الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 هـ :: 22 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

مجالات لخدمة الإسلام


عناصر المادة
انشغال بعض الدعاة بالدنيا وملذاتها
كثرة الواجبات الدينية
مفهوم فروض الكفاية
قواعد في فروض الكفاية
فروض الكفاية تتعين على بعض الناس في بعض الأوقات
يلزم السلطان ما لا يلزم غيره
تزاحم فروض الكفاية
متى يسقط فرض الكفاية؟
فرض الكفاية حسب القدرة والاستطاعة
قيام السلف بفروض الكفاية
بعض مجالات خدمة الدين
طلب العلم
قيام المسلمين بفروض الكفاية وتكاملهم فيها
الخاتمة

إخواني: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

انشغال بعض الدعاة بالدنيا وملذاتها

00:00:09

وانقضت معظم أوقات المسلمين في البحث عن اللذات، والعمل للدنيا، وانشغل جمهور المسلمين عن الآخرة بأنواع من الملاهي، والشغل بالنفس، فصار العمل لدين الله قليلاً أو نادراً، فلا شك أن هذه علامة ضعف وخطر وهي من أسباب تقهقرنا وتخلفنا نحن المسلمين أننا لا نرى جمهور المسلمين يعملون للإسلام، ولا يحملون هم الإسلام.

ثم إننا إذا نظرنا إلى واقع الدعاة إلى الله أو المحسوبين على قطاع الدعوة إلى الله والمتمسكين بالإسلام أو الذين ينتسبون إلى التمسك بالدين لوجدنا أن هناك خللاً كبيراً أيضاً وتفريطاً عظيماً، وكما أن هناك غثاء في الأمة فهناك غثاء أيضاً في هذا القطاع الذين هم ظاهرهم التمسك بالدين.

وذلك أن كثيرا ًمن الشباب قد اتجهوا في الآونة الأخيرة لأنواع من الملاهي والانشغال عن العمل للدين، وصار همهم هو أنفسهم، وعملهم للدنيا، ودراستهم للدنيا، وسعيهم للوظائف للدنيا، وبناء البيوت، وتحصيل الأموال، وغير ذلك.

والانشغال بالأثاث والمتاع والرياش، وحتى الأماكن التي يذهب كثير منهم إليها، ويسافرون إليها ليست لتحصيل مصلحة دعوية، للدعوة لدين الله، ولا لتحصيل علم شرعي، ولا لتربية النفس على الطاعة، وإنما هي أشياء من ضياع الوقت واللذات، حتى أن كثيراً منهم يذهبون في رحلات للصيد، ويصيدون من الدواب من أحقرها وأسوئها، فصارت الهمة متدنية حتى فيما يصيدون.

لم تعد كثير من تلك الجموع همها الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر أو الدعوة إلى الله أو طلب العلم، وتراخى كثير من الذين كانوا من القدوات والعاملين للإسلام في يوم من الأيام صاروا في آخر الركب، في مؤخرة الناس.

وتحول كثير من الطيبين إلى طاقات معطلة لا تستفيد منها الأمة، ولا تعمل لرفع شأن الدين.

وأصيب عدد آخر منهم بالإحباط، مشاعر الإحباط بادية، وهم يقولون: ما هو السبيل؟ وماذا عسانا أن نفعل؟

وعدد منهم قد أشغلتهم الأحداث عن التمعن في الدين والتفقه فيه، وانساقوا وراء أغراض لأعداء الإسلام.

انشغال عن حقيقة الدين، واتباع للتوافه أو لأشياء يحسبونها عظيمة، وهي عند الله هينة لا خطر لها.

وانطلت خدع أعداء الدين على عدد من هؤلاء فصاروا يهتمون لا أقول بالقشور أو تحسبون أنني أتكلم عن السنن، لا، معاذ الله، فهذا هو من صلب ديننا، التمسك بالسنة، والعمل من أجلها، لكن المسألة -أيها الإخوة- صارت عند كثير من قطاعات هؤلاء الذين كانوا يعملون للإسلام ويضحون من أجله، صار الانشغال بالتوافه واللعب واللهو، أو الدخول في أشياء من النقاشات والجدل العقيم الذي لا يسمن ولا يغني، وصارت حتى المجتمعات والأندية التي يجلسون فيها خالية من ذكر الله، ومن العلم الشرعي، ومن طرح الأفكار الجادة، والأطروحات التي من شأنها رفع شأن الدين، وصارت القضية خلافات وجدل، وأخذ ورد، وتفسخات في الجسد الإسلامي الذي ينبغي أن يكون جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر.

إن الذي يبحث وراء انشغال الكثيرين بالأمور التافهة أو بالأمور الدنيوية والمتاع الزائل يجد أنهم لا يشعرون بالواجبات الشرعية التي أوجب الله عليهم القيام بها، الواجبات الشرعية، الواجبات الدينية غير سائرة في الدماء، وليست خاطرة على البال في الوقت الحاضر، بل ربما كانت تخطر في وقت عند البعض، ثم أزيحت الآن على جنب.

وليس هناك قلق يزعج نفوس هؤلاء وعقولهم إلى التفكير في وسائل جادة لخدمة الدين.

كثرة الواجبات الدينية

00:05:54

ولا شك أن الواجبات الدينية والوظائف الشرعية كثيرة، لكنها غائبة عن أذهان الكثيرين، فمثلاً من الوظائف الشرعية مثلاً: الإمامة، الخطابة، الأذان، القضاء، الفتيا، الجهاد، كشف سبل العدو، الحسبة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الدعوة إلى الله، القيام على سد حاجات الفقراء، إغاثة المنكوبين من المسلمين.

الواجبات الشرعية كثيرة جداً في هذا الزمان؛ لأن الثغرات المفتوحة في المجتمع الإسلامي والمجتمعات الإسلامية عموماً متعددة وواسعة، وتحتاج إلى همم كثيرة، وجهود متضافرة، للقيام بسد الخلل، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ودفع عجلة الإسلام إلى الأمام، والنهوض بشأن هذا الدين ليعود إلى ممارسة دوره في الواقع.

مفهوم فروض الكفاية

00:06:49

وهذا يقودنا إلى مسألة مهمة ومفهوم مهم جداً ألا وهو: قضية فروض الكفاية.

إن كثيراً من الشباب لا يدركون لهذا المفهوم حقه، وربما لم يطلعوا أصلاً على كلام العلماء في هذه القضية.

هناك واجبات كثيرة في المجتمع الإسلامي، وبلدان مجتمع المسلمين، كلنا آثمون بتركها إلا من سعى للقيام بها.

وكأن الواحد يظن أن صلاحه في نفسه أو بعده عن بعض المنكرات والمعاصي هو الواجب عليه، وأنه لا يجب عليه أكثر من ذلك، لا يجب عليه أكثر من الامتناع عن سماع الأغاني، والامتناع عن الإسبال، والامتناع عن بعض المنكرات والمعاصي التي كان يفعلها في السابق، هذا كل ما من شأنه، والمداومة على صلاة الجماعة، ومصاحبة بعض الأخيار ممن هو على شاكلته فقط.

لكن المسألة أعمق من هذا بكثير، وكما قال ذلك الرجل الصالح: يا ليت قومي يعلمون.

يا ليت قومي يعلمون بالثغرات الموجودة والواجبات الشرعية في سدها.

يا ليت قومي يعلمون بمعنى فرض الكفاية الذي دندن حوله العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- والشاطبي والقرافي والمقّري، وغيرهم من أهل العلم كالعز بن عبد السلام، ونحوهم.

هؤلاء العلماء الذين عاشوا في أزمنة صار فيها شأن المسلمين إلى تضعضع، وأمرهم إلى انحسار، وشعروا بالثغرات الموجودة فتكلموا في كتبهم، وبالذات مواضع أصول الفقه من كتبهم على هذه الواجبات الشرعية: فروض الكفاية، الذي دعا إلى ذلك وجود العجز، الذي دعا العلماء إلى توضيح قضية فروض الكفاية شعورهم بوجود العجز في الأمة، شعورهم بوجود الثغرات التي ليس هناك من يقوم بتغطيتها، ولذلك تكلموا في مسألة فروض الكفاية، والكلام عنها الآن في هذا الوقت من الأشياء المهمة والمهمة جداً؛ لأن الكلام عن فروض الكفاية هو الذي يشعرنا بتخاذلنا، وهو الذي يشعرنا بضعفنا وتقصيرنا، فلعلنا نتحمس للقيام بالدور المطلوب.

العلماء يعرفون فروض الكفاية بأنها إيقاع الفعل مع قطع النظر عن الفاعل، المهم أن الفعل يقع، المهمة تنجز بغض النظر عن من الذي أنجزها.

ويقولون: فعل البعض يكفي في سقوط الإثم عن الباقي، فرض الكفاية إذا فعله البعض كفى وسقط الإثم عن الباقين، وإلا أثموا كلهم، والذي يقوم بالفعل مأجور، فرض الكفاية الذي يقوم به مأجور ويسقط الإثم عن الباقين، وإذا ما قاموا به ما سد العجز، كل المسلمين آثمون.

ومن العلماء الذين تكلموا عن موضوع فروض الكفاية الشافعي -رحمه الله-، فقد استدل بقوله تعالى: إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [التوبة: 39] النفير للجهاد واجب، القيام بالجهاد واجب، هذا فرض، فرض على الأمة يجب أن تقوم به، يجب أن تقوم به بحماية الثغور ونشر الدين، وتحطيم الطواغيت، ومقارعة جيوش الكفر؛ لئلا يكون هناك فتنة ويكون الدين كله لله، ولئلا لا يوجد عوائق تحول دون انتشار الدين.

الجهاد واجب، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، استدل الشافعي بقوله تعالى: إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا  [التوبة: 39] يعني أنه إذا ما نفرت الأمة كلهم آثمون، ويعذبهم الله عذاباً أليماً.

ففرض الكفاية فرض عام على الأمة يجب أن يقوموا به، فإذا قام به بعضهم بكفاية سقط الإثم عن الباقين وثبت الأجر لمن انتدب لإيقاعه، وإلا أثم، من الذي يأثم؟ أثم من كان يستطيع القيام به فلم يفعل؛ لأن بعض فروض الكفاية يوجد من المسلمين أناس عجزة لا يستطيعون القيام بها، فإذا قلنا ما قاموا بها، ما قامت الأمة بها أثم الجميع، من الذي يأثم؟ ما المقصود بالجميع؟ القادر على أن يقوم بالعمل ولم يقم به.

وليس المشلول والأعمى ونحوهما يأثمون إذا تركوا الجهاد؛ لأن الله عذرهم أصلاً.

وإذا نفر الكفاية حصل المطلوب، وأنقذت الأمة من الإثم.

ومن كلام العلماء في فروض الكفاية: أنه ليس فرض الكفاية أن يقوم به البعض كما اتفق، يعني على أي صورة حتى لو لم تكن صحيحة مجزئة، وإنما يجب أن يكون هذا البعض قادراً على تحقيقه، فيمكن مثلاً أن يقوم بعض الناس بإنكار المنكرات لكن عددهم قليل جداً لا يكفي أبداً، فهل يكون الإثم قد سقط عن الباقين؟

الجواب: لا، لم يسقط.

ليست القضية أن يقام به بأي طريقة، لا، لا بد أن يقام به بطريقة صحيحة كافية تغطي العجز، وتقوم بالمطلوب، إذا ما حصل فإن البعض الذين قاموا بالجزء من العمل لا يسقطون الإثم عن الباقين، هم مأجورون لكن ما زال يوجد عجز فالباقون كلهم آثمون حتى يقوموا بهذا الواجب.

ومن أمثلة فروض الكفاية التي ضربها أهل العلم: صلاة الجنازة إذا قام بها البعض سقط عن الباقين.

رد السلام، إذا سلم واحد، رد السلام واحد أجزأ عن الجماعة.

وقال الإمام أحمد -رحمه الله- عن فرض الكفاية: واجب على الجميع ويسقط إذا قام به من تقوم الكفاية، ويأثمون جميعاً إذا تركوه جميعاً، وهذا الإثم مقيد بالاستطاعة والطاقة، فغير المستطيع والقادر لا يأثم، ونص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-.

قواعد في فروض الكفاية

00:13:05

ومن القواعد المهمة في فروض الكفاية -هذا الكلام مقدمة قبل الدخول في مسألة المجالات أو الحقول لخدمة الإسلام-؛ لأن المسألة الآن مهمة في تنشيط الكسالى وإعادة الذين انحرفوا عن جادة العمل وركنوا إلى الدعة والكسل، إعادتهم إلى حقل الدعوة والعمل مرة أخرى، وهذه مسألة مهمة.

من قواعد فروض الكفاية: أن العاجز يسقط عنه.

فروض الكفاية تتعين على بعض الناس في بعض الأوقات

00:13:31

ثانياً من قواعد فروض الكفاية: أن فروض الكفاية تتعين على بعض الناس في بعض الأوقات.

وذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- في المجلد التاسع عشر من مجموع الفتاوى قال: وفروض الكفايات تتنوع تنوع فروض الأعيان، يعني مثل فروض الأعيان فيها صلاة، صيام، وحج مثلاً، كذلك فروض الكفايات تتنوع بتنوع فروض الأعيان، ولها تنوع يخصها، وهي أنها تتعين على من لم يقم بها غيره.

إذا يوجد واحد في موقع ورأى ثغرة في المسلمين يجب عليه أن يقوم بها إذا لم يكن هناك غيره من يقوم بها، ربما يكون منكر أمامه، أنت الذي رأيته سيفوت لو ذهبت تستدعي غيرك مثلاً، يجب عليك أن تنكر أنت بالقواعد والضوابط الشرعية ما لم يترتب عليه منكر أكبر، إلى آخر ذلك.

المهم أنه في بعض الأحيان والأوقات يكون فرض الكفاية متعين على هذا الشخص المعين في الوقت المعين في المكان المعين.

قال شيخ الإسلام: فقد تتعين في وقت ومكان وعلى شخص وطائفة.

قد تكون متعينة على شخص، قد تكون متعينة على طائفة، وفي وقت آخر أو مكان آخر على شخص آخر أو طائفة أخرى، كما يقع مثل ذلك في الولايات والجهاد والفتيا والقضاء، وغير ذلك.

وذكر شيخ الإسلام-رحمه الله- بعده كلاماً في تنوع المستحبات، وأنها تتنوع بشكل أبلغ، وأنه قد يستحب في حق فلان شيء أكثر مما يستحب في حق فلان.

الذي صوته جميل يستحب له الأذان أكثر من غيره، صاحب الحفظ والإتقان في القراءة ومراعاة أحكام الصلاة يتعين في حقه الإمامة أكثر من غيره، صاحب الفصل بين المتخاصمين والعلم بالقضاء، والقدرة على تمييز الحق من الباطل، فهذا الرجل هو متعين عليه القيام بالقضاء أكثر من غيره، الشخص الذي عنده قدرة على الحفظ والفهم يتعين عليه التفرغ لطلب العم أكثر من غيره، صاحب الرأي السديد في القتال وصاحب النجدة والمروءة والمسارعة والقوة الجسدية والعقلية والمهارات القتالية يستحب عليه الجهاد أكثر من غيره، وهكذا...

وحتى صاحب القدرة على التجارة الذي ينفع المسلمين وليس الذي يغوص في التجارة وينسى العلم والدعوة، وينسى الدين، وإنما صاحب القدرة على القيام بسد حاجة المسلمين من المال بأن يكون ماهراً بالتجارة قادراً عليها مثلاً، فهذا يتعين في حقه أكثر من غيره من غير المجربين والذين ليس لهم سابق خبرة بالتجارة.

ومن الكلام الذي ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- الجهاد واجب على الكفاية، لكن وجوبه على المرتزقة الذين يعطون مال الفيء للجهاد أوكد، الجيوش النظامية الإسلامية التي تعطى من مال الفيء، يعطون من بيوت المال لأجل التفرغ للقتال، الجهاد عليهم أوكد، هذا كلامه رحمه الله.

فإذن، القضية تتعين على طائفة أو على شخص في زمن أو مكان، هذه قضية تختلف باختلاف الأحوال.

وذكر كذلك رحمه الله، وكذلك أهل العلم الذين يحفظون على الأمة الكتاب والسنة، أهل العلم الذين يحفظون على الأمة الكتاب والسنة صورة ومعنى، كيف حفظ الصورة؟ يعني يحفظون النصوص، يؤدون النصوص، القرآن والأحاديث، والمعنى؟ الفقه في النصوص.

وأهل العلم الذين يحفظون على الأمة الكتاب والسنة صورة ومعنى، مع أن حفظ ذلك واجب على الأمة عموماً على الكفاية، فعندما يجب على أعيانهم وجوباً عينياً، يجب على المسلم أن يعلم كيف يحج إذا أراد الحج، وكيف ينكح إذا أراد الزواج، وكيف يطلق إذا أراد الطلاق، وكيف يبيع إذا أراد التجارة، هذا واجب عيني، على كل واحد أن يعلم.

ولكن على أصحاب العلم الذي لهم نظر ثاقب، وفهم، وفقه، ودقة، وحفظ، الإلمام بالأشياء العلمية، والتبحر في العلم، هذا عليهم أوجب من غيرهم، وجوب ذلك عيناً وكفاية على أهل العلم الذين رأسوا فيه، أو رزقوا عليه أوجب من غيره، أعظم وجوبا ًمن غيره؛ لأنه واجب بالشرع عموماً، وقد يتعين عليهم لقدرتهم عليه، وعجز غيرهم.

ممكن يتعين عليك؛ لأن غيرك عاجز عن القيام به، هذا من أوجه التعيين.

ويدخل في القدرة استعداد العقل وسابقة الطلب.

وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: فروض الكفاية قد يتعين على بعض الناس في بعض الأوقات.

يلزم السلطان ما لا يلزم غيره

00:19:01

ومن قواعد فروض الكفاية: أنه يلزم السلطان ما لا يلزم غيره بشأن فروض الكفايات، أي واحد عنده قوة وقدرة يلزمه من فروض الكفايات ما لا يلزم غيره، هذا شيء طبيعي، بديهي.

فإن لم يقم به هذا -صاحب القدرة أو السلطان- وجب على غيره من المسلمين القادرين أن يقوموا به.

ولذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في وقت غزو التتار قام بعدد من فروض الكفاية، مثل إقامة بعض الحدود، وأقامها وتلاميذه -رحمهم الله-، كانوا يجلدون شراب الخمور، أقاموا الحدود لما لم تقم في البلد، وصار فوضى نتيجة هجوم التتار، وذعر الناس وخوفهم، واضطربت الأمور، كان هو وتلاميذه -رحمهم الله تعالى- ممن يقيمون شرع الله في البلد، وكانوا يقومون بوظيفة السلطان في الحدود؛ لأن أمر الحدود إلى السلطان، لكن لما راحت وذهبت مع ذلك الواقع المختل قام بها شيخ الإسلام -رحمه الله- وتلاميذه، وأقاموا بعض الحدود.

تزاحم فروض الكفاية

00:20:03

وكذلك فإن فروض الكفايات إذا تزاحمت فما هو الحل؟

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: إذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما، يعني في نفس الوقت -الوقت نفسه- فقدم أوكدهما لم يكن الآخر واجباً.

إذا صار فيه فرضا كفاية لا تستطيع أن تجمع بينهما، أو واجبان عموماً لا تستطيع الجمع بينهما فأنت تقوم بالأوكد والأوجب منهما.

وفي هذه الحالة لا يكون الواجب الآخر عليك واجباً، ولذلك لا تأثم بتركه، وكذلك إذا اجتمع محرمان لا بد من ارتكاب أحدهما، أنت محاصر ما عندك اختيار ولا إرادة ولا... ما عندك قدرة في دفعهما معاً، لا بد من ارتكاب أحدهما، فإنك ترتكب الأدنى لدفع الأسوأ.

ترتكب المحرم الأخف لدفع المحرم الأثقل والأسوأ، وفي هذه الحالة لا تكون آثماً بارتكاب المحرم الآخر.

متى يسقط فرض الكفاية؟

00:21:14

من قواعد فروض الكفاية: متى يسقط فرض الكفاية؟

ذكر القرافي -رحمه الله تعالى- أنه لا يشترط في فرض الكفاية تحقق الفعل، ولكن غلبة الظن تكفي، يعني إذا غلب على ظنك أن هناك طائفة أخرى قد قامت به، أو شخص آخر قد قام به سقط عنك.

وإذا غلب على ظنك أنه لم يقم به أحد، وهذا مفيد في علاج كثير من قضايا المنكرات، بعض الناس يقول: ربما فيه غيري يقوم بها، ربما غيروه وأنا ما أدري، ربما قام به أحد غيره.

نقول: ما الذي يسقط عنك المسؤولية أمام الله ؟

إذا غلب على ظنك أن طائفة أو شخصاً قد قام به سقط عنك، وإذا غلب على ظنك أنه لم يقم به أحد فإنه متعين باقٍ عليك، يتعين عليك القيام به.

فرض الكفاية حسب القدرة والاستطاعة

00:22:09

وكذلك من قواعد فروض الكفايات: أن فرض الكفاية حسب القدرة والاستطاعة، ولذلك بعض الناس عندهم قدرة أكثر من غيرهم.

ولذلك فإن بعض أصحاب الاستطاعة أو القوة والقدرة يكون إثمهم عند الله ومسؤوليتهم أشد من غيرهم من الضعفاء.

والدخول في المجالات التي تمكن من القيام بفرض الكفاية إذا ما تعين طريق إلا هو: واجب، يجب الدخول فيها لأجل القيام بفرض الكفاية.

وكان هناك عدد من العلماء لهم وجهة نظر في تولي الولايات، مثل إسماعيل بن عُلية -رحمه الله- فإنه أخذ ولاية الصدقات، تولى ولاية الصدقات، وظيفة ببيت المال، ولاية الصدقة، يجمع الصدقات ويصرفها في مستحقيها، هذا اجتهاده رحمه الله، وإن أنكر عليه من أنكر، لكن رأيه دخل فيها لأجل إقامة هذا الفرض.

وكذلك خالد بن الوليد، لما قتل ثلاثة الأمراء الذي عينهم النبي ﷺ تقدم هو لسد الثغرة، وحمل اللواء.

كل على حسب طاقته، وكل بحسب موقعه.

من الأشياء اللطيفة التي أشار إليها الشاطبي -رحمه الله- في المسألة الحادية عشرة في المجلد الأول من كتاب الموافقات في مسألة فروض الكفاية، ذكر في قضية فروض الكفاية والأدلة:  وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ [التوبة: 122]، وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ [آل عمران: 104] على أحد المعنيين في تفسير الآية ذكر بعدما ذكر الأدلة، وذكر أن القيام بالشيء هو بحسب القدرة والاستطاعة، وأن الذي يأثم هو صاحب القدرة والاستطاعة إذا لم يقم.

واستدل بحديث أبي ذر: يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرنّ على اثنين، ولا تولينّ مال يتيم [رواه مسلم: 1826].

الشاطبي -رحمه الله- يقول: وكلا الأمرين من فروض الكفاية، ومع ذلك فقد نهاه عنه، يعني تولي مال اليتيم من فروض الكفاية؛ لئلا يضيع، وكذلك الإمارة من فروض الكفاية، لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم.

قال: ومع ذلك فقد نهاه عنه، نهى أبا ذر عنها؛ لأنه يعلم أنه لا يطيق القيام بهذه المسؤولية، فلو فرض إهمال الناس لهما لم يصح أن يقال بدخول أبي ذر في حرج الإهمال ولا من كان مثله، يعني إذا لم يقم بهما، العجزة أصلا ًعن القيام ليس عليهم حرج، لا يدخلون في الحرج.

وكذلك قال: وعلى هذا النهي جرى العلماء في تقرير كثير من فروض الكفايات، فقد جاء عن مالك أنه سئل عن طلب العلم، أفرض هو؟ قال: أما على كل الناس فلا، يعني الزائد عن فرض العين، كل واحد عليه يعلم إذا أراد أن يطلق كيف يطلق، وإذا أراد أن يبيع كيف يبيع، لكن طلب العلم كل العلم، كل أبواب العلم، التفقه في الدين.

لما سئل مالك، قال: أما على كل الناس فلا، يعني الزائد عن فرض العين، العلم العام.

وقال أيضاً: أما من كان فيه موضع للإمامة فالاجتهاد في طلب العلم عليه واجب.

المهم أن الشاطبي -رحمه الله- أشار إلى نكتة بديعة في القضية، وهي مسألة تهيؤ الناس لأداء فروض الكفاية، هذه مسألة مهمة جداً، تهيؤ الناس لأداء فروض الكفاية، قال: الذين ليس عندهم قدرة للقيام بها يجب عليهم أن يدفعوا غيرهم للقيام بها، وأن يساعدوا غيرهم على القيام بها.

قال: ومن لا يقدر عليها مطلوب بأمر آخر وهو إقامة ذلك القادر، وإجباره على القيام به.

أب ما يستطيع أن يطلب العلم، ما عنده قدرة، لمس في ولد من أولاده القدرة، إذاً يجب عليه أن يدفعه لهذا لأجل سد الثغرة الموجودة عند الناس في قضية الإمامة في العلم والفتيا والتعليم.

ولذلك قال رحمه الله: فإذا فرض مثلاً واحد من الصبيان –لاحظ معي كلام الشاطبي كلام تربوي بليغ– ظهر عليه حسن إدراك، وجودة فهم، ووفور حفظ لما يسمع، ميل به نحو ذلك القصد -الذي هو طلب العلم- ميل به، وجهناه، وجهنا الصبي لطلب العلم، وهذا واجب على الناظر فيه من حيث الجملة، مراعاة لما يرجى فيه من القيام بمصلحة التعليم.

إذاً، يجب على ولي الصبي أن يوجهه لهذا المجال إذا أنس من الولد القدرة، والطاقات موجودة، يجب أن يدفعه إلى هذا المجال أو إلى هذا الحقل لأجل أن يغطي في المستقبل.

إذاً، هذه بعض الأشياء المتعلقة بفروض الكفاية.

قيام السلف بفروض الكفاية

00:27:44

وقد كان السلف -رحمهم الله- قد قاموا بهذا خير قيام، وكان كل واحد يقوم على قدر طاقته، الضعيف، هذا شبير واحد في معركة القادسية، واحد من المسلمين قزم، قصير، ربما استهزؤوا به، قدم واحد من فرسان الفرس للمبارزة والتحدي ما خرج إليه أحد، فهذا المسلم القصير قام وخرج حتى ضحك به ذلك الرجل وأمسكه ونزل من الفرس ودقه في الأرض، ولكن تعلقت قدم ذلك الفارس بشيء فسقط على الأرض، فقعد عليه شبير فذبحه بالسيف، بالسكين والناس ينظرون بين تكبير المسلمين، وتأوهات الفرس الملاعين.

فالمسألة الواحد يقوم بها، كانوا يستشعرون أهمية القيام بالقضية، هذا على مستوى الضعفاء، أما على مستوى الوزراء، انظر مثلاً في ترجمة هذا الرجل العظيم الذي يجهل سيرته كثير من المسلمين وهو الوزير ابن هبيرة -رحمه الله-، يحيى ين محمد بن هبيرة بن سعد بن حسين، هذا الرجل العظيم ولد في ربيع الآخر سنة تسع وتسعين وأربعمائة، وكان معاصراً لنور الدين الشهيد.

والرجل هذا نشأ فقيراً محتاجاً، فدخل في بعض أعمال الخليفة حتى صار وزيراً، لكن الرجل هذا ما ضاع في متاهات المناصب، ما ضاع في متاهات القصور والغنى والثراء، وإنما حافظ على دينه.

ولذلك لما تولى الوزارة ما زال يطلب العلم وقد كان يطلبه وهو شاب، تخرج على عدد من العلماء، صنف كتابا ًوهو في الوزارة، وهذا الكتاب المشهور باسم "الإفصاح عن معاني الصحاح" اعتنى به وجمع عليه أئمة المذاهب، وأوفدهم من البلدان إليه لأجله، بحيث أنه أنفق على ذلك مائة ألف دينار وثلاثة عشر ألف دينار، وحدث به، واجتمع الخلق العظيم لسماعه عليه، وبعث إلى الأطراف بنسخ منه، حتى السلطان نور الدين الشهيد، واستغل به الفقهاء في ذلك الزمان على اختلاف مذاهبهم يدرسون منه في المدارس والمساجد، ويعيده المعيدون، ويحفظ منه الفقهاء.

هذا ما غصبهم عليه أو استغل منصبه لفرض كتابه بالقوة، لكن كان يستعين بحكم منصبه، يستعين بالفقهاء ويستقدمهم على نفقته، ويتيح المجال لمناقشة ما في الكتاب والتصحيحات، وهو رجل عالم أصلاً قبل أن يكون وزيراً، هو من كبار العلماء.

وكان هذا الرجل من فقهه يقول: لا تقولوا في ألقابي اسيد الوزراء فإن الله -تعالى- سمى هارون وزيراً وجاء عن النبي ﷺ أن وزيريه أبو بكر وعمر، وقال: "إن الله اختارني، واختار لي أصحاباً، وجعلهم وزراء وأنصاراً)) يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يصح أن يقال عني: أني سيد، فهؤلاء السادة.

وهذا الشخص لما ولي الوزارة وكنيته: أبو المظفر ابن هبيرة -رحمه الله-، بالغ في تقريب خيار الناس من الفقهاء والمحدثين والصالحين، واجتهد في إكرامهم وإيصال النفع إليهم، وارتفع به أهل السنة غاية الارتفاع، وقال مرة في وزارته: والله لقد كنت أسأل الله -تعالى- الدنيا لأخدم بما يرزقنيه الله منها العلم وأهله.

فسعيه للمال أو المنصب من أجل خدمة أهل العلم.

وكان -مع كونه وزيراً- ينفق أمواله في سبيل الله، ولذلك قال مرة: ما وجبت علي زكاة قط.

وقال ابن الجوزي: كان يتحدث بنعم الله عليه، ويذكر في منصبه شدة فقره القديم، ويقول: نزلت يوماً إلى دجلة وليس معي رغيف أعبر به.

وكان من ورعه لا يلبس ثوباً فيه الإبريسم -وهو الحرير- على القطن، ولو كان مخلوطاً بالقطن، فإن شك في ذلك سل طاقته ونظر، نظر في نسجه هل داخل فيه الحرير وإلا لا؟ ونظر هل القطن أكثر أم الإبريسم، إذا دخل فيه شيء من الحرير، نظر أيهما أكثر، فإن استويا لم يلبسه.

قال: ولقد ذكر يوماً، أو ذكر في بعض مجالسه، فقال له بعض فقهاء الحنابلة: يا مولانا إذا استويا جاز لبسه في أحد الوجهين عند أصحابنا.

قال: إني لا آخذ إلا بالأحوط.

والشاهد: أنه كان مكرماً لأهل العلم ويقرأ عنده الحديث، وعلى الشيوخ يقرأ الحديث، وعلى الشيوخ يقرأ في حديثه في حضوره، ويجري من البحث والفوائد ما يكثر ذكره، وكان مقرباً لأهل العلم والدين كريماً طيب الخلق.

وكان شديد الإيثار لمجالسة أرباب الدين والفقراء، بحيث كان يقول لبعض الفقراء: أنت أخي والمسلمون كلهم إخوة.

وكان أكثر ما يحضره الفقراء والعميان إذا مد السماط، فلما كان ذات يوم وأكل الناس وخرجوا بقي رجل ضرير يبكي، ويقول: سرقوا مداسي ومالي غيره، والله ما أقدر على ثمن مداسي، وما بي إلا أن أمشي حافياً وأصلي.

فقام الوزير من مجلسه ولبس مداسه وجاء إلى الضرير فوقف عنده، وخلع مداسه والضرير لا يعرف، وقال: البس هذا، وأبصره على قدر رجلك؟

فلبسه وقال: نعم، لا إله إلا الله، كأنه مداسي.

قال: خذه.

فأعطاه إياه.

الرجل هذا لما مات رحمه الله تعالى من شدة كرمه وحلمه وخلقه الحسن، وخدمته للمسلمين غلّقت أسواق بغداد، وخرج جمع عظيم في الأسواق والسطوح وشاطئ دجلة وكثر البكاء عليه رحمه الله.

الشاهد من الكلام: أنهم كانوا يبذلون للدين على قدر طاقاتهم ومناصبهم وولاياتهم واستطاعاتهم وأموالهم، وربما يكون الواحد ما عنده شيء يقوم ويوقف نفسه لأحد العلماء، كما جاء في سيرة القرافي أنه لما دخل بلداً جاءه شاب، قال: وقفت نفسي عليك، هذا اليوم ماذا تريدني أن أفعل فعلت؟

يعني كانوا يعملون ولو لخدمة العلماء إذا ما صار عنده شيء يعمله قام في خدمة أهل العلم.

وهذا يكون مبلّغ في حلقة حديث، صاحب صوت قوي يشترك في التبليغ، الأعرابي يشترك في تثبيت الإمام أحمد، حتى اللصوص في السجن سعوا في تثبيته رحمه الله تعالى.

كل واحد كان يبذل ما يستطيع.

هذه القضية الغائبة الآن عنا، كل واحد يبذل ما يستطيع، ابن أم مكتوم الأعمى بعد وفاة النبي ﷺ لما خرج في غزوة، قال: أنا أقيموني مع السارية وأعطوني العلم لأني أعمى لا أفرّ، لا أرى ما حولي، أمسك لكم العلم، السارية ما أفر.

والشاهد أننا نحن الآن في مشكلة كبيرة وهي قضية عدم خدمة الإسلام من خلال المواقع التي نحن فيها، والإنسان إذا كان في موقع صغير أو احتقر نفسه قال: ما لي شيء، ولا أستطيع أن أخدم الإسلام في شيء، احتقر نفسه، ولم يكن هذا فعل السلف -رحمهم الله تعالى-.

بعض مجالات خدمة الدين

00:35:30

والآن لنسمي هذا الدرس "فرص لخدمة الإسلام".

إشارات سريعة لبعض ما يجب، أو بعض المجالات التي يمكن للإنسان أن يقدم فيها خدمات للدين، أن يخدم الدين، ويقوم بحمل الدين.

مع التذكير مرة أخرى أن لا نحقر أنفسنا.

طلب العلم

00:36:13

الآن لا شك أنه من أعظم مجالات خدمة الدين: طلب العلم.

وقد تكلمنا سابقاً في موضوع طلب العلم، وطرق تحصيله، والمنهج في ذلك، والحفظ والرحلة، وبعض آداب الطلب، ولا شك أن تحصيل العلم من أعظم الخدمات التي تقدم لدين الإسلام؛ لأن المسلمين لا يمكن لهم الانتصار مطلقاً وهم يعيشون حالة جهل عام بدينهم.

وهناك الملايين والملايين من المسلمين الذين يجهلون أبسط الأشياء والأساسيات في الدين الإسلامي.

فيجب على كل واحد منا أن يقوم بما يستطيع القيام به في التعلم وتعليم الغير، وربما يكون طالب علم في مكان فإذا انتقل إلى قرية صار شيخاً، لما يوجد من التقصير عندهم بالنسبة لهم يكون شيخاً، فعلى الإنسان أن يقدر الأمر حق قدره، وأن يقوم بالمسؤولية.

وهناك أشياء كثيرة يمكن عملها في الكتب، الواحد لو كان ما عنده فقه، ما عنده طاقة في الحفظ، يمكن أن يعمل أشياء كثيرة يخدم بها العلماء، كما حصل لذلك الشاب مع القرافي -رحمه الله-، وقف نفسه عليه.

خدمة العلماء، القيام بشؤونهم، سواء ما يتعلق بالعلم، أو ما يتعلق بتوفير الوقت لهم لأجل تحصيلهم للعلم والتعلم، وكفايتهم الأرزاق مثلاً، أو القيام بشؤونهم الخاصة حتى يتوفر لهم الوقت.

وكان مع الإمام أحمد -رحمه الله- محمد بن نوح، شاب كان مع الإمام أحمد في محنته، كان يصبره، ويصبر معه.

ولما مات محمد بن نوح -رحمه الله- في الطريق إلى المأمون صلى عليه الإمام أحمد رحمه ودفنه، وأثنى عليه ثناءً عاطراً.

فالقيام مع أهل العلم في أحوالهم وفي شؤونهم، هذا من الأشياء لو كان الإنسان ليس صاحب طاقة علمية.

كذلك مساعدة طلبة العلم وأهل العلم، مثلاً يمكنك -يا أخي المسلم- أن تجرد بعض المطولات الكتب قراءة، ما تحتاج إلى قضية يعني فقه وتدقيق وحفظ لا تطيقه، إذا قلت أنني لا أطيقه،
واستخراج العبر والعظات وجمعها في أوراق مستقلة مثلاً، وتقديمها لطلبة العلم، يمكنك أن تحضر خطبة أو عناصر موضوع تفيد به طالب العلم أو محاضر أو خطيب من الخطباء، ألا تستطيع ذلك؟ بلى ولا شك.

سر مثلاً على استخرج القصص في الصدق، القصص في ذم الكذب، القصص في الزهد، القصص في العبادة، على سبيل المثال، القصص في تربية الأولاد من سيرة السلف.

هذا تستخرجه من كتب السير، وغيرها.

انظر مثلاً إلى الفهرس الموجود في آخر كتاب: نزهة الفضلاء، مختصر سير أعلام النبلاء، وسر على منواله في تجميع هذه القصص والشواهد والأشياء الجيدة التي تساعد بها غيرك من المفوهين أو القادرين على الإلقاء إذا لم تكن أنت صاحب قدرة على الإلقاء.

وإذا كنت صاحب قدرة على الترجمة من لغة إلى أخرى فإن قيامك بترجمة بعض الرسائل الصغيرة إلى المسلمين الأعاجم الذين يتكلمون باللغات المختلفة فإنه ينبغي عليك القيام بذلك إذا استطعت.

هناك أشرطة عند بعض الجاليات لما راجعها بعض طلبة العلم وجدوا فيها بدع وخرافات وشركيات، وهي توزع عليهم وتعطى لأجل أنه لا يوجد غيرها.

ويأتيكم الحجاج كل سنة مئات الألوف من كل أنحاء العالم، ماذا فعلنا من أجلهم؟ ماذا قدمنا لهم؟ ماذا خدمناهم في قضية تعليم الدين؟ وهم قد جاؤوا إليك، حضروا عندك، لا تكلف أنت بالنفقة للذهاب، حضروا عندك، لو أردت أن تكلمهم، تزورهم، ربما تنفق الآلاف المؤلفة والأوقاف لتلف حول العالم من أجل أن تزورهم، وهم قد حضروا عندك، فماذا فعلنا إذاً لتعليمهم، تثقيفهم، زيارتهم، معرفة ظروفهم، تقديم النصائح التي تصلح شأنهم، مراسلتهم ومواصلتهم بعد الحج مثلاً.

هناك أيضاً من المجهودات العلمية بعض الكتب المهمة التي ليس لها فهارس، يمكنك عمل فهارس لها، وهذه قضية لا تحتاج إلى مزيد من العلم أو الفقه حتى تقوم بها، ثم توزع على طلبة العلم الذين عندهم مثلاً هذه الكتب حتى يستفيدوا منها.

وأشرطة بعض المشايخ الذين شرحوا فيها المتون الفقهية، هذه لو أنك قمت بتفريغها وإصلاح شأنها، وعرضها على الشيخ، ولسنا ندعو أبداً إلى قضية تسريع الشباب في التأليف، هذه من الأشياء التي فيها خطر عظيم.

أو نقول: انزلوا إلى ميدان تحقيق الأحاديث والتخريج، ثم تخرج علينا بعد ذلك كميات من الأوراق الغثائية المملوءة بالأشياء العجيبة نتيجة لتسرع بعض هؤلاء الشباب في التأليف والكتابة والتحقيق والتخريج، وهم ليسوا بأهل ولا درسوا قواعد الجرح والتعديل، ولا تخرجوا على علماء هذا الشأن، علماء الحديث، ثم بعد يكتب عليه: تخرج وتحقيق: فلان.

هذا من المصائب وتكثير الأغلفة والعناوين دون فائدة، وينتج من المفاسد إضاعة كثير من كتب أهل العلم الحقيقية.

فنحن نقول: خدمة كتب العلماء، أو السعي إلى خدمة العلماء أنفسهم أو طلبة العلم، هناك مشاريع علمية كثيرة لو أراد الشخص أن يعمل مشاريع علمية، يمكن أن يدل عليه، مشاريع عليمة سواء كان طالب علم أو كان إنساناً ما عنده علم لكن يريد أن يخدم في مجال طلب العلم.

وإذا قلنا مثلاً كذلك: ترجمة بعض المقالات التي تفيد المسلمين من العلوم الأخرى الطبية أو الإنسانية أو الإدارية التي تسمونها العلوم الإنسانية مثلاً دون أن يضطر الإنسان إلى الوقوع في المعاصي، أو يدخل في متاهات؛ لأن بعض الذين يراجعون هذه الكتب يطلعون على صور منحرفة أو صور سيئة، أو مقالات منحرفة، ربما تنطلي عليه، فيحتاج الإنسان إلى شيء من الثقافة الإسلامية التي تبين حكم الإسلام في هذه النظريات الوافدة أو الحديثة.

والمجالات كثيرة إذا أردنا أن نسرد من غير ترتيب، فلنقل: المشاركة في الدورات العلمية التي تقام، مثل فصل الصيف، تقوم فيه دروس، دورات علمية، يأتي مشايخ أو علماء مثلاً إلى المنطقة أو في بعض المساجد، في بعض المناطق، فأين الناس الذين يزعمون الاهتمام بطلب العلم وأنهم يريدون المنهج لطلب العلم، وأنهم حريصين على طلب العلم.

فإذا جاء الشيخ أو العالم وابتدأ في تدريس الكتاب رأيت هؤلاء يصدون عنك صدوداً، قد تبخروا كما يتبخر الماء تحت النار، ويذهب ويضيع، ويختفي هؤلاء الأشخاص فجأة بعدما كانوا يطالبون ويلحون بقضية نريد حلق علم، نريد مشايخ، نريد علماء، وبعد ذلك إذا جاء هؤلاء الصادقون المخلصون أو طلبة العلم الجيدون، الإنسان يتتلمذ على طلبة العلم إذا ما وجد العلماء، يتتلمذ على طلبة العلم يحصل خيراً كثيراً، وربما يكون عند بعض طلبة العلم من القدرة على الشرح أكثر مما عند بعض العلماء الكبار، أو ربما يستطيع أن يبسط القضية للمبتدئين بتبسيط جيد، فعند ذلك التخرج على هؤلاء يكون من الأفكار أو من الأشياء الصائبة.

وتقوم كثير من الهيئات الخيرية الإغاثية أو التي تساعد الفقراء في البلد، يحتاجون إلى تجميع صدقات، تجميع الطعام من الولائم، الذهاب به إلى هؤلاء الفقراء، وإلى بيوتهم، التعرف على بيوت الفقراء.

والقيام بإعانة الهيئات الرسمية في كل ما من شأنه دعم الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وكذلك -كما سبق- أن أشرنا في قضية خدمة الحجاج، حتى في القضايا العلمية، لما صار هناك زحام في عرفة انتدب بعض الشباب أنفسهم لتوزيع العصير والماء البارد على الحجاج على من رأوه، من وصلوا إليه، فكان لذلك أثر كبير على الناس، وليست القضية فقط تقديم العلم وإنما تقديم الأشياء الأخرى التي فيها سد جوع وزوال عطش.

وإهداء الهدايا الجميلة، كثير من هؤلاء الذين قلنا أنهم يخرجون إلى البر، حتى لو كانوا يخرجون لنقل: لضياع الوقت، لتزجية الوقت، ماذا عليهم لو أنهم اصطحبوا معهم من هذه الأشياء الموجودة في المكتبات والمطبوعة ما يفيد الناس في دينهم، وما يستمعون به إلى الدروس المفيدة والمحاضرات القيمة.

أين هؤلاء الذين يقيمون الدروس لأهليهم في البيت، ويشرحون لهم فيها الأحكام المتعلقة بالعبادات كالطهارة والصلاة، ويشرحون لهم شيئاً مبسطاً في العقيدة الإسلامية، ويذكرونهم من خلالها بالتوحيد، وما يناقضه من الشرك، ويذكرونهم أيضاً باليوم الآخر؛ لأنهم لا يمكن فصل قضية البعث والنشور والتذكير باليوم الآخر عن مسألة العقيدة، فهي من صلب العقيدة، فلا ينصرف الذهن إلى مسائل الأسماء والصفات، ونترك قضايا اليوم الآخر، لا نذكر بها الناس، لا شك أن هذا قصور كبير في تعليم الناس العقيدة.

وحتى لو كان بعض الذين يسافرون إلى الخارج، لنقل إنهم عصاة، يسافرون إلى بلاد الكفار للسياحة.

لو أنه صنع أشياء لتكفير ذنوبه مثلاً، ونحن لا نحثه على الذهاب أصلاً، لكن من باب تكفير الذنوب، بعض الذنوب على الأقل أن يشارك بشيء من دعم المسلمين هناك أو اصطحاب بعض ما ينفعهم إلى هناك.

ثم لو خرج مضطراً لعلاج أو خرج لمصلحة شرعية كدعوة إلى الله، مثل بعض الذين يذهبون يؤمون المساجد في المراكز الإسلامية في رمضان أو في غيرها، أو يذهبون مع البعثات العلمية التي توفدها بعض الجامعات في هذه البلد، تقوم مثلاً جامعة الإمام بدور مشكور وعظيم جداً في إرسال البعثات إلى بلاد المسلمين مثل جمهوريات إسلامية في الاتحاد السوفييتي سابقاً أو غيرها، وأنشطة كثيرة تقوم بها بعض الهيئات الخيرية كما تقوم به في ألبانيا مثلاً وغيرها.

وهذه لا شك تحتاج إلى سواعد وتحتاج جهود، وتحتاج إلى طاقات إدارية، وطاقات تنظيمية، وطاقات أيضا ًتجمع التبرعات، ونحو ذلك، وتقوم بالاتصالات، وهذه أشياء ينبغي أن يكون هناك في شباب المسلمين من يقوم بها.

وحتى لو رافق الإنسان أهله في رحلة داخل البلد، ذهب معهم في الصيف إلى الطائف وأبها أو الباحة، ونحو ذلك من المناطق التي يغشاها الناس لاعتدال الجو فيها، فسيلاقي هناك من المصطافين الكثير، وحتى الذين يأتون هنا في أوقات الإجازات إلى الشواطئ، يجب أن نستشعر دورنا تجاههم، وأن نقوم بدورنا في النصح والتوجيه، وإقامة الصلاة لهم مثلاً في أماكن قد لا توجد فيها مساجد، أو القيام بنصحهم إذا ارتكبوا منكرات، أو رفعوا الأصوات في الغناء، ونحو ذلك.

وعقد درس لهم قد يستفيدون منه في تبيان بعض أحكام السفر، أو غير ذلك من الأشياء الوعظية.

المسلم خيّر أينما حلّ انتفع به، وهو كالشجرة إذا رمي رمى بالثمر، فهو صابر على ما يصيبه من البلاء والأذى من السفهاء من أجل تعليم الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهناك كثير من القرى والهجر فيها حاجة إلى إقامة المواعظ والدروس، وهناك مجال للتعاون مع كثير من الهيئات للبلد لأجل القيام بما يحتاج إليه هؤلاء.

والمساجد، قد تحتاج المساجد إلى عناية، تحتاج إلى صيانة، تحتاج إلى تنظيف، تحتاج إلى إصلاح أشياء، ينبغي أن يكون هناك في كل حي وفي كل مسجد من الناس ممن حوله من يقوم بهذه المهمات.

ويوجد كذلك هناك حلقات تحفيظ قد يغيب مدرس التحفيظ، يكون هناك من يقوم مقامه، إذا غاب الإمام يكون هناك من يقوم مقامه، إذا غاب الخطيب يكون هناك من يخطب بدلاً منه.

إذاً، سد الثغرة القيام بما يجب، أليس من العيب أننا نسمع أحياناً أن جماعة من الناس في مسجد هذا طوله وهذا عرضه ما حضر الخطيب فصلوا صلاة الظهر؟!

ما فيهم واحد يستطيع أن يمسك مصحفاً، ويصعد المنبر، ويحمد الله، ويثني عليه، ويتشهد بالشهادتين، ويقرأ آيات من المصحف، ويقوم الخطبة الثانية يفعل شيئا ًمشابهاً، ويدعو للمسلمين، وينزل؟

ومع ذلك تجد هناك تراجعاً عن قيامهم بهذه الأدوار، والسبب لا شك في أنها هزيمة نفسية، وعدم جرأة مطلوبة ومحمودة في هذا الموطن، وتخاذل عن القيام بفرض الكفاية.

مسجد في البلد كيف لا تصلى فيه صلاة الجماعة؟

وهناك كثيرون من غير المسلمين من العمالة الأجنبية الموجودة يحتاجون لمن يكلمهم بلغتهم ويتحرك بينهم لتوعيتهم، وخصوصاً أنه يوجد عندهم كثير من التقبل، وكذلك زيارة المستشفيات المرضى، أو المستشفيات التي فيها أصحاب الأمراض المزمنة الذين يحتاجون إلى مزيد من التصبير كأصحاب العاهات والشلل، العاهات المزمنة أو الدائمة.

وكذلك ربما يكون هناك أيضاً مجال للتعاون مع مستشفيات الأمل أو غيرها.

ماذا بالنسبة للزيارات الأخوية، زيارات الإخوان في الله حتى لو كانوا في بلد آخر، والتعرف عليهم، والتعاون معهم، والتناصح.

زيارة المشايخ وطلبة العلم في بيوتهم أو في مكاتبهم.

لا شك أن مثل هذه الأشياء مما يملأ به الوقت، وهي فرص لعمل الخير.

وكذلك فإن هناك عدد من الثغرات: مراسلة بعض هؤلاء الذين يكتبون في ركن التعارف ونصحهم، خصوصاً أنهم في الغالب يريدون تعرف الشاب بفتاة أو الفتاة بشاب، وقد آتت كثير من الثمار، أو عدد من الثمار الدعوية في هذا المجال أكلها.

ووجد هناك من الناس من جرب الاتصال بالكمبيوتر عبر جهاز المودم ببعض الأجانب الذين عندهم أجهزة في بلدان أخرى، ودعوتهم إلى الإسلام، وقد أثمرت بعض هذه الجهود.

يوجد أيضاً ثغرات في الأحياء، التعرف على الجيران، زيارتهم، جذبهم إلى المساجد، نصحهم، تقديم ما ينفعهم وينفع أسرهم.

وعندنا إشكالات في قضايا تحتاج إلى تصميم وإخراج، ما أكثر المنكرات الموجودة في ألعاب الأطفال وفي أفلام الكمبيوتر، ألا يكون هناك من أولي الألباب، من أصحاب القدرة والطاقات هذه المكدسة الموجودة التي تسرح وتمرح، وتلعب بالألعاب هذه من يوجد يصمم أشياء تنفع أطفال المسلمين، من شرح العبادات مثلاً، أو عرض تفسير سور قصيرة، ونحو ذلك من الأشياء بدلاً من ترك هذه الأشياء تغزو عبر الأجهزة أدمغة أطفالنا.

وكذلك فإن الإنسان المسلم يمكن أن يوصل خيره إلى مجموعات وإلى مجموعة كبيرة من العمال من الأعاجم إذا اهتم بواحد فقط منهم، يستطيع أن يتفاهم معه قد اصطحبه وعقد معه آصرة الأخوة الإسلامية، وقام بتعليمه، وإيصال الخير له.

وهذا الرجل يكون رسولاً إلى قومه، وقد يأتيك بأسئلة من عندهم، وأنت بدورك تتصل بأهل العلم للمجيء بالإجابات عليها.

ألا يكون هناك ممن ينتدب نفسه للإتيان إلى محلات الانتظار كصالونات الحلاقة والمستوصفات، وأماكن النقل الجماعي، والدوائر التي فيها كثرة مراجعين ينتظرون، مستشفيات، جوازات، وغير ذلك، ويقوم بالإتيان بهذه الكتب التي طبعت ورخصت رسمياً لكي تعطى لهؤلاء الأشخاص ليستفيدوا منها، فيكون هناك نشر عظيم للخير.

هناك من العوائل من يكون لهم ديوانيات أو مجتمعات خاصة بالأسرة، خاصة بالعائلة، ألا يكون هناك من ينتدب نفسه لعمل مجلة لهذه العائلة فيها أخبار العائلة والأسرة ومن زار ومن حضر ومن تزوج ومن توفي، ونحو ذلك ومن سافر ومن رجع ومن تخرج، ثم تطعم هذه المجلة بفتاوى ومقالات مناسبة، وأشياء مفيدة وخيرة.

وهناك أيضاً مجال المشاركة، المجالات، كتابة المقالات الإسلامية وإرسالها.

هذه أشياء وأشياء كثيرة جداً.

وهناك مجال أيضاً لقضية استغلال المناسبات الاجتماعية كالعقيقة وغيرها، وإذا حضر الإنسان يكون مفيداً في المجلس، بعض الناس إذا أتوا إلى مجلس يكونون في غاية التقوقع، ما يقدم شيئاً، ويترك المجال للعابثين لاستلام وإدارة زمام هذا المجلس، وهو قادر على أن يقوم بإلقاء كلمة، أو فتح حوار مناسب.

مجالات الخير إذاً كثيرة.

قلنا : إن هناك عدد من المناسبات الاجتماعية التي يمكن استغلالها لخدمة الدين، وتعليم الناس، وعلى الأقل إزالة ما فيها من المنكرات كولائم الأعراس، والولائم التي تكون في الدعوات، دعوة العقيقة، وغيرها.

كم نحن نهدي هدايا بمناسبات مختلفة، إذا جاء إنسان مولود أهديناه هدية، وإذا نزل إنسان بيتاً جديداً أهديناه هدية، وإذا تزوج أهديناه هدية، وإذا رجع من سفر قد تخرج مثلاً أهديناه هدية، لماذا لا نرفق مع الهدية شيئاً مفيداً يقرؤه أو شيئاً طيباً يستمع إليه؟

ويمكن كذلك أن تؤخذ هذه الكميات من الأشياء التي سبق وأن قرئت والأشياء التي سبق وأن سمعت، وصارت مستخدمة، وهي عرضة للتلف؛ لأن تؤخذ ويعاد توزيعها على من يستمع إليها أو يقرأ فيها.

وكذلك فإن الشاب الداعية إلى الله -سبحانه وتعالى- ينبغي أن لا تخلو سيارته أو جيبه من شيء يقدمه لغيره إذا  التقى فجأة في مناسبة من المناسبات أو سوق أو دكان، ونحو ذلك، بما يفيد الآخر.

وهذا ولا شك أنه يعتمد على حنكة هذا الداعية وتقديره للواقع، فإنه إذا ذهب إلى مكان يتوقع أن يجد فيه منكراً من المنكرات اصطحب معه فتاوى لبعض أهل العلم في الموضوع، نصح بها ذلك الشخص وقدمها إليه، أو دلالة على الخير يدل بها بعض الناس على خير، كما إذا زار بعض أرباب الأموال مثلاً وقدم إليهم نصيحة عن المجالات التي يمكن أن يضعوا فيها أموالهم في خدمة الدين والأماكن الموثوقة التي يمكن أن يعطوا تبرعاتهم وزكواتهم وصدقاتهم إليها.

ولا ننسى أن هناك كثير من الأماكن التي لا يصل إليها الخير، وكأنها موقوفة على أهل الرذيلة والفساد، ولكن يمكن إذا كان الإنسان مجتهداً في الدعوة إلى الله أن يصل إليها، وأن تكون بؤرة خير.

والمدرس في مدرسته يستطيع أن يعمل للإسلام، وهو في فصله يعمل للإسلام، والطبيب في عيادته يعمل للإسلام، ويستطيع الموظف في الدائرة أن يعمل للإسلام.

يستطيع الإنسان في أي موقع من المواقع أن يعمل للإسلام.

وأصحاب الوظائف الدينية عليهم المسؤولية الأكبر كأئمة المساجد والخطباء، الذين لا بد أن يقدموا للناس ما يفيدهم حتى من الأشياء التي ربما لا تكون شرعية بحتة، وإنما هي داخلة في الدين، لكن ليست مما يتعلق بالعلم الشرعي كبعض النصائح أو الأشياء المفيدة طبياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً مثلاً.

وكذلك فإن هناك أشياء تحتاج إلى إدارة وضبط كأوقاف المسلمين التي ضاعت في كثير من المحلات والأماكن.

وعندنا مجالات واسعة للعمل للدين حتى في الورش والمحلات التي ربما لا يغشاها إلا الناس من أصحاب الأجور المتدنية أو يعملون فيها، هؤلاء لنا واجب معهم، نحن يذهب الواحد منا لإصلاح سيارته في الورشة، أو يشتري طعاما ًمن مطعم، ونحو ذلك، ربما يرى منكراً، أو فرصة للخير، ليست القضية فقط إنكار المنكر، وإنما الأمر بالمعروف، يوجد فرصة للأمر بالمعروف، يسأل هذا العامل عن اسمه، يعرف هل هو مسلم أو كافر؟ فإن كان مسلماً نصحه بنصيحة، أو علمه شيئاً، أو سأله عن بعض أحوال بلده، فربما قال له شيئاً فيه بدعة فعلمه أنها بدعة مثلاً، أو إذا كان كافراً دعاه للإسلام، ألقى كلمة: لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار  على الأقل يقيم الحجة.

هناك كما ذكرنا في المحلات المختلفة في الشواطئ وغيرها، من إذا مر بها يمكن أن يذكر بالله –سبحانه- حتى يكون الجو كله جو تذكير وجو نصح.

طبعاً بالحكمة والموعظة الحسنة، وبما لا يترتب على إنكاره منكر أكبر ولا شك.

وعندنا كذلك مجالات كثيرة، هذه المجالات النسائية، النساء عليهم أيضاً مسؤوليات عظيمة، المرأة تعلم، المرأة التي تجيد تلاوة القرآن تعلم المرأة الأخرى تلاوة القرآن حتى لا نقع في حرج أن تتعلم امرأة عند رجل أجنبي ولو من وراء حجاب، ثم تزين صوتها وتجوده، نقول: عندنا من النساء، يوجد من النساء من يكون عندها علم بالتجويد وإتقان للتلاوة.

على هؤلاء النساء فرصة، وعلى هؤلاء النساء مسؤولية كبيرة في تعليم النساء الأخريات.

وكذلك الرجال كل واحد يعلم النساء من محارمه طريقة التلاوة، التلاوة الصحيحة، أحكام التلاوة التي لا بد منها.

أما أن يوجد عند أمك وأختك وخالتك لحن جلي في القراءة يفسد المعنى ويغيره، وأنت لا تغير شيئاً، ولا تحرك ساكناً، فلا شك أن هذا من العجز والتفريط العظيم جداً.

وهؤلاء النساء في مراكز تحفيظ القرآن عليهم واجبات كثيرة، وداخل الأسر والعوائل دروس للعائلة يمكن أن تلقيها المرأة المتعلمة الملتزمة بالدين لقريباتها، نشر الحجاب، مدرسات في المدارس، نصائح مهمة جداً ربما تكتشف طالبة عندها منكر، صور، مراسلات، معاكسات هاتفية، أشياء من هذا القبيل، يجب أن تقوم بواجب النصح والتحذير، وتأليف القلوب على اليدين، وأن إهمال القضية لمجرد إلقاء المنهج وأخذ الراتب لا شك أنه قصور عظيم في فهم المسؤولية، مسؤولية المرأة المسلمة، المسؤولية عن هذا الدين: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ  [الزخرف: 44].

ونحن ندخل المحلات التجارية وقد يكون فيها أشياء كثيرة تحتاج إلى نصح أصحابها أو استبدالها بأشياء طيبة فلا نتكلم ولا ننبس ببنت شفة، لا شك أن ذلك من الأشياء التي توجع القلب.

عندما تحين الفرصة للسفر إلى بلاد أخرى فيها جاليات إسلامية لنصحهم، بعض الناس عندهم هواية السفر، نقول: هناك مجالات للسفر إلى بلاد المسلمين فيها جهل عظيم تحتاج إلى إغاثة، تحتاج إلى عمل مشاريع ولو صغيرة، تحتاج إلى إقامة حلق، دروس، الذين طافوا تلك البلدان تأثروا جداً باستقبال أهلها لهم عندما علموا أنهم من بلاد الحرمين ومهبط الوحي.

وتأثروا لما قدموا لهم من النصائح، تجمعوا عليهم بأعداد كبيرة، يسألون عن أشياء في أساسيات الدين، فإذا كان هؤلاء عندهم قدرة، لهم رغبة في الإفادة فعلاً، ويقولون: لا بد لنا من السفر.

نقول: إذاً اذهبوا إلى تلك الأماكن فإن في العمل فيها خير عظيم جداً.

ولو اصطحب معه بعض التبرعات لإقامة مسجد أو حفر بئر أو عمل شيء مشاركة مع غيره في خدمة طبية، أو غيرها أو علاج، اصطحب معه من الأدوية المتداولة التي لا شك أن الناس يحتاجون إليها في كل مكان كأدوية الحرارة والصداع مثلاً، وغير ذلك، ألا يكون في تقديمها أيضاً أجراً ومساعدة وسبق لنشاطات الجمعيات التنصيرية ببلدان المسلمين؟

هذه الجهود ولو كانت بسيطة، ولو كانت فردية لكن الله -سبحانه وتعالى- يبارك فيها ولا شك .

وكذلك فإن الإنسان المسلم يحاول دائماً أن يبرز الخير، يحاول أن يكون هناك إعلان دين الإسلام، عن الأحكام الشرعية، إذا جاءت مناسبات، عشر ذي الحجة، رمضان، عاشوراء، يوم عرفة، أشياء فيها فضائل يحتاج الناس فيها إلى تذكير في المساجد أو غيرها، وإعطاء الناس ما كتبه أهل العلم في فضائل هذه الأيام مثلاً، نحن الآن مقبلون على عشر ذي الحجة.

إشاعة أهمية عشر ذي الحجة بين الناس، وأجر العمل في هذه العشر، والناس كثير منهم فيهم خير أو رغبة في الخير أو على الأقل يفتحون لك المجال للكلام، يستمعون إليك، فأين عملك أنت في هذه المناسبة؟ وأنت تكون في مواقع مختلفة، كل واحد في موقعه، نكون في مواقع مختلفة، يمكن أن نذكر في تلك المواقع، أناس يحتاجون للسؤال عن أشياء من الدين لا يجدون، لكن أنت لو فتحت المجال سألوا وأنت لا تفتي بغير علم بطبيعة الحال، وإنما تنقل لهم فتاوى أهل العلم.

وأعود وأقول : لا يصح أن نحتقر أنفسنا أو نحقر مجهوداتنا، ويجب أن نقدم، وهذه قصة شاب أبكم لا يتكلم، قصة لا شك فيها عبرة، كان يذهب إلى أماكن الورش، الأماكن التي فيها الصنّاع والعمال، من هؤلاء المسلمين الذين كثير منهم لا يعلمون أشياء كثيرة عن الدين، فيعطيهم ما تيسر من الأشياء المقروءة والمسموعة التي فيها مواعظ، والتي فيها تذكير وفيها تعليم، يوزع عليهم.

وفي يوم من الأيام بعد فترة ذهب إلى ذلك المكان ليقدم ما عنده، فخرج إليه عامل ملتحٍ، واعتنقه وقبله، وقال: ألا تعرفني؟ ألا تذكرني؟ أنت مررت بي ذات يوم وأعطيتني شريطاً قبل فترة طويلة، وكان سبب هدايتي.

وهذا شاب أبكم، أو أن كلامه عسير جداً لا يتكلم، لكن شعوره بواجب التبليغ، واجب الدعوة دفعه إلى أن يقدم شيئاً.

قيام المسلمين بفروض الكفاية وتكاملهم فيها

01:07:42

ماذا إذاً؟ نعود إلى المسألة ونقول: ماذا قدمنا للإسلام؟

هل قيامنا بهذه الفروض الكفائية موجود؟

وقد رغبت في عرض بعض الأصول الشرعية للمسألة حتى أن لا يظن بعض الناس أن المسألة كلام هلامي، أو مجرد عرض للمجالات ليس مستنداً على أصل شرعي.

نقول: إنه مستند على أصول شرعية موجودة في كتب العلماء، هناك وظائف يجب أن نعد أنفسنا للقيام بها، وظائف إسلامية وشرعية يجب أن نعد أنفسنا للقيام بها، وتغطية هذه الثغرات الموجودة، الموجودة في المدن والقرى والأحياء، والمساجد، وأماكن الناس، وأن نعلمهم دين الله -سبحانه وتعالى-، نحن رسل خير وهداية، ونقفوا من آثار الأنبياء، هكذا ينبغي أن نكون.

أما أن تذهب أوقات الشباب سدى، وتذهب في المجالس، مجالس الغيبة والنميمة والشجار والعراك والجدل العقيم، والتقوقع بدون فائدة، تكديس طاقات بدون أن تنطلق في خدمة هذا الدين.

وكذلك فإننا نذكر أنفسنا بقضية المسؤولية في العمل، نذكر أنفسنا أن هناك واجبات كفائية لا بد أن نقوم بها، ونذكر أنفسنا أن الدعوة إلى الله أياً كان مجالها، وأياً كانت الوسيلة التي تسلك فيها هي مسؤولية سنسأل عنها؛ كما قال الله : وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ  [الزخرف: 44] سنسأل عن هذا، هذا صحيح شرف، شرف لنا، الإسلام شرف لنا، الانتساب إلى الإسلام شرف عظيم، كثيرون يعبدون البقر، وآخرون يعبدون الجواميس، ويعبدون تمثال بوذا، ويعبدون الشيطان، وبعضهم يعبدون المال، ويعبدون الشهوات، أهواؤهم وشهواتهم، يعبدونها.

فضلك الله عليهم بأن جعلك مسلماً، توحّد الله ، تقوم بالعبادة، لكن هذا الشرف له تكليف، لا بد للتشريف من تكليف، إذا شرّفك الله بأن كنت من أهل الدين هؤلاء فماذا قدمت لرفع شأن الدين إذاً؟

الخاتمة

01:10:16

فانقسم الكلام في موضوعنا السابق عن واجبات كفائية يجب السعي لسدها، والإعداد، لأن السد قد لا يكون حاصلاً الآن، لكن الإعداد لسد الثغرات.

وكذلك تنبيه على بعض الوسائل التي تستخدم في الدعوة إلى الله التي تعين على سد بعض الثغرات.

لكن القضية الأساسية قضية تحقيق فروض الكفاية.

ويجب أن لا يعيب المسلمون على بعضهم، ولا يحتقر بعضهم بعضاً في المجهودات التي يقدمونها، طلبة العلم لا يحتقرون الذين يقومون مثلاً بدعوة العامة ووعظهم، رغم أنه يقدم مواعظ، ما عنده علم، لكن يستطيع بهذا التقديم بفضل الله أن ينقل أناس من معسكر الشر والضلال إلى طريق الهداية.

ولا يعيب طلبة العلم ولا الوعّاظ مثلاً على من يشتغل في خدمة قضايا المسلمين وقضايا الجهاد وقضايا الإغاثة مثلاً.

الثغرات كثيرة جداً، ونحن نحتاج إلى عمل متكامل، المسلمون يكمل بعضهم بعضاً، ولا يعيب بعضهم على بعض، هناك حد أدنى؟ نعم، هناك حد أدنى من العبادة، يجب أن يكون موجوداً، هناك حد أدنى من العلم، ما يصلح لا إغاثي ولا مجاهد أن يعمل بهذا العمل وهو ما عنده الأساسيات التي يعبد الله بها، يصلي غلط، يصوم غلط، يحج غلط، ينكح غلط، يبيع غلط، لا يجوز له ذلك حتى لو كان مشتغلاً بعمل آخر غير قضية العكوف على طلب العلم.

فإذاً، أهل الحسبة وأهل الجهاد وأهل العلم وأهل الوعظ وأهل الإغاثة، هذه الأشياء وهذه الوظائف، هذه الأشياء الفروض الكفائية يجب أن تسدد، وأن يقوم لكل ثغر منها من يطيق القيام به، ويكون صاحب خبرة فيه، ويستطيع أن يقدم فيه، ولا يعيب بعضهم على بعض.

وبهذه الطريقة تجتمع الأشياء وتجتمع الجهود.

والقضية في النهاية: نصرة الإسلام، والعمل لدين الله -سبحانه وتعالى-.