الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا، أحمده، وأثني عليه، وأصلي على نبيه محمد بن عبد الله، أشهد أنه رسول الله، والرحمة المهداة، البشير والنذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
سوء الخاتمة لمن فسد باطنه وظاهره
وإنما يقع سوء الخاتمة لمن فسد باطنه وظاهره، ولمن له جرأة على الكبائر، وإقدام على الجرائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة.
وذكر ابن القيم نحوا من هذا في كتابه: "الداء والدواء".
قال أبو محمد عبد الحق -رحمه الله-: اعلم أن سوء الخاتمة -أعاذنا الله منها- لا تكون لمن استقام ظاهره، وصلح باطنه، وما سمع بهذا، ولا علم به، والحمد لله، وإنما تكون لمن له إصرار على الكبائر، أو إقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل به الموت قبل التوبة، فيصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة، ويختطفه عند تلك الدهشة -والعياذ بالله-"[الجواب الكافي، ص: 167].
أو يكون ممن كان مستقيما ثم يتغير عن حاله، ويخرج عن سننه، ويأخذ طريقه، فيكون ذلك سببا لسوء خاتمته، وشؤم عاقبته.
إذاً، هو يقول أن هذه سوء الخاتمة تكون لمن كان له إصرار على الكبائر، للذي لا يتوب، للذي ينتكس وينحرف فيموت على هذا الانتكاس والانحراف.
وقال ابن القيم -رحمه الله- في "الجواب الكافي": وإذا كان العبد في حال حضور ذهنه، وقوته وكمال إدراكه قد تمكن منه الشيطان، واستعمله بما يريده من المعاصي، وقد أغفل قلبه عن ذكر الله -تعالى-، وعطل لسانه من ذكره، وجوارحه عن طاعته، فكيف الظن به إذا سقطت قواه؟".
الآن الشيطان ممكن يستولي على العبد، والعبد في كامل قوته وسمعه وبصره وعقله، ويجعله الشيطان من جنوده، فكيف الظن به حال هذا العبد عند سقوط "قواه، واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من النزع من ألم النزع" نزع الروح "وجمع الشيطان له كل قوته وهمته، وحشد عليه بجميع ما يقدر عليه لينال منه فرصته، فإن ذلك آخر العمل، فأقوى ما يكون عليه شيطانه في ذلك الوقت، وأضعف ما يكون هو في ذلك الحالة، فمن ترى يسلم على ذلك، فهناك يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء[إبراهيم: 27]، فكيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل الله قلبه عن ذكره واتبع هواه وكان أمره فرطا؟ فبعيد من قلب بعيد من الله -تعالى-، غافل عنه، متعبد لهواه، مصير لشهواته، ولسانه يابس من ذكره، وجوارحه معطلة من طاعته، مشتغلة بمعصية الله، بعيد عنه أن يوفق للخاتمة بالحسنى"[الجواب الكافي، ص: 91-92].
فمن هنا خاف السلف من الخاتمة، وثبت عن النبي ﷺ أنه قال: إنما الأعمال بالخواتيم[رواه البخاري: 6607].
فمن هنا خاف السلف من الخاتمة؛ لأن الخاتمة مجهولة ولا يدري العبد أيختم له بعمل من أعمال أهل الجنة فيكون من أهلها أم يختم له بعمل من أعمال أهل النار فيكون من أهلها؟
تعريف سوء الخاتمة
ما هو المراد بسوء الخاتمة؟
قال ابن رجب -رحمه الله-: وقد خذل كثير عند الموت، فمنهم من أتاه الخذلان من أول مرضه، فلم يستدرك قبيحا مضى، وربما أضاف إليه جورا في وصيته، ومنهم من فاجأه الخذلان في ساعة اشتداد الأمر، فمنهم من كفر، ومنهم من اعترض وتسخط -نعوذ بالله من الخذلان-".
إذاً، من الناس من أتاه الخذلان في أول ما مرض، ونهاية المرض مات لا تاب ولا غير ولا آمن، بل ربما أضاف إلى ذلك جورا في الوصية، ومن الناس من فاجأه الخذلان أول نزول الموت فكفر أو اعترض وتسخط، ومات على ذلك، يعني كل شغلة صارت بسرعة، وهذا معنى سوء الخاتمة.
قال ابن رجب يعرف ما هي سوء الخاتمة قال: "أن يغلب على القلب عند الموت الشك أو الجحود".
سوء الخاتمة درجتان <الدرجة الأولى يقول الدرجة الأسوأ: أن يغلب على القلب عند الموت الشك أو الجحود، فتقبض النفس على ذلك، فتقبض النفس على تلك الحالة، ودون ذلك أن يتسخط الأقدار عند الموت.
وقال الشيخ صديق حسن خان -رحمه الله- في كتابه: "يقظة أولي الأبرار": "سوء الخاتمة على رتبتين:
إحداهما: أعظم من الأخرى، فأما الرتبة العظيمة الهائلة فهي أن يغلب على القلب عند سكرات الموت، وظهور أهواله إما الشك وإما الجحود، فتقبض الروح على تلك الحالة فتكون حجابا بينه وبين الله -تعالى- أبدا، وذلك يقتضي البعد الدائم، والعذاب المخلد.
والثانية: هذه رتبة ثانية من سوء الخاتمة، وهي دونها أن يغلب على قلبه عند موته أمر من أمور الدنيا أو شهوة من شهواتها، فيتمثل ذلك في قلبه أمر الدنيا هذا أو الشهوة، هذه تكون في القلب تعظم تتمثل أمامه عند الموت، ويستغرقه، يسيطر عليه الأمر هذا عند الموت، حتى لا يبقى في تلك الحالة متسع لغيره.
فلنفرض الواحد مفتون بالغناء عند الموت يغلب عليه الغناء، ويسيطر على قلبه، ويهيمن عليه، ويعظم في نفسه، حتى لا يرى غيره، ولا يكون هناك متسع لغيره أصلا، لا دعاء ولا قرآن ولا تذكر ولا اتعاظ، ولا شيء، خلاص هذا مسيطر الآن عند الموت، فمهما اتفق قبض الروح في حال غلبة الدنيا فالأمر مخطر؛ لأن المرء يموت على ما عاش عليه، تعيش على حب الله تموت عليه، تعيش على طلب العلم تموت عليه، تعيش على العبادة تموت عليها، تعيش على الدعوة تموت عليها، وهكذا.. لأن المرء يموت على ما عاش عليه، وعند ذلك تعظم الحسرة، إلا أن أصل الإيمان وحب الله -تعالى- إذا كان قد رسخ في القلب مدة طويلة، وتأكد ذلك بالأعمال الصالحة يمحو عن القلب هذه الحالة التي عرضت له عند الموت" يعني لو واحد عنده حب الله والإيمان الفترة الطويلة من حياته وعنده أعمال صالحة وعبادات تؤكده لو عرض له بعض الأشياء من أمور الدنيا أو المعاصي عند الموت يأتي الإيمان فيزيله، قال: "إلا أن أصل الإيمان وحب الله -تعالى- إذا كان قد رسخ في القلب مدة طويلة" وهذه فائدة أن الواحد يستمر على الإيمان والعمل الصالح، هذه فائدة شاب نشأ في طاعة الله استمر على ذلك، هذه فائدة الرجل شاب شيبة في الإسلام، يعني معناها واحد قد عمر عمرا في طاعة الله فترة طويلة هذا ينفع عند الموت؛ لأن هذه السنين الطويلة وهو يعبد الله ويصلي ويكبر للمساجد ويذكر ربه، ومواظب على الأذكار والأدعية، وورد القرآن، وأعمال البر والخير، والصدقات، والدعوة إلى الله، هذا العمر الطويل لا بد أن يكون له أثر عند الموت، كما أن العمر الطويل في المعاصي يكون له أثر عند الموت، قال: "إلا أن أصل الإيمان وحب الله -تعالى- إذا كان قد رسخ في القلب مدة طويلة، وتأكد ذلك بالأعمال الصالحة يمحو عن القلب هذه الحالة التي عرضت له عند الموت، لو عرض شيء من الدنيا، لو عرضت معصية، ذكر معصية، شكل شهوة يزيحها يزيلها، "فإذا كان إيمانه في القوة إلى حد مثقال أخرجه من النار في زمان أقرب، وإن كان أقل من ذلك طال مكثه في النار، ولكن لو لم يكن إلا مثقال حبة فلا بد وأن يخرجه من النار ولو بعد آلاف السنين، وكل من اعتقد في الله -تعالى- وفي صفاته وأفعاله شيئا على خلاف ما هو به" وهذه الآن خطورة اضطراب عقيدة الإنسان، خطورة أن يكون في عقيدته دخن، أن يكون في عقيدته انحرافات، هذه خطيرة، حتى في قضية الأسماء والصفات؛ لأنها متعلقة بالله -تعالى- مباشرة، قال: "وكل من اعتقد في الله وفي صفاته وأفعاله شيئا على خلاف ما هو به إما تقليدا وإما نظرا بالرأي والمعقول، فهو في هذا الخطر، والزهد والصلاح لا يكفي لدفع هذا الخطر"، فهو الآن ينبه على قضية مهمة جدا: قضية صحة العقيدة، عندما نقول الآن لا بد ان يكون الإنسان صحيح الاعتقاد بالله -تعالى- يؤمن بربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، ويؤمن بأن الله لا شريك له، موحد ما عنده شرك، لا عنده استغاثة بغير الله، ولا عنده دعاء غير الله، ولا توسل بأمر شركي، لا يجوز، أو بدعي، واحد عقيدته نقية يؤمن بالأسماء والصفات كما جاءت، لا يحرف، لا يبدل، لا يغير، لا ينفي ما نفاه الله عن نفسه، لا يثبت ما لم يثبته الله عن نفسه، هذا كله منتف عنده، عقيدته صافية في الأسماء والصفات، لا يحرف الكلم عن مواضعه، ما يغير صفة استوى يقول استولى، والغضب يقول: إرادة إنزال العذاب، ونحو ذلك، مما يحرف به بعض الناس أفعال الله وصفات الله وأسماء الله، الوجه وجه الله يليق بجلاله وعظمته، ويد يد الله تليق بجلاله وعظمته، ما عنده أي تغيير.
أين الله؟ في السماء، في العلو، ما يقول: الله في كل مكان، لا يدري أين ربه، لا، يعلم أين الله في العلو، في السماء: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء[الملك: 16]،الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[طـه: 5].
إذا كانت العقيدة سليمة فإن هذا يؤثر كثيرا في ثبات القلب عند الموت، وإذا كانت العقيدة فيها انحرافات، يقول: إن الزهد والصلاح لا يكفي؛ لأن في ناس من المبتدعة من الذين عندهم انحرافات في الأسماء والصفات مثلا فيهم زهد عمر بن عبيد المعتزلي من المعتزلة كان رجلا زاهدا، أعجب به الخليفة لزهده، يقول:
كلكم يمشي رويد | كلكم طالب صيد |
إلا عمر بن عبيد |
لكن هل الزهد هذا يكفي؟
لا.
فيقول: "وكل من اعتقد في الله -تعالى- وفي صفاته وأفعاله شيئا على خلاف ما هو به إما تقليدا وإما نظرا بالرأي والمعقول" يعني هذا علم الكلام، وإعمال العقل فينفون أشياء، يقولون هذه مخالفة للعقل، والله أثبتها لنفسه، أو يثبتون لله أشياء والله نفاها عن نفسه، فهو في هذا الخطر، خطر سوء الخاتمة، قال: "والزهد والصلاح" يعني كونه زاهد في الدنيا مثلا أو عنده عبادات وأذكار مثلا، "لا يكفي لدفع هذا الخطر، بل لا ينجي منه إلا الاعتقاد الحق على وفق الكتاب العزيز، والسنة المطهرة".
فإذاً، هذا الذي ينفع وهذا الكلام مهم جدا في قضية تصحيح العقيدة، كل واحد يصحح عقيدته قبل أن يدركه الموت، فربما إذا أدركه الموت وعقيدته فيها خلل فإن ذلك يضره.
أسباب سوء الخاتمة
ما هي أسباب سوء الخاتمة؟
أسباب سوء الخاتمة كثيرة، ومنها:
فساد المعتقد والتعبد بالبدع:
أولا: فساد المعتقد، والتعبد بالبدع، حتى الموت، فإن أهل البدع هم أكثر الناس شكا واضطرابا عند الموت، وذلك لسوء معتقدهم، وفساد قلوبهم، ومرضها بالشبهات والشكوك.
وقد يظهر لهم من معاينة أمور الآخرة عند الموت ما يظهر فساد معتقدهم، وسوء منقلبهم، فيدفعهم ذلك إلى اليأس والقنوط.
بينما أهل السنة هم أكثر الناس ثباتا على أقوالهم ومعتقداتهم، فالثبات على الحق سيما أهل الحق.
إذاً، أهل البدع أكثر الناس شكا عند الموت، وكما قال بعض العلماء: أكثر الناس شكا عند الموت أهل الكلام، أهل الفلسفة، أهل علم المنطق، هؤلاء الذين يقولون: جوهر وعرض، وعندهم قواعد فلسفية، هؤلاء أصلا كثيرو الشكوك، هؤلاء على خطر عظيم عند الموت، ولذلك تجد بعض المبتدعة إذا شككه، إذا جاء واحد شككه في أمر قلب فعلا، كما جاؤوا للجهم بن صفوان وغيره من المبتدعة، قالوا له جاءه بعض الوثنيين بعض طائفة السمنية ملاحدة لا يؤمنون بالله، قالوا: هل إلهك يُرى؟ قال: لا، قالوا: هل يسمع؟ قال: لا، قالوا: هل تذوقه؟ قال: لا، قالوا: هل تشمه؟ قال: لا، قالوا: هل تجسه؟ قال: لا، قالوا إذاً هو غير موجود، قال: أمهلوني.
شف سبحان الله إذا كانت العقيدة مزعزعة، إذا جاء واحد ملحد أعطاها بس قليل من التشكيك انهار، فمكث أربعين يوما ثم خرج إليهم، فقال: هو هذا الهواء، هذا إلهي، خلاص هذا الجو.
الآن هذا إذا جاءه الموت يثبت عند الموت؟ هل هذا جدير أن يوفق لحسن الخاتمة؟
أما أهل الحق إذا واحد قال له مثل هذا، يقول له: هذا دماغك الذي في رأسك هل تراه؟ لا، هل تسمعه؟ لا، هل تشمه؟ لا، هل تذوقه؟ لا، هل تمسكه وتجسه؟ لا.
إذًا، هو غير موجود.
فإذا المؤمن مهما شكك لا يشك، لكن بعض الناس مساكين عقائدهم مزعزعة، فتورد عليهم الشبهة الواحدة يسقط.
في القضاء والقدر مثلا أهل الإيمان أهل السنة يؤمنون أن الله علم الأشياء وكتبها وشاءها وأرادها وخلقها، فهم يؤمنون بأن للعبد إرادة واختيارا، وأن الله إرادته فوق إرادة العباد، للعبد اختيار، ولكن لا يقع إلا ما شاء الله -تعالى-، والعبد إذا اختار شيئا وفعله، فالله قد قدره وخلقه وكتبه وشاءه.
العقيدة قوية سليمة، هذا لا يخشى عليه عند الموت، لكن أهل الزيغ والبدع يخشى عليهم.
الثبات على الحق سيما أهل الحق، هرقل ملك الروم لما مر أبو سفيان مع نفر من قريش تجارا، فأخذهم ليسألهم عن هذا الذي خرج فيهم يزعم أنه نبي، قال: هؤلاء قومه يعرفونه أكثر من الآخرين، هاتوهم نسألهم، قال هرقل: وسألتك هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فزعمت أن لا؟
ما استطاع أبو سفيان أن يكذب، كان السؤال من هرقل صريحا، أصحاب محمد ﷺ الذين دخلوا دينه هل في واحد منهم يرتد عن دينه بعدما دخل فيه وهو ساخط عليه؟ واحد دخل في الدين واكتشف أنه الدين هذا مثلا خزعبلات أو خرافات؟ هل في أحد حصل هذا منه؟
قال: لا، كل واحد يدخل يثبت، ما يخرج، قال: "وكذلك الإيمان" هذا هرقل "حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد"[رواه البخاري: 51].
فأهل السنة هم أعظم الناس صبرا وثباتا على أقواله ومعتقداتهم، وأهل البدع هم أكثر الناس شكا واضطرابا في الحياة، وعند الممات.
وقال صديق حسن خان -رحمه الله- في أسباب سوء الخاتمة؛ منها: الفساد في الاعتقاد وإن كان مع كمال الزهد والصلاح، فإن كان له فساد في اعتقاده من غيره تأويل سائغ، فقد ينكشف له في حال سكرات الموت بطلان ما اعتقده، ويكون انكشاف بطلان بعض اعتقاداته سببا لزوال بقية اعتقاداته الصحيحة" في جزء فيه خلل، وجزء صحيح عند الموت، الجزء الذي فيه خلل يظهر فيشك فيه، وفي بقية الأشياء الصحيحة، فيختم له بالسوء، ويخرج من الدنيا بغير إيمان ثابت، فيكون من الذين قال الله فيهم: وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر: 47].
هذه الآية كان يخشى منها كثير من السلف، وهذه الآية أبكت كثيرا، وهذه الآية جعلت كثيرا لا ينامون الليل، وجعلت كثيرا يخافون على أنفسهم.
الآية ما هي؟
وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ[الزمر: 47] يعني عند الموت إذا نزل الموت الآن يطلع العبد على الدار التي بعد الدنيا، خلاص الدنيا أغلقت الآن، انفتحت أشياء أخرى، الأشياء الأخرى ما كانت في الحسبان: وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ[الزمر: 47]، رأى أشياء ما خطرت على باله.
وطبعا هذه أشياء مفاجئة مهولة.
وقال في آية أخرى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا[الكهف: 103-104].
"فإن كل من اعتقد شيئا على خلاف ما هو عليه في الكتاب والسنة إما نظرا برأيه وعقله، أو أخذا ممن هذا حاله، فهو واقع في هذا الخطر، ولا ينفعه الزهد والصلاح، وإنما ينفعه الاعتقاد الصحيح المطابق لكتاب الله وسنة رسوله؛ لأن العقائد الدينية لا يعتد لها إلا ما أخذت منها، وكم ختم لكثير من البشر بالسوء بسبب ما ابتدعوا في دين الله".
أصحاب البدع هؤلاء عند الموت، هؤلاء نهايتهم شنيعة، "وكم ختم لكثير ممن ابتدعوا في دين الله ، وزاغوا وانحرفوا عن الصراط المستقيم، وظهرت حقائقهم في أول لقائهم برب العالمين"؛ لأنه قدم على الله، انكشف كل شيء.
ولنأخذ أمثلة على ذلك، فهذا ابن الفارض عمرو بن علي الحموي، المتوفى سنة 632، كان يقول بالحلول والاتحاد -تعالى الله عن قوله- كان يقول كلاما كفرا صراحا، يقول: إن الله حل في المخلوقات، وإن الرب عبد، والعبد رب، ويعبر عن هذا يقول:
العبد رب والعبد رب | يا ليت شعري من المكلف |
إن قلت عبد فذاك رب | وإن قلت رب أنى يكلف |
ما عاد يدري العبد من الرب خلاص؛ لأنه يؤمن أن الله اتحد بالمخلوقات، وهؤلاء يقولون يعني إبليس هو الله، وفرعون هو الله، خلاص، لأن كلهم.
وهم الذين يقولون:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا | وما الله إلا راهب في كنيسة |
يقولون هذا، يصرحون يقولون: أصلا موسى لما أنكر على فرعون كان إنكاره غلط، فرعون قال أنا ربكم الأعلى، بما أن فرعون هو الله؛ لأن الله هو كل شيء كان كلام فرعون صحيح، بس موسى ما فطن له، يعني لهذه الدرجة؟
هذا الرجل يقول ابن حجر عنه: كان ينعق بالاتحاد الصريح في شعره، وقال: وكنت سألت شيخنا سراج الدين البلقيني عن ابن عربي فبادر بالجواب بأنه كافر، فسألته عن ابن الفارض، فقال: لا أحب أن أتكلم فيه، قلت: فما الفرق بينهما؟ والموضع واحد، العقيدة هنا، وهنا واحدة.
وأنشدته من التائية، التائية هذه قصيدة لابن الفارض تنتهي بحرف التاء، فقطع علي بعد إنشادي عدة أبيات بقوله: هذا كفر، هذا كفر.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن أهل الحلول والاتحاد يقولون أرسل من نفسه إلى نفسه رسولا بنفسه فهو المرسل والمرسل إليه والرسول.
ابن الفارض يقول في هذه القصيدة هذه التائية نظم السلوك:
إلي رسولا كنت مني مرسلا | وذاتي بآياتي علي استدلتي |
وقال أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية: وابن الفارض من متأخري الاتحادية صاحب القصيدة التائية المعروفة بنظم السلوك، وقد نظم فيها الاتحاد، يعني الشعر الباطل اتحاد الله في خلقه نظما رائق اللفظ، يعني من جهة اللغة، من جهة جمال الأسلوب، من جهة الشعر ووزن الشعر غاية الجمال، ولكن المحتوى غاية في الكفر، قال: "فهو أخبث من لحم الخنزير على طبق من ذهب" فهو أخبث من لحم خنزير في صينية من ذهب، وما أحسن تسميتها، يعني القصيدة بنظم الشكوك، وليست نظم السلوك، الله أعلم بها، وبما اشتملت عليه.
هذا ابن الفارض لما جاء ليموت تأوه وصرخ صرخة عظيمة، وبكى بكاء مرا، وتغير لونه، وقال:
إن كان منزلتي في الحب عندكم | ما قد لقيت فقد ضيعت أيامي |
أمنية ظفرت نفسي بها زمنا | واليوم أحسبها أضغاث أحلامي |
خلاص انكشفت الحقائق، وهذا كله الباطل راح، ولكن هيهات، وعاين.
مخالفة الظاهر للباطن
ثانيا: من أسباب سوء الخاتمة: مخالفة الظاهر للباطن، يعني نفاق يتظاهر بشيء، وفي الداخل شيء آخر، فقد يكون العبد بظاهره يعمل بطاعة الله ، يذهبون للصلاة مع المسلمين، ويصومون معهم، يتظاهرون بالصيام، وكذلك فهم يحجون معهم، ويذهبون معهم لصلاة العيد، ولكن يبطن النفاق والرياء، أو يكون في قلبه دسيسة من دسائس السوء كالكبر أو العجب، وهذه مهمة جدا؛ لأنها توجد في عدد من الناس، المنافق المتظاهر بالإسلام وهو في الباطن حقيقة كافر، هذا أمره معروف وأحرى أن لا يوفق لحسن الخاتمة، ولكن ممكن في، يمكن أن يوجد عند بعض الناس دسائس في نفوسهم، رياء، كبر، عجب، فيظهر ذلك في آخر عمره، ويختم له به، فتكون الخسارة الأبدية، والهلاك الأخروي؛ كما في قصة الرجل الذي كان قاتل مع رسول الله ﷺ وأبلى بلاء حسنا، ولكنه لم يكن ذلك لله ، وقد تقدمت قصته، رجل قاتل مع المسلمين قتالا لا يدع للكفار شاذة ولا فاذة إلا ضربها، ولا يقوم أحد من الكفار إلا انطلق إليه فضربه، حتى قال المسلمون: ما في أحد أغنى اليوم مثل فلان ما أحد، أبلى اليوم بلاء حسنا في المعركة مثل فلان، والنبي ﷺ يقول: هو من أهل النار، هو من أهل النار، هو من أهل النار حتى كاد بعض المسلمين أن يرتاب، يعني شف الواقع، الواقع واحد في ميدان المعركة يفعل كل هذه الأفاعيل، ثم يقال: هذا من أهل النار، حتى قال بعضهم قال طيب إذاً، من هو من أهل الجنة إذا كان هذا من أهل النار؟ واحد من المسلمين تبرع، قال: أنا صاحبه، خلوه علي، خلاص الآن أنا سألازمه كظله، حتى نعرف كيف هذا من أهل النار، فلا زال معه، والرجل يقاتل حتى جرح، فجزع وتسخط، وما صبر، وضع حد السيف على صدره، واتكأ عليه حتى خرج من ظهره، ومات.
وقيل: إن بعضهم في مثل هذا الحال قال: كنت أقاتل عصبية لقومي، يعني لا كنت أقاتل لا على الإسلام، ولا شيء، كنت أقاتل عصبية لقومي، أو ليقال فلان شجاع، ليقال فلان جريء، فذهب الصحابي إلى النبي ﷺ يقول: أشهد أنك رسول الله، قال: وما ذاك؟ يعني هذه الشهادة الآن ما معنى هذا؟ قال: فلان الذي قلت عنه من أهل النار حدث من قصته كذا وكذا، وانتحر في النهاية، قتل نفسه بيده، خلاص، عبدي بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة.
إذاً، قد تكون في دسيسة في نفس الواحد عجب كبر رياء غطرسة تظهر عند الموت، فيكون هذا فيه سوء الخاتمة، وقد قال النبي ﷺ: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار تظهر عند الموت فيكون هذا فيه سوء الخاتمة.
وقد قال النبي ﷺ: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار[رواه البخاري: 2898، ومسلم: 112].
وقد بينا سابقا أن هذا ليس حال الرجل المستقيم الطائع المخلص، هذا أحرى أن يوفق لحسن الخاتمة، وبالتتبع للواقع لا تكاد تجد واحد عنده صدق وإخلاص يستمر عليه سنوت طويلة وفي الأخير يموت بسوء خاتمة، يعني الله أرحم بعباده من أن يتعب الواحد لله كل هذا، ثم يقدر عليه الشقاء، ويحرفه عند الموت.
لكن ناس في قلوبهم دسائس، في قلوبهم نفاق، في قلوبهم كبر، في قلوبهم عجب وغرور، إيه ممكن يعمل بطاعة الله فيما يظهر للناس سنين طويلة، وعند الموت تظهر، تنجم، تسيطر، تهيمن عليه، فيكون سوء الخاتمة في ذلك، قال ابن رجب -رحمه الله-: وقوله: فيما يبدو للناس يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، قال: "إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس إما من جهة عمل سيئ، ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة، عند الموت واحد مخبي أشياء من السوء عن الناس، قال الحافظ ابن حجر تعليقا على الحديث: ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، قال: هذا محمول على المنافق المرائي.
في مثال من العصر الحديث في رجل -والعياذ بالله- انتكس بعدما كان في يوم من الأيام من كبار العلماء، يعني واحد من كبار العلماء يقع له ذلك.
طبعا هذه عجيبة، لكن حصلت أصلا، وتتبع القصص هذه مهم؛ لأن الإنسان لا بد أن يخشى على نفسه، من هو هذا الرجل؟
عبد الله القصيمي.
عبد الله القصيمي هذا قصة وعبرة حقيقة.
عبد الله القصيمي يقول بعضهم: إن صحراء المنطقة الوسطى ما أنتجت مفكرا مثله، مليح الأسلوب، ساحر الكلام.
وألف الكتب في الدفاع عن التوحيد والإسلام، والرد على المشركين والمبتدعة والملاحدة.
الرجل هذا أصله من مصر، ويكنى بأبي محمد؛ عبد الله بن علي الصعيدي القصيمي.
الرجل هذا وجد في القصيم، يقول الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز السويح النجدي يقول عنه: هو الذي لقب نفسه بالقصيمي، وإلا فلا يعرف له نسب من جهة أبيه في القصيم.
هذا الرجل لما طلب العلم، طلب العلم على مشايخ العصر، ونشأ وتربى وترعرع في بيئة توحيد في القصيم، ونبغ، وكان نجيبا، وألف كتب في مرحلته الأولى، ومن أشهرها كتاب: "الصراع بين الإسلام والوثنية".
كتاب "الصراع بين الإسلام والوثنية" من أجمل وأقوى ما كتب في الرد على أهل الشرك وأهل البدع والمتوسلين بالذات النبوية، والذين يقدسون القبور، وإلى آخره، يعني كتاب في تفنيد الشرك ونصرة التوحيد عظيم، في مجلدين كبار ضخمة.
ودافع عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، وأعداء الدعوة، وبين مثالبهم ومخازيهم، ورد على شبهاتهم، يقال: إن للكتاب هذا الجزء ثالث، لكن القصيمي انتكس قبل أن يتمه، ويقال: الكتاب كامل.
طبعا الجزء الأخير من الكتاب لا يكاد يوجد له نهاية مثل نهايات الكتب، فلذلك قال بعضهم: الكتاب ما تم، لكن قال بعضهم: إن هذا الكتاب كامل.
والرجل هذا لما كتب هذا الكتاب أعجب به العلماء، حتى أن عبد الظاهر أبو السمح إمام المسجد الحرام في ذلك الوقت وخطيبه ومدير دار الحديث في مكة، قال يمدح الكتاب:
ألا في الله ما الله ما خط اليراع | لنصر الدين واحتدم الصراع |
صراع لا يماثله صراع | تميد به الأباطح والتلاع |
صراع بين إسلام وكفر | يقوم به القصيمي الشجاع |
خبير بالبطولة عبقري | له في العلم والبرهان باع |
يقول الحق لا يخشى ملاما | وذلك عنده نعم المتاع |
يريك صراعه أسدا هصورا | له في خصمه أمر مطاع |
كأن بيانه سيل أتي | تفيض به المسالك والبقاع |
لقد أحسنت في رد عليهم | وجئتهم بما لا يستطاع |
القصيدة طويلة.
الرجل كتب كتابات في نصرة الدين والتوحيد لدرجة أنه لما ارتد وانتكس بعضهم قال: أرجو أن يهديه الله للإيمان قبل الغرغرة لتكون خاتمته حسنة، فإن هذا الرجل الذي ألف "الصراع بين الإسلام والوثنية" مما يؤسف له أن يموت على الكفر.
طبعا له مؤلفات عدة، يعني هو عالم بلا نزاع.
عبد الله القصيمي هذا بلا شك أنه عالم، وعالم كبير.
وألف كتاب: "البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية" لأن الدجوي كان يبيح التوسل بالبشر وبالأموات، وألف كتابه في الرد عليه.
وألف كتابا في مشكلات الأحاديث النبوية، يعني كيف توفق بين الأحاديث والأحاديث المشكلة، وكيف توجيهها، ومؤلفات أخرى في نصرة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- مثل: "الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم".
الرجل هذا انتكس انتكاسة وارتد ردة، وانقلب انقلابا غاية في العجب؛ لدرجة أنه ألف كتاب: "هذه هي الأغلال" يقول عن الدين: إنه أغلال، الدين مجموعة قيود، اكسروها، خلاص، حطموها، بل قال: إن الدين خرافة، وصرح بالإلحاد.
وكتب بعض الذين يعني رافقوه حتى في فترة ردته قال: كان يجادلني في الله وفي النبي محمد، ويمتلئ بغضا له واحتقارا، ويصرح بأنه تعتريه الشكوك إذا جن الليل، ويسخن جسمه، ويطير النوم من عينيه، يقول الشيخ إبراهيم النجدي: لقد استغرب الناس انقلاب هذا الرجل بهذه السرعة، وانسلاخه من آيات الله التي تظاهر بنصرها من قبل، فذهبوا يتسألون عن الأسباب التي أحدثت هذا الانهيار الخلقي، والانقلاب المفاجئ الغريب، والانسلاخ المنكر.
طبعا هو سماها: الانسلاخ البلعامي بالنسبة إلى بلعام بن باعوراء الرجل من بني إسرائيل صاحب القصة المشهورة الذي كان عابدا زاهدا، وكان.. وكان.. ثم في النهاية كفر ومات على الكفر.
وذهبوا يعللون هذا التراجع والتقهقر تعليلات شتى، حتى علله بعضهم بأنه ارتشى من بعض الدعايات المحاربة للأديان، يعني أنه في ناس من الملاحدة أعطوه مالا، رشوه ليكفر، ويكتب لهم الكفر.
وذهب بعض الباحثين إلى أن هذا مستبعد عن رجل يعيش في مكان قد تكون فيه ثروة، ويمكن لا يكون أصلا بحاجة إلى مثل هذه الرشاوى.
وإذا أردنا أن نعرف، يعني بعض الأسباب في الانتكاس، فيمكن أن يتضح لنا شيء عندما نتأمل في بعض الدسائس النفسية التي كانت موجودة في هذا الرجل.
طبعا حصل علما كثيرا، وكان حافظا، وقلمه سيالا، فأثنى عليه علماء عصره، وقالوا: إننا لم نره إلا وقد تأبط كتابا، وكان مولعا بقراءة صحيح البخاري.
لكن المشكلة أن الرجل كان به داء الكبر لدرجة غريبة جدا، كان عنده كبر لدرجة فظيعة، ويكفي أن نسمع فقط هذا البيت الذي يدل على الكبر المتأصل في نفسه، يقول:
ولو أن ما عندي من العلم والفضل | يوزع في الآفاق أغنى عن الرسل |
شف كبر الرجل، ما يحتاج أنبياء، خلاص.
ويقول في قصيدة أخرى:
ولو أنصفوا كنت المقدم في الأمر | ولم يطلبوا غيري لدى الحادث النكر |
ولم يرغبوا إلا إلي إذا ابتغوا | رشادا وحزما يعزبان عن الفكر |
ولم يذكروا غيري متى ذكر الذكاء | ولم يبصروا غيري لدى غيبة البدر |
يقول: لو كان عندهم إنصاف لم يذكروا غيري متى ذكر الذكاء *** ولم يبصروا غيري لدى غيبة البدر
فما أنا إلا الشمس في غير برجها | وما أنا إلا الدر في لجج البحر |
يعني هذا الغرور المطبق والكبر المتناهي الذي يصل يكون موجود عند رجل مثل هذا كفيل بأن ينزله من علياء عرش العلم إلى هاوية الإلحاد.
ليس غريبا إذاً على من كان عنده الكبر مثل هذه الدرجة أنه يهوي، هذه قضية دسيسة.
طبعا والرجل في قمة العربدة في الإلحاد، وكتب.. وكتب في نصرة الإلحاد، وكتب "هذه هي الأغلال" و "فرعون يكتب سفر التاريخ" و"كبرياء التاريخ في مأزق"، و"هذا الكون ما ضميره" و "العالم ليس عقلا" و"العرب ظاهرة صوتية"، خلاص الآن صار في وادي آخر تماما، وراح للقاهرة، وسكن هناك، ومات هناك، وانتهى.
فيعني هذا مثال سبحان الله العظيم كيف يعني ممكن تكون النهاية السيئة لشخص مثل هذا.
وحتى ندرك شيئا من حجم الانقلاب الذي حصل في هذا الرجل، نقرأ فقط مقطعين مما كتبه قبل الردة وبعد الردة، يقول مثلا في كتابه: "الصراع" تحت عنوان: "الشعاع الهابط" يبين أثر الوحي على البشرية، وكيف لما جاء الوحي، وأنقذ الله البشرية، وكيف كان وضع الناس قبل البعثة النبوية، وقال: فصلت الأرض من السماء فصلا تاما، وغلقت جميع أبواب السماء دون الأرض أهلها، وفزعت الأملاك إلى أقطار السماء، وانقطع ذلك المدد الروحي الذي تعان به الأرض" إلى أن قال: وفي ذات ليلة من عام 610 بينما كان يوم ساكنا صامتا، والأشياء راكدة متوجسة تتوقع أمرا عظيما انفتحت فرجة من السماء، تعلقت بها الأبصار، وانبعث منها شعاع قوي وهاج، فهبط على غار يقيم هنالك في جانب من جوانب قرية تقع هنالك في جانب خامل مهجور من جوانب أركان الأرض، يقيم في ذلك الغار، رجل لا كالرجال، يحمل نفسا لا كالأنفس، وقلبا لا كالقلوب، فكان الشعاع الهابط هو الإسلام، وكان الغار هو حراء، وكان هذا الرجل هو منقذ الإنسانية الكبر من كبوتها محمد بن عبد الله ﷺ".
هذا الرجل نفسه بعد الردة كتب: ذهبت إلى الغار، غار حراء، غار محمد، وإلهه وملاكه إلى الغار العابس اليابس البائس اليائس، دخلته صدمت، ذهلت فجعت خجلت من نفسي وقومي وديني وإلهي ونبيي.
هذا الرجل قبل أن ينحرف كتب في كتاب "البروق النجدية": اعلم ألهمني الله وإياك الرشاد، وجنبنا طريق الغي والفساد: أن العلم أفضل طلبة، وأعظم رغبة، ونحن في زمن هرم خيره، وشب شره، فهذه المجلات الشهرية والأسبوعية والجرائد اليومية مفعمة بالإلحاد، والفجور من الطعن على الله ورسوله ودينه وأفعاله، وإلى الدعوة إلى حانات الخمر وبيوت الرقص والعزف والربا والقمار، كأنهم في بلد لا يوجد فيه مسلم، ولا كتاب إلهي، ولا من يقر بالصانع ولا الجامع الأزهر، حتى عم المصاب، وعظمت البلية" يعني كيف يستنكر الواقع الذي فيه كفر وفساد، يستنكره.
ويقول في كتاب "مشكلات الأحاديث النبوية": "اللهم إنا نسألك الإيمان والطمأنينة، ونعوذ بك من الشك والحيرة، ونهدي إليك أتم الحمد والثناء، فهذه بيان لأحاديث صحيحة أشكلت على كبار العلماء، فعجل فريق فكذبها وردها، وتحامل عليها، فجرأ عليها العامة، وأشباه العامة" إلى آخر الكلام، "ونحن نسأل الله السلامة من ذلك كله كما نسأله الهدى والرشاد".
هذا الرجل نفسه بعدما ارتد يخاطب الله خطابا بذيئا، ويتعالى على الله ، ويقول عن دينه ونبيه وعن ربه يقول: وصف النبي العربي قال بمكره وخداعه وكيده، وإلى آخره، يعني في سب النبي ﷺ، وعناوين كتبه التي ألفها بعد "السماء تستورد الآلهة": أرفض أن يجيء القرآن احتلال الإله لعقولنا أفدح أنواع الاحتلال" إلى آخره.
هذا مثال كيف ممكن الكبر يوصل الواحد إلى مرحلة...
الذنوب والمعاصي
ثالثاً من أسباب سوء الخاتمة: الذنوب والمعاصي، قال الشيخ صديق حسن خان -رحمه الله-: فطول الإلف بالمعاصي يقتضي تذكرها عند الموت، وعودة في القلب وتمثلها فيه وميل النفس إليها، وإن قبض روحه في تلك الحالة يختم له بالسوء.
قال ابن القيم في "الجواب الكافي": ومن عقوباتها" يعني المعاصي "أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه، فإن كل أحد محتاج إلى معرفة ما ينفعه وما يضره في معاشه ومعاده، وثم أمر أخوف من ذلك وأدهى وأمر وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار، والانتقال إلى الله -تعالى-، فربما تعذر عليه النطق بالشهادة كما شاهد الناس كثيرا من المحتضرين أصابهم ذلك حتى قيل لبعضهم: قل لا إله إلا الله، فقال: آه آه، لا أستطيع أن أقولها.
وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، عند الموت لما نزل به الموت، قال: شاه رخ غلبتك؛ لأنه كان مولع بلعبة الشطرنج كل حياته في الشطرنج، ثم قضى مات.
وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء، قيل له: قل لا إله إلا الله، قال: ما ينفعني ما تقول، ولم أدع معصية إلا ركبتها، ثم قضى.
وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، قال: وما يغني عني، وما أعلم أني صليت لله صلاة واحدة، ثم قضى.
وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، قال: هو كافر بما تقول، ثم قضى.
وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، قال: كلما أردت أن أقولها انعقد لساني، فلساني يمسك عنها.
قال: وسبحان الله كم شاهد الناس من هذا عبرا، والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم.
نحن الآن يعني الذي نسمعه قليل؛ لأن الناس صارت في عالم آخر نزل به الموت، ما ندرك إحساسه، ولا نعرف شعوره، ولا ما هو حاله في تلك الأزمة العظيمة، قال الذهبي: قال مجاهد: "ما من ميت يموت إلا مثل له جلساؤه الذين كان يجالسهم، فاحتضر رجل ممن كان يلعب بالشطرنج، فقيل له: قل لا إله إلا الله، قال: شاهك، ثم مات، فغلب على لسانه ما كان يعتاده حال حياته في اللعب، فقال عوض كلمة الإخلاص: شاهك.
وهذا كما جاء في إنسان آخر ممن يجالس شراب الخمر أنه حين حضره الموت فجاءه إنسان يلقنه الشهادة، قال: اشرب، واسقني، ثم مات، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وكذلك ذكر ابن رجب -رحمه الله- عددا من القصص، ومنها: قصة الرجل الذي قيل له: قل لا إله إلا الله عند الموت، قال هو كافر بما تقول، فسألت عنه، فإذا هو مدمن خمر، فكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته.
وهذه يعتبر بها أصحاب البصائر، والسعيد من اعتبر بغيره، والشقي من اعتبر به غيره.
وهذه شخص في إحدى دول الخليج كل صيف يسافر إلى البلاد الإباحية، مع أن عنده زوجة وأطفال، ولكن لذته في الحرام، في إحدى الليالي رافق إحدى الساقطات إلى إحدى الشقق، لكن ملك الموت كان بانتظاره، فرجع محمولا في التابوت، ولما فتحوه عند العودة لون الوجه أسود مثل القار.
وفاجر آخر سافر إلى بانكوك، وتعرف على بغي هناك، وصار لا يحتمل فراقها، وفي يوم تأخرت من القدوم عليه فطار صوابه، فلما دخلت عليه سجد لها، فكانت تلك السجدة الأخيرة في حياته.
وشاب وقع له حادث مرور، قال من حضر: فلما اقتربنا منه فإذا هو في النزع الأخير، ومسجل السيارة على الأغاني الغربية، فأغلقنا المسجل ولقناه الشهادة، فلم يقلها، ولما أعدنا سب دين الله، وقال: ما بدي أصلي ولا بدي أصوم، ومات على ذلك.
وشاب في سكرات الموت يقول له من حوله: قل لا إله إلا الله، فيقول: أعطوني دخانا، فيقولون: قل لا إله إلا الله، فيقول: أعطوني دخانا، فيقولون: قل لا إله إلا الله، لعله يختم لك بها، قال: أعطوني دخانا، أنا برئ منها.
وأربعة من الشباب ذهبوا إلى بلاد من بلاد الفجور، وفي إحدى الليالي وهم يجاهرون بالمعصية سقط أحدهم مغشيا عليه، فهرع إليه أصحابه يحاولون إنقاذه، قالوا: قل لا إله إلا الله، فقال: إليك عني، زدني كأسا، وتعالي يا فلانة، ومات، وجهزوا صاحبهم وعادوا، ولما أتى به المغسل الكدرة والسواد تعلوه -والعياذ بالله-.
وآخر كان صادا ونادا عن الله ودينه فلما حلت به سكرات الموت، قيل له: قل لا إله إلا الله، ما تكلم، قل لا إله إلا الله ما تكلم، ورفض، وفي الأخير قال: أعطوني مصحفا، لما جاؤوا بالمصحف أمسكه، قال: أنا كافر برب هذا المصحف، ومات.
وفي مدينة من المدن على إحدى الطرق السريعة كان ثلاثة من الشباب يستقلون سيارة، وحصل الحادث، وتوفي اثنان وبقي الثالث في الرمق الأخير، فقال له رجل المرور الذي حضر الحادث: قل لا إله إلا الله، قال: أنا في سقر، أنا في سقر، حتى مات على ذلك.
وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، قال: قد حيل بيني وبينها.
وقيل: إن سعد زغلول، هذا صاحب دعوة تحرير المرأة في مصر، لما كانوا عند فراش الموت يقولون له قال: ما فيش فايدة، ومات.
طول الأمل
من أسباب سوء الخاتمة: طول الأمل، قال رسول الله ﷺ: صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل حديث حسن[رواه البيهقي في شعب الإيمان: 10351].
وقال عمر بن عبد العزيز: "لا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم، وتنقادوا لعدوكم، فإنه والله ما بسط أمل من لا يدري لعله لا يصبح بعد مسائه، ولا يمسي بعد صباحه، وربما كانت بين ذلك خطفات المنايا".
لماذا يطول الأمل بالناس؟
كل واحد يقول: إن شاء الله قدامنا العمر، وبعض الناس إذا جاء لشاب يقول أصلا العمر أمامك والزمن قدامك، وما أدراك، يمكن يخرج من المجلس فيموت.
من أسباب سيطرة طول الأمل على النفوس: الجهل، وكثيرا ما يعتري الشباب فيستبعدون الموت؛ لأنهم يرون أبدانهم صحيحة، وقواهم وافرة، ولذلك يقولون: العمر أمامنا.
تزود من الدنيا فإنك لا تدري | إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر |
فكم من فتى يمسي ويصبح لاهيا | وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري |
وكم من عروس زينوها لزوجها | وقد قبضت أرواحهم في ليلة القدر |
وكم من صغار يرتجى طول عمرهم | وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر |
وكم صحيح مات من غير علة | وكم من عليل عاش حينا من الدهر |
يا أيها الغافل: تنبه قبل فوات الأوان، وتيقظ قبل أن يقال: مات فلان، قال تعالى: أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ[الأعراف: 185] يمكن أجلك قريب وأنت لا تدري.
والسبب الآخر في طول الأمل: حب الدنيا، فإن كان العبد في قلبه إيمان ضعيف ضعف حب الله، وقوي حب الدنيا، واستولى على النفس، فتنهمك في الشهوات، وترتكب السيئات، وتراكم الظلمات النفوس والذنوب، حتى تأتي سكرات الموت.
الدنيا خمر الشيطان، من سكر منها لا يفيق إلا في عسكر الموت، لكن نادما بين الخاسرين، قال القرطبي -رحمه الله-: وفي الناس كثير ممن غلب عليه الاشتغال بالدنيا والهم بها، حتى لقد حكي لنا أن بعض السماسرة جاءه الموت فقيل له: قل لا إله إلا الله، فجعل يقول: ثلاثة ونصف، أربعة ونصف، ما قال: لا إله إلا الله؛ لأنه مشغول طول الوقت بالسمسرة، السمسرة أشغلته عن الدين والعبادة، قال: وقد رأيت بعض الحساب وهو في غاية المرض يعقد بأصابعه ويحسب وهو في غاية المرض، الآن على الموت.
وقيل لآخر: قل لا إله إلا الله، فجعل يقول: الدار الفلانية، أصلحوا فيها كذا، والجنان الفلانية اعملوا فيها كذا.
وقال ابن القيم: وأخبرني من حضر من بعض الشحاذين عند موته، فجعل يقول: لله فلس، لله فلس، ومات.
وأخبرني بعض التجار عن قرابة له: أنه احتضر وهو عنده وجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله، وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، هذه مشترى جيد، هذا كذا حتى مات.
وسبحان الله كم شاهد الناس من هذا عبرا، والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم.
العدول عن الاستقامة
ما هي أسباب سوء الخاتمة؟
تقدمت أسباب، وأيضا منها: العدول عن الاستقامة، والانتكاس والانحراف، فمن عرف طريق الحق، ثم أعرض عنه، وغير وبدل وتنكب، واختار طريق الغواية والضلال، وآثره على سبيل الرشاد والهدى، فإن ذلك من أعظم أسباب سوء الخاتمة، وكان عليه الصلاة والسلام يتعوذ من الحور بعد الكور.
ما معنى الحور بعد الكور؟
يعني النقصان بعد الزيادة بعد التمام، يعني بعد تمام الإيمان يرجع وينحدر الإيمان.
والاستعاذة من الحور بعد الكور في صحيح مسلم، قال في تفسيره: وهو الرجوع من الاستقامة أو الزيادة إلى النقص.
وقال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف: 5]، وقال : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث[الأعراف: 175-176].
قال السعدي -رحمه الله-: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا أي علمناه كتاب الله فصار العالم الكبير والحبر النحرير، فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ أي انسلخ من الاتصاف الحقيقي بالعلم بآيات الله؛ لأنه لو كان حقيقة عنده علم صحيح حقيقي ما ترك هذا، لكن هذا قال: فترك كتاب الله وراء ظهره، ونبذ الأخلاق التي يأمر بها الكتاب، وخلعها كما يخلع اللباس، فلما انسلخ منها أتبعه الشيطان، أي تسلط عليه حين خرج من الحصن الحصين، وصار إلى أسفل سافلين، فأزه إلى المعاصي أزا، فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ بعد أن كان من الراشدين، وهذا لأن الله -تعالى- خذله، ووكله إلى نفسه، فلهذا قال: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَابأن نوفقه للعمل بها فيرتفع في الدنيا والآخرة، وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ يعني إلى الشهوات السفلية، والمقاصد الدنيوية، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ أي ترك طاعة مولاه فَمَثَلُهُ يعني في شدة الحرص على الدنيا كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث لا يزال لاهثا بكل حال، لا يزال حريصا على الدنيا لا يسد جوعته منها شيء.
هذا مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا.
قال ﷺ: إن مما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رئيت بهجته عليه، وكان رداؤه الإسلام اعتراه إلى ما شاء اللهفي هذه الحال انسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك[السلسلة الصحيحة: 3201].
قال أبو عبد الله القرطبي: يروى أنه كان بمصر رجل ملتزم مسجدا للأذان والصلاة عليه بهاء العبادة، وأنوار الطاعة، فرقى يوما المنارة على عادته للأذان، ومن زمان كانوا يؤذنون في المنائر، وكان تحت المنارة دار لنصراني ذمي فاطلع فيها والمؤذن المفترض أن يكون أمينا، وكانوا يختارون الأمين لئلا ينظر ويطلق البصر في دور الجيران؛ لأن المنارة تعلو على الدور، فرأى بنت صاحب الدار فافتتن بها، وترك الأذان، ونزل إليها، ودخل الدار، قالت: ما شأنك؟ ما تريد؟ قال: أنت أريدك، لماذا؟ قال: سلبت لبي، وأخذتي بمجامع قلبي، قالت: لا أجيبك إلى ريبة النصرانية، شف النصرانية طلعت أعف منه في هذه النقطة تحديدا، قال: أتزوجك؟ قالت: أنت مسلم وأنا نصرانية وأبي لا يزوجني منك، قال: أتنصر؟ قالت: إن فعلت أفعل اتزوجك فتنصر ليتزوجها وأقام معها في الدار، فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقى إلى سطح كان في الدار فسقط منه فمات، فلا هو بدينه ولا هو بها، فنعوذ بالله من سوء العاقبة وسوء الخاتمة.
وذكر ابن الجوزي قصة أخرى مشابهة: أن هذا الرجل لما نزل إلى النصرانية، وفتح الباب عليها ضمها، قالت: أنتم أصحاب الأمانات، فما هذه الخيانة؟ النصرانية مستغربة، وفي النهاية سقط ومات، فلفته في ثوب، فجاء أبوها، فقصت عليه القصة، فأخرجه في الليل فرماه في السكة.
وذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في حوادث سنة ثمان وسبعين ومائتين، قال: وفيها توفي عبده بن عبد الرحيم -قبحه الله- ذكر ابن الجوزي أن هذا الشقي كان من المجاهدين كثيرا في بلاد الروم، فلما كان في بعض الغزوات والمسلمون محاصرون حصنا للروم مدة نظر إلى امرأة من نساء الروم، وهي في الحصن، فهويها فراسلها: ما السبيل إلى الوصول إليك؟ قالت: أن تتنصر وتصعد إلي، فأجابها إلى ذلك، فما راعى المسلمين إلا وهو عندها، أخوهم صاحبهم المجاهد عندها، فاغتم المسلمون بسبب ذلك غما شديدا، وشق عليهم مشقة عظيمة، فلما كان بعد مدة، يعني ذهبوا من الحصار يئسوا مروا عليه وهو مع تلك المرأة في ذلك الحصن، فقالوا: يا فلان ما فعل قرآنك؟ ما فعل عملك؟ ما فعل صيامك؟ ما فعلت صلاتك؟ قال: اعلموا أني نسيت القرآن كله إلا قوله: رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر: 2-3].
تعلق القلب بغير الله
ومن أسباب سوء الخاتمة: تعلق القلب بغير الله .
القلب الله خلقه ما يسعد ولا يسلم ولا يطمئن ولا يسكن ولا يلتذ ولا يقرب إلا إذا تعلق بربه، وإذا القلب تعلق القلب بغير الله يشقى ويبتئس ويحزن ويضطرب: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[الرعد: 28] فالذي تعلق قلبه بربه فهو قد توكل عليه، وأحبه ورجاه وخافه واستحيا منه، وصدق معه، لا يشقى، أما إذا تعلق بغير الله لزمه الشقاء، وحل البلاء.
يروى أن رجلا عشق شابا واشتد به كلفه، وتمكن حبه من قلبه حتى مرض، والعشق يمرض، ولزم الفراش، وتمنع ذلك الشخص عليه، خلاص عرف إذا كان هو سبب فتنة فلان، كيف يذهب إليه، واشتد نفوره منه، ولم تزل الوسطاء يمشون بينهما، حتى وعده بأن يعوده، فأخبروه بذلك ففرح، وانجلى غمه، وجعل ينتظر الميعاد، فبينما هو كذلك إذا جاءه الساعي بينهما، قال: إنه وصل معي إلى بعض الطريق ورجع، فلما سمع البائس ذلك أسقط في يده، وعاد إلى أشد مما كان عليه من المرض، وبدت عليه علائم الموت، وجعل يقول: يا أسلم؛ لأن المعشوق اسمه: أسلم.
يا أسلم يا راحة العليل | ويا شفى المدنف النحيل |
رضاك أشهى إلى فؤادي | من رحمة الخالق الجليل |
-والعياذ بالله-.
فقيل له: يا فلان اتق الله، قال: قد كان ما كان، فما جاوزوا باب الدار إلا وسمعوا الصراخ عليه بالموت -نعوذ بالله من سوء الخاتمة-.
قال ابن الجوزي قال سنيد: رأيت رجلا عشق فتنصر، يعني كان سبب دخوله في النصرانية العشق، عشق امرأة نصرانية وتنصر، وقال: وسمعت شيخنا أبا الحسن علي بن عبد الله الزاغوني يحكي أن رجلا اجتاز بباب امرأة نصرانية فرآها فهويها من وقته، وزاد الأمر به حتى غلب على عقله، فحمل إلى المارستان، المستشفى، دار المرضى، معرب من الفارسية، ثم إنه زاد الأمر عليه، ونزل به الموت، فقال لصديقه، يعني هذه قصة عجيبة يعني هذا العاشق للنصرانية لما مرض من العشق، وضعوه في المستشفى، ونزل به الموت، وقال لصديقه: قد جاء الأجل وحان الوقت، وما لقيت صاحبتي في الدنيا، وأنا أريد أن ألقاها في الآخرة؟ قال له: كيف ستصنع؟ كيف تلقاها في الآخرة؟ قال: أرجع عن دين محمد، وأقول: عيسى ومريم والصليب الأعظم، وقال ذلك ومات.
ليش؟ الآن هو ما تمكن منها في الدنيا، قال اجتمع بها في الآخرة وارتد وتنصر، لكي يجتمع بها في الآخرة، فمضى صديقه إلى تلك المرأة فوجدها مريضة، فدخل عليها وجعل يحدثها لكن لم يخبرها بما حصل لصديقه من الموت، فقالت النصرانية وكانت تعشقه أيضاً قالت: أنا ما لقيت صاحبي في الدنيا، وأريد ان ألقاه في الآخرة، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأنا بريئة من دين النصرانية، فأبوها قال للرجل هذا المسلم قال: خذوها الآن، فإنها منكم، ما عد يريد البنت، فقام الرجل ليخرج، فقيل له: انتظر ساعة، وماتت.
التسويف بالتوبة، ومن أسباب سوء الخاتمة: التسويف بالتوبة، فإن الإنسان إذا تيقن الموت وأيس من الحياة أفاق من سكرته، لكن بعد فوات الأوان، قال الحسن: "اتق الله يا ابن آدم لا يجتمع عليك خصلتان: سكرة الموت، وحسرة الفوت: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ[الزمر: 54-56].
سمع بعض المحتضرين عند احتضاره يلطم على وجهه، ويقول: يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله.
وقال آخر عند احتضاره: سخرت بي الدنيا حتى ذهبت أيامي.
وقال آخر عند موته: لا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرتني.
وقد قال : حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ[المؤمنون: 99-100].
وقال سبحانه: وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[المنافقون: 10-11].
قال بعض السلف: أصبحتم في أمنية ناس كثير، يعني أنت الآن الميت يتمنى مثلك، أنت الأموات يتمنون حياة مثلنا كي يتوبوا ويرجعوا إلى الله، ويعملوا صالحا، فنحن ما دمنا نعيش في أماني الموتى، فلنحسن.
علامات سوء الخاتمة
ومن علامات سوء الخاتمة: ما يكون عند الموت، ومنه ما يكون قبل الدفن، ومنه ما يكون عند الدفن، ومنه ما يكون بعد الدفن.
الموت على عمل يغضب الله
ولا شك أن من علامات سوء الخاتمة: أن يموت العبد على عمل يغضب الله ، فيكون ذلك خزيا له في الدنيا، وفضيحة له في الآخرة، كمن يموت في أحضان فاجرة، بغي -والعياذ بالله-.
ذكر أبو عبد الرحمن اليماني: أنه لقن رجلا ساعة احتضار شهادة أن لا إله إلا الله، فكان يحرك رأسه يمينا وشمالا، وهو لا يتكلم، يعني رافض أن يقول لا إله إلا الله.
وقال ابن الجوزي: سمعت شخصا يقول وقد اشتدت به الألم: ربي يظلمني.
شف يقول الآن على مخرج الدنيا، على مخرج الدنيا يتسخط على قضاء الله وقدره، الشقي.
واحد استدان مبلغا من المال طلب منه صاحب المال المال رفض، قال: بيني وبينك الله، ثم مات الدائن الذي أقرضه، جاء الورثة يطالبون المدين، أنكر راحوا للمحكمة أقسم بالله أنه ما أخذ شيئا، فحكم القاضي ببراءته، ما في بينة، هو خارج من قاعة المحكمة بعد خطوات من باب المحكمة سقط ميتا.
واحد طالع على يمين غموس كيف تكون خاتمته؟
الموت بالخسف والمسخ والقذف
ومن سوء الخاتمة ما يكون بالخسف والمسخ والقذف، في ناس من هذه الأمة يبيتون على خمر ومعازف ويخسف الله بهم الأرض، يموتون بالخسف، وفي ناس يمسخهم الله قردة وخنازير من هذه الأمة غير اليهود، إذا ظهر الخبث أولاد الزنا، إذا ظهر الزنا، ومتى يكون هذا الخسف لهؤلاء سوء خاتمة في أهل القدر أيضا كما جاءت بذلك الأحاديث، وقال ﷺ: في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله ومتى ذاك؟ قال: إذا ظهرت القينات، يعني المغنيات.
والظهور الآن في القنوات الفضائية والمجلات والأشرطة ما بعده ظهور في مثل هذا الحال، مغنيات، قال: إذا ظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور[رواه الترمذي: 2212، وصححه الألباني].
هؤلاء قوم يمسخهم الله قردة وخنازير قسم، وقسم يضع عليهم جبلا ويخسف بهم .
ومن الناس من يكون مسخه في الدنيا شيئا عجيبا، قال ابن تيمية -رحمه الله- في كتاب "الاستقامة" عن أصحاب الأعمال الصالحة الذين يعبدون الله، ويشيب الواحد في طاعة الله، قال: "وهذا الحسن والجمال الذي يكون عن الأعمال الصالحة يسري إلى الوجه، من القلب إلى الوجه، والقبح الذي يكون عن الأعمال الفاسدة يسري من القلب إلى الوجه، فكلما كثر البر والتقوى قوي الحسن والجمال".
ولذلك تجد بعض العباد حتى الذين أصابتهم الشيخوخة عليهم بهاء ووقار ونور الطاعة، مع أنه صار عمره ستين وسبعين وثمانين، قال: فكم ممن لم تكن صورته حسنة، ولكن له من الأعمال الصالحة ما عظم به جماله وبهاؤه حتى ظهر ذلك على صورته، فنرى وجوه أهل السنة والطاعة كلما كبروا ازداد حسنها وبهاؤها، ونجد وجوه أهل البدعة والمعصية كلما كبروا عظم قبحها وشينها، وقال: إن بعض هؤلاء يمسخون خنازير وجهه يتغير عند الموت.
وذكر شيخ الإسلام -رحمه الله- ذكر أن هناك أناس حصل تغير في وجوههم مسخ، وسيحدث في آخر الأمة أيضاً، ذكر صاحب "تاريخ حلب": مات رجل كان يسب أبا بكر وعمر فخرج جماعة من شبان حلب يتفرجون، فقال بعضهم لبعض: سمعنا أنه يسب أبا بكر وعمر، وأن من يفعل هذا فلا بد أن الله يمسخه، فأجمعوا رأيهم على المضي إلى قبره، فمضوا ونبشوه فوجدوا صوته خنزيرا، ووجهه منحرفا عن جهة القبلة إلى جهة الشمال، فأخرجوه على قبره، ثم بدا لهم أن يحرقوه فأحرقوه بالنار وأعادوه وأهالوا عليه التراب.
اسوداد الوجه
ومن علامات سوء الخاتمة هذه: اسوداد الوجه، وقد نقل عن بعض من قتل مستهزئا بالله وبكتابه وأنبيائه لما صلب على الخشبة ورفعت خشبته وزالت عنه الأيدي استدار وتحول عن القبلة، يعني هي الخشبة نفسها، فكبر الناس، وكانت آية للجميع.
قال بعضهم: غسلت رجلا وكان لونه مصفرا، وفي أثناء التغسيل أخذ لونه يتغير إلى السواد من رأسه إلى وسطه، فما انتهيت إلا وقد صار كالفحمة السوداء.
وأتي بشاب إلى جامع من جوامع الرياض بعد أن مات في حادث ليغسل، وبدأ أحد الشباب المتطوعين يباشر التغسيل، وكان يتأمل وجه الشاب أبيض جميل، لكن وجهه بدأ يتغير تدريجيا إلى السمرة، ثم انقلب أسود كالفحم، فخرج الشاب المغسل مسرعا خائفا، وسأل عن وليه، قال له أبوه واقف هناك، فذهب إلى الأب وجده يدخن، قال في مثل هذا الموقف تدخن وابنك في المغسلة، ماذا كان يعمل ابنك؟ قال: لا أعلم، قال: كان يصلي؟ قال: والله ما كان يعرف الصلاة، قال: فخذ ابنك والله لا أغسله وحمله وذهب ولا يدرى ماذا فعل به.
قال أحد المغسلين: غسلت عددا كبيرا من الموتى سنين طويلة، وأذكر أني وجهت أكثر من مائة ميت كلهم صرفت وجوههم عن القبلة، يعني حصل تحول عن القبلة اسوداد في الوجه.
قال القرطبي في "التذكرة": أخبرني صاحبنا الفقيه العالم أبو عبد الله محمد بن أحمد القصري -رحمه الله- أنه توفي بعض الولاة فحفر له، فلما فرغوا من الحفر وأرادوا أن يدخلوه القبر إذا بحية سوداء داخل القبر، فهابوا أن يدخلوه فيه، فحفروا له قبرا آخر، فإذا بتلك الحية، فلم يزالوا يحفرون قبورا وإذا بتلك الحية، فلما أعياهم ذلك سألوا: ما يصنعون؟ قيل لهم: ادفنوه معها.
ونختم بقصة البخاري، وقصة المكاس.
أما قصة البخاري ومسلم أو رواية البخاري ومسلم عن أنس قال: "كان رجل نصرانيا فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، فكان يكتب للنبي ﷺ فعاد نصرانيا" ارتد، فكان يقول: "ما يدري محمد إلا ما كتبت له،" يعني هو الذي ألف القرآن، "فأماته الله، فدفنوه" طبعا هذا هرب إلى بلاد الشام إلى النصارى، "فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض" طلع خارج القبر، "قالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا فأصبح وقد لفظته الأرض، قالوا: هذا فعل محمد وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم فألقوه، فحفروا له وأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه"[رواه البخاري: 3617، ومسلم: 2781].
وفي رواية مسلم: فتركوه منبوذا[رواه مسلم: 2781].
هذا مثال على سوء الخاتمة -والعياذ بالله-.
قال ابن القيم: حدثني أبو عبد الله محمد بن الوزير الحراني أنه خرج من داره بعد العصر إلى بستان، فلما كان بعد غروب الشمس، قال: توسطت القبور، فإذا بقبر منها وهو جمرة نار يتوهج، والميت في وسطه، فجعلت أمسح عيني، وأقول: أنائم أنا أم يقظان؟ ثم التفت إلى سور المدينة، وقلت: والله ما أنا بنائم ويرى القبر كالجمرة، قال: ثم ذهبت إلى أهلي وأنا مدهوش، فأتوني بطعام فلم أستطع أن آكل، ثم دخلت البلد فسألت عن صاحب القبر، فإذا به مكاس قد توفي ذلك اليوم.
وهذا آكل الضرائب المكاس.
كانت تلك -أيها الإخوة- رحلة في عالم سوء الخاتمة، عرفنا أسبابها، وأمثلة ونماذج منها.
اللهم إنا نعوذ بك من سوء الخاتمة، ونسألك الثبات عند الممات، وحسن الخاتمة يا أرحم الراحمين.
وصلى لله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.