر ويسهر ويحرس، فلماذا لا ينوي هذا الأجر حتى لا يفوته الأجر؟ ومعلوم أن بعض الأجور لا تثبت إلا بالاحتساب.
أما بالنسبة لكونه حسن الخلق فإنه شيء لا بد منه، ما شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق، حُسن الخلق الذي يجعله يستطيع أن يتعامل مع الناس بصدر رحب وكلمة طيبة ولسان عفيف، لا يمكن أن يكون نماماً ولا مغتاباً ولا حقوداً ولا حسوداً، وإنما يكون هاشاً باشاً وقوراً برّا وصولاً، كثير العمل قليل الكلام، قليل الزلل، كثير الحياء كثير الصلاح، هذه الأخلاق العالية، وإلا فإنك ستجد أن الناس يتأذون جدًا من بذاءته وظلمه وتسلّطه وبغيه واستغلاله لمنصبه وارتشائه؛ لأنه لا يتمتع بصفة الأمانة، وبالتالي فإن الثغرات الكثيرة في الأمن التي ينفُذ منها المجرمون ربما تكون عن طريقه؛ لأنه ليس بعدلٍ، ليس بصاحب دين متين، فلذلك يسهل إغواؤه، يسهل خداعه، يسهل رشوته، يسهل استدراجه، وعفّة اللسان مهمة؛ لأن صاحب الشرطة يتعامل مع الجمهور، يتعامل مع الناس.
تصور حادثة في الحج، انظر كيف ممكن يصير لهذا الشيء إذا خولف؟ أثر سلبي، ليس فقط على الناس داخل البلد، وإنما يمكن أن يعطي انعكاساً سيئاً إلى الخارج، ماسك دورية الشرطة ومعه الميكروفون، يريد ينظّم الطريق في أحد الوصلات، في طريق من الطرق في المشاعر، يريد أن كل واحد يمسك الخط ويلتزم فيه وما ينتقل واحد من خط إلى خط، الآن هناك حجاج من الداخل والخارج والناس، فيمسك مكبر الصوت ويرفع صوته ويصيح: لا أحد يغير خطه، لا أحد يدخل من خط إلى خط، اللي يغير خطه ألعن كذا، تصور الآن ناس حجاج من الداخل أو من الخارج عندما يسمعون مثل هذا الكلام، ما هي النتيجة؟ ماذا سيكون الأثر عليهم؟ ولذلك مهم جداً أن يكون صاحب الشرطة عف اللسان، ثم يتمتع بصفة التواضع، لو ما تمتع بصفة التواضع سيظلم من تحته من الشرطة أنفسهم، وهكذا الضابط ممكن يتكبر ويتعالى ويظلم الجندي، والجندي يتكبر ويتعالى ويظلم الناس وهكذا ينزل الظلم من الأعلى إلى الأسفل حسب التسلسل والسلم، وكل واحد يفش غله فيمن تحته، ولذلك أحياناً يتسبب الذي فوق الشرطي في الرُّتبة في ظلم الناس العامة لأنه لما ظلم هذا خرج من مكتبه يريد أن ينفِّس في الخلق، والله قال: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164]
قضية التواضع وعدم العجب والتكبر مهمة؛ لأن هذا الشرطي يضع على كتفه أو على ساعده رُتبًا ونجومًا وخطوطًا، هذه الأشياء إذا ما كان عنده تواضع ستدعوه إلى الكبر، وبعض الناس يقول: يا أخي تتكبر على شرطتين؟ يعني كأنه إذا صار نجمة وتاج وهذا يجوز له؟ لا يجوز لا للتيجان ولا للنجوم ولا للشرطات ولا لغيرها، ما يجوز يتكبر، لا صغير ولا كبير إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا [الإسراء: 37]، هذا الكبر الذي تجده أحيانًا عندما يرتقي واحد من صف جندي إلى صف ضابط، يعلّق أول نجمة تغيرت الدنيا، من تكون؟ أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة خرجت من مجرى البول مرتين، يعني الآن عندما علّقنا رتبة خلاص ما عادت الدنيا تسعنا ولا نرى أحداً أمامنا يساوي شيئاً، أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر: 8]، هذا العُجْب الذي يجعله ما يقبل كلام الناس يفرض رأيه وهل رأيه لازم هو الذي يمشي ويرى كلام الناس خطأ وكلامه هو الصواب، ويجب على صاحب الشرطة أن يتجرد من الكبر؛ لأنه لا يدخل الجنة متكبر، و يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال اذكر نفسك، ثم لو أنه تقاعد ماذا سيكون الحال؟ ولذلك رجل الشرطة الحقيقي هو الذي لا تتغير معاملة الناس له قبل التقاعد أو بعد التقاعد، فهو رجل يفرض احترامه على الجميع، وحسن الخلق يستجلب به قلوب الناس، فسواء كان في المنصب وإلا ما كان في المنصب فعلاقته مع الناس طيبة وعنده رحمة ورفق؛ عنده سلطة أنه يسجن يحجز، يقيّد بالقيود، يسحب بالسيارة، يوقِّف يعطِّل، هذه الصلاحيات إذا لم يجتمع معها رحمة سيكون شقاء على الأمة، لا تنزع الرحمة إلا من شقي، فهو بحاجة ماسة إلى هذا الخلق حتى السجان مع السجناء وكذلك الرفق فإن هذا الرفق الذي يؤدي إلى حسن المعاملة ولا يضاعف الأمور في سلبياتها، ويكون عنده حسن تعامل؛ لأنه يمثل الأمن ويمثل النظام، فلا بد أن يكون قدوة فلا يصلح أنه ينهى الناس عن قطع الإشارات ثم هو يقطع الإشارة بدون داعي أو ضرورة على سبيل المثال وهو يعدل بين الخصوم، فهذا من جماعتي وهذا ليس من جماعتي وهذا من البلد الفلاني وهذا ليس من البلد الفلاني، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ [النحل: 90]، فلا بد من العدل.
قال عمر لأبي موسى الأشعري: "واس بين الاثنين في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس وضيع من عدلك" فتخصيص بعض الناس بالبشاشة والإقبال من هؤلاء المراجعين أو أصحاب الحاجات؛ لأنه يعرفه أو أنه من بلده أو قبيلته، ثم إذا جاء واحد في نفس الحاجة في نفس القضية، فإذا به يرمي أوراقه في وجهه ولا يُقبل عليه ويقول له كلاما جافًا، فهذا من الظلم، ما عدلت.
حِلم عُمّال الشرطة وأناتهم
والحلم والأناة مهمة ومطلوبة للغاية، فإذا كان صاحب هذا المنصب أو الشرطي كان طائشًا هائجًا أحمقًا سفيهًا، أصلاً عمل الشرطة يغير الأعصاب، أصلاً الشرطة مشاكل، يتعاملون مع المشكلات، ولو ما في مشكلات لا داعي للشرطة، فهم بطبيعة الحال يتعاملون مع المشكلات، فيحتاج إلى ضبط أعصابه كثيرًا، وليتذكر حديث: من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه لو أراد دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيّره في أي الحور شاء أي من الحور العين يأخذ، وليتذكر أن النبي ﷺ جذبه مرة أعرابي برداء غليظ الحاشية أثر في رقبته فابتسم إليه، أما الذين يذهبون مذهب:
ألا لا يجهل أحد علينا | فنجهل فوق جهل الجاهلين |
فلا شك أن هؤلاء مصيبة ووبال على الأمة، عمر بن عبد العزيز مر برجل نائم في المسجد فعثر به في الليل في الظلام ما يرى، فهذا النائم قام غاضباً يقول لعمر بن عبد العزيز -وهو لا يعرفه-: مجنون أنت؟ فقال عمر: لا، فهمّ الحرس أن يبطشوا بهذا الذي سبّ الخليفة، فقال: "دعوه، إنما سألني أمجنون؟ فقلت: لا" سؤال وجواب، وهكذا تكون مقابلة السيئة بالحسنة من الأشياء التي تمتص غضب الناس والحلم والتوسع وسعة الصدر مما يجعل الناس يحبون الشرطي وليس ينفرون منه ولا يأخذون عنه فكرة سيئة، وإن قضية الغضب التي تحدث كثيراً ربما تؤدي إلى عواقب غير محمودة، بل هو كذلك في الغالب، وصيانة اللسان؛ فاللعن على سبيل المثال من الكبائر؛ لأن اللعنة إذا خرجت من اللسان وصعدت إلى السماء تُسد أبواب السماء فتنزل الأرض، فتذهب يميناً تذهب شمالاً، فإن وجدت مساغًا وإلا رجعت على من تلفظ بها، وهكذا أخبر النبي ﷺ أن: المستبّان على ما قالا، فعلى البادي ما لم يعتد المظلوم إذا بدأ بالسب فالإثم عليه، إذا كان الذي سبّ وظلم رد بأزيد فيكون عليه الإثم.
أيضاً نريد أن يكون رجال الشرطة على المستوى من عفة اللسان وبعيدين عن الفحش والبذاءة والسخرية والاستهزاء، مثلاً يمسك لك هندياً يقطع الإشارة ويقول: هندي وبعد تقطع الإشارة؟ يا أخي قطع الإشارة، هندي وإلا عجمي وإلا عربي، الذنب واحد، ما معنى أن يسخر من هذا ويستهزأ به؟ كأنه لو كان شخصاً آخر كان يجوز له ذلك في نظرك، ولا شك أن من أهم الأخلاق التي ينبغي أن يتمتع بها رجل الشرطة الشجاعة؛ لأن هناك مواقف كثيرة تحتاج إلى تدخل، مواقف كثيرة تحتاج إلى قوة بدن، إلى قوة أعصاب، إلى جُرأة، فيه اقتحام، فيه هجوم، فيه إنقاذ، فيه منع مجرم، وهذه الشجاعة خلق عظيم بخلاف الجبن، بعض الناس يقول: يقولون خمسين مرة: جبان، ولا يقول واحد: الله يرحمه، يقصد لو يتهموني أني جبان ولا أني أموت، وهنا لا بد أن نبين أن الذي يموت في سبيل الله لأجل حفظ المسلمين أنه شهيد، الآن لو فيه عصابة مخدرات أو مجرم، وشرطي يطارد قاتلاً أو مهرب مخدرات، يطارد سارقًا، يطارد عصابة، أي عملية من عمليات المطاردة لمجرم يعتدي على المسلمين، إذا قُتل الشرطي أثناء المطاردة أو أثناء الاقتحام على ناس من المجرمين فإن هذا الشرطي إذا حسنت نيته أنه اقتحم ما هو فقط تنفيذاً للأوامر، اقتحم لأجل القضاء على هذا المجرم أو سوقه للقضاء والعدالة الإسلامية، وكبت شرّه، وتفريق العصابة، وإزالة المنكر، فإنه يكون شهيدًا في سبيل الله، لا شك قتله مجرم، فماذا يكون المقتول إذا قصد وجه الله؟ لا بد أنه شهيد في سبيل الله، مادامت خلصت نيته، ولذلك أرى بأن يذكر دائماً فرق الاقتحام من يتولى عمليات الاقتحام بسلامة النية؛ لأنه معرّض للموت في حادثة، في هذا أو في هذه معرض للموت قد يطارد شخصاً فيحدث له حادث نفس الشرطي في السيارة ويُقتل.
والولاية أمانة ولا شك، وتحتاج إلى إتقان، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص: 26].
والإتقان هذا يتطلب الإتيان وقت الدوام، عدم ترك العمل، والتخلي عن الثغرة من أسوأ الأشياء، تجد واحداً لأنه سهران في الليل ونوبته (ورديته) في الصباح، مفترض أنه يكون في الصباح من بعد الفجر موجود، ربما يأخذ سيارة الدورية وينطلق بها إلى مكان منزوي وينام فيها، فلا يكون عيناً ساهرة، وشف أيش مرسوم على سيارته من الخارج، فإذن، لا بد من الانضباط في العمل، لا بد من تكميل الدوام، قضية الخروج أثناء الدوام بدون سبب شرعي وعذر وجيه وإذن صحيح لا يجوز، وإلا يكون مقابل الراتب على هذا لا يحل له، ما يحتجب عن أصحاب الحاجات، يمكن بعضهم في مكاتب، هؤلاء رجال الشرطة في مكاتب، كل مكتب مخصص لشيء معين فإذا احتجب قال: يا عسكري لا تُدخل أحداً عليّ مدة نصف ساعة أو ساعة، ماذا يفعل؟ يكلّم بالتلفون كلاماً سيئاً، أو أنه ليس له علاقة بالعمل إطلاقًا، أو جاء أحد التجار ويريد يعمل معه صفقة، أو يشرب الشاي، أو يتكلم مع صديق عزيز من أيام الثانوية، فهذا ما علاقته؟ الآن تتكلم خارج الدوام، يا أخي ادعوه إلى بيتك، أو اذهب إلى بيته، أما قضية لا تدخل أحداً عليّ، والمسألة هذا وقت دوام بأي شيء تستحله للتجارة أو صديق ما له علاقة بالعمل، فإذن، كيف يختزل من وقت العمل؟ أحياناً تؤخذ أشياء من العمل للبيت بغير وجه حق، أدوات مكتبية على سبيل المثال، لا تجوز، قضية عدم البت في القضايا، غداً، بعده، هذا مناف للأمانة، لا يجوز هذا، تعطيل للناس، هذا تضييع أوقات المسلمين، هذا المراجع الذي أتى اليوم وغداً وبعد غد جالس يستأذن من العمل ويعطل أشغاله، وربما لا يسمح مرجعه في أن يخرج لمراجعتك أنت في مكتبك، فإذن، إذا عطلته، إذا ضيقت عليه، إذا أجلت وأخّرت وسوَّفت بدون سبب شرعي هذا ظلم، وهذا يمكن يأتي بليموزين ويتكلف للمجيء إليك لتقول له: بعدين يوم السبت، غداً الأربعاء تقريبًا آخر الدوام، لا يوجد، ارجع السبت يجب أن يكون الدوام إلى آخر نقطة، إلى آخر قطرة.
وكذلك الدقة، متابعة التطورات أحيانًا، وظيفة الشرطي في القضايا لا بد يتابع، يجري اتصالات ليعرف القضية وصلت إلى أي مرحلة، فبعضهم ربما من الإهمال قد لا يتابع تطورات القضية ويأتي هذا صاحبنا يراجع، يقول: ما جاءنا شيء، ارفع السماعة، تحرك، أرسل مراسلاً، شف المعاملة أين؟ افتح جهاز الكمبيوتر، انظر أين وصلت؟ ما معك غير قضية ما جاءني شيء، وربما هذا وضعها في درج، وهذا نام عليها، ولذلك يحصل للناس كثير من الحرج والعنت والمشقة، وهذا ليس خاصًا بالشرطة، هذا في أي دائرة من الدوائر ممكن يحصل فيها هذا الكلام، لكنه مخالف للأمانة ولا شك، وكذلك فإن قضية ترتيب الأوراق مهمة، هذه من الإتقان في العمل؛ لأن عدم الترتيب يؤدي إلى ضياع الأوراق، ضياع المعاملات، بسبب أن الشخص فوضوي أو ما عنده تقييد وضبط، جاءت المعاملة، ما قيدت، ما ضبطت، ما راحت في الصادر وإلا في الوارد، أو في الكمبيوتر، ما كتبت، ما طبُعت، مشكلة كبيرة جدًا، واحد مسكين ذهب يراجع معقّب الجوازات، أين الجواز؟ يذهب بكرة وبعده، حتى كادت الإجازة تذهب، في الأخير من الهم عند مكتب معقب الجوازات واضعاً يده على رأسه مطرقاً، وإذا به يرى تحت رجل الطاولة جوازات، سحبها، فإذا به جوازه، قال: آسفين الطاولة صار فيها اختلال توازن ونريد نضع شيئاً تحتها، ولذلك فإن مسألة ترتيب وتنظيم الأوراق هذه من الدقة في العمل.
حفظ الشرطة لأسرار الناس
استخدام التقنيات الحديثة، ربما تكون هناك أقسام في الشرطة مكلّفة بمتابعة التقنيات في السوق يذهب يرى الشركات، هل حصلت تطورات جديدة في أنظمة الأرشفة؟ أنظمة البحث؟ أنظمة حفظ المعلومات؟ الآن هذه أشياء في تطورات رهيبة جدًا، في قضايا حفظ المعلومات وأمن المعلومات، وسرية المعلومات، والبحث عن المعلومات، متابعة التطورات من الإتقان في العمل، ويجب أن يرفع فيه ويقال: نقترح المجيء بالنظام الفلاني.
ومن الأشياء أيضاً المهمة بالنسبة للشرطي: حفظ الأسرار.
هذه أسرار أناس، قد يكون هذا فعل جرمًا، هذا فعل ذنبًا، لكن هناك أشياء يجب الستر فيها، هناك أشياء لا يجوز الستر فيها، وهذه أشياء ترجع للعلم، متى نستر عليه؟ ومتى لا نستر عليه؟ وإذا كنا سنستر عليه أنا ما أضع أوراق المراجعين هنا يقرأها هذا الجالس، جاء فلان وفلان من المراجعين نظر كذا قرأ أوراقاً، هذا كذا وفلان هذا كذا، هذه تُستر تُخبأ، وربما يحدث أحياناً أن يجلس الشرطي في وليمة في عشاء، ليس له علاقة بالدوام، فيجيء واحد يقول: ها يا فلان وش لون مشاكل العمل؟ يقول: والله مشاكل وأشياء، وماذا صار اليوم؟ يقول: والله صار فلان كذا، جاءنا واحد في قضية كذا من هو؟ واحد الله يستر عليه، لا من هو؟ هذا فلان، ليكون أبو فلان، فانكشفت القضية، وعرف اسم الشخص، وبالتالي فإضاعة أسرار للمسلمين، ثم الشرطي يبذل النصح، الآن إذا ما كان الشرطي عنده قدرة على الموعظة يكون عمله أحيانًا فيه خلل؛ لأن الشرطي من أكثر الناس الذين يحتاجون لاستعمال الوعظ؛ لأنه إنما أن يأتيك شخص متهم بسرقة، اعتداء على عرض، ملاحقة نساء، اختلاس، يحتاج إلى وعظ، يجب أن يكون عندك من الآيات والأحاديث والمواعظ ما تزجر به هذا الشخص وتخوّفه عذاب الله، وعقاب الله الشرطي ترى من أحوج الناس أن يكون واعظًا، كثير من الأشخاص الذين يحتك بهم ويمرون عليه في الحقيقة يردون للتخويف بالله تعالى، ولذلك لا بد أن يكون عنده شيء مما يقوله، أما قضية البعد عن أكل المال الحرام، عدم قبول الرشوة، فهذه مسألة مهمة للغاية، عدم استغلال السلطة، لماذا عمر بن الخطاب كان إذا أرسل أميراً على بلد، إذا رجع هذا الأمير استدعاه، قاسمه ماله، حتى الحذاء يأخذ فردة ويعطيه فردة، لماذا؟ قال: أنا أرسلتك أميراً على المصر هذا، أو على البلد هذا، لا يخلو أن أهلها راعوك في بيعة، في شرية، بحكم أنك الوالي من قبلي، فكان عمر يقاسمهم، أي واحد ما يطول يحطه في منصب يرجعه، طبعاً هذا إذا رجعه سيأتي وقد حمل أشياءه وأمواله، ولذلك ربما وجد بعضهم في نفسه، يقول: كيف يؤخذ مني هذا؟ وأما بالنسبة لما يتعلق بمنافاة الأمانة من جهة التزوير، قيد معلومة غلط، يغير التاريخ، يغير الاسم، يغير كذا، فهذا يحدث كثيراً، فربما يدخل في شهادة الزور، ولذلك فإن ما يحدث من الإخلال بالأمانة كثير، فقد يجي واحد يكتب تقريراً، رجل الشرطة إذا كان أمينًا كتب الواقعة كما هي ما زود ولا نقص، إذا لم يكن أميناً يهول القضية، إذا كان الشخص بينه وبينه عداوة شخصية للآخر هول القضية، وأنه تعدى على رجل وأنه قال أشياء، وأنه فعل وفعل، ويحدث العكس، ربما يكون جرم الشخص الآخر كبيراً لكن؛ لأنه صديق أو من القبيلة، أو من البلد، أو فيه معرفة شخصية، كتب شيئاً بسيطاً، حتى إذا قرئ التقرير ليقرر بناء عليه العقوبة وإذا بالمسألة سهلة تافهة، إذن، الأمانة مراقبة الله هي التي تجعل الشرطي يكتب بدقة ولا يزيد ولا ينقص ولا يفتري.
والمشكلة أنك تجد أحياناً كثيراً من أفراد الشرطة جيدين، ومتقنين للعمل، وعندهم أمانة، وعندهم صدق، وعندهم إخلاص، يطلع واحد أو اثنان يخربون على المجموعة كلها، تجد أحياناً إدارة كاملة، تجد فيها من الأخيار والطيبين وأهل الصلاح وأهل الأمانة والدقة والتحرّي، لكن المشكلة أن الشر كذا، لو جاء واحد من المجموعة هذه وعمل شيئاً مع أحد الجمهور أو العامة، هذه تنقل في المجالس، أمس واحد شرطي اتهمني أني قطعت إشارة وأنا بريء، أمس هذا الشرطي تبلى عليّ واتهمني وأنا ما لي علاقة بالموضوع، وتُنقل وتُذكر في المجالس، وتُرسل شكوى للجريدة، وتنزل في موقع في الإنترنت، ويتحادث بها الناس على الهاتف، وتكون مادة لزملاء العمل في الصباح ثاني يوم، وهو خطأ شرطي واحد لكن؛ لأن الشرطة عليهم المجهر، الناس يراقبون بعين فاحصة الشرطي في الشارع وفي السيارة، ما هو كأي واحد في السيارة الأخرى، تجد العين عليه، أخطاؤهم تكبّر عند الناس، عند العوام تكبر أخطاء الشرطة، هذه حقيقة، وتُعمّم، ولذلك تجد بعض الناس إذا نزل الشرطي مخالفة مرورية قال: أنتم الشرطة ما فيكم خير، أنتم تتبلون على الناس، أنتم تتهمون كذا، كثير من الجمهور والعامة يعممون، ما يقولون: أنت ظلمتني، أنتم الشرطة، ويمكن هو واحد من مائة، تسعة وتسعون من الشرطة صالحون، وهذا الشرطي الواحد الذي خالف الأمانة أو افترى أو تعدّى أو ظلم أو كذب، إلى آخره في التقرير أو في المخالفة، ومع ذلك الناس يعممون القضية، وأن الشرطة كلهم كذا، وأنه ما فيهم خير، ظلمهم، هذه طبيعة الناس، خلق الإنسان ظلوم جهل، ومن الظلم تعميم الأخطاء على الجميع.
ولذلك بعض الناس يفرض عليهم طبيعة عملهم أنهم يكونون في غاية الدقة لأنه يعلم لو أخطأ على أي واحد من العامة سيضخّم الخطأ ويكبّر أكثر من أي شخص آخر، وهذا ما يجعل عمل الشرطي صعباً، تجده لو أخطأ الآن كبرت القضية ورفعت وصار تحقيق وفتح الملف لها، واشتكى ذاك، وذهب اشتكى الآخر، وتكلم الناس في المجالس، ولذلك فلا بد من الأمانة والدقة في الموضوع.
جمال مظهر الشرطي وحُسن لباسه
وحتى الأشياء التي ترغّب الناس حتى لو قلت: جمال المظهر، اللباس مثلاً، على سبيل المثال: المظهر الحسن.
كذلك من الأشياء التي ترغب الناس في التعامل الطيب، غير ما يجي واحد قام من النوم، ولبس البدلة، لا اغتسل، ويمكن ما صلى الفجر، ولا توضأ، بعرقه، ولا غير رائحته، وسيخالط الناس، وربما يتطلب عمله القرب من فم الشخص أو وجه الشخص الذي يتعامل معه في تحقيق أو غيره.
بعض أعمال عُمّال الشرطة
ولا شك أن من شعار الشرطة الضبط والربط، وأن يكون هناك حزمٌ، وليس قسوة وظلم، لكن هناك حزم، هناك استعداد تام، هناك أخذ للحيطة، هناك دقة ومتابعة، قيام بالوظائف الرئيسة، الآن هذا عمل عظيم، لا بد أن نفهم أن الشرطة عمل عظيم، المجتمع بدون شرطي متسيِّب، نحن بدون شرطة لا نأمن على أموالنا ولا على أعراضنا، ولا على بيوتنا ولا على أعمالنا ولا على تجاراتنا، ولا على محلاتنا، ويصبح النهب والسلب حاصل إذا اختل الأمن، فلا بد أن يُقدّر لهم دورهم، ولا بد أن يُقدّر لهم جهدهم، هؤلاء يمنعون الفساد في الأرض، هؤلاء يمنعون الجريمة قبل وقوعها، ويحققون فيها بعد وقوعها، ويجلبون الظلمة للمحاسبة، وعند القضاء؛ ليحق الحق ويبطل الباطل، هؤلاء الذين يحرسون الناس، هؤلاء الذين يرشدون الناس أيضاً، وظيفة الشرطي فيها إرشاد وتوعية وتعليم، بعض الشرطة في العلاقات العامة وغيرها، يذهبون إلى المدارس، يوعّون الطلاب، يكونون حكماء في التوعية، فهم ربما يقابلون الجمهور الأشخاص المختلفين، يشرحون لهم أشياء كما يقوم بها مهمات الدفاع المدني والمخدرات، إلى آخره، هؤلاء الذين يقمعون الجرائم، وكذلك فإن لهم وظائف في جلب المجرمين إلى القضاء لإحقاق الحق وإنزال العقوبات بهؤلاء، ربما يكون هذا الشرطي سبباً في إقامة الحد، هو بجهده وهو بحرصه كان سببًا في وصول القضية بإقامة الحد فيها، دم مسلم قد يضيع، لكن لولا الله ثم هذا الشرطي ما ضاع دمه وعرف القاتل وجُلِب، لولا الله ثم هذا الشرطي كان ضاع مال هذا التاجر، والذي سُرق دكانه، لكن بعد فضل الله هذا الشرطي كان سبباً لرجوع المال إلى صاحبه، حتى لو سُرق جوال من سيارة، حتى لو سُرق جهاز صوت من مسجد، حتى لو سرق نعال من مسجد وعرفه واكتشفه فإن ذلك سبب عظيم لأمان الناس حتى في المساجد، المساجد تُنشل منها محافظ ونعال وأجهزة الصوت، المجرمون لا يوفرون شيئًا حتى بيوت الله تُسرق البطاقات، وظائف الشرطة داخل السجون، والسجون من مسؤوليات الشرطة بالعموم، وإن كانت إدارياً لها اقسام منفصلة لكن لا شك أن لهم داخل السجون وظائف عظيمة في الإصلاح، وليس فقط في أنه محافظ عليه لا يهرب.
وكذلك فإنهم من جهة منع التعدي في الأسواق، من جهة منع الأشياء المخلة بالدين والأدب، من وظائف الشرطة أن يكاتبوا الجهات التي يمكن أن يحدث فيها خلل يسبب شرًا على المجتمع، يكاتبونهم ألا يحدث، فمثلا لو عرض فيلم، ممكن يعلّم الأحداث كيفية القيام بالجريمة، فإنهم يكتبون: هذا الفيلم الفلاني، عرضه خطير جداً، والآن الانفتاح الإعلامي هائل وأشياء فضائية تأتي من كل صوب، وهذا فيه بث للإجرام، أحيانًا قد يكاتبون العلماء يقولون: نحن عثرنا على الشيء الفلاني، هذا واحد ما ندري هو مشعوذ أو هو راقٍ؟ أرسلوا لنا من يتعرف على حاله، ضبطنا في بيته أشياء هناك بخور، ما ندري هذا الآن مشعوذ أو راقي، بعض هؤلاء ربما يتسترون بثوب الرقية ثم هم يستدرجون النساء لعمل الفواحش بهن، وظيفة الشرطي ربما يكتشف أشياء من هذا، يتصدى لأهل البدع، وكذلك فإنه يحافظ على حرية الناس ضمن حدود الشريعة، فليست الحرية المطلقة وليست كتم الأنفاس الذي يؤدي إلى ان الواحد لا يستطيع أن يقول أو يفعل ما يريد أن يفعله من المباحات.
ولا شك أن دورهم في الإحضار والقبض وما يتنج عنه من المطاردة والأذى أنهم يحتسبون به عند الله ، وقضية التوقيف سواء كان مؤقتاً أو سجناً، لا بد أن تكون هذه المسألة ليس فيها ظلم، وإنما تكون قضية بحق إطلاق بكفالة مثلاً، قد تكون فيها شفاعة سيئة، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء: 85].ممكن يكون فيها شفاعة حسنة صحيحة فيؤجر عليها، قضية الكفالة الشخصية يشترط أن يكون المكفول ليس عليه حد أو قصاص حتى تأذن له بقضية الكفالة الشخصية، وهناك كفالة غُرْمية، وهناك استجواب، والاستجواب لا بد أن يعرف فيه قضية الإقرار والتراجع والإنكار، هناك أشياء تدخل في صلاحيات هيئة الادعاء والتحقيق، ولكن الشرطي أحيانًا يتداخل عمله مع عمل هيئات أخرى، مثلاً هيئة الادعاء والتحقيق والشرطة، هناك تداخل صعب أنك تفصل القضية من جميع الجهات، استجواب النساء على سبيل المثال، قد يؤتى بامرأة فيقال: لا يجوز الخلوة بها يؤتى بمحرمها معها حتى تُستجوب، وقضية الإكراه على النطق، استخدام الأساليب، لا بد أن تكون الأساليب مباحة عند المحقق، فمثلاً لا يجوز الكذب عليه ولا خداعه، كأن يقول: اعترف وأنا أعطيك الأمان ثم يكتشف أنه لا أمان ولا شيء! هذا لا يجوز، هذه خديعة، وقد قال ﷺ: المكر والخديعة في النار ما يجوز تعطيه الأمان ثم تنزل به العقوبة أو تحلّفه بالطلاق مثلاً تقول: احلف احلف أن امراتك طالق أن هذا؛ لأن هذا التحليف بالطلاق بدعة.
كذلك فربما قد تكلم أهل العلم في قضية استعمال بعض العقاقير المخدرة في التحقيق التي تجعل الشخص المستجوب مهلوساً لأجل انتزاع أشياء منه، أصلاً النائم وشبه النائم اعترافه ما له قيمة، فحتى لو جعله يأخذ شراباً او دواءً يصاب بالهلوسة لأجل استخراج المعلومات منه، عند القاضي ما لها قيمة شرعًا، قد يحصل مثلاً إكراه لأجل استجواب، هذا الإكراه قد يكون بحق وقد يكون بغير حق، وإذا كان بغير حق ظلم وقد قال تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الشورى: 42].
فأما قضية الإكراه: ماحكم أن يضربه كفاً؟ ما حكم ضربه على رجليه؟ ما حكم ضربه بعصا؟ ما حكم جعله في زنزانة ضيقة يضيق نفسه حتى يتكلم؟ إلى آخره، هذه الأشياء تكلم فيها العلماء، فجمهور العلماء يرون جواز أن يمس المعروف بالفجور الذي قامت القرائن، لو فيه بينات وأدلة، ما عاد يحتاج إلى أي نوع من أنواع التعذيب الذي قامت القرائن القوية على الاشتباه فيه جواز أن يمس بشيء من العذاب لكي يخرج ما عنده، من هو المعروف بالفجور، التاريخ عنده تاريخ إجرامي، هذا أولاً، ثانياً: قامت القرائن القوية على أن هذا الرجل هو الذي فعلها لكن نريد أن يعترف ويأتي ببقية التفاصيل أو يأتي بأفراد الشبكة الآخرين فهذا يجوز أن يمس بشيء من العذاب لأجل أن يخرج ما عنده كما دل عليه حديث سعية لما أنكر مال حيي بن أخطب اليهودي، كلاهما يهوديان، فالنبي ﷺ قال: العهد قريب والمال أكثر من ذلك لأنه قال: أين مال حيي؟ قال: أذهبته النفقات، قال: العهد قريب والمال أكثر من ذلك هذه الأموال التي عند حيي، النقود الدراهم ما تذهب بالمدة، المدة قصيرة والمال كثير، أين؟ أذهبته النفقات، أكل وشرب ولبس، ما يمكن؟ فدفعه إلى الزبير فمسّه بعذاب"، فإذن، هذا يهودي قامت القرائن على أن المال مخبأ عنده، العهد قريب والمال أكثر من ذلك، هناك قرائن تدل على أن المال مخبأ، والمال هذا من حق المسلمين، فدفعه إلى الزبير، فمسّه بعذاب، فاعترف، قال: رأيت حيياً يطوف بهذه الخربة الفلانية، ذهبوا إليها ووجدوا المال مخبأ فيها، سجل فجور، سجل إجرامي، مع قرائن قوية، هذا الذي يبيح أن يُمسّ بعذاب ليعترف، أما أي شخص يقول: مسكنا عشرة مشتبه فيهم، عذبوهم كلهم حتى يطلع منهم مجرم، طيب والتسعة الباقين، في أحد البلدان الضابط تكلم مع واحد في التلفون، قال للجندي: اذهب هات لي هذا، راح الجندي وتأخر، قال: أين فلان؟ قال: أتينا به واعترف! قال: يا مجنون، هذا مدرس الرياضيات لولدي، أنا أرسلتك، على أساس أنك تجيبه يدرس الولد رياضيات قال: أتينا به واعترف، وبعضهم يستخدم آيات هي لله مثلاً: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ يقول: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ هذه يوم القيامة: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ [الحاقة: 30 - 31]، هذه رب العالمين يفعلها بالمجرمين وليس بأي شخص، ولذلك فإنه لابد من تجنب أي نوع من أنواع الظلم، والحمد لله يوجد أنظمة في الحقيقة تنظم الأمور وتعتني بهذا؛ بحيث تحد مهما كان من أي ظلم يقع وجهات يُشتكى عندها.
وكذلك ينبغي على رجل الشرطة أن يكون عنده نباهة، و هذه النباهة مهمة جدًا، كم من الجرائم كشفت خفية، كشفت بالنباهة، وحدثونا، هذه قصة عن رجل في نجد من عشرات السنين، عنده فراسة ونباهة وذكاء، مع أنه رجل عامي جدًا، فكان إذا استعصت الأمور إذا استعصت بعض الجرائم على الشرطة جاؤوا به ليبذل ما عنده، فحصل أن صاحب بقالة، كان يأتي واحد يأخذ منه بضاعة ويأخذ بضاعة ولا يسدد، وفي الأخير لما كثر الحساب عليه، ذهب إليه قال: إما أن تسدد وإلا هذه الشرطة أو هذه الإمارة أشتكي عليك، قال: لا، لماذا تشتكي عليّ؟ أنا أسدد لك غدًا، تأتي إلى بيتي وأسدد لك، وثاني يوم جاء للبيت جهز له السكين، فلما دخل عليه شق بطنه وطعنه وكان حفر له حفرة تحت الدرج وردمه فيها، وقال لزوجته: إذا تكلمت بحرف ألحقتك به، مضت الأيام واختفى هذا صاحب البقالة ولا يُدرى أين هو، وأهله بلغوا بحثوا البحث تحرِّي، لا فائدة، فجيء بهذا الشخص صاحب الفراسة ومن القافة الذين يقرؤون الأثر يقصون الأثر، ويعرفون من الأرجل وقسمات الوجه، يتفرسون في الناس يعرفون أحوالهم إذا كان مخبي شيء أو متهم بشيء، فجيء به قيل له: الوضع كذا وهذا مختف ولا حصلناه ولا ندري ماذا حصل له؟ قال: افتحوا لي دكانه، ففتحوا له الدكان، فبحث عن دفتر الديون، ففتحها ورأى أكبر واحد عليه دين، أكبر دين كان على هذا الشخص، فقال للأمير: هذا خذه وضعه في السجن ودعني أدخل عليه فجأة، فأخذه ووضعه في السجن وهذاك ينكر، أنا برئ، فجاء هذا ودخل عليه، قال: لماذا أنت هنا يا فلان؟ قال: أنا مظلوم، أنا مسكين، أنا متهم، أنا برئ، أنا كذا، اتهموني بفلان وأنا ما عملت له شيئاً، ولا سويت، ولا أدري عنه، ولا أعرفه، فقرأ في وجهه أن هذا الرجل عنده شيء يخفيه، وضعه ليس طبيعياً، المجرم قد يظهر عليه شيء من الارتباك وشيء يعرفه الشرطي والضابط أو الجندي لو استعمل النباهة والفراسة، يوجد هذا عند بعض الناس، يعرف من خلجات وجهه وكلامه وثنايا الكلام أن هذا عنده ما يخفيه، فقال للأمير: هذا أبقه في السجن، والآن أريدك أن تعطيني عبداً وبندقية وطلقة واحدة، فأعطاه، فقال لهذا العبد الذي معه البندقية والطلقة: بعد المدة الفلانية، عند هذه النافذة، قريب منها، تطلق الطلقة في الهواء، قال: طيب، ودخل إلى البيت إلى هذه المرأة، قال: أين زوجك؟ قالت: في السجن قال: لماذا في السجن؟ قالت: مسكين مظلوم، اتهموه، بريء ما عنده شيء، قال: لكن أنا سمعت أنه اعترف وأنه سيقام عليه القصاص، قالت: لا، مسكين، كيف يقام عليه القصاص؟ هذا برئ لا بد تتدخل قال: لا، انتهى، الأمر فرُغ منه، وبينما يحادثها انطلقت الطلقة، قال: انتهى الأمر، قالت: كيف قتلوه؟ مات؟ قال: انتهى الأمر خلاص، فلما تأكد عندها أنه مات، قالت إذن هذا صاحبه في هذه الحفرة، أصلاً، هو هددني، والآن ما دام مات، حصحص الحق وخذه.
فتكون النباهة، وجمع القصص والأشياء التي يحدث فيها مثل هذا؛ لأن الحيلة تتكرر فتغذية الخلفيات التاريخية لرجال الشرطة عن تاريخ الإجرام وعن مجرمين وسبل الإجرام هذه المسألة مهمة.
قضية التفتيش، التفتيش له أصل شرعي، قال الله تعالى: فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ [يوسف: 76]، وقصة حاطب وتفتيش المرأة، لكن هناك تفتيش محرم، مثل أن يأتي إلى أناس، وليس عنده أي قرينة ولا شيء، أو رجل يفتش امرأة أجنبية يكشفها، حرام لا يجوز، المرأة تفتش المرأة عند الحاجة، والتجسس محرم، لكن عند قيام القرائن، عند ذلك يكون التفتيش للشخص، والذي فيه شيء من انتهاك حريته، لكن لأجل المصلحة العامة، ولذلك فإن ما يحدث من رجال الأمن بالذات الذين يكونون في نطاق الحدود، في تفتيش الأشياء التي يمكن أن تدخل بها المخدرات إلى البلد مهمة جدًا، وقد يكون يخفيها في أشياء غير متوقعة وداخل أنابيب داخل قطع الرخام، في مزارع الملفوف والخس يضع قطعة مخدّر، لما يكون الملفوف في أول نبته، ثم أوراق الملفوف تكبر وتكبر ثم يأخذ هذا الملفوف ويدخل به، حِيل وأشياء متعددة، وفي الإطارات وفي المعدة وبعض الملابس تنقع في المخدر وتجفف ويلبسها ويدخل فيها ثم يضعها في الماء المحلول وتطلع النجاسة الحسية والمعنوية.
وكذلك فإنه ربما أحياناً يعمد بعضهم لجلب المعلومات إلى الدخول مع العصابات، ممكن يدخل في العصابة ويتحسس لكن لو قال: هل يجوز لي أن أشرب معهم الخمر؟ أو أتعاطى معهم مخدرات لكي يثقوا بي؟ لا يجوز أن يتعاطى خمراً ولا مخدرات لكي يثقوا به، حتى لما يأتي الإنسان إلى قضية التفتيش وقضية جلب معلومات يجب أن يطبق الشريعة ولا يمكن كما قلنا أن يخلو بامرأة في سجن أو حجز بزعم التفتيش معها، وكثيراً ما أدى ذلك إلى مآسٍ كثيراً جداً .
هناك عبارة أريد أن أنقلها عن أبي بكر الصديق لما وُلي قال: "أما بعد، أيها الناس، فإني قد ولّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علته إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق إن شاء الله"
هذه المسألة مهمة جدًا، أن يشعر الشخص المظلوم بأنه قوي عند الشرطة، والشخص الظالم أنه ضعيف، هذا مهم أن يشعر لإعادة الحقوق إلى أصحابها.
وكذلك فإن رجل الامن أو رجل الشرطة يعرف، وهي طبعاً مسألة الشرطة كلها فيها أوامر وتنفيذ يعلم بأن الطاعة لله أولاً وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
تزوُّد الشرطي بالصُّحبة الصالحة
كذلك فإن ما نوصي به إخواننا رجال الأمن بأن يكون عندهم دائماً تزود بالصحبة الصالحة، بالعبادات، بالتوسل إلى الله، والدعاء، يعني واحد فعلاً يقدر لما يرى الدورية واقفة عند المسجد، وقد حرسوا الناس إلى أن طلعوا من المساجد، فذهبوا هم يصلون، وما نسوا الصلاة، هذه مسألة مهمة جداً.
وكذلك فإنه لا يستجيب ضابط الشرطة ورجل الشرطة والجندي والعسكري، لا يستجيب لقضية التوسلات من الذين لا يستأهلون الرحمة والشفقة من المجرمين، فربما يكون أحياناً مهرّب أو امرأة تدير عصابة دعارة كبيرة، تجي تقول: استر عليّ الله يستر عليك، وهذه مجرمة توقع في حبائلها طالبات الكلية وطالبات الثانوية و... و.. إلى آخره وتأتي تقول: استر عليّ الله يستر عليك، هذه لا تستحق الستر، هذه المجرمة، هذه ليست واحدة فعلت معصية، امرأة مثلاً طلعت مع شاب إلى السوق لأول مرة يحدث هذا، فيها مجال للستر، لكن عندما تصبح المسألة جريمة منظمة تتعلق بالدعارة والأعراض وإيقاع النساء والفتيات وإفقاد العذريات، هذه مسألة كبيرة، هذه لا مجال فيها لمثل هذا، يجب أن تنال العقوبة وتُحوّل إلى القضاء، هذه القضية قضية كبيرة.
ولذلك من المسائل المهمة في قضية الستر؛ لأنها تلتبس على الشرطي أحياناً، هل أستر عليه أو ما أستر عليه؟ من الأشياء المهمة في الموضوع، هل جريمة هذا أو ذنب هذا من النوع المتعدي أو من النوع القاصر على نفسه؟ واحد عثر عليه يشرب الخمر في بيته، أو رجل خرج إلى باب العمارة سكران، أو مروِّج خمور ، امرأة كادت أن تركب مع شاب في سيارة كادت زُجرت يُستر عليها؟ أو امرأة تدير عصابة دعارة؟ هناك فرق عظيم، الأشياء التي جرائمها متعدية، والناس المحترفون في الإجرام والعريقون فيه والمتكرر منهم الذنب، فيه عوامل واعتبارات تجعل الستر جريمة عليهم.
كذلك فإن النزاهة والأمانة تقتضي أن رجل الأمن يبتعد عن أي أغراض شخصية تحصل له من وراء العمل، فبعضهم ربما يعمل خدمة لشخص، يقول له: أمسح لك مخالفة، أعمل لك كذا، أطلع لك خدامة، أطلع لك ولدك من السجن، أعمل كذا برشوة، وهذا حرام، وأحياناً الرشوة تأخذ أشياء مغلفة، فمثلا هذاك يقول له: اخدمني اعمل لي هذا الشيء وعندنا محل مفروشات لو تمر علينا أي خدمة وهذه بطاقتي، هذا عندنا محل جوالات ثم هذا يذهب إليه بعد ذلك ويأخذ شيئاً بتخفيض، التخفيض هذا رشوة لم يعط إلا لأجل وظيفته، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا هذه الهدية كيف جاءت ؟ بسبب المنصب، إذن، هي حرام، إذن، هي رشوة، أي تخفيضات جاءت بسبب منصب هي حرام وهي رشوة، يجي مهندس ديكور يقول: أسوي لك الديكور وأعمل لك أشياء في المكتب وكذا وكذا وتمشي لي أشياء، وأحيانا طبعاً لا يكون متفقاً عليها بهذه الصراحة، وحق الشاي، وحق الحلاوة، لكنها تأتي أحياناً ضمناً فيقال: لا، هذا لازم تفهم لوحدك لم لازم تعطيه؟ أو مثلاً يزور المحل هو ويأخذ أشياء وما يحاسب عليها، أو يقول: أدفع وبعد ذلك هو معروف أنه لا يدفع ولن يدفع، وربما أعطاه أشياء معينة أو هدايا وتخفيضات كما تقدم، وربما الإنسان قد ينزل إذا ما كان عنده تقوى ممكن أحيانًا والعياذ بالله يقدِّم خدمات وتسهيلات في العمل؛ لأجل التوصل إلى حرام مع امرأة، فيفزع لها في شيء يخصها، أو لأحد أقربائها لتمكّنه من نفسها، أو تجلب إليه امرأة بالحرام، ونحو ذلك، وربما يتسلّف أشياء من أشخاص ولا يعيدها، وبناء عليه فإنه لا يجوز استغلال المنصب إطلاقًا، لا يجوز استغلال الوضع إطلاقًا، يجب أن يكون نزيهًا عفيفًا عن أموال الناس، وأن يكون دقيقًا فيما يكتبه من التقارير كما تقدم، وأن يبتعد عن الاستهانة بالآخرين؛ وخصوصاً في الحجز وفي التحقيق ، لا يكون هناك أي نوع من أنواع التعدّي، وأن يلتمس الصدق، وأن يلتمس العدل دائماً، وألا يستهين بالضعفاء من المسلمين من الأعاجم كما تقدم فإن هذا الكبر يمقته الله .
إقامة الصلاة أثناء الدوام
وكذلك فإن إقامة الصلاة في العمل مسألة لا بد ان نذكّر بها، وربما يبقى البعض في المكاتب مع أنه لا لزوم لبقائهم في المكاتب، ويفوّتون صلاة الجماعة، يفوّتون الصلاة في المسجد، وهذا لا يجوز، دع عنك الأشياء الطارئة والأشياء الضرورية التي لا بد أن يبقى فيها في المكتب أو في المراسلات أو في الهواتف مثلاً، هؤلاء الذين على 999 الهاتف، هذا لا يمكن أن يدرك ويدع، قد يتصل شخص يستغيث، انظر أجر وفضل إغاثة الملهوف، أظن أن هذا الشرطي الذي يقف على البلاغات الهاتفية، هذا إذا صدق في النية يأخذ أجر إغاثة ملهوف، فلا ينسى هذا أبداً، قد توجد أمانات، تُنزع أشياء من أشخاص تبقى عند رجال الشرطة أمانة، يدخل التوقيف، يدخل السجن، تبقى أشياء أمانة، فلا بد أن تكون عنده بصفة الأمانة التي لا يفرط فيها أبداً.
أهمية التقدير الصحيح لعقوبة الأشخاص
وكذلك فإن التقدير الصحيح لعقوبة الأشخاص مهمة، أحياناً يقول لك: قطع الإشارة من ثلاثة أيام إلى خمسة عشر يومًا في الحجز، بناء على ماذا؟ يتكرر منه هذا، ما تكرر، مستهتر، أحيانًا يكون هناك فرق بين واحد قطع ومستهتر شاب، بين واحد قطع وقال: يا أخي أنا مشغول وأنا تأخرت على الدوام، هناك أشياء هي التي تتحكم في درجة العقوبة، هذا واحد رأى واحداً، وجاء شاب عند إشارة حمراء وقطعها وراح الإشارة اللي بعدها حمراء وقطعها جاء عند الإشارة الثالثة كأنه استثقل أن يقطع ثلاث إشارات وراء بعض وقف فسمع هذا الصوت يقول له: اقطعها كمل كان هذاك الشرطي يراقبه من أول وهو ما منتبه، هناك فرق بين المستهترين وغير المبالين واللي يقطع الإشارات واحدة وثنتين وثلاثة لا يبالي أصلاً وبين واحد قطع إشارة مثلا في شارع خالي وشارع مزدحم، لما يقدر عقوبة، لما يقال: النظام من كذا إلى كذا، أحياناً العقوبات تكون محددة، وأحياناً العقوبات تكون فيها تتراوح من إلى فهذه عقوبة تقدر على الهوى على الصداقات والعلاقات الشخصية على القرابة؟ لا ، تُقدّر على حسب الجرم الذي فعله ذلك الشخص.
كذلك فإن من المهم جداً لرجل الأمن أنه خارج العمل إذا نزع البدلة أن يراقب الله ؛ لأن البعض ربما إذا لبس البدلة استشعر مسؤولية وخاف وأنه الآن محط النظر وتحت المراقبة، أما إذا صار لابس مدنياً ربما يفعل الموبقات والعياذ بالله، يعبر جسراً ويشرب خمراً، لماذا؟ وخميس وجمعة قد يفعل أشياء من الكبائر السبع التي عقوبتها عند الله شنيعة، ولذلك فإنه لا بد أن نربأ بأنفسنا عن فعل أي شيء يغضب الله؛ سواء كان على رأس العمل، بعد التقاعد، أثناء الدوام، بعد الدوام إلى آخره.
كذلك لا بد أن يكون هناك احترام من رجال الأمن لبعضهم البعض، كل واحد يحترم من هو فوقه ومن هو مثله ومن هو دونه، وهناك احترام من الأسفل للأعلى، وفيه رحمة من الأعلى للأسفل، وهكذا تمشي الأمور وتكون بالطريقة الصحيحة، ونسأل الله السلامة والعافية إنه هو السميع العليم.