الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن ربكم تعالى قال في كتابه العزيز: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًاسورة النساء 58.
والأمانات: كل ما ائتمن عليه الإنسان وأُمر بالقيام به، فأمر الله تعالى عباده أن يقوموا بأداء الأمانات كاملة.
أنواع الأمانة
والأمانة على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: أمانة العبد مع ربه وهي: ما عهد إليه تعالى من الأمور التي أمره بالائتمار بها والانتهاء عما نهاه عنه، وقد ورد أن المعاصي كلها خيانة لله .
والأمانة الثانية: أمانة العبد مع الناس ومن ذلك: رد الودائع إلى أربابها، وعدم الغش في المعاملة مع الآخرين، وحفظ السر، ونحو ذلك مما يجب للأهل، والأقارب، وعامة الناس من الحقوق، ويدخل فيه أيضاً مسؤولية الرجل نحو زوجته، وعدم إفشاء سر العلاقات الزوجية، وخصوصاً هذه الخصوصيات، وقد قال النبي ﷺ: إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها[أخرجه مسلم 1437]رواه مسلم.
إن من أعظم الأمانة أي: من أعظم خيانة الأمانة حصول هذا الإفشاء، عندما تكون المباشرة فيظهر السر، ويفشي ما كان من ذلك، وهذا نتيجة لقلة حيائه، وقلة أدبه.
والنوع الثالث من الأمانة: أمانة الإنسان مع نفسه، بأن يختار لها الأصلح والأنفع في الدين والدنيا، ولا يقدم بها على ما يضرها، ويتوقى أسباب ضعفها ومرضها، كل ذلك من أمانة نفس الإنسان عليه.
ومن عظم شأن الأمانة: أن النبي ﷺ أمر بأدائها حتى إلى الخائن، فقال ﷺ: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك[أخرجه الترمذي 1264]. رواه الترمذي، وهو حديث حسن.
ما معنى ذلك؟ أي: لا تقابل خيانته بخيانة، ولو ائتمنك فأد الأمانة إليه، فلو قلت: إنني موظف عنده، قد ائتمنني على أمواله، وبضاعته، ومحله، وخزنته، وعلى حساباته، ثم إنه أجحف بحقي فأكل بعضه، وظلمني، فهل آخذ مما ائتمنني عليه مقابل حقي الذي أكله؟
الجواب: إذا كان قد ائتمنك وأنت مؤتمن فلا يجوز ذلك؛ لأجل هذا الحديث: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك[أخرجه الترمذي 1264].
عباد الله: المسؤولية العظيمة، والمهمة الجسيمة التي أبت الجبال بعد السماوات والأرض أن يحملنها إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًاسورة الأحزاب 72. حُمّلناها ولا خيار لنا إلا بالقيام بها، تكليف من الله لعباده، الفرائض التي افترضها علينا، الدين كله أمانة، الطاعة هي الأمانة، القيام بما أوجبه الله علينا مسؤولية عظيمة، التزام بحق عظيم، الأمانة أحد العنصرين اللّذَين إذا توفرا في الشخص المسؤول صاحب المكانة، والذي أنيطت به المهمة، وكلف بها، نجح وأفلح، وقد قال الله تعالى:إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُسورة القصص 26.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإن الولاية لها ركنان: القوة والأمانة كما قال تعالى: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُسورة القصص 26. وقال صاحب مصر ليوسف : إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌسورة يوسف 54. وقال تعالى في صفة جبريل : إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍسورة التكوير 19-21.
فكل عمل يحتاج لإتمامه إلى قوة وأمانة، المدرس، الطالب، الداعية، المهندس، الطبيب، الصانع، العامل، الوكيل، إذا لم تكن هناك قوة تجعله قادراً على أداء العمل، وأمانة تحميه من الغوائل والاعتداء، فإن ذلك العمل سيفشل، إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه[أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 4930].
مدار الأمانة على تقوى الله وخشيته، الأمانة مما أمر به الرسول ﷺ، واعترف الكفار بذلك عند الكفار، فلما سأل هرقل أبا سفيان: إلى ما يدعو إليه هذا النبي الذي ظهر فيكم، ثم قال له: سألتك بماذا يأمركم، فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة، وهذه صفة نبي.[أخرجه البخاري 2681].
خيانة الأمانة من صفات المنافقين
أما خيانة الأمانة فمن صفات المنافقين إذا اؤتمن خان[أخرجه البخاري 33]. بل إن النبي ﷺ نفى الإيمان عن الذي يخون الأمانة: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له[أخرجه أحمد 11975].
وتقل الأمانة في الناس شيئاً فشيئاً حتى يأتي وقت في آخر الزمان، وصفه النبي ﷺ في حديث حذيفة: إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال نزلت في جذر وهو: الأصل من كل شيء قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة ثم حدثهم النبي ﷺ عن رفع الأمانة، فقال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، وهكذا هو أثر النار الوكتمثل أثر الوكت ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل إذاً المجل: أثر العمل على الكف، فهو يخف، ينام ويستيقظ فيخف الأثر، تخف الأمانة، قال ﷺ يشبه بقاء الأثر: فيبقى أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً وليس فيه شيء فالأمانة تذهب حتى لا يبقى منها إلا هذا الأثر الموصوف، التنفط: الانتفاخ الذي يصيب اليد من العمل، ويصير كالقبة، فقاعة فيها ماء قليل، هكذا يبقى أثر الأمانة، فيقول: فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدي أمانته فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال: إن في بني فلان رجلاً أمين، ويقال للرجل: ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان حذيفة يقول في آخر الحديث: "ولقد أتى عليّ زمان وما أبالي أيكم بايعت" يعني: في البيع والشراء؛ نظراً لوفور الأمانة في الصحابة والجيل الذي بعدهم، فلم يبال حذيفة في البيع والشراء؛ لأن الأمانة منتشرة في الناس، أما في آخر عهد حذيفة يقول: "فأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلاناً وفلاناً"[أخرجه البخاري 6497]. الذين يعرفهم فقط بالأمانة، فإذا كان هذا في وقت حذيفة، وهو لا يزال وقت عافية الأمة فما البال إذاً بوقتنا هذا، الأمانة التي ترفع وتسلب فيصير الأمين خائناً بعد أن كانت عنده أمانة، ومن خالط أهل الخيانة صار منهم، فتجد الموظف كان أميناً، ثم خالط شلة من المرتشين فصار مرتشياً، ورفعت الأمانة من قلبه.
إن من عظم الأمانة يا عباد الله: أنها تكون على الصراط عند عبور المسلمين عليه، فقال النبي ﷺ: يجمع الله تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول– أي متواضعاً -: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم، لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله، فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذلك، إنما كنت خليلاً من وراء وراء– يقولها متواضعاً – اعمدوا إلى موسىﷺ، الذي كلمه الله تكليماً، فيقول موسى ﷺ: لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى عيسى تمر على الأنبياء واحداً واحداً يدفعها لكي تظهر منزلة الذي سيقبل القيام بها، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه، فيقول عيسى ﷺ: لست بصاحب ذلك، فيأتون محمداً ﷺ فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين ثم كمر الريح، ثم كمر الطير، وشد الرجال تجري بهم أعمالكم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباديأتي أصحاب الأعمال القليلة حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً، وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورةلا تفوت عليها شخصيات، لا يمكن خداعها بآلات، إنها مأمورة من الله، ولا تحتاج إلى إثباتات لمعرفة من أمرت بأخذهم، فإنها مأمورة من الله، هذه الكلاليب المعلقة مأمورة بأخذ من أمرت به، يلتقط من بين المارين فيلقى في جهنم، فمخدوش ناجٍ، ومكدوس في النار[أخرجه مسلم 195]. إذاً لماذا أوقفت الأمانة والرحم على جنبتي الصراط؟ قال العلماء: لعظم أمرهما وكبر موقعهما تقومان لتطالبا كل من يريد الجواز بحقهما هات حقي يا أيها المار فوق الصراط فوق جهنم هل أديت حقي في الدنيا، باقي عليك منه شيء هاته الآن، خنت هات الآن، قطعت الرحم تعال، تعال، كيف تمر ولم تؤد الأمانة، أو قطعت الرحم، الأمانة على جانب الصراط هكذا تطالب المارين بالحق، وجهنم قعرها سبعون خريفاً، عميقة، سحيقة، وهكذا عظم الأمانة عند الله.
أمانة الآباء والطلاب والمدرسين أيام الامتحانات
أيها المسلمون: هؤلاء أولادنا على أبواب الاختبارات، والامتحانات في الدنيا هذه، وتتطلب القضية أمانة كبيرة من المدرس والطالب، والذي يخون في المراقبة والأسئلة، أو الذي يخون في الغش، وسرقة المعلومات، عمل عظيم منافٍ للأمانة، تزوير ممقوت، وخلق مذموم، وخيانة وجريمة، وما هي النتيجة؟ تخريج طلاب زوراً وبهتاناً، ليكون في مستقبل أمره بشهادة شبه مزورة، فيموت الإبداع ويقتل الطموح، وتشيع الخيانة، وينتشر الضعف، وتهزل مراكز العلوم والإنتاج، لقد تولاها الغشاشون والمزورون، والذين لا كفاءة لديهم وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌسورة النــور 15.
الأمانة في المدرس الذي يضع الأسئلة، ويحرص على أن لا تنتشر؛ لأنها اختبار لقدرات الطلاب، وما الفائدة إذا كانت معروفة، فزال الهدف من الاختبار إذاً، لمعرفة كم حصل من المنهج، وكم أخذ من المذاكرة، فلا يكون للاختبار إذاً فائدة، وعندما تسمع الأخبار العجيبة عما يدور من الانكشافات والبيع والشراء، في مهزلة كبيرة فإنك تدرك إذاً ما هي الخطورة في هذا الموضوع، وكذلك إذا صارت الدرجات بالمعرفة؛ لأنه قريبه، أو ابن صديقه، أو ابن شخص ذا مال، أو رئاسة، فماذا سيكون في قلب الطالب الذي جد واجتهد، عندما يرى غيره يحصل على ما لا يستحقه، فيتساوى الذي جد واجتهد مع الذي لعب ولهى، فإن ذلك محض الظلم، ومخالفة العدل، وكما أن غمط الحق أيضاً ظلم، فيعطى الحق لصاحبه، ولو كان ليس بينك وبينه ارتياح نفسي، أرسل النبي ﷺ عبد الله بن رواحة إلى اليهود في خيبر ليخرص عليهم الثمار – ليحسبها – والزروع ويضمنهم ما للمسلمين منها، يأخذ حق المسلمين ويعطيهم ما اتفق عليه، مقابل تعبهم، فأراد اليهود أن يعطوه رشوة فقال : تطعموني السحت؟ والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إليّ يعني النبي ﷺ ولأنتم أبغض إليّ من عدتكم من القردة والخنازير، ولا يحملنّي بغضي لكم وحبي إياه أن لا أعدل عليكم مع أني أبغضكم وأحبه لكن هذا لن يحملني على أن لا أعدل عليكم، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض[أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 11626]. وأما الذين يغشون فستأتي الوقفة معهم.
تذكر اختبارات الآخرة عند اختبارات الطلاب
عباد الله: في هذه الاختبارات وفي معمعتها نتذكر اختبارات أهم بكثير، باختبار القبر، وبالأسئلة فيه، من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ السؤال عن الاعتقاد الصحيح، وعن العمل، المنافق لا يمكن أن يجيب، ولو كان يعرف الأجوبة في الدنيا؛ لأن الله لا يثبته إنما يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءسورة إبراهيم 27. ستكون هناك أسئلة، ستكون هناك وقفة امتحان هائلة، ثم قال النبي ﷺ: ينزل الله مطراً كأنه الطل يعني: يوم القيامة فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال: يا أيها الناس هلم إلى ربكم وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَسورة الصافات 24.[أخرجه مسلم 2940]. الحديث الصحيح يبين إذاً ما ورد فيه عند مسلم رحمه الله أن هناك أسئلة وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَسورة الصافات 24.هذا بعد السؤال في القبر، فتشرأب الأعناق، وتتلهف القلوب لسماع النتائج، ومعرفة الناجحين، وترتفع أصوات الطرفين، فالذين فازوا ونجحوا يصيحون: انظروا إلينا أيها الناس، لقد تعبنا وجهدنا في الدنيا، وعملنا، لقد بلغ منا الكد ما بلغ، وأصوات الطرف الثاني خافتة، حزينة، أسيفة، كسيرة، على ما ضاع عليهم من الوقت في المهزلة، واللعب؛ لأن المؤمن الذي ينجح يومئذٍ ويفوز، يقول معبراً عن فرحه: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْسورة الحاقة 19. إذا كان صاحب الشهادة المتفوق في الدنيا إذا خرج من غرفة توزيع الشهادات يريد أن يري شهادته لكل أحد، التفوق، ففرحة ذلك أكبر بكثير في الآخرة وهو يقول: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ من العمل الصالح والتعب في طاعة اللهبِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِسورة الحاقة 19-24.
ماذا يقول الفاشلون في الدنيا عندما يخرجون بشهادات رسوب، لا يريدون أن يراها أحد، يخفيها في جيبه، ويريد أن يفر من الأسئلة التي تلاحقه، كم؟ ماذا أخذت؟ وفي الآخرة الأسف أعظم وأشد، والحزن أكبر يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ في الدنيا هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ في الدنيا خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُسورة الحاقة25-32.
إن الفوز في الآخرة يا عباد الله أن يباعد الإنسان عن النار فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَسورة آل عمران 185.وينبغي أن نكون على أولادنا لنجاح الآخرة أحرص من نجاح الدنيا، مع الحرص على كل ما ينفع؛ لأن النبي ﷺ قال: لا تعجز احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز.
ثلاث وصايا عظيمة جداً لأي إنسان يبتغي نجاحاً احرص على ما ينفعك واحد استعن بالله اثنين لا تعجز ثلاثة احرص على ما ينفعك في الدنيا والآخرة استعن بالله التوكل على الله، تفويض الأمر إلى الله لا تعجز عن الأخذ بالأسباب؛ لأنه لا توكل صحيح بلا أخذ للأسباب.
عباد الله: إن الجد والاجتهاد ثمرته عظيمة، وحلاوته كبيرة، والذي ينجح غشاً لا يجد تلك الحلاوة، وكذلك فإننا ينبغي أن لا ننسى في غمرة الاجتهاد والمذاكرة ما كان يفعله علماؤنا لمذاكرة العلم الشريف، والحديث النبوي، والحفظ، والتطواف على العلماء، عندما كانوا يسهرون الليالي لطلب حديث النبي عليه الصلاة والسلام وحفظه عندما كانوا يسيرون في الفيافي والقفار، ويتعرضون للمخاطر في سبيل طلب العلم لأجل الأمة.
دببت للمجد والساعون قد بلغوا | جهد النفوس وألقوا دونه الأزر |
وكابدوا المجد حتى مل أكثرهم | وعانق المجد من أوفى ومن صبر |
لا تحسب المجد تمراً أنت آكله | لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر |
والصبر مر، لكن حلاوة النتيجة تنسي مرارة المشقة.
أيها الإخوة: إذا كان المطلوب في هذه المعلومات الحفظ والفهم، فقد كان علماؤنا يحرصون على ذلك، يقول الكيا الهراسي رحمه الله الإمام: كانت في مدرسة سرهنك بنيسابور قناة لها سبعون درجة، وكنت إذا حفظت الدرس أنزل القناة وأعيد الدرس في كل درجة، مرة في الصعود والنزول، والذي يكرر مثل هذا كيف ينساه؟.
عباد الله: ألا يستحق أولادنا أيضاً أن نهتم بهم في صلاة الفجر، في العبادات، في الطاعات، فيما يؤدي إلى النجاح في امتحانات الآخرة، وإذا كانت الشدائد تذكر بحال الرخاء فلنقل: تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة[أخرجه أحمد 2800]. وصية للذين لا يصلون إلا في أيام الامتحانات تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة اللهم إنا نسألك التوفيق والإخلاص والنجاح، والفلاح، يا رب العالمين، اللهم اكتب لنا التوفيق إلى ما تحب وترضى إنك سميع مجيب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وأوسعوا وأفسحوا لإخوانكم يفسح الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
في الجلسة بين الخطبتين يا عباد الله: دعاء؛ لأن من أوقات الإجابة ما بين طلوع الإمام المنبر إلى أن تقضى الصلاة، فليته يكون دعاءً ولا يكون أصوات موسيقية في الجوالات، في هذا الوقت العظيم في الجلسة بين الخطبتين.
احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز[أخرجه مسلم 2664]. وصية النبي ﷺ، كم سيستفيد منها الطلاب لو أخذوا بها؟ المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف[أخرجه مسلم 2664]. نحتاج لأسباب القوة اليوم في مواجهة الأعداء، قوة إيمانية، وقوة مادية، لماذا أنزل الله الكتاب؟ قوة الإيمان، ولماذا أنزل الحديد؟ لنصرة الكتاب فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِسورة الحديد 25. لا بد من اجتماع القوتين: قوة الإيمان وقوة الحديد، قوة الدنيا التي تنكل بأعداء الله، وفي كل خير احرص على ما ينفع، واستعن بالله ولا تعجز[أخرجه مسلم 2664].
وصايا للطلاب والطالبات أيام الاختبارات
وهنالك أسباب للطلاب للنتائج، ومن تلك الأسباب التي نوصي بها أبناءنا وبناتنا:
- الالتجاء إلى الله بالدعاء، بأي صيغة صحيحة: رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري.
- وأن يستعد بالتبكير بالنوم، وليس بأخذ الحبوب المنشطة، والذهاب إلى الامتحان في الوقت المحدد.
- - وإحضار جميع الأدوات المطلوبة، ولماذا يكون المسلم عالة على غيره يسأل الناس؟.
- وليتذكر دعاء الخروج من البيت – رابعاً –بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله [أخرجه الترمذي 3426]. اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي[أخرجه أبو داود 5094].
- والتماس رضا الوالدين مما يرفع مما يرفع المعنويات النفسية، ودعاؤهما مستجاب، دعوة من الوالدين قبل الاختبار قد تجوز بك العقبة.
- سم الله قبل البدء؛ لأن التسمية مشروع في ابتداء كل عمل مباح، فيها بركة، بسم الله أبدأ عملي، بسم الله أستعين به على إنجاز العمل، فأفتتحه وأستعين به، وأطلب منه التوفيق والبركة، معنى كلمة بسم الله.
- اتق الله أيها الطالب في زملائك فلا تثر لديهم القلق، ولا الفزع قبيل الاختبار، فإنه مرض معدٍ، بل أدخل التفاؤل عليهم بالعبارات الطيبة المشروعة، وقد تفاءل النبي ﷺ بالأسماء الحسنة، وقال عندما رأى سهيلاً قادماً: سَهُلَ لكم من أمركم[أخرجه البخاري 2734]. وكان يعجبه إذا خرج لحاجته أن يسمع يا راشد، يا نجيح؛ لأن الرشد والنجاح مما يبتغيه الإنسان، فتفاءل لنفسك ولإخوانك بأنكم ستقدمون امتحاناً جيداً.
- ثم ذكر الله يطرد القلق والتوتر.
- وإذا استغلقت عليك مسألة فادع الله أن يهونها عليك، كان شيخ الإسلام رحمه الله إذا استغلق عليه فهم شيء يقول: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني إبراهيم آتيناه رشده فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَسورة الأنبياء 79.
- حافظ على الجلسة الصحية واستقامة الظهر.
- تصفح الامتحان أولاً، والأبحاث توصي بتخصيص 10% من وقت الامتحان لقراءة الأسئلة بدقة وعمق، وتحديد الكلمات المهمة، وتوزيع الوقت على الأسئلة، خطط لحل الأسئلة السهلة أولاً، والصعبة لاحقاً، وأثناء قراءة الأسئلة لا بأس بكتابة بعض الملاحظات، والأفكار؛ لاستخدامها لاحقاً في الإجابة.
- أجب على الأسئلة بحسب الأهمية، وعدد الدرجات الموضوعة للسؤال، ابتدئ بحل ما تعرف، ثم اشرع في حل الأسئلة ذات العلامات الأعلى، وأخر الأسئلة التي لا يحضرك جوابها، أو ترى أنها ستأخذ وقتاً طويلاً، تأن في الإجابة، قال النبي ﷺ: التأني من الله والعجلة من الشيطان[أخرجه البيهقي 4058]. حديث حسن.
- فكر جيداً في أسئلة اختيار الجواب الصحيح، في امتحانات الخيارات المتعددة، وتعامل معها وفق التالي:
إذا كنت متأكداً من الاختيار الصحيح فإياك والوسوسة، وإذا لم تكن متأكداً فابدأ بحذف الاحتمالات الخاطئة المستبعدة، ثم اختر الجواب الصحيح؛ بناء على القاعدة الشرعية "العمل بغلبة الظن" بغلبة الظن، إذا لم يوجد يقين فالعمل بغلبة الظن، وإذا خمنت جواباً صحيحاً، فلا تغيره إلا إذا تأكدت أنه خاطئ؛ لأن بعض الطلاب يغيرون بلا أي مستند، ولا دليل، ولا قرينة، وقد دلت الأبحاث أن الجواب الصحيح غالباً ما يقع في نفس الطالب أولاً.
- في الامتحانات الكتابية اجمع ذهنك قبل أن تبدأ الإجابة، واكتب الخطوط العريضة لإجابتك ببضع كلمات تشير إلى الأفكار التي تريد مناقشتها، ثم رقم الأفكار حسب التسلسل الذي تريد عرضه، واكتب النقاط الرئيسة للإجابة في أول السطر؛ لأن هذا ما يبحث عنه المصحح، وقد لا يرى المطلوب إذا كان مغموراً داخل العبارات والسطور، والمصحح قد يكون في عجلة.
- خصص 10 % من الوقت لمراجعة إجاباتك، وتأن في المراجعة، وخصوصاً في العمليات الرياضية وكتابة الأرقام، قاوم الرغبة في تسليم ورقة الامتحان بسرعة، ولا يزعجنك تبكير بعض الخارجين، فقد يكونون ممن استسلموا مبكراً.
- وإذا اكتشفت بعد الاختبار أنك أخطأت في بعض الإجابات، كما يفعل بعض الطلاب إذا خرج من القاعة أمسك بالكتاب وفتحه، ثم رمى الكتاب بعصبية على الأرض، وضرب الأرض بقدمه، والجدار بقبضته، لماذا؟ ألم يقل النبي ﷺ في الحديث السابق، المهم جداً: وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، قدَّر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان[أخرجه مسلم 2664].
أما الغش وما أدراك ما الغش، فإنه محرم سواءً في مادة اللغة الأجنبية أو غيرها من غش فليس منا[أخرجه مسلم 101]. الغش ظلم، وطريقة محرمة، وحصول على ما ليس بحق، والاتفاق على الغش تعاون على الإثم والعدوان، فاستغن عن الحرام يغنك الله من فضله، وارفض كل وسيلة وعرض محرم يأتيك من غيرك، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وعليك بإنكار المنكر ومقاومته، والإبلاغ عما تراه من ذلك أثناء الاختبار، وقبله، وبعده، وإذا انكشفت الأسئلة فأخبر المسئولين بانكشافها، وليس هذا من النميمة المحرمة، بل هو من إنكار المنكر الواجب؛ لأنه إحقاق للعدل، ومنع للظلم، وانصح من يقوم ببيعها، أو شرائها، أو نشرها على الشبكة، أو غير ذلك من الوسائل، وهؤلاء الذين يقومون بإعداد أوراق الغش، هؤلاء الذين يقومون بإنفاق الأوقات الطويلة لكتابة هذه الأشياء على الطاولات، والكراسي، والملابس الداخلية، والخارجية، والأرجل، والأرض، والجدران، والأيدي، والأحذية، والرموز الصغيرة، وعلى أدوات الهندسة، وهذه الإشارات التي يتفقون عليها بالأيدي، والأرجل، والأعين، واستعمال الجوالات، ووسائل الاتصالات، والسعالات، هذه الأعمال التي يقومون بها تصويراً، تكبيراً، وتصغيراً، واستخداماً للمسجلات، والمنبهات السيارات من الخارج، والساعات ونحو ذلك، بدلاً من هذا الجهد لماذا لا ينفقونه في الدراسة؟ ألم يكن أجدى وأولى؟
عباد الله: بدلاً من التفنن في الحرام، لنباشر الحرص على ما ينفع، على القيام بما يفيد و من رأى منكم منكراً فليغيره[أخرجه مسلم 49].
عداوة اليهود للمسلمين في فلسطين
عباد الله: إن أعداء الله اليهود قد قاموا في هذه الأيام بحملة شرسة على المسلمين في فلسطين، ولا يمكن أن ننسى إخواننا في هذا الوقت العصيب، خصوصاً وقد أعلنها اليهود حملة دموية ظالمة، لا ترحم صغيراً ولا كبيراً، ويريدون القضاء على هؤلاء المسلمين الذين يقفون في طريقهم، إنهم يريدون هيمنة وتطبيعاً، ومن الذي يقف في طريق المخطط؟ هؤلاء المسلمين، من الذي يعرقل خطط اليهود؟ هؤلاء المسلمين، من الذي يجاهد هؤلاء اليهود؟ هؤلاء المسلمين، من الذي خرَّب اقتصاد اليهود؟ هؤلاء المسلمين، من الذي أقض مضاجعهم وحرمهم الأمن؟ هؤلاء المسلمين، من الذي يقف اليوم في طريق الخطط الكبرى؟ هؤلاء المسلمين، فيريدون الآن شن الغارات عليهم، يريدون إحراقهم وتدميرهم، قتلهم وتشريدهم، يريدون ويريدون، والله تعالى بالمرصاد، وإليه المرجع والمآب وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَسورة الأنفال 30. هؤلاء اليهود أعداؤنا لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَسورة المائدة 82. ولذلك يجب القيام بنصرة إخواننا المسلمين في فلسطين، وتقديم ما يمكن من الدعم، وينبغي أيضاً أن نقوم لله تعالى بواجب مد يد العون لهؤلاء المسلمين، يجب أن لا ننساهم، أن نحرص عليهم، إنه قدسنا، إنه أقصانا، إنه شامنا الذي بارك الله فيه، في المسجد الأقصى وما حوله، إنه مسرى نبينا ﷺ، فعاون عبد الله بكل صغيرة وكبيرة، بما تستطيع، لا بد من مساندة إخواننا، وأن نبتعد كل البعد عن إراقة دماء ليس هذا محلها، ولا أوانها، ولا تجوز شرعاً، إن توجيه السلاح للعدو الحقيقي المشروع هو المطلوب منا، وأما أن نسفك دماء المسلمين، وأن نروع المسلمين، أو أن نرهب المسلمين، أو نتلف ممتلكات المسلمين، فإن ذلك لا يجوز، وإنما يجب أن يخصص أعداء الله بالانتقام، أن يخصص أعداء الله بتوجيه الحراب، أن يخصص أعداء الله بالمعركة، وأما خلط الأمور وتوجيه الحراب للبريء فهذا لا يجوز شرعاً.
عباد الله: إن الحرص على أمن بلاد المسلمين واجب، كما أن قيام المسلمين بما يقض مضجع العدو مطلوب، فلنعرف المعركة الحقيقية، ولا يخرج بنا الجهل والشيطان إلى الغوص والولوغ فيما لا يجوز شرعاً، ولنحكم شرع الله .
أيها المسلمون: إننا نسأل الله تعالى في ساعتنا هذا النصر العاجل لإخواننا المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في أرض فلسطين، وفي سائر الأرض يا رب العالمين، اللهم شد من أزرهم، اللهم امنحهم قوة من عندك، اللهم أيدهم، أنزل نصرك عليهم، أمددهم بجندك، اللهم ثبت أقدامهم، وانصرهم على القوم الكافرين، اللهم سدد رميهم، ووحد على التوحيد صفهم، اللهم إنا نسألك أن تنزل رجزك وعذابك باليهود، اللهم أنزل بهم بأسك ونقمتك، فرق شملهم وشتت جمعهم، اللهم أفشل خططهم، اللهم امنح المسلمين أكتافهم وأموالهم، اللهم إنا نسالك نصراً عاجلاً، وفرجاً قريباً، اللهم انشر أمنك علينا يا رب العالمين، اللهم اجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين، وسائر بلاد المسلمين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.