الأحد 10 ربيع الآخر 1446 هـ :: 13 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

09- الإيمان مفهومه وشروطه


عناصر المادة
الإيمان
تعريف الإيمان شرعاً
الإيمان بالقلب
قول اللِّسان
الشَّهادتان أصل في قول اللِّسان
علاقة العمل بالإيمان
علاقة الايمان بالاسلام
متى يُطلق الايمان على الإسلام، والإسلام على الإيمان؟
الإيمان يزيد وينقص

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
الحمد لله الذي هدانا للإيمان، وما كُنَّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمَّداً رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
حديثنا في هذه الليلة عن الإيمان، هذا الموضوع المهم جداً من موضوعات العقيدة، نذكر تعريفه، وبعض ما يتعلَّق به من المباحث.

الإيمان

00:00:45

تعريف الإيمان لغةً:
أما بالنَّسبة للإيمان لغة فالإيمان: تارةً يتعدى بنفسه، فيكون معناه التَّأمين، أي: إعطاء الأمان، وأمَّنتُه ضد أخفتُه، وفي الكتاب العزيز وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [قريش: 4].
فالأمن ضد الخوف، وفي الحديث الشريف قال ﷺ: لنجوم أمنة السماء فإذا ذهب النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى الأمة ما توعد [رواه مسلم: 2531]. الحديث رواه مسلم.
وفي الكتاب العزيز: وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ[التين: 3]. أي: الآمن، وقال إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ[الدخان: 51].
أي: أمِنوا فيه من الغير وتقلُّب الأحوال، ويقال: استأمن عليه، أي: دخل في أمانه وأمنَّه وآمنه، ومن القراءات في سورة براءة: إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ[التوبة: 12].
يعني: إن أجاروا لم يفوا، وإن أمنوا غدروا، وفي الحديث: المؤذن مؤتمن [رواه ابو داود: 517، والترمذي: 207، وابن حبان: 1671، وأحمد: 8909، وصححه الألباني في الجامع الصغير: 4553].
أي: يثق الناس فيه ويتَّخذونه أميناً حافظاً، والمؤمن من أسماء الله تعالى، لأنَّه أمَّن الخلق من ظلمه، ولأنَّ الخلق أمنوا من ظلمه.
وتارةً تتعدَّى هذه الكلمة بالباء، فيكون معناها التَّصديق، كما قال وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ[يوسف: 17].
أي: وما أنت بمؤمن أي: وما أنت بمصدِّق، تقول: آمنت بكذا، أي صدَّقتُه، هذا تعريف الإيمان في اللغة، وهناك ملاحظات مهمة ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله في التَّعريف اللُّغوي للإيمان:
أولاً: أن الإيمان ليس مرادفاً للتَّصديق في المعنى، فإن كان مُخبراً عن مشاهدةٍ أو غيب يقال له في اللغة صدقت، كما يقال له كذبت، فعكس صدقت كذبت، لكن ليس كلمة مؤمن مرادفة لكلمة مصدق، فمن قال السماء فوقنا قيل له صدقت كما يقال كذبت، وأما لفظ الإيمان فلا يستعمل إلا في الخبر عن غائب، يعني: إذاً عندما نقول صدق، قد يُخبر بخبرٍ عن شيء مشاهد ومحسوس وقد يُخبر بشيء غيبي، لكن لما نقول :آمن، فلا تُستعمل هذه الكلمة في اللغة إلا في التَّصديق في الأمور الغيبية، ولا تستعمل كلمة آمن في التَّصديق بالأمور المحسوسة والمشاهدة، ولذلك قال شيخ الإسلام: "لم يوجد في الكلام أن من أخبر عن مشاهدة كقوله طلعت الشمس وغربت أن يقال: آمناه، كما يقال: صدقناه، فإنَّ الإيمان مشتق من الأمن، فإنما يُستعمل فيما يؤتمن عليه المُخبر كالأمر الغائب، ولهذا لم يوجد قطُّ في القرآن الكريم وغيره لفظ آمن له إلَّا في هذا النَّوع، وهو الإيمان بالوحي وبالغيب، والإيمان بالنبي الذي يوحى إليه وهكذا.
ثانياً: أنَّ لفظ الإيمان في اللغة لم يُقابل بالتَّكذيب، فآمنَ ليس عكسها كذبَ كلفظ التَّصديق، فتقول مثلاً: صدق أو كذب، فإنَّه من المعلوم في اللغة أن كل مُخبر يقال له: صدقت أو كذبت، ويقال له صدَّقناه أو كذَّبناه، ولا يقال لكل مُخبر: آمنَّا له أو كذَّبناه، ولا يقال أنت مؤمن له أو مُكذب له، بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر، يقال مؤمن أو كافر، والكفر لا يختصُّ بالتَّكذيب. [مجموع الفتاوى: 7/291-292]. هاتان نقطتان مهمتان في تعريف الإيمان ومفهوم الإيمان في اللغة.

 

تعريف الإيمان شرعاً

00:05:11

الإيمان شرعاً: ذهب عامة أهل السُّنَّة إلى أنَّ الإيمان الشَّرعي: هو اعتقاد وقول وعمل، قال الإمام محمد بن إسماعيل بن محمد الفضل التيمي الأصبهاني رحمه الله: "والإيمان في لسان الشرع هو التصديق بالقلب، والعمل بالأركان" [شرح النووي على صحيح مسلم: 1/146].
وقال الإمام البغوي رحمه الله وهو من أئمة أهل السُّنَّة: "اتفق الصحابة والتابعون ومن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان، وقالوا إن الإيمان قول وعمل، وعقيدة". [شرح السُّنَّة: 1/38-39].
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الأم: "وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركنا أن الإيمان قول وعمل ونية لا يُجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر". [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة5/ 886].
وروى الإمام اللالكائي رحمه الله تعالى عن البخاري أنَّه قال: "لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت واحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص". [ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/176].
لا فرق بين قول العلماء إنَّ الإيمان قول وعمل، أو قول وعمل ونية، أو قول وعمل واعتقاد؛ والسَّبب أنَّ هذا من اختلاف التَّنوع وليس من اختلاف التَّضاد، فَمَن قال مِن السَّلف: إنَّ الإيمان قول وعمل، أراد قول القلب واللسان، وعمل القلب، وعمل الجوارح، فإذا قال: الإيمان قول وعمل يقصد كل ذلك.
ومن قال: قول وعمل ونية، فالقول عنده يتناول الاعتقاد، وهو قول القلب وقول اللسان، وأما العمل قد لا يُفهم منه النِّية عمل القلب، فزاد ذلك في التَّعريف.


فخلاصة ما سبق: أنَّ الإيمان حقيقة مُركَّبة من قول وعمل، وأن القول قسمان: قول القلب: وهو الاعتقاد، وقول اللسان: وهو نطق كلمة الإسلام، والعمل قسمان: عمل القلب وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح كالصلاة وغيرها، فإذا زالت هذه الأربعة جميعاً التي هي: قول القلب، وعمل القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح، زال الإيمان كله، بمعنى أنه لو كان شخصاً ليس عنده شيءٌ من هذه يكون كافراً، إذا زال تصديق القلب لم تنفعه بقية الأجزاء، فإنَّ تصديق القلب شرطٌ في اعتقادها وكونها نافعة، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصِّدق كأن وُجِد تصديق بالقلب، وعمل القلب لكن بدون عمل الجوارح أبداً ولا قول باللسان، فهذا ميدان المعركة بيننا وبين المرجئة، فأهل السُّنَّة مجمعون على زوال الإيمان، وأنَّه لا ينفع التَّصديق مع انتفاء عمل القلب وهو محبته وانقياده، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول بل ويقرون به سراً وجهرا ويقولون ليس بكذَّاب، ولكن لا نتَّبعه ولا نؤمن به، فإذاً وهذا ما سنتحدث عنه بالتَّفصيل إن شاء الله.
فإذاً الإيمان لغة التَّصديق، وأن التَّصديق يكون بالقلب واللسان والجوارح، وهكذا الإيمان الشَّرعي: عبارة عن تصديق مخصوصٌ، وهو ما يسمى عند السلف بقول القلب، وهذا التَّصديق لا ينفعه وحده بل لابد معه من الانقياد والاستسلام، وهو ما يُسمى بعمل القلب، ويلزم من ذلك قول السان وعمل الجوارح، وهذه الأجزاء مترابطة لا غنى لبعضها عن بعض.

الإيمان بالقلب

00:09:32

مسألة: الإيمان محلُّه الأصلي في القلب، قال وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: 14]. وقال وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: 7].
وقال ﷺ: يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه [رواه أبو داود: 4882، وأحمد: 19776، والطبراني: 11468، وقال الألباني في سنن أب داود: حسن صحيح: 4882].
إلى غير ذلك من الأدلَّة الصَّريحة الواضحة التي تنص على أنَّ الإيمان في القلب، وأنَّه لا يصح الإيمان بدون إيمان القلب، فإيمان القلب شرطٌ في صحة الإيمان، وأنَّه إذا وجد سرى إلى بقية الجوارح، وإيمان القلب ليس مُجرَّد العلم والمعرفة والتَّصديق، فهذه الكلمة مهمة جداً التي عليها المعارك، لا يكفي مجرد المعرفة والعلم بالقلب أنَّ الله واحدٌ، أو أنَّ الله خالق أو أنَّ محمد رسول الله ﷺ، بل ولابُد أن يكون هناك انقياد واستسلام وخضوع وإخلاص لله مما يدخل تحت عمل القلب، فلو قال قائل: أنا أعرف ومُقِّرٌ بأنَّ الله موجودن وأنَّ الله الخالق، وأن محمداً رسول ﷺ، لكن لا ينقاد ولا يستسلم ولا إذعان.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب ولابد فيه من شيئين: تصديق القلب وإقرار القلب ومعرفة القلب ويقال لهذا قول القلب، ولابُدَّ فيه أيضاً من عمل القلب، مثل: حب الله ورسوله وإخلاص العمل لله وحده، وتوكُّل القلب على الله وحده، وغير ذلك من أعمال القلوب التي أوجبها ورسوله وجعلها جزءاً من الإيمان، ثم القلب هو الأصل فإذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة، لا يمكن أن يتخلف البدن عن ما يريده القلب ولهذا قال النبي ﷺ: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب [رواه البخاري: 52، ومسلم: 1599]. [مجموع الفتاوى: 7/186].


فيتضح لنا أنَّ العِلم والمعرفة والتَّصديق، أي: قول القلب إن لم يصحبها الانقياد والاستسلام والخضوع وهو عمل القلب والجوارح، لم يكن المرء مؤمناً بل تصديق هذا شرُّ من عدمه؛ لأنَّه ترك الانقياد مع أنَّه يعلم وعنده معرفة، فهذا كُفرٌ عن علمٍ وبيَّنَةٍ، وهذا شرٌّ من الوثني، قد يكون في الإدغال لا يعرف شيئاً، فهو يقول أنا أعرف، لكن لا أعلم ولا أنقاد ولا استسلم ولا أُذعن، والله شهد على قلوب اليهود، أو بعض اليهود أنَّهم يعرفون النَّبي ﷺ، وما أُنزل إليه كما يعرفون أبناءهم، لكنَّهم لم يُصدِّقوا بقلوبهم، ولا أحد أصدق شهادة على ما في قلوبهم من الله، فاليهود أيقنوا تمامَ اليقين أنَّ هذا محمد وأنَّه رسول الله ﷺ ولا عندهم شكٌّ إطلاقاً، قال الله تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [البقرة: 89].
قال الله تعالى: يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة: 146]. فمن جهة المعرفة فاليهودي كان في قلبه معرفةً أنَّ هذا رسول الله، إذاً هل هو مسلم أو كافر؟ كافرٌ، مع أنَّه يعرف،لكنَّه لم ينقاد، وكذلك فإنَّ من الأدلَّة التي تدُّل أنّ التَّصديق والمعرفة َلا تنفع عند الله إذا لم يكن هناك انقياد، أنَّ الله تعالى أخبر عن إبليس أنَّه معترفٌ بالله، وأنَّ الله هو الخالق قال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ[ص: 76].
فإبليس معترف أن الله هو هو الذي خلقه، وأنَّه خلقه من نار، وأن لله العزة، وأنه حلف بها، قال: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ[ص: 82].
وأثبت صفة العزة لله، فهل إبليس مؤمنٌ أو كافرٌ؟ كافر، لماذا؟ لأنَّه لم يخضع لله، ولم يستجب وينقاد ويستسلم ويسجد لآدم، فما نفعته معرفته لما زايله الخضوع، إذاً: هذه القلوب التي تعرف الله وتعرف نبيَّه لم يُكتب لها اسم الإيمان، ولا يجب أن تُعطى اسم الإيمان بمجرد علمها ومعرفتها بالحقِّ إذا ما قارن هذا العلم القلبي الخضوع لله ورسوله وطاعة الله ورسوله.


قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "ونحن نقول الإيمان هو التصديق" لأنَّ المرجئة يقولون الإيمان هو التصديق، يقول: "ونحن نقول أن الإيمان هو التصديق، ولكن ليس التَّصديق مجرد اعتقاد صدق المُخبر دون الانقياد له" لايكفي، وليس المقصود أنَّك تعتقد أنَّ الرَّسول صادقٌ فيما قال، ولا أنَّ الله صادقٌ فيما قال، دون الانقياد، ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيماناً لكان إبليس وفرعون وقوم صالح واليهود الذين عرفوا أن محمداً رسول الله ﷺ كما يعرفون أبنائهم كانوا مؤمنين صادقين"[ الصلاة وحكم تاركها: 61].
لكن كفَّرهم الله، فإذاً ماهي أساس دعوة الأنبياء؟ وما هي قضيتهم مع أقوامهم؟ فلو كانت القضية أنَّهم يريدون من الأقوام أن يعرفوا ويعلموا علماً مجرداً قول القلب أنَّ الله هو الخالق، ما كان قامت المعارك، قال الله تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ[الأنعام: 33].
وقال: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا[النمل: 14]، فالكُفَّار والمنافقون غالباً ما يُقرُّون بتوحيد الرَّبوبية، ويُقرُّون بالرِّسالة لكن كبراً وبغضاً وحبَّ الرِّئاسة والشَّهوة تصدهم عن الطَّاعة والإخلاص والمتابعة، وهذه توحيد الألوهية، ومن ثُمَّ ما نفعهم ما فعلوا، ولا ما كان في قلوبهم، ولا نجاهم من عذاب الله يوم القيامة، ولا من سيوف المؤمنين في الدُّنيا، ولذلك يجب على الدُّعاة إلى الله أن يكون لهم تركيزٌ كبيرٌ على توحيد الأُلوهية، وينطلقوا من توحيد الرَّبوبية إلى توحيد الأُلوهية، وأن يكون هذا الذي يحرصون على ترسيخه في قلوب الخلق.

قول اللِّسان

00:18:21

مسألة: قول اللِّسان، بعد أن عرفنا الإيمان في القلب وقول القلب، فما هو قول اللِّسان؟ قول اللِّسان جزء مهم من مسمى الإيمان، والمقصود بقول اللِّسان الأعمال التي تؤدَّى باللَّسان كالشَّهادتين، والذِّكر، والتِّلاوة، والصِّدق، والنَّصيحة، والدُّعاء وغير ذلك مما لا يؤدَّى إلَّا باللِّسان، هذه الأعمال منها ما هو مستحب، ومنها ما هو واجب، بل منها ما هو شرط صحة الإيمان، ولنبدأ بذكر النُّصوص التي تدلُّ على أن قول اللسان يدخل في مسمى الإيمان، قال قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ قولوا آمنَّا بالله باللِّسان، وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ۝ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ [البقرة: 136- 137].
فقال: قولوا آمنَّا، ثم قال: فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به، قال الحليمي رحمه الله: "فأمر المؤمنين أن يقولوا آمنَّا ثم أخبر بقوله تعالى: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ معنى ذلك أن القول منهم يعتبر إيماناً، وسُمي قولهم إيماناً. [المنهاج في شعب الايمان: 1/26].
وهكذا لأنَّ الله سمَّاه بذلك، إذ لا معنى لقوله: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ إلَّا فإن آمنوا، بأن قالوا مثلما قلتم فكانوا مؤمنين كما آمنتم" ومن الأدلَّة على أن قول اللسان يدخل في الإيمان قوله ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها[رواه البخاري: 25، ومسلم: 22].

فهذه العصمة التي يَعصِم بها الإنسان نفسه تكون بهذا القول، الذي يصبح صاحبه مؤمناً إذا تكلَّم به وأقرَّ، ويعصم نفسه من السَّيف بالقول، ومن الأحاديث أيضاً قوله ﷺ: الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله [رواه مسلم: 35].
فهذا الحديث أصل في دخول الأعمال والأقوال في مسمى الإيمان.

 

الشَّهادتان أصل في قول اللِّسان

00:20:38

مسألة: الشهادتان أصل في قول اللِّسان، فقول اللِّسان:كالدعا،ء والتلاوة، والنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذكر، لكن ما أصل الأعمال هذه كلها؟ الشَّهادتان، وهما شرطٌ صحة الإيمان، وقد اتَّفقَ أهل السُّنة على أن النُّطق بالشَّهادتين شرطٌ لصحة الإيمان، قال الإمام النووي رحمه الله تعليقاً على حديث:  أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، قال: "وفيه أنَّ الإيمان شرط الإقرار بالشهادتين مع اعتقادهما واعتقاد جميع ما أتى به النَّبي ﷺ"[ شرح النووي1/212].
وهذه مسألة مُتفِّقٌ عليها بين المسلمين، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأتي بالشهادتين فهو كافر"[مجموع الفتاوى: 7/302].
وقال: "وأمَّا الشَّهادتان إذا لم يتكلَّم بهما مع القدرة" مثلاً ليس بأخرس، "إذا لم يتكلَّم بهما مع القدرة فهو كافر باتِّفاق المسلمين، وهو كافر باطناً وظاهراً". [مجموع الفتاوى: 7/609].
يعني: لو قال قائل: هل نُكَفِّره ظاهراً؟ فيمكن يكون داخله مؤمناً، وإنما لا يريد أن يقول الشَّهادتين ؟ نقول: هو كافرٌ ظاهراً وباطناً، قلنا له: قل أشهد أن لا إله الله وأنَّ محمداً رسول الله؟ قال: لا، لا أقول، نقول: أنت كافر ظاهراً وباطناً، عند سلف الأمَّة وأئمتها وجماهير علماء الأمَّة، إذاً لا بُدَّ من النُّطق، فلو رفض النُّطق فليس هو بمسلمٍ، بل هو كفر.
والمقصود بالشَّهادتين كما لا يخفى ليس مُجرَّد النُّطق، بل التَّصديق من معانيها، وإخلاص العبادة لله، وكما عرفنا من شروط لا إله إلا الله التي مرَّت معنا في الدَّرس الماضي، ومما يدلُّ على أنَّ القضية ليست قضية نطق فقط، أننا إذا جمعنا الرِّوايات التي وردت في هذا الحديث من قال لا إله إلا الله دخل الجنة[رواه البخاري: 5827، ومسلم: 94].
وجدنا فيها ألفاظاً مهمة جداً مثل قوله: مخلصاً من قلبه [رواه أحمد: 22060، وابن حبان: 200، والطبراني: 16836، وصححه الالباني في الصحيحة: 2355].


ومثل قوله: صدقاً[رواه البخاري: 129]. ومثل قوله: غير شاك [رواه مسلم: 27]. ومثل قوله: مستيقنا[رواه مسلم: 31].
فهذه الألفاظ الموجودة في روايات حديث: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة تدلُّ دلالةً واضحةً على أنَّه لابُدَّ من هذه الشروط: اليقين، وعدم الشك، والإخلاص، والصِّدق، فلو قال قائل: أنا لا أُصلي ولا أركع، وأنا أقول لا إله إلا الله، نقول: إذاً أنت كذَّاب؛ لأنَّك لو كنت صادقاً ومستيقناً وغير شاك وملخصاً من قلبك كان صليت، فغير معقول أنَّك تقول لا إله إلا الله مخلصاً من قلبك ولا تصلي، ومخلصاً من قلبك، فكيف يكون هذا؟ وعندما يُعرض على السَّيف يُقال له صلِّ أو قتلناك؟ يقول: لن أُصلي، حتى لو قتلتموني، تشهد أن لا إله إلا الله؟ يقول: نعم، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمداً رسول الله، فهل ممكن يكون قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه وهو يُفضِّل أن يُقتل ولا يصلي؟ قال القرطبي رحمه الله رداً على من زعم أن التَّلفُّظ بالشَّهادتين كافٍ في الإيمان، فالذي يقول: لا إله إلا الله، نقول له: أنت أسلمت، لكن لا يكفي للبقاء على الإسلام إلا بأن تقولها مخلصاً من قلبك ويستيقن وتأتي بمقتضياتها، فإذا قالها، ثم تبيَّن لنا من بعد ما قالها أنَّه ليس عنده انقياد ولا قبول ولا شرطٌ من شروط لا إله إلا الله، نقول: هذه المقولة التي قلتها لا تنفعك، لكن كبداية ومدخل للإسلام لازم يقول، ثم نتعامل معه بعد ما يقول بحسب ما نرى منه، قال القرطبي رحمه الله رداً على من زعم أن التَّلفُّظ بالشَّهادتين كافٍ في الإيمان: "بل هو مذهب معلوم الفساد من الشَّريعة لمن وقف عليها، ولأنَّه يَلزم منه تسويغ النِّفاق" فلو قلت أن النُّطق كافٍ، إذاً فعبد الله بن أُبيِّ مسلم مؤمن، "والحكم للمنافق بالإيمان الصَّحيح باطل قطعاً". [ المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 1/123].
قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في تعليقه على حديث: من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرُم ماله ودمه وحسابه على الله [رواه مسلم: 23].
قال في التعليق: "وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك فقط، بل ولا كونه لا يدعوا إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يُضيف إلى ذلك الكفر بما يُعبد من دون الله. [القول السديد: 39].
فلو قال قائلٌ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمد رسولُ الله، وأنا أقرُّ بذلك وأعرف معناها، لكنَّني لا أكفر بالطَّاغوت ولا بالقوانين الوضعية، ولا أكفر باللات والعزى، فنقول: لا يحرم مالك ولا دمك، لازلت حلال الدم والمال، وما عصمتك الكلمة؛ لأنَّ من شروط لا إله إلا الله أن تكفر بما يُعبد من دون الله، فلو قال: أنا مسلمٌ اشتراكي، أو أي نِحلة أخرى من النِّحل الكافرة، أو قال: أنا مسلم ماسوني مثلاً، فهذا إذا ما كفر بالطَّاغوت وكفر بكل المبادئ الكافرة، ولم يعتقد كفر كلَّ المبادئ الكافرة، فكلُّ واحدٍ يقول: أن مسلم نصراني، أنا مسلم يهودي، أنا مسلم هندوسي، أنا مسلم لاديني، أنا مسلم دُرزي، فتصبح المسألة مفلوتة، فلازم يَكفُر بما يُعبد من دون الله، قال الشيخ المجدد رحمه الله: "فإن شكَّ أو توقف" قال: أنا شاكٌ: هل اليَهود و النَّصارى والشُّيوعيين كفار أو لا؟ "فإن شكَّ أو تَوقَّف" قال: أنا مُتوقِّف وأتورع عن تكفيرهم، ولا أستطيع أُكفِّر النَّصارى، ويمكن أنَّهم يدخلون الجنَّة، هذا التوقف قال: "فمن شكَّ أو تَوقَّف لم يحرم ماله ودمه، فيالها من مسألة، ما أعظمها وأجلّها، وياله من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع". [القول السديد: 39].
وقال شيخ الإسلام رحمه الله في بيان هذه القضية في شروط لا إله إلا الله: "وتواترت النصوص بأنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله، ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال". [تيسير العزيز الحميد1/66]. يعني: مستيقناً بها قلبه، مخلصاً غير شاك، وهكذا.

علاقة العمل بالإيمان

00:29:06

مسألة: صلة العمل بالإيمان، ما علاقة العمل بالإيمان؟ لقد قلنا فيما سبق أن أعمال الجوارح داخلة في الإيمان، فما هي الأدلة على ذلك؟ قال الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ[البقرة: 143].
هذه الآية نزلت في قوم صلًّوا إلى غير مكة وماتوا قبل نزول تحويل الصلاة، فقال بعض النَّاس: ضاعت صلاتهم، لأنَّهم لم يصلوا إلى مكة، فأنزل الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ[البقرة: 143].
فسمَّى الصلاة إيماناً، فتثبت أن الصلاة إيمانٌ، دليلٌ آخرٌ أيضاً: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ[الأنفال: 2].
كلُّ هذا عمل القلب، يتوكلون هذا عمل القلب، ثم قال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ۝ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال: 3-4].
إذاً الصلاة والإنفاق داخلة في الإيمان، أليست أعمالاً؟ بلى هي أعمال، فهذه إشارة إلى أنَّ جميع الأعمال المذكورة من واجبات الإيمان؛ لأنَّ قوله: إنما المؤمنون، هذه إنما معناها تدل على إثبات المذكور ونفي ما عداه، وقال ﷺ: آمركم بالإيمان بالله وحده، هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة إن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا من الغنائم الخُمس [رواه البخاري: 7556].
رواه البخاري، فهذا دليل على أنَّ الأعمال داخلة في الإيمان، وقال عليه الصلاة والسلام: لا إيمان لمن لا أمانة له [رواه النَّسائي: 13065، وأحمد: 12567، وابن حبان: 194، وصححه الألباني في الجامع الصغير: 13135].
فلولا أنَّ الأمانة داخلة في الإيمان لما قال هذه العبارة، الطهور شطر الإيمان [رواه مسلم: 223]. ((حُسن العهد من الإيمان)) [رواه الطبراني في الكبير: 18978، والبيهقي: 8701، وحسنه الألباني في الجامع الصغير: 3819].
من أعطى لله، ومنع لله، وأبغض لله، وحب لله، وأنكح لله، فقد استكمل إيمانه [رواه الترمذي: 2521، وأحمد: 15617، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 3028].
فهذه كلُّها تدلُّ على أن هذه الأعمال داخلة في الإيمان، وأنَّ الطَّاعات جميعها ومنها أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان، وأنَّ الإخلال والتَّقصير بها يضرُّ الإيمان. لو قال قائل:

علاقة الايمان بالاسلام

00:32:01

ما هي علاقة الإيمان بالإسلام والإسلام بالإيمان؟ نريد أن نعرف هذه القضية؟ من العلماء من قال: هما واحد، ومن العلماء من فرقوا بين هذين الأمرين الإسلام والإيمان، فما هي القضية؟


والمسألة فيها حوار طويل، لكن لنذكر خلاصته:
أولاً: أصل الإيمان التَّصديق، قلنا الإيمان هو التصديق فقط، وقلنا: أصل الإيمان التَّصديق، والخضوع والانقياد تابع، وأصل الإسلام الخضوع والانقياد، فلاحظ الفرق: الإيمان أصله التَّصديق، والخضوع والانقياد تابع، الإسلام أصله الخضوع والانقياد، لأنَّ الإسلام الاستسلام لله، وهذا الاستسلام هو الخضوع والانقياد، ومنه الأركان الخمسة، ولذلك نجد في أكثر النُّصوص إطلاق الإيمان على الباطن والإسلام على الظاهر، ومن ذلك حديث جبريل، يُطلق الإيمان على الباطن والإسلام على الظَّاهر، يقول: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله [رواه البخاري: 4777، ومسلم: 9].
هذه كلها قضايا داخلية باطنية، والإسلام قال: تشهد أن لا إله إلا الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة [رواه مسلم: 1]. التي هي أعمال الظاهر.
ثانياً: لم يَرد في النُّصوص الوعد بالجنَّة على الإسلام المطلق كما في الإيمان المطلق، ورد أنَّ الجنَّة مصير المؤمنين، أن من آمن يدخل الجنة، لكن لايوجد نصٌّ يقول: أن من أسلم أو بالإسلام فقط يدخل الجنَّة.
ثالثاً: لم يَرد في النُّصوص أنَّ الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله الذي هو قول القلب يدخل في مسمى الإسلام، كما ورد في دخول أعمال القلب والجوارح في الإيمان، وإن كان يلزم الإسلام جنس تصديق.
رابعاً: أنَّه لا يُعرف في النُّصوص نفي الإسلام عن من ترك شيئاً من الواجبات أو فعل الكبائر كما ورد في الإيمان، مثل النُّصوص التي تقول: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن [رواه البخاري: 2475، ومسلم: 57].
لكن لا يوجد نصٌّ يقول: لا يُسلم من زنى، أو من زنى فليس بمسلم، لكن الذي يوجد من زنى فليس بمؤمن.
فإذاً هناك اختلاف بين الإيمان والإسلام، فهما ليس أمراً واحداً تماماً، ومع ذلك فهناك استعمالات وحالات تجعلهما يتفقان، يعني: لما نستعرض النُّصوص نجد أنَّ هناك تفريق في بعض النُّصوص، وفي بعض النُّصوص نجد أنَّهما شيء واحد، يُطلق هذا على هذا، وهذا على هذا، فنحن الآن عرفنا أن هناك فروقاً، وهناك حالات يجتمع فيها الإسلام والإيمان ويُطلق هذا على هذا وهذا على هذا، متى؟

 

متى يُطلق الايمان على الإسلام، والإسلام على الإيمان؟

00:35:29

نقول: أولاً: الإيمان الكامل لابُدَّ أن يكون معه إسلام كامل، أمَّا الإسلام الكامل فلا يلزم منه الإيمان الكامل، ولكن لابُدَّ أن يكون معه أصل الإيمان.
ثانياً: يمكن أن يُقال إنَّ المسلم الممدوح هو المؤمن الممدوح، وذلك كمدح الأنبياء بالإسلام.
ثالثاً: يشتركان في الخطاب بالإيمان أمراً أو نهياً من أحكام وحدود ومواريث وغيرها؛ لأنَّ الخطاب بالإيمان يشمل كل الدَّاخلين فيه، سواء كان معهم أصل الإيمان أو كامله، فإذاً لو واحد يشرب الخمر، إنسانٌ يشهد أن لا إله إلا الله ويُصلِّي إلى آخره لكن يشرب الخمر، هل يُطلق عليه مسلم؟ نعم، هل يطلق عليه مؤمن؟ إذا قلت مؤمن كامل الإيمان لا، لا يُطلق عليه، وإذا قلت معه أصل الإيمان نقول نعم، وفي حال الافتراق يكون معناهما واحداً، وعند الاجتماع يفترقان في المعنى، وبهذا تأتي العبارة المشهورة: إذا اجتماعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا.

 

الإيمان يزيد وينقص

00:37:47

مسألة مهمة جداً وهي: الإيمان يزيد وينقص، أجمع أهل السُّنَّة والجماعة على أنَّ الإيمان يتفاضل، وجمهورهم على أنَّه يزيد وينقص، فما هي الأدلة؟ أمَّا أدلَّة الزِّيادة والنُّقصان فقد قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا[الفتح: 4].
وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال: 2]. وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر: 31]. فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173].
وأما بالنسبة للأحاديث فكثيرة ومنها يعني الإيمان يتفاوت ودرجات ومراتب، قوله ﷺ: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير[رواه البخاري: 44، ومسلم: 193]. في رواية للبخاري ((من إيمان))[رواه البخاري: 22].
بدل من خير، إذاً عرفنا أنَّه هو هو، المقصود ذرة من إيمان وبُرَّة من إيمان وشعيرة من إيمان، البخاري عنون عليه زيادة الإيمان ونقصانه، وقوله:وذلك أضعف الإيمان [رواه مسلم: 49].
يدلُّ على أنَّه فيما هو أزيد منه وأقوى وأعلى، وقوله: أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً [رواه أبو داود: 4684، والترمذي:  1162].
يدلُّ كذلك على الزِّيادة، أن هناك أكمل وهناك أنقص، وبناء على ما سبق، وبالنص عن بعض الصحابة، مثل: عبد الله بن مسعود قال: "اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقها" [فتح الباري: 1/48]. أبو الدرداء قال: "الإيمان يزداد وينقص". [شعب الإيمان: 53].
أبو هريرة قال: "الإيمان يزيد وينقص"[شعب الإيمان: 54] إذاً هذه النُّصوص عن الصحابة تُبين ذلك، وبناء على هذا فإن جمهور السَّلف من التَّابعين، وتابعيهم، والأئمة، ومن بعدهم،  والمصنفون في عقائد أهل السُّنَّة الكثيرة،  قد بيَّنوا ذلك،  ولم يُعرف مخالفٌ من الصَّحابة لقضية.............