الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد.
تابع أشراط الساعة
فقد سبق ذكر عدد كبير من أشراط الساعة الصغرى، وبقي ذكر الملاحم، والمعارك الكبيرة التي تكون في آخر الزمان قبل الأشراط الكبرى، وها هنا بعض الإضافات على ما تقدم إن النبي ﷺ قد حدث أصحابه بما سيكون من الأمور قبل قيام الساعة:
فروى البخاري و مسلم عن حذيفة قال: "قام فينا رسول الله ﷺ مقاماً ما ترك شيئاً يكون في مقامه إلى قيام الساعة إلا حدث به، حفظه من حفظه، و نسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته، فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه". [رواه البخاري: 6604، ومسلم: 2891].
كان حذيفة ممن أختص بالسؤال عن هذه الفتن، وما سيكون في آخر الزمان حتى أنه قال: "أخبرني رسول الله ﷺ بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، فما منه شيء إلا قد سألته إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة". [رواه مسلم: 2891].
أخذ الأجر على القرآن
ومن أشراط الساعة التي تضاف إلى ما تقدم أخذ الأجر على القرآن:
وقد ثبت أن النبي ﷺ قال: سيجيء قوم يقرؤون القرآن يسألون الناس به[رواه أحمد: 19898، وصححه الألباني تخريج أحاديث إصلاح المساجد: 1/4].
وأخبر النبي ﷺ أنهم يتعجلونه ولا يتأجلونه [رواه أبو داود:830، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 259]، فيتعجلون أجرهم في الدنيا ولا يؤجلون شيئاً إلى الآخرة، ومن هؤلاء الذين يجلسون في المساجد يرفعون أصواتهم في الحرم، وغيره يسألون به الناس، ومنهم الذين يقرؤونه في العزاء، وغيرها من المناسبات ليأخذوا عليه الأجرة.
أكل الحرام
وكذلك من الأشراط أكل الحرام:
وقد أخبر النبي ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ من المال أمن حلال أم من بحرام [رواه البخاري: 2059].
وهذا إذا كان قد وقع في أزمنة مضت، فإنه في عصرنا هذا بين واضح جلي.
نزع البركة من المطر
ومن الأشراط أيضاً قوله ﷺ: لا تقوم الساعة حتى لا تمطر السماء، ولا تنبت الأرض [رواه أحمد: 14079، وصحح إسناده محققو المسند].
فإذن هناك أوقات ستحبس فيها أمطار السماء ولا تنبت الأرض، فإمساك من السماء وجدب من الأرض، كما أخبر النبي ﷺ.
وسيكون قبل خروج الدجال ثلاث سنوات: السنة الأولى تحبس السماء ثلث المطر، وفي السنة الثانية الثلث الثاني، وفي السنة الثالثة الثلث الثالث، وهكذا الأرض أيضاً ستحبس ثلث النبات، والثاني، والثالث. [رواه ابن ماجه: 4077، وصححه الألباني صحيح الجامع: 7875].
لكن ورد في أشراط الساعة أيضاً قوله ﷺ: لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطراً لا تكن منه بيوت المدر، ولا تكن منه إلا بيوت الشعر، وهذا من الغرائب والعجائب.
فبيوت الحجر لا تكن من المطر، وبيوت الشعر هي التي تقي من المطر، مع أن العادة أن بيوت الشعر لا تقي من المطر، وبيوت الحجر هي التي تقي من المطر.
لكن هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله وصحح إسناده أحمد شاكر. [رواه أحمد: 7554]، وكذلك الهيثمي قال: رجاله رجال الصحيح. [مجمع الزوائد: 7/331].
وقد زعم بعضهم، وهذا من العبث بالأحاديث، أن هذا مقصود به القنابل التي لا تضر بيوت الشعر إذا لم تسقط عليه، وتضر بيوت المدر وإن لم تسقط عليه، وهذا هراء.
ومن أشراط الساعة انشقاق القمر: وقد حدث على عهد النبي ﷺ كما تقدم.
القوي يأكل الضعيف
وكذلك من أشراط الساعة أن النبي ﷺ قد أخبر أن القوي يأكل الضعيف.
فإنه قد جاء في حديث عائشة قالت: كيف الناس بعد ذلك أو عند ذلك؟ لما قال: تستحليهم المنايا، وتنفس عليهم أمتهم، قال: دبىً يأكل شداده ضعافه حتى تقوم عليهم الساعة [رواه أحمد: 24563، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 1953]. الجنادب معروفة: صغار الجراد التي لم تنبت أجنحتها، هذا هو الدبى.
شبه النبي ﷺ كيف أن القوي يأكل الضعيف ويقهره ويظلمه، كما تأكل شداد الدبى ضعافه، كما تأكل شداد الدبى ضعافه حتى تقوم عليهم الساعة.
وهذه الدبى: الجنادب التي لم تنبت أجنحتها. وهذا سيكون عندما يطبق شرار الخلق في آخر الزمان، وسيكون لذلك ظلم عظيم، وحدث الآن من هذا أمر كثير في قضية أكل القوي للضعيف.
التباهي بالمساجد
وأخبر النبي ﷺ أنه: لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد [رواه أبو داود: 449، وصححه الألباني صحيح الجامع: 5895]، مفاخرة ورياءً في تشييدها وتطاولاً.
وقد حكى ابن كثير رحمه الله في عام 66 هـ أن عبدالملك قد بنى بيت المقدس أحسن البناء، أراد أن يصرف الناس عن عبدالله بن الزبير الذي كانت خلافته في الحجاز، ومكة، والمدينة، فماذا فعل؟ بنى بيت المقدس أحسن البناء، وجعل فيه قناديل الذهب والفضة، وغيرها من السلاسل شيئاً كثيراً، ولم يكن يومئذً على وجه الأرض بناء أحسن ولا أبهى من قبة صخرة بيت المقدس، والتها الناس بذلك عن الحرمين".
ابن كثير يقول: "والتهى الناس بذلك عن الحرمين، وافتتنوا به افتتاناً عظيماً، واغتروا به إلى زماننا هذا". [البداية والنهاية: 8/280].
تتحول القضية إلى نقوش وزخارف، وتشييد، وتطاول، وتحمير، وتصفير، وألوان، وشغل الناس عن العبادة، وعن الخشوع.
التحية للمعرفة
وأخبر النبي ﷺ أن تكون التحية للمعرفة وحدث هذا، وأن رجلاً سلم على عبدالله بن مسعود خاصة، مع أنه كان مع جماعة من أصحابه، ما قال: السلام عليكم، قال: السلام عليك يا أبا عبدالرحمن، فعبدالله بن مسعود لما رأى ذلك قال: صدق الله ورسوله. صدق الله ورسوله. سألوه، قال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن من أشراط الساعة إذا كانت التحية على المعرفة [رواه أحمد: 3664، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 648].
تكلم الحيوانات والجمادات
سبق أن من أشراط الساعة أن يتكلم الحيوان: وحصلت نماذج من هذا في كلام الذئب مع الراعي، وأيضاً في كلام البقرة الذي أخبر النبي ﷺ عنه عندما ذكر قصة البقرة، أن بقرة تكلمت لما حمل عليها، صاحبها حمل عليها فقالت: إني لم أخلق لهذا و لكن إنما خلقت للحرث [رواه البخاري: 3663، ومسلم: 2388].
يعني: ليس من وظائف البقرة التحميل لكنها تحرث للزرع، فالنبي ﷺ أثبت قصة كلام تلك البقرة، وحدثت قصة الذئب على عهده، وأخبر أنه ستكلم السباع الإنسان في آخر الزمان ستكلم السباع الإنسان، وهذا في الحديث الصحيح.
لكن هناك أيضاً أشياء ستكلم الإنسان. منها الأشياء الغريبة والعجيبة قوله ﷺ: والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يخرج أحدكم من أهله، فيخبره نعله، أو سوطه، أو عصاه بما أحدث أهله بعده [رواه أحمد: 11809، وصححه الألباني مشكاة المصابيح: 5459].
يعني: سيأتي على الناس زمان العصا والسوط والنعل ستكلمه بما أحدث أهله بعده إذا خرج من البيت قالوا له: أهلك فعلوا كذا وكذا وكذا!. قد أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى تحدثه نعلاه وسوطه ما أحدث أهله بعده [رواه أحمد: 8049، وصححه الألباني مشكاة المصابيح: 5927].
وليس هذا فقط، بل إن هناك من جسده من سيخبره بأشياء، هذا قبل أن تقوم الساعة، فجاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي عن النبي ﷺ: والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الأنس -كلمة الإنس ممكن تشمل المؤمن والكافر، يعني السباع تكليمها ليس خاصاً بالمسلمين لأنه قال: حتى يكلم السباع الإنس، ويكلم الرجل عذبة سوطه -طرف السوط- وشراك نعله -وهذا عرفناه- ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده [رواه الترمذي: 2181، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 122].
إذن الفخذ أيضاً ستخبر، وهذه الإضافة الأخيرة والعبارة الأخيرة ممكن ترد على من زعم أن السوط والنعال هذه من أجهزة التصنت وأشياء إلكترونية ستجعل في العصا، والسوط، والنعال، وأجهزة تسجيل، وبث إلى البيت. لا يلزم! لأن الفخذ تتكلم، والسباع تتكلم، يعني المقصود أنه ستكون هناك خوارق عجائب وغرائب، فالسباع تتكلم، والجمادات تتكلم، وفخذ الإنسان يتكلم! إذن ليست القضية يلزم قضية تصنت.
الآن يحدث بالكاميرات صوت وصورة، إذا أراد أن يعرف في مكان ما، ويجعل أجهزة خفية ومسجل يخبره بما فعل أهله بعده، لكن الذي في الحديث أكثر من قضية الأجهزة، السباع تكلم، والفخذ تكلم، وكذلك السوط، والعصا، والنعال!
حسر الفرات عن جبل من ذهب
ومن أشراط الساعة أيضاً التي أخبر عنها النبي ﷺ -كما تقدم- "حسر الفرات عن جبل من ذهب" [رواه البخاري: 7119، ومسلم: 2894].
وسبق الرد على من حاول العبث بالنص، وقال: أن المقصود هو الذهب الأسود "البترول".
وقالوا أيضاً: الذي خرج في العراق.
قال: "جبل"! والجبل فوق الأرض ولا تحت الأرض
"يحسر"، الفرات يعني الماء ينحسر، فهل استخراج البترول يكون بانحسار الماء؟
وقوله: "ذهب" يعني ذهب. هذا هو النص العربي.
والبترول موجود في أماكن أخرى في العراق، وفي غير العراق، فلماذا يريدون تغيير النص عن معناه العربي الواضح البين، والنبي ﷺ أخبر أن هذا الفرات إذا أنحسر عن جبل من ذهب سيسير إليه الناس ويقتتلون عليه. فلما صار وأكتشف البترول من زمان وهو موجود، فإذن ليس هذا المقصود، وإنما يجب أن نكون حذرين من هذه التفسيرات الخاطئة للنصوص الشرعية.
جيش يغزو الكعبة
من أشراط الساعة ومن الأشياء التي أخبر النبي ﷺ أنها ستحدث قبل قيام الساعة: جيش يغزو الكعبة و يخسف الله به وهو في الطريق.
فقال: ﷺ: إن أناساً من أمتي يؤمون هذا البيت برجل من قريش قد استعاذ بالحرم، فلما بلغوا البيداء خسف بهم، مصادرهم شتى يبعثهم الله على نياتهم، قلت: -تقول عائشة -رضي الله عنها-: كيف يبعثهم الله على نياتهم ومصادرهم شتى؟
قال: جمعهم الطريق، منهم المستبصر، وابن السبيل، والمجبور، يهلكون مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتى [رواه أحمد: 24782، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 1924].
هؤلاء يهلكون جميعاً، الجيش يموت أفراده كلهم خيارهم و شرارهم، لكن عندما يبعثهم الله يبعثهم على مصادر، بحسب نياتهم وأعمالهم، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى: 7].
فبعضهم مستبصر يعرف أنه لا يجوز القتال في مكة، ولا يجوز غزو مكة، هذا يعاقبه الله، يمكن يكبه في النار، وناس لا يعرفون، وناس تبع، وناس سوقة، وناس عبيد، وناس مجبورين مغصوبين أن يسيروا في الجيش.
إذن الله أعلم بنيات كل واحد، ولو كان هلاكهم واحداً لكن يوم القيامة سيبعثون على مصادر شتى.
وفي هذا الحديث تحذير الأخيار من مصاحبة الأشرار، وإن المصير والعقوبة إذا نزلت على الجميع، لكن يوم القيامة يكون حساب هؤلاء غير حساب هؤلاء.
إذن هؤلاء الذين جمعهم الطريق، الخسف صار بالجيش كله، صار بالجيش كله.
فناء قريش
ومن أشراط الساعة أو مما سيحدث قبل قيام الساعة أيضاً أن قبيلة قريش ستفنى. ولن يبقى منها أحد! فقال النبي ﷺ: أسرع قبائل العرب فناء قريش -أسرع قبائل العرب فناءاً قريش- ، ويوشك أن تمر المرأة بالنعل، فتقول: إن هذا نعل قرشي. وإسناده صحيح وكذا صححه أحمد شاكر [رواه أحمد: 8418، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 738].
فناء قريش وهي رأس العرب سيكون بين يدي الساعة، ومن أشراط الساعة. ومعلوم أن الخلافة فيهم، ولكن إذا أراد الله أن يهلكوا لم يبق في الأرض قرشي واحد.
قطع الأرحام
وأخبر النبي ﷺ أن من أشراط الساعة قطع الأرحام -كما جاء في الحديث الصحيح-: إن بين يدي الساعة: تسليم الخاصة، وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة -وهذا تقدم- قال: وقطع الأرحام [رواه أحمد: 3870، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 647].
وهذا مشاهد الآن فإن قطع الأرحام في الناس كثير.
تكثر الأمطار ويقل الزرع
يضاف إلى ما تقدم، من مسألة عدم نزول المطر أو نزول مطر لا تكن منه البيوت المبنية، أنه ستكون أوقات تكثر الأمطار ويقل الزرع. يعني: في أمطار كثير لكن الأرض لا تنبت شيئاً.
فقد روى أحمد والبزار وأبو يعلى ورجال الجميع ثقات في الحديث الذي إسناده حسن قال النبي ﷺ: لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطراً عاماً لا تنبت الأرض شيئاً[رواه أحمد: 12452، والسلسلة الصحيحة: 2773].
وهذا لعله بسبب معاصي الناس وذنوبهم، و لذلك أخبر إن السنة -يعني: القحط- ليس بأن لا يكون فيها مطر، ولكن السنة -يعني القحط- أن تمطر السماء ولا تنبت الأرض، كما قال النبي ﷺ.
فإذن في أحيان تمطر فيها السماء ولا تنبت فيها الأرض شيئاً.
كثرة الروم
من أشراط الساعة أيضاً مما سيكون كثرة الروم، فقد قال النبي ﷺ: تقوم الساعة والروم أكثر الناس، ومن الذي حدث بذلك؟ المستورد الفهري يقول لعمرو بن العاص: تقوم الساعة والروم أكثر الناس، فقال له عمرو بن العاص: أبصر ما تقول؟ قال: أقول لك ما سمعت من رسول الله ﷺ، فقال عمرو بن العاص: إن تكن قلت ذاك إن فيهم لخصالاً أربعاً: - شوفوا هذا من إنصاف المسلم للكفار، مع أنهم كفار لكن إذا فيهم خصال حسنة، فيهم إيجابيات يقولها- قال: إن فيهم لخصالاً أربعاً، إنهم لأسرع الناس كرة بعد فرة" -يعني إذا انهزموا سريعاً ما يرجعون- "وإنهم لخير الناس لمسكين وفقير وضعيف" -فإذن عندهم التبرعات، وعندهم صدقات، وعندهم كفالة للفقير، والضعيف فيهم، والمسكين، قال: "وإنهم لأحلم الناس عند فتنة" - يعني لو حدثت أمور عظيمة فإن هؤلاء القوم يحتفظون بشيء من عقولهم، وعندهم حلم في مواجهة الحوادث الضخمة، قال: "والرابعة حسنة جميلة، وإنهم لأمنع الناس من ظلم الملوك". [رواه مسلم: 2898].
ومن تأمل الأنظمة الديمقراطية الموجودة عندهم فإن فيها شيئاً من الحماية من الظلم، ولما قامت الثورة الفرنسية كانت بذلك إيذاناً بانتهاء عصر الإقطاع، والملوك والكنيسة، وتسلطها على الناس، والطبقية، والفلاحين، والضعفاء، وحصول أمور من الحرية على الكفر والإباحية، والظلم الباقي عندهم، أشياء ضخمة لكن المقصود عند القوم إيجابيات ذكرها على ما فيهم من الكفر، والشرك، والظلم، والإباحية، والتجبر على الأمم الأخرى، لكن الشاهد من أشراط الساعة أن يكثر الروم، و في المقابل يقل العرب. "العرب يومئذً قليل". [رواه مسلم: 2945]. العرب يومئذ قليل.
نقض عرى الإسلام
ومما يحدث أيضاً أن الإسلام ينقض عروة عروة، كما قال النبي ﷺ: لينقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضاً: الحكم، وآخرهن الصلاة [رواه أحمد: 22160، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 572].
هذا الحديث الصحيح أن عرى الإسلام ستنقض، وأن الدين سيضمحل، وينقص شيئاً فشيئاً، وتترك أشياء من الدين لا يعمل بها واحداً بعد واحد، بعدما كان الدين كاملاً، فأولهن نقضاً الحكم.
قال الشيخ حمود بن عبدالله التويجري رحمه الله: صاحب كتاب "إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن و الملاحم و أشراط الساعة" قال: وقد وقع مصداق هذا الحديث في زماننا حيث نبذ كثير من المنتسبين إلى الإسلام الحكم بالشريعة وراء ظهورهم، واعتاضوا عنها بالقوانين الوضعية التي هي من حكم الطاغوت والجاهلية، وكل ما خرج عن حكم الكتاب والسنة فهو من حكم الطاغوت والجاهلية، وقد نقض الأكثرون أيضاً غير ذلك من عرى الإسلام كما لا يخفى على من له أدنى علم ومعرفة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". [إتحاف الجماعة: 2/73].
زخرف البيوت
وكذلك فإن النبي ﷺ قد أخبر أيضاً أن هناك بيوتاً ستبنى تزخرف مثل الثياب فقال النبي ﷺ: لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتاً يوشونها وشي المراحيل[رواه البخاري في الأدب المفرد: 777، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: 279].
وهذه المراحل هي الثياب التي فيها نقوش وتصاوير، عليها صورة رحال الإبل، والثوب المرحل: الذي فيه خطوط، إذن مثل الثياب المزخرفة المنقوشة، كذلك فسوف تبنى البيوت وتزخرف، هذا لا شك أنه حدث، زخرفة البيوت في سقوفها وجدرانها كما تزخرف الثياب، كيف هذه الأقمشة ملونة ومنقوشة كذلك البيوت، وأخبر أنكم ستنجدون بيوتكم كما تنجد الكعبة، وهذا لا شك لانشغال الناس بالدنيا.
التفاصح في الكلام
وكذلك فإن النبي ﷺ قد أخبر عن قوم سيخرجون يتفاصحون، و يتباهون بالكلام، ويخرج الواحد لسانه أثناء الحديث كالبقرة تتخلل بلسانها، وقال: لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم، كما تأكل البقر بألسنتها [رواه أحمد: 1597، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 419].
فهم يأكلون بها أيضاً، وكذلك التفاصح، والتشدق، والتكلف، والتعاظم، والتفاصح، يخرج أحدهم لسانه أثناء كلامه كما تخرجه البقرة.
وقال النبي ﷺ: من اقتراب الساعة وأشراطها أن ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار، ويفتح القول، ويخزن العمل -الكلام كثير و العمل قليل- يفتح القول و يخزن العمل، ويقرأ بالقوم المثناة، ليس فيهم أحد ينكرها.
قيل: وما المثناة؟ قال: ما استكتب سوى كتاب الله [رواه الدارمي: 485، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 2821].
علامات أخرى
ومن الأشراط أيضاً التي وردت: لا تقوم الساعة حتى تزول الجبال عن أماكنها [رواه المعجم الكبير للطبراني: 6857]. من هذه العجائب التي تحصل، وقد صححه الشيخ الألباني في سلسلته [3061].
وقال ﷺ: والذي نفس محمدٍ بيده لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش، والبخل، ويخون الأمين، ويؤتمن الخائن، ويهلك الوعول، وتظهر التحوت قالوا: يا رسول الله: وما الوعول والتحوت؟ قال: الوعول وجوه الناس، وأشرافهم والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم به [رواه ابن حبان:6844، والسلسلة الصحيحة:3211]، وقد مضى ذلك في الدرس الماضي في قضية الرويبضة الرجل التافه الذي يتكلم في أمور العامة، و نحو ذلك.
وأيضاً فقد ورد في أشراط الساعة أن النبي ﷺ قال: إن من أشراط الساعة أن يفشو المال ويكثر، وتفشو التجارة، ويظهر العلم، ويبيع الرجل البيع فيقول: لا! حتى أستأمر تاجر بني فلان، ويلتمس في الحي العظيم الكاتب فلا يوجد [رواه النسائي: 6048، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 2767]. تكون الأمية متفشية، يلتمس في القبيلة الكبيرة واحد يكتب، لا يوجد.
وكذلك ورد في الأشراط: أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلي فيه ركعتين-وقد مر معنا- وأن لا يسلم الرجل إلا على من يعرف -وقد مر معنا- وأن يبرد الصبي الشيخ [رواه المعجم الكبير للطبراني: 9489، والسلسلة الصحيحة: 649]، وهذه الزيادة ضعفها الألباني رحمه الله في بعض كتبه [السلسلة الضعيفة: 1530] وفي تعليق على ابن خزيمة قال: صحيح بطرقه. [صحيح ابن خزيمة: 1326].
ما معنى أن يبرد الصبي الشيخ؟ قالوا: يجعله رسولاً لحوائجه، يعني صبي! صبي صغير يأتي لرجل كبير، ورح سوي كذا، ورح افعل كذا، رح هات لي كذا، يبرد الصبي الشيخ أي يجعله رسوله في حوائجه، ومنه البريد الذي يرسل في حوائج الناس ورسائلهم.
وهناك حديث طويل ورد عن حذيفة في أشياء ستكون قبل قيام الساعة، قال حذيفة : "كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير فنحن فيه، وجاء بك، فهل بعد هذا الخير من شر" كما كان قبله؟
-كان في الجاهلية شر ثم جاء الله بالإسلام و هو الخير-.
"قلت له: هل بعد هذا الخير من شر؟"
قال: يا حذيفة تعلم كتاب الله، واتبع ما فيه، تعلم كتاب الله واتبع ما فيه، تعلم كتاب الله واتبع ما فيه، قلت : يا رسول الله! أبعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم، قلت: ما العصمة منه؟ قال: السيف، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ وفي رواية: "قلت: وهل بعد السيف بقية؟ قال: نعم، وفيه -وفي طريق من الطرق للحديث: تكون إمارة، وفي لفظ: جماعة، على أقذاء، وهدنة على، دخنهدنة، إذن هناك فتن. قتال لكن تحدث هدنة على دخن على أمور غير واضحة.
قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يكون بعدي أئمة يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين، في جثمان إنس.
وفي رواية: الهدنة على دخن ما هي؟ قال: لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، فتنة عمياء صماء، عليها دعاة على أبواب جهنم، -يعني مثل هذه الأحزاب، الأفكار الهدامة، المذاهب الهدامة، الفرق الضالة لها مؤسسون ..لها قادة.
قال: دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله! صفهم لنا؟ قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا.
قلت: يا رسول الله! فما تأمرني إن أدركني ذلك؟
قال: تلتزم جماعة المسلمين وإمامهم، وفي رواية: تسمع وتطيع الأمير وإن ضرب ظهرك واخذ مالك فأسمع وأطع، يعني: مادام يحكم بكتاب الله وسنة الرسول ﷺ، مادام يحكم بالإسلام، لو وجد منه ظلم شخصي أبقى معه مادام يحكم بالكتاب والسنة، لو وجد منه انحرافات شخصية فالحكم شرعي ولو وجد منه انحرافات شخصية، أما إذا الحكم غير شرعي فلا سمع ولا طاعة.
قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك، وفي رواية: فإن تمت يا حذيفة وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم، وفي رواية: فإن رأيت يومئذ لله في الأرض خليفة فألزمه، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فإن لم تر خليفة فاهرب في الأرض حتى يدركك الموت وأنت عاض على جذل شجرة، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم يخرج الدجال. الحديث [رواه البخاري: 3606، ومسلم:1847]. وجمع طرق هذا الحديث الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة [2739].
وهناك أحاديث في أشراط الساعة ضعيفة، بعضها ممكن الواقع يدل عليه يعني مثلاً:
من الأحاديث الضعيفة ما روي عن النبي ﷺ: إن من أشراط الساعة أن يتدافع أهل المسجد لا يجدون إماماً يصلي بهم [رواه أبو داود: 581، وضعفه ضعيف الجامع: 1987]. أي يقول: صلي، لا صلي أنت، لا صلي أنت لا يجدون إماماً يصلي بهم، فهذا ممكن تجده في بعض الأوقات في بعض المساجد، يتدافع الناس إماما لا يجدون أحداً يصلي بهم.
مثلاً من الأحاديث الضعيفة: من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة: إذا رأيتم الناس أماتوا الصلاة، وأضاعوا الأمانة، وأكلوا الربا، واستحلوا الكذب، واستخفوا الدماء، واستعلوا البناء، وباعوا الدين بالدنيا، وتقطعت الأرحام، ويكون الحكم ضعفاً، والكذب صدقاً، والحرير لبسا، وظهور الجور، وكثرة الطلاق، وموت الفجأة، وائتمن الخائن، وخون الأمين، وصدق الكاذب، وكذب الصادق، وكثر القذف، وكان المطر قيظا، والولد غيظا، وفاض اللئام فيضا، وغاض الكرام غيضا، وكان الأمراء فجرة، والوزراء كذبة، والأمناء خونة، والعرفاء ظلمة، والقراء فسقة، إذا لبسوا مسوك الضأن، قلوبهم أنتن من الجيفة، وأمر من الصبر، وتظهر الصفراء -يعني الدنانير الذهب-: وتطلب البيضاء -يعني الدراهم الفضة- وتكثر الخطايا، وتغل الأمراء، وحليت المصاحف، وصورت المساجد، وطولت المنائر، وخربت القلوب، وشربت الخمور، وعطلت الحدود، وولدت الأمة ربتها، وترى الحفاة العراة صاروا ملوكا، وشاركت المرأة زوجها في التجارة، وتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، وحلف بالله من غير أن يستحلف، وشهد المرء من غير أن يستشهد، وسلم للمعرفة، وتفقه لغير الدين، وطلبت الدنيا بعمل الآخرة، واتخذ المغنم دولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وكان زعيم القوم أرذلهم، وعق الرجل أباه، وجفا أمه إلى آخر الحديث أنه يطيع زوجته، ويعق أمه، الحديث هذا بعضه ورد في الأحاديث الصحيحة، وتقدم معنا وبعضه ضعيف لكن يشهد الواقع أنه حصل.. أن الرجل عق مثلاً أباه، وقرب صديقه وأطاع زوجته وعق أمه [حلية الأولياء: 3/358، سلسلة الأحاديث الضعيفة: 1171]، مثلاً حصل أشياء من هذا موجودة.
الملاحم الكبيرة
أما بالنسبة للملاحم و المعارك الكبيرة:
فالملاحم: جمع ملحمة، والملحمة الوقعة العظيمة موضع القتال، سميت بذلك من اللحم لكثرة لحوم القتلى فيها.
وقد ورد من أسماء النبي ﷺ أنه نبي الملحمة، لأنه بعث بالجهاد والقتال في سبيل الله.
أخبر النبي ﷺ أن من خصائص هذه الأمة أن الله لا يجمع عليها سيفان، سيف من عدوها وسيف منها.
وإنما ممكن يجتاحها الأعداء من الخارج وهي تدافع، أو يحصل القتل فيها من الداخل، والأعداء يتفرجون عليها.
فقال ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود: لن يجمع الله على هذه الأمة سيفين، سيفاً منها وسيفاً من عدوها [رواه أبو داود: 4303، وصححه الألباني صحيح الجامع: 5221].
أي: أن هذه الأمة في قتال بعضها لبعض في الفتن والملاحم لن يسلط عليها الكفار في وقت واحد مع القتال فيما بينها، إما أن تكون الفتنة من الكفار على المسلمين، أو من المسلمين فيما بينهم، وهذا يعني الحكم العام على الأمة.
لكن ممكن تحدث أشياء في أماكن معينة من الأرض، يعني: يكون بينهم قتال والكفار يقاتلونهم، لكن هذا ليس حكماً عاماً على الأمة. يعني من رحمة الله: لن يأتي وقت على الأمة كلها تتقاتل فيما بينها والكفار يقاتلونهم في ذات الوقت، لا يحصل!.
لكن ممكن يحصل مثلاً في مكان، في الأندلس -مثلاً- يمكن بينهم قتال أحياناً في آخر المدة والعدو يقاتلونهم –مثلاً-، يحدث في مكان معين محصور.
أما أن الله يسلط على الأمة عدو يجتاحها كالصليبيين أو كالمغول والتتر، التتر لما اجتاحوا العالم الإسلامي، أن العدو يجتاحها من أقصاها إلى أقصاها، وهم يقتتلون فيما بينهم من أقصاها إلى أقصاها، فهذا من رحمة الله لن يحدث.
والملاحم التي أخبر النبي ﷺ عنها في آخر الزمان هي بين المسلمين، وبين طائفتين معينتين محددتين من أهل الأرض، وهم اليهود والنصارى، فالقتال الذي سيكون بيننا في آخر الزمان بيننا وبين اليهود والنصارى!
الملاحم الكبار التي أخبرنا عنها بيننا وبين اليهود، وبيننا وبين النصارى.
قد يقاتل أقوام آخرين، كما أن المسلمين والنصارى سيقاتلون عدواً من غيرهم ثم تحدث الملحمة بين المسلمين والنصارى، لكن الملاحم الأساسية الرئيسية التي وردت في الأحاديث في الملاحم في آخر الزمان هي بيننا وبين هؤلاء الصليبيين من جهة، وبيننا وبين اليهود ومعهم الدجال من جهة أخرى، هذه هي الملاحم الأساس.
الملحمة مع النصارى
فأما بالنسبة للملحمة مع النصارى التي أخبر عنها النبي ﷺ عن ربنا بالوحي: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة: 120]، وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة: 217].
وكان النصارى قد حاربوا المسلمين من قديم وقتلوا "فروة بن عمرو الجذامي" لما أسلم، و"صفاقر" الأسقف لما شهد شهادة الحق، وحشدوا مائتي ألف في مقابل ثلاثة آلاف في معركة مؤتة، وقاتل المسلمون النصارى في معركة اليرموك، ثم جاءت الحملات الصليبية على دمياط المصرية، وعلى حلب، وحمص، والشام، ومذابح بيت المقدس، ثم أغاروا على بلاد الأندلس المسلمة، واستعملوا فيها السيف، وهكذا جاءت الحملات تترا، وتحالف النصارى مع التتر في بعض الأحيان، واستمرت الحملات الصليبية، وجاءت الحملات بجيوشها الجرارة، واستولوا على بيت المقدس في عام 493، ثم جاءت الحملة الصليبية الثانية، والثالثة 586، والرابعة 600، والخامسة 615، والسادسة 626، والسابعة 647، و897 سقطت غرناطة، ثم جاءت الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، كما جاءت حملة نابليون في 219هـ.
ثم جاء ما يسمى بالاستعمار الفرنسي والبريطاني، وغير ذلك، وقامت دولة إسرائيل، أقاموا دولة اليهود، وفرقوا بلاد المسلمين.
المعارك مع النصارى هذه مستمرة معروفة على مر تاريخ المسلمين، معارك كثيرة لكن ستنتهي هذه المعارك بمعركة كبيرة هائلة أخبر عنها النبي ﷺ.
هذه الملحمة الكبيرة الهائلة جاءت في أحاديث منها:
حديث عوف بن مالك في صحيح البخاري قال: أتيت النبي ﷺ في غزوة تبوك، فسلمت فرد، فقال: أدخل، فقلت: أكلي يا رسول الله؟ قال: كلك، فدخلت، فقال: أعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر من هم؟ الروم النصارى فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية يعني راية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً [رواه البخاري: 3176].
سيكون بيننا وبين بني الأصفر في المستقبل هدنة، صلح على ترك القتال، بعد أن كان هناك قتال.
وفي رواية: ستصالحون الروم صلحا آمنا [رواه أبو داود: 4294، وصححه الألباني صحيح أبي داود: 2405] -يعني سيأتي علينا وقت مع الصليبيين سيكون بيننا هدنة وصلح آمن، ذا أمنٍ نأمن فيه ويأمنون فيه-.
وجاء في رواية لأبي داود: فتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم من يكون : الهند، الصين !! عدو.. عدو من وراءنا !! الذي يكون!- فتنصرون، وتغنمون، وتسلمون، ثم ترجعون، حتى تنزلوا بمرج ذي تلول[رواه أبو داود: 4294، وصححه الألباني صحيح أبي داود: 2405] -مرج دابق إنه ذو تلول- أرض واسعة فيها نباتات كثيرة ترعى فيها الدواب، والتلول: كل ما اجتمع من الأرض من رمل أو تراب.
هذا المكان الذي يسمى مرج دابق قريب من الحدود السورية التركية اليوم، سينزل فيه عسكر المسلمين- ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً.
وسبب الغدر هذا أنه بعد الهدنة، بعد أن نقاتل نحن وإياهم عدواً آخر، في هذه الهدنة التي بيننا وبينهم سينزل المسلمون في مرج ذي تلول، أو في مرج دابق، هذا الموضع قرب بلدة حلب في سوريا اليوم المعروف، فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب شوف كيف بداية المعركة ستكون بتحدي.. قضية تحدي فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب، فيقول: غلب الصليب الصليب هو الذي انتصر فيغضب رجل من المسلمينتأخذه الحمية، كيف يرفع الصليب ويقول: الصليب انتصر؟ فيدقه يأخذ الصليب يكسره فعند ذلك تغدر الروم وتجمع للملحمة [رواه أبو داود: 4294، وصححه الألباني صحيح أبي داود: 2405].
يكون النصراني مفتخراً برفع الصليب، ويقول: غلب الصليب، فيقوم إليه رجل من المسلمين فيدقه.
وجاء في الحديث أن الروم يقومون إلى هذا المسلم فيقتلونه، عند ذلك يبدأ الروم بجمع الجيوش ضد المسلمين.
وجاء في مستدرك الحاكم وصححه الذهبي: ويقول قائد المسلمين: بل الله غلب بل الله غلب وليس الصليب فيتداولانها بينهم، فيثور يعني صار الكلام إذن الآن مراده بين النصارى و المسلمين، الصليب غلب. الله غلب. الصليب غلب. الله غلب فيثور المسلم إلى صليبهم وهم منه غير بعيد فيدقه، ويثور الروم إلى كاسر صليبهم فيقتلونه ويثور المسلمون إلى أسلحتهم، فيقتتلون يعني: مع الروم فيكرم الله تلك العصابة من المسلمين بالشهادة.
الذين كانوا في ذلك المكان من المسلمين، وقاتلوا الروم كلهم سيستشهدوا فيقول الروم لصاحب الروم الجيش النصراني سيقولوا لقائدهم وأميرهم كفيناك حد العرب.
وفي رواية للطبراني: كفيناك حد العرب وبأسهم، قضينا على العرب! كسرنا شوكة العرب، لكن هم يسمونهم العرب فيغدرون فيجتمعون للملحمة فيأتونكم تحت ثمانين غاية -أو راية- تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً [المستدرك: 8298، والطبراني في الكبير: 4231، وصححه الألباني مشكاة المصابيح: 5428].
يثور المسلمون إلى سلاحهم لما يقتل أخوهم الذي كسر الصليب، فيقاتلون الكفار لكن الله يشاء أن هؤلاء: طليعة المسلمين كلهم يقتلوا، فيجمع النصارى الجيش لاكتساح المسلمين ويجتمعون.
فقال ﷺ في رواية مسلم: لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق هذه مر دابق التي سبق ذكرها فيخرج إليهم جيش من المدينة
ما المقصود بالمدينة؟
قال صاحب "مرقاة المفاتيح شارح مشكاة المصابيح": قيل: المراد بها حلب لأنها أقرب مدينة مسلمة لذلك التل، أو المكان الفسيح الذي ستحدث فيه المعركة.
وقيل: المراد بها دمشق لأنها مركز تجمع المسلمين الأساسي، فسطاط المسلمين في مدينة دمشق كما جاء في حديث آخر.
وأما المقصود بها المدينة النبوية قال الشارح: فضعيف، لأن المراد بالجيش الخارج إلى الروم جيش المهدي بدليل آخر، يعني: أن فيه نزول المسيح عيسى بن مريم، ولأن المدينة ستكون خرابا في ذلك الوقت، يعني: تصبح مهجورة، وخرج الناس إلى الشام للقتال. [مرقاة المفاتيح: 15/400].
هذا الجيش سيخرج إما من حلب، أو من دمشق، قال: فينهزم ثلث، الآن جيش المسلمين سيخرج إلى هذا المرج، إلى هذه الساحة للمعركة، وجيش الروم قد جاء في ثمانين راية تحت كل راية اثنا عشر ألفاً، فالمجموع 960 ألف.
ابن حجر ذكر قال: لعل المقصود ألف ألف يعني مليون، لكن ترك الكسر، يعني: لو قسمنا المليون على ثمانين راية سيكون في كل راية اثنا عشر ألف وكسور.
قال: لعل المقصود ألف ألف، ترك الكسر. [فتح الباري: 6/278].
هم تقريباً مليون مقاتل من النصارى.
هذه الملحمة الكبيرة الضخمة بيننا وبين النصارى، ويمكن تكون هي أكبر ملحمة على الإطلاق، يعني كما قال بعض الشراح: ما سبق أن المسلمين واجهوا جيش النصارى بمليون، عبر التاريخ، فهذه أكبر معركة، وآخر معركة.
ما الذي سيحدث؟
قال: فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذٍ، فإذا تصافّوا في مصافّة، مقابلة، صفوف، جيش مقابل جيش.
قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سُبوا -أو سَبوا- منا، نقاتلهم يعني سيكون في جيش المسلمين روم أسلموا، منضمين مع المسلمين، قبل المواجهة أول شيء يقوم عباد الصليب يقولون: أنتم العرب أو أنتم المسلمون غير الذي أصلهم منا، انحازوا وخلونا مع قومنا الذين أسلموا، نحن نريد أن نقاتل الروم الذين أسلموا.
سُبوا منا: قد أُخذوا سبياً في الماضي.
أو سبوا: يعني لما دخلوا مع المسلمين صاروا مسلمين، صاروا يجاهدون ويأخذون من السبي أيضاً. فإذن سَبوا أو سُبوا.
منا نقاتلهم أتركونا نقاتل بني قومنا الذين تركوا ديننا.
فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا يعني: صحيح أنهم أصلهم منكم، وأصلهم من الروم لكن لما أسلموا صاروا إخواناً لنا، ولا يمكن نتخلى عنهم، لا يمكن نتركهم ولا نسلمهم إليكم، المسلم أخو المسلم لا يخذله ولا يسلمه [رواه البخاري: 2442].
فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم تحدث المعركة، تقوم المعركة الكبيرة الضخمة جداً بين المسلمين والنصارى.
ماذا يحدث؟ قال: فينهزم ثلث لا يتوب الله عليه أبداً-مخذولين- ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله -فثلث جيش المسلمين سوف ينهزم، ناس عصاة فروا من الزحف، وارتكبوا كبيرة من السبع الكبائر لا يقدر الله لهم توبة، ولا يوفقهم للتوبة.
الثلث الثاني: سيقتلون، وهؤلاء أفضل الشهداء عند الله.
قال: ويفتتح الثلث لا يفتنون أبداً [رواه مسلم: 2897]. الثلث الأخير من المسلمين هم الذين سينتصرون، وهؤلاء لن يفتنوا إلى أن يموتوا، لن يتأثر دينهم، ولن يتركوا دينهم حتى الموت، سيبقون عليه.
قال النووي : الأعماق ودابق موضع في الشام قرب حلب، وينهزم: أي يفر من القتال وهو من كبائر الذنوب، مخالفين قول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال: 15-16].
جاء مزيد من التفاصيل عن هذه المعركة في سياق الحديث التالي:
روى مسلم رحمه الله عن يسير بن جابر قال: "هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجيرى": ليس له شأن ولا دأب.
"إلا: يا عبدالله بن مسعود! جاءت الساعة! يا عبدالله بن مسعود! جاءت الساعة! يا عبدالله بن مسعود! جاءت الساعة!"
هذا الرجل لما رأى الريح الحمراء، قال: هذه الساعة قامت. منْ كان في الكوفة؟ الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود.
"فقعد" يعني عبدالله بن مسعود.
"وكان متكئا، فقال: إن الساعة لا تقوم، حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة". فكأن عبدالله بن مسعود يقول للرجل هذا: انتظر، انتظر، ليس الآن، في قبل قيام الساعة حدث مهم، وبما أنه ما حدث هذا الحدث، فإذن ليس الآن قيام الساعة! هذه ريح حمراء قد تكون عذاب، قد تكون ابتلاء، سلطها الله على أهل البلد.
قال: "إن الساعة لا تقوم، حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا ونحاها نحو الشام"، الآن عبدالله بن مسعود يفسر هذا الكلام.
قال: "عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام"، عبدالله بن مسعود يصف المعركة، وأن فيها تجميع من الطرفين.
"قلت: الروم تعني؟
قال: نعم.
وتكون عند ذاكم القتال ردة شديدة، فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء"، كل طائفة ترجع إلى جيشها.
"كل غير غالب": يعني: لم حسمت المعركة.
"وتفنى الشرطة": شرطة المسلمين والطليعة التي أخرجوها كلهم يموتون يقتلون في سبيل الله.
"ثم يشترط المسلمون شرطة للموت" كلهم تحالفوا على الموت، يخرج طليعة من جيش المسلمين فبايعوا على الموت.
"لا ترجع إلا غالبة" يعني: في هذا الهجوم، ولكن يستمر القتال.
"فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب، وتفنى الشرطة": إذن هذه هي المجموعة الثانية من المسلمين أيضاً قد قتلوا جميعاً.
"ثم يشترط المسلمون شرطة للموت، لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يمسوا، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب، وتفنى الشرطة. فإذا كان يوم الرابع ، نهد": أي نهض وتقدم.
"إليهم" أي: إلى النصارى.
"بقية أهل الإسلام": كل الجيش المسلم.
"فيجعل الله الدبرة عليهم": أي: على النصارى فيولون الأدبار ينهزمون.
"فيُقتلون مقتلةً": أو المسلمون يقتلون مقتلة.
"لا يُرى مثلها، -أو قال: لم ير مثلها- حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم، فما يخلفهم حتى يخر ميتاً" [رواه مسلم: 2899].
ستكون مقتلة في النصارى، وذبح فيهم، لدرجة أن الجثث ستكون على مساحة شاسعة من الأرض، منتنة، لو الطائر مر من نتن الهواء بسبب نتن الجثث يخر ميتاً، من فساد الهواء الذي فوق الجثث المرمية على هذا المكان.
قال ابن المنير: "وأما قصة الروم فلم يجتمع إلى الآن، ولا بلغنا أنهم غزوا في البر في هذا العدد، فهي من الأمور التي لم تقع بعد. وفيه بشارة ونذارة، وذلك أنه دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش". [فتح الباري: 6/278].
وقال النبي ﷺ: إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة أين سيكون المقر العام للمسلمين؟ قيادة المسلمين العامة أين ستكون؟ قال: إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق من خير مدائن الشام [رواه أبو داود: 4300، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 2116].
الغوطة مكان معروف الآن في دمشق. في آخر الزمان سيكون بجانب المدينة هكذا أخبر. وأن فسطاط المسلمين سيكون في الغوطة.
مقر قيادة المسلمين سيكون في الغوطة إلى جانب مدينة دمشق في مكان البساتين، وسيكون مكان المعركة بقرب مدينة حلب، وأن هذه المعركة ستستمر أربعة أيام متواصلة لا يهدأ فيها القتال إلا بالليل، ليستريح الجيشان، وفيها أن الروم سينهزمون هزيمة منكرة لم يسمع بمثلها، ويقتل منهم أعداد عظيمة ما سبق أن قتل مثلها، وأن الله سينصر المؤمنين بعد أن يلاقوا شدة وبلاءً عظيماً، وتبلغ القلوب الحناجر، ويفر ثلث جيش المسلمين، ويستشهد الثلث، ويفتتح الثلث.
لما تنتهي هذه المعركة، وهذه الملحمة الضخمة الكبيرة جداً سيتوجه المسلمون إلى أقوى مدينة قريبة إلى هذا المكان للنصارى، وهي القسطنطينية.
ففي حديث أبي داود عن معاذ قال رسول الله ﷺ: عمران بيت المقدس خراب يثرب- وقلنا: أن الخراب لا يشترط في المباني، ولكن هجر البلد لسبب أو لآخر، منها أن المسلمين سيلتحقون بالشام لأن القيادة ستكون هناك، ومواجهة النصارى واليهود والدجال ستكون في الشام.
عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة -والملحمة عرفناها- وخروج الملحمة فتح قسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال [رواه أبو داود: 4296، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 4096].
فكل واحدة من هذه الأمور علامة على وقوع ما بعدها وإن كان هناك مهلة.
حديث المعركة هذه يقول النبي ﷺ، حديث في صحيح مسلم: ويفتتح الثلث لا يفتنون أبداً، فيفتتحون قسطنطينية[رواه مسلم: 2897]، بعد معركة مرج دابق سيكون التوجه إلى القسطنطينية.
كيف سيكون فتح القسطنطينية؟
جاء في حديث مسلم الآخر أنه ﷺ قال: سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟
قالوا: نعم يا رسول الله"، "هذه مدينة القسطنطينية". [شرح النووي على مسلم: 18/45] "بناها الملك قسطنطين مثلثة الشكل، جانبان منها على البحر وجانب في البر". [فيض القدر: 8/22].
قال ﷺ: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق [رواه مسلم: 2920].
بعض الشراح قالوا: هنا في وهم وخطأ في الرواية، والمقصود بنو إسماعيل وليس بنو إسحاق، لأن بنو إسماعيل هم العرب وبنو إسحاق هم الروم.
وقال بعضهم: إن المقصود أن هناك سبعون ألفاً من الروم المسلمين سيكونون مع الجيش الذي سيغزو القسطنطينية، فما المانع أن يكون الكلام مستقيماً.
والأصل عدم التغيير في الراوي الثقة؟ ما المانع؟ ألم يكن مع المسلمين في حرب النصارى ناس من الروم أسلموا وكانوا مع جيش المسلمين في معركة مرج دابق؟
فما المانع أن يكون سبعون ألفاً من بني إسحاق، من الروم، موجودين في جيش المسلمين الذين سيغزون القسطنطينية؟
فإذا جاؤوها نزلوا نزلوا بمكان خارج البلد فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر فقط! جيش المسلمين يردد هذه العبارة فيسقط أحد جانبيها الذي في البحر، ثم يقولون الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط جانبها الآخريستسلم الجانب الثاني ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر، فيفرج لهم، فيدخلوها.
الله سيلقي في قلوب الكفار في القسطنطينية الرعب، بمجرد التكبير والتهليل ستسقط البلد، سيلقى في قلوب أهلها الرعب فيستسلمون، ويفتحون البلد للمسلمين، قال: فيفرج لهم فيدخلوها، فيغنموا، فبينما هم يقتسمون المغانم.
وفي رواية: فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون القتال بالسيوف، وتعليق السيوف في أشجار الزيتون بعد المعركة أو بعد الفتح إذ صاح فيهم الشيطانالشيطان يصيح في من؟ بالمسلمين إن المسيح -يعني الدجال- قد خلفكم في أهليكم الآن هم متقدمين في القسطنطينية، وظهورهم، وأهاليهم وراء في الشام، في دمشق، فيقول لهم: المسيح طلع في أهليكم، قال: فيخرجون و ذلك باطل [رواه مسلم: 2897].
وفي رواية: فيتركون كل شيء ويرجعون [رواه مسلم:2920]، يتركون الغنائم ويرجعون إلى مقرهم، وعند ذلك يكون الدجال خرج فعلاً، إذن الشيطان أول ما تكلم وصرخ يكون كاذباً، فيرجع المسلمون فيخرج الدجال فعلاً، وسنعرف بعد ذلك في درس الدجال إن شاء الله تفاصيل قضية الدجال.
ورد في رواية لكن ضعيفة: يخرج إليهم روقة المسلمين أهل الحجاز [المعجم الكبير للطبراني:13697]، قال الهيثمي: فيه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، وقد ضعفه الجمهور[مجمع الزوائد:10387].
وأن الذي يخرجون هم من المدينة كما تقدم وأن المسلمين أصلاً سيكونون في الشام وليس في الحجاز. والروم سيكونون أكثر الناس في آخر الزمان لكن منهم هؤلاء المسلمون الذين دخلوا مع العرب المسلمين في جيش واحد. فهذا بالنسبة لفتح القسطنطينية بعد فتح الملحمة الكبير.
جاء في رواية عن عبدالله بن بسر أنه قال لبشر بن عبدالله بن يسار وكان من أصحاب عمر بن عبدالعزيز: "يا ابن أخي! إذا أدركت فتح القسطنطينية، فلا تدع أن تأخذ بحظك منها، فإن بين فتحها وخروج الدجال سبع سنين" [كتاب الفتن لنعيم ابن حماد:1320] هذا إسناده حسن لكنه ليس مرفوعاً، والمرفوع فيه ضعيف.
وجاء عن عبدالله بن محيريز التابعي: بين الملحمة وخراب القسطنطينية وخروج الدجال حمل امرأة". [كتاب الفتن لنعيم ابن حماد:1477]. يعني: تسعة أشهر.
لو قال قائل: إن القسطنطينية قد فتحت وانتهت!
فيقال: إن الفتح الذي حصل غير الفتح المذكور في الحديث، الفتح الذي حصل كان فيه معارك، وإراقة دماء، واستعمال المدافع، وليس فيه ذكر كما ورد، والفتح الذي تكلم عنه الحديث بعده خروج الدجال، وفتح القسطنطينية الذي قام به محمد الفاتح مضت عليه عشرات السنوات الطويلة جداً وما خرج الدجال، فليس هو المقصود.
ثم إن فتح القسطنطينية الذي حدث قد أعقبه بعد ذلك أن القسطنطينية لا تحكم اليوم بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، بل تحكم بأفكار كمال أتاتورك المرتدة العلمانية الخبيثة.
فالقسطنطينية ستبقى في وقت المعركة ستكون تحت سلطة النصارى، وسيستولي عليها المسلمون، وستسقط بالتكبير والتهليل.
هذا بالنسبة إلى الملحمة الأولى الكبيرة مع النصارى وسقوط القسطنطينية، بقي لهم روما، وستفتح بعد، لأنه قال: مدينة هرقل تفتح أولاً [رواه أحمد: 6645، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 4] الحديث.
سقوط القسطنطينية سيعقبه بعد ذلك فتح روما.
هل فتح روما سيكون في عهد المسيح بن مريم؟ لأن القسطنطينية بعدها خروج الدجال، وبعد خروج الدجال سينزل فيه عيسى، وفي عهد عيسى تكون الأرض كلها مملوءة بالإسلام.
فمحتمل أن يكون فتح روما، هي بعد القسطنطينية.
لكن متى؟ الله أعلم! في عهد عيسى أو قبل عهد عيسى؟ الله أعلم، إنما بعد القسطنطينية سيبقى للنصارى روما، وهذه هي أعظم مدائنهم، وانتهى النصارى بذلك، يكون المسلمون قد أزاحوا القوة الكبيرة العظيمة في الأرض، وقضوا عليها، وأنهوا مدنهم، وقوتهم الدينية، وقوتهم العسكرية.
الملحمة مع اليهود
وبالتالي بقي الكلام عن اليهود.
عرفنا أن سقوط القسطنطينية سيتبعه خروج الدجال، وأن الدجال سيكون معه سبعون ألف يهوديٍ، وأنه هو نفسه يهودي، والمعارك بين المسلمين واليهود قديمة منذ أن بعث الله محمداً ﷺ، وما حدث في بني النضير وبني قريظة وبني قينقاع، وفي خيبر، وقال: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب[رواه مسلم: 1767].
في حديث مسلم: فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون وذلك باطل، فإذا جاؤوا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال لقتال منْ؟ الدجال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى بن مريم قلنا: أن المعسكر أو قيادة، مركز قيادة المسلمين في دمشق، في الغوطة، فلما يرجع المسلمون إلى مكانهم، ويسوون الصفوف للصلاة، في هذا الوقت عند الإقامة، إذا أقيمت نزل عيسى واضعاً كفيه على جناحي ملكين ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، وموجودة الآن المنارة البيضاء، وهي أحد مآذن الجامع الأموي بمدينة دمشق.
إذا نزل عيسى ، قال: فينزل عيسى بن مريم ﷺ فأمهم فإذا رآه عدو الله أي الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته [رواه مسلم: 2897].
الدجال إذا جاء، ومعه سبعون ألف يهودي، من يهود أصبهان، وهي مدينة في بلاد فارس موجودة الآن معروفة، سيحاصر الدجال واليهود الذين معه عيسى والمسلمين، ولكن الله سينصر المسلمين فيفتحون المدينة، ويهجمون على الدجال ومن معه.
وتقوم معركة كبيرة جداً بين المسلمين وبين اليهود الذين مع الدجال، قال ﷺ في هذه المعركة: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فأقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود [رواه مسلم: 2922]. ولذلك يكثرون من زراعته الآن في بلاد فلسطين.
وعن ابن عمر، قال رسول الله ﷺ: ينزل الدجال في هذه السبخة وهي الأرض المالحة التي لا تنبت، والمراد خارج المدينة.
لا يدخل المدينة النبوية، لكن يطوف في الأرض ثم تكون النهاية أنه سيحاصر، آخر جولة الدجال سيحاصره المسيح بن مريم والمسلمين، قال: ثم يسلط الله المسلمين عليه، فيقتلونه، ويقتلون شيعته ومنْ هم شيعته؟ اليهود حتى إن اليهودي ليختبئ تحت الشجرة أو الحجر، فيقول الحجر أو الشجرة للمسلم: هذا يهودي تحتي فأقتله[رواه أحمد: 5353]. قال الألباني : "إسناده حسن لولا عنعنة ابن إسحاق" [قصة المسيح الدجال: 1/23].
ويدل على أن هذا القتال بعد خروج الدجال -أيضاً- ما رواه ابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي قال: "خطبنا رسول الله ﷺ فكان أكثر خطبته حديثاً حدثناه عن الدجال وحذرناه" فذكر خروجه، ثم نزول عيسى لقتله، وفي الحديث: قال عيسى بعد الانصراف من الصلاة التي أقيمت، والمسلمون محصورون وقد صلوا قال: افتحوا الباب، فيفتح ووراءه الدجال، معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساجقيل: هو الطيلسان الأخضر ونوع من الألبسة، قال: فإذا نظر إليه الدجال أي إلى عيسى ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هارباً، ويقول عيسى : إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها لن تذوب قبل أن أضربك فيدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله، فيهزم الله اليهود.
وهذا التجمع الثاني الذي كان على الأرض أمام المسلمين فيقتله فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق [رواه ابن ماجه: 4077]. والحديث صححه الألباني [صحيح الجامع: 7875].
واستدل الحافظ بن حجر في الفتح بهذا الحديث على كون قتال اليهود هذا سيكون بعد خروج الدجال ونزول عيسى. [فتح الباري: 6/610].
وقوله: "افتحوا الباب" أي: باب المسجد، واللد الشرقي في البلدة القديمة من بيت المقدس معروفة يدركه عيسى عندها.
والغرقدة: شجر ذو شوكٍ معروف في بيت المقدس.
وجاء عند أحمد أيضاً في حديث الكسوف أن النبي ﷺ قال في خطبة الكسوف بعد الصلاة: وأيم الله يحلف لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقون في أمر دنياكم وآخرتكم، وإنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً آخرهم الأعور الدجال، ثم قال: وإنه سيظهر على الأرض كلهايطوف الأرض ويمسحها كلها إلا الحرم وبيت المقدس لن يستطيع الدجال اقتحام بيت المقدس وإنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس، فيزلزلون زلزالاً شديداً، ثم يهلكه الله تبارك وتعالى وجنوده حتى إن جذم الحائط أو قال: أصل الحائط لينادي، أو يقول: يا مؤمنأو قال: يا مسلم هذا يهوديأو قال: هذا كافر فأقتله [رواه أحمد: 20190].
قال الحافظ بن حجر: إسناده حسن. [فتح الباري: 13/87]، وعلق الألباني على ابن خزيمة بتضعيفه [صحيح ابن خزيمة: 1397]. ونطق الحجر هنا نطقٌ حقيقيٌ، ولا شك في ذلك.
ورد حديث آخر ضعيف عند الطبراني: لتقاتلن المشركين حتى يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن، أنتم شرقيه وهم غربيه [مسند الشاميين للطبراني: 638، وضعيف الجامع: 4656].
والأحاديث الصحيحة فيها مزيد من التفصيل أكمل من قضية شرق نهر الأردن وغرب نهر الأردن.
فإذا كانت هذه الملحمة مع اليهود، فسيشهدها عيسى بينما الملحمة التي مع النصارى ستكون قبل نزول عيسى.
فالمسلمون سيحضرون ملحمتين عظيمتين، يفتتحون فيها النصارى، ويقضون عليهم بواحدة، ثم يقضون على اليهود في الثانية مع عيسى ولعل فتح روما سيكون في عهد عيسى كما تقدم.
هذا بالنسبة للمعركة أو الملحمة الثانية التي ستكون ضد اليهود. المهدي، وسنتحدث في درس مستقل عنه أو أكثر، سيشهد قتال اليهود، و لعله يشهد فتح روما أيضاً لأنها ستكون بعد قتال اليهود.
معركة هرمجدون التي يتكلم حولها اليهود
وجاء عند بني إسرائيل في كتبهم، ذكر معركة يقال لها "هرمجدون"، هذه المعركة يطنطنون حولها كثيراً خصوصاً في هذه الأيام.
ويتكلمون عن معركة هرمجدون، وبعض المسلمين مع الأسف يساق وراء كلام الكفار وحاول أن ينزل الأحاديث على ما عند هؤلاء، مع أن أكثر ما عندهم هراء، وكذب، وافتراءات، وأشياء مزورة، ومحرفة، ولا يمكن الاعتماد عليها.
لكن المقصود أن كتب النصارى واليهود فيها كلام عن معركة هرمجدون، والمقصود بها طبعاً "تل مجيدو" وهو تل معروف في أرض فلسطين، لأن هار: تعني بالعربية جبل، مجدون: هو الوادي "مجيدو"، وهذا المكان يبعد 55 ميلاً عن تل أبيب و 20 ميلاً شرق حيفا، و15 ميلاً من شواطئ المتوسط.
يعتقد اليهود والنصارى أن جيوشاً من مائتي مليون جندي سيأتون إلى مجدو للبدء بخوض الحرب النهائية. ويحاول اليهود الآن إقناع النصارى، وأثاروا أشياء في أمريكا، وفي غيرها وعند الإنجليكانيين، وهناك مدرسة أو مذهب يتبعه أكثر عشرات الملايين يوقنون بهذه الفكرة، أنه ستقع معركة بين المسلمين وبين اليهود والنصارى المتحالفين، هرمجدون، وأن المسيح سينزل وينصرهم بزعمهم، وأن المسيح لن ينزل حتى تقوى إسرائيل ليتمكن النصارى معها من اكتساح المسلمين. ويحاولون أن يفسروا أشياء في التوراة المحرفة والإنجيل المحرف على هذا.
فهناك نصوص عندهم، ويكون في ذلك اليوم يوم مجيء جوج على أرض إسرائيل، ويقول السيد الرب أن غضبي يصعد وغيرتي في نار سخطي، وفي ذلك اليوم يكون رعش عظيم في أرض إسرائيل، ويرعش أمامي سمك البحر، وطيور السماء ووحوش الحقل. إلى آخره.
واستدعي السيف عليه في كل جبالي يعني كلام عن معركة وعن زلزلة ستكون كبيرة وأن جيش الرب سيأتي.
والتلمود الذي فسر به الحاخامات القدامى نصوص التوراة ذكروا فيه: "قبل أن يحكم اليهود نهائياً لا بد من قيام حرب بين الأمم يهلك خلالها ثلثا العالم ويكون سبع سنين، يكون الأسلحة التي اكتسبوها بعد النصر".
بعض اليهود كتبوا في فهمهم لهذا: إننا نقرأ في شريعة الأنبياء أننا مختارون من الله لنحكم الأرض وقد منحنا الله العبقرية كي نكون قادرين على القيام بهذا العمل، إن كان في معسكر أعدائنا عبقري فقد يحاربنا ولكن القادم الجديد لن يكون كفؤ لأيدٍ عريقة في أيدينا" إلى آخره مدحاً في أنفسهم.
بالنسبة للنصارى، عندهم نصوص ينسبونها إلى المسيح : "إذا سمعتم بحروب، وأخبار حروب، فلا تقلقوا فأنه لابد أن يكون هذا, ولكن لا يكون المنتهى إذ ذاك, ستقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتكون مجاعات، وأوبئة، وزلازل في أماكن شتى، وهذا أول المخاض، ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع" ثم عبارات أخرى فيها ذكر كلمة "هرمجدون" : "ها أنا آتي كلص طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عريانا يجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدون".
فإذن في اعتقاد مشترك بين اليهود والنصارى أن الخلاص سيأتي على يد المسيح الذي سينزل وأنه سيقودهم في المعركة.
هذه الأشياء التي يذكرونها في كتبهم لا يمكن الوثوق بها إطلاقاً، ولا الاعتماد عليها أبداً، والله قد أخبرنا أنهم سيكونون أعداء لنا إلى قيام الساعة، وأن المسلمين سينتصرون على النصارى في معركة بمفردهم، وعلى اليهود بمعركة بمفردهم.
هل ينزل المسيح على حلف بين اليهود والنصارى في هرمجدون؟ هذا الكلام لا يمكن الوثوق به نهائياً. ولذلك لا عبرة بما يروجه هؤلاء اليوم، ولا بمن انخدع به من أبناء المسلمين، وبنى عليه كلاليَ، وبنى عليه علاليَ وقصوراً، وألفوا كتاب هرمجدون، وكلام رجم بالغيب، تخرص! عندنا الأحاديث الصحيحة تشرح كيف ستكون النهاية بيننا وبين اليهود والنصارى والحمد لله على نعمه!
وبذلك نكون قد انهينا الكلام عن أشراط الساعة الصغرى، والملاحم التي ستكون في آخر الزمان.
وسنبدأ بعد ذلك إن شاء الله بذكر قصة المهدي، وعيسى، والدجال، والأشراط الكبرى في الدروس القادمة بمشيئة الله، وصلى الله على نبينا محمد.