الحلقة الثانية عشر: آية (114) هود{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}. عن ابن مسعود: أن رجلاً أصاب من امرأة قُبْلَةً أو مسَّاً بيدٍ أو شيئاً دون الفاحشة، فأتى النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فذكر ذلك له، كأنَّه يسأل عن كفَّارتها، فأطرق النَّبيُّ طويلاً حتى أوحى الله إليه بهذه الآية، فقال ذك الرجل: ألي يا رسول الله؟ فقال: ((لجميع أمتي كُلِّهم)). {وأقم الصَّلاة} أمرٌ بأعظم العبادات العمليَّة، وهي أساس العبادات وعمود الدِّين وعونٌ على الثَّبات وكفَّارةٌ للسيئات، والمحافظة على هذه الصَّلوات حفظٌ للإنسان من الوقوع في الذُّنوب، ثم إن الله تتطرَّق إلى أوقات فروض الصلاة بقوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} هي الصبح والعصر، {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ}: جمع زلفة، وهي أول الليل القريب من النهار، وهي المغرب والعشاء، وذكر الظَّهر في آية أُخرى في قوله: {وحين تظهرون}. .... المزيد |
الحلقة الحادية عشر: آية (109) التوبة{أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ذكر تعالى قبل هذه الآية طرائق متعدِّدة لأصناف المنافقين أقولاً وأفعالاً في محاربة دين الإسلام، إلى درجة أن أحدهم وصل به الحدُّ في حربه على الدِّين إلى بناء مجمعٍ للمنافقين على هيئة مسجد؛ ليدبروا ما أرادوه به من المكر والشر والفتنة، وجعلوه قريبا من مسجد قباء، لشق صف المسلمين وتفريق كلمتهم، فأبان الله تلك الأهداف وأمر بهدم ذلك المسجد؛ لأنَّه بُني على باطل، وأمر نبيَّه ألَّا يدخله ولا يُصلِّي فيه، وحثَّ الله نبيه على القيام بالصَّلاة في مسجد قباء الذي هو أول مسجد أسس في الإسلام على طاعته، وبيَّن النَّبيُّ أنَّ الصَّلاة فيه ركعتين تعدل عمرةً، وهذه المقارنة التي أوردها الله بين بناء مسجد قباء الي أُسست قواعده على التَّقوى والرَّضوان والخير وبين هذا المسجد الذي أُسس على الشَّرِّ والفتنة هي مقارنةٌ تقريريةٌ. .... المزيد |
الحلقة العاشرة: آية (32) التوبة{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}. هذه الآية في معرض الرَّد على محاولات أهل الكتاب لإطفاء نور الله ومحو دين الإسلام. ونور الله، هو الذي أرسل به رسوله، وأنزل به كتابه؛ يُستنار به في ظُلمات الجهل والباطل، ولن يستطيع أحدٌ أن يطفئَ نورَ الله، والإطفاء، بمعنى الإخماد، ولكن ذكر الله الإطفاء ولم يذكر الإخماد؛ لأنَّ إطفاء النَّار بإزالة لهبها، واتِّقاد جمرها معاً، وهو أبلغ من الإخماد، والعرب تستخدم الإطفاء في القليل والكثير، بينما يستخدمون الإخماد في القليل دون الكثير. وهذا فيه دلالةٌ على شدَّة عداوة أهل الكتاب لدين الإسلام، ويسعون إلى أن لا يكون للمسلمين أدنى خير. .... المزيد |
الحلقة التاسعة: آية (157) الأعراف{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. لما أخبر سبحانه وتعالى عن رحمته التي وسعت كُلَّ شيء، وأنَّه سيكتبها للذين يتقون؛ جاءت هذه الآية لتُبيِّن صفات هؤلاء المتَّقين، والذين من صفاتهم: أنَّهم يؤمنون بالنَّبيِّ الأمِّيِّ، ويتأسَّون به، ويتبعون سُنَّته. وحيث أنَّ الله وصف نبيَّه الذي يتبعه المؤمنون بالأمي، وهذه في حقِّه صلَّى الله عليه وسلَّم صفة كمال؛ لأنَّها من أدلَّة صدقه لتقم الحجة على أعدائه بأنَّه جاءهم بهذا الكتاب، فلا يقرأ ثقافات الآخرين ولا في كتبهم، حتى لا يتهم بأنَّه وضع ذلك الكتاب، وهذه الصِّفات قد كانت موجودة في كتبهم في التَّوراة والإنجيل، وكذلك بيَّن الله -عزَّ وجلَّ- في هذه الآية خصائص وطبيعة هذه الملَّة الحنيفية التي جاء بها هذا النَّبيُّ الأمي. .... المزيد |
الحلقة الثامنة : آية (120) الأنعامقال الله -تعالى-: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ}. فهذا أمرٌ من الله بترك جميع المعاصي الظَّاهرة والباطنة، وسواءً المتعلِّقة بحقوقه تعالى أو بحقوق خلقه. {وذروا} أي اتركوا، وإنَّما قيل للمعاصي: ذنبٌ؛ لأنَّها سببٌ للوقوع فيه، ويقصد بها ذنوب السِّرِّ والعلن، ومنه قوله تعالى: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}. وكذلك المجاهرة بالمعاصي تدخل بظاهر الإثم، وكذلك: الإعلانات التي تدعو إلى حفلات الغنى، وخروج المرأة متبرجة، والتَّدخين، ونحو ذلك؛ فكُلُّ ذلك من المجاهرة بالمعاصي. .... المزيد |
الحلقة السابعة : آية (100) المائدةقال الله -تعالى-: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. فالله -سبحانه وتعالى- حكيمٌ والحكيم لايُساوي بين الطَّيب والخبيث، والآية فيها إرشادٌ لنبينا -عليه الصَّلاة والسَّلام- ليقول للنَّاس: لايستوى الخبيث والطَّيب بحالٍ من الأحوال، ولو أعجبك ظاهر الخيث وشكله وكثرته ففي الحقيقة هو سيءٌ ضارٌّ، وهذه قاعدةٌ شرعيةٌ عامَّةٌ يندرج تحتها أمورٌ كثيرةٌ، فلا يستوي الحلال والحرام، ولا المؤمن والكافر، ولا التَّوحيد والشِّرك، ولا الجليس الصَّالح والجليس السُّوء، ولا السُّنَّة والبدعة ونحو ذلك، فكُلُّ خبيثٍ مكروهٌ عند الله ومآله إلى جهنَّم، فالجنَّة طيبةٌ وهي مساكنٌ للطَّيبين، وحيث أنَّ الله قدَّم في الآية ذكر الخبيث على ذكر الطَّيب وذلك لإزالة شبهة المغترِّين بكثرة الخبيث، فكُلُّ ما فيه اتِّباعٌ لشرع الله فهو طيبٌ، وكُلُّ ما خالف شرع الله فهو خبيثٌ، والآية فيها حثُّ للمؤمين على اتِّباع كُلِّ ما هو طيب والتَّنفير عن كُلِّ ما هو خبيث. .... المزيد |
الحلقة السادسة: آية (1) المائدةقال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}. بما أنَّ سورة النِّساء التي قبل سورة المائدة اشتملت على أنواعٍ من العقود، وبيَّنت أنَّ اليهود لما نقضوا كُلَّ العهود التي أُخذت عليهم حرَّم الله عليهم طيباتٍ أحلَّت لهم؛ فناسب في مطلع سورة المائدة أن يأمر بالوفاء بالعقود؛ حتى لاتقع هذه الأمَّة فيما وقع فيه من قبلها، فاستفتح هذه الأوامر بالنِّداء للمؤمنين بأشرف الأوصاف{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} لحثِّهم على استكماله؛ لأنَّ من مقتضيان الإيمان: الوفاء بالعهود، وسورة المائدة أجمعُ سورةٍ في القرآن لفروع الشَّريعة من جهة الحلال والحرام والأمر والنَّهي، وحيث افتتحت بقوله: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} والوفاء: هو الإتيان بالشَّيء وافياً تامَّاً لانقص فيه، والمراد بالعقود هنا: العهود، وقال ابن عباس: العقود: ما أحلَّ الله وما حرَّم وما فرض وما حدَّ في القرآن كُلِّه، وسُمِّيت عقودٌ؛ لأنَّ الله تعالى عقد أمرها وحتَّمه وأوثقه فلا انحلال له، والعقود شاملةٌ لما بين العبد وربِّه وبين العبد والعبد، وفي الأمر بالوفاء بالعقود بيان أنَّ معايش النَّاس ومعاملاتهم يجب أن تسير وفق ما شرعه الله من قواعد وضوابط؛ لأنَّ فيها المصلحة ودفع المضرَّة. .... المزيد |
الحلقة الخامسة : آية (32) النساءيقول الله -عز وجل-: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: يغزو الرجال ولا تغزو النساء وإنَّما لنا نصف الميراث؟ فأنزل الله -عز وجل- هذه الاية [رواه الترمذي وهو حديث حسن صحيح] والتمني هو تعلُّق النَّفس وتلهُّفها لحصول أمرٍ مطلوبٍ في المستقبل يعسر الوصول إليه الآن، فنهى الله المؤمنين أن يتمنَّى بعضهم ما خصَّ به تعالى غيرهم من أمرٍ دينيٍّ أو دنيويٍّ، وقال ابن عباس: لا يتمنَّى الرَّجل فيقول: ليت لو أنَّ لي مال فلانٍ أو أهله، والتَّمنى: قد يكون حراماً: كأن يتمنَّى زوال نعمةٍ على الغير، وقد يكون جائزاً: كأن يتمنَّي مثل ما للغير دون تمنِّي زوالها، وقد يكن تسخطَّاً على أقدار الله: كأن يقول : لماذا فلانه له تلك النِّعمة وأنا ليس ليس ذلك؟ وقد يكون التَّمني عن كسلٍ وأماني باطلة: كأن يجتهد ذلك الشَّخص فيحصل على ذلك بينما المتَّني كسلان، وأحياناً تكون الاماني مستحيلة: كأن تتمنَّى المرأة أن تكون رجلاً أو العكس، وكذلك أنَّ من التَّمنِّي الجائز: أن يتمنَّى الشَّخص أن يكون على دين فلان وتقواه وعلمه، بخلاف الأمور الدِّنيوية. .... المزيد |
الحلقة الرابعةيقول الله سبحانه وتعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (68) سورة القصص، يقرر سبحانه وتعالى في هذه الآية حقيقة مهمة، ينبغي أن ترسخ في عقل كل واحد منا، وهي: أنه سبحانه وتعالى وحده المتفرد بالخلق والاختيار، ليس له في ذلك منازع ولا معقب سبحانه .... المزيد |
الحلقة الثالثة : آية (8) آل عمران{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}. لما ذكر الله قبل هذه الآية أن من القرآن محكمٌ ومتشابههٌ، وبيَّن أنَّ الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه، ويريدون في الاحتجاج على باطلهم بعض آيات القرآن التي يخفى ويلتبس معناها على الكثيرين؛ ذكر أنَّ الرَّاسخين في العلم يقولون: {آمنَّا به كُلٌّ من عند ربنا}، وأنهم مع إيمانهم به يدعون ربَّهم بالثَّبات على الدِّين وعدم الزَّيغ والانحراف، ولرسوخهم في العلم يعلمون أنَّ الإنسان ضعيفٌ وعرضة للتَّقلب والنَّسيان والغفلة. إذاً، فالدُّعاء بالحفظ من الزَّيغ بعد الهداية عظيمٌ، وهنا لايحصل العجب والغرور؛ لأنَّ الإنسان إذا هداه الله يخشى على نفسه أن يضلَّ أو يزلَّ، ولأنَّ سبل الضَّلال كثيرة، والزيغ هو الميل عن الطَّريق المقصود وعن الاستواء وعن الحقِّ. .... المزيد |