الأربعاء 6 ربيع الآخر 1446 هـ :: 9 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

حفظ الدين


عناصر المادة
الخطبة الأولى
المقصد الأول من مقاصد الشريعة
العمل بالدين سبب في حفظه
الحكم بالدين سببه في حفظه:
الدعوة إلى الله تحفظ الدين:
بالجهاد يُحفظ الدين
الخطبة الثانية
إقامة الحدود سبب لحفظ الدين

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

المقصد الأول من مقاصد الشريعة

00:00:29

فإن المقصد الأول من مقاصد هذه الشريعة هو حفظ دين الله ، حفظ الدين الذي أنزله الله وجعله مهيمناً على سائر الأديان، ولم يرتض من عباده غيره: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُسورة آل عمران:19، وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَسورة آل عمران:85؛ ولذلك تكفل الله بحفظه، وأما بقية الأديان فلم يبق منها دين إلا وهو محرف، أو مشوه، أو مختلط بآراء البشر.

وقد جاءت هذه الشريعة -أيها الإخوة- بوسائل متعددة لحفظ الدين ينبغي أن نتمعن فيها؛ لأننا إذا عرفنا طريقة الشريعة في حفظ الدين التزمنا هذه الطريقة، وحرصنا عليها، ووجب علينا أن نسلك السبل التي جاءت بها الشريعة لحفظ الدين.

الناس بدون دين كوحوش في الغابة قويهم يأكل ضعيفهم، وظالمهم مسيطر على مظلومهم، الناس بدون دين أموات: أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَاسورة الأنعام:122، الناس بدون دين بهائم: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْسورة محمد:12،أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًاسورة الفرقان:44.

العمل بالدين سبب في حفظه

00:02:41

وطرق الشريعة لحفظ الدين العمل به أولاً، والجهاد من أجل إقامته ثانياً، والدعوة إليه ثالثاً، والحكم به رابعاً، ورد كل ما يخالفه خامساً.

لقد حفظت الشريعة الدين فجاءت بالوسائل الكفيلة لحفظه من جهتين: أولهما: المحافظة على ما يقيم أركانه، ويثبت قواعده، وثانيهما: درء الفساد الواقع أو المتوقع عليه، والمحافظة بدرء ما يحرفه أو يزيله.

فأما بالنسبة للعمل بالدين -وهو الطريقة الأولى لحفظه وإقراره في الواقع- فإنه من المعلوم أن الله ما شرعه إلا ليعمل به، لا لتحفظ ألفاظه فحسب، لا ليحفظ الكتاب رسماً فحسب، ولا لتحفظ السنة حروفاً وكلمات فحسب، وإنما شرع الله الدين لإقامته، والعمل به، ولو حفظت نصوصه، وضيعت معانيها، ولم يلتزم بها، فلا نعتبر قد قمنا بشيء هو المطلوب منا؛ ولذلك كان حفظ الدين فرضاً علينا لا في نصوصه فقط، وإنما في العمل به أيضاً، وبعض أعداء الدين يناسبهم أن يحفظ بعض الأطفال القرآن؛ ولذلك تراهم يتباهون به، لكن أن يُطبق القرآن فهذا شيء آخر.

والمسلم معني بتطبيق الدين في واقع الحياة، ومن أقام الدين في نفسه فهو معين على إقامة الإسلام في الأرض، فإذا أقامه كل واحد قام الدين، والشريعة فيها واجبات عينية، وواجبات كفائية، فالواجبات العينية لا بد على كل إنسان أن يقيمها كالصلاة مثلاً، والواجبات الكفائية لا بد أن تقوم بها الأمة بأجمعها بحيث إذا أخلت به أثم جميع أفرادها، فإذا كان الجهاد في الأصل فرض كفاية فإذا حقق سلمت الأمة من الإثم، وإذا ضيع أثم المسلمون جميعاً.

وحفظ الدين واجب على كل إنسان مكلف بإقامة أركانه وواجباته، كإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم والحج، وغير ذلك من فرائض الإسلام العينية التي يجب أن يقام بها، ولأجل تكميل ذلك شرعت الشريعة المندوبات استحباباً القيام بها، وترك المكروهات أيضاً من الدين للمحافظة على أصوله وخطوطه وقواعده.

ومن هنا ندرك -أيها الإخوة- الفرق بين المسلمين والإسلام، فأعمال المسلمين في ذاتها قد تكون صواباً، وقد تكون خطأ، قد تكون حقاً، وقد تكون باطلاً، وأما الإسلام فلا يكون إلا حقاً غير محتمل للباطل، والعمل بالدين يؤثر في حياة الناس، وعندما يحصل الاختلال في التطبيق، والتغاير بين العمل والدين، فإن ذلك العامل بالخطأ لا يقال عنه: إنه عامل بالدين، وكم شوهت هذه الأعمال من الدين، وكم منعت من الدخول فيه، وكل من يمارس عملاً خاطئاً متعمداً معلناً به فهو من الذين يصدون عن سبيل الله بشكل مباشر أو غير مباشر، حتى الذين يظلمون العمال الكفرة -مثلاً-؛ فيظن هؤلاء الكفرة أن هذا هو الإسلام، فإن كل ظالم لهم آثم وصاد عن سبيل الله، وهكذا الذين يذهبون إلى بعض الأقطار يمارسون الفواحش من المسلمين، وبعضهم يمارسونه بين المسلمين أيضاً، فهؤلاء الذين يعطون الصورة السيئة عن الإسلام بممارساتهم الآثمة الخاطئة هم من الذين يصدون عن سبيل الله، هذا من جهة العمل به.

الحكم بالدين سببه في حفظه:

00:08:33

وأما الحكم به فهو ضرورة من ضرورات حفظه؛ لأنه لا يمكن أن يكون الدين محفوظاً إلا إذا صار هو الحاكم في الأرض، والله قد قيض العلماء ليبينوا للناس الإسلام، فيكون الدين محفوظاً من جهة بيانه ومعرفته، فإنه في كثير من الحالات لا يوجد دين عند بعض الناس أو بعض المجتمعات؛ لأنه لا يوجد علماء صدق يبينون الدين، ويعلنون حلاله وحرامه، ويظهرونه ويفتون في مسائله، لماذا يضيع الدين عند بعض الناس؟ لأنه لا يوجد من أولي العلم من يقوم به ويبينه؛ ولذلك كان لا بد من الحكم بالدين، فالقاضي والعالم والمفتي الذي يحكم بالدين هو مقيم له في الأرض، ومبين له، ومعلن به، والله تعالى يريد ذلك، وعندما يُحكم بغير الإسلام فإن هذا إقصاء للدين عن الحياة، وإحلال للأهواء والآراء الشخصية محل دين الله، وأي تضييع لدين أعظم من هذا؟ وأي جناية عليه أكبر من هذا؟

فعندما يحكم الإنسان بالإسلام، ويحكم المسلمون به، فإنهم يكونون مطبقين وقائمين بالأمر؛ لأن الله قال: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَسورة المائدة:44، ولأن الله قال: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًاسورة النساء:65، فحفظ الدين في المجتمع بإظهار أحكام الإسلام وشعائره، وإقامة حدوده، إقامة الحدود أمر مهم في بقاء الدين، الحكم بالإسلام، التراجع إلى المحاكم الشرعية، إعادة القضايا إلى قضاة الشرعية أمر مهم في إقامة الدين، والذين لا يعملون ذلك فهم مضيعون للدين، يخفى الدين بين الناس وبين العوام؛ لأن القضايا لا ترد إلى الشريعة، والحكم بالدين وتطبيق أحكامه يسد الباب على أهل الكفر والضلال والانحراف عندما يحاولون نشر مذاهبهم؛ لأنهم لا يتمكنون عند إقامة حد الردة في الأرض وفي المجتمع لا يتمكنون من نشر كفرهم، لا تحت ستار البحث العلمي، ولا تحت ستار الحرية الفكرية، وكثير من الكفر المعلن اليوم في الأرض ينشر تحت ستار البحث العلمي، والرسائل الأكاديمية، أو تحت ستار الحرية الفكرية، حرية اعتناق المذاهب والأديان والأفكار.

الدعوة إلى الله تحفظ الدين:

00:12:17

والوسيلة الثالثة لحفظ الدين -يا عباد الله-، وهذا أمر كلنا مأمورون به، نحن معنيون بإقامة الدين أفراداً وجماعات، الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والمرسلين، من أجلها تحملوا المتاعب، وصبروا على الأذى، وقتلوا وقاتلوا في سبيل الله ، لا يمكن أن يتصور قيام دين وانتشاره بدون دعوة إليه، وبيان لمحاسنه، وتوضيح لأحكام وآدابه، وكشف الشبهات عنه.

كل صاحب فكرة يريد نشرها يقوم بالدعوة إليها، ويفعله أعداء الإسلام كثيراً، ويضحي بعضهم ويتفانى لأجل ذلك، فيعلنه وينشره، ويعتمد الأموال لأجل ذلك والأفراد، وتستغل سائر الوسائل لنشر الأفكار، من القلم إلى الإنترنت، وهكذا يقومون بنشر الأفكار، وهكذا تقام المعاهد، وتقام دورات الإقناع، وهاهو الجهد النصراني مثال واضح على ذلك، يدرسون مقررات: "كيف تقنع مسلماً بالنصرانية؟" يدرسون مقررات، ونادراً ما تسمع أن مسلماً درس مقرراً، أو تدرب على الدعوة إلى الله بشكل مخطط له يكافئ الواجب الملقى على عواتقنا في سبيل نشر الدين، بل كثيراً ما نجد المسلمين في غاية التراخي والإهمال والتفريط في واجب الدعوة، أفلا يكون أولى بدعاة الحق الذين يعلمون صدق ما يدعون إليه، وأنه هو الدين الوحيد الصحيح، أن يقوموا بالدعوة إلى الله خصوصاً وهم يرون أن الكفار ينشرون الدعايات المغرضة عن الدين بكل وسيلة ممكنة، ويحاولون غرس المفاهيم التي تناقض مفاهيم الدين، ويشوهونه باستخدام الوسائل المختلفة المسموعة والمقروءة والمرئية، كل ذلك تشويهاً للدين، ثم نحن نتقاعس، نحن تتقاعس عن الدعوة والرد وبيان حقيقة الدين، أليس هذا تفريطاً ما بعده تفريط؟! إن ترك الدعوة أيها الإخوة تهديد واضح لوجود الدين، ترك الدعوة طمس لمعالم الدين، ترك الدعوة هو ترك المجال للكفر للظهور، ترك الدعوة هو إفساح المجال للكفرة لتشويه الإسلام عند الآخرين، ويفعلونه، ويفعلونه، ويفعلونه، بوسائل كثيرة يشوهون الدين وأهل الدين؛ ولذلك كانت الدعوة إلى الله من أعظم الوسائل وأنفعها لحفظ الدين، والله قد قال: وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِسورة آل عمران:104، يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِأول صفة، كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِسورة آل عمران:110، وهذه من الدعوة، وقال سبحانه: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَسورة القصص:87، وقال سبحانه: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِسورة النحل:125، وقال سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَسورة يوسف:108، وقال ﷺ: بلغوا عني ولو آية[رواه البخاري (3202)]ماذا قام كل واحد منا بهذا الشأن؟ سؤال يوجهه كل إنسان إلى نفسه: هل دعوت غيرك إلى الإسلام يوماً ما؟ إن كان كافراً دعوته لاعتناق الدين الجديد، وإن كان مسلماً مفرطاً دعوته للتوبة والعودة، والتمسك بالدين الذي هو عليه.

الدعوة تشمل تعليم الدين، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والرد على المخالفين، وكشف الشبهات، وفضح المخططات؛ ليكون الدين واضحاً للناس، هذا شيء أساسي أنزله الله تعالى في صميم هذا الدين، أن هذا الدين يعلو ولا يُعلى عليه، فكيف سيعلو ولا يُعلى عليه إذا لم يقم أصحابه وأهله وأبناؤه بالدعوة إليه؟!

الدعوة الدعوة، يا عباد الله، فيها تعليم للجاهل، والذي لم يسمع بالدين من قبل، وكذلك فيها كشف للشبهات، وإظهار للحقائق الواضحات، وتفويت للفرصة على أعداء الإسلام، وتحقيق لشمول الدين وعمومه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًاسورة سبأ:28.

بالجهاد يُحفظ الدين

00:18:16

ثم شرعت هذه الشريعة رابعاً الجهاد في سبيل الله لحفظ الدين؛ لأن الدعوة تُقابل في كثير من الأحيان بالرفض والجحود والإنكار، فيقبلها من يقبلها، وتحصل المنفعة من الدعوة، فإذا رفضها من رفضها فما هو الحل إذن؟ ما هو الحل في حجر العثرة في الحواجز القوية في السدود المنيعة التي توضع في سبيل انتشار الدين؟ لا حل لذلك إطلاقاً إلا بفل الحديد بالحديد، ومواجهة القوة بالقوة؛ إرغاماً لأنوف المعاندين، وكسراً للحواجز، وأن يُخلى بين الناس وبين دين الله، وكذلك إنقاذاً للمستضعفين من المؤمنين الذي سيذوبون بغير جهاد، وقد تسلط عليهم الأعداء، فإذن الجهاد لأمرين واضحين: جهاد لنشر الدين، ولتحطيم كل الحواجز التي تعوق نشره بالقوة، والثاني جهاد للدفاع عن الدين، وعن المسلمين، وعن المستضعفين، وعن بلاد المسلمين حتى لا يتسلط عليها الكفار، والذين يقصرون الجهاد على الجهاد الدفاعي أغبياء وجهلة، فإن الله شرع لرسوله قتال الكفار، وقال: قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِسورة التوبة:123، وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةًسورة التوبة:36، فإذا قدر المسلمون لا بد من الجهاد الهجوم، وإذا لم يقدروا فالشكوى إلى الله، ليقوموا بجهاد الدفع إذن، وكثيراً ما لا يستطيعون في هذا الزمان لا جهاد الهجوم، ولا جهاد الدفع، ولكن لا بد حينئذ من الاستعداد للجهاد، وإعداد النفس لذلك بحملها على الدين، وتربيتها عليه، استعداداً للقيام بالواجب.

إن الجهاد ضروري لإنقاذ الأماكن التي يعبد الله فيها، قال الله تعالى: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍالدفع دفع بالقوة، قوة المجاهدين الذين يدفعون الأعداء، وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍالبعض الأول، والبعض الثاني، يدفع الله بعض الناس الكفرة ببعض الناس المؤمنين، لولا هذا وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌسورة الحج:40، لولا ما شرعه الله لأنبيائه وللمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك، وعطلوا ما بنى المؤمنون من بيوت الله في الأرض؛ ولذلك الكفرة إذا هاجموا بلاد المسلمين من أول ما يتسلطون عليه المساجد، فحولوها إلى حانات للخمور، أو صالات عرض سينمائية، أو إسطبلات للخيول، أو كنائس للكفر والشرك، أو هدموها، وحرقوها، وأزالوها من الوجود، فضاعت كثير من أوقاف المسلمين، وضاعت كثير من الأماكن التي يعبد الله فيها في الأرض بسبب التخاذل عن إقامة هذا الفرض العظيم.

ثم إن بالجهاد تمكيناً من إقامة الشعائر والحكم بما أنزل الله في الأرض، والمعركة بين أهل الإسلام وأهل الكفر قائمة إلى قيام الساعة: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة[رواه مسلم (225)]لن يترك أعداء الإسلام للمسلمين شأناً يقومون به في العبادة، لا بد أن يقاتلوهم، هذه قضية أذن الله بها وشاءها وقضاها، وأخبرنا عنها: وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْسورة البقرة:217.

ولم يترك الله أهل الحق والإيمان عزلاً، وإنما شرع لهم الأخذ بالأسباب الدينية الشرعية، والمادية الإيمانية القلبية، والمادية التي يستطيعون بها إرغام أنوف العدو، وقد أمر تعالى بإعداد العدة، فقال: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْسورة الأنفال:60، وهذا الإعداد أمور كثيرة: منها إعداد النفس الذي يقصِّر فيه الكثير منا: من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو[رواه مسلم (3533)]،ولم يحدث نفسه بالغزو هذا الإعداد النفسي، فمن الذي حدث نفسه بالغزو؟ يقول: أنا غير قادر على الغزو، وقد يكون محقاً في ذلك، لكنه هل حدث نفسه به؟ وهل انطوت نفسه على أنه متى ما قامت القوة والقدرة للمسلمين أنه سيجاهد في سبيل الله؟ ولم يحدث نفسههذا يموت على شعبة من النفاق، يموت على نفاق -أيها الإخوة-.

إعداد النفس، إعداد إيماني، إعداد علمي، لا بد، لقد مكث المسلمون في مكة ثلاثة عشر عاماً لا تنقصهم جرأة، ولا شجاعة، ولكن لأن الله لم يأذن بذلك، لم يأت وقته بعد، يعدون أنفسهم ليوم بدر وأحد، والخندق والحديبية، وحنين والفتح الأعظم؛ ولذلك جاءت النتائج باهرة، لما أخذوا بالقوة الكافية، واختاروا التوقيت السليم.

فالجهاد في سبيل الله يمنع من تسلط الكفار على المسلمين، ويحرر الأماكن لعبادة الله فيها، ويخرج الناس من عبادة الشيطان إلى عبادة الرحمن، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، يخرجهم حتى لا يكونوا عبَّاداً للعباد، وإنما ليصبحوا عبَّاداً لله تعالى، هذا شيء مما جاءت به الشريعة لحفظ الدين ينبغي على المسلمين فهمه والعمل به.

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من القائمين بأمرك، الناصرين لدينك، المحافظين على حدودك.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:26:17

الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا هو ولي المتقين، وأشهد أن محمداً رسول الله إمام المجاهدين، وقائد الغر المحجلين، والشفيع المشفع يوم الدين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

إقامة الحدود سبب لحفظ الدين

00:26:42

يا عباد الله: لقد شرع الله من الحدود ما يكفل حفظ الدين، وهو حد الردة الذي يُحفظ به جانب الإسلام من الهدم، يحفظ به الإسلام من الهدم، يُكبت فيه الباطل، والمتقولون بالباطل، والرافعون لرايات الكفر الذين يتفوهون به، ويتشدقون، هكذا إذن شُرع حد الردة بقول النبي ﷺ: من بدل دينه فاقتلوه[رواه البخاري (2794)]، والمقصود بالدين ولا شك هو الإسلام، وإلا فمن بدل من النصرانية إلى الإسلام لا يقتل، بل إنه يصبح أخاً في الإسلام، من بدل دينه أي: دين الإسلام، من بدل دينه فاقتلوه ، لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة[رواه البخاري (3670)، ومسلم (3175)]جماعة المسلمين الذين هم على منهاج الصحابة، على دين النبي ﷺ وأصحابه، فلو لم يقتل المرتد لكان الداخل في الدين يخرج منه بكل سهولة، وهذا الحد العظيم الذي عطله أكثر المسلمين في هذا الزمان، بل لم يكد يعد يسمع في الأرض مطلقاً، بأي سبب أيها الإخوة؟! مع كثرة المرتدين، وكثرة المتشدقين بالكفر، الذين لا يشهد على ردتهم واحد واثنان، وإنما يشهد على ردتهم المشاهدون من الألوف والمئين، ألوف المئين والألوف من المشاهدين الذين يشهدون على ردتهم، وعلى كفرهم وزندقتهم، فيعرض الكفر والإلحاد الآن في قصة تطبع وتروج، أو فيلم ينشر في القاعات ليشاهده الناس، أو في مناظرة تلفزيونية بزعمهم، يسمح للمرتد بعرض دينه الكفري، وعقيدته الباطلة، وزندقته وانحلاله، وهجومه على شريعة الله ورسوله، وطعنه في هذا الإسلام، ويشهد على ردته عشرات آلاف الناس أو أكثر، إذن حد الردة بضرب عنق المرتد بالسيف هو أمر شرعه الله لحفظ دينه.

لقد شرع الله من الحدود ما يكفل حفظ الدين، وهو حد الردة الذي يُحفظ به جانب الإسلام من الهدم، يحفظ به الإسلام من الهدم، يُكبت فيه الباطل، والمتقولون بالباطل، والرافعون لرايات الكفر الذين يتفوهون به، ويتشدقون اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل، "فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انزل، أبو موسى يقول لمعاذ، فإذا رجل عنده موثق، قال معاذ: ما هذا؟! قال: كان يهودياً فأسلم، ثم تهود، قال: اجلس، أبو موسى يقول لمعاذ: اجلس، قال: لا أجلس حتى يُقتل؛ قضاء الله ورسوله، قضاء الله ورسوله، قضاء الله ورسوله" رواه البخاري[رواه البخاري (6412)]، فضربت عنقه، هذا حكم الله ورسوله فيمن يرتد عن الدين، ويخرج منه: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَسورة البقرة:217.

كم واحد يسب الرب في المسلمين؟ وكم واحد يسب الرسول ﷺ؟ وكم واحد يسب الدين؟ وكم واحد ينتقد القرآن؟ وكم واحد يعيب الحدود الشرعية؟ وكم واحد يحل ما حرم الله من الربا وغيره؟ وكم واحد يقوم بالسحر والشرك والاتصال بالشياطين والتكهن، كم واحد؟ كل هؤلاء ما هو حدهم؟ ضربة بالسيف تقطع رقبته، هذا إجماع أمة محمد ﷺ.

منذ أن ارتد المرتدون من العرب، فقام لهم الصديق قومة لله ، وجرد الجيوش لقتال المرتدين الذين خرجوا عن الدين، وهكذا فعلوا ببني حنيفة وبمسيلمة، وبغيره من الكفار، فقتلوا من قتلوا حتى رجع إلى الدين صاغراً من كان قد خرج عنه.

وهكذا قام علي بن أبي طالب فيمن اعتقدوا فيه الإلهية فسجدوا له، فدعاهم إلى التوبة فأبوا، فخذ لهم الأخاديد، وملأها حطباً، وأضرم فيها النيران، وقذفهم فيها:

لما رأيت الأمر أمراً منكراً أججت ناري ودعوت قنبراً

وهو مولى علي .

ولم يعترض ابن عباس على هذا الحكم إطلاقاً، وإنما كان رأيه ألا يحرقوا، وإنما يقتلوا قتلاً.

وهكذا حصل ما حصل في عهد من بعدهم من المسلمين، وفي عهد التابعين، قام أميرهم على المنبر في يوم الأضحى خالد بن عبد الله القسري يقول: "أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً"، ثم نزل فذبحه في أصل المنبر، شكر الضحية كل صاحب سنة.

هكذا إذن يرتدع كل من تسول له نفسه الخروج من الدين، أو التهجم على الدين، وما أكثرهم في هذا الزمان! هذه الوسائل التي جاءت بها الشريعة لحفظ الدين، فما أحكمها، وما أعدلها، وما أقواها، وما أحزمها، وما أشدها على من بغى وطغى.

نسأل الله تعالى أن يعاملنا بلطفه، وأن ينقلنا إلى رحمته، اللهم إنا نسألك أن تخرجنا من الظلمات إلى النور، اللهم اجعلنا هادين مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، قائمين بشرعك يا رب العالمين.

اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والفساد والعناد، وانشر رحمتك على العباد.

اللهم إنا نسألك أن تحرر بلاد المسلمين من الكفرة المغتصبين، اللهم ادرأ عن إخواننا المسلمين كيد المعتدين، اللهم أنزل بأسك وسطوتك باليهود والنصارى والمرتدين.

اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين.

1 - رواه البخاري (3202)
2 - رواه مسلم (225)
3 - رواه مسلم (3533)
4 - رواه البخاري (2794)
5 - رواه البخاري (3670)، ومسلم (3175)
6 - رواه البخاري (6412)