الخميس 19 رمضان 1445 هـ :: 28 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

قصة النهاية


عناصر المادة
أهمية الحديث عن قصة النهاية
وهنالك يوم القيامة وتحت الأرض أحداث وأهوال كثيرة، وسيكون في ذلك اليوم العظيم مما يجعل الولدان شيباً
ما معنى أن نؤمن بالجنة والنار؟
سوق الكفار على وجوههم إلى النار
تغيظ النار وزفيرها عند رؤيتها أهلها
سلاسل وأغلال عند السوق وداخل النار
إغلاق أبواب النار بعد دخول أهلها
أول من يدخل النار من الكفار والعصاة
المرور على الصراط وأقسام المارين عليه
أبواب النار ودركاتها
عدد وصفة خزنة النار
نار الدنيا تذكر بنار الآخرة
كلام النار وأسماؤها
سعة النار وعمقها
شدة سواد النار وشررها
حيات وعقارب النار
قيود وسلاسل أهل النار
طعام أهل النار
لباس أهل النار وحليهم وفراشهم
عدم انقطاع عذاب النار
لعن أهل النار بعضهم بعضاً
أصناف من يدخل النار من الكفار والعصاة
الجرائم المؤدية إلى الخلود في النار
أمور يجب اجتنابها للوقاية من النار
أسباب النجاة من النار
خوف السلف من النار
التشويق إلى الجنة
صفة حشر المتقين إلى الجنة
عدد أبواب الجنة
أول طعام أهل الجنة
أول الداخلين إلى الجنة
آخر واحد يدخل الجنة
أسماء الجنة
بناء الجنة
مساكن الجنة وغرفها وقصورها
وسائل الحصول على قصور الجنة وغرفها
معرفة أهل الجنة لبيوتهم وقصورهم فيها
أثاث وفرش أهل الجنة
آنية وصحف أهل الجنة
نور أهل الجنة
رائحة الجنة وأهلها
خيول وطيور أهل الجنة
أشجار وثمار وفواكه أهل الجنة
أنهار الجنة وعيونها
خمر أهل الجنة
جشاء أهل الجنة
لباس أهل الجنة
خدم أهل الجنة
غناء أهل الجنة
صفات الحور العين في الجنة
سوق أهل الجنة
بعض الأعمال التي تنال بها الجنة
أعظم نعيم أهل الجنة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله خاتم النبيين، وإمام المتقين، وحامل لواء الحمد يوم الدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وأسأل الله أن يجزي بالخير كل من حضر وحضَّر لهذه المحاضرة، التي نسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتنا جميعاً.

أهمية الحديث عن قصة النهاية

00:00:35

حديث النهاية حديث عظيم، إنها تحكي القصة الأخيرة من قصة هذه الحياة: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ [البقرة: 28]، كنا أمواتاً قبل نفخ الروح في الأجنة، ثم نفخت الروح فصرنا أحياء، خرجنا إلى هذه الدنيا ثم نموت وهذه الموتة الثانية، ثم تأتي الحياة الثانية  كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ  [البقرة: 28].

الحياة الثانية هذه التي ستكون يوم القيامة أكمل من هذه الحياة، وأقوى من هذه الحياة، وهي حياة دائمة، دار الآخرة الثواب والعقاب، الجنة والنار.

إنها نهاية التكليف الذي حملنا الله إياه في هذه الأمانة التي نحن فيها اليوم، تتحدد النتيجة الأبدية إما إلى النار وإما إلى الجنة، سعداء وأشقياء، إنها أهوال وأحوال عظيمة.

يقولون: شُيع إلى مثواه الأخير، يقصدون القبر، وما هو بمثواه الأخير، فما هو مثواه الأخير؟

إنه الجنة أو النار.

وهنالك يوم القيامة وتحت الأرض أحداث وأهوال كثيرة، وسيكون في ذلك اليوم العظيم مما يجعل الولدان شيباً

00:01:48

أيها الإخوة: وهنالك يوم القيامة وتحت الأرض أحداث وأهوال كثيرة، وسيكون في ذلك اليوم العظيم مما يجعل الولدان شيباً؛ نفخ في الصور، وزلزلة ونشور، ومشهد الحشر، وخروج الناس من الأجداث، يوم طويل فيه دنو الشمس من رؤوس الخلائق، ومجيء الجبار -تبارك وتعالى- والحوض، وشهادة الأعضاء، والخصومات والعداوات، والحساب والجزاء، والميزان والصراط، وتمييز المسلمين من المنافقين، ومشهد القنطرة قبل دخول الجنة، إنه سوق الكفار إلى النار، وكذلك الذين يسحبون إلى جهنم من العصاة.

يجب أن نؤمن بهذا اليوم، يوم القيامة الذي نهايته بعد خمسين ألف سنة من الانتظار الجنة أو النار.

الإيمان بهما تسلية وعزاء للمؤمن فيما يصيبه في هذه الدنيا من البلاء والقهر والظلم.

يهذب الأخلاق، يوجه السلوك، يجعل الإنسان يراقب نفسه دائماً في أقواله وأعماله، إنك تشعر بعدل الله -تعالى- حيث يجازي كلاً بعمله، وأنت تقرأ هذه التفاصيل الموجودة في القرآن والسنة عن نعيم الجنة وعذاب النار.

ما معنى أن نؤمن بالجنة والنار؟

00:03:08

ما معنى أن نؤمن بالجنة والنار؟

أن نصدق جزماً أنهما مخلوقتان موجودتان الآن باقيتان لا تفنيان.

وهكذا خلقهما الله -تعالى- لحكمة بالغة ليس عبثاً، إنهما من مخلوقات الله العظيمة جداً الجنة والنار، الغاية التي يصل إليها الناس، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق: 37].

ولنبدأ أولاً بما أعد الله من الوعيد، ثم نأتي على الوعد بعد الوعيد.

سوق الكفار على وجوههم إلى النار

00:03:43

دلت النصوص الشرعية بعد نهاية الحساب يوم القيامة، أن الكفار يسحبون إلى النار مباشرة، وأنهم يدخلونها مع آلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله، وقد جاءت النصوص بذلك، فقال ربنا: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا  [الزمر: 71] إنه سوق فيه إهانة وإزعاج يَوْمَ يُدَعُّونَ  يدفعون دفعاً إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ [الطور: 13]، ويساقون جماعات  زُمَرًا  متفرقة بعضها في إثر بعض، ويكون كل نوع مع بعض من أهل النار، احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [الصافات: 22 - 23].

يساقون عطاشاً سوق البهائم، قال : وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم: 86] عطاش.

لقد أوقعوا أنفسهم بأنفسهم في هذا الشرك الذي أوقعهم في جهنم.

وسيق المجرمين إلى وهم عراة إلى ذات المقامع والنكال
فنادوا ويلنا ويلاً طويلاً وعجوا في سلاسلها الطوال
فليسوا ميتين فيستريحوا وكلهم بحر النار صال

يحشرون على وجوههم، واعجباً الناس يمشون في الدنيا على أرجلهم، لكن الله على كل شيء قدير وهو الذي قال:  الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ  [الفرقان: 34].

وقد قال رجل: يا نبي الله كيف يحشر الكافر على وجهه؟ قال: أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة ، قال قتادة: بلى وعزة ربنا [رواه البخاري: 4760، ومسلم: 2806].

يحشرون عمياً لا يرون، وصماً لا يسمعون، وبكماً لا يتكلمون، قال تعالى: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا  [الإسراء: 97]، إنه منتهى الخزي، قال ابن عباس جمعاً بين هذا وبين قوله تعالى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ [الكهف: 53]،  سَمِعُوا لَهَا [الملك: 7]، وأنهم يتكلمون قال: عمياً لا يرون شيئاً يسرهم، وبكماً لا ينطقون بحجة، وصماً لا يسمعون شيئاً يسرهم، مأواهم جهنم.

وقال بعض العلماء: يوم القيامة طويل في حالة لا يتكلمون ولا يسمعون ولا يبصرون.

وفي أخرى يتكلمون ويسمعون ويبصرون، ولكن هيهات.

تغيظ النار وزفيرها عند رؤيتها أهلها

00:06:11

هل النار ترى؟

نعم،  إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا  [الفرقان: 12].

وإذا بلغوها، وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام: 27].

لا مفر ولا مهرب، وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا يعني اعتقدوا  أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا [الكهف: 53]،  فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا [مريم: 68] على الركب في منتهى الخزي، وهكذا سيؤخذ  مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا  [مريم: 69] ويلقى في جهنم.

سلاسل وأغلال عند السوق وداخل النار

00:06:54

جهنم إذا جاؤوها فتحت أبوابها في وجوههم بمجرد وصولهم، سريعاً لتعجيل العقوبة وللفزع بالمفاجأة.

إن فيها السلاسل والأغلال عند السوق وداخل النار، وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ [إبراهيم: 49].

يوم القيامة تراهم مشدودين مربوطين بالأغلال تكون في أعناقهم لغاية الإذلال، وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سبأ: 33].

لا يلقون في النار إلا على كيفية فيها ذل وإهانة، يجمع بين رأس الواحد ورجليه ثم يقصف كما يقصف الحطب  رواه البيهقي عن ابن عباس [البعث والنشور للبيهقي، ص: 299]؛ لأن الله قال: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ  [الرحمن: 41]، فهكذا يجمع، فإذا ألقوا في جهنم صار بعضهم فوق بعض؛ لأن الله قال: فَكُبْكِبُوا فِيهَا يعني بعضهم فوق بعض، هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ [الشعراء: 94 - 95] فإذا انتهى الأمر نشرت الأسباب على الحشود، لماذا دخلوا النار؟ هذا لماذا صار في جهنم؟  إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ  [الحاقة: 33 - 37].

على الرغم من أن جهنم كبيرة، لكن كل واحد يلقى في مكان في غاية الضيق، قال : وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا  [الفرقان: 13].

تستقبلهم النار شر استقبال: إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ [الملك: 7 - 8] قال المفسرون: الشهيق الصوت الذي يخرج من الجوف بشدة كصوت الحمار.

قال مجاهد: تفور تغلي بهم كما تغلي القدور.

وأما التميز قال ابن زيد: التفرق من شدة الغيظ فهي تتقطع على أهل المعاصي غضباً لله وانتقاماً [ينظر: روائع التفسير، لابن رجب: 2/38].

 يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ [الحـج: 19] كيف؟ الملائكة تجذب الواحد بقوة، خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ  [الدخان: 47]؛ لأن الله يقول للزبانية: خُذُوهُ  فيبتدرونه، اعْتِلُوهُ سوقوه سحباً ودفعاً في ظهره، والعتل في لغة العرب: أن تأخذ بتلابيب الرجل فتعتله، يعني تجره إليك لتذهب به الزبانية إلى الحبس والبلية.

ويقال له بغاية الإذلال والاستهزاء: ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: 49].

إغلاق أبواب النار بعد دخول أهلها

00:00:00

فإذا دخلوا جهنم أغلقت عليهم الأبواب؛ لأنها سجن، لا يمكن الخروج: وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر: 48]، عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ [البلد: 20] يعني مغلقة.

تمام المأساة في النار، عندما ينقطع الأمل في الخروج: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ [مريم: 39]، قرأها عليه الصلاة والسلام لما أخبرنا بأن الموت يؤتى به يوم القيامة بين الجنة والنار، ((وينادى يا أهل الجنة، فيشرئبون، يا أهل النار، فيشرئبون، وينظرون، هل تعرفون هذا؟ يقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، لأننا عايناه عندما تخرج الروح من الجسد، فيذبح  ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت ، ثم قرأ النبي ﷺ قوله تعالى: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ  [مريم: 39].[رواه البخاري: 4730، ومسلم: 2849].

أول من يدخل النار من الكفار والعصاة

00:10:23

من الذي يدخل النار أولاً؟

الكفار، يسحبون إليها.

أما عصاة الموحدين، فأول من يدخل النار منهم: المراؤون، قال النبي ﷺ في بيان أن أول من يدخل النار: الكفار، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيراً ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون، قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقول: اشربوا فيتساقطون في جهنم  [رواه البخاري: 7439].

ثم تكون خدعة الله -تعالى- للمنافقين المندسين وسط المؤمنين في الدنيا، هكذا يكونون يوم القيامة، ويأتون الجسر المضروب على جهنم، وكل واحد يعطى نوراً، ثم يعبرون الجسر فينطفئ نور المنافقين، فيرجعون للمؤمنين يقولون: انتظرونا، انظُرُونَا  نريد منكم نوراً، فيقال: قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [الحديد: 13] فيرجعون إلى حيث قسمت الأنوار، فيضرب السور بينهم وبين المؤمنين، ويقعون في جهنم.

أما الدليل على أن أول من يدخل جهنم من عصاة الموحدين: أنهم المراؤون، فهو قول النبي ﷺ: ((إن الله -تبارك وتعالى- إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل يقتتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، هذا تصدق ليقال: فلان جواد، ليس لوجه الله، وهذا قرأ وحفظ القرآن ليقال: فلان قارئ فليس لوجه الله، وهذا قاتل ليقال: فلان جرئ وشجاع وليس لوجه الله، وهذا تعلم ليقال: فلان عالم وليس لوجه الله.

أخذوا نصيبهم في الدنيا بالثناء ألم يعملوا لأجل المدح؟ أخذوه، يقول النبي ﷺ لأبي هريرة:  أولئك أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة [رواه الترمذي: 2382، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 22].

والمقصود بأول خلق الله هنا الأولية النسبية جمعاً بين هذا وبين الأحاديث، وبين ما سبق من دخول الكفار أولاً؛ كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب -رحمه الله- في كتابه: "التخويف من النار"، وغيره من أهل العلم.

تفر من الهجير وتتقيه فهلا عن جهنم قد فررت
ولست تطيق أهوناه عذاباً ولو كنت الحديد بها لذبت
فلا تكذب فإن الأمر جد وليس كما احتسبت ولا ظننت

المرور على الصراط وأقسام المارين عليه

00:13:05

إننا -أيها الإخوة- أمام أمر مهول، وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم: 71]، كلنا سنأتي إلى النار، لا يمكن واحد يدخل الجنة إلا يعبر النار، كل البشرية ستتجه إلى جهنم، الساقط ساقط، والذي سيعبر لا بد له من هذا الجسر، قال ﷺ: يضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل من الهول، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم  [رواه البخاري: 806].

وفي جهنم كلاليب، هذا الحديد معطوف الرأس، معكوف، ينغرز في اللحم، يعلق اللحم والعصب، ينهش منه ما ينهش، ويأخذ ويسقط من يسقط في النار، والنار تلفح من تلفح، وناس تمر كالبرق، وناس كالطرف، وناس كالريح المرسلة، وناس كأجاويد الخيل، وناس تعدو عدوًا وتمشي مشياً، وتزحف زحفاً، والأنوار مقسمة على حسب هؤلاء والسرعة على حسب الإضاءة، السرعة على الصراط على حسب النور، والنور على حسب الأعمال.

وهكذا ينقسم الناس على ثلاثة أقسام على الصراط: فناج مسلم، ومخدوش، ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم سحباً، فهكذا يصبح المارون على الصراط أصنافاً ثلاثة.

إذا مد الصراط على جحيم تصول على العصاة وتستطيل
فقوم في الجحيم لهم ثبور وقوم في الجنان لهم مقيل
وبان الحق وانكشف الغطاء وطال الويل واتصل العويل

يردون ولا بد من الورود، وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا [مريم: 71] فسره النبي ﷺ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن جابر: المرور على الصراط.

الصراط هو الجسر، وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا  الورود هو المرور، وهذا هو الراجح.

فساقط ومخدوش وناج، يقول ابن عباس لنافع بن الأزرق لما أورد عليه الآية: وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا  يحتج بها على قول الخوارج إن هؤلاء سيدخلون النار، قال: أما أنا وأنت يا أبا راشد فسنردها، فانظر هل نصدر عنها أم لا؟

وكذلك قيل: إن عبد الله بن رواحة كان واضعاً رأسه في حجر امرأته فبكى، فبكت امرأته، قال: ما يبكيك؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيت، قال: إني ذكرت قول الله -تعالى-: وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ، ولا أدري أننجو منها أم لا [مستدرك الحاكم: 8748، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وقال الذهبي: "فيه إرسال"].

وكذلك ذكروا أن أبا ميسرة كان إذا أوى إلى فراشه قال: يا ليت أمي لم تلدني، ثم يبكي، قيل: ما يبكيك يا أبا ميسرة؟ فقال: أخبرنا أنا واردوها ولم نخبر أن صادرون عنها [مصنف ابن أبي شيبة: 7/152] يقيناً سنرد جهنم، طيب من الذي سينجو؟

ليس عندنا يقين أننا سننجو، قد وقد، وهذا موضع الخوف الذي أذاب أفئدة عباد الله الصالحين، الحسن البصري قال: قال رجل لأخيه: هل أتاك أنك وارد النار؟ يعظه، قال: هل أتاك أنك وراد النار؟ قال: نعم، وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا  قال: فهل أتاك أنك صادر عنها؟ قال: لا، قال: ففيم الضحك؟ [الزهد والرقائق لابن المبارك: 1/105].

أمامي موقف قدام ربي يسائلني وينكشف الغطاء
وحسبي أن أمر على صراط كحد السيف أسفله لظاء

تحت، جهنم عميقة، سبعون سنة يحطم بعضها بعضاً

أيها الإخوة: إن هذه الحقيقة تجعل المسلم يريد الفرار من النار فعلاً: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الذاريات: 50] إنه أمر مخيف؛ لأن السقوط من صراط دحض مزلة، يروغ روغاناً، كحد السيف، تنزلق عليه الأقدام، إنه أمر خطير جداً، يجب أن نتذكر هذا الموقف.

عليها صراط مدحض ومزلة عليها البرايا في القيامة تحمل
وفيه كلاليب تعلق بالورى فهذا نجى منها وهذا مخردل
فلا مذنب يفديه ما يفتدي به وإن يعتذر يوما فلا العذر يقبل
فهذا جزاء المجرمين على الردى وهذا الذي يوم القيامة يحصل

أبواب النار ودركاتها

00:17:24

النار دركات -والعياذ بالله-، ولها أبواب، تكون مغلقة ثم تفتح فجأة، في وجوههم إذا وصلوا، ثم تؤصد عليهم، عددها سبع، قال تعالى: لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ [الحجر: 44] قال "القطان" صاحب التفسير: وجهنم هذه ذات سبعة أبواب لكثرة من يردها من المجرمين، ولكل باب طائفة مختصة به، ولكل طائفة مرتبة معلومة تتكافأ مع شرهم.

وحاول بعض المفسرين: أن يسموا هذه الدركات، فورد عن بعضهم أنه قال: جهنم، والسعير، ولظى، والحطمة، وسقر، والجحيم، والهاوية، لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ .

وفسرها بعضهم سبع طبقات ولكل طبقة باب، دلت السنة بقول النبي ﷺ: ولجهنم سبعة أبواب، وبعضها أسفل من بعض [رواه أحمد: 17657، وحسنه الألباني].

والمقصود أقل عذاباً من الأخرى، وليس فيها فضل ألبتة إلا بالمعنى اللغوي.

إذاً، جهنم تتفاوت دركاتها في العذاب.

السبعة هذه أقضت مضاجع المؤمنين، عن هشام بن حسان قال: خرجنا حجاجاً فنزلنا منزلاً في بعض الطريق، فقرأ معنا هذه الآية: لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ [الحجر: 44] فسمعت امرأة القراءة فقالت: أعد رحمك الله، فأعاد الآية، لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ ، فقالت: خلفت لي في البيت سبعة أعبد، تملك سبعة عبيد، أشهدكم أنهم أحرار، لكل باب واحد منهم [التخويف من النار، ص: 82].

هذا واحد من الناس كان عنده ست بنات، فهدد زوجته بالطلاق إذا جاءته بنت سابعة، فحملت، فنام ليلة ولادة المرأة، فرأى في المنام أنه أخذ به إلى النار، الباب الأول فإذا عليه بنت من بناته تقول: مالكم طريق، أبي ما يدخل، فأخذ إلى الثاني البنت الثانية، فأخذ إلى الثالث سدت البنت الثالثة، إلى السادس، السابع رآه فارغاً مفتوحاً، جاهزاً، ففزع، فاستيقظ من النوم وهو يقول: اللهم اجعلها بنتاً، اللهم اجعلها بنتاً، فولدت بنتاً فأكرمها.

عدد وصفة خزنة النار

00:19:54

أيها الإخوة: النار لها زبانية، والعدد عجيب، مع أن جهنم يؤتى بها يوم القيامة لها سبعون ألف زمام على كل زمام سبعون ألف ملك، يعني أربعة ألاف وتسعمائة مليون ملك، يجرون جهنم، الذي يجرونها هذا العدد الهائل، لكن الخزنة العجيب إنهم تسعة عشر، الخزنة الزبانية: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ [الزمر: 71]؟ غلاظ الأخلاق، وهؤلاء الزبانية شداد القوى، يقولون ويتكلمون مع أهل جهنم على وجه التوبيخ والتنكيل والتقريع، وصفهم تعالى بالغلظة، عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ  [التحريم: 6]، قال السعدي -رحمه الله-: "غليظة أخلاقهم، عظيم انتهارهم، يفزعون بأصواتهم ويخيفون بمرآهم، ويهينون أصحاب النار بقوتهم" [تيسير الكريم الرحمن، ص: 874].

فيها غلاظ شداد من ملائكة قلوبهم شدة أقسى من الحجر
لهم مقامع للتعذيب مرصدة وكل كسر لديهم غير منجبر

قال الله: وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر: 27 - 30].

قال ابن رجب -رحمه الله-: "والمشهور بين السلف والخلف أن الفتنة إنما جاءت من حيث ذكر عدد الملائكة الذين اغتر الكفار بقلتهم، وظنوا أنه يمكنهم مدافعتهم وممانعتهم، ولم يعلموا أن كل واحد من الملائكة لا يمكن للبشر كلهم مقاومته" [التخويف من النار، ص: 218]، واحد منهم يكفي يتغلب على البشر جميعاً.

ولا تتعجب من أن كل النار في تسعة عشر يعذبون أهل النار كلهم، فإن العرش أكبر من جهنم، وقد قال الله: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة: 17].

إن الزبانية حراستهم شديدة، كبيرهم: مالك خازن النار: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ [الزخرف: 77].

النبي ﷺ رآه في تلك الرحلة العظيمة التي قصها علينا، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها، كأكره ما أنت راء شخصاً، مرآة، الذي يوقد النار مالك خازن النار، رآه ﷺ ذلك الملك الكريم، يعذبون بشكله ومظهره المفزع غير ما يذيقهم من النكال، باقي الخزنة قال تعالى: فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ [العلق: 17 - 18] أبو جهل لما هدد النبي ﷺ أن يطأ على رقبته وهو ساجد، لو رآه مرة أخرى يصلي عند الكعبة، واغتر أبو جهل أنه عنده مجلس فيه ناس كثر، وأن حاشيته كبيرة: فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ، ولذلك قال ابن عباس: "والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب" [والحديث رواه أحمد: 2321، وصححه أحمد شاكر].

جهنم فظيعة مليئة بالخنادق المكفهرة، والحيات والعقارب والمقامع والأغلال والأصفاد، والطعام المر، وماء الحميم، والذل والهوان والخزي، والندامة والحسرة يتمنى الكافر لو أنه تراب، يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ [المعارج: 11 - 14].

وخذ من تقى الرحمن أعظم جنة ليوم به تبدوا عياناً جهنم
وينصب ذلك الجسر من فوق متنها فهاون ومخدوش وناج مسلم

نار الدنيا تذكر بنار الآخرة

00:23:30

الله جعل لنا في الدنيا ناراً تذكرنا بنار الآخرة، قال تعالى: الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى [الأعلى: 12]، والنبي ﷺ أخبرنا عن النار الصغرى: ناركم جزء من سبعين جزء من نار جهنم  [رواه البخاري: 3265، ومسلم: 2843] قال الله: نَحْنُ جَعَلْنَاهَا جعلنا نار الدنيا  تَذْكِرَةً [الواقعة: 73] يعني تذكر بنار الآخرة.

ماذا يوجد عندنا في الدنيا من نار الآخرة؟

عندنا الآن آثار في الدنيا، ما هي؟

1- حر الصيف.

2- برد الشتاء، قال ﷺ: اشتكت النار إلى ربها، فقالت: ربي أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير [رواه البخاري: 3260، ومسلم: 617].

أيش الارتباط بين جهنم وبين الشمس التي إذا اقتربت يأتي الحر الشديد؟

الله أعلم، أمور خفية، ولكن أشد ما نجد من الحر في الصيف من نفس جهنم، وأشد ما نجد من البرد في الشتاء من نفس جهنم.

العجيب أن في تقابل في العذاب أكثر عذاب النار الحر الشديد لكن فيه برد شديد.

ومن أنواع العذاب في الدنيا إذا سمعت عنه: البرد الشديد وراه حر شديد، لا يطيق الجلد، هذا التفاوت وهذا التتابع، ولذلك جنهم فيها من ألوان العذاب ما لا يخطر بالبال.

كلام النار وأسماؤها

00:25:11

تتكلم وتبصر: إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ [الفرقان: 12]،  يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ [ق: 30]؟

وتتصيد أهلها وتفاجأهم: تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ [الأنبياء: 40].

وطبقات ودركات: لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر: 16].

والمنافقون فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء: 145].

النار سبع دركات، هذه الدركات التي فيها هذه الألوان من العذاب.

النار؛ أشهر أسمائها.

جهنم؛ سميت بذلك لبعد قعرها.

لظى؛ لشدة توقدها وتلهبها.

سقر؛ تعني التغيير والذوبان والانصهار.

الحطمة؛ تحطم العظام وتكسرها.

الجحيم؛ ما اشتد لهبه من جهنم.

والسعير؛ العذاب الأليم الحار.

والهاوية؛ لأن صاحبها يهوي فيها على رأسه.

والسموم؛ العذاب الحار الشديد.

نعوذ بالله منها.

هذه أسماؤها وردت في القرآن الكريم.

سعة النار وعمقها

00:26:31

ومما يدل على سعتها: أن الله قال: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا [الكهف: 29] والسرادق: السور والحائط.

والقعر بعيد؛ لأن النبي ﷺ لما سمع الصحابة وجبة وصوت سقوط، قال: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها  [رواه مسلم: 2844].

من العجب أيضاً: أن أجسام الكفار في النار تتضخم جداً، ولذلك أخبر النبي ﷺ عن ضرس الكافر مثل أحد، وفخذه مثل ورقان [رواه أحمد: 8345، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"] اسمان لجبلين.

مقعد الكافر في النار، ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام بلياليهن، لماذا؟ ليعظم العذاب، وسمك جلد الكافر مسيرة أربعين، ومع ذلك لا يصمد: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء: 56].

شدة سواد النار وشررها

00:27:40

وجهنم مظلمة شديدة السواد، وقد استقر ذلك عند أهل العلم.

سوداء تزفر من غيض إذا سعرت للظالمين فما تبقي ولا تذر

سوداء كالليل المظلم، وهذا موقوفاً أصح من المرفوع الذي ورد أنه أخذ عليها ألف سنة حتى احمرت، ثم ابيضت ثم اسودت.

قال قتادة في قوله تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم: 72] إن الناس وردوا جنهم وهي سوداء مظلمة، لها دخان: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ  [الرحمن: 35]، والنحاس دخان النار.

لها شرر ولهب، الشرارة كم؟  إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ [المرسلات: 32] إذا كان الشرر كالقصر، والشرر ناتج من اللهب، إذاً اللهب كم؟ هذا الاعتبار الذي نحن اليوم نسمع عنه ونقرأه إنه ينبغي أن يؤدي بنا إلى السعي للنجاة من عذابها، والحذر مما يوصل إليها.

كل يوم تسعر جهنم، متى؟

عند استواء الشمس في كبد السماء، ولذلك النبي ﷺ قال للرجل الذي سأله عن وقت صلاة الظهر: ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذٍ تسجر جهنم [رواه مسلم: 832]، فإذا زالت الشمس عن وسط السماء يصلي الظهر.

إذاً، هذا التسعير الأول.

التسعير الثاني: إذا قامت الساعة، قال تعالى: وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ [التكوير: 12].

الثالث: على أهلها بعد دخولهم فيها، قال تعالى: مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء : 97].

فماذا نريد؟

 فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة: 24].

قال المفسرون كما ثبت عن الصحابة: حجارة الكبريت، وهي أشد الحجارة اشتعالاً، كما قال ابن مسعود : "هي حجارة من كبريت، خلقها الله يوم خلق السموات والأرض في السماء الدنيا، يعدها للكافرين" [رواه ابن جرير: 1/381، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 3675].

نتنة أنتن من الجيفة، كما قال مجاهد.

لها زفير شديد من تغيظها   على العصاة وترمي نحوهم شررا

وهكذا كان السلف يخافون، كأن زفير النار في آذانهم.

وقال الحسن في وصف الخائفين: إذا مروا بآية فيها ذكر الجنة بكوا شوقاً، وإذا مروا بآية فيها ذكر النار ضجوا بكاءً كأن زفير جهنم عند أصول آذانهم [التخويف من النار، ص: 109].

الصحابة كان الواحد إذا مر على تنور خبز، فرن للحداد، يقف يبكي.

وبعض السلف لما مر على بحر وهو يتلاطم نظر إلى الأمواج تموج، فبكى، ما يبكيك؟ قال: ذكرت أطباق النيران وزفراتها[التخويف من النار، ص: 109].

ويا حذراه من نار تلظى إذا زفرت وأقلقت القلوبا
تكاد إذا بدت تنشق غيضاً على من كان ظلاماً مريبا

حيات وعقارب النار

00:30:44

هل فيها حيات؟ نعم، هل فيها عقارب؟ نعم، كم حجمها؟ قال ﷺ: إن في النار حيات كأمثال أعناق البخت، تلسع إحداهن اللسعة، فيجد حموتها أربعين خريفاً، وإن في النار عقارب كأمثال البغال الموكفة" البغال عليها السرج والبرادع، "تلسع إحداهن اللسعة، فيجد حموتها أربعين سنة [رواه أحمد: 17712، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 3676].

والبخت هي الأنثى من الجمال، جمال طوال الأعناق.

وحياتها كالبخت فيها عقارب بغال وضرب والزباني ينهر
غليظ شديد في يديه مقامع إذا ضرب الصم الجبال تكسروا

قيود وسلاسل أهل النار

00:31:29

هذا سجن، قال ﷺ:  فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى: بولس، تعلوهم نار الأنيار [رواه الترمذي: 2492، وهو حديث حسن].

قيودهم سلاسل وأغلال يسحبون فيها، إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا [الإنسان: 4] الأغلال غير السلاسل، قال ابن كثير: متصلة بالأغلال، يعني السلاسل.

وقال السعدي: إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ  لا يستطيعون معها حركة، وَالسَّلَاسِلُ [غافر: 71] يقرنون بها هم وشياطينهم.

ونار تلظى في لظاها سلاسل يغل بها الفجار ثم يسلسل

ولهم مقامع مطارق: وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحـج: 21]، والعذاب عليهم جسدي ونفسي.

طعام أهل النار

00:32:16

وهذا الكافر التي تضخم جداً، حتى صار ما بين منكبية مسيرة ثلاثة أيام، هذا الكافر الذي سيدخل النار ويذوق من طعامها زقوماً وحميماً: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [الدخان: 43 –  46].

هذا الزقوم استهزأ به أبو جهل، قال: هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد؟ قالوا: لا، قال: عجوة يثرب بالزبد، انظر إلى الاستهزاء، هو كافر إذا كفر استهزأ، قال: عجوة يثرب بالزبد، والله لئن استمكنا منها لنتزقمنها تزقماً، فأنزل الله -تعالى- فيه: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ  هذا الأثيم يستهزئ سيذوق، وليس كما يقول، والحديث رواه أحمد وأبو يعلى وصحح كثير وحسنه الألباني.

الغسلين: لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ  [الحاقة: 37] قال الطبري: ما يسيل من صديد أهل النار [جامع البيان: 23/591].

طعامهم الغسلين فيها وإن سقوا حميماً بها الأمعاء كان انحلالها

 ذَا غُصَّةٍ [المزمل: 13] هذا الطعام، لا ينزل ولا يخرج.

قال الطبري: يغص به آكله، فلا هو نازل عن حلقه ولا هو خارج منه [جامع البيان: 23/691].

أما الضريع فقد قال تعالى: لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ [الغاشية: 6- 7]، والضريع عند العرب: نبت يقال له: الشبرق، وهذا سم، هذا الضريع سم يتجرعه أهل النار.

أما شرابهم فهو الحميم: وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ [محمد: 15].

يصب من فوق رؤوسهم فينفذ من الدماغ إلى الجوف يسلت ما في جوفه، حتى يمرق من قدمية، كما قال ابن عباس: إن الحميم ليصب على رؤوسهم، فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدمية، وهو الصهر ثم يعاد كما كان [رواه الترمذي: 2582، وقال الألباني: "حسن" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 3679].

الغساق: لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا  [النبأ: 24 - 25] ما هو؟ صديد أهل جهنم، المنتن، طينة الخبال عصارة أهل النار، وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ [إبراهيم: 16]، ما يسيل من بين لحمه وجلده كما قال قتادة، قال ﷺ: إن على الله -عز وجل- عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار أو عصارة أهل النار  [رواه مسلم: 2002].

الماء فيها كالمهل يغلي.

لباس أهل النار وحليهم وفراشهم

00:34:59

لباسهم مقطع من النار، قال تعالى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ [الحـج: 19] كان إبراهيم التيمي إذا تلا الآية قال: سبحان من خلق من النار ثياباً؛ لأن النار اليوم تأكل الثياب، وفي جهنم: سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ  [إبراهيم: 50] السرابيل القمصان، الواحد سربال، وهكذا النائحة عليها سربال من قطران ودرع من جرب.

حذاء من النار، أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي بهما دماغه  كما أخبر النبي ﷺ [رواه البخاري: 6561، ومسلم: 213].

لأهل جهنم حلي، لما خوف النبي ﷺ المرأة التي لم تخرج زكاة الذهب، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار [رواه أبو داود: 1563، وهو حديث حسن].

الفراش من نار: لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف: 41]، الفراش المهاد، والغواش اللحاف، والحصير البساط.

 وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا [الإسراء: 8]، فهي المحبس والسجن، وهي الفراش والحصير الذي يفرش.

فلنتأمل ما أعد الله لهم.

إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى
وخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصياً

فما يفعل هؤلاء؟

قال الحسن: إذا ذكر أهل النار لهم نعال من نار، وسرابيل من قطران، وطعامهم من نار، وشرابهم من نار، وفرشهم من نار، ولحفهم من نار، ومساكن من نار، في شر دار، وأسوأ عذاب في الأجساد أكلاً أكلاً، وصهراً صهراً، وحطماً حطماً.

يا فلان يا فلان كان السلف، عطاء الخرساني يقول: قيام هذا الليل وصيام هذا النهار أيسر من شراب الصديد، ومقطعات الحديد.

أخاف وراء القبر أن لم يعافني أشد من القبر التهاباً وأضيقا
لقد خاب من أولاد آدم مشى إلى النار مغلول القلادة أزرقا
يساق إلى نار الجحيم مسربلاً سرابيل قطران لباس محرقا
إذا شربوا فيها الصديد رأيتهم يذوبون من حر الصديد تمزقا

عدم انقطاع عذاب النار

00:37:18

عذاب النار لا يخفف، عذاب  النار لا ينقطع: وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طـه: 127].

وهو أليم شديد؛ كما قال الله: وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ [النساء: 14]، وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النـور: 23]،  نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ  [لقمان: 24]،  نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا  [الفرقان: 19].

وهو ملازم: إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [الفرقان: 65].

دائم شديد الإحراق: وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحـج: 22].

الصهر والإذابة: يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ [الحـج: 20] انصهار، تنضج الجلود، تلفح النار الوجوه.

فيه سحب: إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ  [غافر: 71].

وفيه عذاب مضاعف: فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ  [الأعراف: 38].

بؤسها لا ينصف، ليس عذاب النار جسدي فقط، فيه عذاب معنوي ونفسي، وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ  [فاطر: 37] الجواب فيه عذاب نفسي لهم، وعدم الجواب أيضاً فيه عذاب نفسي لهم، والخزي والفضيحة  رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ [آل عمران: 192] عذاب نفسي آخر، وتسويد الوجه عذاب نفسي آخر، اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ  [آل عمران: 106].

وكذلك من أعظم العذاب النفسي: كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ [المطففين: 15] عندما يحرمون من النظر إلى وجه الله .

لا استغاثة تنفع، ولا الصراخ ينفع: ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ [غافر: 49] ما في فائدة.

 وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ  [الزخرف: 77]، ما في فائدة.

وحوارهم مع المؤمنين: أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف: 50].

ألم يكونوا يستهزؤون بالمؤمنين في الدنيا؟  إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ  [المطففين : 29]، الآن في جهنم، المؤمنون يضحكون ويستهزؤون بهم: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ  [المطففين: 34 - 35].

وكذلك ما ينفع أهل النار: أنهم مشتركون في مصيبة العذاب؛ لأن الله قال: وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [الزخرف: 39].

فالناس إذا اشتركوا في مصيبه هانت عليهم.

فلولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي

لعن أهل النار بعضهم بعضاً

00:39:33

والشيطان يتبرأ منهم، وكانوا أصلاً عاقدين عليه الأمل؛ لأنهم أطاعوه في الدنيا، والاعتراف حاصل منهم:  فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ  [الملك: 11]، يتمنى الواحد لو كان تراباً، يلوم بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً، ويكفر بعضهم ببعض،  يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [الفرقان: 27].

ويدعون على أنفسهم بالثبور والويل والهلاك، ما فيه أحد إلا يتمنى لو يفتدي بابنه وأبيه وأهله وجميع الناس،  يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ  [الشعراء: 88 - 89].

امرأة نوح أين هي؟ في النار.

امرأة لوط أين هي؟ في النار.

 إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ  [آل عمران: 10].

وهذه الخسارة الحقيقية، قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الزمر: 15].

تأمل وقارن -يا أخي المسلم- بين حالنا الآن، الآن العمل ممكن، ثم إذا قامت القيامة هيهات، وإذا خرجت الروح بلغت الحلقوم، هيهات، يوم القيامة في النار،  الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ  [الزخرف: 67]،  يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا  [الفرقان: 28].

صحح علاقاتك يا أخي، صححي علاقاتك يا أختي؛ لأن التابع يتبرأ من المتبوع والمتبوع من التابع، إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ [البقرة: 166]، والذين اتبعوا قالوا: لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا  [البقرة: 167]، و أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا  [فصلت: 29].

أصناف من يدخل النار من الكفار والعصاة

00:41:06

والنار مسكن الكفرة والمشركين.

وأهل الكبائر من الموحدين، إذا قضى الله بدخولهم، سيدخلون إلى حين، قال ﷺ: ليصيبن أقواماً سفع من النار؛ بذنوب أصابوها عقوبة، ثم يدخلهم الله الجنة بفضل رحمته، يقال لهم: الجهنميون  [رواه البخاري: 7450].

إذاً، من عصاة الموحدين من يدخل جهنم، يصيبه سفع من النار، إلى ما شاء الله.

وعذابهم دون عذاب الكفار.

وجهنم دركات، وكفرة الجن المخلوقين من نار في النار، والنار تؤثر فيهم.

لقد ثبت عن أشخاص بأسمائهم وأعيانهم أنهم في النار؛ مثل إبليس، وفرعون، وزوجة نوح وزوجة لوط، وآزر أبو إبراهيم: ثم يقال: يا إبراهيم، ما تحت رجليك؟ فينظر، فإذا هو بذيخ ملتطخ  مسخ الله آزر ضبعاً، ملتطخ منتن قذر، حتى نفس إبراهيم تعافه، ما يشتهي أن ينجو، بعد ذلك، ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار  [رواه البخاري: 3350].

عمرو بن لحي الخزاعي رآه النبي ﷺ يجر أمعاءه في النار، أول من أدخل الأصنام إلى جزيرة العرب.

وكذلك ما جاء عن قارون وهامان وأبي بن خلف.

أما الوليد بن المغيرة، فقد قال تعالى:  ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا  [المدثر: 11 - 13] إلى أن قال: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر: 26] نزلت الآية فيه.

أما أبو لهب وزوجته أم جميل في النار: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ [المسد: 4] تحرق نفسها وزوجها، فِي جِيدِهَا  وعنقها  حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ  [المسد: 5] تأتي بالحطب ليحرق زوجها.

أبو طالب قال ﷺ: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار [رواه البخاري: 3883، ومسلم: 209].

المرأة التي عذبت الهرة في النار.

سارق الحجيج يجعل تحت إبطه في يده عصى مثل العكاز، معقوفة، محجن، ويجعله يدخل في متاع الحاج، ويمشي يسحبه، إذا فطن له قال: آسف، تعلق بمحجني، ما قصدي، وإذا لم يفطن له ذهب به، سارق الحجيج، العصابات الذين يأتون لسرقة الحجاج، قال ﷺ:  ورأيت فيها أخا بني دعدع سارق الحجيج [رواه النسائي: 1496، وأحمد: 6763].

وكركرة سارق العباءة [رواه البخاري: 3074]، وغال العباءة من الغنيمة رآه أيضاً.

وكذلك الذي قتل نفسه انتحر أخبر أنه من أهل النار.

الجرائم المؤدية إلى الخلود في النار

00:44:00

ما هي الجرائم التي تؤدي إلى الخلود في النار؟

الكفر بالله، والشرك به.

التكذيب بالبعث والنشور: بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا  [الفرقان: 11].

والتكذيب بآيات الله، يعني في النار.

والتكذيب بنبوة محمد ﷺ:  والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار  [رواه مسلم: 153].

المرتد عن الإسلام:  وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  [البقرة: 217].

النفاق الأكبر، المنافقون هؤلاء  فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء: 145].

المستكبر عن عبادة الله، وعن سماع آياته.

والدعاة إلى النار: إبليس والمشركون والمشركات، أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ  [البقرة: 221].

والأئمة المضلون، والرؤساء المنافقون، والقادة السفهاء، والذين يدعون إلى النار.

وقد أخبر النبي ﷺ: أن هنالك سبل وأبواب على كل باب إمام ضلالة، يدعو إلى النار.

 وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ  [النساء: 27] سواء في القنوات ولا في المواقع،  أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا  [النساء: 27].

أخبرنا أن النار حفت بالشهوات ما فيه طريق للنار إلا عبر الشهوات، قال تعالى: وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران: 131]، أبو حنيفة كان يقول: إن هذه الآية أخوف آية في كتاب الله، لماذا؟ قال: "أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه، قال: وَاتَّقُواْ النَّارَ ،  واتقوا  يا أيها المؤمنون النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ .

إذاً، إذا ما في تقوى ستدخلون النار التي أعدت للكافرين، ولذلك لا بد أن نعلم كيف نجتنبها.

أمور يجب اجتنابها للوقاية من النار

00:45:46

هل وردت أشياء معينة في اجتناب النار؟

نعم.

أولاً: اجتناب الشرك: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ [المائدة: 72]، انتبهوا -يا إخوان- لا شرك أكبر، ولا شرك أصغر، ولا شرك خفي، يجب الحذر من الشرك.

ثانياً: مخالفة هدي النبي ﷺ: نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا  [النساء: 115].

ثالثاً: نحذر من الركون إلى الظالمين وموالاتهم: وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ  [هود: 113].

رابعاً: أكل الربا:  لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً  [آل عمران: 130]، قال بعدها: وَاتَّقُواْ النَّارَ [آل عمران: 131].

خامساً: الفم والفرج: أكثر ما يدخل الناس النار: الفم والفرج  كما أخبر النبي ﷺ[رواه الترمذي: 2004].

أسباب النجاة من النار

00:46:29

هل هناك أشياء إذا فعلناها ننجو من النار؟

نعم.

أولاً: تحقيق التوحيد، فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)) [رواه البخاري: 425، ومسلم: 33].

حقق التوحيد -يا أخي-، التوحيد الذي هو حق الله على العبيد.

ثم الاستعاذة بالله من النار، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201]، من دعاء المؤمنين، من أدعية الراسخين في العلم أيضاً، وكان النبي ﷺ في آخر الصلاة: أعوذ بك من عذاب النار [رواه البخاري: 6375]، و  تعوذوا بالله من عذاب النار [رواه مسلم: 2867]، وقال: من استجار من النار ثلاثاً قالت النار: اللهم أجره من النار  [رواه الترمذي: 2572، وهو حديث صحيح].

في آخر الصلاة، وعند الفراغ من مناسك الحج وبين الركنين، وفي نهاية التشهد، وقبل السلام، وبعد الانتهاء من الصلاة، وفي مجالس الذكر، وعند قراءة القرآن، وإذا مرينا بآية عذاب في القرآن نتعوذ، وعند النوم،  اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك [رواه أبو داود: 5045، وأحمد: 4226].

ونسأل الله الثبات على الدين؛ لأن الثبات على الدين منج من النار.

والصلوات الخمس إذا حافظنا على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها يحرم الله صاحبها على النار.

والصيام في سبيل الله يباعد بين العبد وبين النار سبعين خريفاً.

وكذلك الجهاد في سبيل الله.

البكاء من خشية الله، حرم الله على النار أن تصيب عين من بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله.

الصدقة، اتقوا النار ولو بشق تمرة  [رواه البخاري: 1417، ومسلم: 1016].

الكلمة الطيبة.

أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها، قال: من صلى أربعاً قبل الظهر، وأربعاً بعدها؛ حرم الله لحمه على النار [رواه أحمد: 26764].

الأخلاق الحسنة واللين والرقة والسهولة والسماحة، والتجاوز عن الناس، قال ﷺ: ألا أخبركم بمن يحرم على النار؟ على كل قريب هين سهل  [رواه الترمذي: 2488، وهو حديث صحيح].

خوف السلف من النار

00:48:27

كان ذكر النار يطير النوم من عيون السلف.

إذا ما الليل أظلم كابدوه فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا وأهل النوم في الدنيا هجوع

قال الحجاج لسعيد بن جبير: بلغني أنك لم تضحك؟ قال: فكيف أضحك وجهنم قد سعرت، والأغلال قد نصبت، والزبانية قد أعدت.

وهكذا كان بعض السلف يقول لنفسه: أي شيء تريدين؟ تريدين الثمار والأبكار، أو تريدين السلاسل والأغلال؟ قالت: أريد الثمار والأبكار، قال: قومي اعملي، يقول لنفسه: قومي اعملي.

جعل الله في الدنيا أشياء تذكرنا بالنار ورحمته، غير الصيف والشتاء، ماذا أيضاً؟

الحمى، أخبر أن هذه الحمى السخونة للمرض من جهنم، في ارتباط خفي نحن لا ندركه بين الحمى وبين جهنم، لكن تذكرنا، هذه تذكير.

التشويق إلى الجنة

00:49:28

أما وقد مررنا بذكر جهنم فقد اشتاقت النفوس إلى الوعد بعد الوعيد، وإلى الأمن بعد الخوف، وإلى ما أعد الله للصالحين، بعدما عرفنا ماذا أعد للكافرين والعاصين.

فحي على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم
وحي على روضاتها وخيامها وحي على عيش بها ليس يسأم
وحي على يوم المزيد الذي به زيارة رب العرش فاليوم موسم

لا مثيل لها، دار النعيم المطلق، ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، والخلود الدائم، أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  [هود: 23]، فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  [السجدة: 17].

بواعث الشوق ملأت الآيات، والأحاديث جاءت على هذه الصفات، قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر [رواه البخاري: 3244، ومسلم: 2824].

رغد العيش، طيب الخاطر، طمأنينة النفس، سعادة الروح، حلاوة المطعم، عذوبة المشرب، رقة الملبس، نفاسة المتاع، أنس الجليس، جمال الزوج، الغناء والخمر، الخيرات واللؤلؤ والمرجان، والعسل المصفى، واللبن، والحدائق والسندس، إنها سعادة نفسية، وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر: 47].

صفة حشر المتقين إلى الجنة

00:51:11

بعد ما يعبر المؤمنون الجسر، يصلون إلى قنطرة، هذه القنطرة كل الذين سيدخلون الجنة يقفون عليها، القنطرة هذه بعد جهنم وقبل الجنة، يحبسون عليها، لماذا؟ قال ﷺ:  يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بيهم في الدنيا ، يعني واحد حمل في نفسه أشياء على أخيه، معاتبات بينهم في الدنيا وأشياء تصفى على القنطرة، ما يدخل الجنة واحد في نفسه أي شيء،  حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة [رواه البخاري: 6535]، فيساقون هنالك إلى الجنة كراماً، وقد قال تعالى:  وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا [الزمر: 73] فوجاً فوجاً، وراكبون، ما الدليل على أن أهل الجنة يساقون راكبين؟

قوله تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا [مريم: 85]، قال ابن عباس: "ركبانا".

إذا جاؤوا باب الجنة، باب الجنة مغلق، من الذي سيفتحه؟ ومن الذي يجرؤ على استفتاحه وطرق بابه؟ قال ﷺ:  أنا أول الناس يشفع في الجنة  [رواه مسلم: 196].

ولذلك في طواف على الأنبياء غير الطواف الذي كان قبل في المحشر لما ازدحم الناس لفصل الحساب، الشفاعة العظمى، والمقام المحمود، والطواف على الأنبياء تنتهي إلى محمد ﷺ، فيشفع عند ربه، لفصل القضاء، الآن فيه طواف على الأنبياء كما ثبت في الحديث الصحيح، آدم وغيره، حتى تنتهي إلى محمد ﷺ: استفتح لنا؟ أهل الجنة يريدون الدخول، استفتح لنا؟

قال في معارج القبول:

وثانياً يشفع في استفتاح دار النعيم لأولي الفلاح
هذا وهاتان الشفاعتان قد خصتا به بلا نكران

قال ﷺ:  أنا أول من يقرع باب الجنة  [رواه مسلم: 196].

وفي رواية مسلم أيضاً: آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك  [رواه مسلم: 197]

في حلقة على باب الجنة يقعقعها ﷺ كما ثبت في الحديث الصحيح.

عدد أبواب الجنة

00:53:41

عدد أبوابها ثمانية، قال ﷺ: في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى: الريان لا يدخله إلا الصائمون  [رواه البخاري: 3257].

وقد جاء في الحديث الصحيح أيضاً تسمية أبواب أخرى باب الصلاة، وباب الجهاد، وباب الصدقة، وباب الريان، صاروا أربعة.

وقال ﷺ: فيقول الله: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن، من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب  [رواه البخاري: 4712 ومسلم: 194].

فصار عندنا اسم خامس وهو الباب الأيمن.

وقد اجتهد العلماء في تسمية أبواب الجنة الأخرى لأنه لم يثبت هنالك أدلة قاطعة أخرى إضافية في تسمية بقية الأبواب حتى قال بعض العلماء: إن أبواب الجنة أكثر من ثمانية، ورجح ابن حجر -رحمه الله- أن الرئيسية ثمانية، ثم بعدها فيه أبواب أخرى كثيرة، بحسب الأعمال الصالحة، ممكن يكون هذا باب حسن الخلق، هذا باب صلة الرحم، الوالد أوسط أبواب الجنة، وهكذا..

أبواب لأن الأعمال كثيرة.

-طبعاً- الصلاة الواجبة والزكاة الواجبة والصيام الواجب مفروغ منه، لكن الذي يكثر من صلاة النافلة يدخل من باب الصلاة، والذي يكثر من الصيام النافلة يدخل من باب الصيام، الذي يكثر من صدقة النافلة يدعى من باب الصدقة.

وهناك من يدعى من كل الأبواب لكثرة الأعمال الصالحة، ومنهم أبو بكر الصديق .

وقد ورد في بعض الأحاديث اسم باب الضحى، ولكن لم يثبت ذلك فيه ضعف.

وعلى أية حال: هذه أبواب الجنة الثمانية، فيه أشياء إذا الإنسان عملها ممكن تفتح له، قال ﷺ:  من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وابن أمته، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الثمانية شاء  [رواه البخاري: 3435، ومسلم: 28].

بالنسبة لإسباغ الوضوء مع كلمة التوحيد، يقول ﷺ: ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبد الله ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل أيها شاء  [رواه مسلم: 234].

الصبر والاحتساب على موت الولد: ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث  يعني قبل سن البلوغ  إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل  [رواه ابن ماجه: 1604، وهو حديث صحيح].

المرأة الصالحة، قال ﷺ:  إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت [رواه أحمد: 1661، وهو حديث صحيح].

والذي قارف خطايا ودخل في الجهاد في سبيل الله فقتل، قال ﷺ: محيت ذنوبه وخطاياه، إن السيف محاء الخطايا، وأدخل من أي أبواب الجنة شاء فإن لها ثمانية أبواب [رواه أحمد: 17657، وإسناده جيد].

أبواب الجنة تفتح في الدنيا متى؟

في رمضان، قال ﷺ:  إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة [رواه البخاري: 1898، ومسلم: 1079].

يوم الاثنين والخميس، تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء  [رواه مسلم: 2565].

احرص -يا عبد الله-، احرصي -يا أمة الله- لا يكون في نفوسنا شيء على إخواننا المسلمين.

صفِ أولاً بأول، حقد شحناء، بغضاء، صفِ أولا بأول، امسح؛ لأن فتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس يغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا المشاحن.

وما أكثر المشاحنات، والمحاكم قضايا مخاصمات: ما دخل بيتي من زمانَ! ما يكلم فلاناً من سنين!

أبواب الجنة عريضة، قال ﷺ:  والذي نفس محمد بيده؛ إن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى [البخاري: 4712، ومسلم: 194].

المصراعان: جانبا الباب.

وكيف تتفاوت الآن العرض أبواب الجنة؟

قال بعض العلماء: بما أنها درجات، أبواب الجنة فوق بعض وليست بجانب بعض، فوق بعض، وممكن هذا الباب أكبر من الباب، أعرض من الباب الآخر.

وهناك استقبال للمؤمنين، من قبل خزنة الجنة بأجمل تحية وأعذب كلام،  سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد: 24].

أول طعام أهل الجنة

00:58:36

ما هو أول طعام يأكله أهل الجنة؟

لأن الضيافة، إذا جاءك ضيف، أولاً أنت تتحفه بشيء انتظار الوجبة الرئيسة، فأهل الجنة لا بد لهم من تحفة، إذا دخلوا الجنة ماذا يقدم لهم أول ما يدخلون الجنة؟

سأله يهودي للنبي ﷺ قال: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد النون [رواه مسلم: 315] النون: هو الحوت.

ما هي زيادة الكبد؟

أنت إذا نظرت إلى الكبد تجده مكونا من قطعتين: قطعة كبيرة، وقطعة صغيرة متصلة بها، الصغيرة ألذ وأطعم وأشهى، هذه الصغيرة تكفي أهل الجنة كلهم، ولكن كبد حوت يطبخ لهم هذا يطعمونه فيكفيهم جميعاً، قال اليهودي للنبيﷺ: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها ، فيه ثور، الله أعده في الجنة يأكل من أطرافها، إذا دخل أهل الجنة الجنة، بعد ما أكلوا من الكبد أولاً مثل ما أنت تأكل من أضحيتك الكبد من الكبد أولاً، قال: بعد ذلك ينحر لهم ثور الجنة  هذا الوجبة الآن قال:  فما شرابهم عليه؟  قال: من عين فيها تسمى سلسبيلاً [رواه مسلم: 315].

فهكذا يخصون ويلاطفون، ثم تقدم لهم هذه الوجبة العظيمة، ويدخلون لكن لما يدخلون يدخلون على مراتب.

أول الداخلين إلى الجنة

01:00:06

فمن أول الداخلين؟

أول من يدخل محمد ﷺ، وأول الأمم تدخل هذه الأمة، وعلى رأسهم سبعون ألفاً، ومع كل ألف سبعون ألفاً، فضل من الله وزيادة، هؤلاء لا حساب عليهم ولا عذاب هنيئاً لهم لماذا؟ حققوا التوحيد، وعلى ربهم يتوكلون، على صورة القمر ليلة البدر.

فقراء المهاجرين على رأسهم، يسبقون الأغنياء بأربعين خريفاً، قال ﷺ:  ألا أبشركم أن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم خمسمائة عام؟ كما قاله ﷺ لمعشر الفقراء [رواه ابن ماجه: 4124].

آخر من يدخل من هو؟

عرفنا أول من يدخل.

قال ﷺ: آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة، ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة فإذا ما جاوزها عبر الصراط  هذا آخر من يدخل من عابري الصراط، وهناك آخر من يدخل من الذين سيخرجون من النار من عصاة الموحدين، المذنبين الذين دخلوها، لكن آخر واحد يعبر الصراط:  آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة، ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين  - من الهول الذي رآه لما نجا ظن أن ما أحد حصل مثله-
 فترفع له شجرة، فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة، فلأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله : يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها، فيقول: لا يارب، ويعاهده ألا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، أي رب أدنني من هذه لأشرب من مائها، وأستظل بظلها؟ وربه يقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها، -ويعود بنفس الجواب- ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين، أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها لا أسألك غيرها، قال: يا ابن آدم ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها؟ قال: بلى يارب هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها، فيسمع أصوات أهل الجنة -تحن النفس، تشتاق- فيقول: يارب، أي رب أدخلنيها؟ فيقول: يا ابن آدم ما يصريني منك؟ -ما الذي يقطع مسألتك؟ ما الذي إذا أعطيتك ما تسألني؟- أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر  [رواه مسلم: 187] ضحك ابن مسعود وأخبر أن هذا لأن النبي ﷺ ضحك؛ لأن رب العالمين ضحك.

هناك قوم على الأعراف على جبل بين الجنة والنار، منعتهم سيئاتهم من دخول الجنة، ومنعتهم حسناتهم من دخول النار، هؤلاء آخر أمرهم إلى الجنة؛ لأن رحمة الله سبقت غضبه.

القسم الثالث من أقسام الداخلين، غير الذين يعبرون الصراط وغير أهل الأعراف: الذين يخرجون من النار من عصاة الموحدين، ويدخلون الجنة، هؤلاء بشفاعة محمد ﷺ، وشفاعة المؤمنين، وقال ﷺ: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي [رواه أبو داود: 4739، والترمذي: 2435، وأحمد: 13222، وقال محققو المسند: " إسناده صحيح"].

هؤلاء دخلوا النار بذنوبهم ومعاصيهم فاحترقوا حتى ماتوا صاروا فحماً، فجيء بهم ضبائر ضبائر، بعد شفاعة المؤمنين، وشفاعة النبي ﷺ، فبثوا على أنهار الجنة، ثم يقول الله عز وجل، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، انظر إلى دور الإخوان تجاه إخوانهم، يقول: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، يرش عليهم من ماء الجنة، قال: فينبتون نبات الحِبة تكون في حميل السيل، قال ﷺ في رواية أحمد غير رواية مسلم السابقة: ويكتب بين أعينهم هؤلاء عتقاء الله -عز وجل- فيذهب بهم فيدخلون الجنة، فيقول لهم أهل الجنة: هؤلاء الجهنميون، فيقول: الجبار، بل هؤلاء عتقاء الجبار -عز وجل- [رواه أحمد: 12469، وقال محققو المسند: "إسناده جيد"].

وفي رواية: أنهم يطلبون من الله -تعالى- تغيير اسم الجهنميين، فيغيره إلى عتقاء الجبار -عز وجل-.

ويخرج الله من النيران جميع من مات على الإيمان
في نهر الحياة يطرحون فحماً فيحيون وينبتون

وهذه شفاعة النبي ﷺ والملائكة والأنبياء والرسل والمؤمنين.

وبعده يشفع كل مرسل وكل عبد ذي صلاح وولي

والمؤمنون يناشدون ربهم من أجل إخوانهم مناشدة شديدة جداً: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا، فيقول الله : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان، مثقال حبة خردل، أدنى أدنى، مثقال حبة خردل، حتى ينتهي إخراج كل من أذن الله بإخراجه من الشفاعة، فيقول الله: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا رب العالمين، فيقول الجبار: بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار فيخرج أقوام قد امتحشوا احترقوا، فيلقون في نهر بأفواه الجنة، يقال له: ماء الحياة)) [رواه مسلم: 183]، ولذلك من أنواع الشفاعة: شفاعة الله -تعالى- يشفع من نفسه إلى نفسه .

آخر واحد يدخل الجنة

01:06:10

آخر واحد يدخل الجنة على الإطلاق، وآخر واحد من الذين خرجوا من النار، قال ﷺ في شأنه: إني لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً، رجل يخرج من النار حبواً فيقول الله: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملآى، فيرجع فيقول: يارب وجدتها ملآى، فيقول: اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملآى، فيرجع فيقول: يارب وجدتها ملآى، فيقول: اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، فيقول: تسخر منى وأنت الملك؟ فلقد رأيت رسول الله ﷺ ضحك حتى بدت نواجذه، وكان يقول: ذاك أدنى أهل الجنة منزلة" [رواه البخاري: 6571، ومسلم: 186].

هذا آخر واحد، هذا الإنسان الرجل هذا له موقف طريف، في صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال: رسول الله ﷺ: إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخر أهل النار خروجاً منها، رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، ارفعوا الكبار من الصحف، فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة" [رواه مسلم: 190] عند ذلك ماذا يحصل؟ فيقول: لما يرى مكان كل سيئة حسنة، "فيقول: يا رب، قد عملت أشياء لا أراها هاهنا؟" أين الكبائر؟ يبدأ يسأل عن الكبائر، قبل قليل وهو مشفق، الآن يسأل: أين الكبائر والبلاوي العظام أين هي؟ "فلقد رأيت رسول الله ﷺ ضحك حتى بدت نواجذه"[رواه مسلم: 190].

لكن -يا إخوان- بعد العذاب، عذاب شديد، لكن في النهاية ينجو؛ لأن معه أصل الإيمان، أصل التوحيد.

الخزنة تسلم عليهم، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ  [الزمر: 73].

أسماء الجنة

01:08:31

الجنة جنة الخلد، جنة المأوى، جنات عدن، من الأسماء الواردة في القرآن، والعدن يعني الإقامة والدوام، جنات النعيم، الفردوس، الجنة ملتفة الأشجار، الفردوس اسم يقال: على جميع الجنة، ويقال: على أفضلها وأعلاها، قال ﷺ:  إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة  [رواه البخاري: 2790].

إذاً، عرش الرحمن على الجنة كالقبة، هذا أوسط الجنة وأعلى الجنة.

ومن أسمائها: دار السلام، سالمة من المنغصات.

ومن أسمائها: دار المقامة.

ومن أسمائها: الحسنى:  لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس: 26]، وقال تعالى: وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ  [يوسف: 109].

ومن أسمائها: دار المتقين، وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ [النحل: 30].

وورد أيضاً، قال بعض العلماء: دار الخلد، والمقام الأمين، ومقعد الصدق.

بناء الجنة

01:09:31

ما هو بناء الجنة؟

قال ﷺ، للصحابة لما سألوه: ما بناؤها؟ اشتاقت أنفسهم إلى الجنة يريدون أن يعرفوا بنيت مماذا، قال:  لبنة من فضة، ولبنة من ذهب .

ما الذي يمسك بين اللبن؟ الملاط، قال: وملاطها المسك الأذفر  شديد الرائحة.

الحصى في الجنة أرض الجنة فيها تراب، فيها حصى، قال: وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران  -الناعم الأصفر طيب الرائحة-  من دخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم [رواه الترمذي: 2526، وهو حديث صحيح].

قال ﷺ:  أدخلت الجنة، فإذا بها حبائل اللؤلؤ وإذا ترابها المسك [رواه البخاري: 349، ومسلم: 163].

الحبايل مثل حبال الرمل، تعرفوا الآن هذه تلال الرمل، طعوس الرمل، لكن هذه لؤلؤ كلها لؤلؤ، كثبان من اللآليء، ترى ما أمامك، درمكة بيضاء مسك خالص، أجابﷺ، في صحيح مسلم لما سئل عن تربة الجنة، يعني جمعت بين بياض الدقيق، هذا الخالص النقي ورائحة المسك، سبحان الله العظيم.

وبناؤها اللبنات من ذهب وأخرى فضة نوعان مختلفان
وقصورها من لؤلؤ وزبرجد أو فضة أو خالص العقيان
والطين مسك خالص أو زعفران جاء بذا أثران مقبولان

مساكن الجنة وغرفها وقصورها

01:11:04

المساكن غرف وقصور وخيام ومساكن طيبة في جنات عدن، والغرف، مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ  [الزمر : 20]، وأشياء متعددة الأدوار، وقصور شاهقة، مبنيات محكمات مزخرفات، قال ﷺ في العجب فيها: إن في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها [رواه أحمد: 6615].

والخيام من لؤلؤة مجوفة الخيمة، قال ﷺ:  إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة طولها ستون ميلاً [رواه مسلم: 2838].

هل رأيت في الدنيا لؤلؤة متر؟

هذه خيمة المؤمن من لؤلؤة ستون ميلاً.

والقصور عجيبة، ما فيها صخب ولا وصب ولا صياح ولا صراخ.

وسائل الحصول على قصور الجنة وغرفها

01:11:55

هذه المساكن القصور كيف تحصل ؟ كيف واحد يبني قصراً في الجنة؟

أولاً: إذا بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة.

ثانياً: السنن الرواتب، اثنا عشر ركعة في اليوم والليلة تحافظ عليها.

ثالثاً: قراءة  قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  عشر مرات.

معرفة أهل الجنة لبيوتهم وقصورهم فيها

01:12:16

إذا واحد دخل الجنة، لن يحتاج إلى خريطة، ولن يحتاج إلى دلال يدله على الجنة، على بيته، كل واحد يعرف بيته مباشرة، قال ﷺ:  والذي نفس محمد بيده، لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمنزله كان في الدنيا  [رواه البخاري: 6535].

يعني أنت تعرف مسكنك في الجنة أكثر مما تعرف الذي في الدنيا، والدليل من القرآن:  سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ  [محمد:  5 - 6] فيعرفون أماكنهم.

أثاث وفرش أهل الجنة

01:12:52

فيها أثاث، فيها فرش، فيها سرر، مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ [الرحمن: 54] إذا كان الباطن مما يلي الأرض باطن الفراش من استبرق كيف الظاهر؟ هذا نور، مما يلي الجسد الجالس عليها كيف؟

فيها سرر  إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر: 47] ما فيه واحد بظهره للآخر، كلهم وجوههم لبعض.

كيف؟

الله أعلم.

وهكذا المجالس الرفيعة السارة مجالس السرور، ونمارق مصفوفة وسائد.

آنية وصحف أهل الجنة

01:13:23

آنيتهم التي يشربون فيها من ذهب وفضة، وكذلك الصحاف القصعة الواسعة، يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ  [الزخرف: 71]، وأشياء لها آذان وخراطيم، صب .. وأشياء مالها آذان وخراطيم وأكواب، وخراطيم أكواب تشرب مباشرة، وهكذا على كيفك، يعني أنت لا يؤتى لك بكوب ممكن تقول: أنا أبغى أكبر من هذا، لا هذا كثير أنا أبغى أصغر، قال تعالى: قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا  [الإنسان: 16] على كيف الواحد يفصل الكوب.

نفس الشخص في الجنة وبين الجنة تفاعل عجيب؛ لأن الإنسان إذا اشتهى شيء حصل له، ما يحتاج يتكلم ولا يطلب، مباشرة يحصل له.

نور أهل الجنة

01:14:10

الجنة فيها نور، لا شمساً ولا زمهريرا، ليس فيها شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار، كيف تعرف البكرة والعشية؟

قال ابن تيمية: وتعرف البكرة والعشية بنور يظهر من قبل العرش.

سبحان الله ما هو اللون الغالب على الجنة؟

قال تعالى:  مُدْهَامَّتَانِ  [الرحمن: 64]، خضراء تضرب إلى السواد، من شدة الخضرة، ومن شدة النعمة، والري الموجود في النبات أخضر غامق.

رائحة الجنة وأهلها

01:14:38

وكذلك لها رائحة توجد من مسيرة أربعين عام، ومن مسيرة مائة عام، بحسب العمل، وبحسب الشخص، ممكن يجد الرائحة من بعيد، وأنس بن النضر شم رائحة الجنة وهو في الدنيا، من دون أحد.

وسيد ريحان أهل الجنة الفاغية كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ قال: سيد ريحان أهل الجنة الحناء ، سيد ريحان أهل الجنة الفاغية  الفاغية: زهرة الحناء، نور الحناء، وهي من أطيب الرياحين.

فيه ناس لا يجدون رائحة الجنة.

الذي استرعاه رعية فلم يحفها بنصيحة.

المرأة التي سألت زوجها طلاقاً من غير ما بأس.

من تعلم علماً لا يبتغي به وجه الله يبتغي به عرض الدنيا.

هؤلاء لا يجدون رائحة الجنة.

خيول وطيور أهل الجنة

01:15:26

إن في الجنة خيولاً، سأل أعرابي النبي ﷺ: إني أحب الخيل أفي الجنة خيل؟ قال ﷺ: إن أدخلت الجنة، أوتيت بفرس من ياقوتة له جناحان، فحملت عليه فطار بك حيث شئت [رواه الترمذي: 2544، وصححه الألباني لغيره].

فيها طيور  وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة: 21].

كم حجم الطائر هذا؟

قال ﷺ في حديث الكوثر: فيها طير أعناقها كأعناق الجزر  قال عمر: إنه هذه لناعمة، يعني سمان مترفة، فقال الرسولﷺ: أكلتها أنعم منها  [رواه الترمذي: 2542، وأحمد: 13480، وهو حديث صحيح].

أشجار وثمار وفواكه أهل الجنة

01:16:04

الأشجار والثمار والفواكه: حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا  [النبأ: 32] جمع حديقة، أشجار ذوات الساق، محاطة بالحوائط، وكذلك  وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ  [الواقعة: 30] ما فيه شمس وفيه ظل.

سبحان الله هل ينحسر؟ أبداً، الظل ممدود،  إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها  [رواه البخاري: 3251، ومسلم: 2827]،  وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ  [الواقعة: 30].

ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب، كما قال ﷺ.

سدرة المنتهى وصفها في الحديث، فإذا نبقها  يعني ثمارها ((مثل قلال هجر)) الجرار العظيمة، وإذا ورقها مثل أذان الفيلة  [رواه البخاري: 3887]، قال هذه سدرة المنتهى: {عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [النجم: 15].

و سِدْرٍ مَّخْضُودٍ [الواقعة: 28] منزوع الشوك،  وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ  [الواقعة: 29]، مثل الموز مركب منظم، منتظم، بعضه فوق بعض.

وهكذا يجدون الثمرات متشابهة في الشكل لكن مختلفة في الطعم، قالﷺ:  خضد الله شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها لتنبت ثمراً، تفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لوناً من طعام ما فيها لون يشبه الآخر  [رواه الحاكم: 3778، وصححه الألباني مرفوعاً].

هكذا إذاً باتساق ونظام ثمر الجنة مركب متراكب.

وهكذا  وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ  [محمد: 15].

وهكذا  وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ  [الواقعة: 20].

وهكذا  وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً  [البقرة: 25].

وهكذا  فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ  [الرحمن: 68].

وهكذا تناول ﷺ عنقوداً من الجنة، لو أنه أخذه لأكلوا منه ما بقيت الدنيا، ولكفى أهل الدنيا؛ كما جاء في حديث الكسوف.

يا طيب هاتيك الثمار وغرسها في المسك ذاك الترب  للبستان
وكذلك الماء الذي يسقى به يا طيب ذاك الورد للظمآن

يا هنيئاً لمن كان ذاك منزله، وذلك مأكله، قال ابن عباس: ((نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر، وكربها ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنة، منها مقطعاتهم وحللهم، وثمرها أمثال القلال والدلاء.

يصف ابن عباس ثمر النخل، يقول: "أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد ليس فيها عجم" [رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق: 1/524، وصححه الألباني] أنت تأكل تمرة ترمي النواة، ثمر الجنة ما فيه عجم، تأكله كله، ما في شيء يرمى أبداً.

وهكذا السعف وأصل السعف، كله ينتفع به، وعنب الجنة، هذا العنقود العظيم، وقد أخبر النبي ﷺ أن الحبة العنب كبيرة وأخبر ذلك الرجل قال: أبوك ذبح تيس؟  نعم،  أعطى أمك جلده كي تصنع منه دلواً؟  نعم، كيف الدلو؟ أخبره بحجم حبة العنب، إنها شيء عظيم.

كيف نكثر ثمارنا أو كيف نكثر أشجارنا في الجنة؟

الجنة فيها كما قال بعض العلماء: الآن أقسام مزروعة، وفيها قيعان غير مزروعة.

إبراهيم لقي نبينا ﷺ في المعراج قال:  يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وإنها قيعان يعني جاهزة للزراعة، صالحة للزراعة وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر  [رواه الترمذي: 3462، وهو حديث صحيح].

وفي رواية مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة، فإن تربتها طيبة، وأرضها واسعة ، قال ﷺ: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله)) [رواه أحمد: 23552، وهو حديث صحيح لغيره].

إذاً، صار عندنا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذه كلها غراس تغرسها اليوم، فتراها غداً في قصرك، ومنزلك في الجنة.

وإذا أردت النخل تحديداً  من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة  [رواه الترمذي: 3464، وهو حديث صحيح].

أنهار الجنة وعيونها

01:20:20

وهكذا الجنات تجري من تحتها الأنهار، الأنهار على أرض الجنة تنبع من أين؟ من الفردوس، من تحت العرش، قال ﷺ:  إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة ، أنهار مثل البحار في الغزارة، والكثرة والبركة، بحر الماء، بحر العسل، بحر اللبن، بحر الخمر، قالﷺ: إن في الجنة بحر الماء، وبحر العسل، وبحر اللبن، وبحر الخمر، ثم تشقق الأنهار بعد  [رواه الترمذي: 2571، وأحمد: 20052، وهو حديث صحيح].

وهكذا الماء غير آسن، غير متغير، لبن لم يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ.

وهكذا فيها النيل والفرات وسيحان وجيحان، كما ورد في الحديث الصحيح  نهران ظاهران، ونهران باطنان [رواه البخاري: 5610]، وأعظم الأنهار نهر الكوثر، للنبي ﷺ  طينه مسك أذفر ، قال ﷺ: الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ، حافة، الحافة من ذهب،  ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل، وأبيض من الثلج  [حديث حسن صحيح، رواه الترمذي: 3361].

الجنة فيها عيون، معك أينما تذهب تريد أن تفجرها فإنك تفجر عينك الذي في الجنة، تريد العيون محل ما تشتهي،  فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ [الغاشية: 12]، ما هي واقفة، وَمَاء مَّسْكُوبٍ [الواقعة: 31]، هكذا الأنهار قال تعالى عنها: يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا [الإنسان: 6] في أي مكان ينبع لك الماء؟ حيث ما تريد، وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا [الإنسان: 17 - 18] لسلاسة سيلها، وحدة جريها، ولين شربها، من عين فيها تسمى: سلسبيلاً، يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ [المطففين: 25 - 26] خمر الجنة، ومختوم خاتمة من هذا المسك، والمزاج هو المزج.

من هذا الكافور أيضاً.

خمر أهل الجنة

01:22:41

وهكذا فإننا نرى في هذه الجنة من الفواكه والثمار، فيه نخل العجوة من الجنة، فيه لحم: وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ [الطور: 22]، ولحم الطيور يوجد أيضاً.

وطعامهم ما تشتهيه نفوسهم ولحوم طير ناعم وسمان
وفواكه شتى بحسب مناهم يا شبعة كملت لذي الإيمان
لحم وخمر والنساء وفواكه والطيب مع روح ومع ريحان

والشرب الخمر هذا، لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ [الصافات: 47]، فلا هو مغص في البطن، ولا صداع في الرأس، ولا يذهب العقل، يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ولا يتغوطون ولا يمتخطون، ولا يبولون.

جشاء أهل الجنة

01:23:30

الواحد إذا امتلأ بطنه كيف يصرف الأكل؟

قال ﷺ: طعامهم  ذاك  جشاء كرشح المسك [رواه مسلم: 2835]، حاجة أحدهم عرق يفيض من جلودهم مثل ريح المسك، فإذا البطن قد ضمر [رواه أحمد: 19269 حديث صحيح].

يبين كيف أن البطن يضمر ليأكل مرة أخرى.

هذا وتصريف المآكل منهم عرق يفيض لهم من الأبدان
كروائح المسك الذي ما فيه خلط غيره من سائر الألوان

ما ينامون، ليش ينام؟ النوم يقطع التنعم.

وهكذا ما فيه جوع ولا عطش ولا قاذورات ولا فيه عرق، كعرق الدنيا هذا.

لباس أهل الجنة

01:24:17

ونعيمهم، إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى  [طـه: 118 - 119].

ولباس الجنة يخرج من أكمام أشجار الجنة.

ولباسهم من الحرير والديباج، وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ  [فاطر: 33]، عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ  [الإنسان: 21]، وهكذا الثياب لا تبلى، ولا يعدلها شيء، والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا  عليه الصلاة والسلام أشار إلى جبة سندس من حرير.

بل يا أيتها المرأة المسلمة، أتعلمين خمار المرأة في الجنة، ما مقامه؟ قال ﷺ: ولنصيفها امرأة من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ، قلت: يا أبا هريرة ما النصيف؟ قال: الخمار" [رواه أحمد: 10270، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن"].

وهكذا حلي وأساور أهل الجنة، أساور من ذهب ولؤلؤ، ترك الرجال الآن الحلي من الذهب، تركوا الحلي، وما تشبهوا بالنساء، وتركوا الحرير، فلهم كذلك في الجنة مع النساء في الجنة، وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا  [الإنسان: 21].

هل تعلمون أن هذا الحلي له ضوء شديد؟

قال ﷺ: ولو أن رجل من أهل الجنة أطلع فبدا أساوره، لطمس ضوء الشمس، كما تطمس الشمس ضوء النجوم حديث صحيح [رواه الترمذي: 2538].

وتبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء.

وهكذا يحلون، ولهم أمشاط من ذهب، ومباخر قال ﷺ: ووقود مجامرهم الألوة وهو العود الهندي  [رواه البخاري: 3246].

خدم أهل الجنة

01:26:03

ونعيم أهل الجنة متوالٍ، والخدم يطوفون عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ، وهكذا، إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا  [الإنسان: 19]، صغار من الذكور، لا يهرمون ولا يتغيرون، في غاية الحسن والبهاء، هؤلاء الذين يخدمونهم ويطوفون عليهم بما يريدون.

غناء أهل الجنة

01:26:27

هل يسمع أهل الجنة الغناء؟

نعم.

ما الدليل من القرآن على سماع أهل الجنة الغناء؟

قال تعالى: يُحْبَرُونَ  [الروم: 15]، والحبور هذا هو الغناء، لذة الغناء في السماع، وهذا الذي يسمعونه في الجنة من سلام الملائكة، وغناء الحور العين، لا يسمعون كلمة نابية، لاغية، أي تأثيم، إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا [الواقعة: 26].

صفات الحور العين في الجنة

01:27:12

وصفاتهم عجيبة، يدخل أهل الجنة الجنة جرداً، الجسم ما عليه شعر، مرداً مكحلين بأصل الخلقة مكحلين، أبناء ثلاثٍ وثلاثين سنة، يدخلون على طول أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء، الجسم يتغير، وكذلك النساء، إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا  [الواقعة: 35 - 36] لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم، لا يهرمون، لا يسقمون، لا يموتون، لا ينامون، وهكذا الوعد من الله: إن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً ، كما قال لهم: إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً)).

وهكذا النوم أخو الموت ولا ينام أهل الجنة، يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس، يعطى أحدهم قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع، كما جاء في الحديث الصحيح، وليفضين في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء  [رواه الطبراني: وصححه الألباني].

خيرات حسان، حور عين، امرأة شابة حسناء جميلة، نقية اللون، صافية البياض، العين شديدة السواد في شدة البياض يحار فيها الطرف، حسان في الخلقة جمعن بين جمال الظاهر وجمال الباطن، والصفات الجميلة الحسنة، لو أن امرأة من أهل الجنة، اطلعت إلى أهل الأرض، لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحاً ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها ، لو امرأة من أهل الجنة طيبها يغطي ما بين المشرق والمغرب، وتملأه ريحاً ونوراً، كأمثال اللؤلؤ المكنون ، المصون في صدفه، في غاية الحسن والجمال والبهاء، كأنهن الياقوت والمرجان ، جمعن بين صفاء الياقوت وبياض المرجان، يرى مخ سوقها من وراء اللحم، ولو كان عليه سبعون حلة، وهكذا، كأنهن بيض مكنون ، حين ينزع من قشره، هذا للتقريب أرأيت لينه؟ أرأيت نعومته؟ أرأيت صفاءه؟ مطهرات من الأنجاس والأقذار، ولهن فيها أزواج مطهرة، لا أذى ولا بول، ولا غائط ولا حيض، ولا نفاس، ولا دم يخرج منها ولا دنس، ولا وسخ ولا رائحة كريهة، كواعب استدارة الثدي، وهكذا أتراب في السن ثلاثة وثلاثين سنة الجميع.

وكلما جاءها وجدها بكراً،  لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ  [الرحمن: 74] قال ﷺ لما سئل أنطأ في الجنة ؟ قال: نعم، والذي نفسي بيده دحماً دحماً ، أي بشدة ودفع، وهكذا جاء صفاتهن، قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ [الرحمن: 56] ما تطمح إلى غير زوجها، عرباً متحببات إلى أزواجهن، وهكذا فإن البصر ما وقع على أجمل منها.

وأما نساء الجنة من نساء الدنيا غير الحور العين فهن أجمل من نساء الدنيا لماذا؟ لأنها صلت وصامت وذكرت ودعت وجاهدت نفسها، وعملت لربها، وأخلصت وأطاعت زوجها، وحصنت فرجها، فهي أجمل من الحور العين، وأفضل من الحور العين، وهكذا إذا دخلت الجنة، فإنها تنشأ إنشاءً جديداً.

أهل الجنة في شغل فاكهون، في لذة الجماع، قال تعالى: إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ [يــس: 55].

وهكذا فإن للرجل في الجنة أقل شيء زوجتان فأكثر حتى الشهيد له سبعون والنبي ﷺ، قال:  الرجل يفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء  [رواه أبو يعلى: 2436، وقال حسين سليم: "إسناده ضعيف"]

والنساء في الجنة بالحور العين أكثر من الرجال؛ كما فهم بعض العلماء وليس فقط النساء أكثر أهل النار بل حتى في الجنة، النساء مع الحور العين أكثر من  الرجال، وقال تعالى: لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا [ق: 35] يعني المرأة التي ما تزوجت، أو مات زوجها، أو كان زوجها من أهل النار، وهي من أهل الجنة، المطلقة وتزوج زوجها بغيرها، فقال العلماء: التي ماتت قبل أن تتزوج، أو المطلقة، أو التي لم يدخل بها زوجها، أو من كان زوجها كافراً، فإن الله يزوجها بمن تقر عينها به في الجنة؛ لأن الله قال: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ  [الزخرف: 71]، وبما أن المرأة تشتهي زوجاً، إذاً لا يوجد في الجنة أعزب، لا امرأة ولا رجل، لا ذكر ولا أنثى، فهي لو ماتت بكراً اليوم، وهي من أهل الجنة، ستزوج، وقيل: إن مريم وامرأة فرعون، من زوجات نبينا ﷺ، في الجنة، فهذه ليس لها زوج، وتلك زوجها كافر.

وكذلك فإن المرأة إذا طلقها زوجها، أو مات عنها في الدنيا، تزوجت بعده، فالراجح أنها لآخر أزواجها، يعني تكون معه إذا كان من أهل الجنة، فهي لآخر أزواجها، قيل لأحسنهم خلقاً، وقيل: تخير، والراجح الأول.

سوق أهل الجنة

01:32:35

وكذلك فإن هذه العيشة الجميلة فيها لقاءات، وقد أخبر النبي ﷺ: أن في الجنة سوقاً قال يأتونها كل جمعة ، فبعض العلماء قالوا: ما في أيام لأنه ما في شمس، وإنما مدة الأسبوع إذا انقضت يلتقون في سوق، سوق الجمعة، فتهب ريح الشمال، إذًا الجنة فيها جهات فوق وفيها يمين وشمال، فيها ريح الشمال شرق غرب، فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً  [رواه مسلم: 2833].

لماذا؟ لأن ريح الشمال إذا هبت من كثبان المسك، هبت الريح عليهم فازدادوا بهاء وجمالاً، وهكذا تهب هذه الريح وتحرك.

بعض الأعمال التي تنال بها الجنة

01:33:32

لما تحركت قلوبنا ونفوسنا واشتاقت إلى الجنة، ما هي الأعمال التي تدخل الجنة؟

أيها الإخوة والأخوات: سلعة الله غالية، حفت بالمكاره، لازم نتحمل المكاره حتى ندخل، بما أنها حفت بالمكاره، ما يمكن ندخل إلا بتحمل المكاره، لازم ما تكرهه نفسك من مجاهدات، مراغمات تصبر، فيه مرارة، فيه صعوبة، لكن لا بد منها لدخول الجنة.

الإيمان، والهجرة، والجهاد، طاعة الله ورسوله.

وهكذا المحافظة على صلاة الفجر والعصر  من صلى البردين دخل الجنة  [رواه البخاري: 574، ومسلم: 635].

طاعة الوالدين من أبواب الجنة.

الحج المبرور، ليس له جزاء إلا الجنة.

عندك ثلاث بنات تأويهن، وترحمهن وتكفلهن تجب لك الجنة بذلك واثنين أيضاً.

وإذا واحد فقد ثلاثة أولاد واحتسب له الجنة، ولها الجنة.

لله تسعة وتسعون اسماً، من أحصاها دخل الجنة حفظها وعرف معناها، وعمل بمقتضاها.

تجلس في حلقة علم تسمع شريطاً، موقع انترنت فيه فوائد، وعلم، تسمع تنظر تحضر، تقرأ في كتاب، من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة [رواه مسلم: 2699].

تكفل اليتيم مع النبي ﷺ في الجنة.

إطعام الطعام وإفشاء السلام تدخل الجنة بسلام.

زيارة الإخوان، حسن خلق المرأة مع زوجها، اتباع الجنائز، وعيادة المرضى، ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة، مع إطعام المسكين، ومع اتباع الجنازة.

عثمان حفر بئر رومة، وجهز جيش العسرة، له الجنة.

بنى مسجداً له بيت في الجنة، من غدا إلى المسجد وراح أعد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح.

واحد أماط الأذى عن طريق المسلمين دخل الجنة.

متابعة المؤذن: من قال مثل هذا يقيناً دخل الجنة ، إذا قال مثل المؤذن موقناً من قلبه [رواه النسائي: 674، وهو حديث صحيح].

أربعون خصلة من أعمال البر: أعلاهن منيحة العنز، ذكر لنا منيحة العنز فقط من الأربعين، هذه التي يفعلها رجاء ثوابه وتصديق موعودها أدخله الله الجنة.

ما هي منيحة العنز؟ أن يعير شاة إلى جاره يحلبها ويشرب منها ويستفيد، ثم بعد ذلك يردها إليه.

حسن الخلق، وترك المراء والكذب، في بيت في وسط الجنة، وأدنى وأعلى الجنة.

المحافظة على السنن الرواتب.

أعظم نعيم أهل الجنة

01:36:08

أعظم نعيم في الجنة على الإطلاق -أيها الإخوة- رؤية وجه الله -تعالى-: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ  [القيامة: 22 - 23]، إذا رأوا ربهم، نسوا نعيم الجنة كله.

إن الله -تبارك وتعالى- يقول لأهل: يا أهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون: لبيك وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم، أفضل من ذلك، قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً  [رواه البخاري: 6549، ومسلم: 2829].

فإذاً، رضوان الله أعظم من نعيم الجنة، ورؤية وجه الله أعظم منه.

فإذاً، صار أعظم شيء رؤية وجه الله، ثم الرضوان، ثم بقية نعيم الجنة.

وآخر دعوى أهل الجنة، الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2]،  الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [فاطر: 34]،  دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  [يونس: 10].

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، ونجنا من عذابك يوم تبعث عبادك، وأورثنا جنة الفردوس، وأدخلناها مع الأبرار، بلا حساب ولا عذاب، يا رحيم يا غفور يا وهاب.

اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، أن تعتق رقابنا من النار، وأن تدخلنا الجنة مع الأبرار.

اللهم اجعلنا ووالدينا وذرياتنا وإخواننا المسلمين في جنات النعيم، يا أرحم الراحمين.

وصل اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.