الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
مقدمة بين يدي الموضوع
فحديثنا -أيها الإخوة- حديث لطيف خفيف عن خلق من خلق الله -.
وفي كل شيء له آية | تدل على أنه واحد |
ندبنا للتدبر في مخلوقاته سبحانه، وخلق لنا ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه، منَّة من الله .
وعنوان الحديث: "أخبار الأشجار".
وهذه الأشجار التي خلقها الله هي من الأحياء، فيها حياة تناسبها كما أن للحيوان حياة تناسبه.
وقد حفل القرآن والسنة عند التدبر والتأمل بذكر أشجار متعددة، وهذه الأشجار لها قصص، وفي كل واحدة منها عبرة وعبر.
فتعالوا في جولة نتفطن من خلالها لأخبار الأشجار في القرآن والسنة.
وهو موضوع جدير بالتأمل؛ لأن التدبر والتأمل من سيما المؤمنين، قال صاحب القاموس: "الشجر من النبات ما قام على ساق أو ما سما بنفسه دق أو جل، قاوم الشتاء أو عجز عنه" [القاموس المحيط، ص: 413].
شجرة النخلة
وقد ورد في القرآن والسنة ذكر لأشجار عديدة فمن ذلك:
أولاً: شجرة النخلة: وهي الشجرة الطيبة التي ضرب الله بها المثل لكلمة التوحيد عندما تستقر في القلب تثمر الصدق في الأعمال، قال الله -تعالى-: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ [إبراهيم: 24] هذه شجرة التوحيد، كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله" إذا استقرت في القلب، ورويت بماء الإخلاص أثمرت الأعمال الصالحة.
وقد ضرب الله -تعالى- مثلاً لكلمة التوحيد في استقرارها في القلب: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ [إبراهيم: 24] قوي في الأرض وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ممتد مرتفع.
هذه الشجرة قال المفسرون: هي شجرة النخلة، ذلك لأنها من أقوى الأشجار، أصلها ثابت، وهذا فيه تشبيه ثبات الإيمان في قلب المؤمن بثبات شجرة النخلة في الأرض.
وكذلك فإن هذه الشجرة التي ضرب بها المثل في المؤمن قد ألغز فيها النبي ﷺ يوماً لأصحابه، فقال كما جاء في حديث ابن عمر عند البخاري: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم حدثوني ما هي؟ قال: فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: فوقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: هي النخلة [رواه البخاري: 61، ومسلم: 2811].
هذه الشجرة ضرب بها المثل للمؤمن في ديمومتها ونضارتها صيفاً وشتاءً، فإنها لا تذبل، ولا يسقط ورقها، فهي باقية، وفائدتها متنوعة، ونفعها عام، فهي تنفع بورقها، في سعفها، وتنفع في ثمرها، برطبه وتمره، وتنفع كذلك بما يكون من ليفها.
وكذلك إذا قطعت فإن باطنها وهو الجمار طعام طيب، وقد حدث أن النبي ﷺ وضع بين يديه الجمار قبل أن يسألهم عن الشجرة، وفي هذا إيحاء بأن الملغز عليه أن يترك مجالاً للربط بين اللغز وبين شيء حاصل حتى تلتفت إليه أذهان الأذكياء والمتأملين.
لا يسقط ورقها إنها مثل المسلم فهي مفيدة يستفاد منها دائماً، وهي باقية.
وهكذا الإنسان المؤمن دائماً مفيد، ودائماً هو قوي الإيمان، ونافع للناس.
وهذه الشجرة هي التي ألجأ المخاض مريم -عليها السلام- إليها؛ كما في قوله تعالى: فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [مريم: 23 - 25].
قيل: كانت يابسة، قاله ابن عباس.
وقيل: مثمرة.
والظاهر: أنها كانت شجرة، لكنها لم تكن في إبان ثمرها، ولهذا امتن الله على مريم بذلك بأن جعل عندها طعاماً وشراباً، فقال: تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا [مريم: 25 - 26] أي طيبي نفساً، ولهذا قال عمرو بن ميمون: "ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب"، ثم تلا هذه الآية: تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا .
فإذا نفست زوجتك -يا عبد الله- فائتها بشيء من الرطب، فإن الله جعله غذاءً لمريم -عليها السلام-، واختاره لها: تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا .
وهذا الكلام الذي ساقه ابن كثير -رحمه الله تعالى- في تفسيره.
شجرة الزيتون
الشجرة الثانية من الأشجار المذكورة في القرآن: شجرة الزيتون المباركة التي ضرب الله بها المثل لنور المؤمن في صفائها في صفاء زيتها ونقائه، فقال الله : اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور: 35].
يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ أي يستمد من زيت زيتون شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ أي ليست في شرق بقعتها فلا تصل إليها الشمس من أول النهار، ولا في غربها فيقلص عنها الفيء قبل الغروب، بل هي في مكان وسط، تعصرها الشمس من أول النهار إلى آخره، فيجيء زيتها صافياً معتدلاً مشرقاً.
وقال تعالى عن هذه الشجرة أيضاً: وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ [المؤمنون: 20].
عن أبي أسيد قال: قال النبي ﷺ: كلوا الزيت وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة [رواه الترمذي: 1851، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 4498].
فهذا ندب لأكل زيت الزيتون والادهان به؛ لأنه من شجرة مباركة طرح الله فيها البركة، ولذلك يستشفى بزيت الزيتون من أمراض كثيرة لا حصر لها ولا عد، وهو مغذ ونافع للغاية.
شجرة اليقطين
والشجرة الثالثة التي ذكر الله في كتابه هي: شجرة اليقطين التي أنبتها لنبيه يونس غذاء وعلاجاً؛ كما قال تعالى: وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [الصافات: 139] إلى قوله: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ [الصافات: 142 - 147] فحصل ما حصل من ذهابه مغاضباً قومه وركوبه القارب مع أناس فلما اضطرب بهم الموج ورأوا أنه لا بد أن يخففوا حمل هذا القارب، لم يجدوا من يتبرع بإلقاء نفسه، فاقترعوا فمن خرجت عليه القرعة ألقوه في البحر، فخرجت القرعة على يونس فألقي في البحر، فقدر الله -تعالى- وأمر الحوت أن يلتقمه، فالتقمه دون أن يهشمه بأسنانه، وإنما ابتلعه ابتلاعاً، فصار في جوف الحوت: فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ من قبل في وقت الرخاء يعبد الله -تعالى- ويذكره لما نجاه الله في وقت الشدة.
وقد قال النبي ﷺ: تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ .
لما دعا ربه في ظلمة الليل، في ظلمة البحر، وقاع البحر ظلام دامس، في ظلمة بطن الحوت: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ [الأنبياء: 87 - 89] فأمر الله الحوت أن يقترب من الشاطئ ويطرحه عليه، فطرحه الحوت في الشاطئ، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين.
واليقطين هو: القرع.
وذكر بعضهم من فوائده: سرعة نباته، وتظليل ورقه، لكبره ونعومته، وأنه لا يقربها الذباب، وجودة تغذية ثمره، وأنه يؤكل نيئاً ومطبوخاً وقشره أيضاً، وقد ثبت أن رسول اللهﷺ كان يحب الدباء ويتتبعه من نواحي الصحفة، أي إناء الطعام.
شجرة سدرة المنتهى
والشجرة الرابعة التي ذكرها الله في كتابه هي: شجرة سدرة المنتهى التي رأى النبي ﷺ عندها جبريل لما عرج به إلى السماء، قال الله -تعالى-: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم: 13 - 19].
جاء تفسير قوله تعالى: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى في حديث أبي ذر عند البخاري -رحمه الله- جاء في الرواية عن النبي ﷺ قال: فغشيها ألوان لا أدري ما هي [رواه البخاري: 3342، ومسلم: 163].
وفي رواية مسلم: فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها [رواه مسلم: 162].
وفي حديث أبي سعيد وابن عباس: يغشاها الملائكة .
وقال النبي ﷺ في حديث المعراج المشهور: لما عرج به جبريل إلى السماء ونفذ به من سماء إلى سماء حتى دخل السماء السابعة قال: ثم رفعت إلي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة قال: هذه سدرة المنتهى [رواه البخاري: 3887].
وتسميتها بسدرة المنتهى؛ جاء في صحيح مسلم قوله ﷺ: وإليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط فيقبض منها [رواه مسلم: 173].
إليها ينتهي ما يعرج من الأرض مثل الأعمال الصالحة للعباد، وإليها ينتهي ما يهبط من الله -تعالى-، فيؤخذ منها وينزل.
هذه سدرة المنتهى، ولذلك سميت: سدرة المنتهى.
فهي شجرة سدر، لكن لأن إليها منتهى أعمال العباد الصاعدة، ومنتهى أمر الله النازل ورزقه وكذا، سميت بسدرة المنتهى.
وقال النووي -رحمه الله-: سميت سدرة المنتهى؛ لأن علم الملائكة ينتهي إليها، ولا يستطيعون أن يجاوزوا بعد ذلك ولا يعلم شيء فوقها، وما يحدث بعد سدرة المنتهى لا يعرفونه، ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله ﷺ، لكنه كان في غاية الأدب: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى .
وهي الشجرة التي ينتهي إليها علم كل نبي مرسل، وكل ملك مقرب، وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله، أو من أعلمه.
وقيل: إليها منتهى أرواح الشهداء، هذه شجرة سدرة المنتهى.
وقوله في الحديث: فإذا نبقها مثل قلال هجر النبق معروف وهو: ثمر السدر.
وقوله: مثل قلال هجر شبه ثمر السدر سدرة المنتهى بالذات بكبره في الحجم؛ لأنه مثل قلال، جمع قلة وهي الجرة الكبيرة المعروفة، يريد أن ثمر هذه السدرة في الكبر مثل القلال.
وهجر اسم بلدة معروفة.
فهو شبه ثمرها في كبره النبق هذا بأنه مثل قلال هجر، هذه الجرار التي تصنع في هجر، كانت معروفة لديهم في ذلك الوقت.
قال: ((وإذا)) هذا الثمر، طيب الورق، قال: وإذا ورقها مثل آذان الفيلة فشبه ورق سدرة المنتهى في الضخامة بأنه مثل آذان الفيلة في الكبر.
الشجرة التي كلم عندها موسى -عليه السلام-
والشجرة التي ذكرها الله أيضاً في كتابه من الأشجار هي: الشجرة التي كلم عندها موسى : قال الله -تعالى-: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص: 30].
هذه القصة التي حصلت لما سار موسى بأهله فأضل الطريق، وذلك في ليل وظلام بعدما قضى الأجل أخذ زوجته من عند الرجل الصالح لما رعى لهم الغنم أطول الأجلين وهو عشر سنين، وهذا من كرمه .
حين سار موسى بأهله فأضل الطريق في ليل وظلام، فآنس مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا [القصص: 29] رأى ناراً تتأجج وتضطرم، فقال لأهله: إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ [القصص: 29] أي عن طريق أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [النمل: 7] أي تستدفئون به.
وهذا يؤخذ منه درس عظيم في رعاية الزوجة والحرص عليها، ومنفعتها وراحتها، فإن موسى قال لأهله: امْكُثُوا هنا في هذا المكان إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ لعلي أجد خبراً أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه: 10] أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ [النمل: 7] وتستدفئون من هذا البرد.
ولم يشأ أن يأخذهم إلى مكان قد يكون فيه خطر، فقال: امكثوا هنا ويذهب هو بنفسه ليرى، وكان رجلاً شجاعاً ﷺ.
فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا [النمل: 8] فلما أتاها رأى منظراً هائلاً عظيماً حيث انتهى إليها والنار تضطرم في شجرة خضراء لا تزداد النار إلا توقداً، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة، رأى شيئاً عجيباً، قال ابن كثير -رحمه الله-: "رآها شجرة تضطرم فيها النار خضراء لا تزداد النار إلا توقداً ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة، ثم رفع رأسه فإذا نورها متصل بعنان السماء" [تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 6/ 162].
فهذه الشجرة المباركة التي كلم الله عندها موسى ، وقال له: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ [طه: 14]، وعرفه بنفسه، وجعله رسولاً عند تلك الشجرة، وجعل له آيات ومعجزات عند تلك الشجرة.
فهذه الشجرة العظيمة في الوادي في يمينه في البقعة المباركة كانت أيضاً شجرة مباركة.
شجرة الخلد
ومن الأشجار التي ذكرها الله في كتابه أيضاً: شجرة الخلد.
وهذه الشجرة التي كانت امتحاناً وابتلاء لآدم وزوجته حواء، قال الله -تعالى-: وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [الأعراف: 19] هذه الشجرة بالذات لا تقربها.
وقال تعالى: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى [طه: 120].
وقال سبحانه: فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ [الأعراف: 22].
وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ [الأعراف: 19] هذا ابتلاء وامتحان لآدم وزوجته، قال الإمام أبو جعفر ابن جرير -رحمه الله-: "فالصواب في ذلك أن يقال: إن الله -جل ثناؤه- نهى آدمَ وزوجته عن أكل شجرة بعينها من أشجار الجنة دون سائر أشجارها، فأكلا منها ولا علم عندنا من أي شجرة كانت على التعيين؛ لأن الله لم يضع لعباده دليلاً على ذلك في القرآن ولا من السنة الصحيحة.
وقد قيل: كانت شجرة البر.
وقيل: كانت شجرة العنب.
وقيل: كانت شجرة التين، وجائز أن تكون واحد منها، وذلك علم إذا علم لم ينفع العالم به علمه، وإن جهله جاهل لم يضره جهله به، والله أعلم" [جامع البيان: 1/521].
فإذاً، شجرة من أشجار الجنة عينه له أن لا يقربها، ولكن كل ممنوع مرغوب.
عنده أشجار كثيرة في الجنة يأكل من أيها شاء، واحدة فقط الممنوعة من هذه الأشجار الكثيرة جداً، لكن وسوس إليه الشيطان أن هذه الشجرة بالذات فيها سر، ما نهيت عن هذه الشجرة إلا أن تكون ملكاً أو تكون خالداً، لو تأكل منها تصبح ملكاً أو تكون خالداً مخلداً لا تموت، فأغراه وسول له وزين له ولا زال يوقعه ويجره حتى أكل من الشجرة.
كان آدم وحواء لا يرى كل واحد منهما عورة، لا عورته ولا عورة صاحبه، مستورة العورات، لما أكلا الشجرة ظهرت العورات.
بسبب المعصية انكشفت العورات، كانت مستورة بستر الله، لما أكلا الشجرة ظهرت العورات: وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ [الأعراف: 22] لستر العورات.
قال العلماء: ستر العورة مما علم بالعقل والفطرة ستره، ولذلك أول ما حصل لآدم وحواء انكشاف العورة، أدى مباشرة اندفعا إلى ستره وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ [الأعراف: 22] لعل هذه تستر.
شجرة الأيكة
ومن الأشجار التي ذكرها الله في كتابه أيضاً الشجرة السابعة هي: شجرة الأيكة التي كانت فتنة للقوم الظالمين، وهم قوم نبي من الأنبياء، من هو؟ شعيب .
شجرة الأيكة قال المفسرون: شجرة ملتف كالغيضة كبيرة وعظيمة كانوا يعبدونها.
أرسل الله إليهم شعيباً ليقول لهم: أن هذا الشجر لا ينفع ولا يضر اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: 59] اتركوا هذه الشجرة، لكن استكبروا وأصروا على عبادتها: كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 176] مع أن شعيباً أخوهم ومنهم، لكن قال الله -تعالى-: إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ [الشعراء: 177] فقطع نسب الأخوة بينهم؛ لأنهم قد قطعوا الإيمان والدين والتوحيد، فلا عاد سبب ولا نسب ولا علاقة لما أنهم صاروا كفاراً مصرين وهو إنسان مؤمن موحد.
هذه الأيكة كانت فتنة، ولا زال الشيطان يوقع بني آدم في عبادة الأشجار والأحجار من زمن قديم وإلى يومنا هذا، أشجار تعبد من دون الله.
وقد قطع الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في نجد شجرة كانوا يصرفون إليها أنواع من العبادة من دون الله، وكانت المرأة التي لا تحمل تتمسح بها ترجو ولداً، ونحو ذلك من الترهات.
وكذلك حصل من الغلو في أشجار متعددة وكثيرة -كما مر معنا في الدرس الماضي- عن بعض المشركين في هذه الأمة كيف أنهم لا زالوا إلى الآن يعبدون بعض الأشجار، والنبي ﷺ لما مر بأصحابه على مكان، قالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؟ هذه شجرة كان المشركون يعلقون أسلحتهم عليها يرجون بركتها ويرجون النصر عندها، إلى آخره، فالنبي ﷺ حذرهم تحذيراً شديداً جداً وبليغاً من اتباع سنن من كان قبلهم من أهل الجاهلية والتشبه بهم في شركهم [الحديث رواه الترمذي: 2180 بمعناه].
فهذه شجرة الأيكة كانت فتنة للقوم الظالمين أصروا على عبادتها من دون الله.
شجرة الزقوم
والشجرة الثامنة التي ذكرها الله في كتابه هي: شجرة الزقوم: وهي من طعام أهل النار، هي التي قال الله -تعالى- عنها: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ [الإسراء: 60].
وقال الله -تعالى- عنها أيضاً: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * آكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * مَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * شَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * شَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ [الواقعة: 51 - 55] كالإبل العطاش هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ [الواقعة: 56].
وقال الله -تعالى- في سورة الدخان:إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: 43 - 49] هذا استهزاء به: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: 49] ولا لا هو عزيز ولا كريم، ِ إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ [الدخان: 50].
وقال الله -تعالى- في سورة الصافات: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ [الصافات: 62-3]
ماذا قال الظالمون؟ قالوا: شجرة في النار! النار تحرقها؟! كيف تكون شجرة في النار؟! هذا هراء.
الشجر إذا صار في النار يحترق! فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ .
وكذلك قيل: إن أبا جهل -عليه لعنة الله- لما سمع هذه الآية قال: هاتوا لنا تمراً وزبداً، وجعل يأكل من هذا ويقول: تزقموا فلا نعلم الزقوم غير هذا" يعني من باب الاستهزاء والسخرية، قال الله -تعالى-: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ [الصافات: 62 - 64] وسط الجحيم، مخرج شجرة الزقوم من وسط نار جهنم.
طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ [الصافات: 65] طلع هذه الشجرة في القبح مثل رؤوس الشياطين.
وقد استقر عند العباد قبح صورة الشيطان، حتى أنهم إذا أرادوا أن يصوروا شخصاً قبيحاً صوروه بصورة الشيطان، ولو رسموا الشيطان من بنات أفكارهم رسموه شكلاً قبيحاً.
وقال الجاحظ: كنت قاعداً مرة فجاءت امرأة ومعها رجل من أهل الحرف، يعني يعمل في الصياغة، فأشارت إليه فقالت: مثل هذا، فمريا، فاستعجلت وتبعتهما، فذهبا إلى دكان صائغ، ثم انصرفت المرأة، فقلت للرجل: ما هي القصة؟ قال: إنها جاءت فقالت لي: انقش لي على هذه القطعة من الذهب صورة شيطان، فقلت لها: ومن أين لي أن أعلم صورة الشيطان؟ فقالت: امض فتبعتها فأشارت إليك.
-طبعاً- الجاحظ يستاهل؛ لأن الجاحظ من المعتزلة، معتزلي، له كتب جيدة في بابه مثل كتاب الحيوان، وغيره فيها أشياء ممتازة، لكن في العقيدة خربان، من زعماء المعتزلة، قيل: سقطت عليه الكتب فقتلته.
فالله قال عن شجرة الزقوم: طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ [الصافات: 65] في القبح فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الصافات: 66] لابد لهم من أكل في غاية الجوع في جهنم.
إذا أكلوا من شجرة الزقوم سيعطشون عطشاً شديداً جداً، فماذا سيشربون؟ قال: ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا [الصافات: 67] يعني على هذا الشوك والزقوم سيشربون فوقه لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ماء متناه في الحرارة، يغلي ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ [الصافات: 68] هذه الشجرة التي كذب بها الكفار، قالوا: كيف تخرج في النار؟ فالله جعلها فتنة للقوم الظالمين، الله يفتن هؤلاء الكفرة ليسقطوا في هذا الامتحان، يكذبون يكفرون وينالون عقابه وعذابه، ولذلك نحن المؤمنين نصدق بالمغيبات ونقول: آمنا به كل من عند ربنا، شجرة تخرج في النار تخرج في النار، لا تحترق لا تحترق، هذه الشجرة التي كلم الله موسى عندها في الدنيا في الدنيا رأى حولها ناراً تشتعل شجرة خضراء شديدة الخضرة، هذا في الدنيا، فما بالك بما يكون أيضاً في عالم الغيب في الآخرة؟
شجرة طوبى
تاسعاً: وقد ورد في السنة أشجار أيضاً ذكرت في السنة، فمنها في مقابل شجرة الزقوم: شجرة طوبى في الجنة: عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، واقرءوا إن شئتم: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة: 30] [رواه البخاري، ومسلم: 2826].
فهذه شجرة طوبى الراكب يسير في ظلها مائة لا يقطعها مائة عام من اتساع الظل، قال الله تعالى: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة: 30] .
وقال النبي ﷺ: طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة عام؛ ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها [رواه أحمد: 11673، وابن حبان: 7413، وهو في صحيح الجامع] من أغصان شجرة طوبى ثياب أهل الجنة تتشقق لهم على قدر كل واحد، حرير من سندس وإستبرق.
وعن عتبة بن عبد السلمي قال: جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فسأله عن الحوض وذكر الجنة، ثم قال الأعرابي: فيها فاكهة؟ قال: نعم، وفيها شجرة تدعى طوبى قال الأعرابي: أي شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليست تشبه شيئاً من شجر أرضك ، فقال النبي ﷺ: أتيت الشام؟ فقال: لا، قال: تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد وينفرش أعلاها ، فهي على ساق واحد وينفرش أعلاها، قال: ما عظم أصلها؟ الأعرابي يسأل، قال: لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرماً حتى تنكسر ترقوة راحلتك هرماً ما يمكن أن تقطع الظل، قال: فيها عنب؟ قال: ((نعم))، قال: فما عظم العنقود؟ قال: مسيرة شهر للغراب الأبقع ولا يعثر ، قال: فما عظم الحبة؟ قال: هل ذبح أبوك تيساً من غنمه قط عظيماً؟ قال: نعم، قال: فسلخ إهابه يعني جلده، فأعطاه أمك قال اتخذي لنا منه دلواً؟ قال: نعم، قال الأعرابي: فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي؟ قال: نعم، وعامة عشيرتك رواه الإمام أحمد رحمه الله، يروى عن النبي ﷺ كما جاء ذلك في مسنده [رواه أحمد: 17642، وقال محققو المسند: "إسناده قابل للتحسين"].
شجرة بيعة الرضوان
والشجرة كما ورد أيضاً في السنة الشجرة الحادي عشرة: الشجرة التي بايع النبي ﷺ تحتها أصحابه على الموت وعلى عدم الفرار كما وقع في غزوة الحديبية لما بلغه خيانة المشركين.
وهذه الشجرة المذكورة في قوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18].
هذه الشجرة: شجرة بيعة الرضوان بايع النبي ﷺ أصحابه، وبايع لعثمان عندها وعثمان غائب، وضرب النبي ﷺ بكفه على كفه الأخرى، وقال: هذه عن عثمان .
وبايعه سلفاً الأكوع ثلاث مرات في أول الناس، ووسط الناس، وآخر الناس.
ما هي البيعة كانت على شيء ما هو؟
بايعوه على الموت، لأنه قيل: أنهم الكفار قد غدروا وقتلوا عثمان واستعدوا للحرب، فالنبي ﷺ بايع أصحابه على الموت أنهم سيقاتلون ويذهبون إلى مكة ويقاتلون بايعهم بيعة على الموت وعلى القتال، وكانوا ألف وستمائة شخص رضي الله تعالى عنهم بسبب هذا الموقف العظيم في نصرة الله ورسوله واستعدادهم التام لتقديم أرواحهم في سبيل الله، وبايعوا النبي ﷺ يضرب كل واحد منهم كفه بكف النبي ﷺ يقول: أعاهدك على الموت، أعاهدك على قتال قريش والكفار، فأنزل الله السكينة والرضا عليهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ يعني من الصدق، أنهم صادقين فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 18] وكفاهم الله مئونة وشر قتال قريش، ورجعوا بذلك العهد الذي كان فتحاً في عالم الدعوة، ودخل الناس أفواجاً في الدين بعد معاهدة الحديبية، وانصرفوا إلى خيبر، وكان لهم مغانم كثيرة في خيبر أخذوها وعجلها الله لهم وكف عنهم أيدي المشركين.
هذه الشجرة بعض الناس في عهد عمر بن الخطاب كأنه صار هناك نوع من الغلو فيها، والذهاب إليها، والصلاة عندها، فأمر عمر بن الخطاب سداً لذريعة الشرك، وكان من أحرص الناس على التوحيد أن تقطع هذه الشجرة، ويخفى مكانها بحيث أنها لا تعود مكاناً أو مزاراً يزار.
وهذا من حكمة عمر .
لذلك قيل: أنهم عثروا على جثة على جثمان النبي دانيال في أحد الفتوحات ولم يتغير، فعثروا عليه عند الغوط في بعض قصور ملوكهم، فأخذوها واستشاروا عمر، فأمرهم أن يدفنوه الصحابة، فرأى الصحابة حفروا ثلاثة عشر قبراً في الليل ودفنوه في واحد منها ودفنوا البقية حتى يضيع مكانه، فلا يصبح مزاراً ولا يعبد من دون الله، ولا يبنى عليه ضريحاً، ونحو ذلك.
هذا من حرص الصحابة على حماية التوحيد جناب التوحيد وسدهم الطرق المؤدية إلى الشرك.
وبالأمس كنا نتكلم كم مزاراً، وبالكذب، وبعضها على جثمان نصراني، وبعضها على جثمان حمار تجعل عليها أضرحة، وأبنية ومساجد.
الشجرة التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب عندها
الثاني عشر: الشجرة التي كان النبي ﷺ يخطب عندها: عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة يخطب عندها، فقالت امرأة من الأنصار أو رجل: يا رسول الله ألا نجعل لك منبراً؟ قال: إن شئتم فجعلوا له منبراً، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، التي كان يخطب عندها، لما فقدت من الذكر والموقف النبوي عندها صاحت النخلة صياح الصبي! ثم نزل النبي ﷺ من المنبر فضمه إليه، ضم الجذع إليه تئن أنين الصبي الذي يُسكن، قال: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها [رواه البخاري: 3584].
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الإسراء: 44] حتى الجمادات.
والله قادر أن يخلق في الجمادات قوة الإدراك، وأن هذه الجذع والنخلة تشعر بالخطبة والكلام الذي يقال عندها من ذكر الله .
شجرة الأرز
ومن الأشجار أيضاً الثالث عشر: شجرة الأرز التي ضرب الله بها مثل الكافر: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد [رواه مسلم: 2809].
وفي رواية: و مثل الكافر كمثل الأرزة المجذبة أو المجذية على أصلها، لا يفيئها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة [رواه مسلم: 2810].
هذه الأرزة قال أهل اللغة: شجر معروف يقال له: الأرزن، يشبه شجر الصنوبر يكون بالشام وبلاد الأرمن ، بلاد الأرمن معروف أليس كذلك؟ مكانه واحد، في بعض جبال لبنان مكانه واحد ما ينبت تقريباً لا ينبت إلا فيه، حتى جعله النصارى شعاراً لهم، ولذلك العلماء قالوا من قديم قالوا: الأرزن شجر يشبه الصنوبر شجر الصنوبر يكون بالشام وبلاد الأرمن.
هذه الشجرة قوية، هذه الشجرة إذا جاءه الهواء هل تنثني؟ هل تنحني؟
لا.
لكن إذا جاءت العاصفة قلعتها قلعاً.
فالكافر يقول النبي ﷺ الفرق بينه وبين المؤمن في البلاء: أن المؤمن يأتيه البلاء يبتليه الله بأشياء فيصبر وينحني ويثني متلائماً مع المصيبة، بصبره واسترجاعه واتخاذه للأسباب، ولا يزال في ابتلاء ونقص في الثمرات والأنفس والأموال.
وأما الكافر فتجده جثة طول في عرض، ربما لا يمرض ولا يشتكي شيئاً، ولا يبتليه الله بابتلاءات ليخفف عنه، أو يرحمه بالابتلاء، أو يرفع درجته، أو يثيب على صبره؛ لأنه ليس له أجر على صبره: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23] لكن كيف يكون حاله؟
إذا جاء أمر الله بالموت وأخذ ملك الموت روحه فيكون انجعافه مرة واحدة مثل شجر الأرز هذا لا ينثني وينحني مع الريح، لكن إن جاءت العاصفة القوية قلعته قلعاً حتى يكون انجعافها مرة واحدة.
قال العلماء: لا تتغير حتى تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي ينتهى يبسه.
وقوله: ((المجذبة)) الثابتة المنتصبة.
والانجعاف هو الانقلاع.
قال العلماء: معنى الحديث: أن المؤمن كثير الآلام في بدنه أو أهله أو ماله، وذلك مكفر لسيئاته، ورافع لدرجاته، وأما الكافر فقليلها، بالنسبة للمؤمن ابتلاءات، الكافر أقل "وإن وقع به شيء لم يكفر شيئاً من سيئاته، بل يأتي بها يوم القيامة كاملة".
السيئات كاملة ما استفاد من المصائب والأشياء التي أصابته.
الشجرة التي تعلمنا منها دعاء سجود التلاوة
الشجرة الرابعة عشرة: شجرة رآها صحابي في المنام تعلمنا منها الذكر الذي يقال في سجود التلاوة.
شجرة علمتنا الذكر الذي يقال في سجدة التلاوة، كما رواه الترمذي وهو حديث صحيح وابن خزيمة وغيره عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله إني رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة، فسجدت فسجدت الشجرة لسجودي، يعني سجود تلاوة، فسمعتها وهي تقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود قال ابن عباس: فقرأ النبي ﷺ سجدة بعد ذلك في الصلاة، بعد القصة هذه حصل في إحدى الصلوات أن النبي ﷺ قرأ سورة فيها سجدة، ثم سجد، فقال ابن عباس: فسمعته وهو يقول يعني في سجود التلاوة مثلما أخبره الرجل عن قول الشجرة [رواه الترمذي: 579، وهو صحيحح].
فهذه رؤيا صالحة صدقها الوحي، والنبي ﷺ قال في سجود التلاوة مثلما سمع الرجل في المنام الشجرة تقوله، أثناء سجدة التلاوة، وقد سجدت الشجرة، وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ [الرحمن: 6].
فما هو هذا الذكر الذي يقال في سجود التلاوة؟
اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود .
الشجرة التي أخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- باستماع الجن له
الشجرة الخامسة عشرة هي: الشجرة التي أخبرت النبي ﷺ باستماع الجن له؛ كما روى البخاري ومسلم عن معن بن عبد الرحمن قال: سمعت أبي يقول: سألت مسروقاً: من آذن النبي ﷺ ليلة استمع القرآن؟ الليلة التي استمع فيها الجن له من الذي أخبره ونبهه أن الجن يستمعون إليه؟ قال: حدثني أبوك، يعني ابن مسعود، مسروق من تلاميذ ابن مسعود يقول: حدثني أبوك يعني ابن مسعود : أنه آذنته بهم شجرة، فكان النبي ﷺ يقرأ القرآن والجن ينصتون، ما انتبه أن الجن يستمعون أنهم حضروا عنده فأخبرته شجرة أن الجن ينصتون إليه ويستمعون، وفي الجن نذر، والرسل من الأنس، الرسل من الأنس، وفي الجن نذر، وهؤلاء الجن الذين استمعوا للقرآن: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا [الجن: 1- 2]، وولوا إلى قومهم منذرين؛ كما قال الله -تعالى- في السورة الأخرى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [الأحقاف: 29، 30]، فكانوا دعاة ونذراً لقومهم، استمعوا للنبي ﷺ، وحدث أن النبي ﷺ قابل وفد جن نصيبين وهم من نعم الجن، وسألوه الزاد وأعطاهم كل عظم ذكر اسم الله –عليه- ينقلب في أيديهم لحماً، يعني أنت إذا ذبحت لك الآن شاة وذكرت اسم الله عليها أنت تأكل اللحم ومن الذي يأكل أيضاً؟ الجن المسلمين، العظم الذي عظم الشاة أو عظم الذبيحة التي ذكر عليها اسم الله ينقلب في أيديهم أوفر ما يكون لحماً، وكذلك أعطاهم البعر علفاً لدوابهم، الروث علفاً لدوابهم، ولذلك نحن نهينا عن الاستجمار بالروث لعدم إيذاء الجن؛ لأنه طعام دوابهم، وهذا قد ثبت في الحديث الصحيح.
فآذنته شجرة بأن الجن يستمعون إليه.
وكذلك فإنه ﷺ قرأ عليهم سورة الرحمن، وكان ردهم حسناً جداً، كلما قرأ عليهم: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن: 13] قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد.
فيندب للإنسان إذا قرأ سورة الرحمن أو سمعها أن يقول هذه العبارة.
الشجرتان اللتان التأمتا على النبي -صلى الله عليه وسلم- لستره عند قضاء حاجته
السادسة عشرة: الشجرتان اللتان التأمتا على النبي ﷺ لستره عند قضاء حاجته: وقد تقدم في المعجزات هذا الخبر، رواه مسلم -رحمه الله تعالى- عن جابر قال: نزلنا وادياً أفيح، فذهب رسول الله ﷺ يقضي حاجته فاتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله ﷺ فلم ير شيئاً يستتر به، فإذا شجرتان بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله ﷺ إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: انقادي علي بإذن الله، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: انقادي علي بإذن الله، فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما لئم بينهما، يعني جمعهما، فقال: التئما علي بإذن الله ، فالتأمتا، قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله ﷺ بقربي فيبتعد، وقال محمد بن عباد: فيتبعد ، أحد الرواة، فجلست أحدث نفسي، فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله ﷺ مقبلاً، وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق [رواه مسلم: 3012].
وهذه أيضاً الشجرة التي تقدم ذكرها أنها شهدت أن النبي ﷺ رسول الله عند أعرابي مشرك فاسق.
الأشجار ذات الثمار خبيثة الرائحة
ومن الأشجار كذلك التي ورد ذكرها في السنة: الأشجار ذات الثمار خبيثة الرائحة التي نهي المسلمون عن قربان المساجد إذا أكلوها، فعن جابر قال رسول الله ﷺ: من أكل من هذه الشجرة أول يوم، قال: أول يوم الثوم، ثم قال: الثوم والبصل والكراث، فلا يقربن في مساجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس [رواه النسائي: 707، وهو حديث صحيح].
إذاً، لا يجوز لمن أكل من هذه الشجرة الثوم أو البصل أو الكراث أن يقرب المسجد لنتن الرائحة، لأن فيه إيذاء للملائكة وإيذاء للإنس أيضاً عباد الله.
ومن الخصائص النبوية وهو شيء فاتنا أن نقوله من الخصائص النبوية: أن من خصائص النبي ﷺ أنه لا يأكل هذه، لأنه قال ﷺ: فإني أناجي من لا تناجي [رواه البخاري: 855، ومسلم: 564]، كل أنت، يقول للصحابي: كل فإني أنا لا آكل لأني أنا أناجي من لا تناجي ، فالنبي ﷺ كان بينه وبين الملائكة كلام، كان يتكلم مع جبريل ومع غيره، ولذلك فحتى لا يؤذي الملائكة ما كان ﷺ يأكل هذا.
شجر الغرقد
ومن الأشجار التي أيضاً وردت في السنة -نختم به متفائلين بالغلبة والنصر على الأعداء-: شجر الغرقد الذي يكشف اليهود للمسلمين ليقتلوهم في الملحمة الكبرى في آخر الزمان.
هذا الشجر كله يكشف إلا الغرقد لا يكشف لأنه من شجر اليهود، قال النبي ﷺ: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر أو الشجرة، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود [رواه مسلم: 2922].
فالغرقد هذا الوحيد الذي لا يكشف من ورائه، ولذلك اليهود يعلمون ذلك جيداً فاليوم هم يكثرون من زراعته في أرض فلسطين التي احتلوها، يكثرون من زراعته ويعلمون تماماً أن هذا الشجر شجرهم، وأنهم مطرودين من هذا البلد يوماً ما، وأن المسلمين سيقاتلونهم، ولكن ليس هذا الجيل الذي أشرب الذل، وإنما سيبعث الله من يخرجهم ويقتلهم شر مقتلة، مقتلة عظيمة جداً جداً، وينهيهم، ويكون الحجر والشجر مع المسلمين في صف المسلمين يتكلم بمكان اليهودي المختبئ ورائها.
المسلمون يعلمون أن الغرقد هذا لا يتكلم، فإذا قدر الله لك أنك كنت فابحث وراء الغرقد، فإنك لا تنتظر منه أن يتكلم.
هذه طائفة من الأشجار التي وردت أخبارها في القرآن والسنة.
بعض الأحكام المتعلقة بالأشجار
هل هناك أحكام متعلقة بالأشجار؟
الجواب: نعم.
فمن الأحكام المتعلقة بالأشجار:
أولاً: عدم جواز قلع شجر حرم مكة، يعني شجر حرم مكة محترم له حرمة، لا يجوز قلع الشجر، والنبي ﷺ قال: لا يقلع شجرها عن مكة، حتى العباس استثنى قال: إلا الإذخر يعني لأننا نحتاجه في سقف البيوت، ونحتاجه أيضاً في الدفن، نحتاج الإذخر، فنزل الوحي وتصديق العباس وإقراره، وقال ﷺ: إلا الإذخر [رواه البخاري: 112، ومسلم: 1355].
فإذاً، يحرم قلع شجر مكة الذي نبت من تلقاء نفسه.
أما ما زرعه الناس يمكن قلعه، لكن الشجر الذي نبت من تلقاء نفسه لا يجوز قلعه.
كذلك شجر المدينة؛ جاء في الحديث الصحيح: أن النبي ﷺ حرم المدينة كما حرم إبراهيم مكة، ونهى قلع شجرها إلا أن يخبط للعلف، فقط يجوز خبط شجر المدينة للعلف، أما قلعه فلا، من عير من إلى ثور، يعني مكان الحرم حرم المدينة الذي حدده النبي ﷺ.
كذلك من أحكام الأشجار، العلماء تكلموا في فدية الشجرة إذا قلعها، قال الشافعي -رحمه الله- : الشجرة إذا كانت كبيرة قلعها ففديتها بقرة والصغيرة، وهكذا... وفي الغصن إذا كسر غصناً يغرم ثمنه يغرم ثمنه يدفع ثمنه ريال ريالين ثلاثة خمسة المهم يدفع ثمن ما كسره.
أما شجر الحل فيجوز قلعه، فالآن إذا أنت في منى تقلع الشجر؟ طيب شوك، لا تقلع، تدفنه بالرمل، تنصب فوقه خيمتك ولا تقلع الشجر لا شوك ولا غيره، ما دام نبتت من تلقاء نفسه.
طيب في عرفة تقلعه لماذا؟
لأنها خارج الحرم؛ لأنها في الحل، عرفة من الحل، منى من الحرم.
من أحكام الأشجار كذلك: أنه كما ذكر الإمام أحمد -رحمه الله- لا يجوز زرع الشجر في المساجد؛ لأن فيه إيذاء للمسلمين، وأخذ أماكن لهم في العبادة، وقال: يجتمع حولها الصبيان ويحدث فيها أذى، ويرمون الأشياء ويسقط ورقها فربما يحصل في المكان عدم نظافة من جراء ذلك، لكن الشيء الأساسي حجر مكان العبادة، هذا مكان موقوف للعبادة فلا يزرع في المسجد شجر، وإذا زرع شجر قال: الثمر يفرق في الفقراء إلا إذا أوقفها صاحبها على المسجد فيباع لمصلحة المسجد، ولكن في الأصل ما يزرع فيه.
ماذا أيضاً من أحكام الأشجار؟
في المساقاة باب أحكام تتعلق بالأشجار استئجار، الاستئجار لسقي الأشجار، والاستئجار للزرع والثمر يكون بحسب ما يتفقان عليه، إلى آخره..
فعلى أية حال: هناك أحكام متعلقة بالأشجار.
من الأحكام مثلاً قالوا: إذا كان أصل الشجرة في بيت الجار وامتدت فروعها إلى الجار الآخر، فماذا يكون الحكم؟
قال: إذا لم يعترض الجار فلا يتدخل المحتسب الذي هو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لكن إذا اعترض الجار فللمحتسب أن يأمره بإزالة ما طال من أغصانه على بيت جاره.
إذا اعترض قال: أنا أريدك أن تزيل ما طال من أغصانك على بيتي، أنا أريد أن أبني أو أريد أن أجعل شيئاً في هذا المكان ويؤذيني أغصان شجرك، فمن وظائف المحتسب ما لم تصل خصومة إلى القاضي، ما لم يكن بينهما خصومة، المسألة واضحة في غاية الوضوح أن يلزم المحتسب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر إلزام الجار بإزالة ما طال عن أغصانه فآذى أو دخل في بيت جاره.
وكذلك تكلموا على القاع في الأرض، إذا طالت الأغصان جذورها دخلت في بيت الجار أو مثلاً خربت في أساسات السور قد يحدث يعني هذا.
على أية حال: هناك أحكام متعلقة بالأشجار، سئل الإمام أحمد -رحمه الله- مثلاً عن ما سقط من ثمار الأشجار، هل يجوز للإنسان إذا كان شجر، فقال: ما سقط خارج البستان يعني تدلت الأغصان وسقطت أشياء خارج السور خارج البستان لك أن تأكل، وأن ما سقط داخله فلا، ولا يجوز أن ترمي شجره وتأخذ الثمر، في بعض الأولاد الأشقياء يرمون شجر الناس لأخذ ثمره، وربما تسلقوا وكسروا الأغصان.
وطبعاً هذا تدخل في حرمة الأشجار حرمة صاحبها، ولا يجوز هذا اعتداء، ولا يجوز مضارات المسلم، هذا نوع من الاعتداء.
كذلك مما يترتب على زرع الشجرة: الأجر على ذلك إذا أخلص النية؛ لأن النبي ﷺ أخبر: أنه ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً يزرع شجرة فيأكل منه الإنسان أو طير أو دابة إلا كتب له أجر، كتب له أجر إذا أكل الإنسان أو طير أو دابة من هذا الشجر فإن له بذلك أجراً.
فهذه طائفة من أخبار الأشجار وأحكامها.
نسأل الله أن يجعلنا من المتدبرين في كتابه وفي أحاديث النبي ﷺ، ويرزقنا الفقه في الدين.
والله تعالى أعلم.