بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
ضبط الناس أقوالهم وأفعالهم بالميزان الشرعي
حياكم الله أيها الإخوة والأخوات والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلا شك أن الأحداث التي تجري من حولنا عظيمة، والله سبحانه وتعالى هو الذي يقدر الآجال، وكل شيء عنده بمقدار سبحانه وتعالى، وهو عز وجل الذي يدبر الكون ويعلم ما في الغيب إلا هو عز وجل، ونحن عباد مربوبون مخلوقون يتصرف فينا حيث يشاء وكيف يشاء سبحانه وتعالى، وليس لنا إلا أن ندور مع شرعه حيث دار ونستسلم لقدره سبحانه وتعالى، أنعم علينا بنعم كثيرة عز وجل، وأعطانا ما أعطانا لنعبده ونشكره ونذكره عز وجل ولا نكفره، ولذلك فينبغي علينا أن ننضبط بالميزان الشرعي وأن نجري في حركاتنا وأعمالنا وفق الكتاب والسنة، وأن لا نتخطى ذلك ولا ننحرف عنه، وكل من يضيع إنما يضيع بسبب الابتعاد عن الكتاب والسنة، ومخالفة الكتاب والسنة، وترك الكتاب والسنة، والاعتراض على الكتاب والسنة، والتقدم بين يدي الكتاب والسنة، وتقديم العقل على الكتاب والسنة وهكذا.
المسألة جد كبيرة والله، نحتاج الآن أن نزن أعمالنا وتصرفاتنا وحركاتنا بالكتاب والسنة ولا نعدل عن ذلك أبداً، إن الظرف الدقيق الذي نعيشه الآن يحتم علينا أن نؤصل شرعاً كل حركاتنا وكل أفعالنا، نؤصلها شرعاً وفق الكتاب والسنة وعلى دليل الكتاب والسنة ومع علماء الكتاب والسنة، وكلما تعاظم الخطب وكلما تشابكت الأمور وكلما دخلنا في مدلهمات وكلما ألمّت بنا فتن فهذا يؤكد علينا أن لا نصدر إلا عن الكتاب والسنة وأن نكون مع أهل العلم بالكتاب والسنة، أهل البصيرة هؤلاء الذين أنار الله بصائرهم بالقرآن وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نرى والله من حولنا هذه الأمور وهذه الخطوب تدور وتفور والدنيا تضطرب وتمور ولذلك ليس لنا محيص ولا معدل أبداً عن هذا الأمر، ونسأل الله السلامة ونسأل الله العافية ونسأل الله الأمن والإيمان، ونسأل الله حياة عامرة في ظل كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
الاستمساك بالكتاب والسنة والتواصي بهما
نريد أن نستمسك بالكتاب والسنة حتى نلقاه، نحيا على ذلك، ونموت على ذلك، ونريد أن نبعث على ذلك ونلقى الله على ذلك، لا نريد أن تكون أمورنا صادرة عن عشوائية ولا عن فوضوية، ولا عن هوى، ولا عن مجرد عواطف، ولا عن إتباع لكل ناعق، وإنما الآن الظرف الدقيق يحتم علينا الاستجابة والاستسلام الكاملين للكتاب والسنة، ماذا يريدنا الله أن نعمل في مثل هذا الحال؟ ماذا أراد رسوله صلى الله عليه وسلم منا أن نكون في مثل هذه المواقف؟ هذا هو المطلوب الآن، المسألة تحتاج إلى فقه وعلم وبصيرة وحكمة وروية وأناة وأخوة، المسألة تحتاج إلى رجوع إلى أهل العلم، رجوع إلى أهل البصيرة، المسألة تحتاج إلى اعتصام الآن، الاعتصام ما لنا مخرج وما لنا بد لما وقعت الفتنة ذهبوا إلى أُبي: ما المخرج؟ قال: كتاب الله، لا يوجد حل آخر أبداً، ويجب أن يكون هذا الكتاب ينير لنا الطريق والدرب باستمرار دائماً، يجب أن نكون قريبين منه أكثر من أي وقت مضى، من تلاوته تفسيره وتدبره والسير على منهاجه، والسير على توجيهاته، هذه مقدمة أيها الإخوة والأخوات لما يحدث الآن والقضية دقيقة والظرف خطير والله العظيم، ولكن نحن باعتصامنا بكتاب ربنا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يمكن أن نعبر ونجوز كل خطر وأن نقتحم كل عقبة انتظاراً للعقبة الكبرى فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ *أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِالبلد:11-18، التواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة يعني في إخوة إسلامية في إخوة إيمانية تقف أمام الهزات، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِالعصر:3، الإيمان التواصي بالحق أن نتمسك به، نعقد قلوبنا عليه، والصبر أن لا نتركه، ولا نغادره، تواصوا بالحق وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة، ثلاثة أشياء مع الإيمان، ماذا نحتاج الآن؟ الظرف ماذا يحتاج الآن؟ إيمان، وتواصي بالحق، وتواصي بالصبر، وتواصي بالمرحمة، الحق واضح، الدليل بالكتاب والسنة، المنهج، لازم يكون في تواصي بالتمسك به الحق، معرفة الحق والتمسك به والاستمرار عليه، في ناس تتفلت، ومرحمة أخوة، أخوة يعين بعضهم بعضاً ويرحم بعضهم بعضاً ويتواصون في الثبات على الحق، هذه الأشياء التي نحتاجها.
طغيان البشر بدون الكتاب والسنة
البشر يطغون بدون الكتاب والسنة، يصيبهم ما يصيبهم، أنعم الله عز وجل على الإنسان في هذا الزمان بالتقدم التقني وفي شتى المجالات، وفتح الله للإنسان فتوحات كثيرة في هذا الزمان، تطور في العلوم وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَالجاثية:13، كانت نتيجة هذا التسخير ما حصل من اكتشافات وتقدم وتطور في شتى الميادين، لكن البشر كثير منهم بدل ما يشكر نعمة الله عليهم بالتقدم الاقتصادي والتقدم الصناعي والتقدم الزراعي، والتقدم الطبي، والتقدم في الفلك، بدلاً من أن يشكروا الله على هذه الفتوحات وهذه النعم وسهل حياتهم وهيأ لهم هذه المخترعات وهذه المبتكرات يطيرون في الهواء، يصلون في مسافات يقطعون مسافات طويلة في أزمنة قصيرة فتح لهم فتوحات في أنواع الزراعات، كيف يزرعون الهكتارات والمساحات العظيمة وكيف يحصدونها في أزمنة قصيرة، فتح عليهم في علوم كثيرة في التجفيف والتعليب والتخزين والتسويق والنقل إلى آخره، لكن البشر من طبيعتهم بدون كتاب وسنة ماذا يحدث لهم؟ غرور، يحدث لهم غرور، استعلاء رغبات جامحة تمرد، يظنون أنهم ملكوا كل شيء، علوا أهل الأرض وقهروا أهل السماء، وحتى أفلامهم تجدها مؤسسة على قضية الجهل بالله سبحانه وتعالى، والغرور والاستغناء عن الله، هكذا شعور بعضهم، الاستغناء عن الله وكأنهم ملكوا المفاتيح التي يخرقون بها الأرض ويبلغون الجبال طولا، مع أن الله عز وجل أخبرهم أنهم لم يبلغوا الأرض وأنهم لن يخرقوا الأرض ولن يبلغوا الجبال طولا، صار في اعتداءات على توحيد الألوهية وعلى توحيد الربوبية، وعلى البعث والنشور، والحساب والجزاء، وغرور البشر داء فتاك والله عز وجل بالمرصاد
، قد يأتيهم بأزمة مالية أو زلزال وداهية من الدواهي الأرضية، أو آفة سماوية، فيعلمون عندها أن الله حق ولكن ولات ساعة مندم، لات حين مناص، إذاً نحن يجب علينا إذا فتح الله علينا بأشياء أن نستسلم له وتواضع، النبي عليه الصلاة والسلام لما فتح الله عليه مكة ودانت له جزيرة العرب دخل مكة ليس باستعلاء وغرور القادة الذين يحتلون ويقتحمون ويستولون وإنما دخل متواضعاً تكاد جبهته أن تمس عنق راحلته خضوعاً لله عز وجل.
موضوع الغرور البشري هذا سنتحدث عنه قليلاً وعن حقيقة البشر، وماذا يمكن أن يحدث لهم إذا اغتروا بما آتاهم الله أو بما فتح عليهم فابتعدوا عن شرعه، قضية الغرور آفة خطيرة .
صور غرور البشرية
أيها الإخوة والأخوات فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَالتوبة:70، ولقد تعددت صور غرور البشرية في ظل الحياة المادية المعاصرة بصور كثيرة في درجات حراك وفساد متباينة قد تصل إلى منازعة الربوبية في الخلق والرزق والصفات أنا ربكم الأعلى، وقد تكون فيما هو أدنى من ذلك، ما أسرع الكبر إلى بعض البشر عندما يعلمهم الله أموراً كانوا يجهلونها، والله عز وجل فوق سبحانه وتعالى العليم علام الغيوب، وفوق كل ذي علم عليم، والله عز وجل قادر على نزع العلم منهم وهو سبحانه وتعالى قادر أن يريهم من آياته ما يجعلهم يتحيرون، ولذلك العلم الدنيوي يجب أن يقود إلى الله لا إلى الغطرسة والكبر، لا يصح أن يستعظم الإنسان نفسه ويتباهى على ربه
وألف بعض الأدباء فيما سبق كتاباً في الكيمياء واغتر فقال:
أما العلوم فقد ظفرت ببغيتي ... منها فما أحتاج أن أتعلما
وعرفت أسرار الخليقة كلها ... علماً أنار لي البهيم المظلما
وورثت هرمس سرحكمته الذي ... ما زال ظناً ف الغيوب مرجما
وملكت مفتاح الكنوز بحكمةٍ ... كشفت لي السر الخفي المبهما
لـولا التـــقية كنــت أظهــر معجـــزاً ... مــن حكـمتي تشـفي القلـوب مـن العـمى
سبحان الله هذا الغرور يعني هذا الداء بدلاً من أن ينقاد العبد للخشية والتواضع إذ به يغتر ويتعالى ويتكبر على ربه ولذلك من فوائد علم الشريعة أيها الإخوة والأخوات: أنه يقود إلى التواضع لله والخشية به إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُفاطر:28، يعني العالمون بالوحي، الله أنزل نوراً وهدى، وأنزل سبحانه وتعالى هذا القرآن لكي ينقاد الناس إليه به؛ ليكون مخرجاً من الأزمات ليكون علاجاً من الأمراض، ليكون المحور الذي تدور حياة البشر حوله، لكن ماذا قال بعض الناس الدين ظاهرة اجتماعية، وقال قبلهم آخرون: الدين أفيون الشعوب، تطاول بعض علماء الطبيعة فقالوا: إن الطبيعة هي التي خلقت وهي التي فعلت، وهي التي وهبت، وتراهم في أفلامهم العلمية يقولون: الطائر وهبته الطبيعة كذا، وهذا الحيوان وهبته الطبيعة كذا، وخلقت الطبيعة، والطبيعة الخلاقة، الخلاق صيغة مبالغة من خلق، يقصدون يعني أنها تخلق خلقاً عظيماً وتخلق خلقاً شديداً، ولذلك يجب أن ننتبه حتى للألفاظ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُالرعد:16، فلا يوجد شيء خلق نفسه بنفسه، ولا أحد خلق شيئاً لا يخلق إلا الله، لا يوجد من العدم إلا الله هو البارئ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَالطور:35، والله خلق جميع ما في الأرض وأودع فيها الأقوات وأودع فيها المعادن وما يحتاجه الناس، وبعد ذلك يأتي من يقول: إن هذا المعدن أو هذا الشيء يعطيك كذا ويمنحك كذا، والله هو الذي يعطي وهو الذي يمنح سبحانه وتعالى، لكن نسوا الله فنسيهم، من الذي أودع المعادن خصائص الحرارة والبرودة والصلابة والليونة وإلى آخره، ثم بعد ذلك أناس يقولون هذه أحجار كريمة لها تأثير في الحياة وتفعل وتفعل للإنسان لدرجة أن بعضهم يقولون: أن هذه الأشياء تجلب لك سعادة أو تجلب عليك شقاء، أو تجلب لك حظاً، أو تحرمك من شيء، سبحان الله! أليس الله يقسم الخلق بين الناس! أليس هو سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء، إذا أراد الله أن ينزع الخاصية من معدن أو من شيء نزعه منه قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَالأنبياء:69، فنزع منها خاصية الإحراق، وبعض مثلاً الذين يشتغلون بالفيزياء تطاولوا على الله من أين أتى هذا الكون؟ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَالطور:36.
يا إخوان أنا أعطيكم مثلاً من الألفاظ التي تتداول الآن الفوضى الخلاقة، طيب استعملها بعض أهل الكنيسة الفوضى الخلاقة، وقالوا: إن الكون خلق من فوضى، وأنه في خلق الكون يوجد مرحلة فوضى، وصل بعدها الكون إلى هذا الحال، ونص بعض الكنسيين النصارى في كتبهم على أن هناك مرحلة فوضى في خلق الله، سبحانه وتعالى كل شيء عنده بمقدار، وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍسورة الحجر21، يستعملها بعض الماسونيين كما أشار إلى ذلك دان براون هذه قضية الفوضى الخلاقة، بعض الساسة الغربيين أيضاً أتى بهذه الكلمة لأغراض نذكر بعضها، بعض النفسانيين يقولون: إنك إذا أردت أن تعالج مريضاً نفسياً فلابد أن تشتت كل الثوابت التي عنده وتدمر كل الأسس التي في نفسه فإذا صارت نفسه في حالة فوضى بعد ذلك ترتب أنت الأمور كيف تشاء، يقولون: هذه فوضى خلاقة، استعملها بعضهم في قضية انتقال الشيوعية إلى الرأسمالية وقالوا: لابد إذا انهدمت الشيوعية أن تمر الأمور بمرحلة فوضى خلاقة ثم بعد ذلك تنتقل إلى الرأسمالية التي هي المذهب المناسب من أحسن الأسماء للبشر، وبعضهم استعمل هذا المصطلح في أشياء وأشياء، هم استعملوها أيضاً في قضية السياسة وقالوا: إن انتقال البشر إلى الديمقراطية لابد أن يتم بمرحلة من الفوضى الخلاقة، وبعضهم يقول: الخلاقة بالنسبة لنا والفوضى بالنسبة لغيرنا، ونريد أن نحدث الفوضى في بلاد المسلمين في طولها وعرضها لنصل بعد ذلك إلى مرحلة الديمقراطية أو المرحلة التي نحن نلعب فيها كل شيء ونحدد فيها كل شيء، وهكذا، على أية حال الشاهد من حديثنا الآن: أن بعضهم يقولون: إن هناك فوضى في خلق الله عز وجل تعالى الله، يعني: كل شيء عنده بمقدار سبحانه وتعالى، أحياناً الغرور العلمي يجعل أصحاب البحوث التجريبية تتلاعب بهم الغايات والأهواء لغيرهم، يقول بعض الاستشاريين في مجال من المجالات العلوم الدنيوية: لم أعد أثق بالأبحاث العلمية بسبب الغش والأغراض التجارية التي تقف وراءها، هذه ملاحظة كانت في بعضهم على بعض الأبحاث الطبية، يقول: أن بعض الشركات تدفع لبعض الخبراء الطبيين كي يصدروا أبحاثاً توافق أهواءهم، مثل ما فعلت مثلاً شركات الدخان في فترة من الفترات كي ترشوا بعض المشتغلين بالحقل الطبي حتى يبرّئ التدخين من الأمراض كذا كذا، حتى فاحت الرائحة وما عاد ممكن هذا الكلام، المهم تجد أن بعض المنتجين لبعض الأشياء يمكن أن يدفع لبعض الجهات الطبية كي تصدر له أبحاثاً تؤيد أن المنتج الذي ينتجه مفيد أو قوي أو فعال أو سليم ونحو ذلك حتى يقبل الناس عليه، وصلت قضية الغرور في بعض المجالات أن قالوا: لا يوجد شيء مستعصي، لا يوجد أحد لا يفعل له مثلاً الطب الحديث شيئاً، مع أننا نجد سبحان الله! أن الأطباء الأقوياء والأطباء الماهرين عندهم من التواضع ويقولون: هذا ما اكتشفنا منه إلا شيئاً يسيراً، وهذا المرض لا زلنا نجهل أسباب هذا المرض، ولذلك بعض حكمائهم يقولون: كلما ازددنا علماً ازددناً جهلاً، يعني: اكتشفنا أن هناك مجالات كثيرة لا نعرف عنها شيئاً، لكن لما يصيب الغرور بعض البشر عندما احتفلوا بإنجاب أول طفل أنابيب، ماذا قالوا؟ إن كل شخص سيستطيع في المستقبل أن يكون أباً، يعني قوله تعالى: وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًاالشورى:50، يظنون أن هذا سيلغى، فللنظر ماذا سيحدث؟ قال الله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌالشورى:50، طيب وإذا ما عنده حيوانات منوية أصلاً كيف ستجعلونه ينجب؟ أو سينجب من غيره ويلصق به؟ لما صارت قضية الهندسة الوراثية بدلاً من أن يقولوا: فتح الله علينا بكذا، والآن ممكن أن نستعملها في علاج مرض السكر، أو إلى آخره من الأشياء التي تورث من أب إلى ابنه وفي العائلة أمراض وراثية فلعلنا نهتدي الآن إلى أشياء كي نساعد مثلاً الجيل الجديد على تلافي مرض معين بإذن الله وأمر الله له، ماذا قال بعضهم؟ الآن نخلق كما نشاء، نستخدم التقنية والجينات هذه والمورثات في خلق من العدم نحن سنخلق وسنفعل ما نفعل، وسنطور سلالات بشرية كما نشاء في الطول والعرض والقوة حتى قالوا: سنصل إلى المورث الجيني المسئول عن الهرم الشيخوخة ونلغيه، سبحان الله! النبي عليه الصلاة والسلام لما قال أو أخبر: (إن الله لم ينزل داء إلا أنزل معه شفاء، إلا الهرم)[رواه أحمد 17987]سبحان الله، الشيخوخة والهرم لا يمكن القضاء عليها أبداً، والناس سيموتون وهؤلاء الذين أصيبوا بما أصيبوا به من الغرور قصدهم أنهم سيصلون إلى وقت لا يموت البشر، وقد صرح بعض الملاحدة العرب المفتونين لما حدث في التطور الطبي في هذا في بعض المقالات وقال: أنا سأوصي أن جثتي تحفظ تحت درجة كذا وكذا في تبريد معين حتى لما يستطيع البشر أن يعالجوا قضية الموت بعد ذلك يمكن إخراجي مرة أخرى أعود للحياة.
الغرور الذي يدفع بعض الذين يدخلون في بعض المجالات يقولون: سنخلق بشراً كما نشاء، في الجنس ذكر أو أنثى، ونسبة الذكاء، والقوة العضلية، وسنجعله خالياً من الأمراض، وسنجعله لا يشيخ ولا يهرم، وسنجعله وسنجعله، سبحان الله! لما جاءت قضية الاستنساخ ماذا حصل؟ ضج بعضهم، طيب توليد كائن حي إما بنقل النواة من خلية جسدية إلى بويضة منزوعة النواة، وإنما بتشطير بويضة مخصبة في مرحلة تسبق تمايز الأنسجة والأعضاء فهم ما خلقوا من العدم والله، ما خلقوا خلية يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌالحج:74، ما قدروا الله حق قدره، ظنوا أنهم سيفعلون ما يشاءون، طيب ما يفعلونه تلاعب بخلق الله وتغير لخلق الله، وقضية شيطانية، ممكن يأخذ حيوان منوي من قرد ويزرعه في رحم امرأة وكيف يطلع شكل المخلوق، وحدث في مدينة شنكهاي في عام 2006م أنهم استخدموا حبلاً سرياً بشرياً وزرعوه في أجنة ماعز ونتج عن ذلك أن أجنة الماعز طلع لها بعض الخصائص بعضه من صفات بشرية وبعضه في صفات الماعز وأطلقوا على الجنين المفترض كيمرا وزعموا أنه يمكن استنساخ أي عدد من الأجنة من أصل خلية واحدة ويمكن الاحتفاظ بأي من هذه النسخ المتطابقة وراثياً لأي فترة، أهل الفقه الإسلامي ماذا قالوا؟ وهناك طبعاً فرق بين قضية الخلق من العدم وهذا لا يمكن، وفي قضية التلاعب بخلق وهذا ممكن والله عز وجل قال عن الشيطان: فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِالنساء:119، فتغيير خلق الله والتلاعب بالخلقة ممكن في أشياء مثل الواشمات والمستوشمات والواصلات والمستوصلات والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، فالتغيير درجات، التغيير طبقات، الآن اكتشفوا أنواع من التغيير جديدة، قرر مجمع الفقه الإسلامي تحريم استنساخ البشر بأي طريقة تؤدي إلى التكاثر البشري وتحريم كل الحالات التي يقحم فيها طرف ثالث على العلاقة الزوجية سواء كان رحماً، مثل واحد وزوجته يستأجر رحم امرأة أخرى ثانية، أو بويضة يعني واحد وزوجته يستأجران بويضة أو يؤخذ بويضة امرأة أخرى وتوضع في زوجة هذا، أو يؤخذ من غير الزوج حيوان منوي ليوضع في زوجته، أو خلية جسدية للاستنساخ، طبعاً هذا كلام أهل الفقه تعقيباً على ما فعل هؤلاء من التلاعب، ديننا أيها الإخوة لا يسمح أن يصبح العلم أداة لامتهان كرامة الإنسان، ويتخذ الإنسان حقلاً للتجارب في هذه الطريقة البشعة، ثم ماذا ينتج المخلوق هذا أو النسخ الذي يريدونه، والآن يقولون: نريد استنبات خلايا تكافح الهرم، نريد أن نسعى للقضاء على الخلايا المسببة للموت، وبعض أبحاثهم معناها نحن نسعى أن نخلق خلقاً أحسن من خلق الله، خلق الله فيه ضعف، خلق الله يمرض، خلق الله فيه كذا، نحن سنخلق خلقاً ما يمرض ولا يموت، قال سبحانه: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍلقمان:11، وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُالحج:73، كل المختبرات وكل الخبراء وكل الأطباء وكل الأجهزة وكل الآلات، ولو اجتمعوا له جناً وأنساً، ولذلك ما خلقوا بعوضة من العدم، هل خلق البشر إلى الآن بعوضة؟ هل خلقوا ذبابة؟ هل خلقوا دودة من العدم؟ لا، الآن يتلاعبون بالخلق، لكن خلق من العدم ما حصل، ولا يمكن أن يحصل ولو اجتمعوا له، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُالحج:73، لو وقفت ذبابة على طعام أعظم خبراء العالم وأخذت منه شيئاً هو يتحلل عندها ويذوب، لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُالحج:73، فالبشر يستطيعون نحت تمثال يشبه الأصل ولكن لا يمكن أن ينفخوا روحاً في تمثال لطير فيطير، ولا لإنسان فيمشي، ولذلك قال في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح قال رحمه الله: فالبشر يستطيعون نحت تمثال يشبه البشر، ويستطيعون صناعة صورة طير من الطين أو الجص ولكن لا أحد يستطيع أن يحيى هذا الذي صنعه أو نحته، ولذلك يوم القيامة يقال لأصحاب الصور والتماثيل أحيوا ما خلقتم، صنعت تمثال إنسان أو تمثال حيوان وقد نهيتك في الدنيا عن ذلك فعصيتني وصنعته، أحيوا ما خلقتم، ولينين الذي توفي عام 1924م وقد حنطه قومه لم يدفنوه كان عندهم أمل أنه يوماً ما يستطيعون إعادته إلى الحياة، هذا ما زعمه ملحدو العالم، قال الله: وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍالعنكبوت:22، التلاعبات وصلت إلى قضية تأجير الأرحام تؤخذ نطفة من زوج وبويضة من امرأة ليست زوجته ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته، أو تؤخذ نطفة رجل غير الزوجة وبويضة الزوجة تزرع تلك اللقيحة في رحم الزوجة، أو يُجرى تلقيح خارجي بين رجل أجنبي وامرأة أجنبية ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجة هذا مثلاً العقيم وكل هذا حرام، من بدع الحضارة الغربية التي لا تقيم وزناً للقيم الأخلاقية والمبادئ إلا من تفطن عندهم وصار عنده نوع من الأخلاق ليرفض هذا؛ لأن هذا سبب اختلاط الأنساب وضياع الأمومة، فرحم المرأة تابع لبضع المرأة وهو وقف على الزوج، ولا يحل لغيره أن يشغله بحمل دخيل، وتأجير الأرحام نوع زنا، وقد أمر الله بحفظ الفروج فقال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَالمؤمنون:6، تقدموا في أشياء اخترعت بنوك الحليب، ما هي؟ تشتري الحليب من الأمهات الحوامل ثم تبيعه للنساء اللواتي يحتجن إلى إرضاع الأولاد؛ لأن عندهن نقص في الحليب أو عندهن أعمال ولم يقدروا أن يرضعوا الأولاد، أو تريد أن تحافظ على رشاقتها والرضاع يضر بالرشاقة وتريد تأخذ لبن آخر، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وهذا حرام ولا يجوز أن يوضع بنك على هذا الوجه، ما دام أنه حليب آدميات؛ لأنه ستختلط الأمهات ولا يدرى من الأم من الرضاع، قال الشيخ: أما إذا كان اللبن من غير الآدميات فلا بأس، كم نتمنى أن توجه طاقات البشر وتقدم البشر لعبادة الله، أن يستعان بها على مرضات الله، أن يكون بها إطعام جائعين، وكسوة من هو عاري، علاج المرضى، أن يستعان بها على جعل فرص عمل للعاطلين، وكم نتمنى أن توجه هذه الأشياء في المباحات على الأقل، الربورتات الأجهزة الأتوماتيكية برمجة راقية وصناعة بشرية كبيرة، وتساعد في لحم المعادن، والصباغة، والالتقاط ونقل الأجسام، ومراقبة جودة وصلاحية المنتج قبل التصدير؛ إلى آخره مهام كثيرة حتى العمليات الجراحية لكن هل يمكن أن تكون كل هذه الربورتات مثل الإنسان الذي خلقه الله فيه روح؟ لا، بعضهم قال: هل يمكن أن يصبح الربورت شريك حياة؟ يعني: مثلاً امرأة تتزوج ربورت، رجل يتزوج ربورتة، وقد صنعوا ربورتات جنسية بالتفصيل، وأرادوا إيجاد الاستجابة بردة الفعل تعويضاً عن مشاعر الإنسان الحي، وهم يقولون الآن: بقي عندنا أشياء في الانفعال العاطفي والجنسي لنوجد زوجة آلية أو زوج آلي، في الصين أندية لتأجير الدمى في عمليات الجنس، واختال بعضهم بالأقمار الصناعية في جهة أخرى حتى قالوا: إنهم يستطيعوا أن يروا كل سنتيمتر مربع في الأرض ولا تخفى عليهم خافية، طيب أين يأجوج ومأجوج؟ أين الدجال؟ موجودون، أين هم؟ لماذا لم تكتشفوهم؟ لا زالت الآن الأخبار تأتي أنه اكتشف هناك فيروس حيوان جديد، كائن بحري جديد، ونحو ذلك لا زالت العملية، فالمشكلة أن التقدم لا يقود إلى خشية الله بقدر ما يقود إلى اغترار، ولذلك لابد نحن أهل الإيمان ونحن نسعى في الأرض ونحرص على المفيد وعندنا حكمة أن لا نزلق فيمن انزلق إليه القوم في قضية الاغترار بما صنعوا،وقالوا: في مجال الزراعة نستطيع أن نوجد بيئات صناعية لاستنبات ثمار لا توجد في الأصل، وأن نوجد تعديلات وراثية في النباتات، لكن هذه أشياء يجب أن تظهر هل تضر البشر أم لا تضر البشر؛ هم إذاً الآن اكتشفوا في عمليات التطوير أشياء ضارة، حاولوا إمطار سحب، عملوا محاولات متعددة، وقالوا: أن المشكلة أنها تنزل أمطار حمضية ضارة، محاولات لتشكيل سحب صناعية وتنمية مكوناتها، يقومون برش السحب المحملة ببخار الماء الكثيف بواسطة الطائرات برذاذ الماء، يعمل على زيادة تشبع الهواء وسرعة تكثف بخار الماء لإسقاط المطر، إذاً: عمليات الاستمطار لا يستطيعون أيها الإخوة والأخوات أن يخلطوا سحاباً ويراكموه يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِالنور:43، والبرق، الله الذي يثير السحاب في السماء كيف يشاء، لا يستطيعون أن يخلقوا ريحاً يوزع السحاب في السماء كيف يشاءون، من أين تأتي الريح؟ طيب كيف يجعلون الريح تهب لتجمع هذا السُحب وتراكمه هذه السحب تراكمها في مكان معين لينزل بالمقدار المعين؟ حاولوا رش السحب المحملة ببخار الماء الكثيف يرشوها بالطائرات برذاذ الماء ليعمل على تشبع الهواء وتسرعة تكثف بخار الماء لإسقاط المطر، إذاً عمليات الاستمطار هذه كما تقول مجلة العلوم والتقنية هذا تعريف الاستمطار الحديث، ليس خلق سحاب من العدم، ولا خلق ماء من العدم، ولا الإتيان بريح ليوزعه كيف يشاءون، يأتون بسحابة محملة ببخار الماء الكثيف ويرشوها برذاذ الماء بالطائرات ليزيد التشبع وتحصل سرعة التكثف للبخار لإسقاط المطر، وإلا ليسوا يخلقونه من العدم أبداً، ومع ذلك هذه المحاولات كثيراً ما تفشل، وقالوا: أحياناً تأتي بأمطار حمضية ضارة، ولكن بعض الناس مع الأسف لما يسمع بهذا يقول لأهل المدينة الفلانية أن المطر الذي تنعموا به يوم الأربعاء أو الخميس أو الجمعة الماضي كان بسبب طائرات فوقهم كانت تفعل وتفعل، سبحان الله العظيم! سبحان الله العظيم! قال الله: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍالحجر:21، وقال الله: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَالمؤمنون:18، نأتي على مجال الاقتصاد سرحوا ومرحوا والربا الفاحش والمضاربات في الأصول الوهمية، وقضية الهوامش، والأوراق المالية والأشياء المالية المركبة من بعض، وقضية بيع وشراء الديون، ودخلوا في معاملات محرمة كثيرة، ودخل الميسر والغرر والجهالة وأنواع الربا في المعاملات، فماذا كانت النتيجة؟ ويلات، كساد، بطالة، انهيارات مالية، تضخم، أزمة مالية عصفت بالعالم، لماذا؟ لأنهم ما انضبطوا في انطلاقهم في الميدان الاقتصادي بضوابط الشريعة، والشريعة سبحان الله العظيم! شريعتنا هذه العظيمة تمنع الربا، وتمنع الميسر كالجهالة والغرر، تمنع أشياء معينة وتقول للناس انطلقوا الأصل في المعاملات الإباحة بهذه الضوابط، لكن لما يسير في انطلاق بلا ضوابط وهذه مصيبتهم انطلاق بلا ضوابط، الغرور الهندسي في البناء والعمران يتطاولون في البنيان، البنيان الرأسي يحل مشكلات السكن في العالم، فيه فوائده وإلى آخره، لكن لا يصح أن يكون غروراً، وإلا سنصبح مثل فرعون وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِغافر:37، فبنى فرعون صرحاً لم يرى في الدنيا بناء أعلى منه في ذلك الوقت ليظهر تكذيب موسى فأظهر الله عجزه.
يقولون الآن: فنون المنحوتات وفنون جميلة، وهي قبيحة في الحقيقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن أن نصور ذوات الأرواح، وأن نشكل ذوات الأرواح هذه، ونهى عن مضاهاة خلق الله، لا لأن البشر يستطيعون أن يخلقوا كخلقه أبداً لكن حتى يحمي جناب التوحيد (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا حبة، وليخلقوا ذرة)، [أخرجه البخاري5953 ومسلم2111]، والأشياء الفرعونية كثيرة، ومن اغتر مثل ما اغتر عاد وثمود وفي جنات وعيون، وزروع ونخل طلعها هضيم، وينحتون من الجبال كانوا ينحتون بيوتاً فارهين لكن ما اتقوا الله ولا أطاعوه، فماذا سلط الله عليهم؟ وكذلك الله له سنن يسلط على عباده في القديم والحديث ما يربيهم، يسلط عليهم ما يعلمهم حدهم، والله سبحانه وتعالى رحيم بالعباد ويبتليهم بأشياء ليعيدهم إلى صوابهم، وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَاالزخرف:48، لما تحدى أصحاب تايتنك الله عز وجل ماذا حصل؟ غرقت ذهبت، والغرور العسكري الموجود عند البشر اليوم في هذه الصواريخ الاستراتيجية والأسلحة الثقيلة وقاذفات اللهب وراجمات الصواريخ والناقلات الكبيرة إلى آخره يمكن أن تكون عاقبته وبالاً عليهم؛ لأن هذا الغرور هو الذي يدفع إلى الاستكبار في الأرض، وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ76 سورة القصص، ويغتر ويقول إنما أوتيته على علم عندي الله عز وجل قادر على أن يخسف به وبداره الأرض وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًاالكهف:34، راحت فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَاالكهف:42.
سبب غرور البشرية
لكن أيها الإخوة لماذا يحصل هذا؟ لماذا؟ جهل بالله وبصفاته! فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَالأعراف:99، نسوا الله وأعرضوا عنه، الشعور بالاستغناء عن الله: كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى6،7 سورة العلق، فيتجاوز حده ويتكبر على ربه، نسيان الآخرة والغفلة عنها مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةًالكهف:35-36، كذلك نسيان المنعم واستعمال النعمة في معصيته، البعد عنه، الاغترار بالنفس إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِيالقصص:78، التكبر على أهل الأرض فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةًفصلت:15، ثم كذلك ينبغي أن يكون عندنا نحن المسلمون الآن مفتاح الحل لكثير من أزمات البشرية يجب أن نعرضها على العالم، نقول لهم: استيقظوا، أيقنوا أن هذه الدار دار غرور اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌالحديد:20، يا أيها الناس استيقظوا هذه ليست دار بقاء، يا أيها الناس استيقظوا الإنسان مخلوق ضعيف وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًاسورة النساء:28،ضعيفاً: يجهل ويظلم، اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍسورة الروم:54، ثم يؤول الإنسان إلى الضعف في النهاية، وكم مرة خابت ظنون هؤلاء أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًاسورة مريم:67، نُذكر الناس بأصل الخلقة، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًاالإسراء:85، هذا حدكم يا أيها الناس، اعرفوا عظمة الله وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِالزمر:67، يا أيها الناس إذا فتح الله عليكم بفتوحات واكتشافات واختراعات اشكروه عليها مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِفاطر:2، يا أيها الناس استعملوها في طاعة الله، يا أيها الناس اجعلوها عوناً على عبادة الله، يا أيها الناس اجعلوا مما تصلون إليه شيئاً يفيدكم في أخراكم، تتصدقون وتعينون وفي الخير تساعدون، وفي أعمال البر تشاركون.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ونسأله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أيها الإخوة والأخوات استودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.