الجمعة 12 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 13 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

02- تعامله ﷺ مع النساء 2


عناصر المادة
وعظه وتذكيره صلى الله عليه وسلم للنساء
حثه ﷺ النساء على الصدقة
حثه ﷺ النساء على الإكثار من ذكر الله تعالى
تعليمه ﷺ للنساء ما ينفعهن من الأذكار
حثه ﷺ النساء على شهود مواسم الخير

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد تحدثنا في الدرس الماضي عن شيء من التعاملات النبوية، وذلك في توجيهاته ﷺ للنساء.
وأنه ﷺ عدّهن شقائق الرجال، وأنه بايعهن كما بايع الرجال غير أنه لم يصافحهن.
وكان يرفق بهن، وأطلق عليهن القوارير لرقتهن، وضعفن، وأنه خصص لهن يوماً للتعليم والإرشاد.

وعظه وتذكيره صلى الله عليه وسلم للنساء

00:00:54

وكان ﷺ يحرص على وعظ النساء، وتذكيرهن، فعن جابر بن عبد الله، قال: "شهدتُ مع رسول الله ﷺ الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله، وحثّ على طاعته، ووعظ الناس، وذكّرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن، فقال: تصدقن، فإن أكثركن حطب جهنم فقالت امرأة من سِطة النساء، يعني جالسة في وسط النساء، قامت من بينهن سفعاء الخدين، يعني فيها تغير وسواد، فقالت: لمَ يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن الشَّكاة يعني الشكوى وتكفرن العشير. [رواه مسلم: 885]
وحمله أكثر الشرّاح على أن العشير هو الزوج. وقال آخرون: "كل مخالط يعني أب ونحوه يكفل المرأة، أو ينفق على المرأة، وتخالطه المرأة هذا يطلق عليه العشير، والمقصود تحذير النساء من جحد الإحسان؛ سواء كان إحسان الزوج، أو إحسان الأب، أو إحسان الأخ، قال: "فجعلن يتصدقن من حليهن" يعني يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن" رواه مسلم، والأقرطة جمع قرط.
قال ابن دريد: "كل ما علق من شحمة الأذن فهو قرط، سواء كان من ذهب، أو خرز" [شرح النووي على مسلم: 3 / 278]، فالنبي ﷺ حين رأى أنه لم يُسمِع النساء خطبته في الجمع الكبير، ذهب إليهن، اقترب من مكانهن، أتاهن فوعظهن، أداء لحق من التربية والتعليم.


وهذا الحديث فيه من الفوائد؛ كاستحباب وعظ النساء، وتعليم النساء أحكام الإسلام، وتذكير النساء بما يجب عليهن من حق الله تعالى، وحقوق خلقه، قال ابن جريج: "قلتُ لعطاء: أترى حقاً على الإمام أن يأتي النساء فيذكرهن حينما يفرغ؟ قال: "إن ذلك لحق عليهم، وما لهم لا يفعلونه" [رواه البخاري: 925].
وهذا كما قال النووي رحمه الله مقيد بما إذا كن لا يسمعن صوت الخطيب لبعدهن، وكثرة الجمع، أما إذا كن يسمعن صوت الخطيب كما هو الحال الآن بمكبرات الصوت فلا يحتجن إلى وعظ خاص بهن، وكذلك مقيد بعدم ترتب المفسدة، قال النووي رحمه الله: "يُستحب إذا لم يسمعهن أن يأتيهن بعد فراغه، ويعظهن، ويذكرهن إذا لم يترتب مفسدة، الآن وفي كل الأزمان بالشروط المذكورة" [شرح النووي على مسلم: 3/277].
فإذاً، هذا الحديث فيه وعظ النبي ﷺ للنساء، وكان وعظه مؤثراً لدرجة أن النساء أسرعن في الاستجابة لموعظة النبي ﷺ، وبادرن بالصدقة، ومن أعز ما على المرأة حُلّيها، ومع ذلك بادرن بالصدقة بالحلي، وتقديم الأقراط والخواتم، وهذا يدل على رفيع مقامهن في الدين، وحرصهن على امتثال أمر رسول الله ﷺ، والرضا بهذه الصدقة، والجود بها لله تعالى.

حثه ﷺ النساء على الصدقة

00:05:17

والنبي ﷺ كان كثيراً ما يحثّ النساء على الصدقة، والمسألة ليست متعلقة بكثرة المال، حتى المرأة التي عندها مال قليل تتصدق منه بشيء، وربما يغلب درهم مائة ألف درهم، رجل عنده درهمان، فتصدق بواحد منهما، هذا تصدق بنصف ماله، ورجل عنده ملايين الملايين فتصدق من عرضها بمائة ألف، فالذي يتصدق به قد لا يكون واحد على عشرة آلاف مما عنده، فغلب الدرهم الأول مائة ألف درهم الثاني.
وقد قال ﷺ مرة في خطبته للنساء: يا معشر النساء، تصدقن، ولو من حليكن، فإنكن أكثر أهل جهنم يوم القيامة[رواه الترمذي: 635، وصححه الألباني: في صحيح الجامع: 3075]
وجاء في صحيح مسلم: قالت زينب: "فرجعتُ إلى عبد الله، مَن هي زينب؟ امرأة ابن مسعود، فقلتُ: "إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله ﷺ قد أمرنا بالصدقة، فائته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني، وإلا صرفتها إلى غيركم"، إن كان يجزئ أن أتصدق عليك، أنتَ زوجي، وقليل ذات اليد، تصدقت عليك، وإذا كان هذا لا يجزيني أصرفه إلى غيرك، فقال عبد الله لزوجته: "بل ائتيه أنتِ" كأنه استحيا أن  يأتي ويقول: هل يجوز أن تتصدق زوجتي علي!، قال: "بل ائتيه أنتِ" قالت: "فانطلقتُ فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله ﷺ حاجتي حاجتها، أي: حالها مثل حالي، ومسألتي مثل مسألتها.
وكان رسول الله ﷺ قد أُلقيت عليه المهابة، فمن رآه هابه، وربما ارتعدت فرائصه من هيبة النبي ﷺ، قالت: "فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائتِ رسول الله ﷺ، فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك، أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما؟، ولا تخبره من نحن.
وللمستفتي الحق في إخفاء شخصيته إذا كان يجد حرجاً، المهم أن يجد الجواب، قالت: "فدخل بلال على رسول الله ﷺ، فسأله، لكن الآن المفتي يحتاج إلى معرفة الأشخاص، ومعرفة حالة المستفتي من جهة الغنى، والفقر، الآن هذه واحدة بالباب تسأل هل يجزئها أن تتصدق على زوجها؟ مَن هو زوجها؟ قد يكون زوجها غنياً، مَن هو زوجها؟ فقال رسول الله ﷺ: من هما؟يقول لبلال، فبلال الآن عنده توصية بعدم ذكر الأسماء، فقال بلال : "امرأة من الأنصار، وزينب"، فقال رسول الله ﷺ: أيّ الزيانب؟ الزيانب كثُر، كثير من النساء اسمها زينب، أيّ زينب؟ من تقصد.

لما سأل النبي ﷺ بلالاً ما كان من بد إلا أن يجيب، الآن هذا أمر من النبي ﷺ، وأمره فوق كل توصية، وفوق كل استكتام، وفوق كل طلب، قال: أيُّ الزيانب قال: امرأة عبد الله، وهذا جواب مَن قال: كيف أخلف بلال الوعد وأفشى السر؟، وقد قالتا له: لا تخبره من نحن؟ فجوابه: أن ذلك عارض أمر رسول الله ﷺ، فوجب تقديم أمر رسول الله ﷺ على أمر النسوة، وأمره ﷺ محتّم الإجابة، ولابدّ من الجواب.
فلما علم النبي ﷺ أن السائلة زينب زوجة عبد الله بن مسعود، قال: لهما أجران، أجر القرابة، وأجر الصدقة، وفي رواية: زوجك، وولدك أحق من تصدقت به عليهم [رواه البخاري: 1462].
زوجك إذا كان قليل ذات اليد، وولدك أحق من تصدقت بهم عليهم.
إذًا، حثهن على الصدقة، وعلى الأقارب، وعلى صلة الرحم، وأن في ذلك أجران، وهذا يحمل في الواجب على مَن لا يلزم المعطي نفقته منه؛ لأنه إذا كانت تلزم المرأة نفقة الوالد، والوالدة مثلاً فإنه لا يجوز لها أن تعطيهما من الزكاة، والحديث فيه اهتمام النبي ﷺ بأمور النساء، ووعظ النساء، وترغيب ولي الأمر في أفعال الخير للرجال والنساء، وتحدثن الأجانب مع النساء عند أمن الفتنة كما قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: "أمن الفتنة" لأن المسألة ليست فقط الآن في حديث النساء مع الرجال، حتى حديث الرجال مع النساء يُشترط فيه أمن الفتنة، فلو قال قائل: أنا طبيعة عملي أن أتكلم مع النساء، وبالهاتف مع النساء، فنقول: يُشترط أمن الفتنة، فلو قال: لا، أنا طالب في كلية الطب، وأنا طبيب، وأنا لا آمن الفتنة، وبعض الأحيان تضحك، وبعض النساء صوتها فيه ميوعة، وفيه خضوع بالقول، نقول: إذًا، لا يجوز لك الحديث معها أبداً؛ لأن حديث الرجال مع النساء مشروع بأمن الفتنة.


وبعض الناس الآن يتوسع في الكلام مع زوجة الجار، ومن النساء اللاتي لسن بمحارم له، كل ذلك مشروط بأمن الفتنة والفتنة هي ثوران الشهوة، الإعجاب، الاستمالة، وقوع علاقة تؤدي إلى أشياء لا تُحمد عقباها، وهذا كثير.
فالرجل إذا تكلم مع المرأة الأجنبية يمكن أن تُعجب به، أو يُعجب بها، ونحو ذلك.
فإذاً، لا بدّ من أمن الفتنة، ثم نجد الحديث فيه التخويف من المؤآخذة بالذنب؛ لأن الله يعاقب، وأن في ذلك عذاب.
وأيضاً، فيه استحباب حث النساء على الصدقة، وتخصيص مجلس منفرد لذلك إذا أُمنت الفتنة والمفسدة كما قال ابن حجر رحمه الله، وأكد عليها أيضاً إذا أُمنت الفتنة والمفسدة". [فتح الباري: 2/468]. 
والنبي ﷺ أمر النساء بالصدقة لكونهن أكثر أهل النار، ومعنى ذلك أن الصدقة تنجي من النار، وفي الحديث أن الصدقة من دوافع العذاب، يعني تدفع عذاب الله؛ لأنه لما أمرهن بالصدقة، وعلّل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم، ولذلك في بعض الحالات في السيرة النبوية، وفي أحداث حصلت على عهد النبي ﷺ نجد أن النساء ربما كن في بعض المواضع أكثر صدقة من الرجال.
وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري، "أن رسول الله ﷺ كان يخرج يوم الأضحى، ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة، فإذا صلّى صلاته وسلّم، قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلّاهم، لا يتحركون، يقوم هو ليخطب بهم العيد، فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس، أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها.
وكان يقول: تصدقوا، تصدقوا، تصدقوا، "وكان أكثر من يتصدق النساء" [رواه البخاري: 2090]. هذا نص حديث أبي سعيد، قال: "وكان أكثر من يتصدق النساء"، يعني كن النساء يتصدقن في العيد  أكثر من الرجال.

حثه ﷺ النساء على الإكثار من ذكر الله تعالى

00:14:38

وكان ﷺ يحثهن على الإكثار من ذكر الله تعالى، هذا من التربية النبوية للمرأة.
هذا من تعامل النبي ﷺ مع النساء أنه كان يحثهن على الإكثار من ذكر الله تعالى.
فعن يسيرة -تصغير يسيرة رضي الله عنها، وكانت من المهاجرات، قالت: "قال لنا رسول الله ﷺ يعني مرة من المرات، قال لهن: عليكن بالتسبيح، والتهليل، والتقديس، واعقدن بالأنامل، فإنه مسؤولات مستنطقات، ولا تغفلن فتنسين الرحمة رواه الترمذي، وأحمد، وحسنّه الألباني. [رواه الترمذي: 3583، وأحمد: 27089، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: 2316]. 
عليكن هذا اسم فعل يعني الزمن، تمسّكن بالتسبيح بقول: سبحان الله، والتهليل، لا إله إلا الله، والتقديس، سبحان الملك القدوس، أو سبّوح قدّوس رب الملائكة والروح، وهذا ورد في أذكار الركوع من  الصلاة، سُبُّوح قدُّوس رب الملائكة والروح،
فإذا قال قائل: قدِّس ربك، عليك بالتسبيح، والتقديس، الملائكة قالت: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ[البقرة: 30]، كيف يقولون: سبّوح قدّوس رب الملائكة والروح؟، سبحان الملك القدوس؟، هذا من أذكار ما بعد الوتر، سبحان الملك القدوس؛ القدوس: المطّهر عن العيوب، والمنزّه عن كل شَين.
وقوله للنساء: واعقدن بالأنامل يعني اعددن عدد مرات التسبيح والتهليل بالأنامل، إما بعقدها برؤوسها يعني رأس الأصبع الأنملة، يعمل بها مع باطن الكف عقدة هكذا.
فإذاً، عقد التسبيح، اعقدن بالأنامل، يعني تجعل طرف الأصبع هذه الأنملة في باطن الكف فتكون عقدة، كان يعقد التسبيح بيمينه فيقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله.


وهكذا يعقد التسبيح يعني يعمل عقد، ذكره لنا شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله، وفسّر الحديث هكذا بالعقد أول بالعقد، فإما برأس الأصبع، الأنملة مع باطن الكف هذه عقدة، هذا معنى قوله: واعقدن أو عدّوا التسبيح بعقد الأصبع سبحان الله سبحان الله سبحان الله، هذه عقدة، وهذه عقدة، عقد الأصابع.
ورجّح شيخنا رحمه الله  الأول، العقد هكذا، والأمر واسع، يعني لو عد بالعُقد هذه، أو فتح الأصبع، ولكن الالتزام بالسنة، والحرص عليها فيه أجر أكثر، ولا شك تحري السنة.
والأنامل: جمع أنملة، وهي التي فيها الظفر، فإذا قال: ما هي الأنملة؟ نقول: هذه قطعة من الأصبع، رأس الأصبع التي فيها الظفر هذه هي الأنملة.
وهذا الحديث فيه تحريض على إحصاء كلمات الأذكار بالأنامل، وقيل: إن هذه الحركات فيها تطهير للأصابع مما ارتكبته من الذنوب؛ لأن الذنوب كثيراً ما ترتكب بالأصابع، خذ الآن على سبيل المثال ما يفعل في التشاتنج في الإنترنت بالأصابع، السيئات كلها بالأصابع، الأصابع شغالة يكتب لها، وتكتب له تحريك الأصابع على لوحة المفاتيح، وإنتر، وباك سبيس، وحروف، وكلمات، وأشكال، وصور، وابتسامات، هذه كلها بالأصابع، ولذلك الأصابع تحتاج إلى تطهير، فهذا التطهير بعد الأذكار بها مما يذهب عنها أثر المعصية.
فكما ارتكبتَ بها المعصية يعد بها ذكر الله، ولذلك يحط التسبيح بها ما اجترحته من الذنوب.
وقال ﷺ في سبب عقد التسبيح بالأصابع والأنامل: قال: فإنهن مسؤولات يعني يوم القيامة يُسألن عما اكتسبن، وبأي شيء استعملن، شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۝ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ[فصلت: 20-21].
لاحظ، فإنهن مسؤولات مستنطقات ينطقهن الله الذي ينطق كل شيء، ومعنى مستنطقات يعني متكلمات ينطقن، ويشهدن لصاحبهن أو عليه بما اكتسبه بهن من خير أو شر، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور : 24]، وقوله في الحديث: يعظ النساء، ولا تغفلن فتنسين الرحمةلا تغفلن يعني عن الذكر لا تتركن الذكر الهجن به دائمًا ليكن ديدنك ذكر الله قالت: ولا تغفلن فتنسين الرحمة ما المراد بنسيان الرحمة قالوا: نسيان أسباب الرحمة يعني لا تتركن الذكر الذي هو سبب الرحمة فإذا تركتن السبب تركتن الرحمة.
وحيث أن الذكر سبب للرحمة، وفيه ثواب يُرحم به الذاكر، فإن الغفلة عن الذكر ترك للرحمة ولا تغفلن فتنسين الرحمة

تعليمه ﷺ للنساء ما ينفعهن من الأذكار

00:22:40

وكان ﷺ يعلم النساء ما ينفعهن من الأدعية، ومن النساء العظيمات جداً في الإسلام امرأة لها شأن كبير، وشخصية عظيمة بين النساء امرأة تدعى أسماء بنت عُميس رضي الله عنها.
أسماء بنت عُميس هذه شخصية علمية دعوية مؤثرة، واعظة للنساء والرجال، معلمة، وقدوة، فأسماء بنت عميس هذه رضي الله عنها توارد الرجال عليها ليسمعوا حديث فيه منقبة للمهاجرين من الحبشة، أصحاب السفينة يأتونها أفواجاً يسمعوا منها حديثاً سمعته من النبي ﷺ في فضل الهجرة، أهل السفينة لهم أجران، فلما سألت النبي ﷺ، وأخبرها بأجر أصحاب هجرة الحبشة تسامع الذين هاجروا إلى الحبشة بهذا بالحديث، فجاءوا إلى أسماء بنت عُميس على الباب يسمعونه منها أفواجاً، أسماء بنت عُميس رضي الله عنها روت حديثاً.
فقالت: "قال لي رسول الله ﷺ: ألا أعلمكِ كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب، وكثيرًا ما تُصاب المرأة بالكرب، كربات، نفسيتها تتأثر، تكون في كربة؛ سواء كان في حمل أو في وضع، أو في قسوة زوج، أو في اشتداد الأولاد عليها، وتحمل الضغوط النفسية تصاب المرأة بالكربات، فما هو الحل لهذه الكربات؟
هذه النساء هؤلاء الموظفات، والمدرسات، والمفتشة على المدرسة، والمديرة على المدرسة، فتقع تحت ضغط نفسي تتعرض لكربات، ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب أو في الكرب ما هي الكلمات هذه؟ قال: الله الله ربي لا أشرك به شيئاً رواه أبو داود، وابن ماجه، وهو حديث صحيح. [رواه أبو داود: 1525، وابن ماجه: 3882، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 1364].
إذًا، تعاهد النبي ﷺ النساء بتعليمهن أذكار الكرب، وهو المحنة والمشقة.
وثبت أنه ﷺ كان يقول عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم [رواه البخاري: 7431].
قال النووي رحمه الله: "وهو حديث جليل ينبغي الاعتناء به، والإكثار منه عند الكرب، والأمور العظيمة، قال الطبري: "كان السلف يدعون به، ويسمونه دعاء الكرب" [شرح النووي على مسلم: 9/93].
ما هو؟ "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم". 

حثه ﷺ النساء على شهود مواسم الخير

00:26:19

وكان ﷺ يحث النساء على شهود مواسم الخير؛ فعن أُّم عطية قالت: "أمرنا أن نخرج الحيض يوم العيدين، والعواتق، وذوات الخدور"، ما معنى العواتق؟  العواتق: جمع عاتق، والعاتق هي الجارية البالغة ما لم تتزوج.
البنت إذا بلغت قبل الزواج تسمى عاتقاً، والخدور البيوت، وقيل: جمع خدر، وهو الستر يكون في ناحية البيت.
وكانت المرأة البكر الفتاة البكر تكون في الخدر تكون في الستر، وفي مكان معين في البيت، أما الآن فهي في الكافي شوب، وهي في الأسواق تدور بدون ستر، قال:  وذوات الخدور .
والنبي ﷺ أشدُّ حياء من العذراء في خدرها، أين الخدر؟ الآن أين هو؟ الآن حفلات جماعية في المطاعم ذوات الخدور، صار في المطاعم، الفنادق، الأسواق، الشوارع، خارج الآن، ويعني هل تقول: أن حجاب شامل وافي سابغ، لا حجاب زينة، الحجاب الذي يسمونه الآن حجاب الأناقة، تظهر أمام الرجال بحجاب الأناقة، ألوان أنيقة، قالوا: هذا حجاب عباءة الأنيقة!، وهل يكون التأنق أمام الرجال الأجانب؟.
ثم إنه ﷺ أمر بإخراج ذوات الخدور في يوم العيد، لماذا؟ لفائدة عظيمة جداً، البركة، وشهود الخير، ودعوة المسلمين، فلما كانت الفائدة بهذا الحجم أمر بإخراجهن، وإلا فالأصل أنهن يلزمن البيوت، لكن الآن ليس هناك لزوم في البيت، يلزمن الأسواق، والملاهي، والمقاهي.
ولذلك حدث الفساد العريض، لما قال: يشهدن الخير وجماعة المسلمين ودعوتهم قال: ويعتزل الحيض عن مصلاهن قالت امرأة: يا رسول الله، إحدانا ليس لها جلباب من ضيق ذات اليد، وشدة العيش التي كان فيها الصحابة، ليس كل امرأة عندها جلباب، فإذا أرادت النسوة الخروج الجماعي للعيد في نساء ليس عندهن جلباب، ولا يمكن أن تخرج من غير جلباب، قال: لتلبسها صاحبتها من جلبابها [رواه البخاري: 324، ومسلم: 2091]


يعني: تعيرها ثياباً مما لا تحتاجه لتخرج به أختها إلى صلاة العيد، إذاً، أعارة الثياب بين النساء من القربات، واستحباب خروج النساء لشهود العيدين ليس مقصوراً على العجائز، بل حتى لو كن شباب، فإنهن يخرجن، لكن بالشروط الشرعية، بلا تبرج، ولا تعطُّر لا سفور، ولا زينة، وليس الخروج من أجل سبب، يعني هامشي، لا.
قال: يشهدن الخير ودعوة المسلمين ورجاء لبركة ذلك اليوم، ونيل طهرته.
والحائض لا تهجر ذكر الله، ولا مواطن الخير كمجالس العلم، والذكر سوى المساجد كما قال العلماء.
فإذًا، لو وجد مجالس علم أو أماكن طيبة مراكز تحفيظ قرآن مدارس قرآنية نسائية تغشاها، لا تهجر ذكر الله ومواطن الخير.
وكان النساء يشهدن مع النبي ﷺ العيدين، وأحياناً يحضرن الجمعة، فعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان، قالت: "ما حفظتُ ق إلا من في رسول الله ﷺ، يخطب بها كل جمعة، قالت: "وكان تنورنا وتنور رسول الله ﷺ واحدًا". [رواه مسلم: 2051].
كان النبي ﷺ يخطب بقاف؛ لأنها تشتمل على ذكر البعث والنشور، والموعظة الشديدة، والزواجر الأكيدة، وكان تنور أهل هذه المرأة، وتنور النبي ﷺ واحداً لقرب المنزل.
 كانت المنازل متقاربة، فتكون أحياناً المنافع مشتركة، والنبي ﷺ نهى عن منع النساء من إتيان المساجد، ألا إذا التزمن بالشروط الشرعية، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله ﷺ صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة"، بعد الصلاة مباشرة المرأة تمشي الرجال يجلسون للأذكار، والمرأة تنقلب إلى بيتها ترجع، قالت عائشة: "لا يعرفهن أحد من الغلس". [رواه البخاري: 578، ومسلم: 1491].
النساء الفاضلات، المؤمنات، رجال القوم الأفاضل، كن يذهبن متلفعات، يعني متجللات، ومتلففات بمروطهن، يعني بأكسيتهن، فيذهبن لشهود الصلاة في الليل، مثل التراويح.
ويؤخذ من هذا أن خروج النساء لصلاة الليل جائز ما لم يكن في ذلك فتنة، وخُشي عليهن ربما يكون في بعض الأماكن من أهل الشر والداعرين مَن يهاجم النساء، ويؤذي النساء، ويخطف النساء، ويعبث بالنساء، فمثل هذا الحال لا تخرج فيه المرأة مكان ظلمة ليس فيه إنارة.


وربما يكون فيه أيضاً سطوة لأهل الشر أو بعض الحارات والشوارع، والأحياء فيها من الدعّار، وأهل الشر والفساد، والفتنة مَن لا يؤمَن على النساء منه، ولذلك فإنها لا تذهب في هذه الحالة، لكن لو كان المكان مأموناً تذهب حتى لو كان في صلاة الليل كصلاة التراويح.
ولذلك قال ﷺ: لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنوكم [رواه مسلم: 1023].
وكان ﷺ يتفقد أحوال النساء، ويسأل مَن غابت عن مواسم الخير مثل الحج.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "لما رجع النبي ﷺ من حجته، قال لأم سنان الأنصارية: ما منعك أن تكوني حجتي معنا؟، لماذا لم تذهبي معنا إلى الحج؟ قالت: "ناضحان كانا لأبي فلان، حجّ هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يسقي عليه غلامنا" الناضح: البعير الذي يُستقى عليه، يخرج الماء من البئر باستعمال البعير، وبقوة البعير، فتقول: عندنا ناضحان، هذا ما نملكه من الدواب ووسائل المواصلات والنقل، ناضحان كان لأبي فلان، زوجي حج هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يسقي عليه غلامنا، ليس هناك مجال أن نذهب ثلاثة على بعير لا يتحمل.
والبعير الثاني مشغول، هذا نحتاجه في استخراج الماء، وغلامنا يسقي عليه، فقال لها ﷺ مواسياً لها عندما فاتها الحج: فعمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي [رواه البخاري: 1862].
وعن أُم معقل، قالت: "لما حج رسول الله ﷺ حجة الوداع، وكان لنا جمل جعله أبو معقل في سبيل الله، وأصابنا مرض، وهلك أبو معقل، توفي زوجها ، وخرج النبي ﷺ فلما فرغ من حجه، جئتُه فقال: يا أم معقل، ما منعك أن تخرجي معنا؟ قالت: "لقد تهيأنا، يعني فعلاً استعدينا للخروج للحج، ولكن هلك زوجي، هلك أبو معقل، وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه، فأوصى به أبو معقل في سبيل الله، فالزوج مات، ووسيلة المواصلات والنقل صارت وقفاً في سبيل الله، قال: فهلاّ خرجتي عليه، فإن الحج في سبيل الله يعني الحج من سبيل الله.
ولذلك ذهب بعض العلماء  كالإمام أحمد رحمه الله  إلى جواز إعطاء مَن لا يجد نفقة حجة الفريضة من الزكاة على أساس أنها تدخل في سبيل الله لهذا الحديث: إن الحج والعمرة لمن سبيل الله، فإن الحج لمن سبيل الله، يعني حج الفريضة لمن لا يجد نفقة، قال: فهلاّ خرجتي عليه فإن الحج في سبيل الله.
فأما إذا فاتتك هذه الحجة معنا، ذهبت عليكِ حجة الوداع ماذا تفعلين؟ قال: فاعتمري في رمضان، فإنها كحجة رواه أبو داود، وهو حديث صحيح.


فأعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب، لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفريضة، يعني الآن لو أن امرأة اعتمرت في رمضان وهي ما حجت الفريضة، هل تسقط عنها الفريضة؟ لا، ولذلك القاعدة تقول: عدل الشيء للشيء لا يلزم أن يقوم مقامه" فقد يعدله في الأجر، لكنه لا يقوم مقامه.
فلو أن شخصًا  نذر أن يقرأ القرآن، وأن يختمه، فقال: عليّ لله نذر إن شفى الله مريضي أن أختم القرآن، فلما شفى الله مريضه قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۝ اللَّهُ الصَّمَدُ ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[الإخلاص : 1 - 4] ثلاث مرات وقال: أتممتُ القرآن؛ لأن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن! أنا قرأتها ثلاث مرات، وفّيت بنذري، الحمد لله، نقول: لا، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن لا يعني أن تقوم مقامه، فإن نذرت ختمه لا بدّ أن تقرأه من الفاتحة إلى الناس، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدل في الأجر قراءة ثلث القرآن، ولكنها لا تقوم مقام قراءة ثلث القرآن لو نذره مثلاً.
كذلك لو أن شخصاً قتل رجلاً خطأ مسلماً، قال: ماذا عليّ؟ قلنا: عليك عتق رقبة، هذه الأذكار في الأجر صحيح كعتق الرقاب، أو أن طواف سبعة أشواط بالكعبة مع ركعتين تعدل عتق رقبة في الأجر، لكنها لا تقوم مقامها.
فإذا كان عليك عتق رقبة؛ قتل خطأ، جماع في نهار رمضان، كفارة ظهار، عتق رقبة، فلا يصح أن تقول هذه الأذكار والتهليلات، وتقول: هذه تقوم مقام العتق!، نقول: هذه تعدله في الأجر، ولا تقوم مقامه.
فهذا ما أرشد إليه النبي ﷺ المرأة التي فاتها الحج معه، فأخبرها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب، لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض.
وقد أجمع العلماء على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفريضة، قال ابن الجوزي في الحديث "أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت" [فتح الباري:  3/604]، ما قال: عمرة في أيّ شهر تعدل حجة في رمضان.
وكذلك حضور القلب، وخلوص القصد والنية له أثر في زيادة أجر ومكانة العبادة.
سنكمل بمشيئة الله تعالى بعض ما كان النبي ﷺ يعامل به أصناف الناس، وأنواع الناس في المجتمع.
ونسأل الله أن يرزقنا اتباع سنة نبيه ﷺ، وأن يفقهنا في دينه، وأن ينفعنا بعلم الكتاب والسنة، إنه سميع مجيب.