تتمة
وعند الشيخ (أي الألباني) قاعدة في تصحيح حديث التابعي الذي يروي عن جماعة من الصحابة ولو كان مستوراً.
وكذلك يتأكد في حقه صلاة الركعتين إذا كان يخشى نفورها منه.
وينوي بنكاحه وجه الله تعالى.
اللقاء بالأقارب صبيحة بنائه بأهله
ويستحب له في صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره ويسلم عليهم، ويدعو لهم، وأن يقابلوه بالمثل، لحديث أنسٍ قال: "أولم رسول الله ﷺ إذ بنى بـزينب فأشبع المسلمين خبزاً ولحماً، ثم خرج إلى أمهات المؤمنين فسلم عليهن ودعا لهن، وسلمن عليه ودعون له، فكان يفعل ذلك صبيحة بنائه" [رواه أحمد: 13072، والنسائي في الكبرى: 10030، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"].
وبعض العوام يسمونها الصبحة أو الصبيحة، فإذا اجتمع إليه أهله يكون هذا أمراً حسناً.
وليمة العرس
وكذلك من الأمور: الوليمة: فقد قال ﷺ لـعلي لما خطب فاطمة: إنه لا بد للعرس من وليمة [رواه أحمد: 23035، وقال محققو المسند: "إسناده محتمل للتحسين"].
والسنة في الوليمة أن تكون بعد الدخول، ولكن إذا فعلها قبل الدخول كعادة النساء اليوم فلا بأس بذلك.
والغني يولم ولو بشاه، ولو لم يجد الإنسان وكان فقيراً فيولم ولو بغير لحم، كما ثبت ذلك في السنة عندما تزوج النبي ﷺ بـصفية بُسطت الأنطاع وألقي عليها التمر والأقط والسمن، فشبع الناس.
ولا يجوز إجابة الوليمة التي فيها معصية.
البعد عن الإسراف في حفلات الأعراس
ومن الأمور السيئة في عصرنا: الإسراف في الولائم، كما أن من العادات السيئة الإسراف في المهور والمغالاة فيها.
وكثيرٌ من الزيجات لا يُبارك فيها مما يحصل في الحفلات من الإسراف وغيره، وهي معصية، فيبدأ دخوله بالحياة الزوجية بمعصية، ولا بد أن يكون العرس خالياً من المعاصي، وقد يقول الشاب: أنا أضمن صالة الرجال، لكن كيف لي أن أضمن ما يحدث في صالة النساء، فإن أهلها قد يأتون فجأة بفرقة ونحوها من الأشياء التي لا تضمن، لا أضمن أنهم يغدرون بي مثلاً، أو أن أمي قد هددت بفعل كذا، أو أنها تريد أن تفعل هكذا، ونحو ذلك، ويقولون: أنت افرح على ما تريد، ونحن نفرح على ما نريد.
وقد تكون هذه الفتاة المتدينة الملتزمة زوجته لا طاقة لها ولا قدرة على الإنكار وإيقاف المنكر، فماذا يفعل الإنسان؟
المهم أن يكون من البداية قد حرصهم على قضية اجتناب المنكرات، وأن يشرف بنفسه على تحضير عرس النساء ما أمكن، ليعرف ماذا سيحل، وماذا سيوجد؛ لأن كثيراً من الشباب يأمنون في ذلك ثم يفاجأ بأنه قد حصل منكرات في صالة النساء.
ولا بد من تعاون الطرفين هو وزوجته في مقاومة هذه المنكرات وخصوصاً عند النساء.
وأنا أدعو إلى اختيار الأراضي المفتوحة لإقامة الأعراس فيها فإنها خيرٌ وأكثر بركة من الفنادق والصالات التي تنفق فيها الأموال الطائلة، من عدة جهات:
أولاً: هي من الاقتصاد وليس فيها إسراف في الغالب، فهي خيامٌ وأنوار وزينات وكراسي، أو فرش، وعشاء.
ثانياً: أنها أقرب إلى السنة في إعلان النكاح؛ لأنها في مكان مكشوف يراه الناس في الشارع الغادون والرائحون، فلذلك لو جعل فيها عرس الرجال لكان أمراً طيباً من باب محاربة الإسراف في الصالات والفنادق.
والإنسان أو الشاب في الغالب يستدين، وهذا طبيعي أن يستدين في هذا الزمان لكثرة النفقات، لم يكن عند الأولين شقق مستأجرة بكذا وكذا، وأفران وثلاجات وغسالات ونشافات وموكيت وكنب وغرفة نوم، وما إلى ذلك من الأشياء الكثيرة الموجودة، فهو في الغالب سيضطر للاستدانة، لكن هناك فرق بين من يسرف ويركب على نفسه ديناً عظيماً، وبين من ينفق مقتصداً دون بخلٍ، فلو صار عليه شيء من الدين يعينه الله عز وجل.
لكن يستدين الآلاف المؤلفة!
وبعضهم يستدين بالربا فكيف سيوفق في زواجه؟
وبعض الناس الذين ينفقون أموالاً طائلة ويتزوج ثم لا يستطيع أن يقضي دينه يعيش عيشة ضنك وشدة مع زوجته.
وكذلك إذا حصل خلاف ربما يقول لها: دفعت فيك كذا وكذا، توبيخاً وإهانة، هو الذي دفع وهو الذي تكلف هذه التكاليف، وإذا كان أهل زوجته أرغموه على أشياء من هذا يصب جام غضبه على ابنتهم فيكونون شركاء في الإثم، وسبب لما سيحدث بعد ذلك من الإخفاق.
والإنسان لو اتقى الله يوفقه الله بزوجة مئونتها قليلة؛ لأن من بركة المرأة تيسير صداقها.
والذين يطلبون من الزوج هذه الأشياء الكثيرة لا شك أنهم يجرمون في حق ابنتهم في المستقبل.
وإذا اتقيت الله -يا أيها الشاب- وخفته وعملت في طاعته فإنه يوفقك لأهل امرأة لا يطلبون منك الكثير، وقد أتاك نبأ تلميذ سعيد بن المسيب الذي ماتت زوجته ففقده شيخه سعيد، فلما عرف أن زوجته قد ماتت أتاه في بيته، وقال: ما حبسك؟ فعلم منه الخبر، فقال: اتبعني فتبعه فأدخله على ابنته فزوجها إياه وكان فقيراً، وكانت من أجمل النساء وأعلمهن، ثم أتى بها إليه وقال: كرهت أن تبيت أعزباً، فأصلحتها أمه وزينتها ودخل بها، عقد له عليها ويسر له الأمر في ليلة واحدة، فإذا كان هناك تقوى من الله يمكن أن تتزوج في فترة وجيزة بمئونة قليلة، هذا توفيق من الله.
وكذلك فإنه ليس من المنصوح به أن تطول الفترة بين العقد والدخول، فحتى أن العلماء قالوا في أكثر مدة ينقطع بها الرجل عن زوجته: أربعة أشهر.
وقال بعضهم: ستة أشهر.
قالوا: وهذا يدخل فيه بداية النكاح، أي: لو عقد على امرأة ولم يدخل بها مدة طويلة تجاوزت ستة أشهر فيجوز لها طلب الفسخ، يعني: المدة هذه التي هي أكثر مدة يسمح بها للزوج أن يبتعد عن زوجته داخلة حتى في بداية العقد، ولذلك لا ينصح بطول المدة؛ لأن كلاً منهما ينظر إلى الآخر، فطول المدة هذا يجر إلى سيئاتٍ كثيرة.
وعلى الشاب أن يستغل الفرصة بين العقد والدخول لأجل تثقيف زوجته وتعليمها، فيعطيها من هذه الكتيبات أو الكتب إن كانت تطيق القراءة والأشرطة الطيبة عن الخشوع في الصلاة وصفة الصلاة وصفة الوضوء، وفتاوى النساء، ومقومات الحياة الزوجية، وكيف تقضي وقتها، وآداب الزيارة بين النساء، وأحكام العشرة الزوجية، يجهزها للمستقبل.
رجوع الزوجين إلى الكتاب والسنة عند اختلافهما
وينبغي كذلك أن يكون الاتفاق بينهما على كتاب الله وسنة الرسول ﷺ واتباع الدليل، وسؤال العلماء، فلست تجعل نفسك مرجعاً علمياً تحتكر فيه أجوبة المسائل، وليس هي تحتكم إلى هواها، وإنما بينك وبينها من البداية عليك أن تعلمها أننا سنسير على الكتاب والسنة، ونستفتي العلماء، ونأخذ بالأدلة، ونرضى، ولن نلجأ إلى عصبية أو هوى أو عناد، والزوجة في الأيام الأولى بحسب ما يعودها زوجها.
وعليه أن يبين لها ما لها وما عليها من الحقوق، وكذلك يبين لها الممنوعات والمحرمات من البداية، ولو كان قبل العقد، يبين لها رأيه الواضح وحكم الشريعة في وجود آلات اللهو في البيت، وأخطار الشاشة، ونحو ذلك؛ لأن بعضهم قد يمر بها مروراً عابراً، ولا يؤكد عليها، أو أنه يتحاشى الدخول في هذا الموضوع، ثم بعد ذلك تحصل مشكلة كبيرة؛ لأن أمها تقول: كيف تسجن بنتي وتضعها في البيت من غير تلفزيون؟ وكيف؟ وكيف؟ وأنت تغيب عن البيت مع أصحابك، ولا بد أن تجعل لها كذا.
فلو كانت المسألة واضحة من البداية لاكتفى شراً كثيراً، وكذلك يبين لها حرمة البيت وأسراره وأهمية حفظها، وعدم إدخال أحدٍ بينهما في المشكلات؛ لأن نقل المشكلات إلى أهله أو إلى أهلها يوسع الدائرة، ويجعل القضية أصعب في الحل، وأنه إذا صار خلاف يسأل أهل العلم، ولا بأس بالرجوع إلى العقلاء من أهله وأهلها عند الحاجة.
وكثيراً ما تكبر المشكلات إذا تدخلت أمها أو أمه، ويكون هذا التدخل من أسباب الطلاق.
ويحتاج الداعية إلى الله في بداية الأمر أن يفهم زوجته أهمية التضحية في سبيل الله؛ لأن الزوجة تريده كله لوحدها، ألم تقل نساء بعض السلف امرأة الزهري: أن هذه الكتب أشد عليها من ثلاث ضرائر؟
وأنا أنصح أن يعجل لها بالأولاد حتى يملأ فراغها، وأن يسعى في ذلك.
وإذا كانت المرأة تفوقه في العلم الشرعي فلا تأخذه العزة بالإثم، فيحسم النقاشات العلمية على حسب ما يرى لهوى، وحتى لا يظهر بمظهر الضعيف، وأنه لا حجة لديه، فهذا دين، ولا مجال فيه لاتباع الهوى.
وكذلك لو كانت داعية وهو مبتدئ فإنه لا بأس أن يتلقى منها ما يصلح حاله، هذا الذي تزوج بنت سعيد بن المسيب أقام عند زوجته شهراً منقطعاً عن شيخه يتعلم من زوجته.
ولا تعارض بين هذا وبين القوامة، أنت الذي تنفق وأنت الذي تطلق، أنت القائم على البيت: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء: 34]، فلا تحزن إذا فاقتك في أشياء أخرى، لأن القوامة لا زالت لك.
ومن التنبيهات المهمة الإساءة في فرض القوامة منذ البداية لمفهومٍ خاطئ لإظهار الشدة أو الرفض لأي طلب.
تحذير الزوج من التهاون بالمنكرات
وكذلك انتبه -أيها الزوج- أن تتهاون في المنكرات من بداية الأمر، فبعضهم يتهاون في أمرها بالصلاة، أو إيقاظها لصلاة الفجر، أو التخلص مما عندها من المجلات أو الأمور المنكرة، فينبغي ألا يتهاون في هذا لكن بالحكمة.
وعليه أن يكون رفيقاً معها يمزح بما يلطف الجو، ولا يفعل كما فعل ذلك الشخص الذي أراد أن يمزح معها في أول ليلة، فقال: أنا أفكر أن أتزوج عليكِ!
وكذلك فإن الشاب المتزوج يختار جاراً طيباً أو صاحباً تقياً يسكن بجانبه، فيختار الجار قبل الدار ما أمكن ذلك، فإن لهذا فوائد تنعكس على حياته الزوجية.
وينبغي على أصحاب الشاب ألا يتركوه بعد زواجه، ويقولون: دعوه في شهر العسل، فإنه قد يواجه ظرفاً حرجاً أو نفسياً، ويحتاج من يكون قريباً منه عند زواجه.
وربما يحصل عنده نوع من انحدارٍ في دينه وإيمانه إذا كانت المرأة ليست بذاك، أو ينشغل بها عن طاعة الله.
فينبغي أن يكون بقربه من إخوانه الصالحين من ينبهه ويقومه، ولا يتركوه من الإيقاظ لصلاة الفجر ولو في أول ليلة، فإن بعض الناس قد تفشى عندهم اعتقادٌ عجيب أنه لا يجب على الزوج الذي أعرس صلاة الفجر في أول يومٍ، وهذا من العجب.
والكلام في هذا الموضوع يطول، ونكتفي بما تقدم مع ما حصل من الطول، ونعتذر إليكم..