الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مرحبا بكم -أيها الإخوة والأخوات-، ونسأل الله أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مباركاً مرحوماً، وأن نكون من عتقائه من النار، وأن نقوم من المغفور لهم.
المؤمن له صفات
المؤمن له صفات، وهذه الصفات تحت الطلب؛ لأن الحاجة إليها ماسة.
الإيمان؛ أقوال وأفعال، صفات أخلاق وآداب، وأمور تستقر في القلب عقيدة، وكذلك علاقات مع الله، وعلاقات مع الخلق، المؤمن يتفاعل مع من حوله، المؤمن قلبه حي.
وهناك ادعاءات في الموضوع هذا: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا [الحجرات: 14] "لما" طبعاً شيء يتوقع، ولكن لم يحصل بعد وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ .
المؤمن حقيقة هو الذي تجتمع فيه الصفات الدالة على قوة يقينه، وصحة عقيدته، وسلامة منهجه، ومعاملته مع الله، ومع خلقه.
المؤمن طاهر حياً وميتاً
المؤمن طاهر حياً وميتاً، المؤمن لا ينجس المؤمن، طيب في دينه.
وكذلك فإنه يخالف المشرك مخالفة تامة؛ لأن المشرك نجس، قال الله -تعالى-: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة: 28] هل هي النجاسة الحسية؟ يعني من مس مشركاً لا بد أن يغسل يده، إذا كان واحد متوضئاً ومس مشركاً هل ينتقض وضوئه؟ هل يعيد الوضوء؟
الجواب: لا، لكن المشرك نجس نجاسة معنوية، نجس نجاسة الشرك، نجاسة الكفر.
وكذلك هناك نجاسات الشرع سماها: قاذورات؛ مثل الفواحش، قاذورات.
المؤمن راضٍ بشرع الله جملة وتفصيلا
المؤمن راضٍ بشرع الله جملة وتفصيلاً، يعني عنده الرضا هذا شيء أساسي، لما يقول: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبياً هذه لها طعم، ولذلك عبر عنها وقال: ذاق طعم الإيمان في الحديث الصحيح من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً [رواه مسلم: 34].
إذاً، هذا مذاق، هذا شيء له حلاوة.
وكذلك فإنها تتضمن الرضا بربوبيته وبإلهيته، وأنه يعبد وحده لا شريك له.
وكذلك الرضا بمحمد نبياً، جاء عن الله -تعالى- بالوحي، ولذلك الذي لا تعجبه السنة، ولا تعجبه الأحاديث، لا يمكن أن يقال عنه أنه رضي بمحمد نبياً.
الذي يعترض على الوحي لا يمكن أنه رضي بالله رباً؛ لأنه إذا رضي بالله رباً لا يعترض، ويقول: هذا الحكم لا يعجبني، وليت الحكم ما كان كذا.
فإن هذا مخالف لأصل الإيمان: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65].
الآن نحن في زمن تقديم الرأي على الوحي، زمن الاعتراضات على الوحي، زمن التلكؤ عن تنفيذ أوامر الوحي.
أين الاستسلام؟ أين الرضا؟ أين التحكيم؟ أين العمل؟
هذه قضية الآن أساسية جداً، المؤمن إذا جاءه الأمر سلم واستسلم، إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور: 51]، ولذلك بعض العلماء يقول: إذا جاء الأمر من الله ومن رسوله ﷺ لا تسأل هذا للوجوب أو للاستحباب؟ افعل، نفذ، إذا ورد نهي ما تسأل هل هذا للتحريم وإلا للكراهة؟ انته مباشرة، انته، هو خير انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ [النساء: 171].
المؤمن مستسلم لأمر الله
وكذلك فإن الإنسان المؤمن عنده تسليم مباشر، يعني تغيرت القبلة من بيت المقدس شمالاً إلى مكة جنوباً، والمسلمون في المدينة تحولوا مباشرة.
خلع نعليه في الصلاة خلعوا نعالهم في الصلاة.
قال: اجلسوا، وهو على المنبر في خطبة الجمعة، ابن مسعود جلس عند الباب.
نزل في نساء المؤمنات يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ [الأحزاب: 59]، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور: 31] على طول مجرد الرجال رجعوا تلوا عليهم أخذن المروط وشققن واعتجرن بها، واختمرن بها جعلنها خمراً.
النبي ﷺ ألقى خاتمه قال: يعمد أحدكم إلى جمرة من النار فيضعها في يده ألقاها خذ الخاتم انتفع به؟ أعطه زوجتك؟ أعطه نساء؟ بعه؟ قال: لا، خلاص، لا آخذ شيئا ألقاه النبي ﷺ [رواه مسلم: 2090].
معقل بن يسار يزوج واحداً، يطلق أخته يغضب عليه، لما انتهت العدة جاء يريدها، يقول له: لا، كيف بعدما زوجتك وأكرمتك ترمي أختي؟ ما في، فتنزل الآية، إذا انقضى الأجل يعني انتهت العدة: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [البقرة: 230] خلاص الآن يمكن إذا رجع إليها يرجع بعقد جديد فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة: 232] خلاص معقل بن يسار استسلم ورجعها، وتعال أزوجك وأكرمك.
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ [النور: 22] نزلت في الصديق لما منع النفقة عن مسطح كان من فقراء المهاجرين؛ لأنه تكلم في عرض ابنته عائشة لما نزلت الآية أرجع النفقة [رواه البخاري: 4141، ومسلم: 2770].
عالم تطيع، حرمت النفقة، اسكبوها، كسروا الآنية.
الالتزام هذا ما هو التزام فردي، كعب بن مالك وصاحباه امنعوا الكلام، مقاطعة، نهى عن كلامنا، ما في أحد يكلم لا ابن عمه ولا البعيد، خلاص حتى قالوا: ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، قالوا: حتى تنكرت لنا الأرض، فما هي التي نعرف، تنكرت لنا الحيطان يعني البساتين في المدينة، فما هي بالتي نعرف.
كعب بن مالك بينه وبين أبي حدرد خصومة، ويقول: هات الفلوس، وهذاك يمتنع، ارتفعت الأصوات أطل النبي ﷺ عرف القصة أشار إلى كعب، أطع النص، قال: سمعاً وطاعة يا رسول الله، ابن أبي حدرد: قم فأوفه، المسألة ما فيها قولان.
المسلم أخو المسلم
نحن مشكلتنا الآن كثرت المجادلات والمماطلات والمماحكات، التسليم قليل الإيمان، الصفات المطلوبة لازم يكون فيه تعاضد، تناصر: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة: 71]، لازم يكون بيننا أمر بمعروف ونهي عن منكر، تناصح، هذا يقتضي أن المؤمن محب للمؤمنين، يحس بآلامهم، مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد [رواه البخاري: 6011].
ولذلك ما في قضية بلدي بلدك!
هذا تذوب حشاشات العواصم حسرة | إذا دميت في كف بغداد إصبع |
وإن برد أنت لخطب مياهه | لسالت بواد النيل للنيل أدمع |
ولو مس رضوى عاصف الريح مرة | لبادت له أكبادنا تتقطع |
المسلم أخو المسلم، المؤمن هذا ينفع أخاه المؤمن، ولذلك الواحد يجتهد اجتهاداً عظيماً في نفع إخوانه المؤمنين من الكبير إلى الصغير، عمر أبصر ذات ليلة ناراً بعيدة، فقال لمولاه أسلم، اسمه "أسلم": يا أسلم إني أرى هاهنا ركباً قصر بهم الليل والبرد انطلق بنا، قال: فإذا انطلقنا فإذا امرأة معها صبيان صغار وقدر منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون، يصرخون، طبعاً من الجوع، فسألها عمر عن حالها، قالت: قصر بنا الليل والبرد، فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: الجوع، قال: فأي شيء في هذه القدر؟ قالت: ما أسكتهم به حتى يناموا والله بيننا وبين عمر، فقال: أي رحمك الله وما يدري عمر بكم؟ ما عرفه؟ قالت: يتولى أمرنا ثم يغفل عنا، يتولى أمرنا ثم يغفل عنا، فعمر قال لمولاه: انطلق بنا فأتى دار الدقيق فأخرج عمر كيس دقيق وبعض الشحم، وقال: احمله علي، فقال مولاه: أنا أحمله عنك، قال: أنت تحمل عني وزري يوم القيامة؟ قال: فحملته عليه فانطلق وانطلقت نهرول حتى أتى المرأة فألقى عندها ذلك الكيس، وأخرج تلك الكبة من الشحم، وجعل يقول لها: ذري علي وأنا أحرك لي، يعني اجعلي الدقيق في غربال ليخلصه وينقيه، وجعل ينفخ عمر تحت القدر وأوقدها وأنزل القدر، وقال: أعطني شيئا ليفرغ فيه الدقيق فأفرغها ثم جعل يقول: والله أطعميهم وأنا أسطح لهم، يعني أبسطه حتى يبرد فلم يزل حتى شبعوا وبقيت زيادة، قام عمر وقام معه مولاه فجعلت المرأة تقول: جزاك الله خيراً كنت والله أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين، قال: قولي خيراً إذا جئت أمير المؤمنين، يعني غداً إذا جئت وحدثيني هناك إن شاء الله، ثم تنحى ناحية واستقبلهم وربض مربضاً ما غادر حتى رأى الصبيان ناموا، قال: يا أسلم إن الجوع أسرهم وأبكاهم فأحببت ألا أنصرف حتى أرى ما رأيت.
المؤمن مرآة أخيه المؤمن
المؤمن ناصح للمؤمن، المؤمن مرآة أخيه المؤمن، يكف على أخيه ضيعته، يحفظه، يحوطوه، يرعاه، لا يسلمه، لا يخذله، يصونه، يذب عنه، يدافع، من رد عن عرض أخيه رد الله عن عرضه النار يوم القيامة [رواه الترمذي: 1931، وقال: "وفي الباب عن أسماء بنت يزيد: هذا حديث حسن" وأحمد: 27543]، وقال محققو المسند: "حسن لغيره"].
المؤمن يحب من الخير لأخيه ما يحب لنفسه.
والخير هذا من خيري الدنيا والآخرة.
المؤمن حسن الأخلاق
المؤمن حسن الخلق إن خياركم أحاسنكم أخلاقاً [رواه البخاري: 3559 ومسلم: 2321].
والمعاملة حسنة، ويحسن إلى جاره ولا يؤذيه أصلاً، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره [رواه البخاري: 6018 ومسلم: 47].
النبي ﷺ سئل: يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في النار ، قالوا: يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، يعني النوافل؛ لأن الفرائض هي محافظة على الصلوات الخمس، ورمضان، والزكاة، هذه مفروغ منها، لكن ما عندها كثير نوافل، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط، اللبن المجفف هذا، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في الجنة [رواه أحمد: 9675، حديث صحيح].
المؤمن يكرم أضيافه، لا يؤمن من لا يكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه [رواه البخاري: 6018، ومسلم: 47].
المؤمن كيس فطن
المؤمن كيس فطن، لا يخدع، لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين [رواه البخاري: 6133، ومسلم: 2998]، لا يخدع لا من قبل العلمانيين، ولا من قبل المنافقين، ولا أعداء الدين، ولا المبتدعين، ولا الفسقة الماكرين، ولا الخبثاء.
المؤمن فطن، يلعب عليه مرة، يخدعوه في أهله وإلا في ولده، وإلا يوقعوه في منكر وإلا معصية وإلا يستدرجوه إلى فخ وإلا يخلوه يتنازل عن شيء من الدين، وإلا.. لا، المؤمن فاهم، يعني يعرف ماذا يدبر له، ما هو مخدوع، واحد مغفل، تمشي عليه مؤامرات المنافقين، لا، لا يستغفل، فيخدع مرة بعد أخرى، ولو واحد تورط مرة لا يمكن المرة التي بعدها يتورط، لا يلدغ من جحر مرتين، كيس فطن، أصلاً ما يخدع ولو خدع مرة ما يخدع المرة الثانية.
ومن يقظة المؤمن: أنه يدرس أحداث الماضي ليستفيد في المستقبل، يعقوب أولاده خدعوه، لكن وثق بهم أولاده، قالوا: أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ [يوسف: 12] أرسله وهو قلق؛ لأنه قال: وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ [يوسف: 13] لكن مع الإلحاح والإصرار أرسله، لكن لما جاؤوا بعد ذلك بعد سنين: فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ [يوسف: 63-64] لا يمكن المؤمن لا يوالي إلا من والى الدين، ولا يعادي إلا من عادى الدين، المسألة ليست قضية عدوات شخصية، لا، من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان [رواه أبو داود: 4681].
المؤمن صبور على البلاء
المؤمن صبور على البلاء، قنوع بالعطاء من الله هين لين، إذا انقيد انقاد، ولينوا بأيدي إخوانكم [رواه أبو داود: 666]، حيي يستحي، يفرح بالطاعة، ويحزن للمعصية، يعني من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك هو المؤمن كما قال ﷺ [رواه الترمذي: 2165، وأحمد: 114، وقال محققو المسند: " إسناده صحيح"].
المؤمن يغار
المؤمن يغار لازم، وأقول: يا أيها الإخوة والأخوات: إن والله هذه الشخصية الإيمانية، الشخصية المؤمنة، الشخصية المتميزة في الحقيقة فيها عزة، فيها عزة الإيمان، الشخصية تتمثل فيها فعلاً العلاقة مع الله، يتقرب إلى الله ، يصفي نيته، ويحذر من تحول العبادة إلى عادة، ويحذر من الاهتمام بالنوافل على حساب الفرائض، وعنده معرفة بالأولويات، ولا يمكن يقدم مستحباً على واجب.
المؤمن يجاهد نفسه ويحاسبها
وعنده إخلاص، المؤمن يستوي عنده المدح والذم، يعمل وينسى معروفه، ويخفي طاعاته ما أمكن، وعنده مجاهدة لنفسه: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات: 37 - 42] الله علق النجاح والفلاح على التزكية قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس: 9] هل زكينا أنفسنا؟ هل جاهدنا أنفسنا؟ النفس التي داخلك كالأسد العادي إذا ما رددته وجاهدته افترسك، خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ [الأنبياء: 37]، لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم: 34]، أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف: 54]، ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب: 72]، جموعاً منوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج: 20- 21] هذه الصفات التي ذكرها الله صفات النفوس في العادة، ولذلك الواحد يستعيذ بالله من شر نفسه، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها [رواه مسلم: 2722]، نعوذ بالله من شرور أنفسنا [رواه أبو داود: 1097، والترمذي: 1105، والنسائي" 1404، وابن ماجه: 1892، وأحمد: 3720] في كل خطبة جمعة يسمعها.
والواحد يجبر نفسه على فعل الخير:
سأتعب نفسي أو أصادف راحة | فإن هوان النفس في كرم النفس |
لا بد أن تزم، تخطم إذا ما عدت النفس عن الحق زجرناها، وإن مالت عن الأخرى إلى الدنيا منعناها، تخادعنا ونخدعها وبالصبر غلبناها.
ولذلك المحاسبة مهمة، محاسبة قبل العمل، نيتك لماذا أعمل؟
محاسبة أثناء العمل هل هو على الإخلاص والاستقامة؟
ومحاسبة بعده على السنة، محاسبة بعده هل قصرنا؟ ماذا قصرنا؟ يعني في اتباع للسنة، في ارتباط بالحق، في هناك يعني اتباع للدليل، ترويض النفس على اتباع الدليل، بعدين ما في نأخذ الذي يعجبنا، ونترك الذي ما يعجبنا، ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة: 208] كله.
لكن نحن نعرف أنه ما يمكن أنا نعمل بكل الدين مرة واحدة، ولذلك نأخذ شيئاً فشيئاً، واجبات فمستحبات، ما عندنا شيء اسمه قشور، والله هذا السواك ليس مهماً، هذا شيء تافه، لا، معاذ الله، هذه سنة جاء فيها عن النبي ﷺ مائة حديث، ليست واجبة، نعم، لكن من حب الإنسان المسلم لنبيه ﷺ يعمل بسنته حتى في السواك.
المؤمن عزيز بإيمانه
تعالوا إلى قضية المروءة، الآداب، الأخلاق، وخوارم المروءة الآن كثيرة، فالإنسان لا يكثر المزاح حتى لا تسقط الهيبة، لا يتجرأ الناس عليه، لا يقع في كذب، من كثرة المزاح ما يصير فيه جدية، فيه وفاء للدين، للنبي ﷺ، للصحابة: "قوموا موتوا على ما مات عليه"، لما قال له الصحابة: علمنا درساً، بعدين فيه دفاع عن عقيدة، هؤلاء المنافقون يتكلمون في الدين، يطعنون في توتير، فيس بوك، قنوات، كذا..، يغار، يغار كيف؟ يدافع، لازم يكتب كلمتين أقل شيء، يعني يكتب له كلمتين ينصر بها حقاً، يأمر بها بمعروف، ينهى فيها عن منكر، يرد فيها عن داعية، عن طالب علم، عن عالم، يفند شبهة، يرد على باطل، لازم يكون عندنا شموخ في زمن الانكسار، لازم يكون عندنا عزة في زمن الخذلان والضعف والهوان: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8].
حتى ولو الكفار أقوى منا بالسلاح، لكن نحن أقوى منهم بالمنهج والدين والعقيدة، أيش عندهم دين صحيح؟ هذا يعبد شجراً، وهذا يعبد بقراً، وهذا يعبد حجراً، وهذا يعبد بوذا، وهذا يعبد عيسى، نحن نعبد الله الذي لا شريك له، خلق السماوات والأرض، ولذلك قال الله بعد غزوة أحد بعدما قتل سبعون من الصحابة، فيها هزيمة قال: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139].
ولذلك المؤمن ما يمكن أن يكون تبع للكافر، يعني الذين يتخاذلون أمام الكفار يبيعون دينهم، يجاملون على حساب الدين، يجاملون الكفار، ويطاوعون الكفار، ويمشون في ركاب الكفار: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ [النساء: 139]؟ يبتغون عندهم القوة؟ يبتغون عندهم الحماية؟ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء: 139].
ربعي بن عامر راح مشى إلى رستم، راح يمشي بخط متعرج، حتى خرق كل النمارق، يطعن برمحه وهو ماشي، يبين له، لا يهمه لا أنت ولا حريرك ولا ديباجك ولا سجادك ولا مجلسك ولا زينتك، ولا شيء، السمات هذه المهمة جداً فيها الثقة بنصر الله مهما رأينا اليوم ضعفاً، ترى المستقبل للإسلام، والله الذي لا إله إلا هو لن يبقى بيت طين ولا حجر إلا أدخله الله هذا الدين، يعني حتى إذا قال المرجفون: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء: 61]، يقول المؤمن: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: 62].
وهذه حال الصحابة الذين قال لهم الناس: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173].
أكتفي الآن بهذه الكلمات، وأسأل الله أن يجعلنا من المؤمنين حقاً، والداعين إلى سبيله صدقاً، والذين يأخذون بالحق وبه يعملون إنه سميع مجيب.