الحمد لله رب العاملين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
مقدمة بين يدي الموضوع
فإن الدعوة إلى عالم الطب من الأمور العظيمة؛ وذلك لعظم الدعوة، وعظم الطب.
فأما الدعوة إلى الله فعظمتها واضحة، كقوله تعالى: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ [سورة الأحزاب:39].
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [سورة يوسف:108]، كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [سورة آل عمران:110]، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [سورة آل عمران:104].
وأما بالنسبة للطب، فإن الطبّ ليس مجرد عمل دنيوي، بل هو فريضة شرعية، ولذلك قرر الفقهاء أن الطب من فروض الكفايات.
قال النووي -رحمه الله-: "وأما العلوم العقلية فمنها ما هو فرض كفاية كالطب، والحساب المحتاج إليه".
الحساب يحتاج إليه في علم المواريث، وغير ذلك من الأمور الشرعية، الطب كذلك تحتاج إليه الأمة[1].
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: "لا أعلم علماً بعد الحلال والحرام أنبل من الطب إلا أن أهل الكتاب غلبونا عليه".
قال حرملة: "كان الشافعي يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطب، ويقول: "ضيعوا ثلث العلم، ووكلوه إلى اليهود والنصارى"[2].
فإذن، موضوع الدعوة من خلال الطب موضوع يمتزج بين أمرين شرعيين في الحقيقة.
أحدهما: الدعوة، والآخر الطب، وكلاهما نبيل، فالدعوة إلى الله ليست حكرا ًعلى قوم معينين، وإنما هي وظيفة عموم المسلمين.
وحيث أن الأطباء يصلون إلى مواقع في التأثير على الناس لا يصل إليها غيرهم، فإن اشتغالهم بالدعوة في أوساط هؤلاء قد يجب عليهم شرعاً في بعض الأحيان وجوبا ًعينياً؛ لأن بعض المعروف والخير لا يتم إلا عن طريقهم، من خلال العلاقة الطبية، وبعض المنكر لا يتم إزالته إلا من خلال هذه العلاقة.
فقد يجب عليهم وجوباً عينياً، وأما في الجملة فإن الدعوة من خلال الطب فرضٌ على الكفاية، وحيث أن الجهل قد عمّ والمنكر قد طمّ فإن الدعوة الآن تكاد تكون فرض عين على الجميع؛ لأن الحاجة لم يحصل القيام بها.
الطبيب الداعية له مميزات قد لا تتوفر في غيره من الدعاة، من ذلك:
تعظيم الناس له في عالم الدنيا، فإن الطب يكاد يكون أرقى المعارف الدنيوية، وإذا قلت للناس: ما هي أعلى، أو ما هي أسمى، أو ما هي أغلى مهنة، أو أفضل وأرقى مهنة في نظركم من الناحية الدنيوية؟
سيقولون: "الطب".
حتى الجامعات التي تعتمد النّسب في قبول الطلاب، ربما يكاد يكون هؤلاء قد أطبقوا على أن أعلى النسب التي تؤخذ من طلاب الثانوية هي لكلية الطب، ثم الهندسة، ثم ...
فإذن، مكانة الطب عند الناس، مكانة الطب كعلم، والطبيب كمهنة عند الناس من الناحية الدنيوية أعلى شيء.
نعم، عالم الشريعة فوق ذلك، لكن نظراً لضعف الدين صار الطبيب عند الناس معظماً أكثر من العالم.
وليس كلهم، لا زال الكثير -والحمد لله- من المسلمين يحفظون للعالم مكانته وحرمته، ولكن لضعف الإيمان صار الطبيب معظماً عند كثير من الناس أكثر من العالم، عالم الشريعة الفقيه، وبالتالي فإن كلام الطبيب عندهم مقدم، أو محترم أكثر من كلام العالم أحياناً.
والمسألة الأخرى غير قضية أن هذا الطب نفيس عن الناس، وينظر إلى صاحبة بنوع من التعظيم والتكريم والتقدير، فإن حاجة الناس إلى الطب عظيمة جداً، فاجتمع تعظيم هذا العلم والمهنة في النفوس زائد حاجة الناس إليه، وبالتالي سيكون موقع هذا الشخص أقوى وأوقع في النفوس.
فتكون المسؤولية الشرعية عليه من جهة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الخير، ومحاربة الشر، ستكون أكبر، أكبر من المهندس، وأكبر من الاقتصادي، وغير ذلك.
ولا شك أن الوجاهة التي يكتسبها الطبيب، هذه الوجاهة لها المكانة المرموقة، نعمة من الله تقتضي شكراً، ومن شكر نعمة المكانة الدعوة إلى الله ونشر دينه والدفاع عنه وخدمة هذا الدين.
وعامل رابع من العوامل وهو: الاحتكاك المباشر بالناس.
فإنك تجد -مثلاً- أن المهندس قد يكون احتكاكه بالمباني أكثر، بالأجهزة أكثر، الطبيب احتكاكه بالناس أكثر، ووصوله إلى الناس أكثر، وتسليم الناس له، وفتح صدورهم وإعطاء أسرارهم، والاعتمادية والموثوقية لكلامه عندهم لا شك أن هذا يزيد المسؤولية الدعوية للطبيب.
إذا أضفنا إلى هذا خامساً: سعة المجالات المتاحة له فهذه المستشفيات، المستوصفات، بيوت الناس، كذلك المدارس، الطبيب يأتي المدارس، يأتي أماكن لا يأتيها غيره.
ومن هنا كان لا بد من النظر جيداً في قضية استثمار هذه المنزلة في الدعوة.
وعندما أدرك غيرنا كالنصارى هذه المكانة وهذا التأثير فقد استثمروا ذلك واستغلوه أيما استغلال.
صفات ينغي توفرها في الطبيب الداعية إلى الإسلام
إذا اشتغل الطبيب بالدعوة إلى الله -يعني في عالم الدعوة- ماذا يمكن أن يعمل؟
أولاً: أن يتصف بالعلم، لا بد أن يكون هناك اطلاع جيد على العلوم الشرعية والبصيرة قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [سورة يوسف:108] هي العلم، هي البرهان وهي اليقين، والعلم قبل القول والعمل.
كذلك الأمانة، فبما أن أرواح الناس أمانة، أجساد الناس أمانة، أموال الناس أمانة، أسرار الناس أمانة، العلاقات الاجتماعية للناس أمانة، وهذه كلها اتصال بهؤلاء الذين يراجعونه، فإنه لا بد من إعطاء هذه الأمانة قدرها.
ونجد أن الطبيب إذا أحسن فإن جزاءه عظيم، وإذا أهمل فإن إثمه عظيم، فإذا أحسن يصل إلى أجر المذكور في قوله تعالى: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [سورة المائدة:32].
وإذا أهمل يتسبب في الوفاة، فيكون أيضاً عليه إثم القتل شبه العمد.
لأن الإهمال الطبي يصعب أن تقول هو عمدٌ خالص، أو تقول إنه خطأ خالص، فهو في كثير من الأحيان يكون شبه عمد وهذا فيه إثم عظيم قد يصل إلى العمد كما يفعله اليوم الأطباء المجرمون بالشام.
وآخر قصة سمعتها أن امرأة من أهل السنة من حمص ضربها المخاض وهي تتحاشى المستشفى؛ لأنها تعرف الطاقم الموجود في المستشفى أنهم من أطباء المجرمين، فكانت تتحاشى، لما اضطرت ذهبت فلقيت من الضرب والإهانة والأذى ما لقيت، وهي في أضعف حالاتها، عند الوضع، لما وضعت توأماً وكان هذا المولود السباعي والذي يحتاج الحضانة، فأخذوهما في الحضانة، والمرأة كانت تحاول أن تكون قريبة، فاحتاج الولدان إلى أشياء مما يحتاج إليه، فذهبت ورجعت فوجدت الأول قد قتلوه، ولما ذهبت إلى دوره المياه قتلوا الثاني.
فإذن، الآن المجرمون في عالم الطب، انظروا كيف أن الطب هذا لما دخله من الطوائف من أعداء الإسلام من دخله، كيف صاروا يقتلون المسلمين، معهم أطباء يأخذون الكلى والكبد وجميع قطع الغيار من المسلمين عند تعذيبهم وقتلهم.
ضمان الشريعة لما أتلفه المتطبب
أما بالنسبة لمسألة التفريط فإن النبي ﷺ قال: من تطببّ ولم يعلم منه طب قبل ذلك فهو ضامن[3].
فإذا كان الطبيب متقناً أميناً أحبه الناس للغاية، يكون قد جمع بين القوي الأمين.
والإتقان مطلب شرعي فإن الله يحب من أحدنا إذا عمل عملاً أن يتقنه.
وإذا كان في عالم الاقتصاد، الإهمال يؤدي إلى خسارة مال فإن الإهمال في عالم الطب يؤدي إلى هلاك الأرواح وإتلاف الأعضاء، تلف الأعضاء.
والطب من الجهة الدعوية في مجال عظيم للاحتساب والإخلاص لله .
فمثلاً، يمكن أن يحتسب الطبيب في علاج الفقراء والمحتاجين، ما يأخذ منهم أُجرة، فيكون له عند الله أجر عظيم. ويمكن أن يعمل فوق الدوام إذا احتاج الناس، فيكون عمله احتساباً أيضاً تبرعاً يؤجر عليه.
أيضاً: ما يكون عليه من رفع المعنويات، هذا يؤجر عليه، كذلك دعاؤه للمريض، وأجر عيادته للمريض، فإن الجولة الصباحية الساعة الثامنة على أسرة المرضى إذا رافقها نية صالحة كانت عيادة مريض مع الأجر العظيم الوارد في ذلك من دعاء السبعين ألف ملك.
وعندما يقول: اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدواً، أو يمشي لك إلى صلاة[4]، عندما يجد من المرضى الصالحين من يجد فإن ذلك من الأذكار والأدعية التي يؤجر عليها، ومن السنن الواردة في الدعاء للمرضى.
فإذا رافق ذلك الطبيب الداعية بالإضافة لهذه الصفات تواضعاً؛ لأنه يؤثر جداً فإن الناس إذا تواضع لهم عظيم القدر أثر فيهم أكثر مما يتواضع الفقير والمسكين.
والبشاشة أيضاً من الابتسامة والهشاشة والبشاشة، وطلاقة الوجه، هذه أمور مهمة للطبيب في الدعوة إلى الله .
الطب والدعوة مجالات، يعني –مثلاً- هو في المستشفى يمارس مجيء الناس إليه، جلوسه معهم باستمرار، وبعض الجلسات طويلة، وبعض الجلسات فيها أشياء؛ خصوصاً الطبيب النفسي، مجال عظيم جداً للتغيير في نفس المريض ويمكن أن يأتي بمبادئ شرعية مؤثرة يناقش بها المريض عن حالته، والأشخاص عن حالتهم، مما يؤدي إلى التأثير فيهم بإذن الله، وليست التخصصات الأخرى ببعيدة عن هذا.
كذلك لو كان صاحب عيادة خاصة، وهناك أطباء عندهم عيادات في مستشفيات عامة، حكومية مثلاً، وعندهم عيادات خاصة ليلية، أو في أيام أخرى، أو هو في أكثر من مستشفى خاص مثلاً.
الطبيب عنده مجالات تنقل واسعة، وعنده مجالات يغشاها ويدخلها، يستطيع أن يدخل أماكن متعددة كثيرة، فقد يدخل مستشفى مدنياً، ومستشفى عسكرياً, وقد يدخل مستشفى حكومياً، ومستشفى أهلياً، وقد يدخل عيادة خاصة، وقد يدخل بيوت الناس، كطبيب معالج أحياناً، فإن بعض الطبقات تجلب الأطباء إلى بيوتها.
وهذه العيادات فيها أماكن انتظار، فوضع النصائح والتوجيهات على كل الأماكن التي يمكن أن ينظر إليها الناس وهم جلوس، ولذلك فإن الإخوة العاملين في الشؤون الدينية، أو في قطاعات الدعوية في المجال الطبي، عليهم أن يفكروا مراراً في استثمار اللوحات والجدران، وأماكن وضع ما يسمى بالبوسترات، أو الشاشات التي فيها أشياء ثابتة، وأشياء متحركة، أن يفكروا جيداً في استثمار هذه الأشياء؛ نظراً للأوقات الطويلة التي يقضيها الناس في قاعات الانتظار.
واستئجار بعض العمال لتوزيع بعض الأشياء على الجالسين مما أعد من قبل الشؤون الدينية في المستشفى شيء عظيم، فإن يمكن أن يمر كل ساعة، بحيث يكون الناس تغيروا مثلاً، أو يُدرس متى يتغير الناس الجالسين، فيتم إعطاؤهم أشياء، مواد. كذلك الشاشات هذه التي توضع في مكان مناسب بحيث يقرؤها، يطلع على ما فيها هؤلاء الجالسين الذين سيشكرون من وضعها، وأيضاً يقدّرون لمن قام بهذا الدين أفادهم قدره، ويدعون له بالخير.
فيكون هذا أفضل بكثير من أن تشغّل قنوات في غرف المرضى مما فيه من الفساد والإفساد بحجة الترفيه.
والعجب ممن يشغل قنوات إفسادية لناس تتألم، فضلاً عن ناس يمكن أن تموت؛ لأن بعض الحالات التي في بعض الغرف خطيرة، فإذا كان هذا موجوداَ فما هو الذي سوف يلقى الله عليه؟، فأنت الآن ماذا تعرض له فيما تبقى من حياته ماذا؟ ولذلك استثمار اللوحات والشاشات والقنوات.
وأقول رابعاً: السنترالات المركزية، وكان لنا تجربة في الهاتف المركزي لمدينة طبية، سجّلنا فيه أمور كثيرة تتعلق بالمرضى، من جهة الإيمان، والتوكل على الله، والصبر، واحتساب الأجر، والابتلاء، وفوائد الابتلاء، ونحو ذلك من الأشياء الإيمانية، بالإضافة إلى الأمور الفقهية كأحكام الطهارة وأحكام الصلاة وأحكام الصيام ونحو ذلك للمريض، وأمور العلاج، والعقيدة الصحيحة في العلاج، والعقيدة الصحيحة في الطبيب، والعقيدة الصحيحة في الدواء، ومن هو الشافي، والعقيدة الصحيحة في الشفاء، والفرق بين العلاج والشفاء، والطبيب يملك العلاج ولا يملك الشفاء.
وأحكام الأدوية؛ لأن من الأدوية ما هو حلال، وما هو حرام، بالإضافة إلى موضوع الرقية، وما يتعلق بالرقى الشرعية والرقى الشركية، وما هي الرقى الشرعية؟ وكيفية التداوي بها؟ أو كيفية الرقية بها.
وأمور تتعلق أيضاً بالطب النبوي، مثل: التداوي بالعسل، وماء زمزم، والحبة السوداء، والعود الهندي، والقسط البحري، والحجامة، والكي، والأشياء الكثيرة الواردة في الطب النبوي كما ذكره ابن القيم -رحمه الله- في المجلد الرابع من المطبوع اليوم من زاد المعاد.
إذن: نحن تكلمنا -يا إخواني- عن الشاشات، والقنوات، واللوحات، والسنترالات، وهذه كلها وسائل مهمة، ومهمة جداً، والمحتسبون أو العاملون في الشؤون الدينية عليهم واجبات عظيمة في قضية اختيار الوسائل، والأماكن، والمحتوى.
المحتوى -يا جماعة-، المحتوى والله العظيم، إنه أمر جلل، شيء كبير.
وأقول هنا تجديد المحتوى؛ لأننا نجد في كثير من الأحيان تعرض أشياء وتستهلك، بمعنى أن الناس قرؤوها وعرفوها، أعطنا التي بعدها، ما هو جدولكم؟، أنتم يا أيها المعدون لهذه المواد، اعطني التي بعدها، اعطني أشياء أحتاج إليها إضافية، هذه قرأتها، فماذا أعددت لي بعدها؟
هذا موضوع مهم جداً، التجديد في المعروضات، ليس شرطاً أن يكون تجديداً في المعلومات، معنى أنك تجيب معلومة جديدة كلياً، ليس شرطاً كلياً أن ما تأتيه تأتي به بأسلوب آخر، فيتذوقها تذوقاً لم يتذوقها من قبل، لم يطعمه من قبل، يتأثر بها تأثراً لم يتأثر به مثله من قبله.
هذا مهم، وإذا كانت المعلومة أحياناً تعرض في القرآن مرة بطريق القصة، ومرة بطريق المثل، ومرة بطريق الموعظة، ومرة بطريق مباشر، تذكر معلومة، لكنها تربط بأسماء لله من أسنائه الحسنى.
فإذن، نحن ينبغي أن نستفيد من الأسلوب القرآني في العرض، بحيث نطور أساليب عرض المعلومات؛ لكي تكون فيها قابلية التسلل إلى النفوس من جهات متعددة، فإن من النفوس من تتسلل إليه المعلومة عبر المثل، أو عبر القصة، أو عبر كذا، بحسب حال النفوس.
الأطباء لهم القدرة على الدخول إلى عالم الكليات والمدارس، ومعنى ذلك: أنك تستطيع أن تعظ حتى في موضوع الأمر الجنسية، وتستطيع أن تنقذ طلاباً أو طالبات من هاوية الفواحش عبر عالم الطب.
وقد قام بعض الأطباء بعمل دراسات في هذا بينت أشياء هائلة وخطيرة جداً من العلاقات المحرمة على مستوى الطلاب والطالبات في الثانوية، مما يبعث على علامات الخطر بكل صورها، وأصوات الإنذار بكل درجاتها؛ كي يستفيق، أو يتحمس، أو يعزم، ويندفع المصلحون لتدارك الأوضاع الخطيرة التي بدأ المجتمع يؤول إليها، ويتدهور حاله فيها ويهوي فيها.
أثر المؤتمرات والندوات على الأطباء من غير المسلمين
المؤتمرات والندوات يمكن أن تكون نافذة خير عظيمة يطل منها الطبيب أحياناً على قوم من غير المسلمين، أو من الخبراء العالميين، ومن المشهورين، ومن البارزين، والمؤثرين، بل ومن أصحاب القرار؛ لكي يلقي برسالته إليهم عبر هذه المؤتمرات والندوات.
وأحياناً تكون ندوات جماهيرية، وأحياناً تكون ندوات تخصصية، وأحياناً تكون ندوات مسئولين، لكن الطبيب دخل فيها كعنصر في لجنة، لجان، المهم أن الطبيب عندما يشارك، عندما يدخل، يدخل على أنه صاحب رسالة عظيمة جداً، أتى لكي يلقي برسالته، ويدخل هذه الرسالة عبر هذه الوسيلة، وكم أسلم ناس في مؤتمرات بسبب مواقف جميلة لبعض الأطباء.
كم تغيرت سياسات كانت ستفرض في البلد بسبب مواقف قويه لبعض الأطباء، كم أضيفت مواد في قوانين كان يجب أن تُضاف، وكادت لتسقط لولا أن منّ الله بطبيب أو بشخص في عالم الطب من أهل الرسالة المحمدية، فكان سبباً في إدخال هذه المادة التي سينبني عليها أشياء؛ لأن العالم يتجه إلى قضية التقنين والقوانين والإلزام بها، وإن كان يدخل في هذا كثير من الأهواء؛ ومن الأمثلة على ذلك تسلل المفسدين عالمياً إلى المنظمات الدولية لفرض الفساد على البلدان المختلفة المنضوية تحت هذه المنظمات الدولية، والتي هؤلاء أعضاء فيها، بحيث تسري عليهم أنظمتها وقوانينها.
ولذلك الأطباء عليهم مسؤولية كبيرة في المنظمات العالمية، دورهم فيها، الوعي بما يُلقى، كتابة ملاحظات، اعتراضات، تصويبات، تقويمات، اقتراحات، بدائل، هذه مهمة جداً.
الشرائح الدعوية التي يهتم بها الطبيب:
ما هي الشرائح الدعوية التي يهتم بها الطبيب؟ كل الناس محل لدعوة الداعية، لكن هناك شرائح من الناس ألصق بالطبيب من غيره، وعلى رأس هؤلاء المرضى، فعندما يناولهم الدواء الروحاني بالإضافة إلى الدواء الجسدي فإن لذلك شأن عظيم، والمريض في حالة ضعف، إذن، هو يتأثر أكثر مما يتأثر عندما يكون صحيحاً، إذن، انتهاز هذه الفرصة مهم.
النبي ﷺ استثمر هذا، كان غلام يهودي يخدم النبي ﷺ، فمرض فأتاه النبي ﷺ يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم ﷺ، فأسلم، فخرج النبي ﷺ يقول:الحمد لله الذي أنقذه بي من النار[5].
أقارب المريض
الشريحة الثانية أقارب المريض، عادة ما يكونون حوله، قائمين، واجمين، قلقين، مستنفرين، مرابطين، مرافقين.
فهنا يمكن أن يعم النفع أهل المريض، لم لا؟ ولم لا يتوجه جزء من جهود الإخوان العاملين في الشؤون الدينية في الحقل الطبي إلى أٌقارب المرضى؟ إلى المرافقين.
برنامج خاص بالمرافقين.
الزملاء
ثالثاً: الزملاء، الطبيب يؤثر على الأطباء أيضاً، فهو لا يمل من تذكيرهم ونصحهم وتوجيههم، والتواصي معهم بالحق والصبر، تواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة.
والرد على الشبهات، الطبيب أقدر من غيره على الرد على شبهة طبيب آخر أحياناً، ويمكن أن يكون فهمه لعقلية ذاك والقانون الطبي الذي يسير عليه، بل أحياناً نوعية البورد الذي يحمله.
وهذه أيضاً للأطباء فيها مدارس ومذاهب، وفيها معتركات خفية، وماذا يعني الانتماء للبورد الألماني، والبورد الكندي، والبورد الأمريكي، والبورد الأردني، البوردات، وما أدراك ما البوردات، عالم آخر من العوالم.
قضية الممرضين، أو الطبقة الأخرى، الشريحة الأخرى، الممرضون، والفنيون، والعمال، المستشفى ليس فيه مرضى وأطباء فقط، يوجد إداريون، يوجد فنيون كما في عالم الأشعة بأنواعها، ومشغلون للأجهزة، يوجد فيها معالجون فيزيائيون، أو علاج طبيعي.
يوجد ويوجد، حتى صارت المستشفيات الآن فيها من أنواع حتى العمالة المتعلقة بالترفيه، والمطاعم، وأشياء كثيرة، كلهم موجودون، مجموعون، -هو مجمّع-، مجمّع، هناك ناس متعددين، لا بد أن توجه الجهود الدعوية لهؤلاء.
نحن الآن لما نقول الشؤون الدينية أو المحتسبون في مجال الحقل الطبي، ويا إخوان أنا أوصيكم ثم أوصيكم الاهتمام بتعليب التجارب وكتابتها لتنفل؛ لأن هنالك الآن صحوة دينية في البلاد الأخرى تريد أن تستنسخ ما لدينا.
فتخيل أن يكون أجرك ممتداً إلى تونس، وليبيا، ومصر، وبلدان مفتوحة الآن تترقب وتنتظر وربما ينظرون إلينا على أنها مثلاً الآن هذه الشؤون الدينية في بلاد الحرمين قد قامت منذ زمن بعيد، وما مثلها في البلاد العربية الأخرى، مثلاً، وأن عندها تجربة، وعندها خبرة.
أين تعبئتكم وتغليفكم لهذه الجهود أو هذه الأنشطة التي قامت في السنوات الماضية، والمكتسبات والدراسات والنتائج والخبرات والتجارب والخلاصات التي خُرج بها؛ لكي تنقل الآن إلى بلاد أخرى، جاهزة، فقط يقول أعطونا الآن..
في بلاد مثلاً خرجت من الشيوعية من زمان، كيف كان الوضع؟ يقول أعطونا أي شيء، بتعطيهم، أنت عندك مثلاً مطوية مرمية، يمكن هي تضرب عنده في خمسمائة ضعف تأثير.
يوجد في الشؤون الدينية في العالم الطبي دورات وحملات، دورات في أشياء لو تقول دورة في الرقية الشرعية أقبل وجاء، لو تقول دورة في الأدوية ما يحل وما يحرم جاء، لو تقول في العلاج مثلاً رفع المعنويات أو تقوية النفوس في الأمور الشرعية للصمود أمام الأمراض باعتبار قوة نفسية المريض، لها دور كبير في استرداد عافيته، كيف تقوّي نفس المريض؟ لجاءوا زرافات ووحدانا.
هذه الدورات لها أهمية بالغة، وهناك دورات الأطباء، ودورات الممرضين، دورات للعمال والفنيين.
وكذلك هناك ندوات، وهناك أيضاً مؤتمرات، فأنصح بالتوثيق، أنت عندما تفعل هم يقولون ديكيومنتيشن، هذا الغرب سبقنا كثيراً فيه، وهذا التوثيق -يا إخوان- له أهميته بالغة في نظري من جهة الأجر الجاري، إذا واحد فكر في قضية الأجر الجاري، الصدقة الجارية.
الصدقة الجارية أنك تعد شيئاً قابلاً للاستنساخ، قابلاً للنسخ، وتجعل حقوق النسخ غير محفوظة، تضعه على الشبكة برابط معين، حمّل، انشر، اعمل، طبّق، نفِّذ.
وتجعله في أعم صيغة ممكنة ليقبل تنزيله في أماكن متعددة، أو تعمل نماذج –مثلاً- شيء للرجل، وشيء للمرأة، شيء للطفل، وأحياناً يكون هناك فروقات، تحتاج المادة أن يُعد فيها فروقات.
وتذكّر حديث النبيﷺ: لئن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النعم[6].
وليست القضية فقط أن الواحد ما يؤجر إلا إذا أنقذ واحداً ما كان يصلي، أو كان ضالاً كافراً صار مسلماً، أو تائباً لا، المعلومة نفسها التي يتعلمها الواحد، واحد يتعلم معلومة؛ ذكر من الأذكار مثلاً ما كان يعرفه.
فنقله إلى غيره، وغيره نقله إلى غيره، وانتشر، كم يكون له من الأجر؟
أساليب الدعوة التي ينبغي أن يستعملها الطبيب
ما هي أساليب الدعوة التي ينبغي أن يستعملها الطبيب؟
لا شك أن الحكمة على رأسها، والأخلاق الحسنة بريدها، والتوقير والرحمة أداتها، والدعاء بالشفاء يسوّغها، والإحسان بالبذل المجاني الذي يفتح النفوس للتقبل فيها.
أما الحكمة فإن الله قال: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ [سورة النحل:125]. وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [سورة البقرة:269] والحكمة هي السنة، وهي العلم، نعم، وهي أيضاً وضع الأشياء في مواضعها.
وعندما يكون الخُلُق الحسن من الرحمة والرفق والبشاشة والسماحة، واللين، والتواضع، هذه السّمة الواضحة في الطبيب أو من يعمل بالدعوة في المجال الطبي فإن التأثير بلا شك سيكون كبيراً، الناس تتأثر بالمعاملة، تكاد تكون أكثر من أي شيء آخر خصوصاً في عالم المادة.
الناس الآن قليل منهم من يقول: اصبر على غلظ المعلم لأستفيد، وسوف أصبِّر نفسي، وأتحمّل غلظته، وأتحمل خشونته وأتحمل قسوته؛ لآخذ من علمه، النادر من هو مستعد اليوم أن يقوم بهذا، الناس أولاً ينظرون إلى ابتسامته، وبشاشته، ولينه، ورِقته، وإحسانه، وتبرعه، وهكذا ينظرون إلى خبرته وعلمه وقوته من الناحية العملية.
الطبيب الذي يمازح الأطفال ويدلل الأطفال هو من أحب الناس إلى الأطفال، وكثيراً ما يقبل الطفل العلاج بسبب معاملة الطبيب، والطبيب إذا صار عنده أشياء في عيادته تؤنس الأطفال، فهذا ليس انطلاقاً من شيء تعلمه من البورد الفلاني؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- علّمنا أصلاً كيف نعامل الأطفال، كان يمازح الأطفال، وكان يدلع لسانه للصبي، فيرى الصبي حمُرة لسانه فيبهش له، وكان... وكان....، كلها، إذا نظرتَ في السنة تجد أن هناك معاملات نبوية فيها نزول لمستوى الصبي لدرجة أن يجعل النبي -عليه الصلاة والسلام- نفسه راحلة يمتطيها ذلك الصبي -مثلاً- أو يساعيه، ويركض ويساعيه ويحاصره، وحتى يعتنقه، فإذن، هذه المعاملة نبوية أصلاً، وليست من علم النفس الخاص بعلاج الأطفال، هذه أصلاً في أساسيات الدين.
وكثيراً ما نركض وراء دورات وتوصيات عالمية وما توصلت إليه البشرية إلا بعد كذا وكذا، لنجد أنها ببساطة عبارة عن آية أو حديث ومضمونها أعظم من هذا.
لكن القوم ما عندهم، هم لماذا ينبهرون بمثل هذا؟ يعتبرون أنهم توصلوا إلى أشياء؛ لأن ما عندهم أصلاً، ليسوا أصحاب كتاب سماوي صحيح، ما عندهم.
فإذن، توصلوا إلى أشياء فعلوها هم يرونها فتحاً مبيناً، وهي عندنا آية وحديث يعرفها أجدادنا وجداتنا من زمان.
التعويذ الشرعي، المسحة الحانية باليد اليمنى كما ثبت في السنة، كان يعوّذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى
ومن فوائد المسح باليمنى على مواضع الألم كما قال العلماء: التفاؤل بزوال الداء؛ لأنه عندما يسمح كأنه يستخرج ويزيل، هذا وجه التفاؤل، كان يعوّذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: اللهم رب الناس، أذهب الباس، اشفيه وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقماً.
فكرة الجولات الطبية الدعوية
أما بالنسبة للجولات الدعوية الطبية، مثل الذهاب إلى القرى والأرياف وأماكن الفقراء، وأحياء الفقراء والدول الفقيرة هذه والله إن فيها من الخير العظيم، والفتح المبين في عالم الدعوة، ومزاحمة أعداء الله من المنصّرين الذين جاءوا لنشر ما يدخل الناس النار.
فإن القيام بهذا من أعظم الطرق في العودة إلى الله ، خصوصاً عندما يكون مجاناً، وخصوصاً عندما يكون الأثر واضحاً، كان في عينه ماء أبيض فزاله فصار يرى، وكان لا يرى، كان عنده آلام شديدة فعالج له المرض فزالت الآلام، كان لا يستطيع فصار يستطيع.
استخدام الطبيب نظام المتابعة الالكتروني
أيضاً من الأشياء التي يمكن أن يفعلها الطبيب بحذر: متابعة الناس بالاتصالات، قد تعطيه أشياء مثلاً علاج معين، علاج جسماني ومعه علاج إيماني، وتريد أن تطمئن إلى أن هذا الإنسان قد أخذ علاجك وأنه مستمر عليه.
لأن القضية قد لا يكفي فيها من الناحية الدعوية هذه المدة التي ستقضيها معه في العيادة، يمكن يحتاج الأمر في اتصال الطبيب مع المريض الرجل، الذكر، واتصال الطبيبة مع المريضة الأنثى، أن هذه متابعات قد تكون هاتفية؛ لأنه أحياناً ما نجد الآن في قضية ازدحام المواعيد، المراجعة بعد شهر، بعد شهرين، بعد ثلاثة.
الآن ممكن نطور نظام متابعة طبي بالإيميل، ببرامج إلكترونية تفاعلية، نظام متابعة إلكتروني تفاعلي، هل هناك شيء من هذا الكلام؟ لا يوجد، اخترعوا لكن ما طبقناه.
إذن: هذه فكرة يمكن أن تضاف، نظام متابعة طبي إلكتروني تفاعلي؛ لأنه الآن مع وجود الأجهزة التي تنقل الصوت وربما الصورة أيضاً، والكتابة بالنص فإن المسألة سهلة، هي أشياء تحتاج -كما يقولون- إلى قرار، لكن القرار ما يصبح قراراً إلا بعد تبنٍ ومثابرة، أحياناً يكون واحد سبباً في تعميم فكرة على البلد، واحد!
الحين السنترال الطبي الشرعي يمكن لو واحد تحمّس له ممكن تلقى السنترال الطبي الشرعي، هذا موجود في كل المستشفيات مثلاً.
وقضية التجرد من الأشياء الشخصية؛ تكون هذه العلاقات ليست علاقات إعجاب، وليست علاقات مالية، وليست علاقات منفعة وشخصية، وتخفيضات، وهذا شخصية في آي بي.
لأن هذه قضية الفي أي بي هذه تريد لها تحليلاً شرعياً؛ لأنه رُبّ في آي بي لا يساوي عند الله جناح بعوضة.
أو كثيراً ما يكون الفي آي بي لا يزن عند الله جناح بعوضة، أو كثيراً يكون الفي آي بي في ميزان الله أثقل من جبل أُحد، ولذلك هذه "الفي آي بي" ينبغي أن تحلل من الناحية الشرعية ويكون فيها شيء من المواعظ، وتوجيهات يعني.
من هو الفي آي بي الحقيقي؟ لما تقول فيري إمبورتنت بيرسون، من هو الفيري إمبورترت بيرسون شرعاً؟
بناءً على حديث: هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا[7].
قالوا: "هذا حريٌّ إن خطب أن يُنكح، وإن قال أن يُسمع، وإن شفع أن يُشفّع، وهذا مدفوع بالأبواب، إن خطب حريّ أن لا يُنكح، وإن قال حري أن لا يسمع، وإن شفع حري أن لا يُشفع"
أنا أظن أن الأطباء يمكن أن ينقلوا مفهوم الفي آي بي نقلة، أو يعملوا فيه نقلة ما –مثلاً- عندما يحتفي أهل الطب من المسلمين والمؤمنين مثلاً بشخص من أهل الدين أو من أهل العلم او من أهل الصلاح، أو من أهل الزُّهد، أو من أهل الفقر والمسكنة، يقدمون نموذجاً لمن هو الفي آي بي الحقيقي، وهذه مسألة أرى أن لها أهمية بالغة.
التذكير بنعمة الصحة، هذا الشيء قد يستطيعه الطبيب أكثر من غيره؛ لأنه يستطيع أن يبينه بالأرقام والمعلومات وليس فقط بالكلام العام، مما يجعل الواحد فعلاً يقدِّر النعمة التي كان هو فيها، أو التي صار إليها بعد شفائه، أو يشكر، ليقوم بشكر هذه النعمة، وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [سورة النحل:78]، حتى في النعم التي ليس سلبها بالمرض، هي موجودة عنده، لكن هو لا يقدِّر قيمتها.
أو أنه فقدها مؤقتاً –مثلاً- أو فقدها كلياً، أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [سورة النحل:71].
التذكير بهذه النعم حري بأن يجعل المُذكّر بها يشكرها ويحسن التعبد ويزداد حباً لله بتذكره وبتذكيره وبتعريفه وتبصيره بها وحقيقتها وأهميتها.
فتح باب الأمل والتبشير بقرب الشفاء، يعني قضية التفاؤل هذه مسألة واضحة في عالم الدعوة الطبية.
من أسس الدعوة الطبية: لا بأس، طهور إن شاء الله ولما قالها النبي ﷺ لرجل، فقال: "كلا، بل حمى تفور على رجل كبير كي ما تزيره القبور، قال النبي -عليه الصلاة والسلام: فنعم إذن[8].
ففأل الإنسان على نفسه من لفظه كثيراً ما يقع منّة من الله عليه، أو عقوبة من الله له.
مسألة الإعجاز العلمي في الدعوة الطبية إذا كان صحيحاً؛ لأننا ابتلينا -مع الأسف- الآن بكلام كثير في الإعجاز العلمي يخالف القرآن والسنة وكلام السلف واللغة العربية وأصول الاستدلال، وقائم على الإعجاب بنظريات غربية يريدون تلبيسها بآية وحديث بالقوة بالعنف بالإكراه، بأي طريقة فيها انحراف لمجرد أن يقولون هذه الموجودة في كذا وكذا، اكتشف الفلان الأستاذ الفلاني كذا، وفيها من التكلُّف ولَي أعناق النصوص ما فيها.
لكن عندما يكون الكلام صحيحاً، وموافق لتفسير السلف للآية، وموافق للغة العربية، ولا يوجد فيه تنطُّع وتكلُّف هذا مما يزيد الإيمان؛ خصوصاً في عصر المادة الذي نحياه اليوم.
الأولويات الدعوية في متابعة الأمور الدينية الطبية
ما هي الأولويات الدعوية حتى الذين يشتغلون في الشؤون الدينية، أو متابعة الأمور الدينية في العالم الطبي؟
أولاً: العقيدة والتوحيد بلا شك ولا ريب، العقيدة والتوحيد، هذا له علاقة كبيرة، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ [سورة الشعراء: 80- 81].
العلاقة بالقضية الطبية واضحة جداً، هذه القضية والتوحيد، العقيدة، اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاءً لا يغادر سقماً[9]، العلاقة بالتوحيد والعقيدة واضحة، من أسماء الله: "الشافي"ويمكن لطبيب مقتدر أن يلقي محاضرة في تفسير اسم الشافي قد يوصل فيها معانٍ في اسم الشافي لا يوصله طالب علم.
أيضاً في محاربة الدجل والخرافات والشعوذة، قد يأتونك بأشياء من المربوطات أو المعلقات، مربوطات في المعاصم في العضد، معلقات في الرقبة، على الصدر، مربوطات على الرأس، هناك مربوطات ومعلقات مخالفة للشريعة، سواء في المكتوب فيها أو في طريقة الاستعمال أو في اعتقاد الناس بها.
بحيث يعتقد إنه هذه هي النتيجة، ولو أزلتها عنه هاج وماج وأُسقط، يعني سقط.
إذن، قضية أن الرقى والتمائم والتولة شرك، التولة ما يحبب المرأة إلى زوجها من سحر وغيره.
كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟
قال: اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً[10].
وقضية التعلق بالله وليس التعلق بهذه الأشياء، ومن تعلق شيئاً وكل إليه، في كتب، يعني هناك فصول في كتاب الإمام محمد بن عبد الوهاب، كتاب التوحيد في غاية الأهمية للطبيب الذي يشتغل في عالم بالدعوة، "الطبيب الداعية"، هذا الكتاب فيه أبواب مهمة للغاية تتعلق بهذا الموضوع.
الأمراض والرقى والمعلقات والحروز والتمائم، وما أكثرها الآن، صار هناك علوم جديدة هي لنهب الأموال في نظري قد تكون يمكن بالدرجة الأولى، الناس يكسبونها منطلقات علمية فلسفية في ادعائهم لكي تروج على العامة.
يعني مثلاً الآن العلاج باليوغا، الأسورة المغناطيسية وادعاءات هائلة، والعلاج بالطاقة، واليونغ، واليانغ، والوثنيات الشرقية والبوذية، وشيء رهيب داخل علينا، والله ما تدري من أين؟، من كل حدب وصوب.
وهذه أسسها أسس وثنية كفرية، شرقية مع إلحاديات الغرب وصلت إلينا الآن تحتاج إلى تصدي، تحتاج الآن لازم الأطباء يقومون، أنتم الآن حتى في عالم الشؤون الدينية في الدعوة إلى الله، ماذا أعددنا من المطويات؟، أو من المادة الإلكترونية؟، اعملها تطبيق جوال -يا أخي، اعملها موبايل أبلكيشن.
دع الناس تنزلها في أجهزتها، وتقرأ هذه الأشياء لنعرف مدى الدجل والشعوذة، ومدى الانحرافات والخرافات والشركيات، بل سلب الأموال مع سلب العقول، وسلب الأديان، وسلب العقيدة.
الذي يحصل الآن نهب، هناك نهب الآن يحصل في هذا الموضوع.
معالجة النبي ﷺ للأطباء
النبي ﷺ كان يعالج الأطباء، كيف؟ عن أبي رمثة قال: "أتيت رسول الله ﷺ مع أبي فرأى التي بظهره – يعني خاتم النبوة – وظن أنها سلعة ناتجة عن مرض.
ظن هكذا أن هذا مثل انتفاخ أو تجمع دموي، ثآليل، ظنها انتفاخات أو أشياء، ظنها شيئاً مرضيّاً.
فقال: "يا رسول الله ألا أعالجها لك؟ فإني طبيب".
لأن الطبيب أحياناً يتدخل في أشياء من ثقته بنفسه أو بطبه يظن مباشرة أن هذا شيء معين، قد يغتر بالظاهر، أو ينخدع بالظاهر، يحصل، أليس الطبيب بشراً؟
فيدخل أيضاً في نفسه ما يدخل في نفوس البشر، فالرجل هذا فعلاً كان طبيباً، العرب كان عندهم بعض الحكماء والأطباء كان يوجد طب عربي وطب شعبي، كان هناك طب، يعني كان –مثلاً- العرب عندهم تفوق في تجبير الكسور، كان عندهم تفوق في الكي بالنار، العلاج بالكيّ، كان عندهم تفوق في الحجامة، كان عندهم تفوق في بعض المركبات والأعشاب؛ لأن فيهم ذكاء، وفيهم نوع من الحصافة والنجابة والفراسة، فكان يقع منهم أشياء تصيب فعلاً في مكانها.
فالنبي ﷺ قال للرجل: أنت رفيق والله الطبيب رواه أحمد وهو حديث صحيح[11].
قال القاري في شرح الحديث: "والله الطبيب" أي العالم بحقيقة الداء والدواء، والقادر على الصحة والشفاء، وليس ذلك إلا لله الواحد الموصوف بالبقاء".
قال بعضهم: أي إنما الشافي المزيل للدواء.
وهذا كقوله ﷺ: "فإن الله هو الدهر" أي الذي تنسبونه إلى الدهر، فإن الله فاعله لا الدهر، فلا يوجب جواز تسمية الله طبيباً، وليس معناها أن من أسماء الله الطبيب، ويأتي من يسمي ابنه: عبد الطبيب!، لا، وإنما المقصود أن العالم بحقيقة الداء والدواء الذي انتهى إليه عل كل شيء من الداء والدواء هو الله وأنت عندك منه شيء، وقد تخطئ وقد تصيب، لكن الذي عنده علم كل شيء فيه هو الله .
وأراد أن يرشد كذلك إلى أن الشفاء بيد الله وليس بيد الطبيب، فما ينسبه الناس إلى الطبيب من الشفاء كما كان ينسب بعضهم أشياء إلى الدهر، فقال: إن الله هو الدهر.لا لأن من أسمائه الدهر، ولا لأن من أسمائه الطبيب، بل لأنه يبين لهم أن ما يعتقدونه في الطبيب هو في الحقيقة لله، وما يعتقدونه في الدهر أن الله هو الذي يفعل الدهر، أن الله هو الذي يفعله حقيقة.
يعني هذا لفهم حديث الله الطبيب والله هو الدهر؛ بناءً عليه يمكن للطبيب أن يصحح عقيدة مريض بحيث يتوجه المريض إلى الله ، ويعلمه التوكل على الله، وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [سورة المائدة: 23].
أهمية طلب العلم للطبيب المسلم
الطبيب طالب علم ينبغي أن يكون عنده نصيب من طلب العلم في تعريف الناس لأحكام الطهارة والصلاة، ومن يتولى الشؤون الدينية في المجال الطبي ينبغي أن يعتني بعبادات الناس، عبادات المرضى، عبادات المرضى لأن بعضها فيها أشياء دقيقة -مثلاً- هناك مرضى أحياناً لا بد أن يجمع بين الوضوء والتيمم؛ لأن هناك أعضاء يمكن غسلها، وأعضاء لا يمكن غسلها، فلا بد أن يأتي بغسل الأعضاء التي يمكن غسلها، ويتيم عن الأعضاء التي لا يمكن أن يتم غسلها.
هناك أشياء دقيقة، وقد يسألك ويقول: أتيمم قبل أو بعد أو في مكان العضو؟ افرض أن العملية في أنفي؟.
وقد تكون اللاصقة على العين، لكن تشمل أجزاء من الوجه والجبين مثلاً، والحاجب، يعني شيء حقه الغسل؛ لأن الشعور المغسولة في الوجه عِدّة، يعني يجب غسل شعر الشارب، يجب غسل شعر الحاجب -مثلاً-، لا يجب غسل داخل العين لكن في شعر يحمي العين، الصدغ، هذه مسألة، ليس المقصود الآن أن نفصّل في قضية ما هي الشعور الواجب غسلها والمستحب، لكن المقصود أن إعانة الناس على تصحيح عبادتهم مهم، وهذا من أعظم الأشياء، تعلّم المريض كيف يعبد؟، كيف يتطهر؟ وكيف يصلي؟، وقضية قضايا الصيام.
وأحياناً تكون شهادات للأطباء مهمة قرارات مصيرية في قضايا الإجهاض، في قضايا ما يسمى بالطب الشرعي، في قضايا الديات، في قضايا القصاص، يعني ممكن يشهد الطبيب بأشياء؛ قد يشهد الطبيب بأشياء قد تفسخ النكاح، وقد يشهد الطبيب بأشياء تؤدي إلى إقامة حد، أو عدم إقامة حد، هذه قضية خطيرة، المرجع في هذا إذن الطبيب، الطبيب الثقة، وكلامه قد يعني أن فلاناً يصوم، أو لا يصوم، يقوم بهذا الركن أو لا يقوم به، مؤقتاً أو نهائياً، أو يخرج الفِدية، أو يرجى بُرؤه، ولا يخرج الفدية ينتظر الشفاء.
وتصل القضية وتتسلسل في قضية قراءة الأذكار والقرآن والأحكام إلى تلقين الشهادة عند الخروج من الدين.
الغلام في قصة أصحاب الأخدود أعطاه الله كرامة كما أعطى عيسى معجزة.
كانت القضية في مسألة الشفاء بإذن الله، أو زوال العلّة بإذن الله، ومعجزة عيسى أعظم من كرامة الغلام؛ لأن ما أعطاه الله الغلام ما يصل إلى درجة المعجزة، هو كرامة، الغلام ليس نبياً، عيسى نبي.
يشتركان في خرق العادة، لكن من معجزات عيسى أنه كان يحيي الموتى بإذن الله، كذلك في العدد، يعني عدد من كان يشفيه الله على يد عيسى أكبر، أكثر، الغلام كان يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء.
لما استقرت العقيدة الصحيحة في نفس الغلام عندما جاءه جليس الملك بهدايا كثيرة، نحن الرجال الكبار لو واحد جاءنا بهدايا كثيرة، كيف يكون تأثرنا؟ فما بالك بغلام؟ يعني فعلاً والله تربية الشيخ للغلام تربية عظيمة جداً لأن هذا الغلام لما جاءته الهدايا الكثيرة، والغلمان تؤثر فيهم الهدايا الكثيرة.
قال: ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفيتني. قال: إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله ، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله لك فشفاك[12]، وهذا كلام واحد استقر الإيمان في نفسه لدرجة عظيمة.
تجربة لطبيب مسلم في ندوة بأمريكا
وأختم لكم كلامي بتجربة لطبيب مسلم في إحدى المؤتمرات في أمريكا عندما سافر لحضور ذلك المؤتمر وأوصي، يعني واحد أوصاه رايح المؤتمر قال: لباسك الإسلامي لا تغيره، الصلاة في أوقاتها تحافظ عليها، الدعوة إلى الله ما تتركها.
سافر ومعه الوصايا الثلاث، يقول: دخلتُ أنا بزيي، جلستُ، قلتُ أختار جليساً عربياً أجلس بجانبه لعله يشد من أزري، فبحثت عمن ملامحه عربية فجلست بجانبه فاهتز، وقال: قم غيّر ملابسك لا تفشّلنا قدام الأجانب.
لو جلس جنب واحد كافر ربما ما قال له هذا الكلام!!
يقول: فلما جاء وقت الصلاة قمتُ أذنت في زاوية وصليت وحدي، لكن كانوا يشاهدونني، ولما جاء دوري في إلقاء الكلمة قالوا: معك خمس دقائق، فماذا أقول في خمس دقائق! فقلت بعض ما كنت أريد قوله وختمت كلمتي بسؤال.
يعني سؤال مثير ينتظر السامعون الجواب، ولكنه قال: انتهى وقتي، شكراً!
نظراً لوجوده بهذا اللباس الفريد الذي واضح أنه لباس قومه، هذا ليس لباساً تنكرياً، ليس لباس مهرجين، هذا واضح أنه من لباس قومه.
هذا في الداخل يورث إعجاباً، ونظراً لأنهم رأوه يصلي، يعني أن هذا الشخص المتدين عنده تمسك بدينه، حتى لو كانوا كفرة هم في الداخل يعجبون بالأشخاص الذين عندهم تمسك بعقائدهم وأديانهم، وإنهم ما يتركونها حضراً ولا سفراً ولا مؤتمر ولا غيره.
ونظراً لقضية عامل التشويق والجذب الذي ختم به كلمته فقد أوعز رئيس الجلسة بورقة أو بهمس إلى أن الحضور انشدوا إعطائه خمس دقائق أخرى فشرح أشياء عن الإسلام كانت سبباً؛ لأن يسلم أربعة من الطبيبات الحاضرات في المؤتمر في ذلك الوقت.
ومسألة الطب والدعوة مسألة الحديث فيها ذو شجون، الطب والدين، الطب والشؤون الدينية، الطب والقائمون على أمور الدين، المسألة هذه كبيرة، أكتفي بهذا القدر وأسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن فتح عليهم بالقرآن العظيم، ورزقهم تدبّره، والعمل به، والدعوة إليه، إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد.
- ^ روضة الطالبين وعمدة المفتين: (10/ 223).
- ^ سير أعلام النبلاء: (10/ 57).
- ^ رواه أبو داود: (4586)، والنسائي في الكبرى: (7005)، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6153).
- ^ رواه أبوداود: (3107)، وأحمد: (6600)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (681)
- ^ رواه البخاري: (1356).
- ^ رواه البخاري: (3009)، ومسلم: (2406).
- ^ رواه البخاري: (5091).
- ^ رواه البخاري: (3616).
- ^ رواه مسلم: (5742).
- ^ رواه مسلم: (2200).
- ^ رواه أحمد: (17490)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (1481).
- ^ رواه مسلم: (3005).