الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهمية الرجوع إلى أهل العلم
وكان من الفوائد غير ما تقدم في هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى فائدة عظيمة جليلة، وهي الرجوع إلى أهل العلم العالمين بالكتاب والسنة، فإن هذا الرجل -أيها الأخوة- سأل بادئ ذي بدء أناساً غير عالمين بكتاب الله، فقالوا له: إن على ابنك الرجم، وليس على الولد الرجم؛ لأنه أعزب غير متزوج وزنى، في هذه الحالة ليس عليه الرجم، فأخبروه بهذا الحكم المخالف لحكم الله تعالى، مما جعله يفتدي ولده من هذا الرجل بتلك الأموال العظيمة التي دفعها إليه، فلما سأل أهل العلم فقال في الحديث: "ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم"، ثم إني سألت أهل العلم قال الله تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ سورة النحل43، وهذه من المصائب التي وقع فيها الناس اليوم أنهم إذا أرادوا أن يسألوا عن حكم من الأحكام فإنهم لا يسألون المحققين من العلماء، ولا يسألون من عرف بالعلم والتقوى من العلماء، وإنما تجد أحدهم يسأل جاهلاً مثله، أو أقل منه، وتجد أحدهم يسأل كبيراً في بيته، أو في عشيرته، ثم يحتكم إلى قوله، وتجد أحدهم يسأل قاصاً من القصاصين، أو أديباً من الأدباء، أو مؤرخاً من المؤرخين، ممن لا علاقة له بفقه الكتاب والسنة مطلقاً، فترى الناس لا يميزون اليوم بين أهل العلم وغيرهم، فيسألون من شاؤوا ممن واجهوا، وممن سمعوا عنهم حتى ولو كانوا ليسوا من أهل العلم، لا بد من التحري -أيها الأخوة- عن العلماء الصالحين، لا بد من السؤال عنهم، ثم سؤالهم، لا بد من هذا قال الله تعالى: فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًاسورة الفرقان59 لا بد من الرجوع إلى الخبراء بالكتاب والسنة، الناس اليوم إذا مرضوا اختاروا أحسن الأطباء والمتخصصين في هذا المرض، فإذا وقعوا في مرض من الدين لم يرجعوا إلى المختص بهذا المرض، وإنما سألوا أيَّ واحد من الناس، أنتم ونحن مسئولون جميعاً -أيها الأخوة- عمن نسأل في ديننا، ستسأل أمام الله تعالى هذه المسألة التي وقعت لك من سألت فيها، لماذا سألت فلاناً من الناس فيها، ستسأل يوم القيامة لماذا انتخبت فلاناً من الناس وسألته، لماذا؟ هل لأنك تعرف بأنه يصدر الفتاوى السهلة التي ما أنزل الله بها من سلطان، لأنه يقول ويحكم بالأسهل بغض النظر عن كونه حقاً، أو غير حق، فأنت تسأله لمجرد أنه يفتيك بالأسهل، لمجرد بأنك توهمت أن عنده شيء وليس عنده شيء، لمجرد أنه قد نفخ نفسه أمام الناس بالعلم، والدعي بالعلم، ثم أنت تسأله لا بد أن تتحرى، -يا أخي المسلم- من تسأل، لا تسأل أي أحد، ارجع إلى العلماء الأجلاء.
ونحن والحمد لله -أيها الأخوة- في مجتمعنا هذا يوجد عندنا علماء أجلاء من كبار العلماء في العالم، يوجدون عندنا لكن للأسف معطلين، لا يرجع إليهم الناس، ولا يسألونهم، ولا يتصلون عليهم هاتفياً، أو يكاتبونهم، أو يسافرون إليهم الواحد، إذا أراد أن يستورد بضاعة، أو يجلب عاملاً، أو سائقاً؛ سافر من أجله آلاف الأميال، أما إذا وقع له شيء في الدين فإنه لا يكلف نفسه السفر ولو لبضع مئات من الأميال، مع أن هذا دين ليس تجارة، ليس مالاً، ليس عرضاً دنيوياً، الناس يسافرون للأعراض الدنيوية المسافات الشاسعة، ثم لا يكلف نفسه مطلقاً لا بالاتصال، ولا بالكتابة، ولا بالسفر إلى العلماء الأجلاء، وهم موجودون في بلده ليسوا ببعدين عنه، لا يكلف نفسه الاتصال بهم وسؤالهم، ويسأل أيَّ واحد من الناس، أو يحكم هواه هو فيقول لعل هذه المسألة ما فيها شيء، لعل هذه القضية حلال، إن الله غفور رحيم، هذه فاتت وماتت، وهي لم تمت مسطرة عند الله تعالى، فلا بد من الرجوع إلى العلماء العلماء -أيها الأخوة- العلماء، ليس أدعياء العلم، ولا الجهلة، ولا تسأل قاصاً، أو مؤرخاً، أو أديباً، عن مسألة شرعية تتعلق بالكتاب والسنة، أو تسأل واعظاً.
الفرق بين العالم والواعظ
هناك فرق -أيها الأخوة- بين الواعظ والعالم، الواعظ قد يذكرك بالله والجنة والنار، لكن قد لا يستطيع أن يحكم أو أن يفتيك في مسألة تتعلق بالفقه، أو الحلال، أو الحرام، يجب أن تفرق بين الواعظ الذي يبكيك وتشعر بأن كلامه يطري القلب فقط، وبين العالم الذي تعلم العلم، وأفنى فيه عمره، وطبقه، وخشع لله من أجل هذا العلم، إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء سورة فاطر28.
العلماء الحقيقيون هم الذين يخشون الله، لا بد من الرجوع إليهم، وسؤالهم، والتحري عنهم، والتثبت، تسأل من، وما هو دليله على كلامه الذي يقوله لك، عند ذلك تكون على صراط مستقيم.
اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله الواحد الأحد الفرد الصمد الديان، اللهم إنا نسألك أن ترينا الحق حقاً وترزقنا اتباعه، وأن ترينا الباطل باطلاً وترزقنا اجتنابه، اللهم إنا نسألك التحاكم إلى القرآن والسنة، اللهم وفقنا إلى العودة للقرآن والسنة، والتحاكم إليهما، ونبذ الشرائع الضالة التي اخترعها البشر، اللهم إنا نسألك أن تحمي بلدك هذا وبلاد المسلمين من شر كل ملحد وطاغوت، اللهم من أراد ببلدنا هذا، أو بلاد المسلمين سوءاً فأردد كيده في نحره، واجعله عبرة لمن يعتبر، اللهم من أراد دينك بسوء فاقطع يده، وشتت شمله، ودمره تدميراً، وانصر دينك وكتابك ورسولك على سائر الأديان والملل، اللهم واجعل دينك عاماً منتصراً على سائر الأديان، واجعل عقيدة التوحيد مهيمنة على سائر العقائد والبدع، اللهم واجعلنا من أهل السنة والجماعة الذين اتبعوا نبيك ﷺ، وما حرفوا دينك وما بدلوه تبديلاً، اللهم واجعلنا ممن يقفوا سنة نبيك ﷺ، واجعلنا من المتمسكين بها العاضين عليها بالنواجذ، وجنبنا الأحداث والبدع، اللهم واجعلنا من المتمسكين بشرعك الحافظين لحدودك، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر اليهود، والكفرة، والملحدين، وسائر أعداء الدين،
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى نوراً من الإيمان تقذفه في قلوبنا نرى به طريق الحق اللهم وارزقنا الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعذنا من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم وأظللنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم واجعلنا ممن سلمتهم على الصراط يوم الفزع الأكبر، اللهم سلمنا على الصراط، اللهم سلمنا على الصراط، واجعلنا ممن يجوز عليه إلى جنة عرضها السموات والأرض.
وصلوا على نبيكم الرحمة المهداة، سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.