الخميس 11 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 12 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

اغتيال الصحابة لزعماء اليهود 2


عناصر المادة
الخطبة الأولى
قصة اغتيال أبي رافع اليهودي
تنافس الصحابة في فعل الخير
حكم من سب أو شتم النبي ﷺ
طبيعة اليهود التعاون مع المشركين على المسلمين في كل وقت وحين
جواز اغتيال من بلغته دعوة الإسلام وبقي مصراً على معاداته ومحاربته
الخطبة الثانية
التذكير بأهوال يوم القيامة وما يحدث فيه من الأمور العظام

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فقد تقدم كيف كان النبي ﷺ يتعامل مع أعدائه اليهود الذين يشتمون دين الله ونبيه، ويتعرضون بالأذى للمسلمين نساءً ورجالاً، ويتآمرون على المسلمين مع الكفار والمشركين، وأن النبي ﷺ كان يرسل من يقوم باغتيال هؤلاء تنفيذاً لحكم الله فيهم.

مضى مثال على ذلك، وهذا مثال آخر:

قصة اغتيال أبي رافع اليهودي

00:01:18

عن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله ﷺ إلى أبي رافع، بعث إليه عبد الله بن عتيك، وعبد الله بن عتبة في ناس معهم، فانطلقوا حتى دنوا من الحصن، فقال لهم عبد الله بن عتيك: امكثوا أنتم حتى أنطلق فأنظر، قال: فتلطفت أن أدخل الحصن، ففقدوا حماراً لهم فخرجوا بقبس يطلبونه، فخشيت أن أعرف فغطيت رأسي، وجلست كأني أقضي حاجة، ثم نادى صاحب الباب: من أراد أن يدخل فليدخل قبل أن أغلقه، فدخلت ثم اختبأت في مربط حمار عند باب الحصن، فتعشوا عند أبي رافع وتحدثوا حتى ذهبت ساعة من الليل، ثم رجعوا إلى بيوتهم، فلما هدأت الأصوات، ولا أسمع حركة، خرجت ورأيت صاحب الباب حيث وضع مفتاح الحصن في كوة، فأخذته ففتحت به الباب، ففتحت به باب الحصن.

قلت: إن نذر بي القوم انطلقت على مهل، ثم عمدت إلى أبواب بيوتهم فغلقتها عليهم من ظاهر، ثم صعدت إلى أبي رافع في سلم، فإذا البيت مظلم قد طفئ سراجه، فلم أدر أين الرجل، فقلت: يا أبا رافع؟ فقال: من هذا؟ قال: فعمدت نحو الصوت فأضربه وصاح فلم تغن شيئاً، قال: ثم جئت كأني أغيثه، فقلت: مالك يا أبا رافع وغيرت صوتي، فقال: ألا أعجبك لأمك الويل، دخل عليَّ رجل فضربني بالسيف، قال: فعمدت له أيضاً فأضربه ضربة أخرى فلم تغن شيئا،ً فصاح وقام أهله ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المغيث، فإذا هو مستلقٍ على ظهره فأضع السيف في بطنه ثم أنكفؤ عليه حتى سمعت صوت العظم.

ثم خرجت دهشاً حتى أتيت السلم أريد أن أنزل فأسقط منه، فانخلعت رجلي فعصبتها ثم أتيت أصحابي أحجل، فقلت: انطلقوا فبشروا رسول الله ﷺ فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية، فلما كان في وجه الصبح صعد الناعية، فقال: أنعى أبا رفع، قال: فقمت أمشي ما بي قلبة، فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي ﷺ فبشرته. رواه البخاري رحمه الله.[رواه البخاري رقم 4040] وهكذا جاء أيضاً فيه عن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله ﷺ إلى أبي رافع اليهودي رجالاً من الأنصار فأمر عليهم عبد الله بن عتيك، وكان أبو رافع يؤذي رسول الله ﷺ ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز. [رواه البخاري 4039]

تنافس الصحابة في فعل الخير

00:05:11

أيها الإخوة: كان الصحابة رضوان الله عليهم يتنافسون في الخير، فلما قتلت الأوس كعب بن الأشرف كما عرفنا في المرة الماضية استأذنت الخزرج رسول الله ﷺ في قتل سلام بن أبي الحقيق وهو بخيبر فأذن لهم، لماذا سلام؟ ما هي جريمة سلام؟ يقول الراوي مبيناً جريمة سلام هذا: إنه كان يؤذي رسول الله ﷺ ويعين عليه، فإذن إيذاء النبي ﷺ بالسب، أو الشتم، أو الاستهزاء، أو التنقص، عقوبته في الشريعة القتل.

حكم من سب أو شتم النبي ﷺ

00:06:12

يقتل ساب النبي ﷺ، والراجح: حتى لو تاب، لماذا؟

لأن سب النبي ﷺ يتعلق به حقان: حق لله تعالى، وحق للنبي ﷺ.

والعقوبة في الشريعة هي القتل، فإذا تاب يسقط حق الله تعالى، لكن ماذا يبقى؟ حق النبي ﷺ، وحيث أن النبي ﷺ مات ولا يمكن أن يتنازل عن حقه فبقي حقه ثابتاً.

يبقى حقه ثابتاً ويقام الحد على من سبه، وتنفعه توبته يوم الدين، إنما لا بد من قتل من يسب النبي ﷺ، لا بد أن يقتل؛ لأن هذا هو حكم الشريعة.

وهذا اليهودي كاليهودي الذي قبله سب النبي ﷺ وآذاه وأعان عليه، وقد جاء أن هذا الرجل كان ممن أعان غطفان - وكانوا مشركين - وغيرهم من مشركي العرب بالمال الكثير على رسول الله ﷺ.

طبيعة اليهود التعاون مع المشركين على المسلمين في كل وقت وحين

00:07:35

وهذه طبيعة اليهود عبر التاريخ الإسلامي، يمولون حروب المشركين ضد المسلمين، ولذلك فهم اليوم يمولون حروب الهندوس، والنصارى، وغيرهم بالأموال، والأسلحة، والمستشارين العسكريين، يمولونهم، ويمدونهم كما يحدث في بعض أجزاء من أفريقيا، وكذلك في أنحاء من البلاد التي تضطهد المسلمين، يوجد وراء ذلك أموال، ومستشارون، وأسلحة يهودية، فالنبي ﷺ أذن إذن بقتل أبي رافع هذا سلام اليهودي والجريمة عظيمة ولا شك، فأرسل إليه النبي ﷺ في حصن له بالحجاز قريباً من خيبر في طرف من أطراف الحجاز.

أرسل له نفراً من المسلمين الذين تحمسوا للقيام بالمهمة الثانية بعد نجاح المهمة الأولى، أرسل له عبد الله بن عتيك، وعبد الله بن عتبة، ومسعود بن سنان الأسلمي الذي شهد أحداً واستشهد باليمامة، وعبد الله بن أنيس الجهني حليف الأنصار، أرسل كوكبة من المسلمين من الأنصار للقيام بعمل خاص في هذه الوحدة العسكرية الخاصة، التي نجحت في اقتحام عقر دار اليهودي وقتله في مضجعه وفراشه وعند زوجته، فكان ذلك نصراً عسكرياً عظيماً للمسلمين، ويُرى من هذا كيف كانت حمية المسلمين ضد أعداء الله اليهود.

وكيف كان الباعث العظيم الذي أجج في نفوسهم العمل لأجل قتل كبارهم ورؤوس التآمر فيهم، وأهل التخطيط وأصحاب الإمرة والرأي والكبراء منهم.

فهذه سنة نبوية في اغتيال رؤوس اليهود، وهكذا طرقوه بخيبر في بيته فقتلوه فيه، وكانت يد المسلمين تطول أعداءهم في قعر بيوتهم، وكان ذلك إرهاباً عجيباً، كان من سلاح الرعب الذي قيظه الله للمسلمين وأعانهم عليه، أن يصلوا إلى الكفار في قعر بيوتهم وعقر دارهم.

وجاء هذا المسلم وهو الذي سينفذ مع تلك المجموعة المساندة، ليستعين بالحيلة والحرب خدعة مع أعداء الله، فقعد ينتظر عند الحصن الذي يسكن فيه ذلك اليهودي مع مجموعة أخرى من اليهود، والغالب أن اليهودي لا يسكن وحده، وإنما في مستوطَنة، في مجموعة، جبناء، فلذلك يتحصنون، لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍسورة الحشر 14وليس جداراً واحداً.

وهكذا الخوف والجبن اليهودي يتستر دائماً بالحصون الممنعة والجُدُر والأسوار، إنهم جبناء، ليس من طبعهم الشجاعة إطلاقاً، ولو حصل فيهم فعلى ندرة، ولا يتباهون بشجاعة إلا عند ضعف المسلمين.

فماذا فعل ذلك الصحابي؟ انتظر اللحظة المناسبة لدخول الحصن، فانتظر حتى جاء الظلام ليتستر به، وجاءت الفرصة التي قيظها الله في أولئك اليهود الذين خرجوا يبحثون عن دابة لهم قد تاهت، ثم تظاهر المسلم أنه يقضي حاجة فلما دخل اليهود وهذا البواب الذي يغلق الباب بالمفاتيح ينتظر دخولهم ظن ذلك الجالس لقضاء الحاجة يهودياً من جماعته، ولذلك ناداه ليدخل بسرعة قبل أن يغلق الباب، وكان عبد الله قد تغطى بثوبه حتى لا يعرف، فهتف به البواب فدخل بسرعة، ثم كمن - اختبأ في مربط حمار عند باب الحصن-  وجعل يرقب البواب ماذا يصنع بالمفاتيح، فلما أخذ البواب الأغاليق وجعلها على ود كما في رواية البخاري أيضاً وهو الوتد، ووضع مفتاح الحصن في كوة الفتحة في الجدار، عرف مكان الأقاليد، والأقاليد هي المفاتيح، قال: فأقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجة وقد دخل الناس.

فهتف به البواب: يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني أريد أن أغلق الباب، فدخلت فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب ثم علق الأغاليق على وتد، فقمت إلى الأقاليد - جمع إقليد وهو المفتاح- ففتحت باب الحصن، وكان أبو رافع يسمر عنده، فإذن فتح الباب الداخلي، وكان أبو رافع في علالي له، والعلالي هي الغرفة العلوية كان يرتقى إليها بعجلة، والعجلة هي السلم من الخشب، فمن حسن تخطيط ذلك الصحابي وبيعه لنفسه لله قال: جعلت كلما فتحت باباً أغلقت علي من داخل، فانتظر حتى ذهب السمار من عند اليهودي، وانفض مجلس اليهودي، وصار وحده مع أهله، جعل عبد الله ، يدخل ويغلق الباب بعد دخوله، بعد أن أغلق أبواب البيوت على اليهود الآخرين، جعل هو لا يدخل من باب بعد ذلك إلا ويغلقه حتى لا ينفذوا إليه إلا بعد أن يكون قد أتم المهمة، ثم إذا أتم المهمة فلا يضر ما يحدث له بعد ذلك، وقال: إن نذروا بي – أي: علموا – يكون هو قد نفذ المهمة التي أبدى لرسول الله ﷺ استعداده لها، ولما كان الظلام كان موقع ذلك اليهودي غير معروف بالضبط، البقعة والضجعة التي هو مضطجع فيها، فلذلك نادى المسلم فقال: يا أبا رافع؟ قال: من هذا؟

قال اليهودي: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت، فضربت الموضع الذي انطلق منه الصوت بالسيف فما أغنيت شيئاً - أي لم أقتله - وإن أصابه السيف لكنه لم يمت، فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد ثم دخلت إليه وغير الصحابي صوته، هناك دقة في التنفيذ وذكاء، وحسن تدبير وتخطيط، فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمك الويل إن رجلاً في البيت ضربني قبلُ بالسيف، قال: فأضربه ضربة أثخنته، ولم أقتله بعد، ثم وضعت ضبة السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره، فعرفت أني قتلته، وبالمناسبة فإن من العجيب أن ابن إسحاق رحمه الله ذكر أن هذا الصحابي لم يكن قوي البصر كان في بصره شيء، ومع ذلك نفذ المهمة، ربما معتمداً على سمعه أكثر من بصره، يضربه ثم يأتيه كأنه يغيثه، ويغير صوته، ويقول: مالك؟ فينخدع اليهودي ويقول: لأمك الويل انظر من ضربني، وضربه مرة أخرى ثم اتكأ على سيفه، أدخله في بطنه واتكأ المسلم عليه بوزنه حتى خرج من ظهره، وسمع صوت العظم يقرقع نتيجة دخول السيف فيه، فالآن عرف بأن الرجل قد هلك، قال: فأضع السيف في بطنه ثم اتكئ عليه حتى سمعت صوت العظم وضبيب السيف - حرفه وحده ­-.

والآن نجحت المهمة فبقي أن يفر المسلم بنفسه، ويحاول النجاة ليدخر هذه الروح لمعركة أخرى، ومناسبة ينصر فيها الله ورسوله، فما كان المسلمون لينجوا بأرواحهم إلا لأجل محاولة تقديمها في مناسبة أخرى يزدادون بها أجراً عند الله.

وقيل: إن هذا المسلم لما جعل يفتح الأبواب ويخرج والناس بدءوا يفزعون وأهل الرجل قد علموا وصاحوا واستنصروا جعل يقول لكل من قابله: من قتل سلام؟ من قتل سلام؟ ويخرج كهيئة المفجوع المندهش، والناس يفاجئون بالخبر، وهو يقول لكل من قابله: من قتل سلام؟ وينزل الباب وراء الباب، وهكذا حتى وصل إلى سور الحصن فتسلقه، قال: حتى انتهيت إلى درجة له فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض، يظن أنه قد وصل إلى الأرض، فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي، اتضح أنه لم يصل إلى الأرض، ولعل هذا يفسره ما تقدم من كونه في بصره شيء من الضعف ، قال: "فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة".

وهكذا جاء في رواية قال: "فانخلعت رجلي فعصبتها" [رواه البخاري رقم 4040].

فيجمع بأنها انخلعت من المفصل، وانكسرت من الساق، فعصب رجله، ثم انطلقت حتى جلست على الباب، فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته، زيادة في التأكد زيادة في الحرص على أن تكون المهمة قد نفذت فعلاً، فبقي مكانه مختبئاً، قلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته، فلما صاح الديك عند الفجر، قام الناعي على السور، وكان من عادة العرب أنهم إذا مات فيهم الكبير العظيم الشأن ركب راكباً فرساً وسار.

فقال: نعي فلان، نعي فلان، وهذا نعي الجاهلية يشهرون بموت ميتهم بهذه الطريقة، فقام الناعي على السور يقول: أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز، إذن خرج الخبر من اليهود أنفسهم بأن صاحبهم وتاجرهم وكبيرهم قد مات، قال: فانطلقت إلى أصحابي فقلت: النجاء، أي: أسرعوا، أسرعوا الآن لتبشير النبي ﷺ فقد قتل الله أبا رافع، فانتهيت إلى النبي ﷺ فحدثته فقال: ابسط رجلك، فبسطت رجلي فمسحها فكأنها لم أشتكها قط.

مسح النبي ﷺ على رجل عبد الله ، فقال: قمت أمشي ما بي قلبة، كأنه ليس به علة، وفي الرواية الأخرى أنه سبق أصحابه فأعانه الله بالرغم مما نزل به حتى وصل إلى النبي ﷺ وبشره، وهذا من كرامات الأولياء أن يسبق مكسور الرجل أصحابه السليمين ليصل فيبلغ، وبعد ذلك يشعر بالألم، ومعلوم أن الإنسان إذا كان به اهتمام شديد قد استولى عليه فربما لا يشعر بالدم يتدفق من جرح، أو بكسر إلا بعد انتهاء الشيء الذي كان يستولي على شعوره.

كانت الرغبة في تبشير النبي ﷺ وأن تقر عينه بهذا الخبر مسيطرة على الصحابي، فلم يحس بالألم إلا بعدما وصل، فبسط رجله فمسح النبي ﷺ هذه معجزة لنبينا-، فقام الصحابي يسير ليس به قلبة، وكأنه لم يصبه علة ولا شيء.

جواز اغتيال من بلغته دعوة الإسلام وبقي مصراً على معاداته ومحاربته

00:23:16

وأخذ العلماء من هذا الحديث: جواز اغتيال المشرك الذي بلغته الدعوة وأصر، وقتل من أعان على رسول الله ﷺ بيده، أو ماله، أو لسانه، وكذلك الأخذ بالشدة في محاربة المشركين، والوصول إليهم في عقر دارهم، والتعرض للمخاطر لأجل رفع لواء الإسلام ونصرة الله ورسوله.

كانوا مجاهدين وليسوا نائمين، كانوا عاملين وليسوا خاملين، كانوا مضحين وليسوا من أهل الدنيا، كانوا طائعين وليسوا عصاة فاسقين، كانوا يسهرون في الليل قائمين لله، وفي النهار مجاهدين في سبيل الله، وليسوا في الليل على المعاصي وفي النهار على الدنيا.

أيها الإخوة: لذلك انتصر ذلك الجيل، فإذا قال قائل: ما بالنا لا ننتصر؟ فالجواب واضح من حالنا.

اللهم إنا نسألك أن ترد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً، اللهم أيقظ في قلوب المسلمين الحمية لجهاد اليهود، واجمع كلمتهم على قتال المشركين يا رب العالمين، اللهم انصر هذه الأمة نصراً عاجلاً، اللهم أغثهم غوثاً سريعاً، اللهم إنا نجأر إليك في ساعتنا هذه أن تجعل فرج المسلمين قريباً.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.

الخطبة الثانية

00:25:13

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى خلفائه وأزواجه وذريته الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

التذكير بأهوال يوم القيامة وما يحدث فيه من الأمور العظام

00:25:39

عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، اتقوا يوم القيامة، يوم يجمعنا الله في يوم لا ريب فيه، يوم الحشر، إنه اليوم الآخر الذي تقوم فيه الساعة، إنه يوم البعث الذي تبعث فيه الأجساد من قبورها، إنه يوم الدين، إنه يوم الحساب والجزاء؛ لأن الله يجزي العباد ويحاسبهم في ذلك اليوم، إنها الصاخة يا عباد الله، إنها التي تصخ الأسماع، وتورث الصمم من قوة الصوت فيها، ففيها زلزلة، وصوت قوي شديد يصم الأسماع من قوته فلذلك سميت بالصاخة، إنه يوم الخروج الذي يخرج فيه العباد من قبورهم عندما ينفخ في الصور.

عباد الله: اخشوا القارعة التي تقرع القلوب بأهوالها، اخشوا يوم الفصل، وما أدراك ما يوم الفصل؟

هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ سورة المرسلات38 إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ سورة الدخان 40. يفصل الله بين الناس، بين أهل الحق وأهل الباطل، وبين الظالم والمظلوم، يفصل بينهم، إنها الطامة الكبرى التي تطم على كل أمر هائل مفظع وتزيد عليه، وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ سورة القمر46.

إنها تعلو وتغلب على كل هائلة أخرى، الطامة التي تطم أي تعلو على كل شيء آخر، فينسى الناس لأجلها أي شيء آخر، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْسورة الحـج2.

يوم الحسرة وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ سورة مريم 39.

لماذا يوم الحسرة؟ لشدة تحسر العباد في ذلك اليوم وتندمهم، فأما الكفار يتحسرون لعدم إيمانهم، قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا سورة الأنعام31.

والفساق الفجار يتحسرون، وما أكثر الفجور اليوم حتى بين المسلمين، شرّاب الخمور، ومواقعوا الزنا،أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ۝ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ۝ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ سورة الزمر 56-58.

لكن هيهات فات الأوان لا يرجعون، قضى الله أنهم إلى الدنيا لا يرجعون، حتى أهل الإيمان يمكن أن يتحسروا يوم القيامة على ساعة مرت بهم في الدنيا لم يذكروا الله فيها.

وكل مجلس من المجالس، أياً ما كان هذا المجلس لا يذكر الله فيه ولا يصلى على النبي ﷺ إلا كان حسرة على أصحابه يوم القيامة، فكثيراً ما هي تلك المجالس التي يضيعها أصحاب الشُلل ولعب الورق، وغير ذلك والمشاهدين للقنوات بالباطل، لا يذكرون الله في مجالسهم ولا يصلون على النبي ﷺ، بل هذا لا يتناسب أصلاً مع ما يفعلونه في مجالسهم، ومجالس تعاطي كثير من المنكرات، وفري الناس بالألسن حسرة على أصحابها يوم الدين.

كل مجلس من المجالس، أياً ما كان هذا المجلس لا يذكر الله فيه ولا يصلى على النبي ﷺ إلا كان حسرة على أصحابه يوم القيامة، فكثيراً ما هي تلك المجالس التي يضيعها أصحاب الشُلل ولعب الورق، وغير ذلك والمشاهدين للقنوات بالباطل، لا يذكرون الله في مجالسهم ولا يصلون على النبي ﷺ، بل هذا لا يتناسب أصلاً مع ما يفعلونه في مجالسهم، ومجالس تعاطي كثير من المنكرات، وفري الناس بالألسن حسرة على أصحابها يوم الدين.

إنها الغاشية هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِسورة الغاشية 1التي تغشى الناس بأفزاعها وتعمهم، والنار تغشاهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم، هؤلاء أهل النار.

أيها المسلمون: إنه يوم الحساب، إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ سورة ص 26 يحاسب الله فيه عباده، ومعنى الحساب: أن الله يعدد على الخلق أعمالهم من إحسان وإساءة، فعلت يوم كذا، كذا وكذا. فعلت يوم كذا، كذا وكذا، فعلت يوم كذا، كذا وكذا، كم فعل؟

ويعدد عليهم نعمه، ويقول: أعطيتك كذا وكذا، وجعلتك ترأس، وأعطيتك منصباً، ومالاً، وزوجة، وأولاداً، وصحة، وأعطيتك... حتى الماء البارد.

ثم يقابل البعض بالبعض، - حساب- فما زاد فالحكم لصاحبه، زادت الحسنات نجا، فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَسورة آل عمران 185.

وإن كانت الأخرى فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ۝ نَارٌ حَامِيَةٌ سورة القارعة 9-11.

إنها الواقعة التي لا بد أن تقع أي متحققة الوقوع إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ سورة الواقعة 1.

إنها الآزفة، وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ سورة غافر 18أزف - أي اقترب- فإذن هي قريبة وإن رآها الناس بعيدة،  إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ۝ وَنَرَاهُ قَرِيبًا سورة المعارج 6- 7وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ سورة الحـج 47 والزمن يمضي بسرعة، إنه يوم الجمع، يجمع الله فيه الأولين بالآخرين، وآدم بأولاده، والأرواح بالأجساد، والخصماء يجمعهم جميعا،ً ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُسورة هود 103.

إنها حاقة يتحقق فيها الوعد والوعيد الْحَاقَّةُ سورة الحاقة 1تحق فيها الأشياء، إنه يوم التلاقي يا عباد الله، يوم التلاقي يلتقي فيه آدم وآخر ولد من أولاده، يتلاقى فيها العباد، وأهل الأرض بأهل السماء، ويلتقي الخالق بالمخلوقين، لقاء الله، رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ سورة غافر15.

إنه يوم التناد لكثرة ما يحصل فيه من النداءات، ينادى أصحاب الجنة، وينادى أصحاب النار، وينادى أهل الأعراف، وينادي أهل الأعراف، وينادي أهل الجنة، وينادي أهل النار، مناداة ينادَون وينادُون، فهو يوم التناد، وهو يوم التغابن الذي يغبن فيه أهل الجنة أهل النار، هناك مقاعد في الجنة لأهل النار من الذي سيرثها؟ أهل الجنة، وهناك مقاعد في النار لأهل الجنة من الذي سيرثها؟ الكفار وهكذا، فيرث هؤلاء نصيب هؤلاء، ويرث هؤلاء نصيب هؤلاء، وهكذا يكون الغبن العظيم.

يغبنون غبناً فاحشاً ولا غبن أعظم من هذا، غبن أهل النار.

أيها الإخوة: إن الله قد حذرنا ذلك اليوم لأجل أن نستعد له ونعد العدة، فليسأل كل واحد منا نفسه؛ ماذا أعددت ليوم الحساب؟ السؤال المهم والخطير: ماذا أعددنا لذلك اليوم؟

اللهم نجنا في ذلك اليوم يا رب العالمين، اللهم اجعلنا فيه من الآمنين، اللهم اسقنا فيه شربة من حوض نبيك لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم ارزقنا في ذلك اليوم شفاعة نبينا ﷺ، اللهم اجعلنا في ذلك اليوم في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم اجعلنا في ذلك اليوم من الآمنين الفائزين، وبيض وجوهنا في ذلك اليوم يا رب العالمين، آتنا صحفنا بأيماننا، واجعلنا من ورثة جنة النعيم، ولا تخزنا يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتاك بقلب سليم.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - رواه البخاري رقم 4040
2 - رواه البخاري 4039
3 - رواه البخاري رقم 4040