الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1،يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب71.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أهمية نعمة الأمن
عباد الله: إن الله قد أنعم على العباد بنعم كثيرة، وأوجب عليهم واجبات كثيرة، فمن ذلك أمنهم الذي يجب أن يحفظوه، والذي يخالف شرع الله يخل بأمن المجتمع.
هذا الأمن الذي يحتاجه المسلم كي يعيش مطمئناً في سربه، يذهب إلى بيت الله تعالى يعمره بعبادته والصلاة له، هذا الأمن الذي يحتاجه المسلم كي يذهب لكسب معيشته، فينفق على أهله وأولاده يحتسب الأجر عند الله تعالى، هذا الأمن الذي امتن الله به على أهل مكة: الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍسورة قريش4، ولما أراد أبرهة أن يكيد لهم، وأن يهدم بيت الله تعالى، قيض الله من خلقه من الطير الأبابيل من أذاقه وجيشه أنواع العذاب، فهزمهم شر هزيمة.
صور الأمن
عباد الله: وإن الأمن في أمور كثيرة، فمن ذلك أمن العقيدة، فلا بد من المحافظة عليها، والضرب بيد من حديد على من يخل بها، الذي يريد أن ينال من الأمن العقدي بنشر الشرك، أو الخرافة، والبدعة، أو السحر، والدجل، والشعوذة، فينبغي أن يحاسب حساباً عسيراً؛ لأن أمن العقيدة أهم من كل أمن، فلا بد من أن يكون للمسلمين أمان على عقيدتهم ودينهم، فالذي يريد أن يفسده وأن يتلاعب به فلا بد أن يؤخذ على يديه؛ ولذلك جعلت الشريعة حد المرتد ضرب عنقه حفاظاً على أمن العقيدة.
وكذلك أمن النفس، وأمن العرض، وأمن المال؛ ولذلك شرعت هذه الشريعة المباركة من الله حد القتل قصاصاً لمن قتل، وقطع يد السارق لمن سرق، وكذلك جلد ظهر المفتري ثمانين جلدة إذا عبث بأمن الأعراض فقذف، واتهم بالباطل.
وأيضاً: فإن أمن الناس في ذهابهم، ومجيئهم، ونومهم، ومعاشهم، وإن أمنهم في بيوتهم مما يجب حفظه، فمن أراد أن يتلاعب بأمن الناس في عيشها، في بيوتها، أو في طلبها لكسبها فإنه يجب الأخذ على يديه.
وإن من الجرائم الخطيرة التلاعب باقتصاديات المسلمين، بإمكاناتهم، وثرواتهم، وما وهبهم الله من أنواع المال التي ركزها في الأرض من معادن وغيرها، وكذلك ما أقاموه من المنشآت، والصناعات التي تدر كسباً، وهي من موارده ومصادره، فمن أراد الاعتداء على منشآت المسلمين وصناعاتهم فإنه يجب أن يؤخذ على يديه؛ لأن هذا يضر باقتصاد بلد كامل ومعيشة أهله، ولا شك أنه إفساد في الأرض.
وجوب محاربة المفسدين
ومن أراد تحويل أحياء المسلمين، وشوارع المسلمين إلى مسارح للجرائم، وإلى أوكار للفساد، فإنه يجب أن يعاقب، سواء أخل بأمنهم كثيراً أو قليلاً، ويدخل في ذلك من يخرج على الأمة يضرب برها وفاجرها، فيطلق النار قصداً، أو عشوائياً، فيجب الأخذ على يديه، ومثل هذا من المفسدين في الأرض الذي يقتل المسلمين، وأيضاً الذين يلغون في أعراض المسلمين بالعبث بأمن العرض، فيحولون بعض البيوت، أو الاستراحات إلى أوكار للفاحشة، والدعارة، ويدعون خفية إلى غشيانهم، ويجمعون فيها من أنواع المومسات القذرات البغيضات، أعمالاً يديرونها، يتحصنون بتلك الأماكن المستورة لكي ينشروا العهر والفجور في المجتمع، ويجروا نساء المسلمين إلى الرذيلة، ويوقعوا أبناء المسلمين في حبائل الشيطان، وقد تطور أمر هؤلاء للغاية حتى أوجدوا خدمات توصيل إلى المنازل والعياذ بالله، فلم تنج الأماكن النائية ولا المأهولة من شرهم.
وهكذا نجد من بعض البشر الذين يظهرون أعمالاً في الظاهر غير حقيقية، ولكنهم في الباطن يديرون مصانع لنسخ هذه الأشرطة القذرة، وما تحمله من الأفلام العارية، والفحش، والزنا، وأنواع الفواحش من غشيان الذكور للذكور، وركوب البهائم، وكل قاذورة تفتق عنها عقل بشر تجعل في هذه الأفلام، تنتجها شركات عالمية وتبثها محطات فضائية لتنشر بعد ذلك في أقراص ممغنطة تحمل ساعات من العهر والفجور تسوق على الأحداث، وتباع للكبار والصغار بأرخص الأسعار، وكل متستر على شيء من هذا فهو يخل بأمن العرض في المجتمع.
ظاهرة التسكع
عباد الله: وإن مما يخل بأمن الناس أيضاً ظاهرة تكثر في العطل الصيفية، وفي نهايات الأسبوع وغير ذلك آخذة في الانتشار والازدياد إنها التسكع في الشوارع والطرقات، هذا التسكع الذي يقوم به بعض الشباب في الأماكن المختلفة ينم عن عدم إدراك للحقيقة التي من أجلها خلقوا، يظنون أن الحياة لعب ولهو، يظنون أنها إهدار للأوقات، وإضاعة للأعمار، إنهم مغبونون مساكين كما أخبر النبي ﷺ: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ[رواه البخاري6412] يهدرون وقت الشباب والصحة، ويهدرون كذلك أعمارهم في الفراغ الذي يعيشونه، لا يدرون كيف يقتلون الوقت.
والعلماء والعباد والدعاة يبحثون عن خمس دقائق من زحمة أعمالهم في العبادة وطلب العلم والدعوة إلى الله، فلا يكاد المسلم الجاد يجد وقتاً من زحمة جدوله اليومي بما يقوم به من القربات إلى الله ، وهؤلاء يضيعونها بالساعات، والأيام، والليالي، والأسابيع، والشهور، والسنين، ولو كان وقتهم يباع لكان حقاً على العقلاء المجتهدين أن يشتروا أوقات أولئك بأغلى الأثمان: إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِسورة الإنسان2، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِسورة الذاريات56 قال عن عباده المؤمنين الذين يعرفون لماذا خلقوا، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِسورة آل عمران191مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاًما خلق الله السموات والأرض لعباً، لم يخلق السموات والأرض عبثاً، ما خلقهما إلا بالحق وللحق ومن أسمائه تعالى الحق.
عباد الله: يتحسر الناس في الآخرة على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله فيها، وعمر الإنسان محسوب، عمر الإنسان مكتوب: لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس، ومنها: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه[رواه الترمذي2416]، وهذا الشباب داخل في العمر لكن يحصل السؤال عنه مستقلاً؛ لأن فيه من العنفوان والقدرة ما لا يوجد في غيره، ولذلك يكون السؤال عنه مضاعفاً، اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك[رواه النسائي في الكبرى11832] اغتنم فراغك في الدنيا قبل شغلك بأهوال الموت ويوم القيامة فإن فيها شغلاً كثيراً.
عباد الله: إذا مشيت في الأحياء والشوارع ستطالعك أعداد من الشباب يمشون على غير هدى، تارة عند باب هذه العمارة، وعند مدخل هذا المحل، وعلى ناصية ذلك الشارع، وعلى رصيف هذا الطريق، يقفون في شلل وتجمعات، أو يجوبون الشوارع مشياً، أو في السيارات قد رفعوا صوت الغناء والموسيقى، ويركبون سيارات مكشوفة أو مغطاة، إنهم يجوبون وينتقلون ويطوفون بين المقاهي والأسواق تسكع، تارة يدخل هذا المقهى يجلس فيه، وتارة أخرى إلى مطعم، وثالثة أمام المحلات، يمشون في ممرات الأسواق بغير هدى، هؤلاء يذهبون إلى لا شيء.
تعريف التسكع
قال ابن منظور من أئمة اللغة رحمه الله: "سكع الرجل يسكع سكعاً، وتسكع مشى متعسفاً، وتسكع في أمره لم يهتد لوجهته، وتسكعوا أي: تحيروا، كما قال صاحب النهاية: والتسكع التمادي في الباطل" فإذن التسكع التحير، والتسكع أن يمشي غير مهتد لوجهته، والتسكع التمادي في الباطل، هكذا قال أهل اللغة والعلم، كما قال حسان : وهل يستوي ضلال قوم تسكعوا، وقال آخر:
ومن هانت عليه النفس يوماً | وأوردها التسكع والبوارا |
فقد نبذ المهابة طول عمر | وجر على كرامته الصغارا |
وأورثها المهانة من حقير | وإن كان الجلال له شعاراً |
ومن رام السعادة بابتذال | فلا مالاً ينال ولا وقاراً |
مظاهر من التسكع
الابتذال هكذا في الأمر الحقير يقضون الأوقات، هان عليهم العمر، ما عرفوا قيمة الوقت، هانت عليهم أنفسهم، ضيعوها، أوردوها المهالك، أوردوها التسكع، تقدر الدراسات بأن الشاب يقضي ستمائة ساعة في الإجازة الصيفية في المعدل عند هؤلاء في التسكع، والتفحيط، والمعاكسة، ثم المقاهي، وتدخين الشيشة، ولعب الورق، ومشاهدة ما في الشاشات من مضيعات الأوقات، ومفسدات العقائد والأخلاق.
لماذا لا يستثمرون هذه الأوقات؟ لماذا لا يعملون شيئاً فيه النفع لهم ولأسرهم وللمجتمع؟ أهكذا يرضى المسلم أن يذهب عمره؟ أهكذا يقضي هذا الوقت فرحاً بمرور الأيام وانقضائها؟ من أين يذهب هذا أليس من رصيد العمر؟
إنا لنفرح بالأيام نقطعها | وكل يوم مضى جزء من العمر |
النبي ﷺ حذرنا من إضاعة الوقت وهؤلاء يهدرونه هدراً شديداً.
ثم هذا التسكع وهذا الوقوف الذي لا فائدة منه سيؤدي إلى ماذا؟ إيذاء المسلمين في أعراضهم، في النساء الغاديات والرائحات، التحرش بالفتيات، وفي الفتيات متسكعات فيوافق شن طبقة، وهكذا تتبادل لقطات البلوتوث، وهكذا تصور المشاهد، التسكع الذي فيه إيذاء النساء حتى البريئات الطاهرات العفيفات المتحجبات المؤمنات الغافلات يؤذين من هؤلاء المتسكعين، ثم تحصل أنواع من الاعتداءات، وتصور بهذه الكميرات لترسل بهذه الجوالات بمختلف التقنيات إلى كل ناحية وطرف، هل هذا العبث بأمن المسلمين وأعراضهم يرضي الله ؟ أليس هذا من الإجرام الذي توعد الله أهله؟ لماذا لا يعلمون أن الله يراقبهم؟ لماذا لا يشعرون أن الله سيحاسبهم؟ لماذا لا يوقنون أن الله عنده نار تلظى وجحيم تستعر؟ لماذا إيذاء الآخرين من المسلمين؟ هذه أم وتلك أخت، هذه بنت وتلك زوجة، ألا يخاف هو على أهل بيته؟ أفيرضى لأهل بيته مثل هذا؟
وإذا انتقلت إلى ظاهرة تسكع الفتيات، وبالذات في الأسواق والمحلات والمقاهي الموجودة في هذه الأسواق الضخمة إنه تسكع يغري أهل الشر والفساد بمقاربتهن وتبادل ما يتبادلونه معهن لتنتهي القضية إما بفاحشة، أو أنواع من القذارات والسفاهات، وإعلان بهذه المجاهرات مما يغضب الله ، حدائق أو كورنيش أو غير ذلك يتسكعن فيه، ويقبل عليهن هؤلاء كإقبال الذباب ؟ قلة خوف من الله، أين الحياء منه ؟ أين قول الله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىسورة الأحزاب33؟ فهي تخرج سلفع بلا حياء، خراجة ولاجة، وهي أيضاً تحسر عن بعض جسدها إغراء وإغواء وجذباً لأولئك الشباب، وهي أيضاً تأتي بحركات أثناء المشي، والله قال في كتابه العزيز: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌسورة الأحزاب32، وقال: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّسورة النور31، فنهى عن إظهار صوت الحلي أثناء المشي، أو صوت القدم بطريقة تجذب وتغري كما نهى عن إظهار الصوت البشري النسائي بطريقة تغوي وتغري فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ.
لقد كانت المرأة في عهد النبي ﷺ تمشي تكاد تلتصق بالجدار لهن جوانب الطريق والرجال في وسطه، فأين أولياء أمور هؤلاء البنات الذين سمحوا لهن بمثل هذا الخروج؟ يقولون: عطلة إجازة، وهكذا يحصل التسكع من بناتنا وفتياتنا، تكحيل ونقاب على مناظر لأجل الإغواء، وأنواع من المشي، وأنواع من العباءات والملابس اللافتة للنظر والزينات لماذا؟ هكذا يقاد إلى الفاحشة، ويغري الشيطان هؤلاء بهؤلاء، ينبغي على الآباء والإخوان ينبغي على القائمين على الأسر أن يحفظوا نساءهم.
إن الرجال الناظرين إلى النساء | مثل الكلاب تطوف باللحمان |
إن لم تصن تلك الأسود لحومها | أكلت بلا عوض ولا أثمان |
فأين الأسود الرابضة القائمة على قلاع المسلمين يحفظونها من الداخل والخارج؟ ولماذا هذا التساهل وهذا التسيب؟
مفاسد التسكع
إن ظاهرة تسكع الشباب في المناطق السكنية فيها إيذاء للأسر والعائلات، وعندما تقف هذه المجموعة أمام باب العمارة أو هذا البيت لا شك أن فيه إيذاء لأهل البيت، والله قد نهى عن إيذاء المؤمنين والمؤمنات: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواسورة الأحزاب58 لا شك أن لهم عذاباً عند الله، وربما أفضى إلى النظر من خلال الباب المفتوح إلى عورات البيت، ومن اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه[رواه البخاري6888 ومسلم2158]، وفي رواية للنسائي: فلا دية له ولا قصاص[رواه النسائي4860].
إن هذا التسكع يفضي فيما يفضي إليه إلى السخرية بالمارة، ولمزهم بالكلام الجارح، والله قال في كتابه العزيز: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَسورة الحجرات11هذه السخرية تعبر عن شخصية منهزمة، فيها عقدة نقص، تريد أن تكملها بزعمها بهذه السخرية من الآخرين، وبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، هؤلاء المتسكعون لا ينهون عن منكر، ولا يأمرون بمعروف، فإذا رأى منهم أحد منكراً فهل تراه يبادر إلى نهر صاحبه، أو نهيه، أو وعظه، أو تذكيره، أو التدخل لمنعه؟ كلا بل هم يزيدون المسألة اشتعالاً، بل هم أصلاً ممن ينشئون المنكرات ويقارفونها أمام الآخرين، وعندما تصبح القضية مجاهرة كارثة على المجتمع: كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَسورة المائدة79 هكذا لعن الله بني إسرائيل لهذا السبب.
عباد الله: إن اللمز والغمز من هؤلاء المتسكعين سواء كان في واجهات المقاهي، أو في طرقات الأسواق ودهاليزها، أو على الأرصفة، أو أمام المحلات، وعلى نواصي الشوارع، وزوايا الطرقات، إنها سياسة أهل النفاق الذين يلمزون المؤمنين من المنافقين.
ثم التسكع أيضاً يقود إلى ركوب الأحداث مع الكبار في السيارات، فتراه يقف له أمام البيت، أو العمارة، ويواعده، أو يعرض عليه إذا رآه أن يركب معه ليأخذ لفتة، فيلفه الشيطان معه، ويكون فساد الصغير على يد هذا المستهتر المتسكع، بل إن جرائم الخطف التي تحدث وتروعنا أخبارها في الجرائد سواء كان ذلك من خطف الفتيات، أو خطف الصغار إنها من وراء هؤلاء في كثير من الأحيان من المتسكعين، إنه عبث بأعراض المسلمين إنه اعتداء على أمن المسلمين؛ ولذلك فإنك ترى جرائم متعددة تنبني على هذا التسكع، شباب فارغ لا هم عنده إلا هذا الطواف والوقوف بالليل والنهار، فإلى أي شيء سيؤدي؟ إلى الجرائم قطعاً، الفراغ يقود إلى الجريمة؛ ولذلك يبذل المصلحون من الجهود الكبيرة لأجل ملء فراغ الشباب، ونجد - والحمد لله- برامج كثيرة ومتعددة في الواقع تملأ الأوقات لمن يريد الاستفادة من علم شرعي، أو علم دنيوي، أو تدريب مهني، أو صنعة آلية إلكترونية، ونحو ذلك مما يتعلم في هذا الزمان، فإذا كانت صنعات الأولين أكثرها في النجارة، والحدادة، ونحو ذلك، فقد صارت صنعات المتأخرين في كثير منها عبر هذا الحاسوب تصميماً، وبرمجة، وأنواعاً من الإنتاج، والذي يمكن أن يستثمر في نشر دين الله .
والرياضات النافعة التي تقوي البدن، وينبغي أن يوجد من الصالات الرياضية ما يكون فيه من الممارسات الطيبة والتدريبات النافعة التي تحفظ العورات وتمنع تفشي القاذورات، وكذلك تحذر من المخالفات الشرعية التي توجد في عدد من الرياضات شرقيها وغربيها لتكون في النهاية بناءة للجسم والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف[رواه مسلم2664].
هذا التسكع والفراغ اليوم نجده يعبر عنه أحياناً بالتفحيط الذي فيه هذه الحركات المجنونة من المجانين في الطرقات، يروعون بها أمن المسلمين أيضاً، حركات الموت المقابلة، والمدابرة، والسرعات، شلل نصفي، قتل، انحرفت السيارة فأخذت معها ثلاثة، أربع فتيات من بنات المدارس من الضحايا هذه مقتولة، واثنتان بكسور، وثلاثة عشر عاماً بقيت الرابعة على السرير لكنها في عداد الأموات، وآخر اكتشف أن الذي صدمه هو أبوه الذي أنجبه.
عباد الله: مرة أخرى إيذاء عباد الله وإزهاق أرواحهم وترويع الناس: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًاسورة الأحزاب58، إنه يعرض نفسه للهلاك، ومعلوم كلام العلماء في تحريم ممارسة الرياضات الخطيرة التي تؤدي إلى الهلاك في الظن الغالب، وكذلك فيه إتلاف لنعمة الله تعالى بهذه المركبات، والسيارات، وتدمير لها، وتبذير للمال، وكذلك ما ينتج من إتلاف للإطارات، والمحركات، ونحو ذلك، لماذا؟ يقولون: حركات شباب، هذا الجنون من المستفيد منه؟
وربما يكون مثل هذا في بعض المناطق البرية مفسداً لمراعي المسلمين، ومفسداً لمصالح عامة للمسلمين؛ ولذلك فإن محاربة هذه الظاهرة من الأهمية بمكان.
وتسكع بالدبابات موجود في أماكن أخرى فيها أيضاً من قلة الحياء، وأنواع الرذيلة ما فيها، بالإضافة لما يتعرض له أولئك من الدهس والانقلاب، والشاهد أنهم يقولون: بأن عامل الإثارة الذي يدخل في هذه الحركات الخطيرة، والذي يستهوي هؤلاء الشباب الفارغين لأنه ليس لهم هدف كبير، ليس عندهم شيء عظيم من أجله يسعون، فيرون بأن الإثارة هذه والحركات الخطيرة هي الهدف العظيم، وهو الشيء الكبير الذي من أجله يبذلون الأوقات، ويبذلون الاستعراضات، ويبذلون الحياة، وهكذا لما صار الفراغ ولم يكن في نفوسهم لماذا خلقهم الله؟ صار قضية الإثارة، والحركات الخطيرة هي العقدة النفسية التي يدور حولها هؤلاء، والنبي ﷺ قد علمنا بأن من كف شره عن الناس فهو صدقة تصدق بها من نفسه على نفسه.
عباد الله: أين حق الطريق؟ ألم يقل النبي ﷺ: إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها؟ لقد كانت بيوتهم صغيرة ليس فيها مجالس تتسع لهم ولضيوفهم فيضطرون للجلوس أمام البيت، فقال النبي ﷺ: إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[رواه البخاري2465 ومسلم2121].
قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله في شرح الحديث: "وقد اشتملت على معنى علة النهي عن الجلوس في الطرق من التعرض للفتن بخطور النساء الشواب –أي عبورهن ومشيهن-، وخوف ما يلحق من النظر إليهن من ذلك إذ لم يمنع النساء من المرور في الشوارع لحوائجهن، ومن التعرض لحقوق الله وللمسلمين مما لا يلزم الإنسان إذا كان في بيته، ومن رؤية المناكير وتعطير المعارف، فيجب على المسلم الأمر والنهي عند ذلك، فإن ترك ذلك فقد تعرض للمعصية".
لقد جاءت أحاديث ونصوص في قضية آداب الطريق عجيبة جمعها أهل العلم، فقال الحافظ:
جمعت آداب من رام الجلوس على الــ | طريق من قول خير الخلق إنساناً |
افش السلام وأحسن في الكلام وشمــ | ت عاطساً وسلاماً رد إحساناً |
في الحمل عاون ومظلوماً أعن وأغث | لهفانا اهد سبيلاً واهد حيراناً |
بالعرف مر وانه عن نكر وكف أذى | وغض طرفاً وأكثر ذكر مولانا |
فهكذا يجب لمن وقف في الطريق لأي سبب أن يفشي السلام، ويرد السلام، ويحسن في الكلام، ويشمت العاطس، ويعاون في الحمل، ويغيث الملهوف، ويشهد مع المظلوم في حوادث المرور، ويهدي الطريق لمن يسأل عن العنوان، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويغض طرفه، مسئولية كبيرة جداً على الذين يجلسون في الطرقات، أو يقفون في الطرقات مسئولية كبيرة للغاية، أما أن يبقى الإنسان سبهللاً فارغاً، وهكذا تقضى الأوقات وتصرف، وهكذا تفنى الأعمار، وماذا سيبقى للإنسان إلا عمله الصالح، أما عمله الرديء سيحاسب عليه.
ثم أعمارنا هذه كم سيصفو لنا منها؟ هناك قضاء حاجة ونوم وأكل كم سيصفو لنا منها؟ هموم وغموم تعطل الإنسان عن العمل، وآلام نفسية كم سيصفو لك منها؟
إذا كملت للمرء ستون حجة | فلم يحظ من ستين إلا بسدسها |
ألم تر أن النوم بالنصف حاصل | وتذهب أوقات المقيل بخمسها |
فتذهب أوقات الهموم بحصة | وأوقات أوجاع تميت بمسها |
فحاصل ما يبقى له سدس عمره | إذا صدقته النفس علم حدسها |
سدس العمر هذا يذهبونه في هذه التراهات غير النوم، والأكل، وقضاء الحاجة، والأمور الأخرى، فماذا بقي؟ وفي أي شيء يصرف؟
اللهم إنا نسألك أن تجعل أمرنا رشداً، وأن تهدينا لأرشد أمرنا، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من مقيمي الصلاة، تقبل دعاءنا، واغفر ذنوبنا، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادك.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، سبحانه بكرة وأصيلاً، سبحانه خلق الخلق فأمرهم بعبادته، ونهاهم عن معصيته، توعد بالجنة من أطاع، وبالنار من عصى، وأشهد أن محمداً رسول الله الرحمة المهداة، البشير والنذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
خطورة ترويع الأمنين
عباد الله: إن الذين يروعون المسلمين بالسلاح في الأحياء، ويطلقون النيران، ويقومون بالتفجيرات، ويهددون مصالح المسلمين الاقتصادية هذا من أعظم الفساد في الأرض، وأن منع هؤلاء والتصدي لهم أيضاً مما هو من واجبات المسلمين عموماً لا شك أن الذين يروعون المسلمين بالسلاح في الأحياء، ويطلقون النيران، ويقومون بالتفجيرات، ويهددون مصالح المسلمين الاقتصادية هذا من أعظم الفساد في الأرض، وأن منع هؤلاء والتصدي لهم أيضاً مما هو من واجبات المسلمين عموماً، وينبغي أن يكون هنالك إقناع علمي، وأن يكون هناك جدال بالحق، وأن يكون هنالك منع، وأخذ على يد السفهاء، وإن المغامرات التي تذهب بأرواح المسلمين، واقتصاد المسلمين، وتخل بأمن المسلمين مغامرات فاشلة طائشة لا يجني من ورائها المجتمع إلا الخراب والدمار.
ولذلك فإن استعمال القوة في الإسلام موجه إلى أعداء الله وليس إلى المسلمين، إلى نحور الكفار وليس في نحور المسلمين، وإن من القوة ما تقام به الحدود، ويؤخذ به على أيدي السفهاء، ويعزر به العصاة والمجاهرون، ومن القوة في الإسلام ما يكون حفاظاً على بلاد المسلمين، وحياتهم، وأرواحهم، وأموالهم، ومنه ما يكون نشراً للدين، وكسراً للطواغيت، وإزالة للعوائق التي تعيق نشر الإسلام في بلاد الله وأرضه الواسعة.
والذي لا يفهم حقيقة الجهاد في الإسلام يأتي بالعجائب، وليس من مصلحة المسلمين أبداً أن تتحول بلدانهم إلى ساحات للمعارك وإطلاق للنيران، ولا شك أن هذا أمر مفزع فظيع، نسأل الله أن يسلم بلادنا وبلاد المسلمين من كل الفتنة.
جرائم اليهود على أهل غزة
عباد الله: قام اليهود بترويع إخواننا المسلمين، وأمنهم في بلدهم، إنهم يقصفون بالليل والنهار، وفي هذا الفصل من الصيف، في الحر، في الوقت الذي نشعر فيه بمس ولفح جهنم، كما أخبر النبي ﷺ: إن الله أذن لها بنفس في الصيف فذلك أشد ما تجدون من الحر، فإن شدة الحر من فيح جهنم[رواه البخاري537 ومسلم617] عندما نحس بفيحها نتذكر إخواننا المسلمين الآن، وقد قصفت محطات الكهرباء حتى غدا ثلثا القطاع بلا كهرباء، وينبني على ذلك توقف مصالح كثيرة للمسلمين فكيف يعيشون الآن يا ترى؟ وعندما تغير هذه الخنازير اليهودية على مجتمع المسلمين في فلسطين لتخطف حكومة انتخبوها، وأعضاء قد وصلوا إليها بالانتخابات التي هم يزعمون تعظيمها، والديمقراطية التي يتشدقون بتطبيقها، ويتغنى الغرب بها، والعالم ينظر إلى هؤلاء الذين انتخبوا كيف يختطفون، يدخل إلى بيوتهم، وشوارعهم، وتجتاح هذه البلدات المسلمة ليؤخذ هؤلاء، كل داعية ومصلح، وكل مريد للخير، ومن فيه عرق ينبض بالإسلام صار مستهدفاً، وكثير من إخواننا المسلمين هناك قد أعدوا العدة، وتأهبوا لملاقاة هؤلاء اليهود، وزرعوا ألغاماً في مداخل الأماكن التي ستعبرها تلك المركبات اليهودية، وتسلح هؤلاء المسلمون بما لديهم من السلاح القليل في المواجهات البطولية التي يخوضونها، واستنفار عام يعيشون أجواء الجهاد في سبيل الله، والحرب مع أعداء الله، فأي تكافؤ يوجد؟ واحسرتاه على بلاد المسلمين، واحسرتاه لضعف حال المسلمين، واحسرتاه لقلة الناصر، وضعف المعين، لقد تركوا إلى مصيرهم فمن الذي ينقذهم؟ ومن الذين يناصرهم؟ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍسورة التوبة71.
لقد أسفرت هذه الجريمة اليهودية الجديدة عما أسفرت عنه من قتل، وتخريب، وتعذيب للمسلمين بقصف هذه المحطات الكهربائية، فلا شك أن قصفها في وقت الصيف هذا فيه تعذيب جماعي للشعب المسلم هناك، إنها جريمة يهودية غير مستغربة من أخلاق القوم الذين يريدون صلحاً، ويريدون تطبيعاً، ويريدون ألا نشتمهم، ولا أن نسبهم، ولا أن نفسر: غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَسورة الفاتحة7، ولا أن نتكلم عنهم في مناهجنا وبرامجنا، هؤلاء الذين يريدون معنا علاقات تجارية ودبلوماسية، هكذا يفعلون اليوم.
حكم الله فيما يحدث
إن الله له حكم فيما يحدث، وإننا على يقين من أن وراء ذلك بمشيئة الله مصلحة لأهل الإسلام، وإن كان في ظاهرها قتل وتشريد وتعذيب وجراح، وفي هذا الوقت أيضاً تتجلى أخلاق اليهود على الحقيقة، اليهود يريدون أن يلمعوا سمعتهم في العالم، وقد أقاموا مؤسسات إعلامية ضخمة عبر العالم في طوله وعرضه، ودعايات، ولوبيات، وبرامج، ومنظمات، ومواقع، ومحطات، وصحف وإذاعات ليدعوا أنهم كانوا مظلومين أيام النازية ومعسكرات الاعتقال والمحارق، إلى آخره ليظهروا للناس أنهم مساكين، وأنهم يستحقون التبرعات، فإذا بآلتهم العسكرية على مرأى من العالم تري العالم أيضاً من هم اليهود على حقيقتهم.
إن انكشاف الحقائق مهم جداً: لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍسورة الأنفال42، عندما تقصف شواطئ المسلمين، ومدن المسلمين، عندما تنقل الكاميرات تلك الصور المحزنة للمذابح والمآسي يعرف العالم كله أخلاق هؤلاء التي ينفقون الأموال الكثيرة لسترها، والتظاهر بضدها كما يفعل إخوانهم المشركون الآخرون أيضاً.
انكشاف عورات أهل الصليب، وانكشاف سوءات اليهود والمشركين اليوم هو أمر مهم، إنها سلسلة وعتبة مهمة وخطوة عظيمة في المعركة، انكشاف الحقائق، وإذا كانت قضية التطبيع تفشل بإفشال الشعوب لها؛ فإن الشعوب تفشلها بما يترسخ لديها من إحساس بمعاناة المسلمين وآلام المسلمين، فإن الذي يرى هذه المعاناة والألم اليوم لا يمكن أن يطبع، ولا أن يرضى، ولا أن يستقبل، ولا أن يمد يداً، ولا أن يتعاون مع إخوان القردة والخنازير؛ ولذلك فإن للمسألة عند الله حكم، ومن ورائها مصالح، وبالرغم من كل هذا فإن واجب إخواننا علينا باق، وإنه في أعناقنا ورقابنا، وإنه على كواهلنا وأكتافنا أن نقوم لهم بحقوق الأخوة الإسلامية: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌسورة الحجرات10، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات القيامة.[رواه البخاري2442]
إن المعركة التي وضع فيها إخواننا اليوم في غزة في ذلك القطاع وفي الضفة إنها معركة ضخمة جداً، وإن هذا الاجتياح الذي يخشى حتى اليهود المغامرة فيها، وماذا سيحصل من نتيجة المواجهات، وماذا سيترتب عليه، وإن انتعاش البطولات بين أبناء المسلمين، وإن وجود روح الجرأة والإقدام عند هؤلاء الشجعان من المسلمين إنه وحده أيضاً مكسب كبير يضاف إلى المكاسب التي تحققها الأمة حتى من مصائبها، فإن وجود روح التصدي، والمقاومة، والمقارعة مع عدم التكافؤ يدل على استعداد للتضحية، وإذا صارت الأمة على مستوى الاستعداد للتضحية بدأت المكاسب.
أيها الإخوة: إننا نستبشر من وراء ذلك بخير عظيم للإسلام وأهله إن شاء الله، ولكن تبقى الآلام آلام والجراحات جراحات، تبقى الاعتداءات ولا شك مضرة، وينبغي أن تبذل الأسباب في تخفيف معاناة إخواننا، وينبغي أن يقوم الجميع بالواجب لله كل بما يستطيع بالمناصرة المالية والإعلامية والمعنوية، ونحو ذلك من وجوه الخير التي يجب أن نغيث بها إخواننا.
اللهم إنا نسألك أن تنصر المسلمين في الأرض يا رب العالمين، اللهم إن إخواننا قد ظلموا فارفع الظلم عنهم، اللهم إنهم مظلومون فانصرهم، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين، اللهم اخز اليهود والصليبيين والمشركين واجعل نقمتك عليهم يا رب العالمين، اللهم عاجلهم بعذابك، اللهم أسقط عليهم عذاباً من فوقهم، اللهم ائتهم من حيث لا يحتسبون، اللهم خذهم أخذاً وبيلاً، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، أنت الواحد القهار الكبير المتعال لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، اللهم خذهم يا رب العالمين، اللهم امكر بهم وزلزلهم، اللهم إنا نسألك الصغار عليهم، اللهم اجعلهم أذلاء مهزومين، اللهم واجعل المسلمين أعزاء منتصرين، اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل المسلمين، اللهم إنا نسألك أن تجعل بلادنا في أمن وخير وعافية، اللهم اجعلنا ممن يذكرك ويعبدك ويوحدك ولا يكفرك، اجعلنا ممن يشكرك وينيب إليك ويتوب يا أرحم الراحمين.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَسورة النحل 90، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.