الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله جميعًا -أيها الإخوة والأخوات- في هذا المجلس الذي نتذاكر فيه وإياكم بعض ما أرشدنا إليه ديننا.
مصائب كبار تدور الآن رحاها في الأمة
وقبل أن نبدأ بالموضوع هنالك مصائب كبار تدور الآن رحاها في الأمة، كما يقع من القتل في الشام ومصر، فنذكر أنفسنا بأن المصائب الكبار هذه فيها اعتبار، فهي تذكرنا بقرب قيام الساعة: لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل القتل [رواه البخاري: 1036، ومسلم: 157].
المصائب الكبار تذكرنا بسنة ابتلاء الله لخلقه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ [البقرة: 155].
المصائب الكبار تذكرنا بوجوب الصبر وأجر الصابرين: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون [البقرة: 155 - 156].
المصائب الكبار تذكرنا بقرب نصر الله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ [البقرة: 214].
المصائب الكبار تذكرنا بوجوب الصبر على البلاء: وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ [الأعراف: 127 - 128].
فهذا الواجب أمام هذا، لو قال الواحد: ما هو الواجب أمام هذه المصائب الكبار؟
سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ [الأعراف: 127 - 128].
المصائب الكبار تذكرنا بسنة الله في الظالمين والمجرمين: قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ [الأعراف: 129].
المصائب الكبار تذكرنا بأن هنالك يوم القصاص، وأن دم الأبرياء لا يضيع هدرًا عند الله: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ [إبراهيم: 42].
قال ميمون بن مهران -رحمه الله-: هذه الآية وعيد للظالم وتعزية للمظلوم.
والمصائب الكبار تذكرنا ببطش الله لهؤلاء المجرمين الذين يقتلون المسلمين، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود، فقد قال ربنا: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ [السجدة: 22].
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر: 47 - 48].
المصائب الكبار تذكرنا بتمحيص الله للمؤمنين: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد: 31].
المصائب الكبار تذكرنا بفرقان الله الذي يفرق به بين الصادقين والكاذبين: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت: 2 - 3].
المصائب الكبار تذكرنا برحمة الله -تعالى- لهذه الأمة، فإن نبيه ﷺ قال: أمتي هذه أمة مرحومة ذكر في الحديث عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل [رواه أبو داود: 4278، وهو حديث صحيح].
وبالتالي يمكن أن من مسه العذاب فيها لا يمسه العذاب في الآخرة.
والمصائب الكبار تذكرنا بأنه ليس هناك شر محض مطبق على الأمة لا منجاة منه، بل إن الله يجعل لها منه فرجًا ومخرجًا: لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ [النــور: 11].
فإذًا، هذه المصائب الكبار تذكرنا بضريبة التخلف عن الدين، وأنه ما حصل الذي حصل إلا نتيجة ضعف التمسك بالدين فتسلط الأعداء، ولو كان المسلمون في قوة ما استطاع الأعداء أن يفعلوا بهم ما يفعلون.
فالمصائب الكبار تذكرنا بأن هذا إيقاظ من الله لهذه الأمة لتعود.
المصائب الكبار توقظ الناس من الغفلة.
المصائب الكبار توقظ الناس من الاشتغال بالدنيا.
المصائب الكبار تذكر الناس أن الدنيا فانية، فإذا رأوا القتل في الأطفال في النساء في الكبار، وإذا رأوا الفناء وإذا رأوا الهدم والخراب في البيوت والمنشآت خلاص هذه صورة تقريبية لفناء الدنيا: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ [الرحمن: 26]، فهذه الدنيا ليست باقية لا بتقنيتها ولا بأبراجها ولا بإمكاناتها ولا بكل ما فيها من متاع، زائل زائل.
فهو يرينا بالخراب المصغر صورة يذكرنا بها بالخراب الكبير: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا [الزلزلة: 1]، يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ [إبراهيم: 48].
فإذًا، لا يخلو حدث من خير للمسلمين.
والمصائب الكبار تذكر المسلمين بعدوهم حتى يعدوا له العدة ويحذروا منه، وتكون عندئذ مواجهته بالإيمان وأخذ أسباب القوة كما قال الله: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ [الأنفال: 60].
وعلى أن هذه المصائب الكبار تقرب المسلمين من بعضهم وتحيي روح الأخوة بينهم ليظهر مفهوم الجسد الواحد ويتداعى بعضهم لبعض ويألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الرأس لما في الجسد.
فوائد ومساوئ وسائل التواصل الاجتماعي
ونعود إلى موضوعنا، شاء الله أن يوجد ويولد في هذا الزمان وسائل متعددة ومستجدات مما علمه الله للإنسان من هذه المواقع التي يطلق عليها اليوم مواقع التواصل الاجتماعي التي تسهل للناس التواصل فيما بينهم ويطلون من خلالها على بقاع متعددة في العالم.
وكذلك فإنه يتمكن بها كثيرون من المشاركة، وربما لم يكن لهم مجال لعرض عطائهم فيعرضونه.
وكذلك تساهم في إحياء الروابط القديمة والتقريب بين المتباعدين في المسافات والمشاركة والإنتاج وتكوين المجتمعات الإلكترونية، وتبادل الآراء والنقاشات، وحصول أنواع من الترابط، وإمكان التفاهم والتشاور، وإقامة الحلق على البعد، والعصف الذهني على البعد.
مجال أكبر للاطلاع وصور للتفاعلات وسهولة الاستعمال، وتوفير المال، فإنها توفر أموالًا كانت ستذهب في وسائل الاتصالات الأخرى كالجوالات أو الهواتف ونحو ذلك، فهي أرخص وأقل كلفة.
ورغم ما فيها من الإيجابيات فإن مواقع التواصل هذه في كثير من الأحيان لا تبني الشخصية العلمية؛ لأن تلك تحتاج إلى حلق وثني الركب عند أهل العلم، وقد تعطي ثقافة لكنها مؤقتة تذهب بذهاب الحدث أحيانًا، ويمكن بها التواطؤ على الكذب بطريقة لم يسبق لها مثيل، وقد تكون تيارات وهمية لا تعبر بدقة عما هو موجود في الواقع، وقد تضخم تيارات صغيرة لتبدو كبيرة وتضيع كثيرًا من الأوقات، ويكون فيها أشياء من الثقافة السطحية التي ليس فيها قوة العلم والإيمان.
وفي بعض الأحيان قد يوفق الإنسان بنوافذ يستطيع من خلالها أن يزداد علمًا ويزداد إيمانًا ويزداد قربًا من إخوانه وتفاعلًا معهم في العمل للإسلام.
فإذن، فيها السلب والإيجاب والصالح والطالح والخير والشر والسنة والبدعة والإسلام والكفر والتوحيد والشرك، وفيها العلم الصحيح والجهل وفيها اليقين وفيها الشبهة وفيها العفة وفيها الشهوة، ولذلك فإن التعامل معها ينبغي أن يكون بغاية الحذر.
وعندما نرى التوسع الهائل لهذه الشبكات عندما يفوق المشتركون في الفيس مليارًا، ويقارب المشتركون في التويتر النصف مليار.
وتحتفل شركة الواتس بدوران ثلاثين مليار رسالة يوميًا كحد أعلى وصلت إليه، ولا زال الارتفاع مستمرًا، وعندما تسمع عن الإمكانات الهائلة لهذه المواقع في تبادل النصوص والصور، مقاطع الفيديو والمحادثات ونحو ذلك، فإن لهذه الوسائل جاذبية كبيرة للغاية، وقد أوجدت لكثير من الناس نوافذ يطلون من خلالها على الآخرين لم تكن متاحة لهم من قبل، وأحدثت تغييرًا كبيرًا جدًا في عالم المشاركات وتبادل المعلومات والمجالس على البعد.
آداب التعامل في مواقع التواصل الاجتماعي
فما هي الآداب الشرعية المتعلقة بمواقع التواصل هذه؟ وكيف ينبغي أن نستعملها؟ ما هي الضوابط الشرعية في هذا الموضوع؟
ابتغاء مرضاة الله
أولًا: المؤمن ينبغي أن يسعى إلى مرضاة الله، وأن يكون قصده إرضاء رب العالمين في كل خطوة يخطوها سواء كان إلى مكان من الأمكنة أو فتح موقع من المواقع إرادة وجه الله.
ومن أراد وجه الله فإنه يوفقه ويثيبه؛ لأنه أخلص له : فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [غافر: 14].
ومن يرد وجه الله ويكون همه الله واليوم الآخر، عندما يدخل إلى هذه المواقع فإنه يوفق إلى خير عظيم، ويكفيه الله شرًا كثيرًا، ويعطى أجرًا عظيمًا.
مراقبة الله عند الكتابة والمشاركة
ثم الكتابة أمانة ومسؤولية: فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ [البقرة: 79].
وكثير من الناس عندما يكتبون اليوم: فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ .
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ [القمر: 52- 53].
فاستحضار المراقبة الإلهية عند الكتابة والمشاركة ووضع الأشياء ورفع الأشياء وفتح الأشياء وتحميل الأشياء: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الإنفطار: 10 - 12]، مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18].
فلا تضع إلا خيرًا ولا تحمل إلا خيرًا، فإنك إذا دخلت إما أنك تضع وإما أنك تحمل، إما إنك تأخذ وإما أنك تعطي: وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة: 83]، وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الإسراء: 53].
من ذكر وعلم وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وكلام حسن لطيف مع الخلق، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت [رواه البخاري: 6018، ومسلم: 47].
فإما أن يتكلم بخير محقق يثاب عليه واجبًا أو مندوبًا، فإذا لم يظهر له ذلك فليمسك، وهذه وقفة محاسبة قبل المشاركة؛ لأن المشاركة في غاية السهولة، ولكن هل هذه المشاركة ترضي الله؟ هل فيها أجر؟ هل فيها إقامة حق؟ هل فيها تواصي؟ لأنه يمكن عبر هذه المواقع القيام بالوظيفة الإلهية، أو الطلب الإلهي العظيم فيما حث عليه الناس من التواصي بالحق والتواصي بالصبر.
فإذًا، التواصي بالحق معرفة وبيانًا، والتواصي بالصبر استمساكًا به وثباتًا، والتواصي بالمرحمة تقاربًا مع الإخوة في الله، وتأليفًا بين نفوس المؤمنين، تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة.
كذلك فإن الشيء ينتشر فيها انتشار النار في الهشيم، ويجول في العالم جولانًا، فإذا كان الرجل يكذب الكذبة تبلغ الآفاق يشرشر شدقه وأنفه وعينه في عذاب البرزخ من اليمين ومن الشمال، فما بالك بالذي ينشر خيرًا يبلغ الآفاق؟
بلغوا عني ولو آية [راواه البخاري: 3461].
ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل:125].
لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا [الشورى: 7] من أنحاء العالم.
فإذا حرص المسلم والمسلمة على نشر المفيد والهادف، مثل المؤمن مثل النحلة لا تأكل إلا طيبًا، ولا تضع إلا طيبًا [رواه ابن حبان: 247، وحسنه الأناؤوط] فيأخذ خيرًا من المواقع، ويضع خيرًا في المواقع.
الذي ينفع إخوانه في دينهم ودنياهم كالنخلة هذه النافعة دائمًا وأبدًا ثمرها طيب، ويستفاد من لحائها ومن سعفها وجمارها وقلبها.
هذه المواقع عندما يكون فيها دعوة إلى الخير ودلالة عليه، وعلى رأس ذلك نشر الآيات وتفسيرها والأحاديث وشرحها.
من أعظم ما يتقرب به إلى الله في هذه المواقع: نشر الآيات ومعاني الآيات في تفسيرها، ونشر الأحاديث الصحيحة، ومعاني الأحاديث في شروحها؛ لأن هذا هو الدين، وهذا هو الوحي، وهذا هو البلاغ، عليك البلاغ، بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ [المائدة: 67] ماذا أنزل إليك من ربك؟
هذه الآيات وهذه الأحاديث.
فإذًا، آية ومعناها مختصرًا، حديث وشرحه مختصرًا، هذا أعظم ما يبلغ في هذه المواقع، وأعظم ما ينشر في هذه المواقع على الإطلاق.
والذي يريد الأجر الأكبر يستهدف نشر هذين الأمرين، ويحتسب الأجر في ذلك، فربما يصيب جاهلًا يتعلم، أو غافلًا يتذكر، أو صاحب شبهة تنجلي شبهته ويتبين الحق، ربما يصيب صاحب همة سقطت فترتفع همته، ربما يصيب صاحب عزيمة فترت فتقوى عزيمته، ربما تصيب صاحب مصيبة فيتعزى بهذه الرسالة.
وينبغي أن ننشر على مستوى الشباب والفتيات حيث أنهم الطبقة الأكثر استعمالًا لهذه المواقع، خطورة نشر الكفر، الشرك، البدعة، الأحاديث المكذوبة، الشائعات، الأخبار التافهة، الفسق، المجون، والكذب، وكذلك الطعن في الأنساب، في الأحساب، السباب، الشتائم، إقامة العلاقات المحرمة، بعضهم يقول الأمر التافه، دخلت البيت، خرجت من البيت، وصلت المطعم، خرجت من المطعم، الجو بديع، الدنيا ربيع، كلماتك محسوبة عليك عند الله، فانظر ماذا تقول، ولذلك لا يفتأ بعضهم أن يقول أو يذكر كل ما يعرض أمامه في يومه، وربما يكون في ذلك فضحًا لسر أو إفشاء لخصوصية أو إيذاء لأسرة أو إضاعة لوقته ووقت الذي يقرأ كلامه، لأننا ابتلينا الآن بمن ينشر توافه وناس تقرأ التوافه وتتفاعل مع التوافه فيضيع أوقات هؤلاء وأوقات هؤلاء، فكيف إذا كانت المسألة فيها من استعراض هذه الأمور الخاصة التي ربما تصل والعياذ بالله لبعض الفتيات أن تظهر ما لا يجوز له إظهاره لا من صورة ولا من كلام، لأن العورات منها ما هو بدني ومنها ما هو نفسي أو كلامي، عورة أسرة، عورة تاريخ أو شيء سبق يدخل في العورات، كذلك فإن العورات المادية، العورات المعنوية قد لا تقل خطورة عن العورات البدنية، والمسلم إذا أراد وجه الله ، أراد الخير فإن ذلك سيحميه من كثير من الشرور والوقوع في الرياء، لأن الحقيقة هذه المواقع فيها مجال كبير للرياء والتسميع، والنبي ﷺ قال: من راءى راءى الله به، ومن سمع سمع الله به؛ مسامع خلقه، وصغره وحقره [رواه أحمد: 6509، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"].
فبعض الناس لا زال يفتأ يذكر أعماله وماذا فعل مما يجب عليه كتمه، مما على الأقل يستحب له إخفاؤه من الأعمال الصالحة، وحتى لو أراد أن يتكلم يمكن أن يذكر ذلك لشخص آخر أو لا يذكر الاسم مثلًا.
النشر عمن عرف بالعلم والدقة
والتثبت: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء: 36].
قال قتادة: "لا تقل: رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم، فإن الله سائلك عن ذلك كله" [تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 5/ 69] فلا تتبع ما لم تعلمه علم اليقين.
وكم من أناس ينشر الظن والكذب، التخرص حتى التفسير الخاطئ للحقائق، فإما أن ينشر زورًا أو حقيقة مفسرة تفسيرًا باطلًا، لا يجوز أن ينشر حكمًا شرعيًا غير متأكد منه، وكثير من يفتي بغير علم في هذه المواقع، فترى يقول: أنا لست عالماً لكن أظن حكمها كذا، أنا ما عندي علم لكن أظنها كذا: وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [النجم: 28].
إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12].
وهل يجوز أن يفتى بالظن، إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ [النجم: 28].
وكذلك فإن الظن هذا الذي لا يجوز نشره ليس فقط ظن السوء بالمسلمين أو الكلام أو الإفتاء بالظن، حتى الأحداث فإن بعض الناس ينشر ما لم يتأكد منه، وهناك أزمة نفسية موجودة عند كثير من المشتغلين بهذه المواقع من هو الأسبق، من هو الأول، فيقول: أنشر يمكن يطلع صح، فأكون أنا السابق بالذكر. وإذا طلع خطأ؟ وماذا ستستفيد إذا كنت الأول؟ هي إرادة الذكر؛ كما جاء في حديث: يريد الذكر، يعني يذكر الناس، يذكرونه يأتون باسمه، يريد الشرف يقاتل من أجل هذا.
وبعضهم يكتب من أجل هذا وينشر من أجل هذا، المسألة واضحة، الخلل في الإخلاص، لو كان مخلصًا ما فعل ذلك، فكيف يخالف كثير من الداخلين في مواقع التويتر والفيس بوك وغيرها حديث النبي ﷺ كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل كذب، كل ما يسمع، بئس مطية الرجل زعموا ، كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع [رواه مسلم: 5] بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع [رواه مسلم: 5].
وهذا فيه زجر وتتضاعف المصيبة عندما ينشر هؤلاء كذب هؤلاء فتبدأ الرسالة رسالة مثلًا بمعلومة مغلوطة فيعمل لها كثيرون إعادة تدوير وإعادة نشر، حتى الذي يعيد التغريد أو يعيد النشر أو يعيد التدوير مسؤول عما يعيد تدويره، ولذلك البحث عن الثقات مهم؛ لأن الإنسان إذا أراد أن يحتسب إعادة النشر فإنه يحتسب في إعادة نشر من عرف بالثقة العلم الدقة، فإن كثيراً من الناس لا يحسن صنع الرسالة، لكن يحسن إعادة نشرها، فإذا كانت خيرًا كان الأجر لهذا ولهذا، هم شركاء فيه، هذا صنع الرسالة وهذا نشرها، ولذلك إذا أردت أن تسمو همتك في هذا العالم عالم النشر الإلكتروني فاجمع من يوثق بعلمه ودينه من أصحاب هذه المواقع والمعرفات، ثم انشر لهم ولا تنشر لمجهول، لكن راقبه فربما يتبين مع الوقت أنه من أهل الثقة، فكيف كان أهل الحديث يعرفون الراوي الثقة عندما يسبرون مروياته، فينظرون هل أخباره أو رواياته أو ما يحدث به يوافق الثقات، فإن كان كذلك صار دليلًا على أنه ثقة، وإذا كان يخالف الثقات هذا دليل عندهم على أنه ليس بثقة، والتحري بالنشر والاشتراك معه؛ لأنه حتى المشاركة مع شخص فيها مسؤولية، فإما أن تشارك وتتابع شخصًا معروفاً بالدين والفضل والأمانة أو الإفادة حتى في أمور الدنيا، يفيد في الإدارة، في الاقتصاد، في التدبير المنزلي، يفيد في التقنية، عندما تتابع، المتابعة هذه مسؤولية أيضًا؛ لأنك لا تريد أن تأتي يوم القيامة: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ [البقرة: 166]، فإن بعض المتابَعين والمتابِعين في عالم مواقع التواصل سيصدق عليهم قوله تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ ؛ لأن هذا رأس شر، وهؤلاء أتباع له، هذا يطلق العبارة من الشر، وأولئك يروجون لها، هم متابِعون، اسمه متابع، متابِع ومتابَع، والله قال: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة: 166 – 167].
ومن تابع من أهل العلم أناسًا من أهل السوء للرد عليهم فهو مأجور، ليس كالذي يأتي السحرة والكهان من العامة يأثم، ولا تقبل له صلاة أربعين يومًا، وإذا صدقه يكفر، بينما إذا جاء الساحرَ والكاهنَ الآمرُ بالمعروف الناهي عن المنكر صاحب الحسبة أو صاحب العلم يكشف حاله فيتتبعه لكشف حاله والرد عليه، فهذا باب أجر، بخلاف الذي يتتبع أو يتبع ليصدِّق وينشر، فهذا هو الموقف في قضية اتباع أو حكم متابعة أصحاب الباطل في مواقع التواصل الاجتماعي، فإما أن يكون المتابِع مصدقًا وناشرًا فيلعن بعضهم بعضًا يوم القيامة، وإما أن يكون المتابِع رادًا وكاشفًا ومبينًا فيؤجر على ذلك كمتتبعي السحرة والكهان من أهل العلم والحسبة.
وبناء عليه يتبين لك أن كثيرًا من المتفرجين في عالم مواقع التواصل الاجتماعي قد يأثمون على تفرجهم، لأنهم قد يزيغون ويضلون بهذا التفرج، لأنه بسهولة يمكن الاطلاع على مواقع أصحاب البدع ومواقع أصحاب الكفر ومواقع أصحاب الشبهات ومواقع أصحاب الشهوات، مواقع الكذابين، مواقع المنافقين، كله سهل، افتح، شارك، فحتى التابع، إلغاء المتابعة كلها مسؤوليات شرعية، والله قال في وقت الصدر الأول يقصد المنافقين: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ [المائدة: 47] فكيف بزماننا، فهناك ناس سماعون للكذب، سماعون للمنافقين، سماعون لأهل الشبهات، قال الحسن البصري: "خرج عندنا رجل بالبصرة فقال: لأكذبن كذبة يتحدث بها الوليد" يعني الطفل الصغير، قال: "فما رجعت إلى منزلي حتى ظننت أنها حق لكثرة ما رأيت الناس يتحدثون بها" هو نفسه كاد أن يصدق كذبته من كثرة ما رأيت الناس يتحدثون بها.
وقد أخبر النبي ﷺ عن عذاب الرجل الذي يغدو من بيته فيكذب الكذبة فتبلغ الآفاق.
الآن هذا هو في بيته ما يحتاج أن يغدو من بيته، هو في بيته، هو على كرسي مكتبه؛ يكذب الكذبة تبلغ الآفاق.
وإذا كان من يأتي كاهنًا ممن يخلط مع الخبر الواحد من الصدق تسعة وتسعين كذبة فإنهم يأتونهم بفتح مواقهم والاتصال بهم على القنوات، ومتابعة البرامج، متابعة أصحاب مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة البرامج في القنوات واحدة متشابهة فتحت موقعاً فتحت قناة: لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [المائدة: 100].
صارت مسألة التثبت الآن مسألة السؤال لمعرفة حال هذا، ما حال هذا؟ قضية تطبيق مصطلح الحديث مهم جدًا، يعني من هو المجهول عند العلماء في مصطلح الحديث؟ وكيف يتم التعامل مع رواياته؟ هذه فيها خطوات عديدة، فيها طرق المحدثين في التعامل مع روايات المجهول، مجهول العين، ومجهول الحال.
وأنت عندك الآن في التويتر وفي غيره في مواقع التواصل مجهول العين ومجهول الحال، مجهول العين أنت ما تعرف اسمه، هذا مجهول العين، وهذا له في مصطلح الحديث تعامل خاص، وفي مجهول الحال أنك تعرف اسمه يمكن هذا اسمه الحقيقي لكن لا تعرف حاله، سني، بدعي، عالم، جاهل ،كذاب، صادق.
ثم أيضًا فيه ناس في هذا العالم متهورون ومتسرعون متعجلون، يؤثر على غيره بطيشه وعجلته، وفيه سماعون، ناقلون، مرددون، ببغاوات يأخذون كلام ذاك فينشرونه بسرعة.
ولذلك قضية الأخذ عمن يُعلم حاله، ومسألة بحث حال الراوي الذي هو بحث حال المتوتر أو صاحب الموقع، لابد أن تطبق هذه المعايير أو بعضها على الأقل في عالم مواقع التواصل.
وأما الأخذ عمن هب ودب، وقد قال السلف: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم".
هذه ما هي قضية تقنية، أنت تنظر الآن في حال بحث في مسألة في جهاز، في برنامج، في فايروس، هذا دين، هذه قضايا شرعية يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6].
وكثيرًا ما تجد اعتذارات، اعتذر، اعتذر، العذر، العذر، لكن بعد فوات الأوان.
وعلى أية حال: التصحيح واجب، لو واحد كتب باطلًا يجب أن يتراجع عنه، وأن يتوب إلى الله منه، والذين ينشرون باطلًا، أو واحد نشر باطلاً سواء تعمد أو لم يتعمد، الله قال: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ [البقرة: 160]، ما يكفيه التوبة بينه وبين الله، لابد أن يصلح ويبين، وكثيرًا ما تنشر أشياء من الباطل، فلابد من التراجع وبيان الحق، والنص على أن الذي نُشر باطل، كذب، خطأ، ونحو ذلك، وإذا كان الخبر صحيحًا فأيضًا حدثوا الناس بما يفهمون، يعني هناك معايير أخرى: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ [النساء: 83] ما يجوز، بعض الأخبار نشرها فيه إثارة الفزع في المجتمع، والذين يشاركون في عالم مواقع التواصل فيهم قوي القلب لكن فيهم ضعيف القلب، وفيهم من يتحمل رؤية الصورة والمشهد، وفيهم من لا يتحمل، ولذلك أحيانًا تنشر أشياء تفت في عضد المسلمين، وتنشر أشياء تثير الفزع في نفوس المسلمين، وتنشر أشياء ترعب بعض المسلمين، وتنشر أشياء تحبط معنويات بعض المسلمين، وتنشر أشياء ربما تصيب بعضهم بالترويع فعلاً، ولذلك نهى أن يروع المسلم أخاه" من يتحمل مسؤولية هذا؟
وقد صار بعضهم يكتب: يمنع دخول غير أصحاب القلوب القوية، ويمنع دخول، هو أصلًا مفتوح، ما الذي يمنع؟ أنت الآن تمنع؟ أنت ما تمنع، هو سيدخل، وذكر التحذير على الأقل أحسن من تركه يفتحه فيفاجأ بشيء لا يطيقه، والرسول ﷺ لما جاءت صفية تريد النظر إلى جسد حمزة بعد معركة أحد، قال ﷺ لما رآها تتجه إليه: المرأة، المرأة، يعني أدركوها، لا تتحمل، صفية أخته، لا تتحمل أن ترى الجثة قد مثل بها، المرأة المرأة، ما كان يريدها أن تتطلع وأدركوها.
إذن، في أشياء حتى من الوحشيات التي يرتكبها الكفار لا يصلح أن يطلع عليها كل المسلمين وأطفال وصغار ونساء وكبار، وهي إما أن تحدث عندهم واحد من الأمرين: إما أنهم يصابون بالرعب والفزع والإحباط، وإما أنهم يصابون بتبلد الإحساس، فتصير عندهم مناظر الجرائم عادية ومشاهد الإجرام والمذابح طبيعية، خلاص صارت شيئًا معتادًا، حتى هذه الأشياء لها معايير شرعية.
سؤال أهل العلم والرد إليهم
وكذلك فإن مسألة الرد إلى أهل العلم في مواقع التواصل واجبة، يعني وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83].
فإذن، الرد إلى مواقع أهل العلم، هل هذا المنشور صحيح؟ أفدنا بكذا؟ علمنا -رحمك الله-؟ بين لنا؟
وكذلك مسألة نشر الفضائح، الآن نشر المستور صار أمرًا عادياً، يعني عورات المسلمين تنشر، وبعضهم يصور الآخرين خلسة وينشر، نعم بعض الفسقة يصورون أنفسهم وينشرون، لكن بعض الناس يصور غيره وينشر، وهذه المسألة المخالفة لقوله ﷺ: من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة [رواه مسلم: 2580]؛ لأن مفهوم الحديث من فضح مسلمًا فضحه الله يوم القيامة، هذه مسألة مهمة.
ثم نشر كل أخبار المعاصي والآثام والفواحش إما أن يجرئ الناس عليها أو يدلهم عليها أو يجعلها شيئًا عاديًا في نفوسهم حتى يتبلد الإحساس في استبشاعها من كثرة ما ينشر بشأنها، وخصوصًا عندما تذكر تفاصيل الفاحشة، وهذا حرام لا يجوز، وأيضًا حتى إعطاء الانطباع عن مجتمع مسلم أن هذا مجتمع منحل، قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: قال بعض الوزراء الصالحين لبعض من يأمر بالمعروف: اجتهد أن تستر العصاة فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام".
وكذلك نشر بعض الأشياء المروعة ممكن يجعل بعض الناس يتهم الله في حكمته.
ولذلك فإن نشر بعض الأشياء يجب أن يكون مقترنًا بتعليق شرعي، ما يصح تنشر مجردة؛ لأن هذا التعليق عبارة عن بيان وتوضيح لابد منه لهذا الشيء المنشور، فمن المسؤولية الشرعية، مسؤولية أمام الله للناشرين في مواقع التواصل الاجتماعي مسألة التعليق الذي لابد منه، فإن بعض الباطل إذا نشر يمكن يروج على بعض العامة، إذا ما قيل: هذا باطل لكذا، تنشر أحيانًا تصريحات، والله التعليق هذا أمانة عظيمة من الأمانات؛ لأنه بيان، والله أخذ العهد على أهل العلم ليبيننه للناس.
والبيان هذا يشمل نفس العلم يعني الآية والحديث تذكر وتعلم، ويشمل تبيين حكم النوازل والوقائع وعبارات الآخرين والأباطيل وتفنيدها والرد عليها، "من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه"، ونحن نعرف أنه يوجد في مواقع التواصل زعماء ضلالة، بالتأكيد أن أرباب البدع أصحاب المذاهب الهدامة، أرباب الضلالة ممثلون في هذه المواقع؛ لأنهم يحرصون على نشر مذاهبهم وضلالاتهم.
وإذا كانت الآن وسائل النشر الورقية آخذة في التقزم، وأن مجالها يضيق، فإن وسائل النشر الإلكترونية آخذة في الاتساع والانتشار الكبير، فبالتالي انتقال هؤلاء إلى هذه المواقع أمر معروف ومتوقع، فكل صاحب بدعة موجود في مواقع التواصل، أصحاب الضلالات، أصحاب الزيغ، أصحاب الانحلال، أصحاب الفجور والفواحش؛ كلهم، كل قذارة في البشر ممثلة في مواقع التواصل تقريبًا، لأنه ميدان كبير لا يمكن أن يتركوه.
من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا هذه كلمة: ((تبعه)) تبعه متابع، متابعون، من يتابعك، يتابعك الآن، انضم إلى متابعيك، أنت تتابع؛ كل هذا مسطور ومكتوب عند الله ، ومن الغيرة على الوقت الواحد يتابع من لا يستفيد منه، من يضيع وقته، وقد لا يكون صاحب باطل وصاحب بدعة وصاحب كفر، ولكنه يضيع أوقات، فبعضهم يتابعون أصحاب النكت والطرائف.
أنت ممكن ترفه عن نفسك بشيء من هذا إذا لم يكن كذبًا، وإذا لم يكن أمرًا فاحشًا، الله لا يحب الفحش والتفحش: لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ [النساء: 148]؛ لأن بعض الناس يجعلون الأمور المضحكة حتى في أمور الفحش والتفحش، فلو فرضنا أنك تابعت بعض من ينشر أشياء ترفيهية، فكم نسبة هذا الترفيه؟ فإنه ليس الذنب فيمن تابع موقعًا ترفيهيًا، لكن الذنب فيمن صار جل وقته في هذه الأشياء.
مسؤولية الآباء والأمهات نحو أولادهم الداخلين على مواقع التواصل الاجتماعي
هناك مسؤولية شرعية على الآباء والأمهات في قضية دخول أولادهم إلى مواقع التواصل الاجتماعي في معرفة من يتابعون، في إرشادهم إلى من يتابعون، إلى توصيف من هو المتابع الجدير بالمتابعة، ومن هو المناسب لسن هذا الولد، في مثل سنه، ودرجاته العلمية في فهمه، في ذكائه وفطنته، وفي حتى ميوله.
كذلك فإن أهل البدع فيه موقف خاص للسلف منهم؛ كما يقول ابن عباس: "لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب".
وقال عبد الله بن مسعود : "لا تمكن صاحب هوى من أذنيك فيقذف فيهما داء لا شفاء له".
وقال ابن سيرين يصف خطورة مجالسة هؤلاء: "لو أني أعلم أن أحدكم يقوم من عندهم كما جلس لم أبال"، لكن هو يعلم أنهم يتأثرون، المجالسون يتأثرون.
ولذلك قال بعضهم: "فالله الله معشر المسلمين لا يحملن أحدًا منكم حسن ظنه بنفسه وبما عهده من معرفته بصحة مذهبه على المخاطرة بدينه".
في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء فيقول: أداخله لأناظره أو لأستخرج منه مذهبه فإنهم أشد فتنة من الدجال، وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب، ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم فما زالت بهم المباسطة، وخفي المكر ودقيق الكفر حتى صبوا إليهم".
ولذلك مجالسة صاحب البدعة، فتح موقع صاحب البدعة شيء واحد أنت تجالسه الآن وأنت تكلمه أو تقرأ له، والقلم أحد اللسانين.
وكذلك الذين يفتحون بعض مقاطع أهل البدع فيما يسمى بأناشيدهم الحزينة في مناسبات البدع، في النهاية يستهوونه، ويحب ألحانهم وكلامهم، ويصبح يردده لكثرة ما يسمعه، وقد تأثر قلبه به، على الأقل إذا ما مال إليهم خف قبح بدعتهم عنده، وخفت مفاصلته لهم، السلامة لا يعدلها شيء، قال محمد بن إسحاق الأصبهاني: "طفت الشرق والغرب مرتين فلم أتقرب إلى كل مذبذب ولم أسمع من المبتدعين حديثًا واحدًا".
طبعًا بعض المغرضين وأهل الأهواء يطبقون النصوص في التحذير من البدع على بعض أهل العلم والدعاة للتحذير منهم ويريدون إسقاطها عليهم وهم أولى بها، وهؤلاء أفاكون كذابون يتهمون أهل السنة ويدافعون عن المجرمين، هذه سمتهم، يتهمون أهل السنة، ويهاجمونهم، ويدافعون عن المجرمين، هذه سمتهم الآن، ولذلك فلا يغتر باستدلالاتهم الكثيرة، قال ابن عباس، قال ابن مسعود، قال ابن سيرين، قال طاووس، قال ابن شوذب، قال أحمد، قال فلان؛ لأن الأقوال صحيحة والإسقاط باطل، الثوب صح وتلبيسه على من يلبس عليه باطل، ولذلك فهم أجدر بالإسقاط.
أما أهل الباطل فإن مجالستهم في مواقع التواصل الاجتماعي تمرض القلب بلا شك، وقد قال الله في كتابه: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ [النساء: 140]، ولا تفتحوا مواقعهم ولا تتابعوهم ولا تسمعوا لهم ولا تقرؤوا لهم: فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء: 140] فهؤلاء من الذي يستمع لهم؟ من يتقن الرد عليهم، من صاحب علم، وصاحب بيان؟ لأننا ابتلينا بمن دخل في بعض المواقع في مناظرات ومباهلات، وهو ضعيف، لا عنده الشجاعة الكافية، ولا الجرأة الكافية، ولا الفطنة الكافية، ولا سرعة البديهة الكافية، ولا الفصاحة الكافية، ثم المبتدع يغلبه أو يسكته ويفحمه، ما هذا؟
بلاء على أهل الإسلام، هذا دخوله فيها حرام أصلًا، وقد قال ﷺ: من سمع بالدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات كثرة متابعة الشباب لما يسمى بالصفحات الصفراء، وصفحات الإغواء، "وإن لله عبادًا يميتون الباطل بهجره ويحيون الحق بذكره"، فليكن هذا هو العنوان.
النصيحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي
مسألة النصيحة عبر مواقع التواصل واجبة، النصيحة لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم، الدين النصيحة، لكن النصيحة لها آداب، وفي بعض الأحيان يكون البيان علنًا والنصيحة علنًا، وبعض الأحيان تكون النصيحة سرًا بحسب الحال، وقد يقبل منك لإسرارك بنصيحته، وقد يردك وينفر منك ولا يقبل منك لجهرك بنصحه.
ولذلك في بعض الأحيان، المسألة مسألة صحة البداية، فإذا بدأت سرًا فلم ينتصح، فنشر علنًا تنشر علنًا، وقد بدأت بالنصح سرًا.
وينبغي على من يدخل في مواقع التواصل هذه أن يقبل الحق وأن ينزل عن رأيه للرأي الأصوب، وأن يعتذر ويتراجع ويمسح ويصوب وينبه على الخطأ إن صدر منه، وهذه منقبة، وهذه تزيده في أعين الناس ارتفاعًا، وهذه لا تضره بل تنفعه، وقد قال عمر لأبي موسى: "لا يمنعك من قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق، فإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل" [رواه البيهقي في السنن الكبرى: 20537].
طيب الكلام عبر وسائل التواصل الاجتماعي
مواقع التواصل الاجتماعي أحيانًا تصير مثل الشوارع، إذا قال واحد: ما أخلاق الشوارع هذه؟
فيها البذاءة والفحش والكلام النابي، مواقع التواصل كذلك شوارع، وفيها من أخلاق الشوارع، أليست مسألة مفتوحة مثل الشوارع؟ والنبي ﷺ لما قال: إن في الجنة غرفًا يرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها لمن؟ أطاب الكلام [رواه أحمد: 1338، وحسنه محققو المسند] أول صفة، لتكن كلمتك طيبة.
وهناك في مواقع التواصل كلمات بذيئة، ورسومات بذيئة، وصور بذيئة، رسومات قبيحة، وصور فاضحة، قال الإمام الماوردي -رحمه الله-: ومما يجري مجرى فحش القول وهجره في وجوب اجتنابه ولزوم تنكبه ما كان شنيع البديهة مستنكر الظاهر، وإن كان بعد التأمل سليمًا وبعد الكشف والروية مستقيمًا.
إذن، لابد يكون القالب جيداً، و إن الله ليبغض الفاحش البذيء [رواه الترمذي: 2002، وصححه الألباني] كما قال ﷺ.
وعندما تكون الرسالة فيها من هذه الترهات وهذا الفحش ثم تدور، فالتأمل في مواقع التواصل الاجتماعي فيما يحدث فيها على ضوء قوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ [العنكبوت: 13].
هذه تردع والله، تردع الضن بالوقت، والغيرة على الوقت مهم للغاية، فكم أهدرت هذه المواقع من أوقات وأضاعت من أعمار وتسببت في إدمان؟
إعادة النشر لمن عرف بالعلم والصدق والدقة
أحيانًا يحدث الطلب في إعادة النشر، ينشر ويطالب المتابعين بإعادة النشر، فمن الذي يسمع له ويطاع في هذا؟
من عرف بالحق، بالعلم، بالفضل، بالصدق، بالدقة، هذا الذي يطاع لما يقول: انشروا كذا.
أما من هب ودب، انشروا، مصيبة.
كما أنا لا أشك أن بعض المبتدعة عندهم فرق لصناعة رسائل باطلة تدور في الواتساب، مثلًا: أنا ما أشك أنه في فرق صناعة أحاديث موضوعة مكذوبة، كلام باطل، كذب، بدع، ما يمكن كل هذا النشر يكون كله فقط ناس سذج ينشرون، لا، هذه عملية وراءها أيادٍ خفية وفرق عمل، وراءها ميزانيات، وراءها جهات تدعم بالتأكيد، النبي ﷺ لما قال: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين [رواه ابن ماجه: 38، ] أراد أن يحذرنا من واحد ينشر عنه حديثًا وهو غير متأكد من صحته.
وكذلك الذين ينشرون البدع وعندما يقول واحد: إذا أعدت إرسالها سوف تسمع خبرًا سعيدًا، أليس هذا من ادعاء علم الغيب؟
لو واحد يقول: إذا نشرت هذه الرسالة سوف تسمع خبرًا سعيدًا، أليس هذا من ادعاء علم الغيب؟ أليس هذا من العرافة؟ أليس هذا ضرب من الكهانة؟ أليس قد يسمع خبرًا سيئًا أو لا يسمع شيئًا، ترتيب الثواب والعقاب على الأعمال بحسب ما هي: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7-8].
ولست أنت الذي ترتب الإثم على الناس، الذي لا ينشر هذا يأثم، والذي ينشر هذا لك أجر مليون حسنة، أيش عرفك أن له مليون وإلا واحدة والا ما له شيء، والا عليه وعليك وزر؟
فالمشكلة أن بعض الناس يتألى على الله، ويجزم أن لك مليون حسنة، وأنت لك كذا حسنة، وأنت لك، وأنت عليك كذا سيئة، وأنت عليك ... من هو هذا؟ ربهم الذي يحاسبهم، فمن الذي يعطي ويحرم، ومن الذي يكتب الأجور ومن الذي يضاعفها؟
الله .
فليتق الله هؤلاء الذين يوزعون الأجور من جيوبهم، وأشياء وهمية وكاذبة، ويجزمون بإثم فلان، وأجر فلان، ومضاعفة لفلان، والسعادة لفلان، والشقاء لفلان.
لاحظ -يا أخي- أن كثيراً من هذه الرسائل فيها ادعاء شيء من صفات الألوهية والربوبية، لما يدعي علم غيب، أو يدعي أجوراً وإثماً، ومضاعفات، وأعداد معينة، من الذي يعرف هذا؟
لا يعلمه إلا ربهم الذي خلقهم، وأيش تعرف إخلاص هذا من إخلاص هذا والمنشور واحد؟ وقد يؤجر هذا عليه أضعافًا مضاعفة، وهذا يمكن يأثم لأنه أراد به رياء.
ثم إنك تجد في بعض هذه الأشياء إيجاب ما لم يوجبه الشرع هكذا، فيجب على كل من قرأ هذه الرسالة أن يوزعها ويرسلها إلى أشخاص محددين، أو أعداد محددة، أو ينتظر أيامًا محددة، دجل وكذب، وابتداع في الدين، وتألي على الله.
وثم إيقاع الناس في الحرج، وبعض الناس مساكين يظن إذا قيل له: أسألك بالله، أنه يلزمه شرعًا، أمانة عليك، أنه يلزمه، من قال ذلك؟
وهذا أصلًا من قلة الفقه يؤتى بعض الناس فينشر ولا يجب عليه أن ينشر، بل لا يصح له أن ينشر.
الخداع والمكر واصطياد الفتيات في مواقع التواصل
عمليات الخداع والمكر موجودة في هذه المواقع، وقد يتم بها اصطياد الفتيات، والذئاب البشرية تعمل، والنبي ﷺ قال: المكر والخديعة في النار [رواه البيهقي في شعب الإيمان: 4887، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 6725] قد يكون اصطياد أموال من خلالها، و المكر والخديعة في النار .
وبعض الناس يدخل لجمع المال ويسرق، وما أكثر الذين يسرقون أو يدعون جمع التبرعات ويسرقون، فإذا لم يعلم الشخص ويزكيه أهل العلم وأهل الفضل فلا تنشر أصلًا ادعاءه بجمع المال أو جمع التبرعات؛ لأنه قد يأكلها ظلمًا.
فإذن، من الذي ينشر له في هذا؟
من عرف وزكاه أهل العلم، زكاه أهل الفضل، زكاه أهل الشأن، زكاه أهل الميدان.
من الآفات الموجودة في مواقع التواصل: قضية التشبع بما لم يعط، فيسرق عبارات غيره وينسبها إلى نفسه المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور [رواه البخاري: 5219، ومسلم: 2130].
ومن الأمانة: أن تعزو إلى من تنقل عنه، ونسبة الفضل لأهل الفضل يدل على الفضل في النفس.
وبعضهم يعلم يقول: وصلتني ولا أعلم من أين وصلتني، طيب هو يعلم.
فإذن، هذا أيش يعتبر؟
كذب.
التسرع في تخطئة الآخرين
والتسرع في تخطئة الآخرين، للوهلة الأولى يقرأ التغريدة أو يقرأ الكلام فيسارع بالتعليق، الرسول ﷺ أمرنا بالتأني، وأخبرنا أن العجلة من الشيطان، والتسرع في قضية التعليق مشكلة؛ لأنك إن تكسب عداوة، وأحيانًا تحرج أمام الناس أنت الآن تعلق ما فهمت الكلام وتعلق عليه تسرع بالتخطئة وتسرع بالتأييد وتسرع ... وأنت ما استوعبت الموضوع ما هو، وهذه مشكلة واضح فيها قضية الاستعجال الذي هو من الشيطان.
المجموعات الخاصة عبر وسائل التواصل
إن مواقع التواصل الاجتماعي يكون في بعضها مجالس خاصة، مجموعات خاصة، ينبغي النظر إلى مسألة المجاميع الخاصة من خلال حديث النبي ﷺ: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل [رواه أبو داود: 2696، وهو حديث صحيح].
لا تصحب إلا مؤمنًا أنت الآن مصاحب له لأنك يوميًا معه، يوميًا معه في موقعه، هذه مصاحبة، فإما أن تؤجر عليها أو غير ذلك، وتطبيق حديث: مثل الجليس الصالح، والجليس السوء على جلسائك الإلكترونيين، مواقع التواصل هذه لها نصيب واضح من الحديث؛ لأن هذه مخالطة ومجالسة ومصاحبة، وإن ما كان جسدك مع جسده، لكن أنت مع أنفاسه وكلماته وأحاسيسه وشعوره وآرائه، إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة يعني هذا الصالح أو صاحب العلم وصاحب الفضل الذي أنت تتابعه، إما أن يحذيك فعلًا، يعطيك شيئًا يصل إليك من علمه وفضله تكتسب، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحًا خبيثة [رواه البخاري: 5534، ومسلم: 2628].
أحيانًا واحد يكتسب علمًا، وأحيانًا يكتسب رائحة العلم.
أحيانًا يكتسب فضلًا وخلقًا، وأحيانًا يكتسب رائحة ذلك، هذه المواقع صارت عند بعض الناس ملجأ للتعرف عليهم في موضوع الزواج، وأنا أرى أن هذا صحيح إلى حد كبير، أنه في حال تقدم الخاطب للخطبة فيراجع موقعه في الفيس بوك أو في تويتر أو في غيرها، لأنه يكتب أحيانًا من أصدقاؤه، وما هي هواياته، ومن يتابع، ومن يتابعه، تبين أشياء، ولذلك أرى أن لهذا حظًا كبيرًا من الصحة والدلالة والاستفادة في معرفة حقيقة هذا الشخص، فكما أنك تسأل عنه إمام مسجده وجيرانه وأصدقاءه في العمل وأهل حيه، فكذلك تفتح مواقعه.
ومن اللطائف: أن بعضهم يقول: نحن الآن نخطب البنت التي يعجبنا أطباقها وطريقتها في الطهي لتعرضها في الموقع، طبعًا إذا كانوا يهتمون بالمأكولات فقط لهم ذلك، في مواقع التواصل الاجتماعي أن تكون ذنبًا في الحق أفضل من أن تكون رأسًا في الباطل؛ لأن هذه المواقع تدفع للتصدر فيها فتنة الشهرة.
وبعض الناس -سبحان الله العظيم- عندهم قضية الشهرة فتنوا بها؛ لأنه ما كان يصدق أن يتابعه خمسة آلاف، فصاروا عشرة، فصاروا عشرين، فصاروا مائة، فصاروا مائتين، فالمسكين ما عاد يصدق، فلذلك كأنه يقول: مبروك علي عشرة وجاييك يا فلان، مثلًا مشهور عنده مليون وإلا خمسة وإلا، وجاييك يا فلان، يعني المسألة الآن تحدي، ولذلك صارت قضية تبذير الأموال في شراء المتابعات، يقول لك: الريتويت بكذا، والمتابعة بكذا، وأشياء بالآلاف، حتى أُعرف، فتنة الشهرة، يريد متابعين، عدد مزور، بالباطل، كذب، وممكن يدفع فيه مالًا للتزوير، يدفع مالًا للزور، يتشبع بما لم يعط زورًا، زورًا، ليش؟ ليقال: أنا يتابعني كذا، ويتابعني كذا.
صار في مواقع التواصل مذبحة للإخلاص، صار في مواقع التواصل محنة حقيقية وفتنة، صار في مواقع التواصل اختبار عظيم للإخلاص، بعض الناس لسان حاله: امدحني وأرتوت لك، أنت امدحني وأنا أسويلك ريتويت، ليش؟ خلاص صار العدد هو الأصل، والشهرة هي الهدف.
يمكن واحد ينشر شيئًا يمكن على خمسمائة، على ألف، على مائتين، قد يكون عند الله أفضل، وأجره أعلى من الذي عنده ملايين، لأن ذلك مفتون، وهذا مخلص.
كذلك من الآفات: أن بعضهم يعبر عن حالته النفسية الراهنة الآن في موقع التواصل مباشرة، يعني يغرد في حال الغضب، يا أخي النبي ﷺ قال: لا تغضب [رواه البخاري: 6116]، وأمر بالسكوت حال الغضب، لأن بعض الناس إذا نشر شيئًا في حال الغضب يندم ويؤذي، وكم من طلقة خرجت في حال الغضب؟ وكم من طلقة خرجت في رسالة جوال في حال الغضب؟ وكم من كلام ما يناسب أصلًا، أحيانًا تستغرب من شخص تظنه عقلية، ورجل كبير، ووقور، وإذا به يغرد تغريدة، أو يكتب كلامًا في حال الغضب يجعل من يقرأ له يقول: ما هذا المستوى؟ ما كنا نظن أن فلاناً عقليته بهذا المستوى.
ولذلك لا ينشر الإنسان في حال الغضب، ولا ينشر في كل حال.
أحيانًا قد يكون الإنسان متأزماً نفسيًا، أحيانًا قد يكون فيه نعاس، لماذا نهينا عن الصلاة والواحد نعسان؟ قال في الحديث: قد يسب نفسه ، وكذلك في الكلام قد يسب نفسه، يكتب كلامًا يرجع عليه بالذنب، ومراعاة الآخرين أمر مهم، بعضهم ينشر مفاخر قبيلته وربما لمز في قبيلة أخرى، وهذه من أمور الجاهلية التي لا تدعها هذه الأمة، الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب، ونحن، ونحن، ومن أنتم؟ ولذلك ممكن تصير هذه المواقع مثاراً لموضوع العصبيات، ويلتقي فيها الناس مصنفين على عصبيات، ويتابع ناس لأناس بناء على عصبيات، وقوله ﷺ: من دعا إلى عصبية يدخل فيه مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأنه يمكن أن يدعو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي إلى العصبية.
أيضًا الآثار النفسية والجسدية والاجتماعية في قضية الإدمان، ينبغي أن تراعى، لأن لنفسك عليك حقًا، أول شيء لربك عليك حقًا، فأحيانًا تتضرر الصلاة، وتلاوة القرآن، والخلوة بالله، وعبادات متنوعة، تتضرر بالإدمان على الفيس بوك وتويتر والواتس، وإلى آخره تتضرر العبادات.
ولجسدك عليك حقًا، يتضرر الجسد بقضية الإدمان، وهذا موضعه معروف، يعني من كلام المختصين فيه، ولأهلك عليك حقًا، يتضرر الزوج من إدمان الزوجة، وتتضرر الزوجة من إدمان الزوج، فإذا نظرت إلى هذا الحديث وقارنته بما يقع من الآفات في مواقع التواصل وكيف تتم المخالفة لحديث: إن لربك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، ولجسدك عليك حقًا، ولزورك -ضيفك- عليك حقًا [رواه مسلم: 1159].
بعض الناس ما عاد يستقبل ضيوفاً بالمرة، كل الوقت راح في هذه الأشياء.
غض البصر عن الحرام في وسائل التواصل الاجتماعي
ومن آداب مواقع التواصل: غض البصر؛ لأن الآن انفتاح، صور، أو مقاطع مفاجئة، فيها من هذا الفحش كثير، واحد وأربعون مليون صورة تحمل يوميًا في الفيس مثلًا، ماذا يوجد فيها؟ كلها ترضي الله؟ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النــور: 30- 31].
وهذه مسألة مهمة لأن بعض النساء تظن أن الرجل هو الذي يجب عليه غض البصر فقط، ما يجوز ينظر إلى الصور، هي كذلك لأنها قد تفتن بصورة الشاب، كما يفتن الشاب بصورة الفتاة، وفي عصر الشذوذ الذي نحن فيه صارت البويات، صارت المسألة أطم وأطم، ولذلك: ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النــور: 30] قول ابن مسعود لأناس تبعوه: "ارجعوا فإنه فتنة للمتبوع وذلة للتابع" فيه شيء يؤخذ الآن في عالم مواقع التواصل إذا كان هم الإنسان هو هكذا، وهذه فتنة يصعب ادعاء خلو النفس منها، يعني يصعب يجي واحد يدعي يقول: والله أنا ما يهمني كم تابعني والله لو كانوا عشرة والا كانوا عشرة مليون نفس الشيء.
هذه مسألة تحتاج إلى مجاهدة عظيمة، ففيه مجاهدات كبيرة في عالم مواقع التواصل، وقضية إنه فتنة للمتبوع، كلام ابن مسعود فيمن كان يتبعه، ناس يمشون وراءه، قال : فتنة للمتبوع، خذها وأسقطها الآن على مواقع التواصل، أليس هناك فتنة للمتبوع بهذا؟
ولذلك الإمام أحمد كان يوصيه الأعرابي والعامي.
وينبغي على من ابتلي بكثرة المتابعين أن يكون له نصيب من تسديدهم ونصحهم، ترى الإمام أحمد على جلالة قدره جاءه أعرابي ينصحه، جاءه عامي ينصحه، جاءه واحد يثبته، ما يجي بجانب علمه شيء، لكن هذه الكلمة مهمة، من حق المتابَع على المتابِع أن ينصحه، وأن يذكره بالله دون اتهام، ولا يتهمه يقول له: أنت من أهل الشهرة، وأنت ... لا، ولكن يذكره، لأن الكلمة تثبت مثل هؤلاء، مهم جدًا، وبيان المسؤولية الشرعية الملقاة عليهم، كل ما كثر متابعوك كل ما كثرت مسؤوليتك أمام الله، إذا كان فيه خير يمكن يدلهم عليه ليش ما دليتهم عليه، وإذا كان فيه خطأ أوقعتهم فيه أنت المسؤول أنت المسؤول، كلما زاد متابعوك زاد الضرر الناتج بنشر الخطأ عليهم.
البعد عن انتحال الشخصية
مسألة الانتحالات التي تحدث الآن في عالم مواقع التواصل فيها إيذاء، يعني واحد ينتحل شخصية واحد؛ لأنه سيضع صورته واسمه ويكتب على لسانه، فإذا هذا ينسب إليه ما لم يقله، وربما يؤذيه بكلام يتأذى أنه يخرج منه ويضطر أن يقسم ويحلف وينشر هذا لا يمثلني، وهذا أنا بريء منه، وهذا الموقع مدعى مكذوب علي، وهذا...
فهذا واضح أن فيه الإيذاء.
لكن لما واحد مثلًا ينشر موقعًا باسم مثلًا: العز بن عبد السلام، ابن معين، الأوزاعي، هو معروف، هذا لا يمكن أن يكون هذا انتحالاً، لأن الرجل مات من زمان، ولا يمكن أن يكون الآن هو الذي يغرد.
فإذن، قصده هذا أن ينشر علم ذاك وهذا واضح، فإن الذين ينشئون مواقع فيها ذكر أعلام السلف، أعلام المحدثين، أعلام الفقهاء، أعلام أهل اللغة، هذا قصده أن ينشر علمه وهذا جيد، بل هذا من الوفاء، بل إنني أجد أحيانًا أن من الإخلاص أن الواحد ينكر ذاته، ويمكن ما يكون له موقع هو، ويفتح مواقع بأسماء أولئك لنشر علمهم، ويقول: أنا مسكين ومفلس وفقير، ولو فتحت موقع باسمي ناذا سأضع في؟ أنا يمكن أفعل مع مجموعة من الأقارب، أتواصل معهم والإخوان، لكن إذا من جهة النشر، أنا والله أحتسب أني أنشئ موقعًا باسم عالم من العلماء وفاضل من الفضلاء وصاحب سابقة في الإسلام؛ لأنشر فضائله واحتسب عند الله نشر فضائل ذاك إن الله يؤجرني على نشر فضائل العالم وصاحب الحق وصاحب الفضل، نعم، هذا فعلًا من الغنائم في مواقع التواصل الاجتماعي.
أما الذي يحدث الآن واحد ينتحل شخصية مغن ليوقع الفتيات، شخصية ممثل ليوقع الفتيات، شخصية لاعب ليوقع الفتيات يصطاد؛ لأنها تتوهم أن هذا هو الفنان المشهور، طبعًا هي عليها بلاء وعليها إثم وعليها مصيبة أيضًا، لكن هذا في الجانب المقابل الذين يكسبون الإثم في مواقع التواصل، هو ينتحل هذا لكي يتكلم ويتواصل ويعدها ويمنيها، وما يعدها ذلك الشيطان الإنسي إلا غرورًا.
ما ينتح عن مواقع التواصل طبعًا في قضايا العشق المحرم والعلاقات المحرمة، وهدم البيوت وتفريق الأسر والفشل والفضيحة أشياء كثيرة وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [الأحزاب: 58].
طلب المحادثة وتأثيم من لم يرد عليها
قضية فرض المحادثة: أرجو أن تدخل إلى الخاص، هذا لا يفرض، هذا يستأذن فيه استئذانًا، وإذا كان أمكن نعم وما أمكن يعذر، والله قال: وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ [النــور: 28].
وهذا يقال أيضًا في الجوال، اتصل علي ما رد، خلاص هذا بابه، ما يبغى يفتح لك، بكيفه، هذا بابه، هذا الجوال مثل الباب تطرقه مثل ما تطرق الباب، رد عليك رد عليك، ما رد عليك سبه وشتمه وأن يقال: يا متكبر ليش ما ترد علينا؟ من تظن نفسك؟
هو الآن مكلف عنده عمل مثلًا من بيت مال المسلمين يأخذ راتباً من أجل أن يرد عليك؟ لو كان ذلك كذلك ممكن يحاسب، لكن هو متطوع، متفضل.
والمسارعة بأنه على طول يقال لأي طالب علم ما رد على الجوال: أنت يوم القيامة ستلجم بلجام من نار، هذا من جنس -ما قلنا- التألي على الله؛ لأن هذا قد لا يجب عليه أن يفتي، وهناك من هو أعلم منه، والمستفتي يمكن الوصول له، والوصول إليه، وقضية أن لا يكون عنده جواب في كثير من الأحيان ما يكون عنده جواب لا يعلم، لا يرد لأنه لا يعلم، لا يرد لأنه مشغول، لا يرد لأنه لا يجب عليه، فكل هذه تقدر؛ لأن بعض الناس يسارعون، يسارعون مباشرة على طول عنده جاهز: أنت عليك يوم القيامة لجام من نار، من الذي يضع اللجام من نار؟ أنت الذي تضع لجاماً من نار على الناس وإلا ربهم الذي يحاسبهم؟
وإحسان الظن بالمسلم ضروري.
الاختصار في الكلام في مواقع التواصل الاجتماعي
واستحضار النية الصالحة قبل أي تعليق: وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى [الليل: 19-20].
واستعمال الاختصار في الكلام مهم، ولعل بعض مواقع التواصل تعلم هذا، تعلم قضية الاختصار في الكلام وكيف تركز الفكرة في العدد القليل من الكلمات، وهذه مهارة ممكن تكون من حسنات بعض مواقع التواصل، تعويد الناس على هذه المهارة، كيف تلخص كلامك بدلًا من الهدر والكلام الكثير، كيف تلخص الفكرة في هذا العدد القليل من الكلمات، ولذلك وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به [رواه الترمذي: 2616، وابن ماجه: 3973، وأحمد: 22016] مسألة الاقتصاد في الكلام يتناسب معها حال بعض المواقع.
لكن المشكلة بعض الناس أنه مهذار حتى في مواقع التواصل، فتجد له عدداً كبيراً من التعليقات، والفائدة قليلة جدًا، وترك الجدال بالباطل ما يكون الكلام إلا عند الحاجة، الأسلوب الطيب أمر مفيد للغاية.
مواقع التواصل الاجتماعي ممكن تكون أحيانًا مقبرة للمعلومات، وممكن تحيا بها المعلومات بحسب تصرفات الأشخاص فيها، ولذلك أحيانًا محركات البحث ما تصل إلى كل ما يوجد في مواقع التواصل، فإذا كان الشيء مفيدًا جدًا فينبغي أن ينشر بأكثر من طريقة وأكثر من مكان.
مواقع التواصل لا تغني عن التواصل الحقيقي
ولنتذكر أن مواقع التواصل هذه لا تغني عن التواصل الحقيقي، يعني الزيارة في الله لها أجر، وأيما مسلم زار أخًا له في الله، ترى هذه فيها أجر، ولذلك يجب أن لا نستبدل نقول : مواقع التواصل أغنتنا عن زيارة إخواننا وأغنتنا عن مقابلتهم.
تبقى المقابلة وجهًا لوجه لها دور، لها طعم خاص، والكلام وجهًا لوجه والمجالسة وجهًا لوجه لها أجر خاص، مثل ما نقول : الآن إيجاد حلقة ذكر إلكتروني، أو حلقة مذاكرة للقرآن إلكترونية فيها أجر كبير، لكن ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، هذا له أجر خاص، ما هو مثل أجر مجموعة في الواتساب، هذا الذي في المسجد أعلى وأكثر أجرًا، هنا تنزل السكينة وتغشاهم الرحمة، هنا تتنزل عليهم الملائكة، هنا يذكرهم الله فيمن عنده.
وأولئك لهم نصيب لكن ليس مثل هؤلاء، لهم نصيب؛ لأنهم اجتمعوا، هذا اجتماع مجموعة في الواتساب هذا اجتماع، يجتمعون على ذكر لله، يجتمعون على تبادل العلم، يجتمعون على التفاكر أو التذاكر أو التدبر في القرآن والاجتماع على المدارسة، ليت حلق مدارسة القرآن تنتشر، ليت حلق مدارسة القرآن بعد قراءة التفسير طبعًا ليتها تنتشر في مواقع التواصل في الواتسآب وغيرها، ليتها تنتشر هذا من أعظم ما تستعمل فيه مثل هذه المواقع.
ومن الأدلة على أن اللقاء المباشر فيه أجر خاص: قوله ﷺ: إن المسلم إذا صافح أخاه تحاتت خطاياهما كما يتحات ورق الشجر .
فالرسالة إليه ليس مثل لقائه ومصافحته، من زار أخًا له في الله ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلً ، حديث عظيم يبقى هنا أجر خاص للقاء المباشر والتزاور.
فتنة الجنسين في وسائل التواصل الاجتماعي
وفي مواقع التواصل فتنة عظيمة في مقابلة الجنسين، التقريب بينهما، فتح الرجال على النساء والنساء على الرجال، قال ميمون بن مهران -رحمه الله: "ثلاث لا تبلون نفسك بهن: «لا تدخل على السلطان وإن قلت : آمره بطاعة الله، ولا تدخل على امرأة وإن قلت : أعلمها كتاب الله، ولا تصغين بسمعك لذي هوى، فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه"[حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: 4/85] يعني صاحب البدعة.
أما الأول فهو بحسب الحاجة وبحسب الإنسان الداخل، لأن أئمة المسلمين لهم نصيب من النصيحة، فأما من يفتن فينطبق عليه الكلام، وقضية لا تدخل على امرأة وإن قلت أعلمها كتاب الله، نعم لأن الشيطان قد يجعل الفتنة في باب طاعة، فيجرك إلى فتنة عبر بوابة حسنات أو بوابة أمر حسن، قال الحسن بن صالح -رحمه الله-: "إن الشيطان ليفتح للعبد تسعة وتسعين بابًا من الخير يريد به بابًا من الشر" [حلية الأولياء: 7/ 331].
ممكن تدخل في موضوع الرقية ستنفع الناس، ترى الناس تروح للعرافين والمشعوذين والسحرة، ادخل أنت باب الرقية تنفع الناس.
ثم ماذا؟ النساء جر واحدة، تساهل، يقول: أبغى أمسكها من أجل أن أقرأ عليها، كيف الشيطان يدخل؟ هكذا يعطيه فكرة يقول له: ادخل باب الرقية الناس يروحون للمشعوذين والسحرة، في النهاية أيش؟ أن يقع في الفاحشة إلا من رحم الله.
وقد نص الفقهاء على منع الكلام مع المرأة الشابة، وإلقاء السلام على المرأة الشابة؛ لأنه بطبيعتها فيها خضوع بالقول، قال القرطبي -رحمه الله-: أمرهن الله أن يكون قولهن جزلًا وكلامهن فصلًا، يعني ما في ميوعة، ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين، فلا بد يكون الكلام مختصراً بقدر الحاجة، ما في ميوعة.
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة | والأذن تعشق قبل العين أحيانًا |
قالوا لمن لا ترى تهوى فقلت لهم | الأذن كالعين تنفي القلب ما كانا |
الفتنة أحيانًا تكون ما هو قضية بالتواصل المباشر مع فتاة، وإنما بقراءة يومياتها وأخبارها الخاصة، وهذه مشكلة بعض الفتيات تكتب كلاماً تظنه عادياً، وهو له أثر في قلوب الشاب كالسهام، ما يصح البنت تكتب عن خصوصياتها، ما يصلح، غلط كبير، وتكتب مثلًا عن يومياتها، وممكن يقرأ من هب ودب، والله قال: لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ [النــور: 31]، والآن ليعلم ما يخفى من أخبارهن وسيرتهن، فتقع الفتنة بهن.
يا أخي: إذا كان رجل أتى النبي ﷺ ظاهر من زوجته فوقع عليها، فقال: يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر؟ كان يجب عليه أن يكفر أولًا قبل أن يقع عليها، فوقع عليها قبل أن يكفر، قال: أنت علي كظهر أمي ثم وقع عليها قبل أن يكفر، قال: ما حملك على ذلك يرحمك الله ما الذي دفعك إلى ذلك؟ قال له: رأيت خلخالها في ضوء القمر" هذا لأنه رأى خلخالها في ضوء القمر، الذي يصير على مواقع التواصل بعضها أشد من ذلك، قال: فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله رواه الخمسة [رواه الترمذي: 1199].
ففتنة النساء من أعظم الفتن، والنبي ﷺ قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء [رواه البخاري: 5096، ومسلم: 2740]، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء رواه مسلم: 2742].
وفي المقابل أي فتنة ستقع على الفتاة لما تضيف حساب منشد من المنشدين مثلًا، بل إن المصيبة أن بعض القنوات تجعل برامج للمنشدين وفيها تصويت بفلوس طبعًا لتكسب القناة وتكسب الإثم ويكسب بعض الناس الإثم، تتصل واحدة تقول: لا، صوت هذا أحلى، لا، أنا أصوت لهذا، هذا صوته أحلى، هذه نهاية، هذه من مصائب قضية ما يسمى بالإنشاد الإسلامي، وهو في الحقيقة باب فتنة عظيمة بين الفتيات والشباب فتنة عظيمة، فتح باب الإعجاب، من أين يأـي باب الإعجاب؟ قنوات، مواقع تواصل، أنت الآن تفتح خطاً مباشراً بين الشاب والفتاة، خط مباشر، تعلق.
نحن في مواقع التواصل هذه في غابة، والمؤمن يحرص على الحكمة فهي ضالته، لا يروج لمنكر، ولا ينشر مخالفات شرعية، ولا مقاطع فيها صور نساء وموسيقى، ولا أشياء تخدم الأعداء.
ونود بقوة أن يكون هناك اهتمام بالإملاء والنحو؛ لأن اللغة العربية الآن ضاعت عند الكثيرين من الذين يكتبون، وبحجة الاختصار، صارت الكتابة في حرف الفاء، وعلى حرف العين، وخذ من المختصرات، وفي الأخير كيف ستكون اللغة؟
نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى، ونسأله أن يجعل عملنا في طاعته، ونذكر أنفسنا بأن ما يفتح الله به على الناس ويعلمهم مما صنعه عز وجل وخلقه: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: 96] هو نعمة إما أن تستعمل في شكره فيزيد الله أصحابها، أو تستعمل في معصيته فيعاقب الله أصحابها: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا [التوبة: 102].
مواقع التواصل فرصة عظيمة لنصرة الحق
نحن يجب أن نكون أنصارًا للدين، وأنصارًا للحق، وأنصارًا لأصحاب الحق، فإن في مواقع التواصل فرصة عظيمة لنصرة الحق، ولابد أن نذكر أنفسنا بهذا، وأن هناك أبواب أجر كثيرة يمكن أن تفتح، ومن الناس من يجعله الله مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، فلننتهز ما خلقه الله -سبحانه وتعالى- من هذه الأبواب في نشر الحق، والرد على أهل الباطل.
والله إن الرد على أهل الباطل ميدان عظيم للجهاد، جاهدوا المشركين بألسنتكم كما قال ﷺ[رواه أحمد: 12555، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم"].
وكثير من أهل الباطل اليوم يحتاجون إلى كبت وإسكات، يحتاجون إلى رد، يحتاجون إلى قوة أهل الحق، فنذكر أنفسنا بأهمية الشجاعة في الحق والقوة في الحق، واحتساب الأجر للقيام لله بالحجة، والواجب نحو دينه.
نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.