الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
نتحدث في هذه الحلقة من حلقات أشراط الساعة عن عَلم مهم جدا من أعلامها وأشراطها، وقرب قيامها، عن عَلم جليل، عظيم القدر، رفيع المنزلة عند الله؛ إنه نزول المسيح عيسى ابن مريم .
التعريف بكلمة المسيح
المسيح على وزن: فعيل، ويراد به الفاعل أحيانا، والمفعول أحيانا.
عيسى المسيح، أي الماسح، سمي بذلك؛ لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برأ.
وقيل: بمعنى ممسوح؛ لأنه كان ممسوحا بالزهد عند خروجه من بطن أمه.
وقيل: لأن زكريا مسحه.
وقيل: لأنه مسح الأرض بسياحته فيها، أي بقطعه المسافات، والسير فيها.
وقيل: لأن رجله لا أخمص لها، فكان امسح الرجل.
وقيل: المسيح، هو الصديق.
أشهر الأقوال المسيح سمي بذلك؛ لأنه إذا مسح صاحب العاهة برأ بإذن الله.
الفرق بين المسيح وبين المسيح الدجال:
والتمييز بينه وبين المسيح الدجال الضليل الكذاب معروف؛ لأنه إذا أريد بالمسيح الدجال قيد به، فيقال: المسيح الدجال.
أما إذا أطلق المسيح، فيراد به عيسى ابن مريم.
وقد قال النبي ﷺ: وإما مسيح الضلالة فإنه أعور العين، أجلي الجبهة، عريض النحر[رواه أحمد: 7905]، وهذا قيده بقوله: مسيح الضلالة.
وقال الله في شأنه ردا على اليهود الذين كذبوا: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا[النساء: 157-158].
وقال : وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ[آل عمران: 54-55].
ما هو المقصود بقول الله -تعالى-: إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ[آل عمران: 55]؟
إِنِّي مُتَوَفِّيكَ هل الوفاة هنا بمعنى الموت؟
الجواب: كلا، لأن الوفاة بمعنى الموت لم تحصل بعد، إلا إذا قلنا: إن هذا هو المقصود بعد نزوله إلى الأرض، وموته فيها، لكن قال العلماء والمفسرون: إن التوفي هنا بمعنى النوم.
وقال البعض: التوفي بمعنى الحيازة والقبض.
فهل ورد دليل على إن النوم وفاة؟
قال الله : اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا[الزمر: 42] الآية.
إذن، النوم موتة صغرى، النوم وفاة صغرى وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ[الأنعام: 60].
إذن يطلق على النوم وفاة.
إذن: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ[آل عمران: 55] يعني منيمك.
والقول الثاني: مُتَوَفِّيكَ، تقول العرب: توفى فلان دينه من فلان إذا قبضه وحازه، يعني حائزك وقايضك إلي.
ولا مانع من جمع القولين، فيقال: إن الله قبضه إليه جسدا وروحا، وليس روحا فقط، قبضه إليه جسدا وروحا وهو نائم، يعني أن الله أنامه وقبضه وهو نائم جسدا وروحا، وهذا اعتقاد المسلمين في عيسى إن الله ما قبض روحه بعد، ولكن قبضه جسدا وروحا: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران: 55] جسدا وروحا وَرَافِعُكَ إِلَيَّ.
وإذا كان المقصود بالوفاة العادية فماهي الميزة؟
فالله يتوفى كل الناس، لكن هنا في ميزة لعيسى : إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ[آل عمران: 55]، وسأخلصك منهم، ومن مكرهم، هؤلاء اليهود الذين تآمروا على قتله، وسيطهره من الذين كفروا برفعه إليه إلى السماء، وبالتالي فإنهم لما تآمروا على قتله فإن الله نجاه منهم وخلصه بأن رفعه إليه جسدا وروحا وهو نائم.
وقال تعالى عن هذه المؤامرة: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ "ما" نافيه وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا[النساء: 157-159].
قال ابن عباس : "لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه"، الآن الطوق مضيق على عيسى اليهود حاصروه، تمالؤا عليه، مع ملك ذلك الوقت أرادوا قتله، وعملوا الدسائس والمكائد، فعيسى على وشك أن يحصر، على وشك أن يقتل، فماذا حصل لعيسى في تلك اللحظات العصيبة؟
قال ابن عباس : "لما أراد الله إن يرفع عيسى إليه خرج إلى أصحابه وهم اثنا عشر رجلا، وهم الحواريون أصحاب عيسى المقربين، ثم قال: أيكم يلقى عليه شبهي فيقتل مكاني ويكون معي في درجتي؟ فقام شاب من أحدثهم سنا -وهكذا الشباب دائما إذا اقتنعوا بالدين والإيمان وتلبسوا به مستعدون بالتضحية في سبيل الله- فقام أحدثهم سنا فقال: أنا، فقال عيسى: اجلس، فلما أعاد عليهم، فقال الشاب: أنا، فقال: نعم أنت ذاك، فألقي عليه شبه عيسى على هذا الشاب، ورفع عيسى، يعني الأصلي من روزنة كانت في البيت، يعني فتحة رفعه الله إليه إلى السماء، قال: وجاء الطلب من اليهود، أصحاب المؤامرة الذين يريدون القبض على عيسى وقتله، فاخذوا الشبيه فقتلوه، ثم صلبوه"[رواه أبو شيبه في مصنفه: 31876، وإسناده صحيح على شرط مسلم].
سئل شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله- عن رجلين تنازعا في أمر نبي الله عيسى ابن مريم ، فقال أحدهما: إن عيسى ابن مريم توفاه الله ثم رفعه إليه، وقال الآخر: بل رفعه إليه حيا، فما الصواب في ذلك؟ وهل رفعه بجسده أو روحه؟ أم لا؟ وما الدليل على هذا وهذا؟ وما تفسير قوله تعالى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ[آل عمران: 55]؟
فأجاب شيخ الإسلام -رحمه الله-:
الحمد لله... عيسى حي، وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلاـ وإماما مقسطا [رواه أحمد: 7679] حديثه سيأتي.
لو قال واحد: ما الفرق بين حياة عيسى وحياة الأنبياء؟ أليس الأنبياء إحياء، كما قال ﷺ: الأنبياء أحياء في قبورهم؟[رواه أبو يعلى: 3425، وقال حكم حسين سليم أسد: "إسناده صحيح"].
فقال: حياة عيسى حياة جسد وروح، أما حياة الأنبياء حياة برزخيه من نوع خاص في البرزخ، لكن عيسى لم يمت حتى يدخل البرزخ والقبر، لم يمت بعد، لكن محفوظ عند الله جسدا وروحا في السماء.
وأما الأنبياء فقد قبضت أرواحهم من أجسادهم؛ لأنهم عاينوا سكرات الموت، وفصلت الروح عن الجسد، ولكن هناك حياة خاصة بهم في القبور مثل الشهداء، إحياء حياة خاصة مع أن الروح فارقت الجسد، ولكنهم إحياء عند ربهم يرزقون، لكن حياة عيسى تختلف؛ لأنه لم يمت بعد، فرفع جسدا وروحا، فقال شيخ الإسلام: إن هذه الأدلة واردة في السنة تدل على أن عيسى سينزل، وسينزل روحا وجسدا، قال: وقد ثبت في الصحيح أنه سينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، إلى آخر الحديث، وسنعرفه.
قال شيخ الإسلام: ومن فارقت روحه جسده لم ينزل جسده من السماء، إذا فارقت الروح الجسد لو كانت الوفاة التي حصلت لعيسى وفاة جسد، الموت الذي نعرفه المعنى المشهور للوفاة، والموت، ما كان نزل جسدا وروحا كانت نزلت روحه مثلا، ولكن سنزل جسدا وروحا؛ لأنه سينزل عند المنارة البيضاء، وسيراه الناس، وسيقتل الدجال، وسيقود المسلمين، وسيصلي وراءه المهدي، يعني هذه الأفعال كلها أفعال جسد وروح، وليست أفعال روح.
إذن، نزول المسيح جسد وروح وليس روح فقط؛ لأنه أصلا رفع بجسده وروحه، قال: ومن فارقت روحه جسده لم ينزل جسده من السماء، وإذا أحيي فإنه يقوم من قبره.
وأما قوله تعالى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ فهذا دليل على أنه لا يعني الموت، ولو أراد بذلك الموت لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين؛ لأنه يموت كسائر المؤمنين فأي ميزة فيه؟ قال: الله يقبض أرواحهم، ويعرج بها إلى السماء، فعلم بذلك إن ليس هناك خاصية.
إذا كان المقصود مُتَوَفِّيكَ الوفاة العادية، فهي تحصل للمؤمنين أيضا.
وقال: بل رفعه الله إليه أي رفع بدنه وروحه؛ كما ثبت في الصحيح: أنه ينزل بدنه وروحه، إذ لو أريد موته لقال: وما قتلوه وما صلبوه، بل مات.
فقوله: بل رفعه الله إليه، يبين أنه رفع روحه وبدنه؛ كما ثبت في الصحيح.
ولهذا قال من قال من العلماء: إني متوفيك، أي قابضك، أي قابض روحك وبدنك، يقال: توفيت اكتسابا، واستوفيته، ولفظ: التوفي، لا يقتضي نفسه توفي الروح دون البدن، ولا توفيهما جميعا إلا بقرينة منفصلة، وقد يراد به توفي النوم؛ لقوله تعالى: الله يتوفى الأنفس حين موتها، وهو الذي يتوفاكم بالليل إلى آخر قوله رحمه الله [ينظر: "مجموع الفتاوى": 4/322- 323].
الأدلة من القرآن على نزول عيسى :
ماهي الأدلة على نزول عيسى ؟
الأدلة ليست فقط من السنة، توجد في الكتاب العزيز، قال تعالى: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ[الزخرف: 57]، وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ وَإِنَّهُ يعني عيسى لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِوفي قراءة: (لعَلم للساعة) يعني علامة وآية للساعة، أي لاقترابها، ودنو قيامها فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ [الزخرف: 58-61].
قال ابن كثير: المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة، ويؤيد هذا قراءة: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ أي أمارة ودليل على وقوع الساعة.
قال مجاهد: وإنه لعلم للساعة، أي آية للساعة، خروج عيسى قبل يوم القيامة [تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 7/217].
وروى أحمد عن ابن عباس : وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ أي هو خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة"[مسند أحمد: 5/86].
وقال الطبري: معنى الكلام: وإن عيسى ظهوره علم يعلم به مجيء الساعة؛ لأن ظهوره من أشراطها، ونزوله إلى الأرض دليل على فناء الدنيا، وإقبال الآخرة"[جامع البيان: 21/631].
إذن، قوله: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ[الزخرف: 61] يعني نزوله.
إذن، هذه آية تدل على نزول عيسى.
ثانيا: قوله تعالى: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ[النساء: 157] إلى آخر الآية، إلى أن قال تعالى: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا[النساء: 159].
الآن القضية: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ[النساء: 159] بِهِ "الهاء" تعود على عيسى، السياق واحد إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ[النساء: 157].
إذن، كل الضمائر في سياق واحد تعود إلى عيسى : وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ[النساء: 159].
إذن، بِهِ الضمير يعود على عيسى.
لكن الضمير في قوله: لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ"الهاء" مَوْتِهِ تعود على من؟ قال بعضهم: لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء: 159] أي موت الشخص الذي من بني إسرائيل، يعني وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء: 159] أي وما من أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به، يعني بعيسى قَبْلَ مَوْتِهِ الذي سيؤمن به، هذا قول.
بعضهم استبعده، قالوا: هل كل اليهود والنصارى سيؤمنون بعيسى قبل أن يموتوا؟ فاستبعدوا هذا.
ورد أصحاب هذا القول، قالوا: إنهم سيؤمنون عند الموت عند نزول ملائكة لقبض الروح سيعلمون الحق، وتنكشف لهم القضية، وأن ما كانوا عليه من الاعتقاد بعيسى باطل، فالنصارى يعتقدون أنه الله، أو ابن الله، فعند الموت ونزول الملائكة سيعلمون أن عقيدتهم باطلة، وأن الله ليس عيسى، وأن عيسى ليس ابن الله، واليهود الذين قالوا: إن عيسى كذاب، وابن زنا، إلى آخره، هؤلاء عند موتهم سيعلمون أن عيسى رسول الله حقا، وسيؤمنون به عند الموت، لكن إيمانا لن ينفع؛ لأنه إذا بلغت الروح الحلقوم لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ[الأنعام: 158]، فدافعوا عن عود الضمير في مَوْتِهِ على الكتابي الذي سيؤمن بعيسى قبل أن يموت، كل كتابي من هذه الجهة، والمعنى هذا لا بأس به من جهة أن هذا الإيمان لن ينفع صاحبه؛ لأنه عند الغرغرة وعند الموت وعند نزع الروح لا بأس به يعني.
القول الثاني: إن الضمير حتى في قوله: قَبْلَ مَوْتِهِأي قبل موت عيسى، وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وما من أحد من أهل الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِليؤمنن بعيسىقَبْلَ مَوْتِهِ[النساء: 159] أي قبل موت عيسى.
وهذا الذي دلت عليه الأدلة من السنة أن عيسى إذا نزل ما عنده المسألة ثلاثة احتمالات، عنده أمران: إما الإسلام، وإما القتل، ما يقبل جزية، ولا يقبل أي أحد على غير ملة الإسلام، إما القتل وإما أن يسلم، فلذلك قالوا: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الذين سيوجدون في عهد عيسى ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، لابد، وإلا قتلهم وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ [النساء: 159].
قال ابن كثير: الصحيح أنه أي الضمير عائد على عيسى ، فإن السياق في ذكره.
وكذلك فسره ابن عباس قَبْلَ مَوْتِهِ أي قبل موت عيسى ابن مريم.
وقال ابن كثير: "هذا الإسناد صحيح لابن عباس"[تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 7/217].
وكذلك قال ابن جرير: وأولى الأقوال بالصحة والصواب قول من قال ذلك، يعني تفسير الآية وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ[النساء: 159] بعيسى قبل موت عيسى، ثم روى بسنده عن الحسن أنه فسر الآية بهذا، وقال: والله -أي الحسن البصري- إنه الآن حي عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون"، قال ابن كثير: "ولا شك أن الذي قاله ابن جرير هو الصحيح"[تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 2/402].
وقال شيخ الإسلام: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ[النساء: 159] يؤمنوا بالمسيح قبل أن يموت حين نزوله إلى الأرض، وحينئذ لا يبقى يهودي ولا نصراني، ولا يبقى إلا دين الإسلام، وهذا موجود في نعته عند أهل الإسلام في صفة عيسى، عند أهل الكتاب موجود أنه سينزل، لكن النصارى ظنوا مجيئه بعد قيام القيامة، وأنه هو الله، فغلطوا في ذلك كما غلطوا في مجيئه الأول، حين ظنوا أنه هو الله، يعني لما بعث عيسى، قالوا: هو الله، أو ابن الله، وسيأتي وهم يؤمنون أنه سيأتي، ولكن يقولون يوم القيامة على أنه هو الله، قال ابن تيمية: فهؤلاء ضلوا في مجيء عيسى الأول والثاني، واليهود أنكروا مجيئه الأول؛ لأنه لما جاءهم رسول من عند الله قالوا ما هو رسول، وكفروا به، وقالوا كذاب، وتآمروا على قتله، فكفروا بمجيئه الأول اليهود، وظنوا أن الذي بشر به ليس إياه، وليس هو الذي يأتي آخرا، وصاروا ينتظرون غيره.
وهم ينتظرون حقيقة المسيح الدجال اليهود اليوم، وإنما هو بعث إليهم المسيح عيسى ابن مريم أولا، فكذبوه، وسيأتيهم ثانيا، وسيؤمن به كل من على وجه الأرض من يهودي ونصراني إلا من قتل ومات، ويظهر كذب هؤلاء الذين كذبوه، ورموا أمه بالفرية، وقالوا: إنه ولد زنا، وهؤلاء أيضا، أي الطائفة الأخرى الذي سيظهر كذبهم، وهم النصارى الذين غلو فيه، وقالوا: إنه الله[ينظر: الجواب الصحيح، لابن تيمية: 5/253].
الأدلة من السنة على نزول عيسى
والأدلة من السنة على نزول عيسى كثيرة متواترة، روى مسلم في صحيحه عن حذيفة ابن أسيد قال: "اطلع النبي ﷺ علينا ونحن نتذاكر الساعة، فقال: ما تذكرون؟ قلنا: نذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى ترون عشر آيات أي قبل قيامها الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف في المشرق، وخسف في المغرب، وخسف في جزيرة العرب، وأخر ذلك نار تخرج من قبلي يعني عدن اليمن تطرد الناس إلى محشرهم[رواه مسلم: 2901].
الآن قوله: ونزول عيسى ابن مريم إذن، هذا النزول حق ثبت في السنة.
وقال ﷺ: والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا؛ فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لايقبله أحد، وحتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها، ثم يقول أبو هريرة: "اقرؤا إن شئتم: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ[النساء: 159][رواه البخاري:3448، ومسلم: 155].
وفي لفظ لمسلم: والله، لينزلن ابن مريم حكما عادلا، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد[رواه مسلم: 243].
ما معنى الحديث؟
ليوشكن ليقربن ويقتربن ذلك الموعد على وشك أنه قريب أن ينزل فيكم في هذه الأمة، والنبي يخاطب الصحابة وهم هذه الأمة.
حكما عيسى سينزل حاكما بالشريعة الإسلامية، لا ينزل برسالة مستقلة، ولا ينزل بشريعة غير الشريعة النبوية المحمدية، بل سينزل حاكما من حكام هذه الأمة، مقسطا عادلا اقسط، أي عدل، فيكسر الصليب أي حقيقة، ويقضي على الصلبان التي في العالم، وهذا دليل على تغيير المنكرات، وتحطيم آلات الباطل، وتكسير الصلبان، وأن الإنسان إذا رأى صليبا وجب عليه أن يكسره، وإذا كان مرسوما حكه واستخرجه وأتلفه، وهكذا..
إذن، قوله: ليكسرن الصليب لا يبقيه؛ لأنه رمز لمعبودات للكفرة، لابد أن يقضى عليها.
ويقتل الخنزير يعني يأمر بإعدامه، والقضاء على الخنازير مبالغة في تحريم أكلها، وتوبيخ للنصارى الذين كانوا يأكلونها ويستحلونها، ويبالغون في محبة الخنزير، فسيغيظهم بقتلها كل الخنازير، كما سيكبتهم بتكسير كل الصلبان التي في الأرض.
وجاء في الحديث هذا أنه سيضع الجزية، لماذا سيضع الجزية؟
لأنه لن يقبل إلا الإسلام، أو القتل، وإذا كان ذلك ثمن الذي سيؤدي الجزية؟
الذي لا يدخل في الإسلام سيقتل، فمن الذي سيؤدي الجزية؟
لا أحد، لن يبقى أحد أصلا ليؤدي الجزية، إما إن يصبح مسلما فلا جزية عليه، وإما إن يقتل، والميت لا تؤخذ منه الجزية.
إذن، هذا معنى أنه سيضع الجزية، فلا يبقى أحد أصلا تؤخذ منه الجزية.
ويؤيد هذا ما جاء عند أحمد-رحمه الله- في رواية: وتكون الدعوة واحدة[رواه مسلم: 9121] يعني في عهد عيسى ستكون الدعوة واحدة، يعني الإسلام ما في دين آخر، ما في ملة أخرى، كل الملل ستزول، ما في إلا الإسلام، لا هندوسي، لا بوذي، لا يهودي، لا نصراني، ما في ملة أخرى، كلها سيقضى عليها في عهد عيسى .
الآن في الأرض ملايين الأديان، ولكن كل هذه ستذهب في عهد عيسى ، قال: حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها ما معنى هذا؟
معناه -والله أعلم- كما قال النووي رحمه الله: أن الناس تكثر رغبتهم في الصلاة، وسائر الطاعات لقصر أعمارهم لقرب القيامة، يعني الناس ستعلم في عهد عيسى أنه لعلم للساعة، أي ستقوم، فلما الاشتغال بالدنيا؟ ستقوم الآن، كله سيشتغل بالعبادة والطاعة والدين، وستحبب الصلاة للناس، فستكون روح قلوبهم وطمأنينة نفوسهم ومبتغاهم أن يصلوا، كل العالم الموجودين الباقين على قيد الحياة كلهم ستكون رغبتهم في الدنيا قليلة لعدم الحاجة إليها أصلا، عدم الحاجة إليها، ليس فقط لقرب الساعة، أو لأنه الواحد ماله نفس في الدنيا والموت قرب، ليس هذا فقط، بل لأنه سيكون هناك رزق وفير في العالم لا يوجد مجاعة، لا أحد يموت من الجوع في عهد عيسى، لا يوجد فقير أصلا، ما في واحد قليل المال، كل البركات تعم الأرض، ولذلك لماذا الناس تعمل للدنيا؟ ولماذا يذهبون للوظائف الشركات؟ ولماذا يحتطبون؟ ولماذا يبيعون؟ ولماذا يشترون؟ ولماذا يعملون في الحدادة والنجارة والتجارة؟ خلاص، الأرض تخرج بركاتها.
إذا كانت حلبة الشاة الواحدة تكفي القبيلة، فلذلك يقبل الناس كلهم على الدين والطاعة والعبادة، ما الحاجة للعمل، وقد أخرجت الأرض بركاتها.
ولذلك قال: حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها[رواه البخاري: 3448]، وأجرها خير لمصليها من صدقة بالدنيا وما فيها، لماذا؟ لأن قيمة الصدقة ستقل جدا في عهد عيسى، لن يجد الواحد شخصا يتصدق عليه، يخرج الواحد بماله يريد أن يتصدق فلا يجد أحدا يتصدق عليه، كل الناس أغنياء، فلذلك ستكون الصلاة خير من صدقة الدنيا وما فيها؛ لأن ما أحد سيأخذ الصدقة، كل الناس مكتفين، وعندهم زائد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها؛ لأنهم لا يتقربون إلى الله إلا بالعبادة، صلاة، ذكر، دعاء، إما باب الصدقة فلا يوجد أحد يأخذ صدقة في ذلك الوقت.
وهذا في إشارة حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها يعني عند أهل ذلك الزمان، هذا فيه إشارة إلى صلاح الناس في ذلك الوقت، وشدة إيمانهم، وإقبالهم على الخير، فلا يؤثرون على الركعة الواحدة الدنيا وما فيها، والصلاة تكون أفضل من الصدقة لكثرة المال، وعدم الانتفاع به، حتى لا يقبله أحد.
ويدل عليه الحديث قوله: وليتركن القلاص فلا يسعى عليها ما هي القلاص؟
الإبل الفتية الشابة، وهذه مرغوبة جدا، هذا ليس بعيرا، حديث الولادة، هذا ليس كبير في السن، هرم، هذه قلاص، أنفس أموال العرب الإبل الشابة الفتية لا أحد يعتني بها، ولا تلفت نظر أحد، ولا اهتمام أحد، وليتركن القلاص فلا يسعى عليها فيزهد الناس في هذه الأموال النفيسة عند العرب، هذه القلاص، ولا يرغب فيها لكثرة المال، وقلة الآمال، يعني في الحياة المستقبلية، لأن الساعة قربت، وعدم الحاجة.
وقد تواترت الأخبار عن نبينا ﷺ بنزول عيسى ليقتل الدجال، وقد ذكر ذلك، أي هذا التواتر ابن كثير وابن حجر وابن عطية والأندلسي الغرناطي الأندلسي في "البحر المحيط"، والسفاريني في "لوامع الأنوار البهية"، والشوكاني في "التوضيح فيما تواتر في المنتظر في الدجال والمسيح".
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-: اعلم إن أحاديث الدجال ونزول عيسى متواترة يجب الايمان بها، ولا تغتر بمن يدعي فيها أن أحاديثها آحاد، فإنهم جهال بهذا العلم، وليس فيهم من تتبع طرقها، ولو فعل لوجدها متواترة كما شهد بذلك أئمة أهل العلم؛ كالحافظ ابن حجر". وأشار إلى هذا في حاشيته على الطحاوية -رحمه الله-.
قال القاضي عياض: هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار الاجماع على نزول عيسى، لا أحد يشك في نزول عيسى من أهل الإسلام والدين.
قال المناوي: اجمعوا على نزول عيسى نبيا، ولكن بشريعة نبينا محمد ﷺ.
عيسي نبي وصحابي
عيسى هل هو من هذه الأمة؟ هل هو من أمة محمد ﷺ؟ هل هو صحابي والا تابعي؟
عيسى صحابي، مع كونه نبي فإنه صحابي؛ لأنه لقي النبي ﷺ مؤمنا به وسيموت على ذلك، هذا هو تعريف الصحابي.
ما هو تعريف الصحابي؟
من لقي النبي ﷺ مؤمنا به ومات على ذلك.
فأين لقي نبينا؟
في المعراج، في السماء.
إذا، لقيه وهو حي، وسيموت على ذلك على الإيمان به.
إذن، ينطبق عليه تعريف الصحابي.
إذن، من فضل عيسى بالإضافة على كونه نبيا أن له أجر الصحبة، وسيحكم بشريعة نبينا ﷺ.
الإجماع منعقد على نزول عيسى في آخر الزمان:
نزول عيسى في آخر الزمان فيما لم يختلف فيه المسلمون لورود الأخبار الصحاح فيه، وحتى أهل الكتاب يؤمنون بنزله، ليس نحن فقط نقول بنزول عيسى، حتى أهل الكتاب، لكن دينهم فيه وعقيدتهم تختلف عن عقيدتنا في عيسى، قال شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله- وهو الخبير بالأديان الأخرى والمذاهب والملل، وأهل الكتاب، قال: "والمسلمون وأهل الكتاب متفقون على إثبات مسيحين: مسيح هدى من ولد داود، ومسيح ضلال، يقول أهل الكتاب إنه من ولد يوسف، أي أن مسيح الضلال من نسل يوسف، ومسيح الهدى من نسل داود، والمرجع إلى إبراهيم، كلهم يرجعون إلى إبراهيم ، قال: "ومتفقون على أن مسيح الهدى يأتي كما يأتي مسيح الضلالة، لكن المسلمون والنصارى يقولو: إن مسيح الهدى هو عيسى ابن مريم، وأن الله أرسله، ثم يأتي مرة ثانية".
لكن ما الفرق بين المسلمين والنصارى؟
المسلمون يقولون: إنه ينزل قبل يوم القيامة، فيقتل مسيح الضلالة، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ولا يبقى دين إلا دين الإسلام، ويؤمن به أهل الكتاب، واليهود والنصارى كما قال تعالى: وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ[النساء: 159].
والقول الصحيح الذي عليه الجمهور قبل موت المسيح.
وقال تعالى: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا[الزخرف: 61].
وأما النصارى، فتظن أنه الله، وأنه يأتي يوم القيامة لحساب الخلائق وجزائهم. هذه عقيدة النصارى في بعث وفي يوم القيامة، لكن الذي سيأتي يوم القيامة لحساب العباد هو المسيح؛ لأنه عندهم هو الله -تعالى الله عن قولهم-.
قال: "واليهود تعترف بمجيء المسيح هدى يأتي، لكن يزعمون أن عيسى لم يكن مسيح هدى لظنهم أنه جاء بدين النصارى المبدل، ومن جاء به فهو كاذب، وهم ينتظرون المسيحين" اليوم.
حال المسلمين ووضعهم عند نزول عيسى
سيأتي عيسى ابن مريم أين سينزل؟ ما هي البداية عند نزول عيسى ؟ ما هو الوضع عند نزول عيسى ؟
سبق شرح الوضع عند نزول عيسى ، كالتالي: أن ذلك الوقت سيكون المسلمون من توهم من معركة ضخمة جدا مع النصارى، قرابة المليون نصراني اكتسحوهم، وقضوا عليهم، وفتحوا مدينة القسطنطينية التي ستعود مرة ثانية تحت هيمنة النصارى، هذه القسطنطينية في تركيا، ستعود تحت حكم النصارى، وسيفتحها المسلمون فتحا بالتهليل والتكبير، وليس بالسلاح، وينادي الشيطان: خرج الدجال، فيرجع المسلمون من القسطنطينية إلى دمشق؛ لأن قاعدة فسطاط المسلمين في دمشق، ويخرج بعد ذلك مسيح الضلالة، الدجال الحقيقي، ويطوف الأرض، وتحدث فتنته الكبرى -كما عرفنا في الدرس الماضي-.
المسلمون محصورون في أماكن معينة، في المدينة، في دمشق، في بيت المقدس، في الشام الطائفة المنصورة، وهم يجهزون أنفسهم لمواجهة الدجال.
إذن، الدجال مسيطر، يمر على الأرض، ويعمل فيها الأعاجيب والفتن، والمسلمون في أماكن محصورة، ومن ضمن الأماكن وأهم قاعدة للمسلمين في ذلك الوقت ستكون في الشام، وليس في أي مكان آخر، ومنهم سيكون موجودا في المدينة وقت انتصار الدجال في المدينة.
هؤلاء المسلمون الذين هم بالشام معهم محمد بن عبد الله المهدي من آل النبي يكونون في حال تجمع واستعداد لقتال الدجال، وهذه المصيبة الكبيرة التي حلت في الأرض، ومواجهة الفتنة العصيبة، وهم يسمعون الأخبار.
وسينزل المسيح ابن مريم عند المنارة البيضاء تحديدا شرقي دمشق.
ووصفه الرسول ﷺ وصفا دقيقا حتى لا يكون عند أحد شك فيه، وكل مؤمن سيعرف الفرق بين الدجال وبين المسيح ابن مريم؛ لأنه وصف الدجال وصفا دقيقا جدا، ووصف عيسى ابن مريم وصفا دقيقا جدا، فعند المؤمنين ما في لخبطة، لا يوجد هناك شك، ولا اضطراب، المسيح ابن مريم صفاته معروفة، والدجال صفاته معروفة، تقدمت صفة الدجال.
صفات المسيح ابن مريم عند نزوله
فما هي صفة المسيح ابن مريم؟ ما هي خلقته؟ شكله؟ لونه؟ لباسه عندما ينزل؟ وكيف ينزل بالتحديد؟
موصوف مكان النزول عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، وعليه مهرودتان، حتى لون الملابس التي سينزل فيها عيسى معروفة، ثوبان فيهما صفرة خفيفة، لون أصفر خفيف على عيسى ، وحتى موضع كفيه وهو نازل من السماء وهابط إلى الأرض مفصل في الحديث: واضعا كفيه على أجنحة ملكين وحركة رأسه موصوفة بدقة إذا طأطأ رأسه قطرت، واذا رفع راسه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، ونفس عيسى لا يجده كافر إلا مات، ومدى نفس عيسى، هذه الرائحة التي سيجدها الكافر من دائرة نصف قطرها مد بصر عيسى، لما ينزل عيسى دائرة نصف قطرها مد بصر عيسى محيط بالدائرة، كل كافر فيها يموت مباشرة.
وسيكون نزوله في الطائفة المنصورة المجتمعة في بلاد الشام المتأهبة للقتال، المستعدة للجهاد التي ترص صفوفها، وتحشد قواها لمنازلة الدجال، ويكونون قد اصطفوا للصلاة تحديدا عند اصطفافهم للصلاة سينزل المسيح ، قال ﷺ: فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح عيسى ابن مريم فينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، واذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه يعني عيسى ابن مريم يطلب الدجال حتى يدركه في باب لد حتى يقتله، ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم يعني المسلمين المؤمنين، يأتون للسلام عليه، وملاقاته، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة.
طبعا بالوحي: أنت درجتك بالجنة فلان، فلان درجتك في الجنة كذا، وأنت درجتك كذا، وهذا من تعاجيب ربنا.
والمنارة البيضاء موجودة اليوم شرقي دمشق، وهي أحد مآذن الجامع الأموي، الآن في دمشق، وسيكون عيسى لابسا مهرودتين، ثوبين مصبوغين بورس أو زعفران أو صفرة خفيفة.
وقوله في الحديث السابق: إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان حبات الفضة كاللؤلؤ على هيئة حبات اللؤلؤ الكبار.
إذن، هذا وصف للماء الذي يتحدر من عيسى عند نزوله على هيئة اللؤلؤ في صفائه، فسمى الماء جمانا لشبهه به في صفائه.
وقوله ﷺ: ثم يأتي عيسى ﷺ قوم يعني من المؤمنين قد عصمهم الله منه "الهاء" تعود على الدجال، فيمسح عن وجوههمهذا من الشفقة والرحمة بهم، وستنالهم من بركته بهذا المسح؛ لأنه نبي مبارك: وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ[مريم: 31]، وبرا بهم، وتحببا اليهم سيمسح على وجوههم، وتنالهم بركته، وينكشف ما بهم من الخوف؛ لأنهم كانوا في حصار من الدجال، وعصمهم الله منه.
يقول ابن كثير: وليس في دمشق منارة تعرف بالشرقية سوى التي إلى جانب الجامع الأموي بدمشق من شرقيه، وهذا هو الأنسب والأليق؛ لأنه ينزل وقد أقيمت الصلاة، فيقول له إمام المسلمين: يا روح الله تقدم، وعيسى روح خلقها الله، وإضافة الروح إلى الله إضافة المخلوق للخالق، وهذه الإضافة تقتضي التشريف "يا روح الله تقدم فيقول: تقدم أنت" عيسى يخاطب المهدي وهو إمام المسلمين، فإنها أقيمت لك.
وفي رواية: بعضكم على بعض امراء تكرمة الله لهذه الأمة يصلي إمام من هذه الأمة ووراه نبي، من نسل النبي ﷺ إمام المهدي، ووراءه عيسى .
من اللطائف في هذه المنارة ما ذكره ابن كثير في تاريخه في حوادث سنة 741 للهجرة، قال: جدد المسلمون منارة من حجارة من حجر الدير، وكان بناءها من أموال النصارى، لماذا؟
قالوا الذين حرقوا المنارة التي كانت مكانها، يعني يظهر أن بعض النصارى في دمشق سمعوا عن نزول عيسى، وأنه سينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، فقاموا للمنارة وأحرقوها، فجاء سلطان المسلمين أو القاضي، وحكم أن تعاد بناء المنارة من أموال النصارى الذين أحرقوها، فبنيت من حجارة فيها.
ويقول ابن كثير: "ولعلها تكون من دلائل النبوة الظاهرة حيث قيض الله بناء هذه المنارة من أموال النصارى لينزل عيسى ابن مريم عليها، فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ولا يقبل منهم جزية، ولكن من أسلم وإلا قتل، وكذلك غيرهم من الكفار".
النبي ﷺ حدث عن فخره بهذه الأمة، فقال في الحديث الصحيح: منا الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه صححه الألباني.
وعن جابر بن عبد الله قال: سمعت الرسول ﷺ يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال: فينزل عيسى ابن مريم ﷺ، فيقول أميرهم يعني أمير الطائفة المسلمة المنصورة تعال يعني صل، تقدم، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة [رواه مسلم: 156].
وفي رواية قال ﷺ: ينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا، فيقول: لا إن بعضهم أمير بعض، تكرمة الله لهذه الأمة قال ابن القيم: "إسناد جيد".
إذن، هكذا سيصلي عيسى ابن مريم وراء المهدي في تلك الصلاة عندما ينزل وقد أقيمت الصلاة، فيصلي خلفه، ولا يلزم أن يكون الإمام أفضل الجماعة، فقد يكون الإمام مقبولا ووراءه في الجماعة رجل أفضل منه، وقد صلى النبي ﷺ مأموما، وعبد الرحمن بن عوف الإمام، وصلى خلف الصديق.
صفات عيسى الخلقية
وبالنسبة لصفة عيسى الخلقية ، فقد جاءت الأحاديث أنه رجل مربوع القامة يعني لا بالطويل ولا بالقصير، معتدل القامة، أحمر، جعد، عريض الصدر، سبط الشعر كأنه خرج من ديماس يعني حمام، والحمام هو مكان الاغتسال له لمة قد رجلها تملأ ما بين كتفيه واللمة شعر الرأس إذا جاوز شحمة الأذن، يسمى: لمة؛ لأنه يكاد يلم بالكتف، إذا جاوز شحمة الأذن، وإذا تعدى ذلك، يسمى: جمة.
ما هي الأحاديث الواردة في صفة عيسى ؟
روى البخاري عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: رأيت ليلة أسري بي رجلا آدم، طوالا، جعدا، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلا مربوعا، وقد تقدمت الأحاديث في صفة الدجال وعيسى، صفة الدجال بالتفصيل.
الآن عيسى ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس سبط الشعر، أي شعره مسترسل ليس بأجعد، والدجال شعره أجعد جدا كأغصان الشجرة.
وقال ﷺ: ورأيت عيسى فإذا هو رجل ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس[رواه البخاري: ].
رأيت عيسى فإذا هو رجل بكسر الجيم، أي دهين الشعر، رجل شعره، وسرح شعره، مدهون الشعر، مسترسل الشعر، ليس بأجعد، كأنه من رجال الشنوءة، وهؤلاء حي من اليمن، ورجال الأزد معروفين بالطول، أزد شنوءة معروفين بالطول، ربعة مربوع، ليس طويل جدا، ولا قصير جدا، وسط، كأنما خرج من ديماس يصف لونه بالصفاء البالغ، ويصف جسمه بالنضارة، وماء الوجه بالكثرة حتى كأنه خرج الآن من توه من ديماس من حمام، الإنسان عندما يخرج من حمام بخار كيف يكون خروجه؟ يقطر منه الماء، يخرج عرقان، كذلك نزول عيسى كأنه خرج من ديماس، يتصبب منه الماء، لكن كاللؤلؤ، غاية في النظافة.
وفي رواية: ينطف رأسه ماء، عرق حتى قطر الماء من رأسه، نضر الوجه.
قال النبي ﷺ في وصفه: فأما عيسى فأحمر، عريض الصدر.
إذن، صفته الخلقية في الصدر في عرض.
وعن أبي هريره قال النبي ﷺ، وهذا حديث موجه إلينا: وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم؛ لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه.
إذن، نحن ينبغي علينا أن نعرف صفات عيسى، إذا رأيتموه هذا خطاب النبي للأمة فاعرفوه قالو: وكيف نعرف أنه عيسى؟ قال: رجلا مربوعا إلى الحمرة والبياض لونه ضارب بالبشرة إلى الحمرة والبياض عليه ثوبان ممصران كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية [رواه أحمد: 9270، وصححه الالباني].
ثوبان ممصران من الثياب التي فيها صفرة خفيفة، تسمى: ممصرة.
كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل كناية عن النظافة والنضارة.
وكيف الجمع بين الأبيض والأحمر؟
أخبر أنه بين الحمرة والبياض.
وما ورد في وصف عيسى في شعره، مما ورد قوله ﷺ: أراني الليلة عند الكعبة في المنام فإذا برجل آدم، كحسن ما يرى من أدم الرجال، تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر، يقطر رأسه ماء، واضعا يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح ابن مريم[رواه البخاري: 3440، ومسلم: 171].
النبي ﷺ رأى عيسى في المنام ورآه في اليقظة، اليقظة في المعراج، وصلى بهم في الإسراء إماما في بيت المقدس، ورآه الأنبياء، صفوا وراءه وصلى بهم إماما، قابلهم وعرفهم، ورآه في المنام أيضا؛ كما في هذا الحديث.
وقال ﷺ: وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل بر جعد كأنه من رجال شنوءة هذا موسى، وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي، وإذا ابراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم [رواه مسلم: 167] يعني نفسه محمد ﷺ.
وعروة بن مسعود الثقفي الذي شبه النبي عيسى به في الشكل، الذي جاء إلى النبي ﷺ وأسلم ومات شهيدا .
جاء في لفظ عن عيسى: أنه جعد.
وقال بعض العلماء: إن هذه في جسمه لا في شعره، وأن جعد الجسم معناه مكتنز اللحم، اجتماع اللحم واكتنازه.
مهام وأعمال ومنجزات عيسى عند نزوله
ماذا سيفعل عيسى إذا نزل؟
أولا: سيصلي مع المسلمين، سيقتل الكفار، في المنطقة حول نزول عيسى فيموتون، قال ﷺ: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم[رواه البخاري: 3449، ومسلم: 155].
كيف أنتم اذا نزل فيكم ابن مريم فأمكم منكم[رواه مسلم: 155]، وامامكم منكم في رواية أخرى.
وفي رواية: فأمكم بكتاب ربكم -تبارك وتعالى- وسنة نبيكم ﷺ[رواه مسلم: 155].
فأما الأعمال التي يقوم بها عيسى فإنها حكم الأرض بشرع الله، فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى، وسنة نبيكم ﷺ فهو يحكم بالقرآن لا بالإنجيل، والنبي ﷺ قال: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى ابن مريم ﷺ فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة[رواه مسلم: 156].
قال القرطبي -رحمه الله- في "التذكرة": فعيسى إنما ينزل مقررا لهذه الشريعة، ومجددا لها، إذ هي آخر الشرائع، ومحمد ﷺ آخر الرسل، فينزل حكما مقسطا، وإذا صار حكما فإنه لا سلطان يومئذ للمسلمين، ولا إمام ولا قاضي ولا مفتي غيره، يعني غير عيسى، ويجتمع المؤمنون عند ذكر ذلك إليه، ويحكمونه على أنفسهم، إذ لا أحد يصبح لذلك غيره، ويكون هو الإمام الأكبر في الأرض.
وعيسى سيضع الجزية، ولا يقبل غير ملة الإسلام، وهذا معنى قوله : وتكون الدعوة واحدة، دعوة الإسلام.
وقال ﷺ في الاجتماع لقتال الدجال: فإذا جاؤوا الشام خرج الدجال فبينما هم أي المسلمون يعدون للقتال ويسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم ﷺ فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله بيده حتى يريهم الدم في حربته.
إذن، من أهم انجازات عيسى : أنه يقتل الدجال.
الطائفة من المسلمين الذين سيكونون مع عيسى لهم ميزة عظيمة، الجنود المسلمون المجاهدون مع عيسى لهم منزلة عالية، قال ﷺ: عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار: عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم [رواه النسائي: 3175، وصححه الألباني].
فهذه فيه بشارة لمن فتحوا الهند من المسلمين، الذين فتحوا الهند من المسلمين، والهند أصلا كانت بلادا إسلامية، لما غزاها المسلمون وكان من المجاهدين الكبار محمود الغزنوي وغيره من الذين فتحوا الهند، وكان حكم الاسلام مسيطر عليها قبل أن يمكن الصليبيون البريطانيون للهندوس، ويعيدون السيطرة لهم على بلاد الهند، وينحسر سلطان المسلمين.
إذن، عيسى سيكون معه طائفة من المسلمين يقاتلون معه هم جيشه، وهم خير المسلمين في ذلك الوقت، يحرزهم الله من النار، المسيح ابن مريم سيطارد الدجال ويدركه ويقتله.
وكما تقدم في الحديث: أن عيسى ابن مريم يقول للدجال عندما يلقاه ويهرب الدجال منه، ويذوب كما يذوب الملح في الماء إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها، فيدركه عند باب لُد الشرقي، فيقتله، ويري عيسى الحاضرين أثر دم الدجال على حربته دليلا على أنه أدركه وقتله قبل أن يذوب ويتلاشى، فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر، ولا شجر، ولا حائط، ولا دابة، إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم، لا تنطق.
قلنا: إن الكفار أيضا ينتظرون المسيح، لكن كما قال شيخ الإسلام: "وإنما ينتظرون المسيح الدجال، مسيح الضلالة وهم اليهود، فإن اليهود يتبعونه، المسيح الدجال إذا خرج اليهود سيتبعونه، وهم ينتظرونه، ويقتلهم المسلمون معه، قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان": "ومن تلاعبه بهم" تلاعب الشيطان "بهم" باليهود، الأمة الغضبية، "أنهم ينتظرون قائما من ولد داود النبي، إذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم" اليهود هكذا يتعقدون، ينتظرون قائما بالأمر، سلطانا، خارجا سيبعث من ولد داود النبي، إذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم، وأن هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به، وإنما هم في الحقيقة ينظرون مسيح الضلالة الدجال، فهم أكثر اتباعه، وإلا فمسيح الهدى عيسى ابن مريم يقتلهم" يقتل اليهود، "ولا يبقي منهم أحدا، والأمم الثلاث تنتظر منتظرا" يقول عنه ابن القيم: "يخرج في آخر الزمان فإنهم وعدوا به في كل ملة" الملة اليهودية، والملة النصرانية، وملة الإسلام، "والمسلمون ينتظرون نزول المسيح عيسى ابن مريم من السماء لكسر الصليب، وقتل الخنزير، وقتل أعدائه من اليهود وعباده من النصارى".
تصدي عيسى ليأجوج مأجوج
من الإنجازات الكبيرة والأفعال العظيمة التي يقوم بها عيسى : التصدي ليأجوج ومأجوج، ولكن ليس بالقتال؛ لأنه سيوحي الله إلى عيسى أنه لا طاقة لك ولا للمسلمين معك لقتال يأجوج ومأجوج، لكن سيهلكون بفضل الله، ثم بدعاء عيسى ، فقد جاء في صحيح مسلم بعد مقتل الدجال قال: ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون من كل طريق يخرجون على أهل الأرض، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم، فيقولون: ما كان في هذه مرة ماء ، وسنتكلم -إن شاء الله- في درس مستقل على يأجوج مأجوج، قال: ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه.
إذن، كان فيه شدة وضيق في وقت الدجال، وصار الفرج بالانتصار على الدجال، يعود الضيق مرة أخرى لكن العدو الجديد الآن هم يأجوج ومأجوج، ويحصر عيسى والمسلمون معه، والآن الشغل كله في بلاد الشام، أين يحصرون؟ قال: ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خير من مائة دينار لأحدكم اليوم يعني يصبح في مجاعة وشدة، هذا قبل خروج البركات والخيرات، بعد قتل الدجال يخرج يأجوج ومأجوج، وينتقل المسلمون من صراع إلى صراع، ومن مرحلة إلى مرحلة، وفتن وملاحم تتوالى، وتغيرات عظيمة في الأرض، وعجائب الدجال في فتنته ما تنفس الصعداء عندما تخلصوا منه وإذا بشيء أكبر من جهة القوة، وهم يأجوج ومأجوج في العدد؛ لأن المسلمين يقاتلون المسيح الدجال، ورماح بنو تميم أطول رماح من بين المسلمين على الدجال، يقاتلون الدجال ومن معه من اليهود، وعيسى سيقضي عليهم، لكن يأجوج ومأجوج لا قدرة لأحد في قتالهم، فيحصر المسلمون في الطور بناء على توجيه من الرب يقول الله لعيسى: فحرز عبادي إلى الطور إني قد أخرجت عبادا لا يدان لأحد في قتالهم.
الله يوحي لعيسى: إن يأجوج ومأجوج خرجوا، ولا طاقة لأحد في قتالهم، فماذا سيفعل عيسى؟
معه الآن مسلمون في جيش حرز عبادي إلى الطور فيتحصن ومن معه بالطور، ويخرج يأجوج ومأجوج فيفسدون في الأرض كلها، ثم يأتون إلى منطقة الحصار، وهي جبل الطور الذي يحصر عنده عيسى والمسلمون.
وطبعا سيكون في الحصار هذا جوع، قال: حتى يكون رأس الثور لأحدهم خير من مائة دينار لأحدكم اليوم فماذا سيحدث الآن لا يوجد استطاعة للقتال؟ من قبل مع شدة الدجال واليهود الذين معه، لكن عيسى يقول للمسلمين: افتحوا الباب أي بلد؟ بيت المقدس، فيفتحون الباب ويهجمون على الدجال، ويقتله عيسى.
الآن الحصار سيكون عند الطور، وما في قدرة على القتال، بوحي من الله وليس تولي من الزحف، بوحي من الله لا يدان لأحد في قتالهم، حرز عبادي إلى الطور الحصر سيكون فيه جوع حتى يكون رأس الثور لأحدهم خير من مائة دينار لأحدكم اليوم.
فماذا سيفعل المسلمون وعيسى ولا يوجد قدرة على المواجهة؟
لا يوجد غير الدعاء، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه يرغبون، يعني يبتون في الدعاء لله، ويلحون ويتضرعون، فيرسل الله النغف يستجيب الرب ويرسل دودا في أعناق يأجوج ومأجوج تأكلهم من العنق، فيصبحون فرسى صرعى كموت نفس واحدة كلهم يموتون، مع أنهم أعداد هائلة، أوائلهم شربوا بحرية طبرية، وما كفتهم.
جاء في الحديث: المسلمون محصورون ويلحون بالدعاء، والآن في هدوء غريب ماذا يحدث في الخارج؟
فيندب المسلمون واحدا منهم ليرى ماذا يوجد، يتسلق ويخرج ويأتيهم بالخبر، فيوطن رجل منهم نفسه على أنه مقتول، يخرج يضحي بنفسه ليرى الخبر، فإذا خرج رأى الجثث تملأ الأرض على مد البصر، فيخبر عيسى والمسلمين بالوضع في الخارج، قال: ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم يعني دسم الأجساد، ورائحتها الكريهة ونتنهم. الآن الأرض لا يمكن المعيشة عليها، في مشكلة الآن أخرى ظهرت، وهل يقدر المسلمون أن يدفنوا هؤلاء يأجوج ومأجوج؟ ما كانا في شيء إلا كثرتاهيكثرون أهل جهنم حتى تصبح النسبة واحد في الجنة، و999 في النار؟ كيف سيعيش عيسى والمسلمون في الأرض؟ الأرض منتنة الآن، لا تصلح، في تلوث بأجساد يأجوج ومأجوج، ولا طاقة للمسلمين بإصلاح البيئة الفاسدة، قال: فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى اللهما في إلا الدعاء فيرسل الله طيرا كأعناق البخت فتحملهم يأجوج ومأجوج وتطرحهم حيث شاء الله وستأتي روايات في درس يأجوج ومأجوج أن الطير ستطرحها في البحر، وأن الله سيرسل مطرا يغسل الأرض، فتصبح في غاية النظافة، صالحة للمعيشة.
الآن انتهى الأعداء، قضي على الدجال، واليهود، ويأجوج ومأجوج والملل كلها غير الإسلام، وصارت الأرض نظيفة معنويا وماديا، لا يوجد كفر ولا فساد، نظفها الله، فالآن إقامة الدين في الأرض، إذا كسر الأعداء في الجهاد وكسرهم الله، فالآن هو إقامة الدين في الأرض، هذه هي المهمة بعد الجهاد، إقامة الدين، تحكيم الشريعة، العبادة، ولذلك قال ﷺ: والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا او ليأثنيهما يعني يقرن بينهما.
إذن، سيكون هناك حج، أليس من دين محمد ﷺ الحج والعمرة؟ سيذهب عيسى للحجن أو العمرة، أو يقرن بينهما، وسيلبي منطلقا بفج الروحاء، وهو موضع بين مكة والمدينة، متجها إلى مكة لأداء العمرة والحج.
وسينزل الله مطرا يغسل الأرض، قال ﷺ: ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبرلو ناطحة سحاب من تحت الأرض ستغسل، ما في مكان مهما كان سقفه إلا والمطر هذا سينفذ إليه، سيدخل فيه المطر، لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة يعني كالمرآة في نظافتها وطهارتها وصفائها، المطر هذا بعد يأجوج ومأجوج سينظف الأرض حتى تكون الأرض كالمرآة، ثم يقال للأرض: انبتي ثمرتك وردي بركتك.
الآن سيرون الناس البركة الحقيقية، وليست الوهمية في وقت الدجال الذي فتنهم، الآن تخرج البركات الحقيقية، قال ﷺ: فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة العصابة المجموعة من الناس تأكل من الرمانة الواحدة، ويستظلون بقحفها قشر الرمانة تصبح مظلة على الناس، إذن، كم حجم الرمانة؟ هائل.
ويبارك في الرسِل وهو اللبن الذي يحلب من الشاة، ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة حديثة العهد بالولادة من الابل لتكفي الفئام من الناسالجماعة الكثيرة، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس.في فخذ، وقبيلة، وفئام، هذه البركة.
وقال : أنا اولى الناس بعيسى ابن مريم؛ لأنه لم يكن بينه وبيني نبي، وأنه نازل فيدق الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، فيهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال، وتقع الأمنة على الأرض وهو السلام العالمي، وقبل هذا ما في سلام عالمي، الأمنة ستقع في الأرض، قال: حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث أربعين سنة من هو؟ عيسى ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون[رواه الإمام أحمد: 9270، وهو حديث صحيح].
وقال ﷺ: والله لينزلن ابن مريم حكما عادلا، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد فلا يوجد حسد ولا شحناء ولا بغضاء، ولا أحد يكره أحدا، ولا أحد يكيد لأحد، ولا يوجد عداوات بين الناس، ولا تقاطع، ما في إلا غير الإسلام، فالأرض معمورة بطاعة الله، وذكره، قال: وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد[رواه مسلم: 155].
لا أحد يريد مالا، فالناس كلهم مكتفيين وزيادة.
وهذه الأحاديث التي وردت فيها أيضا وتضع الحرب أوزارها ما في حروب في الأرض أبدا، قال: وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء هذا هو السلام العالمي بالنص وتخرج الأرض بركتها حتى يلعب الصبي بالثعبان فلا يضره، ويراعي الغنم الذئب فلا يضرها، ويراعي الأسد البقرة فلا يضرها.
وهكذا أخبر ﷺ حتى تقع الأمنة على الأرض، وأخبر أيضا أن الغلمان يلعبون بالحيات.
وأخبر ﷺ أن عيسى أيضا سيمكث في الأرض مدة، لكن الروايات بعضها سبع سنين، وبعضها أربعون، ففي حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم: ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته[رواه مسلم: 2940].
ولكن عند أبي داود: فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى، فيصلى عليه المسلمون صححه الألباني.
فذهب بعض العلماء إلى الترجيح، وذهب بعضهم إلى الجمع.
فذهب البيهقي والسيوطي إلى الترجيح، ورجح رواية: الأربعين، لكثرة رواتها، وأخذها بالأكثر، ولأنها زيادة ثقة.
وذهب آخرون للجمع، فقال ابن كثير: رواية السبع سنين تحمل على إقامته بعد نزوله، ورواية أربعين سنة تحمل على أن مدة السبع سنين بعد نزوله تضاف إلى مدة مكثه في الأرض قبل رفعه للسماء، وكان عمره عند رفعه ثلاثا وثلاثين سنة على المشهور من كلام أهل العلم.
وقد يقال: إن رواية مسلم ليست صريجة؛ لأن عيسى يمكث في الأرض سبع سنين فقط؛ لأن نص الرواية ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا، فلعل هذه السنوات السبع الخير تكون بعد يأجوج ومأجوج، ويكون زمن عيسى مقسوم إلى قسمين: قسم يكون قبل يأجوج ومأجوج والدجال، وقسم بعده.
قسم من وقت عيسى يكون فيه كرب وشدة مع المسلمين وقتال وجهاد وحصار وانحصار، وقسم يكون فيه المسلمون في خير وسعادة، لذلك قال بعضهم: نقسم مدة عيسى في الأرض إلى قسمين.
ويمكن أن يقال أيضا: أن رواية أربعين هي المعتمدة؛ لأنها الأكثر، ولكن تمر من سرعتها كأنها سبع سنين على أساس ما فيها من الخير والبركة والعبادة والطاعات والقربات والسلام العالمي، كل هذا سيمر على الناس مرورا سريعا.
لا شك أن عيسى سيموت بعد ذلك سواء قلنا سبع أو قلنا أربعين، أو الجمع بينهما، سيموت في النهاية ، وتقبض روحه كمن مات من قبله من الأنبياء، وهذا حق كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ[الأنبياء: 35]، ولا شك أن هذا سيكون حزنا للمسلمين، لكن هذا قدر الله: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 26-27].
والرسول ﷺ أخبرنا بوصية، فقال: من أدرك عيسى ابن مريم فليقرأه مني السلام فينبغي تنفيذ وصية النبي ﷺ إذا قابل المسلم عيسى أن يقول له: إن محمدا ﷺ يقرأ عليك السلام، هكذا..
إذا قال أحدهم: اقرأ فلان مني السلام، فإذا ذهبت إلى فلان فإنك تقول له: فلان يقرأ عليك السلام ورحمة الله وبركاته، فيقول: وعليك وعليه السلام ورحمة الله وبركاته.
إذن، هكذا نقول لعيسى إذا لقيناه: إن رسولنا محمدا يقرأ عليك السلام ورحمة الله وبركاته، لذلك وصية وأمانة، وقال: من أدرك فليقرأ يعني أمانة، والسلام إيصاله أمانة، إذا قال لك واحد: أوصل السلام إلى فلان، هذه أمانة، فينبغي أدائها.
وعيسى إذا توفي سيدفن قطعا؛ كما أخبر بذلك النبي ، يموت، وستصلى عليه صلاة الجنازة، ويدفنه المسلمون، يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن.
وبذلك نكون قد عرفنا قصة المسيح عيسى ، ونزوله إلى الأرض، وكيف سيكون حكمه فيها، وكيف سيعلي هذه الشريعة، وهي شريعة محمد بن عبد الله ﷺ، ويحكم شرع أخيه النبي، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد، لكنه سيحكم بشريعة النبي ﷺ.
نسأل الله أن يجعلنا من حملة هذا الدين، ومن اتباع محمد النبي الأمين.
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
والله أعلم.