الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد. فقد تحدثنا في الدرس الماضي في سلسلة المخالفون لمنهج السلف في هذا العصر، تحدثنا عن الغلو في الدين ومعنى الغلو في اللغة والاصطلاح، وأن النصوص الشرعية جاءت متكاثرة بالنهي عنه كما في قوله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء: 171].
وكذلك في قول النبي ﷺ: إياكم والغلو [رواه ابن ماجه: 3029، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة: 2455]، وهلك المتنطعون [رواه مسلم: 2670].
والغلو قد يكون في السلوك دون اعتقاد، وقد يكون في الأشخاص، وقد يكون في الاعتقاد والنهج، كانت أول فرقة خرجت في الإسلام مخالفة لمنهج السلف أولهم في زمن النبوة وهم الخوارج.
وهؤلاء كما قلنا كان جدهم في المدينة بين صحابة رسول الله ﷺ قام معترضاً على قسمة قسمها النبي ﷺ، فأراد بعض الصحابة أن يقتله، فنهاهم النبي ﷺ عن ذلك، وأخبره أنه من ضئضئه يخرج قوم وهم الخوارج وكانت بداية الحركة العسكرية للخوارج والتجمع الفعلي في عهد أمير المؤمنين علي كما علمنا.
وأن هؤلاء القوم ظاهرهم الصلاح وعندهم تعبد، ولكن عندهم هذه البدعة الخطيرة والخطيرة جداً والتي سببت سفك الدماء.
الخوارج موجودون في كل عصر
وأن هذه البدعة مستمرة إلى قيام الساعة كما أخبر النبي ﷺ عن استمرار وجودهم، وكذلك أخبر علي أنهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء.
يعني أنهم متجددون في كل عصر كان أبو خويصرة التميمي الأب لهذه الحركة والخوارج هم شر أهل البدع كما جاء عن النبي ﷺ، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ: إن بعدى إن بعدى من أمتي، أو سيكون بعدى من أمتي قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة [رواه مسلم: 1067].
وكذلك جاء عند أحمد بسند جيد من حديث أنس: هم شر الخلق والخليقة طوب لمن قتلهم وقتلوه، فمن قتلوه يكون شهيداً عند الله، ومن قتلهم يكون له أجر قتل هذه المارقة الخبيثة التي تخرج في المسلمين [رواه أحمد: 13362، وحسنه الألباني في ظلال الجنة في تخريج السنة: 906].
وقوله: الخلق والخليقةالخلق: البشر. والخليقة: البهائم، وقيل: هم هما بمعنى واحد، ويراد بهم جميع الخلائق يعني هم شر من الدواب.
قال ابن حجر: "وفيه أن الخوارج شر الفرق المبتدعة من الأمة المحمدية". [فتح الباري: 12/302].
وضررهم بين على المسلمين؛ لأنهم يشغلون أهل الإسلام عن قتال أهل الشرك، ولأنهم يفرقون أهل الإسلام، ولأنهم يعيثون في دماء الأمة فساداً، ولأنهم يستبيحون أموالها، ويستبيحون دمائها، وفسادهم عظيم، وشرهم مستطير للغاية، وهم ينتسبون إلى الإسلام وكلامهم وخطبهم وتصريحاتهم بالآيات والأحاديث.
عن سويد بن غفلة قال: قال علي : "إذا حدثتكم عن رسول الله ﷺ فلأن أخر من السماء أحب ألي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم، فإن الحرب خدعة.
سمعت رسول الله ﷺ يقول: يأتي في آخر الزمان قوم يخرجون من قبل المشرق حدثاء الأسنان صغار في السن في المجمل سفهاء الأحلام عقول طائشة يقولون من قول خير البرية، في كلامهم آيات وأحاديث ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء عندهم تعبد ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم ﷺ، يعني لو علموا الذين يقاتلوهم لو علموا ما لهم من الأجر.
قال-: لتكلوا عن العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلاً له عضدٌ وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض.
وهذا الرجل ذو الثدي هو حرقوص بن زهير البجلي، وكان رجلاً أسوداً شديد السواد، ذا ريح منتنة، له عضد وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض.
وفي رواية لمسلم: فيهم رجل مخدج اليد أو مودن اليد، أو مثدون اليد وكلها بمعنى واحد يعني ناقص اليد، لولا أن تبطروا، لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونه على لسان محمد ﷺ.
قال علي لمن معه من الجيش: "فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم، والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم -يعني الذين حدث عليهم النبي ﷺ، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس، فسيروا على اسم الله".
طبعاً السرح البهائم التي تذهب في الصباح مع الرعاة، فهؤلاء يغيرون على ممتلكات الناس وأموال الناس وغنم الناس وإبلهم.
قال زيد بن وهب: فلما التقينا وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي. فقال لهم قائدهم يعني: ألقوا الرماح، وسلوا سيوفكم من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء.
-يعني كان علي ومن معه من الصحابة قبل القتال المحاولات الأخيرة إقامة حجة موعظة تقريع فكان يرجع من الخوارج ناس الآن قائدهم لا يريد أي احتكاك بمناصحين.
ولذلك قال: لا تقتلوهم بالرماح لأن الرماح طويلة يعني ممكن يكون مجال لسماع موعظة سلوا السيوف، لأنه إذا سلوا السيوف اشتبكوا الاشتباك مواجهة وجهاً لوجه ما في مسافة حتى ما يكون في مجال تسمعوا منهم شيئاً هذا قصده قطع الطريق على من معه لسماع أي موعظة وأي إقامة حجة.
ولذلك قال: أرموا الرماح وسلوا السيوف.
قال. فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء، فرجعوا فوحشوا برماحهم، وسلوا السيوف –ما معنى وحشوا برماحهم؟
يعني رموها بعيداً صيروها كالوحش؛ لأن الوحش يتباعد من الإنسان، وذلك أن زعيمهم خشي من الصلح، وخشي من مناشدات الصحابة أن تؤثر فيمن معه، وهذه طريقتهم في ابعاد من معهم عن اتصالات خارجية؛ لأنهم يخشون إذا صار أي اتصالات خارجية أن يتأثر هؤلاء بالموعظة بالنصيحة بالحجة، فهو عزل عزل كامل ما يستمع لأحد غير القائد.
قال: وشجرهم الناس برماحهم. -يعني هذه كانت من الله كانت من الله مكيدة الله كاد هؤلاء الخوارج فلما ألقوا الرماح الصحابة معهم رماح، فصارت رماح الصحابة تطال لهم وهم لا يطالون الصحابة.
شوف كيف الله كادهم فأوقعهم في شر أعمالهم، وهكذا من كان لا يريد الحق، ولا يريد الصلح، ولا يريد الموعظة، ولا يريد الحجة ولا يريد النقاش ما هي النتيجة؟
يكون وبال عليهم وهكذا كان- وشجرهم الناس برماحهم -يعني المسلمون والصحابة طاعنوهم بها ومدوها إليهم-.
قال : وقتل بعضهم على بعض -صاروا جثثاً مكومة فوق بعضهم البعض-، وما أصيب من الناس –من جيش علي والصحابة- إلا رجلان". بس.
قال القرطبي -رحمه الله: "وقول زعيم الخوارج: ألقوا الرماح وسلوا السيوف، فكان في هذا الرأي فتح للمسلمين، وصيانة لدمائهم وتمكين من الخوارج بحيث تمكن منهم بالرماح، فطعنوا ولم يكن لهم بما يطعنون أحدا فقتلوا عن بكرة أبيهم، ولم يقتل من المسلمين سوى رجلين، فنعوذ بالله.
يقول القرطبي: فنعوذ بالله من تدبير يقود إلى تدمير". [المفهم على صحيح مسلم: 9/90].
عودة مرة أخرى للحديث، فقال علي : "التمسوا فيهم المخدج -هذا الرجل الذي صاحب العلامة أريده-، فالتمسوه فلم يجدوه.
وعلي كان يريد أن يطمئن أن قرار قتال هؤلاء كان قراراً صحيحاً، وأن فيهم هذا المخدج الذي يدل على أنهم هم الخوارج الموعود بالأجر العظيم لمن قتله، فكان علي يريد أن يطمئن ابحثوا ما وجدوه.
فقام على بنفسه حتى أتى ناساً قد قتل بعضهم على بعض، فقال: أخروهم -ارفعوا هذه الجثث-.
فوجدوه مما يلى الأرض -تحت أسفل واحد-. فكبر علي ، ثم قال: صدق الله، وبلغ رسوله. فقام إليه عبيدة السلمانى، فقال: يا أمير المؤمنين آلله الذى لا إله إلا هو، آلله الذى لا إله إلا هو لسمعت هذا الحديث من رسول الله ﷺ؟
قال: إي والله الذى لا إله إلا هو، حتى استحلفه ثلاثا، وهو يحلف له". [رواه البخاري: 3611 ومسلم: 1066] واللفظ لمسلم. والزيادات من عند أحمد [616]، بسند صحيح أو حسن.
فهذه صفات الخوارج كما أخبر النبي ﷺ وأنهم موجودون في كل عصر وزمان.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "وهؤلاء الخوارج ليسوا ذلك المعسكر المخصوص المعروف بالتاريخ بل يخرجون إلى زمن الدجال بل يخرجون إلى زمن الدجال". [مجموع الفتاوى: 28/496].
يعني ما هو فقط هؤلاء الذين قاتلهم علي لا وبعده وبعد وبعده إلى الدجال يوجد خوارج سيخرجون في الأمة في كل عصر تجدهم في كل عصر.
هذ آفة هذا الغلو، وقوله في الحديث: يأتي في آخر الزمان قوم [رواه البخاري: 5057]، هل المقصود آخر الزمان يعني زمن الأمة؟ لأن الحديث فيه أن فيهم آية وقد عرفها علي وظهرت.
فقال بعض العلماء: إن المقصود بقول: آخر الزمان عن هؤلاء الخوارج المخصوصين وليسوا الخوارج العام العام عامة الخوارج هؤلاء الخوارج المخصوصين الذين فيهم ذو الثدي هذا قالوا: هذا المقصود بقوله: آخر الزمان يعني آخر زمن الصحابة، يعني الخلاف الراشدة.
وفعلاً هذا كان، وآخر زمان الصحابة كان على رأس المائة وهم قد خرجوا يعني إذا قلنا: آخر صحابي مات، لكن إذا قلت: آخر زمن لخلافة النبوة نعم هذا صحيح.
فإذن آخر الزمان ليس آخر زمان الصحابة؛ لأن آخر صحابي كان في سنة مات في سنة مائة وعشرة للهجرة، لكن إذا قلنا: آخر زمان خلافة الصحابة الراشدة فنعم هذا صحيح.
وكانت قصة الخوارج وقتلهم بالنهروان في أواخر خلافة علي سنة ثمان وعشرين للهجرة بعد النبي ﷺ، ومعروف أن الخلافة الراشدة بعد النبي ﷺ كانت كم؟ ثلاثين سنة.
طيب يخرجون من قبل المشرق يعني العراق، ولا يلزم أن يخرج في كل زمان من العراق، ولكن من العراق خروجهم هذه صفة واضحة في الحديث ونص عليها يخرجون من قبل المشرق فيخرجون من قبل المشرق.
الشراح قالوا: من العراق، وهكذا كان خروجهم الأول، ولا يمنع أن يكون لهم خروجات متوالية بطبيعة الحال.
وفي صحيح البخاري قال يسير بن عمر: قلت لسهل بن حنيف: هل سمعت النبي ﷺ يقول في الخوارج شيئاً؟
قال: سمعته يقول: وأهوى بيده إلى العراق قبل العراق أشار يخرج منه الآن هذا كلام الصحابي يحدث عن النبي ﷺ أن النبي عليه الصلاة والسلام أشار قبل العراق وقال: يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية [رواه البخاري: 6535].
صفات الخوارج
ما هي صفات هؤلاء الخوارج؟
صفات عجيبة مدهشة وبذلك قال ابن كثير رحمه الله: "يعني أنهم هذا صنف غريب من بني آدم ما لهم نظير ما لهم نظير" [البداية والنهاية: 7/285-290].
الصفة الأولى: أنهم مجتهدون جداً في العبادة: وقد اتفقت الأحاديث الواردة فيهم على هذه الصفة، وفيها: ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء.
وكذلك قوله ﷺ: إن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم [رواه البخاري: 6163].
وإذا كان الصحابة يحتقرون صلاتهم مع صلاة هؤلاء لكثرة صلاة الخوارج وكثرة صيام الخوارج، فما بالك بمن بعد الصحابة.
وقد وصف حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما ما عليه القوم من الاجتهاد في العبادة بكلمات يسيره، فقال بعد رجوعه من مناظرته للخوارج الشهيرة: "فدخلت على قوم لم أر أشد اجتهاداً منهم أيديهم كأنها ثفن الإبل، ووجوههم معلمة من آثار السجود" [مصنف عبدالرزاق: 18678].
ما معنى ثفن الإبل؟ طبعاً حديث المصنف عبد الرزاق. الثفنة بكسر الفاء: ما ولي الأرض من كل ذوات أربع اللي تحتك بالأرض الجزء الذي يحتك بالأرض ،ويباشر الأرض من ذوات الأربع، هذا يقال له: الثفنة خشن أو ناعم خشن معناها أن ركبهم خشنة من كثرة السجود تباشر الأرض.
قوم يجتهدون في العبادات هم يظنون يعني أن الآن ما عمروا ما بينهم وبين الله بس ما بينهم وبين الناس خراب، ما بينهم وبين المسلمين خراب، وهكذا يجتمع للخوارج صلاح الظاهر وفساد الباطن.
صلاح الظاهر في العبادة يعني من جهة ما بينه وبين الله. أما ما بينه وبين الناس خراب، وما بينه وبين الله عقيدة غلو وإن كان فيها تعبد، ولكن غلو.
ولهذا قال رسول الله ﷺ فيهم: هم شر الخلق والخليقة.
قال شيخ الإسلام: "ولهذا يحتاج المتورع إلى علم كثير بالكتاب والسنة والفقه في الدين، وإلا فقد يفسد تورعه الفاسد أكثر مما يصلحه كما فعله الكفار وأهل البدع من الخوارج والروافض وغيرهم" فتاوى شيخ الإسلام [مجموع الفتاوى: 20/142].
ولذلك القتال الشرعي الذي كان في الأمة قتال الخوارج وقتال الروافض، منه قتال الخوارج، وقتال الروافض اثنين.
الصفة الثانية: الفهم الخاطئ للقرآن: فهم يكثرون قراءة القرآن دون فقه ولا علم، بل يضعون آياته في غير موضعها، ولذلك جاء وصفهم في الأحاديث الصحيحة: يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم [رواه مسلم: 1066].
يحسبون أنه لهم وهم عليهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم.
ولذلك لما اعترضواعلى علي وكفروه كفروه بآية: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [الأنعام : 57]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[المائدة : 44]. أنت كافر، مع أن علي حكم القرآن، والقرآن فيه الصلح بين المسلمين، فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات: 9].
قالوا: لا أنت حكمت الرجال في دين الله أنت كافر، وجهادك واجب، وكانوا يتباشرون بالجنة وهم يقاتلون علياً ، بل إن الذي قتل علي في النهاية خارجي من الخوارج قتل خير الخلق في ذلك الوقت، علياً أفضل أهل الأرض في ذلك الوقت قتله خارجي، وسعوا في قتل رؤوس الصحابة كما باشروا بقتل معاوية، وعلي، وعمرو بن العاص.
طبعاً وقتلوا من الصحابة عدد كعبد الله بن خباب، وبقروا بطن زوجته، وأخرجوا جنينها وهي حامل.
قال الإمام النووي رحمه الله: "معناه ليس حظهم من القرآن إلا مروره على اللسان، فلا يجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم، وليس ذلك هو المطلوب بل المطلوب تعلقه، وتدبره بوقوعه في القلب". [شرح صحيح مسلم: 15/209].
وفي الصحيحين: يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم [رواه البخاري: 4351، ومسلم: 1064] أي: يواظبون على التلاوة فلا تزال ألسنتهم رطبة به" كشف المشكل. [كشف المشكل من حديث الصحيحين: 1/757].
فإذن ليسوا بأهل علم، ولا فهم، ولا فقه، ولا عقيدة صحيحة، وإن كانوا يحفظون القرآن، ويقومون الليل، ويصومون النهار، والنصوص تصفهم وصفاً واضحاً بضحالة العلم الشرعي، وعدم الفقه والفهم.
قال شيخ الإسلام: "وكانت البدع الأولى مثل بدعة الخوارج إنما هي من سوء فهم القرآن لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه". [مجموع الفتاوى: 13/30] انتهى.
فينبغي إذن عدم الاغترار بظاهر الكلام، ومعرفة حقيقة فقه القوم حتى لا يهلك الإنسان؛ لأنه ليس كل من احتج بآية أو حديث فهو حق، بل قد أحتج مبتدعة وآيات وأحاديث.
المعتزلة قالوا: أبونا إبراهيم جد المعتزلة ليه؟ قال: إنه قال: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ[مريم : 48].
وهذا طبعاً كلام فارغ ما له علاقة أبداً، ولا هذه لا لها علاقة وإبراهيم منهم بريء عليه السلام فقد دعا إبراهيم اليهود والنصارى والمعتزلة كثيرون يدعون إبراهيم إلى جانبهم.
قال ابن حجر رحمه الله: "كان يقال لهم: القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم، ويتنطعون في الزهد والخشوع، وغير ذلك". [فتح الباري: 12/283] انتهى.
والغلاة الغلاة هؤلاء الموجودون في كل عصر كما قلنا يحتجون بالقرآن احتجاجاً باطلاً كما قال ابن عمر : "انطلقوا إلى آيات في الكفار فجعلوها على المسلمين"، هذه واحدة من أهم صفاتهم.
هم يحتجون بالقرآن لكن يأتون إلى آيات في الكفار فيجعلونها على المسلمين، قال فجعلوها على المؤمنين" رواه البخاري تعليقاً. [البخاري: 6/2539].
فأصل بدعة الخوارج هي سوء الفهم للنصوص، ومن سوء الفهم اتباعهم للمتشابه، وترك المحكم من سوء فهمهم اتباع المتشابه الذي يحتمل أوجهاً ولا يعرفهم إلا أولوا العلم الراسخون، والمتشابه هذا ذكره الله في كتابه، وبين أن حكمه بأن يرد إلى المحكم، والمحكم هو ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً بين واضح.
وجعل الله المتشابه فتنة، وابتلاء، واختبار ليعلم من يتبع المتشابه ويحتج به ويترك المحكم، أو يضل بهذا المتشابه ولا يرده إلى المحكم.
والمحكم: ما لا يحتمل في التفسير إلا وجهاً واحداً.
والمتشابه: ما يحتمل وجوهاً كثيرة، ولكن الراسخون يعرفون الوجه الصحيح من هذه الوجوه الكثيرة.
وعلى مر العصور كان الخوارج والغلاة يتصفون بهذه الصفات، وذكر لابن عباس الخوارج وما يصيبهم عند قراءة القرآن، فقال: "يؤمنون بمحكمه، ويضلون عند متشابهه وقرأ : وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ [آل عمران:7]" [الشريعة للآجري: 1/24].
ومن سوء فهمهم أنهم ينطلقون إلى كتب أهل العلم فيكثرون النقل منها ويضعونه على غير المراد، فيأتون بعبارات لشيخ الإسلام ابن تيمية قصد بها شيئاً يركبونها على شيء آخر، وهذا ليخادعوا الصغار الذين يريدون أن يضموهم إليهم، وأن يسيروا معهم.
الصفة الثالثة: حدثاء الأسنان: حدثاء الأسنان، يعني في مجملهم صغار في السن.
قال الحافظ رحمه الله: "والحدث هو صغير السن قال في المطالع: معناه شباب". [فتح الباري: 12/287].
قال ابن الأثير: "حداثة السن كناية عن الشباب وأول العمر". [النهاية في غريب الأثر: 1/320].
فعامة الخوارج أكثرهم من هذا الصنف صغار شباب صغار؛ لأنهم يمكن أن يستغفلوا ويسيروا، وفيهم استعجال وحماس، وقلة علم، وهذه الصفات مهمة جداً لقادة الخوارج كي يستميلوا هؤلاء.
وابن عباس لما ناقشهم ذمهم في هذه، فقال لهم: "أتيتكم من عند أصحاب النبي ﷺ المهاجرين والأنصار، ومن عند ابن عم النبي ﷺ وصهره، يعني علي ، وعليهم نزل القرآن، يعني على المهاجرين والأنصار، وعلى علي وعلى أمثاله، وهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد.
ما فيكم لا مهاجري ولا أنصاري، ولا من أهل ما قبل الفتح، ولا من أهل الفتح ما أنتم؟ متى طلعتم؟ ما هو مبلغكم من العلم؟ من أئمتكم؟ من علمائكم؟". [مصنف عبد الرزاق: 18678].
وهؤلاء طبعاً يعتبرون يعني يسفهون أهل العلم الناظر في كلامهم في القديم والحديث، يعني هم في القديم ما رأوا لا علي ولا ابن عباس، ولا أبا موسى، ما رأوا الصحابة شيئاً، ما رأوهم لا علماء، ولا أخذوا عنهم، ولا اعترفوا بهم، بل كفروهم.
ولذلك صفة الخوارج والغلاة على مر العصور أنهم يكفرون ويسفهون علماء العصر، وهذه صفة مهمة؛ لأنهم كفروا وسفهوا علماء الصحابة فمن بعدهم من باب أولى.
ولذلك ترى في كلامهم هؤلاء الغلاة حتى اليوم تسفيه للعلماء الكبار، ما يأبهون بأحد، لا يأبهون بأحد.
يعني عالم في السبعين، عالم في الثلاثين، عالم في الأربعين، عالم في الخمسين، ما يأبون بأحد يكفرونهم كلهم، ويقولون: فلان كافر، وفلان كافر، وفلان كافر، ورجلي على رقابهم كلهم.
يعني مو بس اتهام بالكفر، وقلة الأدب والوقاحة ما في ما عندهم ما يعترفون، وإذا اضطروا أن يقولوا: هؤلاء هؤلاء علماء جحور لا يفتون إلا في الحيض والنفاس، قالوا ذلك ما عندهم مشكلة.
ويعتبرونهم كلهم، أصلاً هم قالوا لرسول الله ﷺ: جدهم الكبير قال: "يا محمد اعدل فهذه قسمة ما أريد بها وجه الله" [رواه البخاري: 3150] ، فإذا كان وقحاً مع النبي ﷺ يعني أنهم وقحين مع منهم دونه من ورثته شيء طبيعي.
وأدى غرورهم أن زعموا أنهم أعلم من الصحابة، ولذلك يعرف الخوارج بالكبر والتعالي، يعني كان واضح من كلامهم ضد الصحابة أنهم أصحاب غرور، عندهم غرور واحتقار لأهل العلم، لا يوجد يعني أمامهم يعني كبراء من أهل العلم يوقرونهم.
وأحياناً يزعمون أنهم يوقرون فلاناً فإذا انتقدهم انقلبوا عليه وكفروه، وهذا عندهم صفة عامة يمشون وراء واحد يظنون أنه سيقول كلاماً في صالحهم، فإذا انتقدهم كفروه على طول، سفهوا، شتموا، سبوا القضية اسقاط مهم، واسقطاهم لأهل العلم هذا معروف.
الدليل على غرورهم واغترارهم بأنفسهم حديث أنس أن رسول الله ﷺ قال: إن فيكم قوم يعبدون ويدأبون حتى يعجب بهم الناس، وتعجبهم نفوسهم وهذا الدليل على أنهم يغترون بأنفسهم- قال: يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية رواه أحمد بسند صحيح [أحمد: 12909، وصححه محققو المسند].
ولذلك قد يمكن تجد واحد فيهم قد لا يعرف بداهيات العلم الشرعي، ولا أبجدياته، فيرد على العلماء ومن هو؟ من هو؟ لا فقه سديد، ولا رأي رشيد غرور.
وأدى التعالم إلى تصدر حدثاء الأسنان فيهم، وسفهاء الأحلام، فيمكن يقول لك: هذا هذا القاضي تبعنا عمره تسعة عشر سنة متى درس الشريعة؟ ومتى درس الفقه؟ ومتى تخصص في القضاء؟ وإيش يعني مبلغه من العلم؟
وآيتهم أنه إذا أفتى أحد على خلاف هواهم، أو على خلاف مذهبهم سبوه وشتموه ولمزوه.
الصفة الرابعة في الأحاديث: أنهم سفهاء الأحلام: سفهاء الأحلام ضعاف العقول، قاصروا النظر، عديمو الإدراك.
قال النووي: "صغار العقول". [شرح صحيح مسلم: 13/185].
قال الحافظ ابن حجر [فتح الباري: 6/619]، والسندي [حاشية السندي على النسائي: 7/119]، والسيوطي [الديباج للسيوطي: 4/44]: "ضعاف العقول".
وقال ابن الأثير في سفهاء الأحلام: "الأحلام الألباب والعقول. والسفه: الخفة والطيش" [النهاية في غريب الأثر:2 / 272].
وقال النووي: "يستفاد منه أن التثبت وقوة البصيرة تكون عند كمال السن، وكثرة التجارب، وقوة العقل" [تحفة الأحوذي:11 / 403].
فالخوارج جمعوا بين حداثة السن، وسفاهة العقل، فإذا اجتمع إلى ذلك قلة العلم ماذا ستكون النتيجة؟
وأحياناً حداثة التدين، يعني ليس فقط حداثة، حداثة التدين طيب متى لحق أن يعرف قواعد منهج السلف ويتربى على الدين ويزكي نفسه؟ ويتعلم العلم متى يعني؟
ومن سفاهة العقل ارتكاب المحرم الشرعي بمثل الكبائر العظيمة كإراقة الدماء، فيكون عندهم إراقة الدماء من أسهل شيء، يعني كأنه يقتل حشرة، ما عندهم قضية ورع في الدماء ما في، يعني لو احتار هل يقتل ولا ما لو صار عنده خياران يقتل وإلى ما يقتل؟ يقتل على طول ما في توقف، يعني في قضية القتل ما في توقف.
ولذلك الذي يتوقف في القتل ما يمكن أن يستمر معهم، فإما أن يقتلوه، وإما أن ينجو بنفسه إلى غيرهم ما يمكن، لأن عندهم هذه اقتل ما قتلت تقتل اه خلاص، وأسهل شيء قضية يعني أنت مرتد خارجي حلال الدم والمال لخلاف الرأي، لو واحد خالفهم في الرأي على طول جاهزة التهمة أنت مرتد خارجي حلال الدم والمال على طول.
وبهذه الصفات من قلة العقل، وضيق الأفق، وضعف البصيرة ينافرون العلماء، ويحذرون منهم، ويضيقون بهم ذرعاً، ويطلقون عليهم الشائعات الكاذبة، ويروجون عنهم أخبار محرفة، ويتخذون رؤوساً جهالاً في المقابل؛ لأنهم إذا اسقطوا العلماء طيب من عندهم، فيأتون ببعض المتعالمين ويجعلونهم علماء، فيصدرونهم؛ لأنه ما يمكن أنه ما يكون لهم رؤوس، فماذا سيقولون لمن معهم من هم علماؤنا؟
فيقولون: علماؤنا فلان وفلان وفلان، وطبعاً إطلاق هالات التعظيم والتضخيم لهؤلاء الذين أسموهم علماء، والثناءات العاطرة مع القذف والتجريح والسب والشتم، ومحاولات الإسقاط المتكررة لأهل العلم الحقيقيين.
الصفة الخامسة: أن كلامهم منمق: كلامهم جميل؛ لأنه قال في الحديث: يقولون من قول خير البرية [رواه البخاري: 3415].
وقال: يتكلمون بكلمة الحق[سنن النسائي الكبرى: 8566] ، يعني في كلامهم حق، وفي لفظ: يحسنون القيل، ويسيئون الفعل [أبو داود: 4767، وصححه الألباني صحيح الجامع الصغير: 3668].
فإذا سمعت خطبهم إذا سمعت كلماتهم مبهرة، وإذا رأيت الأفعال على الأرض في غاية الشناعة في غاية القبح في غاية الوحشية في غاية السفالة في غاية الخديعة والمكر، فهذا الوصف الحديث مهم جداً.
قال: يحسنون القيل ويسيئون الفعل، فمثلاً لما يدعون لتحكيم الشريعة الكلام صحيح جميل تحكيم الشريعة ومن الذي لا يريد تحكيم الشريعة، ولكن ماذا يوجد في الواقع؟
مخالفة الشريعة، ونسف الشريعة بهذه بسفك الدماء وإشاعة البغضاء الفوضى يعني، والانصراف عن قتال أهل الشرك والكفر والكفار الواضحين البينيين إلى قتال المسلمين.
قال السندي -رحمه الله-: "يتكلمون ببعض الأقوال التي هي من خيار أقوال الناس". [حاشية السندي على النسائي: 7/100].
الصفة السادسة والمهمة لهؤلاء الكاشفة لهم وهي من أميز الصفات التي تبينهم: التكفير واستباحة دماء المسلمين: طبعاً التكفير فيه حق حتى يعني، بعض الناس يقول: ما نبغى تكفير أبداً هذا ضال؛ لأن الله كفر في كتابه قال: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة: 73].
ففي كفر في تكفير بحق لكن نتكلم الآن عن التكفير بالباطل أن هؤلاء يكفرون بالباطل، وبناء على ذلك يستبيحون الدم.
فجاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال عن ذي الخويصرة -أبوهم-: إن من ضئضئ هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان [رواه البخاري: 3166، ومسلم: 1064].
يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، فأحياناً يدعون الجهاد ويقتلون مجاهدين مثلهم، ويدعون الإسلام ويقتلون مسلمين مثلهم، ويصلون ويقتلون مصلين مثلهم.
فهذا قوله عليه الصلاة والسلام: يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، فتكون الجبهة مع الكفار المشركين البينيين الواضحين، فيتركونها ويذهبون لقتال المسلمين.
قال: لئن أنا أدركتهم لقتلتهم قتل عاد.
وقال عنهم علي: "فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس".
وهذا من أعظم ما ذم به النبي ﷺ الخوارج كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قوله فيهم: يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان.
طيب ما هو سبب قتلهم لأهل الإسلام؟ لأن هذه قضية قتل أهل الإسلام قضية كبيرة وخطيرة، فبنوها على ماذا؟ لأنه لابد أن تبنى على شيء يعني لن يذهب يستبيح دم واحد هكذا، يقتله مباشرة بدون سبب لابد من سبب فما هو السبب؟ تكفيره قبل قتله.
إذا كان لعن المؤمن كقتله، فكيف بتكفير المؤمن؟ فكيف بقتله؟ فيلعنونهم ويكفرونهم، ثم يقتلونهم، فالأرضية التي يبني عليها هؤلاء قتلهم للمسلمين الحجة تكفير هؤلاء المسلمين قبل خطوة استباقية قبل حتى توجد مبرر لقتلهم.
قال القرطبي رحمه الله: "وذلك أنهم لما حكموا بكفر من خرجوا عليه من المسلمين استباحوا دمائهم، وتركوا أهل الذمة وقالوا: نفي لهم بذمتهم، وعدلوا عن قتال المشركين". [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 9/84].
يعني أهل الذمة ما احترموهم، والمشركون تركوهم، وأهل الإسلام استباحوا دمائهم.
قال القرطبي: "وذلك أنهم لما حكموا بكفر من خرجوا عليه من المسلمين استباحوا دمائهم، وتركوا أهل الذمة وقالوا: نفي لهم بذمتهم، وعدلوا عن قتال المشركين واشتغلوا بقتال المسلمين عن قتال المشركين". [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 9/84].
وقال ابن الجوزي رحمه الله: "هذا من تسويل الشيطان للقوم، وتزيينه لهم فإنهم لما أحس بقلة عقولهم ملكها "كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي. [كشف المشكل: 1/757].
وقد كابد أهل الإسلام ما كابدوا منهم في عصر الصحابة فمن بعدهم تكفيراً واتهاماً بالردة واستباحة للدم، وقد قالوا عن الصحابة: إن عثمان وعلياً ونحوهما حكموا بغير ما أنزل الله وظلموا، فصاروا كفارا.
خلاص هذا تكفيرهم لعثمان وعلي رضي الله عنهما.
وتكفير المسلمين في الجملة مشترك بين طوائف الابتداع والغلو كما قال شيخ الإسلام: "وهذا نعت سائر الخارجين كالرافضة ونحوهم، فإنهم يستحلون دماء أهل القبلة باعتقادهم أنهم مرتدون أكثر مما يستحلون من دماء الكفار الذين ليسوا مرتدين. قالوا: لأن المرتد شر من غيره، قال: لأن المرتد شر من غيره" [مجموع الفتاوى: 28/497]. انتهى.
فإذن الاستهانة بالدماء الاستخفاف بالدماء هذه علامة واضحة، والقتل مبرر سهل عندهم تارة ممكن يستدلوا بالتترس، وتارة يقولون: مرتدين فيقتلونهم، وتارة يقولون: حتى نقاتل الكفار لابد أن نستبيح دم هؤلاء. وتارةً يقولون: هؤلاء أصحاب موالاة مرتدون دخلوا الانتخابات مرتدون رشحوا مرتدون صوتوا مرتدون.
هو الآن كذا أي ترشيح وتصويت في أي هذا ردة على طول ردة مباشرة، ولذلك يمكن أن يكون عندهم من سكت عن المرتد ومن جاور المرتد مرتد ومن فعل، فالتكفير عند الخوارج ليس قاصراً على مرتكب الكبيرة، بل قد يقولون: نحن ما نكفر الزاني وشارب الخمر، لكنهم يفعلون أسوى من الذين كفروا الزاني وشربوا الخمر ألا هو تكفير من خالفهم بالرأي، فإنه قد يخالفهم إنسان في الرأي في مسألة اجتهادية ما هي صغيرة فضلاً على أن تكون كبيرة ما هي إثم ما هي أصلاً معصية أصلاً خلاف في قضية في الرأي مسألة اجتهادية.
فالمخالف عندهم مرتد خلاص أنت خارج عنا وعن أميرنا وعنا خلاص أنت مرتد أنت لست معنا أنت مرتد أنت يعني تخالفنا أنت مرتد هذا أشد من مرتكب تكفير مرتكب الكبيرة.
ولذلك لو قالوا: نحن ما نكفر شارب الخمر والزاني، طيب أنتم تفعلون أسواء من ذلك أنتم تكفرون من خالفكم في الرأي تكفرونه.
خلاص إذن أنتم أسواء من الخوارج الأول إذا أنتم كان الخارجي الأول يكفر مرتكب الكبيرة خلاص أنت أنت الآن من كفر إذا كفرت من خالفك في الرأي هذا أنت أسوى من كفر مرتكب الكبيرة.
صور التكفير عند الخوارج
ومن صور التكفير عند الخوارج، طبعاً الآن نتكلم يعني عموماً على مر العصور:
أولاً: تكفير أعيان المسلمين بالذنوب والمعاصي التي هي دون الشرك ودون الكفر، والحكم عليهم بالخلود في النار.
قال شيخ الإسلام: "وهؤلاء الخوارج لهم أسماء، يقال لهم: الحرورية؛ لأنهم خرجوا بمكان يقال له: حروراء. ويقال لهم: أهل النهروان؛ لأن علياً قاتلهم هناك، ومن أصنافهم: الإباضية أتباع عبد الله بن أباض –وموجودين في بعض مناطق الجزيرة-. والأزارقة أتباع نافع بن الأزرق. والنجدات أصحاب نجدة الحروري.
فهم فرق الخوارج نفسهم فرق وينتسبون أحياناً إلى كبير من كبرائهم، أو إلى مكان خرجوا فيه وغلبوا عليه أو غلبوا عليه.
وهم أول من كفر أهل القبلة بالذنوب واستحلوا دمائهم، ولذلك نعتهم النبي ﷺ بقوله: يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، وكفروا علياً وعثمان ومن ولاهما من ولى علي وعثمان كفروه، وقتلوا علياً بن أبي طالب مستحلين لقتله قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي منهم، وكان هو وغيره من الخوارج مجتهدين في العبادة.
يعني عبد الرحمن بن الملجم هذا ما هو من الزناة وشراب الخمور لا هذا من قوام الليل قراء القرآن ومن المصلين قتل علياً ابن عم رسول الله ﷺ وزوج ابنته ورابع الخلفاء الراشدين ومن العشرة والمبشرين بالجنة، وفيه من النصوص في فضله الكثير كفروه وقتلوه وما وفروه ما وفروا علي فضلاً على أن يوفروا غيره ومن هو دينه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقتلوا علي بن أبي طالب مستحلين لقتله قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي منهم، وكان هو وغيره من الخوارج مجتهدين في العبادة لكنهم كانوا جهالاً فارقوا السنة والجماعة". [مجموع الفتاوى: 7/482].
وقال أيضاً: "والخوارج هم أول من كفروا المسلمين يكفرون بالذنوب ويكفرون من خالفهم في بدعتهم -لاحظ يكفرون من خالفهم في بدعتهم- ويستحلون دمه وماله".
القضية قضية أصلية من زمان هذا أساس يستحلون أنت خالفتنا، أنت خالفتنا أنت لا تنظم معنا أنت ترى أننا نحن مخطئين نحن على خطئ أنت كافر أنت مرتد حلال الدم والمال اذبح.
قال: "يكفرون بالذنوب ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله، وهذا حال أهل البدع يقول شيخ الإسلام يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها" انتهى [مجموعة الرسائل والمسائل: 5/199].
ثانياً: التكفير بما ليس بذنب أصلاً، فيقولون: من جلس مع كافر كافر، يا أخي قد يجلس معه ليعظه لينصحه، قد يجلس معه في اجتماع عمل دنيوي يبغى يتفق معه على صفقة بيع وشراء.
البيع والشراء من الكفار حرام وإلا حلال؟ الأصل الحل لأي سبب جلس مع كافر آخذ من جلس مع كافر فهو كافر قاعدة خلاص وضعوا قاعدة انتهينا.
النبي ﷺ جلس مع كفار وتفاوض معهم في صلح الحديبية فهل يكون كافراً برأيكم يا أيها الخوارج نقول لهم؟
نقموا على علي أنه كاتب معاوية، وهم يكافرون معاوية، لماذا علي كاتب معاوية خلاص مكاتبة معاوية جريمة إذن كفر أنت كاتبت كافراً أرسلت له رسالة بينك وبينه علاقة كافر.
قال علي : ونقموا علي أني كاتبت معاوية، وقد جاءنا سهيل بن عمرو الكافر معاوية مسلم جاءنا سهيل بن عمرو الكافر ونحن مع رسول الله ﷺ بالحديبية حين صالح قومه قريشاً، فكتب رسول الله ﷺ: بسم الله الرحمن الرحيم.
فقال سهيل: لا نكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال: كيف نكتب؟ قال: أكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله ﷺ: فاكتب محمد رسول الله، قال: لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك، فكتب هذا ما صالح محمد بن عبد الله قريشاً". [رواه أحمد: 656، حسنه محققو المسند].
ثالثاً: التكفير بالظن والشبهات والأمور المحتملة: فيسارعون في رمي خصومهم بالنفاق والخيانة لله ورسوله، والعداوة للدين والمؤمنين، ويشككون في إيمانه وانتمائه للإسلام، ويطلقون المرادفات التي تعني التكفير مثل: الكذاب عدو الله عدو الجهاد والمجاهدين الخائن العميل المرتد الكذا الكذا.
وأهل السنة لا يحكمون على أحد بالكفر إلا باللفظ الصريح، يعني لابد أن يقول كلام صريحاً بالكفر ونحن لسنا مرجئة حتى ما نكفر أحد اللي ما يكفر أحد هذا ما هو مسلم.
الذي يرفض يكفر أحد تماماً ليس بمسلم؛ لأنه إذا ما كفر النصارى ولا كفر اليهود، ولا كفر الهندوس ولا كفر البوذيين إذا ما عنده تكفير أصلاً والله ورسوله ذكر الله في كتابه قوماً وكفرهم، ورسوله ﷺ ذكر قوماً وكفرهم فاللي ما يكفر من كفره الله ورسوله مصيبة.
لكن هنا في هذه الحالة تكفير بالظن والشبهات والأمور المحتملة ويكفرون من لا لم يحكم بكفره.
الإمام أحمد سئل عن رجل سمع مؤذن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، فقال: كذبت هل يكفر؟
فقال الإمام أحمد رحمه الله: " لا يكفر لجواز أن يكون قصده تكذيب القائل فيما قال لا في أصل الكلمة".
واضحة هذه ما هي واضحة، هذا سئل الإمام أحمد مؤذن يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، فقال له رجل: كذبت هل يكفر؟
قال الإمام أحمد رحمه الله: لا يكفر لاحتمال أن يكون هذا الذي قال: كذبت يقصد أنه كذب في الشهادة لا في نبوة النبي ﷺ، مثل ما قال الله تعالى استدل الإمام أحمد رحمه الله بقوله: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون: 1]. [بدائع الفوائد: 5/49].
هم قالوا نشهد أنك رسول الله لكن كاذبون في ماذا؟ في أنه رسول الله لا كاذبون في شهادتهم أنهم حقيقة ما يشهدون ولا يعترفون أنه رسول الله، فالإمام أحمد رحمه الله قال: لا قد يقصد هذه، لو قصد نفس النبوة خلاص كفر.
رابعاً: التكفير بالأمور التي يسوغ فيها الخلاف والاجتهاد: وهذه من أهم الأشياء، فالأمور الاجتهادية، الأمور التي يسع فيها الخلاف الأمور التي يكون فيها الخلاف سائغاً كيف يكفر الرأي الآخر؟ صاحب الاجتهاد الآخر، وحتى لو كان خلاف راجح ومرجوح تكفر صاحب القول المرجوح الذي يقول بقول مرجوح يستحق التكفير.
افرض أنه في راجح قول راجح وقول مرجوح تكفره؟ لا. ولذلك تكفير المخالف عموماً كذا أي واحد خالف بالرأي في مسألة اجتهادية تكفيره مصيبة، فلا يفرقون بين تخطئة المجتهد وتكفير المجتهد. الآن أنت ممكن تقول عن المسألة: والله هذا اجتهد وأخطأ بس ما تكفره، بل ولا تفسقه ما تفسقه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فصل الخطاب في هذا الباب أن المجتهد المستدل من إمام، وحاكم، وعالم، وناظر، ومفتٍ وغير ذلك إذا اجتهد واستدل، فاتقى الله ما استطاع، كان هذا هو الذي كلّفه الله إياه، وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع، ولا يعاقبه الله ألبته، وهو مصيب بمعنى أنه مطيع لله، لكن قد يعلم الحق في نفس الأمر، وقد لا يعلمه". [مجموع الفتاوى: 19/216].
وقال: "إن المتأول الذي قصد متابعة الرسول ﷺ لا يكفر، بل ولا يفسق إذا اجتهد فأخطأ، وهذا مشهور عند الناس في المسائل العلمية، يعني العملية أقصد الفقه مثلاً الحلال والحرام.
وأما مسائل العقائد فكثير من الناس كفر المخطئين فيها، وهذا القول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا عن أحد من أئمة المسلمين وإنما هو في الأصل من أقوال أهل البدع". [منهاج السنة: 5/123].
يعني الذي يكفر المخالف بإطلاق يعني بإطلاق، وأما من أقيمت عليه الحجة، وقال كفراً لابد يكفر ما فيها كلام يعني، وإلا ما صار، صار الدين شوربة إذا ما صار تكفير الكافر الحقيقي ما صار دين ما صار دين.
خامساً: تكفير الأعيان دون التحقق من توفر الشروط وانتفاء الموانع: فالآن العلماء لما يكفروا في يشترطون إقامة الحجة ما يكون مكره، ما يكون جاهل بالشيء، ما يكون عنده شبهة، ترد الشبهة تفند الشبهة، في شروط للتكفير حتى لو الشخص قال كفراً في شروط، إذا تحققت قالوا: خلاص نحكم عليه بالكفر، وممكن يكون مرتداً، ويحاكم ويقضى عليه ويسجل ردته، ويحكم عليه القاضي بالقتل ردة، وينفذ القتل بأمر الإمام.
أما كذا مجرد مباشرة من يعني مخالفة في مسألة اجتهادية إلى مرتد، وأي واحد يقيم عليه الحد من هؤلاء هذه الكارثة هذه هي الكارثة.
قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله: "وليعلم أنه يجب على الإنسان أن يتقي ربه في جميع الأحكام، فلا يتسرع في البت بها خصوصاً في التكفير الذي صار بعض أهل الغيرة والعاطفة يطلقونه بدون تفكير ولا روية" انتهى [القول المفيد: 3/178].
سادساً: عند الخوارج أيضاً التكفير بالازم والمآل: تكفير بلازم القول، يعني بما يلزم من القول، ومن العجيب أن بعضهم يعني واحد شوف يعني التكفير هذا مصيبة يعني جاء واحد وضع نعله قريب من العالم، هذا العالم جالس هنا جاء هذا ووضع نعله قريب منه.
العملية هذه يعني على أسوأ أحوالها محتملة يعني مع أنه أصلاً ظاهرها ما قالوا: هونت العالم، وهذا تهوين للشريعة وتهوين للرسول الذي جاء بالشريعة، واستهانة بمن أرسله، أنت مرتد كافر حلال الدم والمال.
يأتي هؤلاء مثلاً يكفر حكومة بعدين يقول: كل موظفي الحكومة كفار، يا ابن الحلال فيهم مدرسون، فيهم ناس، طيب فيهم يعني مسعفون في سيارة الإسعاف، أبدا كلهم كلهم ما دام يشتغلون في هذه الحكومة الكافرة كلهم كفار.
طيب يوسف لما كان، قال: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ [يوسف: 55] ، وجعله على خزائن الأرض إيش صار على كلامك؟ إيش صار؟
قال ابن حزم: "وأما من كفر الناس بما تأول إليه أقوالهم فخطأ؛ لأنه كذب على الخصم، وقوله ما لم يقل به، فلا يكفر إلا بنفس القول، ونص نص المعتقد"
-
هشام
كيف اجد النسخة المكتوبة ولكم جزيل الشكر