الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
قوة القهار في الأمم السابقة
فربك القوي العزيز، وهو على كل شيء قدير، وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِسورة الأنعام:91، والله يبطش وهو الجبار، ويقهر وهو القوي، وهو يفعل ما يشاء، إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، وهذه الحقيقة التي غابت عن بعض البشر اليوم فتجبروا بقوتهم، وطغوا بأسلحتهم، وتباهوا بما لديهم من هذا المتاع الأرضي، وينبغي علينا معشر المؤمنين في وقت تجميع الكفار لحشودهم، وتباهيهم بأسلحتهم عندما يقولون: موجهة بالأشعة، وفيها أشعة، وتنفرش كالسجادة، وتنفجر كالعنقود، وتتوزع انشطاراً، تفني وتبيد، وتقتل وتدمر، ينبغي أن نتذكر هذه الحقيقة: أن الله قوي عزيز، وأنه على كل شيء قدير.
إن توالي الأخبار بقوة الكفار يجب ألا ينسينا قوة الواحد القهار ، الذي أهلك الأقوام المكذبة، وقد عرفنا ما فعل بقوم نوح وعاد، وكذلك فإن ثمود لما تمردوا، وقال لهم نبيهم صالح لما كفروا وأشركوا، وقالوا: هات الآية، قال: وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ سورة هود:64-65.
لما نجا الله المؤمنين، وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَاسورة هود:67-68، قال ابن كثير: فلما أمسوا في اليوم الأول نادوا بأجمعهم: ألا قد مضى يوم من الأجل، ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل، فلما أمسوا نادوا: ألا قد مضى يوما من الأجل، ثم أصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع، فلما أمسوا نادوا: ألا قد مضى الأجل، فلما كان صبيحة اليوم الرابع تأهبوا، وقعدوا ينظرون ماذا يحل بهم، لا يدرون ماذا سيأتيهم؟ ومن أي جهة؟ فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح، وزهقت النفوس، وسكنت الحركات، وخشعت الأصوات، وحقت الحقائق، فأصبحوا في دارهم جاثمين، جثثاً لا أرواح فيها ولا حراك بها.
فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْغضب عليهم، فدمرها عليهم، فَسَوَّاهَاسورة الشمس:14، قال قتادة: بلغنا أن أحيمر ثمود -هذا قدار بن سالف، أشقى القوم، عاقر الناقة- لم يعقر الناقة حتى بايعه صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، فلما اشترك القوم في عقرها دمدم الله عليهم بذنوبهم فسواها، ولذلك قال الله: فَعَقَرُواْ النَّاقَةَسورة الأعراف:77 أيدوه، وآزروه مع أن الذي نحرها واحد.
وهكذا يفعل الكفار اليوم بمجالس شيوخهم، يستطلعون آراء شعوبهم، ثم تأتي النتائج بتأييد الأغلبية، فسبحان الله القادر على أخذهم جميعاً، والتنكيل بهم ، وإذا أراد الله إهلاك قوم عن بكرة أبيهم لا ينجو منهم أحد حتى من لم يكن حاضراً في تلك الوقعة، عن جابر قال: "لما مر رسول الله ﷺ بالحجر -مدائن ثمود- تقنع، وأمر الصحابة أن يسرعوا، ونهاهم أن يدخلوا ديار المعذبين"؛ لأنه موضع نزل فيه عذاب الله، فليس مكاناً للتمشية؛ ولذلك أمرهم أن يسرعوا، "وأمر بإلقاء العجين الذي عجن بماء بئر الناقة للدواب"؛ لأنه لا يجوز أن يأكل منه الناس.
قال ﷺ لأصحابه: لا تسألوا الآيات، وقد سألها قوم صالح، فكانت أي الناقة ترد من هذا الفج، وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، فكانت تشرب ماءهم يوماً، ويشربون لبنها يوماً، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلاً واحداً كان في حرم الله ، قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه قال ابن كثير: "إسناده صحيح على شرط مسلم"، وحسن الحافظ ابن حجر إسناده[رواه أحمد (13746)].
وهكذا -أيها الإخوة- أهلك ثمود بالطاغية، الصيحة التي أسكتتهم، وهذه الزلزلة: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِسورة القمر:31 صاروا كالشجر اليابس الذي يجمعه من يريد اتخاذ حظيرة لبهائمه، وأصحاب الحجر الذين كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين، هكذا أخذتهم الصيحة في الصباح، إن أمر الله إذا جاء لا يرده كثرة جنود، ولا قوة أنصار، ولا غزارة أموال.
وأما قوم شعيب فقد قال الله فيهم بعد أن نجى نبيهم والذين آمنوا معه: وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَسورة هود:94 هامدين لا حراك بهم، وقال في سورة الأعراف عن قوم شعيب: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُسورة الأعراف:91، وقال في سورة الشعراء: فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍسورة الشعراء:189.
جمع الله عليهم أنواعاً من العقوبات لما جمعوا أنواعاً من المنكرات والكبائر، فإن الله سلط عليهم أشكالاً من البليات، رجفة شديدة -وهي الزلزلة- أسكتت الحركات، وصيحة عظيمة أخمدت الأصوات، وظلة أرسلها الله عليهم أرسل منها شرراً من النار من سائر جهاتها وأرجائها؛ فاحترقوا.
وقوم لوط، وما أدراك ما قوم لوط؟ لما اكتفى رجالهم برجالهم، ونساؤهم بنسائهم، وعمت المنكرات مجالسهم، وكفروا بالله، فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَمعلمة وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ سورة هود:82-83، يمكن أن تأتي مرة أخرى لقوم يفعلون مثل فعلهم، ماذا فعل الله بقوم لوط؟ قلب قريتهم، اقتلعها جبريل بطرف جناحه، القرية كلها اقتلعت من مكانها، ورفعت إلى السماء حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم، ثم هوى بها على الأرض، وأثناء سقوطهم كانت السماء تمطرهم بحجارة صلبة قوية يتبع بعضها بعضاً، معلمة بأسمائهم، ومخصصة لهم، ومقدرة عليهم، وهكذا هلك قوم لوط، ومحيت مدنهم من الوجود، طمسنا أعينهم أولاً، قلبنا عاليها سافلها ثانياً، أرسلنا عليهم صيحة وحجارة من سجيل منضود، أربع عقوبات على هؤلاء مثليي الجنس، على هؤلاء الشواذ، على هؤلاء الذين نكسوا الفطرة.
وقوم فرعون الذي ادعى الألوهية والربوبية، وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي سورة القصص:38، ثم قال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىسورة النازعات:24، فأخذه نكالاً فأغرقه بالماء، ألم يكن فرعون يتباهى بالمياه، ويقول: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِيسورة الزخرف:51، خذ، خذ هذه المياه التي تباهيت بها، وصار غريقاً في تلك اللجة، غشيهم من اليم ما غشيهم، وصاروا غرقى، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍسورة الفجر:13، أطبق عليهم البحر، كان الحسن رحمه الله إذا أتى على هذه الآية: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍسورة الفجر:13 قال: إن عند الله أسواطاً كثيرة، فأخذهم بسوط منها.
وهكذا يمضي مسلسل انتقام الله من الطغاة على المستوى الفردي والجماعي، وينتقم الله من قارون لما يتجبر بأمواله العظيمة، وكنوزه الوافرة التي امتلأت بها خزائنه، وناءت بمفاتحها الرجال أولوا القوة والعزم، استخدم أمواله في البغي والظلم والعدوان، وتكبر بها، واختال وبطر، سكر بنشوة المال والغنى؛ فأعماه ذلك عن الحق، وقال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِيسورة القصص:78، فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ، شُقَت، ابتلعته بما يملك، فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَسورة القصص:81، أعرابي أعقل من قارون كان عنده غنم فسئل: لمن الغنم؟ قال: لله في يدي، أمانة عندي، أما الملك لله.
وهكذا أصحاب القرية لما كذبوا ثلاثة من الرسل، وقتلوا ولي الله لما ناصر الرسل، انتقم الله لوليه: إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَسورة يس:25-26، ما تأخر إهلاك قومه من بعده، قال : وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءسورة يس:28 لا يحتاج الأمر إلى ذلك، لا يحتاج إلى إنزال ملائكة وجنود، الأمر عند الله أيسر من ذلك، وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِسورة يس:28-30.
وأهل الفيل لما جاءوا بالأفيال، لما جاءوا بالفيل من الحبشة، أولئك النصارى الذين أرادوا تخريب البيت العتيق، ماذا فعل الله بهم؟ قال تعالى: وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ سورة الفيل:3 جماعات، تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ سورة الفيل:4، فلا يغتر أصحاب أسراب الطائرات التي تحملها البوارج والحاملات، وفيها هذه القنابل الموجهة بالأشعة والكميرات، فإن الله أقوى منهم، وهو فوقهم، وهكذا أرسل عليهم طيراً أبابيل، على هؤلاء أصحاب الفيل، تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍسورة الفيل:4-5، تبن، مثل الثمرة المأكولة، مثل الزرع اليابس الحطيم.
لما جاءوا الصفاح -كما قال ابن عباس- موضع خارج مكة من طريق اليمن، أتاهم عبد المطلب قال: إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحداً، قالوا: لا نرجع حتى نهدمه، فكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تأخر، فدعا الله الطير الأبابيل فأعطاها حجارة سوداء، فلما حاذتهم رمتهم، فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة، فكان لا يحك أحد منهم جلده إلا تساقط لحمه.
قال ابن كثير: وأرسل عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر في منقاره، وحجران في رجليه، لا تصيب منهم أحداً إلا هلك، فخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي جاءوا منها، قال ابن إسحاق: فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون بكل مهلك، وأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة، فما وصل إلى اليمن إلا وقد انصدع صدره، فمات لعنه الله.
وأهل الجنة لما اتفقوا على منع حق الله، وحرمان المساكين، وتعاقدوا وتواصوا على ذلك: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَسورة القلم:17-18 ماذا حصل لها؟ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَسورة القلم:19 طائف، طاف عليها طائف، أصابتها آفة سماوية، احترقت، صارت سوداء مظلمة، لما خرجوا إليها ما عرفوها، وظنوا أنهم في خطأ ليس هذا بستانهم، وليست هذه جنتهم.
وهكذا أهلك الله جنتي المتكبر، هذا الرجل الذي جعل الله له جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا سورة الكهف:32،وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًاسورة الكهف:33، كان له ثمر، وكان له نفر، فاغتر، وقال: أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًاسورة الكهف:34، واغتر وتكبر على الفقير، ماذا فعل الله به؟ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ سورة الكهف:42 أصابه عذاب أحاط به، أتلف زروعه وأشجاره وثماره، خراب، حولها إلى يباب.
جيوش لم تأت بعد يهلكها الله بقوته
نحن نقول اليوم للكفار كما قال الله لقريش: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ سورة القمر:43، والله قد أهلك قبلكم -يا أيها الغرب المتغطرس- أقواماً، وسيهلك بعدكم أقواماً، فلستم تعجزونه في شيء، سيهلك بعدكم يأجوج ومأجوج الذين يأتون من كل حدب ينسلون، فيغطون الأرض، ويشربون الماء، ويتلفون الزرع، ويخربون الحرث والنسل، ويُحاصر عيسى والمؤمنون في جبل الطور، ويرغبون إلى الله بالدعاء لتخليصهم من هذا العدو الذي لا طاقة لهم به، فيرسل الله عليهم -على يأجوج ومأجوج- ملايين الملايين هؤلاء، يرسل عليهم النغف في رقابهم -دود يكون في أنوف الغنم عادة-، يرسل الله عليهم النغف في رقابهم؛ فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، كلهم يموتون بدود، دود يرسله الله على رقابهم، وعندما يجد عيسى ومن معه أن الأرض قد امتلأت من زهمهم، ورائحتهم الكريهة، ونتنهم يرغبون إلى الله مرة أخرى بالدعاء، ويتضرعون إليه، فيرسل الله طيراً، أين كانت؟ الله أعلم، كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطراً لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يدركها كالزلفة، وهكذا تكون نظيفة بعد أن كانت منتنة بجثث هؤلاء، فأرسل الله ما أهلكهم، وأرسل من حملهم، وأرسل ما غسل آثارهم، والحديث السابق في صحيح مسلم [رواه مسلم (2937)].
الله قد أهلك قبلكم -يا أيها الغرب المتغطرس- أقواماً، وسيهلك بعدكم أقواماً، فلستم تعجزونه في شيء، سيهلك بعدكم يأجوج ومأجوج الذين يأتون من كل حدب ينسلون، فيغطون الأرض، ويشربون الماء، ويتلفون الزرع، ويخربون الحرث والنسل
يا أيها الغرب المتغطرس: إن الله سيهلك من بعدكم الجيش الذي سيغزو الكعبة، فيقول النبي ﷺ: يعوذ عائذ بالبيت، فيبعث إليه بعثأي لمحاربته فإذا كانوا أي هذا الجيش ببيداء من الأرض خُسف بهم، فقلت: يا رسول الله -أم سلمة تقول-: فكيف بمن كان كارهاً؟ قال: يُخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته رواه مسلم [رواه مسلم (2882)]، وفي رواية: أن النبي ﷺقال: العجب إن ناساً من أمتي يؤمون بالبيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خُسف بهم[رواه مسلم (2884)]، فهذا خسف بجيش بأكمله، أليس ربك على كل شيء قدير، ، عنده جنود لا يعلمها إلا هو، لماذا تغيب هذه الحقائق عن الأذهان، ويبقى الناس فرسى، يبقى الناس تحت تأثير سطوة هذه القوة، والله هو القوي، وهو على كل شيء قدير .
اللهم إنا نسألك أن تأخذ المتجبرين أخذ عزيز مقتدر، اللهم اجعلهم نكالاً لمن بين أيديهم ومن خلفهم، اللهم إنا نسألك أن تبطش بهم، اللهم أنزل بهم أشد العذاب، أنت على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، القوي العزيز، مالك الملك ، أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
لله جنود السماوات والأرض
عباد الله: إن ربنا له من الآيات والجنود ما يُذل به الجبابرة، وربما أذل جباراً بناموسة أو ذبابة ، وإننا نرى من حولنا آيات الله التي تضرب بالكفار، وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْسورة الرعد:31 أليس الله قد أرسل الله على بعض بلدانهم حرائق أحرقت في ولاية من الولايات ما يزيد على أربعمائة وسبعين ألف هكتار؟ أليس قد اجتاحت غاباتهم هذه النار؟! ألم يرسل الله الفيضانات على بلدان من أوروبا تغرق وتدمر اقتصادهم، وتقلع سكك حديدهم، وخطوط تلفوناتهم؟! أليس قد جعل الله الأرض تنهار بقرى سياحية، وتدفن معالم تحت الطمي والطين؟! أليس قد جاءتهم خسائر عظيمة وتشريد للسكان؟! أليس قد وقعت انهيارات أرضية، قد وقعت انهيارات أرضية أصابتهم، وزلازل دمرت جسورهم، وبعض حضارتهم، وقتلت الآلاف من سكانهم؟! أليس قد أرسل الله على بهائمهم أنواعاً من الأمراض، فانتشر جنون البقر، وبلغت الخسائر مليارات الدولارات؟! أليس قد تسببت الحمى القُلاعية التي أصابت المواشي في تعريض اقتصاد بعض بلدان أوروبا بخسائر رهيبة؟ أليس ضربهم الله بالإيدز الذي أصاب أكثر من أربعين مليوناً من البشر، وقتل أكثر من اثنين وعشرين مليون شخص؟! والأعداد مرشحة للتصاعد المخيف، أين مختبراتهم؟! أين أطباؤهم؟! أين أدويتهم؟! أين التكنولوجيا؟! أين التقدم العلمي؟! أين المخترعون؟! أين الأطباء المهرة؟! حائرون، عاجزون، واقفون يتفرجون على هذا المرض الذي يكتسح الأرض.
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِسورة الفتح:4، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ سورة المدثر:31، أليست بعض الأسلحة التي تباهوا بها قد عطل غبار الصحراء بعض دبابات اتشلنجر؟! أليسوا قد قالوا: إن الحر قد أذاب بعض أحذية جنودهم في هذه المناورات التي يجرونها، وقالوا: إن بعض أجهزة الاتصال تعطلت؟! أليسوا قد اعترفوا بأن بعض الطائرات لم تستطع إصابة الأهداف، وأن القنابل قد سقطت بعيدة عن أهدافها، وأنه قد حصل عطل فني؟! أليست بعض أنواع السحب التي جاءتهم منعتهم من القصف؛ لأن أجهزتهم لم تستطع اختراق هذه السحب لتعرف أين الأهداف؟!
أيها الإخوة: لما أرسلوا مكوك فضاء اسمه "المتحدي تشالنجر"، "المتحدي"! في عام ألف وتسعمائة وستة وثمانين في أول السنة ميلادية اثنين واحد ماذا فعل الله بهم؟ أليس قد جعله منظراً كمناظر الألعاب النارية انفجر في السماء، وقتل أفراد طاقمه السبعة؟! ومن قبل لما تواقحوا، وتجبروا بسفينة "التايتنك" المشهورة ماذا فعل الله بها بقطعة من جليد طافية فوق سطح الماء؟!
ما قدروا الله حق قدره
أيها الإخوة: البشر يتعجرفون ويتجبرون ويتكبرون؛ لأنهم لا يقدِّرون الله حق قدره: وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِسورة الأنعام:91، هذه مصيبتهم، إنهم ينظرون إلى القنابل الهيدروجينية والعنقودية، والإشعاعية والإرتجاجية، وهكذا قل ما شئت.
النبي ﷺ لما تجبرت عليه قريش أرسل الله له ملكاً واحداً -ملك الجبال- قال له جبريل: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمد، فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي ﷺ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً[رواه البخاري (3231)، ومسلم (1795)].
عباد الله: البيت المعمور يدخل إليه كل يوم سبعون ألف ملك، في اليوم التالي يدخل سبعون ألف ملك غير الذين دخلوا في اليوم السابق، وهكذا كل يوم سبعون ألف ملك جدد، كم ملك إذن؟! إذا كانت جهنم لها سبعون ألف زمام على كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، ثم هذه الدنيا كلها بما عليها من الولايات والدول، والأساطيل والأسلحة، والعتاد العسكري، والزينة والزخرف، والتقدم وأنواع القوة كلها فانية: إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ سورة الانشقاق:1-4، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍسورة الرحمن:26.
عباد الله: هؤلاء القوم والله الذي يتأمل في حالهم يتعجب كيف يصل بهم العلم الدنيوي إلى هذا الغرور، وقد أتاكم نبأ الفرنسية الحقيرة الوضيعة السافلة الكافرة التي قالت لما خرجت بتجربة استنساخ أول طفلة: لقد خلقت الحياة، قالت: لقد خلقت الحياة، أي حياة خلقت؟ قاموا بهذا الاستنساخ، وصارت طائفة عملت لنفسها دعاية إعلامية، هذه الطائفة الضالة الرائليون الذين يزعم زعيمهم رائيل أن أتباعه ستون ألف شخص في أنحاء العالم، وأنهم ينتظرون عودة كائن فضائي يطلقون عليه "ألوهاي" من الفضاء عام ألفين وخمسة وعشرين لتخليص أتباعه على الأرض، وأن البشرية بدأت بعملية استنساخ لكائنات فضائية منذ خمسة وعشرين ألف سنة، ويزعم انظر الكذب، وكيف يصدقه هؤلاء المتقدمون تكنلوجياً، سافر في رحلة فضائية عام ألف وتسعمائة وخمسة وسبعين مع مخلوقات فضائية، وتناول الغذاء مع السيد المسيح وبوذا وكنفوشيوس، هؤلاء المتوزعون طائفتهم في أربعة وثمانين بلداً، هؤلاء الذين يخصصون له قسماً من عائداتهم، واحدة منهم هذه الطبيبة الفرنسية، يعتقدون أن الاستنساخ سيسمح للبشرية بالوصول يوماً إلى الخلود عبر السماح بتجديد الوعاء الجسدي بانتظام.
بريجيت الكيمائية الفرنسية التي زعمت أنها خلقت الحياة، هؤلاء الذين يتلاعبون بخلق الله، هؤلاء الذين يعتقدون هذه الاعتقادات انظروا كيف اختلط العلم بالخرافة لنعلم -أيها الإخوة- أن العلم الدنيوي ليس بالضرورة أن يوصل إلى توحيد الله، هذه المرأة من هذه الطائفة بهذه الأفكار الخرافية، هؤلاء بعضهم من أصحاب الشهادات العالية، والتقدم العلمي، أي حياة خلقوا؟ ما هي العدة لهذه التجارب؟ حامض الدي إن إي الذي تكونه هذه السلاسل من الصبغيات الكروموزومات، أخذوا خلية فيها حامض نووي دي إن إي، صبغيات كروموزومات، أدخلوها على تلك البويضة، فقولوا لنا يا معشر الغرب الكافر: حمض الدي إن إي الذي استعملتموه أأنتم خلقتموه وأوجدتموه من العدم؟! كلا، البويضة خلقتموها من العدم؟! كلا، الصبغيات والكروموزومات خلقتموها من العدم؟! كلا، الخلية التي أخذتموها خلقتموها من العدم؟! كلا، ما قدروا الله حق قدره، هؤلاء لن يخلقوا ذباباً، ولو اجتمعوا له، ما خلقوا شيئاً من العدم، أخذوا الخلايات مزجوا فيما بينها، وأدخلوا الصبغيات على الصبغيات، وخرجت الخلية المماثلة بزعمهم، وزرعت في رحم الأم، خلقتم رحم الأم؟! كلا، تلاعب بخلق الله، مسألة تلاعب: وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِسورة النساء:119، إنما هم من جند إبليس، ينفذون أوامر إبليس، وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِسورة النساء:119، فعملية مزج وتركيب، وإعادة تداخل بين أشياء خلقها الله أصلاً، ما خلقوا شيئاً من العدم، ذبابة من العدم لا يستطيعون خلقها، خلية واحدة من العدم لا يستطيعون خلقها، ولا خلية واحدة من العدم لا ينشئونها، ثم يقولون: خلقنا الحياة.
أيها الإخوة: هذه البشرية التائهة التي لا تعرف الله، وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِسورة الأنعام:91، وظنوا أنهم قد وصلوا إلى سر الوجود بمختبراتهم، وأن هذا سيجعلهم يخلدون في المستقبل، كذبوا والله.
أيها الإخوة: إن فيما نرى عبراً.
نسأل الله أن يجعلنا من المتمسكين بالحق، اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم اجعلنا مستبصرين، وبديننا مستمسكين، اللهم اجعلنا من جنودك والمجاهدين في سبيلك يا رب العالمين.
أقم علم الجهاد، واقمع أهل الكفر والعناد، اللهم أنزل بطشك باليهود والصليبين المتجبرين، واجعل عليهم رجزك وعذابك يا رب العالمين.
اللهم من أراد بلاد المسلمين بسوء فامكر به، واجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، اللهم انصر المسلمين، اللهم عجل فرج هذه الأمة يا رب العالمين.
اللهم وسع علينا أرزاقنا، وآمنا في بلداننا، واغفر ذنوبنا، وارحم أمواتنا، اشف مرضانا، اللهم اقض ديوننا، ثبت على الإيمان حتى نلقاك.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.