الثلاثاء 2 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 3 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

07- فرحه ﷺ


عناصر المادة
فرح النبي ﷺ بدخول بعض الناس الإسلام 
فرح النبي ﷺ بظهور الحق
فرح النبي ﷺ لما اختارته عائشة لما نزلت آية التخيير
فرح النبي ﷺ بما يصدق ما أخبر به
فرح النبي ﷺ بتوبة الله على أصحابه
فرح النبي ﷺ بالمبادرة إلى نصرة الدين
سجود الشكر عند الفرح

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للثقلين، بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
وبعد.
فحديثنا عن نبينا محمد ﷺ وقد تحدثنا عن شيء من محبته، وكذلك عن شيء من بغضه، وماذا كان يبغض، ثم نتحدث بمشيئة الله تعالى عن فرحه ﷺ.
أما صفة الفرح فإن الله قد ذكرها في معرض المدح: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون[يونس: 58]، يعني بهذا الوحي الذي جاء به الله تعالى، بهذا الدين، بهذه العبادات.
وأما الفرح المذموم فهو الذي يكون فيه الأشر، والبطر، والفخر، والخيلاء، كما قال عن قارون: إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ[القصص: 76]، أي الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله.
ما هي المناسبات أو بعض المناسبات التي فرح فيها نبينا ﷺ؟ وكيف كانت حاله إذا فرح؟
عن كعب بن مالك قال: "كان رسول الله ﷺ إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه". [رواه البخاري: 3556].
فما معنى "استنار وجهه كأنه قطعة قمر"؟ ولماذا شبهه بقطعة القمر لا بالقمر كله؟
لأن القصد الإشارة إلى موضع الاستنارة.
وما هو موضع الاستنارة؟
الجبين. فهو الذي يظهر عليه السرور، ولذلك قال: "قطعة قمر"، فوقع التشبيه من البعض بالبعض، وشبهه ﷺ بالقمر، الراوي قال: "قطعة قمر" ما قال شمس؛ لأن القمر يملأ الأرض بنوره، ويؤنس كل من شاهده، ويجمع النور من غير أذى ولا إحراق ولا حرارة، ويمكن النظر  إليه بالراحة، بخلاف الشمس، ولذلك شبهه بالقمر.

فرح النبي ﷺ بدخول بعض الناس الإسلام 

00:02:54

وكان ﷺ من المناسبات التي فرح فيها دخول بعض الناس في الإسلام، وهذا في مناسبات متعددة:
ومنها ما رواه ابن شهاب الزهري أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام كانت تحت عكرمة بن أبي جهل، فأسلمت يوم الفتح، وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن، ثم ركب البحر، وحصلت له القصة المعروفة، وارتجت بهم السفينة، وقال لهم الربان: يعني ادع الله وأخلصوا، فقال: إذا كان الذي ينجيني في البحر فهو الذي ينجيني في البر، فجاء ليسلم، هرب عكرمة إلى اليمن فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن، فدعته إلى الإسلام، فأسلم، وقدم على رسول الله ﷺ عام الفتح، فلما رآه رسول الله ﷺ، وثب إليه فرحًا وما عليه رداء ﷺ حتى بايعه". [رواه مالك في الموطأ: 1134، وعبد الرزاق في المصنف: 15/314]،
وقال النووي: "روي مرسلاً ويجوز الاحتجاج به لشواهده. [شرح النووي على مسلم: 2/95].
وعلق الباجي رحمه الله على جملة فلما رآه رسول الله ﷺ وثب إليه فرحًا وما عليه رداء، قال: "هذا من حرص النبي ﷺ على دخول الناس في الإسلام؛ لاسيما من كان من أعيان الناس كعكرمة في قومه، فإنه كان من سادات بني مخزوم وعظمائهم". [المنتقى:  3/226].
وقال ابن عبد البر: "وفيه ما كان عليه رسول الله ﷺ من السرور والفرح بإسلام قريش، وأشراف الناس". [التمهيد: 12/52].
وكذلك فرح بإسلام عدي بن حاتم، وكان من سادات قومه فهو ولد ابن حاتم الطائي، فلما جاء إلى النبي ﷺ قال: "إني جئت مسلمًا"، قال الراوي: "فرأيت رسول الله ﷺ فرأيت وجهه تبسط فرحًا". [رواه الترمذي: 2953، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 8202].
كان ﷺ يفرح لأخبار انتشار الإسلام، يفرح لإقبال ناس على الإسلام، يفرح ولو أسلم واحد بين يديه، ويتهلل لذلك، ويظهر على وجهه.

فرح النبي ﷺ بظهور الحق

00:05:28

وكان ﷺ يفرح بظهور الحق.
فقد فرح عندما تبين الحق في صحة نسب أسامة بن زيد إلى أبينه رضي الله عنهما، وقد تقدمت القصة، وجاء في روايتها في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله ﷺ ذات يوم وهو مسرور تبرق أسارير وجهه، فقال: يا عائشة، ألم تري أن مجززًا المدلحي دخل عليّ فرأى أسامة بن زيد وزيدًا وعليهما قطيفة قد غطيها رؤوسهما وبدت أقدامهما، وقلنا: أسامة بن زيد أسود مثل الفحم، وأبوه زيد بن حارثة كان أبيض مثل القطن، فالنبي ﷺ دخل على عائشة تبرق أسارير وجهه لماذا؟ لأن هذا الرجل مجزز المدلجي نظر إلى الأقدام وقد ظهرت من القطيفة، وهي متجاورة بعضها بجانب بعض،  فقال مجزز: إن هذه الأقدام بعضها من بعض [رواه البخاري: 6770، ومسلم: 1459].
ومجزز هذا هو ابن الأعور ابن جعد المدلجي، نسبة إلى مدلج بن مرة، وعندنا إلى بني مرة، وهم المشهورون بمعرفة بأنهم قافة، وكانت القيافة فيهم في بني مرة، وفي بني أسد، والعرب تعترف لهم بذلك، وسمي مجززًا لأنه كان إذا أخذ أسيرًا في الجاهلية جز ناصيته -يعني شعره- وأطلقه، وكانوا في الجاهلية يقدحون في نسب أسامة لأنه كان أسود شديد السواد وأبوه زيد أبيض من القطن، فلما قال القائف ما قال مع اختلاف اللون سر النبي ﷺ بذلك؛ لكونه قاطعًا عن الطعن؛ لأن العرب لما كانت تعرف في بني مرة القدرة، خلاص إذا قال هذا إذا قال خبيرهم هذا الكلام  أسكت كل طاعن، فسر النبي ﷺ سرورًا كثيرًا حتى دخل على عائشة وأسارير وجهه تبرق فرحًا، واستبشارًا للاطمئنان إلى صحة نسبة أسامة إلى أبيه، ولدحض كلام الذين كانوا يطعنون في أعراض الناس.
ما هي الأسارير؟ "تبرق أسارير وجهه" ما هي الأسارير؟ هي الخطوط التي في الجبهة، وأحدها واحدها سر، وجمعه سرور وأسرار، وجمع الجمع أسارير، ومعنى تبرق: تضيء، وتستنير من السرور.
وقد أخرج عبد الرزاق من طريق ابن سيرين أن أم أسامة -وهي أم أيمن مولاة النبي ﷺ كانت سوداء فلهذا جاء أسامة أسود. [مصنف عبدالرزاق: 9781].
وقيل إن أم أيمن كانت من سبي الحبشة الذين قدموا زمن الفيل إلى مكة، فصارت لعبد المطلب فوهبها لعبد الله، وتزوجت قبل زيد عبيدًا الحبشي، فولدت له أيمن، فكنيت به، واشتهرت بذلك، فإذًا أم أيمن كانت لعبد الله، وعبد الله والد النبي ﷺ فصارت أم أيمن أمة أبيه، فلما يقال دخل على أم أيمن، ودخل على أم أيمن نعرف العلاقة الآن بين النبي ﷺ وبين أم أيمن، وهذه أم أيمن هي التي تزوجها زيد فأنجبت منها أسامة، فإذًا يعني زيد أبيض تزوج أم أيمن رضي الله عنها وكانت سوداء من الحبشة، فولدت له أسامة وخرج على لون قوم أمه، فلذلك لما قضى هذا القائف بإلحاق النسب مع اختلاف اللون فرح النبي ﷺ. [فتح الباري: 7/94].
وبهذا الحديث استدل العلماء على جواز القيافة، وأن إلحاق القافة يفيد النسب، يعني إذا واحد ولد مجهول نسبه فالقائف نظر في الولد مثلاً، ونظر في بعض الرجال الذين قد يكون لهم ولد أو تنازعوا فيه، افرض تنازعوا في الرضيع كل واحد قال:  هذا ولدي، وصار في خربطة في المستشفى -وهذا وارد- القائف يعرف بالنظر هذا ابن من، والعمل بقول القائف هو مذهب جماهير أهل العلم، ولما سر النبي ﷺ بكلام القائف مجزز والنبي ﷺ لا يسر بالباطل، كما قال ابن القيم في الطرق الحكمية: معناه إقرار: واتفق القائلون بالقائف على أنه يشترط فيه العدالة، يعني أول شيء لا بدّ نتأكد أنه صادق عدل موثوق، ما هو معروف بالكذب، ما عليه مطعن حتى يقبل قوله، هي خبرة مع صدق، واختلفوا هل يكفي واحد، والحديث يدل على ذلك.
وقد فرح النبي ﷺ فيما فرح بظهور براءة عائشة -رضي الله عنها- كما في قصة الإفك، وأنزل على رسول الله ﷺ من ساعاته -كما تقول عائشة في القصة الطويلة- فسكتنا فرفع عنه، فسري عن رسول الله ﷺ وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: يا عائشة، أما الله فقد برأك، يعني: بما أنزل من القرآن، وتقول عائشة: وإني لأتبين السرور في وجهه، وهو يسمح جبينه، ويقول: أبشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك [رواه البخاري: 4756].
وهذه الرواية تصف لنا مقدار الفرحة التي حصلت للنبي ﷺ ببراءة أحب زوجاته إليه، وأحب الناس إليه بعدما رميت إفكًا وظلمًا وعدواناً، وهذا كما قال ابن حجر: "فيه الضحك والفرح والاستبشار بظهور براءة البريء". [فتح الباري: 8/481].

فرح النبي ﷺ لما اختارته عائشة لما نزلت آية التخيير

00:12:28

وقد فرح ﷺ لما اختارته عائشة لما نزلت آية التخيير، فقالت رضي الله عنها: لما نزلت آية الخيار دعاني رسول الله ﷺ فقال يا عائشة:إني أريد أن أذكر لك أمرًا فلا تقضين فيه شيئًا دون أبيك، يعني لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك، فقلت: "وما هو فقرأ عليّ الآية: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ۝ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا[الأحزاب: 28 ، 29].
فقلت: في أي هذا استأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، وفي رواية: "أفيك يا رسول الله استشير أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: ففرح بذلك رسول الله ﷺ فرحًا شديدًا، قالت: وأسألك ألا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت"، هذه طبعًا باعثها الغيرة، فقال لما شاف باعثها الغيرة، "قال: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا قالت عائشة: وفعل أزواج النبي ﷺ مثلما فعلت". [رواه مسلم: 1478، وأحمد: 14555، والترمذي: 3204] وهو حديث صحيح.
طيب لماذا أمرها النبي ﷺ أن تستشير أبويها؟ لأنه خشي أن يحملها صغر سنها على اختيار الشق الآخر، لاحتمال ألا يكون عندها الملكة الكافية للقرار السليم، فإذا استشارت أبويها أوضحا لها ذلك، وأوضحا لها المصلحة، ولكن كانت فطنة عائشة كبيرة، وقالت: قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، وفيه منقبة عظيمة لها رضي الله عنها في كمال عقلها، وصحة رأيها مع صغر سنها.

فرح النبي ﷺ بما يصدق ما أخبر به

00:14:46

وكان ﷺ يفرح إذا سمع خبرًا يصدق بعض ما أخبر به أصحابه؛ خصوصًا لما يأتي من مصدر ما هو متهم، ولا في أي اتفاق مسبق، وإنما أشياء يواطئ بعضها بعضًا بقدر من الله دون تقصد، مثل الفرح بسماع قصة تميم الداري مع الدجال، فعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: سمعت نداء المنادي منادي النبي ﷺ ينادي الصلاة الجامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله ﷺ، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله ﷺ صلاته جلس على المنبر، وهو يضحك، فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: أتدرون لما جمعتكم؟.
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: إني والله ما جمعت لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميمًا الداري كان رجلاً نصرانيًا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال [رواه مسلم: 2942].
وفي رواية الترمذي: إن تميمًا الداري حدثني بحديث ففرحت فأحببت أن أحدثكم [رواه الترمذي: 2253] ، ثم ذكر النبي ﷺ لهم القصة الطويلة التي فيها يعني أن تميمًا الداري خرج مع قومه في سفينة، وتكسرت بهم السفينة، وألجأتهم، وأنهم في هذه الجزيرة التقوا مع الجساسة، وهي دابة لا يدري قبله من دبره من كثرة الشعر، وأنها قادتهم إلى رجل عظيم موثق بالأصفاد، وأنه أخبرهم بأنه هو الدجال، وأنه يوشك أن يخرج، وأنه سيفعل كذا وكذا، وذكرت الحديث الطويل، ثم قال ﷺ: ألا هل كنت حدثتكم بذلك؟.
فقال الناس: نعم.
قال: فإنه أعجبني تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة أنهما لا يدخلهما الدجال [رواه مسلم: 2942].
ففرح النبي ﷺ بهذا الحديث لكونه وافق الحق الذي حدث به أصحابه، وفي الحديث منقبة لتميم الداري لأن النبي ﷺ روى عنه القصة.

فرح النبي ﷺ بتوبة الله على أصحابه

00:17:13

وكان ﷺ يفرح بتوبة الله تعالى على أصحابه، لما تاب على كعب بن مالك وصحابيه في قصة التخلف عن غزوة تبوك لما نزلت توبة الله.
يقول كعب: "فلما سلمت على رسول الله ﷺ وهو يبرق وجهه من السرور" -يلمع- "قال: أبشر بخير يومًا مر عليك منذ ولدتك أمك، فقلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟
قال: لا بل من عند الله هذه في القرآن". [رواه البخاري: 4418، ومسلم: 2769].
وفي هذا كما قال بعض أهل العلم استحباب سرور الإمام وكبير القوم بما يسر أصحابه وأتباعه.
وفيه ما كان ﷺ من الشفقة بهم والرأفة.
وفيه سروره وفرحه واستنارته وجهه دليل على ما يكون في نفسه لأصحابه من الخير ومحبة الخير.

فرح النبي ﷺ بالمبادرة إلى نصرة الدين

00:18:21

وربما فرح النبي ﷺ بلقاء من يذكره بمن يحب، كما فرح بهالة بنت خويلد أخت خديجة، وارتاع لذلك يعني تغير من المفاجأة المفرحة، فاهتر لذلك سرورًا، وهش لمجيء أخت زوجته، ولما ذكرته من أيامها وصوتها، كان يشبه صوت أختها. [رواه البخاري:3820].
وكان ﷺ يفرح بسماع الكلام الجميل الذي فيه إعانة للدين إعانة له، وتثبيت، ونصرة للدين، مثل كلام المقداد بن الأسود، فعن ابن مسعود قال: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدًا لأن أكون صاحبه أحب إليّ مما عدل به، يعني من كل شيء من الدنيا كائنا ما كان، أتى النبي ﷺ وهو يدعو على المشركين، فقال المقداد: "لا نقول كما قال قوم موسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكن نقاتل عن يمينك، وعن يسارك، ومن بين يديك، ومن خلفك، قال فرأيت وجه رسول الله ﷺ أشرق وجهه وسره ذلك". [راوه البخاري: 4609].
أشرق لما رأى تفاني أصحابه في نصرة الدين، واستماتتهم في الدفاع عن الحق، والتضحية بالنفس في الجهاد في سبيل الله، وهذه القصة وردت في بدر، كما سيرة ابن إسحاق.
وفرح النبي ﷺ بمبادرات أصحابه إلى طاعة الله كما في قصة جرير، كنا عند رسول الله ﷺ في صدر النهار فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار".
النمار: جمع نمرة، وهي ثياب من صوف فيها تنمير، ومعنى مجتابي: يعني قد قطعوها لستر عوراتهم، فليس على الواحد إلا قطعة يستر بها عورته، وقد ربط ثوبه على رقبته، فمجتاب مأخوذ من الجوب، والجوب هو القطع، وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ[الفجر: 9]، يعني قطعوه.
"فتمعر وجه النبي ﷺ لما رآهم" ليش "عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر"، ومضر من أشراف العرب، فهؤلاء ناس من أشراف العرب، هؤلاء حالهم في الفقر والشدة، فتمعر وجه رسول الله ﷺ لما رأى بهم من الفاقة، يعني تغير وتلون منزعجًا، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً فأذن، وأقام، فصلى ثم خطب، فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1]، قرأ هذه الآية لما فيها من الحث على الصدقة، وتأكيد الحق لكونهم إخوة، وقرأ الآية التي في الحشر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر : 18] الآية.
ثم قال: تصدق رجل من ديناره، يعني ليتصدق، فجاء بالفعل الماضي والمقصود الأمر، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس"، فتح الباب، "حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله ﷺ يتهلل كأنه مذهبة"، قطعة من الذهب يتهلل، وحدثهم بحديث: من سن في الإسلام سنة حسنة [رواه مسلم: 1017].
لماذا سر؟ لمبادرة المسلمين إلى طاعة الله، وبذل أموالهم لله، وامتثالهم لأمره هو، ودفع حاجة المحتاجين، وشفقة المسلمين على بعضهم، والتعاون على البر والتقوى، فإذًا في مثل هذا يظهر سرور الإنسان.

سجود الشكر عند الفرح

00:22:39

وكان ﷺ إذا جاءه ما يفرحه سجد لله شكرًا، كما جاء في حديث أبي بكرة عن النبي ﷺ "أنه كان إذا جاءه أمر سرور، أو بشر به خر ساجدًا شاكرًا لله". [رواه أبو داود: 2774، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 2412].
فهكذا إذا جاءه أمر من الخير، وتجددت له نعمة، وبشر بما يحب خر سقط على الفور هاويًا إلى إيقاع سجدة يشكر بها ربه على ما أحدث له من السرور، ومن ثم ندب سجود الشكر عند حصول نعمة، واندفاع نقمة، هذه بعض المواضع التي كان النبي ﷺ قد فرح فيها وسر.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الفرحين بالإسلام وبفضله وبرحمته، ونسأله أن يزرقنا علمًا نافعًا، وعملاً صالحًا إنه هو السميع العليم.