بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وحياكم الله في حلقتنا هذه التي نتناول فيها أنواع الشهداء:
فضيلة الشهادة.
الشهادة من أعظم الرتب عند الله وأعلاها وأنفس المقامات وأسماها، وذلك لما لأهلها عند الله من الأجر العظيم والثواب الجزيل والدرجة العالية، وهي من أفضل الأعمال الصالحة التي يمكن أن يختم بها لعبد، قال تعالى:وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَسورة آل عمران169-171.
إذن إحسانه وفضله لهؤلاء تسلية للأحياء عن قتالهم وتنشيطاً لهم لبذل أرواحهم في سبيله، لكن هل الشهداء هم فقط قتلى المعارك، أم أن مفهوم الشهادة في الإسلام أوسع من ذلك؟
الشهيد في اصطلاح الفقهاء: من مات من المسلمين في قتال الكفار وبسببه فكل من يموت في معركة في سبيل الله أو يصاب فيها ويموت بجراحه ولو بعدها فهو شهيد، لكن لماذا سمي الشهيد شهيداً؟
قال ابن الأنباري رحمه الله: سمي بذلك لأن الله تعالى وملائكته يشهدون له بالجنة. وقال النضر: لأنه حي فكأن روحه شاهدة يعني: حاضرة، وقيل: لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة، وقيل: لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة، قيل: لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة، وقيل: لأن الأنبياء يشهدون له بحسن الاتباع لهم، وقيل: لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه، وقيل: لأن هذه الأمة تشهد له بالجنة، وقيل: لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره. وقيل: لأنه يشاهد الدارين دار الدنيا ودار الآخرة، وقيل: لأن عليه علامة شاهدة بأنه قد نجي.
والأمر كما قال ابن حجر رحمه الله في هذه التعريفات: أن بعضها يختص فعلاً بشهيد المعركة، وبعضها يشمله وغيره.
وعلى أية حال لا شك أن أمر الشهيد عند الله عظيم، وأن هؤلاء الشهداء لهم ميزات كثيرة، سنستعرض بعض ميزاتهم ثم نعود لموضوعنا أنواع الشهداء، منهم الشهداء؟ هل فقط قتلى المعارك، أم أنها تشمل أنواع أخرى من الميتات وخصوصاً الميتات الصعبة؟
وهذا الموضوع نجدد به إيماننا ونشتاق به إلى الجنة، ونحمس به أنفسنا لترخص في سبيل الله، ونعزي به ونواسي من مات له قريب أو حبيب في أحد هذه الشهادات.
شهداء المعركة.
أما بالنسبة لشهداء المعركة فإنهم أحياء عند ربهم يرزقون كما قال تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَسورة آل عمران169، وحياتهم محققه يرزقون من الجنة، لقد غادروا هذه الحياة ولكن إلى حياة أنعم، والشهداء على بارق، وهذا موضع النهر، نهر بباب الجنة، سمي (بارق)؛ لأن الموضع الذي يبرق منه النهر عند باب الجنة، يظهر منه النهر ينبع عند باب الجنة، فلذلك قيل له: بارق، قال: (نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشياً)[رواه أحمد2386]. والحديث هذا رواه أحمد وقال ابن كثير: إسناده جيد. وأرواحهم في أجواف طير تأكل من ثمار الجنة، وهؤلاء مرتبة أعلى، فهناك شهداء أرواحهم عند قبة بهذا النهر عند باب الجنة، وهناك شهداء أرواحهم في أجواف طير خضر تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش تدخل الجنة وتأكل من ثمارها، وذلك لأن الشهداء يتفاوتون في إخلاصهم وشجاعتهم، وحسن بلائهم وصدقهم، هل هو في الصف الأول أو في الخلف، هل انحسر، هل انغمس في العدو، وهكذا.
على آية حال النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا: (لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن منقلبهم قالوا:يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا؛ لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم.فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات على رسوله صلى الله عليه وسلم:وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌسورة آل عمران169)[رواه أحمد2384]. حديث حسن.
وقال مسروق رحمه الله: سألنا عبد الله يعني ابن مسعود عن هذه الآية: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَسورة آل عمران169، قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: يعني النبي صلى الله عليه وسلم: (أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شىء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا. ففعل ذلك بهم ثلاث مرات - يسألهم - فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى. فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا)[رواه مسلم1887].
السؤال هذا: هل تشتهون شيئاً من الله مبالغة في الإكرام والتنعيم، فالله أعطاهم ما لا يخطر على قلب بشر ثم رغبهم في سؤال الزيادة، فلم يجدوا مزيداً على ما أعطاهم فسألوا الرجعة ليقتلوا مرة أخرى ويستلذوا بالقتل في سبيل الله وما بعده.
وهنالك مزايا أخرى لهؤلاء الشهداء كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الآخر: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعدة من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه)[رواه الترمذي1663]. حديث صحيح.
أنواع الشهداء.
بعد هذه المقدمة في شهيد المعركة لا بد عند الحديث عن أنواع الشهداء أن نعرف التقسيم الذي عند العلماء في مسألة علاقة الشهيد بأحكام الدنيا والآخرة فيقولون: إنه على ثلاثة أقسام:
الأول: شهيد الدنيا والآخرة.
والثاني: شهيد الدنيا فقط.
والثالث: شهيد الآخرة.
فشهيد الدنيا والآخرة هو الذي يقتل في قتال مع الكفار، مقبلاً غير مدبر لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى دون غرض من أغراض الدنيا، وهذا يؤكده حديث النبي عليه الصلاة والسلام لما جاءه رجل يستفهم: الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر، يعني يقال: شجاع جريء، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟قال عليه الصلاة والسلام:(من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)
شهيد الدنيا والآخرة هو الذي يقتل في قتال مع الكفار، مقبلاً غير مدبر لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى دون غرض من أغراض الدنيا، وهذا يؤكده حديث النبي عليه الصلاة والسلام لما جاءه رجل يستفهم: الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر، يعني يقال: شجاع جريء، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟قال عليه الصلاة والسلام:(من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)
[رواه البخاري2810]. متفق عليه.
كونه شهيد الدنيا والآخرة يعني: نطبق عليه أحكام الشهداء، تنطبق عليه في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا نطبق عليه نحن أحكام الشهداء، وفي الآخرة فإن الله يضعه مع هؤلاء في نعيمهم، أما في الدنيا فنحن ندفنه في ثيابه لا نغسله، ولذلك قالوا، جمهور العلماء يقولون: الدماء نجسة إلا دم الشهيد، يقولون: دم الشهيد طاهر استثناءً ولو كان نجساً لغسله. ففي الدنيا يدفن في ثيابه ولا يغسل ولا يصلى عليه؛ لأنه لا يحتاج إلى دعاء المسلمين لعظم ما يناله من الله، يدفن في مكان المعركة ما ننقله إلى البلد، وأما في الآخرة فينال ثواب الشهداء عند الله، طيب هذا شهيد الدنيا والآخرة، ما حال شهيد الدنيا؟
هذا رجل قتل في قتال مع الكفار، لكن فيه دسيسة في نفسه، هل هو خرج عصبية وحمية ليس في سبيل الله، أتي من نيته؟ أو رجل مثلاً قاتل رياءً ليقال: شجاع وجريء، أو هو مثلاً غل من الغنيمة قبل أن يقتل؟ هل هو فر من المعركة قبل أن يقتل، هذه أسباب تجعل هذا الرجل لو قتل نعامله معاملة الشهيد في الدنيا، فنحن ندفنه بثيابه.. إلى آخره، لكن عند الله ليس له أجر الشهادة، لا ينال ثواب الشهداء، لماذا؟ لهذه الدسيسة التي في نفسه.
طيب هذا شهيد الدنيا فمن هو شهيد الآخرة؟ وهذا مدخلنا إلى الموضوع.
شهيد الآخرة المقتول ظلماً من غير قتال كالميت بداء البطن أو بالطاعون أو بالغرق أو بالحرق أو النفساء التي تموت في طلقها ونحو ذلك كما سيرد معنا في النصوص.
أنواع شهداء الآخرة.
ومعنى كونه شهيد الآخرة أنه ينال ثواب الشهداء عند الله لكن في الدنيا، لا تنطبق عليه أحكام الشهداء فنحن نغسله ونكفنه ونصلي عليه، ندفنه في مقابر المسلمين، وليس في الموضع الذي قتل فيه أو مات.
قال ابن حجر رحمه الله: فهذه الخصال ورد في كل منها أن صاحبها شهيد، بمعنى أنه يعطى أجر الشهيد، وغالب ميتاتها فيها شدة، وهذه خلاصة أو مفتاح لفهم الموضوع، ما الذي يجمع هذه الميتات التي يكون أصحابها شهداء في الآخرة لهم أجر شهيد في الآخرة، من هم؟ ميتات صعبة، أصحاب ميتات فيها شدة. جعلها الله تمحيصاً لأهلها وزيادة في أجورهم، وهؤلاء يعطون جنس أجر الشهداء مع أن منزلتهم ليست كمنزلة شهيد المعركة، وذلك لأن الشهادة مراتب عند رب العالمين والشهداء يتفاضلون فيما بينهم، فأعلى مراتب الشهداء هي القتل في سبيل الله، هذا بذل نفسه روحه خرج لأجل لا إله إلا الله، (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض)[رواه البخاري2790]رواه البخاري.
وقال عليه الصلاة والسلام: (سيد الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فنهاه وأمره فقتله)[رواه الطبراني في الأوسط4079].
إذن الشهداء ليسوا على درجة واحدة، الشهادة لا تختص بالقتل في المعركة، بدليل أنه قد ورد نصوص في أناس أطلق عليهم الشرع أنهم شهداء وليسوا من قتلى المعارك، فمن مات في سبيل الله فهو شهيد، النبي عليه الصلاة والسلام لما قال لأصحابه: (ما تعدون الشهيد فيكم؟) قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: (إن شهداء أمتي إذن لقليل)، قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: (من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد). لاحظوا إخواني وأخواتي (من قتل) و (من مات) كلها في سبيل الله لكن ما الفرق، هو قد يخرج في القتال في المعركة ويموت بيد الكفار، لكن قد يموت وهو خارج في طريق المعركة أو راجع من المعركة وحتى أثناء المعركة بغير القتل بيد الكفار، يقع من فوق ناقته فتندق عنقه فيموت، ناقته تتمرد عليه فتلقيه من فوق ظهرها، سكتة قلبية، إذن سواءً قتل في المعركة أو مات في سبيل وهو ذاهب للقتال فهو شهيد، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد)[رواه مسلم1915]رواه مسلم.
والنبي عليه الصلاة والسلام بيّن من مات في سبيل الله في حديث رؤيا رآها، نام ثم استيقظ وهو يضحك فقالت أم حرام: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: (ناس من أمتي عرضوا عليَّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر – يعني ظهره متنه – ملوكاً على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة)، قالت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فدعاء لها ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله.. كما قال في الأولى)، فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم؟ قال: (أنتِ من الأولين) فركبت أم حرام بنت ملحان البحر بعد ذلك في زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت رضي الله عنها.[رواه البخاري2789] طيب هذه ليست بأيدي الكفار، نعم ولكن في سبيل الله، ذهاب إلى معركة عودة من المعركة في سبيل الله، فإذن القتل والموت في سبيل الله سواء، وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِسورة النساء100، وفي الآية الأخرى {مات أو قتل}، وحصل أن واحد من الصحابة بعد معركة من المعارك في أحد الجنود قتل في المعركة وواحد مات وليس بأيدي الكفار، فازدحم الناس على جنازة الأول، الصحابي راح على جنازة الثاني، فقالوا له: تترك هذا القتيل وتذهب إلى هذا؟ قال: والله ما أبالي من أي قبريهما بعثت وتلا الآية {مات أو قتل}.
والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (من فصل) يعني خرج في سبيل الله للجهاد ونحوه (فمات أو قتل فهو شهيد أو وقصه) أي صرعه دق عنقه (فرسه أو بعيره أو لدغته هامة) ذوات السموم الحية والعقرب (أو مات على فراشه أو بأي حتف) أي نوع من الهلاك(شاء الله فإنه شهيد وإن له الجنة)[رواه أبو داود2499]. رواه أبو داود وهو حديث حسن.
يعني لو واحد راح في سبيل الله ونام في الطريق ناموا ومات في نومه، خلاص هو شهيد.
طيب:
ثانياً: الموت مرابطاً في سبيل الله، لقوله عليه الصلاة والسلام: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتَّان)[رواه مسلم1913]ما معنى الفتَّان؟ منكر ونكير.
قيل: لا يجيئان إليه للسؤال، وقيل: يكفي موته مرابطاً في سبيل الله شاهداً على صحة إيمانه، وقيل: يأتيانه لكن لا يضرانه ولا يزعجانه.
الحديث رواه مسلم.
طيب الشهداء الآخرون:
الموت في سبيل الدفاع عن المال مثلاً قال عليه الصلاة والسلام: (من قتل دون ماله فهو شهيد)[رواه البخاري2480 ومسلم141]رواه البخاري ومسلم.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال: (فلا تعطه مالك)، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله)، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (فأنت شهيد)، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (هو في النار).[رواه مسلم140]رواه مسلم.
وفي رواية: الرجل يأتيني فيريد مالي، قال: (ذكره بالله)، قال: فإن لم يذكر؟ قال: (فاستعن عليه بمن حولك من المسلمين)، قال: فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين؟ قال: (فاستعن عليه بالسلطان)، قال: فإن نأى السلطان عني؟ قال: (قاتل دون مالك حتى تكون من شهداء الآخرة أو تمنع مالك)[رواه النسائي4081].
الموت في الدفاع عن الدين والنفس والعرض أيضاً (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)[رواه الترمذي1421].
طيب هنا قد يأتينا سؤال وهو: الآن بعض الجنود والضباط يطاردون تجار المخدرات والمروجين والمهربين والعصابات هذه وهؤلاء يطلقون النار، وقد يقتل أحد رجال مكافحة المخدرات هل هذا يعتبر شهيداً؟
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن هذا الأمر، ولما ذكر شر المخدرات رحمه الله قال: ومن قتل في سبيل مكافحة هذا الشر وهو حسن النية فهو من الشهداء.
عندنا أيضاً الموت بالطاعون، عن حفصة بنت سيرين قالت: قال لي أنس بن مالك: بم مات يحيى بن أبي عمرة؟ قالت: قلت: بالطاعون، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطاعون شهادة لكل مسلم).[رواه البخاري2830 ومسلم1916]رواه البخاري ومسلم.
وجاء أيضاً في الحديث (يأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون فيقول أصحاب الطاعون: نحن شهداء فيقال: انظروا فإن كانت جراحهم كجراح الشهداء تسيل دماً ريح المسك فهم شهداء، فيجدونهم كذلك)[رواه أحمد17199]. رواه أحمد، وصححه الألباني.
فإذن هذا الطاعون وهو المرض الخطير الفتاك قال عليه الصلاة والسلام: (ليس من أحد – يعني مسلم – يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد)[رواه البخاري3474]رواه البخاري.
إذن حتى يحصل على هذا الأجر لا بد أن يكون من المسلمين، واحد، اثنين: لا بد أن يمكث في البلد ولا يهرب منه، وهذا طبعاً مفيد في قضية عدم نشر المرض، ثلاثة: لا بد أن يكون موقناً بقضاء الله وقدره. فلا يصيبه إلا ما كتب الله له، سواءً عاش أو مات، حتى يحصل له أجر الشهيد. هذا القيد مهم.
وجاء في رواية: (يعلم أنه لن يصبيه إلا ما كتب الله له)[رواه البخاري5737].
طيب سادساً: الموت بداء البطن، يقول عليه الصلاة والسلام: (المبطون شهيد)[رواه البخاري5733].
ويقول عبد الله بن يسار: كنت جالساً وسليمان بن صرد وخالد بن عرفطة فذكروا أن رجلاً توفي مات ببطنه فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهداء جنازته، فقال أحدهما للآخر: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتله بطنه فلن يعذب في قبره؟) فقال الآخر: بلى.[رواه الترمذي1064]وفي رواية: صدقت.
طيب ما هو داء البطن يعني، ما هو؟ الكوليرا مثلاً؟ نعم؛لأنها داء في البطن يسبب الهلاك، الاستسقاء -انتفاخ البطن- أيضاً، طيب تليف الكبد مثلاً؟ سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فقال: ولعل من ذلك أيضاً من مات بتليف الكبد؛ لأنها داء في البطن مميت.
ويدخل في هذا والله أعلم سرطان الكبد وسرطان البنكرياس، كل شيء يعني مرض في البطن يؤدي للموت.
سابعاً: موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها، أو في بطنها ولد لقوله عليه الصلاة والسلام: (والمرأة تموت بجمع)، التي تموت وفي بطنها ولد (شهيد).[رواه أبو داود3111]رواه أبو داود وهو حديث صحيح.
والنبي صلى الله عليه وسلم مر لما عاد عبادة بن الصامت قال: (تعلمون من الشهيد من أمتي؟) فأرم القوم -سكتوا- لما عاد عبادة ابن الصامت فقال عبادة: ساندوني، فأسندوه فقال: يا رسول الله الصابر المحتسب، يعني هذا الشهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شهداء أمتي إذن لقليل، القتل في سبيل الله عز وجل شهادة والطاعون شهادة والغرق شهادة والبطن شهادة والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة)[رواه أحمد15998].
أيضاً الموت محترقاً، وأيضاً ذات الجنب، وجاء في حديث (الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد والمبطون شهيد والغريق شهيد وصاحب الهدم) الذي يموت تحت الهدم (شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد وصاحب الحرق شهيد).[رواه أبو داود3111]رواه أبو داود. وذات الجنب: ورم يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع، أورام في الجنب يموت بسببها الإنسان.
طيب الآن هؤلاء الذين يموتون في الزلازل أليس في الهدم؟ نعم يرجى لهم أجر شهداء من المسلمين الموحدين. طيب تحت القصف، العدو يقصف بلداً مثلاً، تنهار أبنية على من فيها، الآن هؤلاء الظلمة الذين يقصفون المدن، الآن الظلمة الآن يقصفون المدن بالسلاح الثقيل بالدبابات والمدافع.. هؤلاء الناس اللي تموت في هذا مظلومين، مظلومين، لهم أجر شهيد.
نقف وإياكم أيها الإخوة والأخوات مع هذا التقرير ثم نعود لإكمال موضوعنا إن شاء الله.
... تقرير...
عودة أليكم أيها الإخوة والأخوات وقد رأينا في التقرير أيضاً مزيداً من التوضيح عن هؤلاء الذين يموتون في هذه الميتات الصعبة يرجى لهم أجر الشهيد عند الله، وسنتعرض أيضاً للموتى في حوادث السيارات.
من الشهداء الموت بداء السل، والنبي عليه الصلاة والسلام: (والسل شهادة والبطن شهادة). قال: (القتل في سبيل الله شهادة والنفساء شهادة – التي تموت وهي نفساء – والحرق شهادة والغرق شهادة والسل شهادة والبطن شهادة).[رواه الطبراني في الأوسط1243].
أيضاً من مات مسموماً، قال عليه الصلاة والسلام: (أو لدغته هامة)[رواه الطبراني2499]وهذا يبين أن الذي يموت في لدغة ولسعة ذوات السموم كالحية والعقرب ونحوهما أنه يرجى له أجر شهيد وخصوصاً إذا كان ذاهباً في سبيل الله.
الموت بالغرق والهدم ذكرناه، الغرق هناك ناس تغرق في البحر، قال عليه الصلاة والسلام: (والغريق وصاحب الهدم).[رواه البخاري653]والحديث في البخاري ومسلم. فالذي يموت غريقاً في الماء وهذه ميتة شديدة اختناق، ويشبهه الذين يموتون مختنقين في بعض الغازات نسأل الله السلامة والعافية، أو من الدخان أحياناً، هو ما يحترق لكن يموت مختنقاً بدخان الحريق. ميتات صعبة.
طيب الغريق هذا شهيد له أجر شهادة، العلماء استثنوا العاصي بركوب البحر، إما أن يكون يعني ركب البحر في معصية. والله يا إخواني وأخواتي يقول بعض القصص التي نسمعها مؤلمة: واحد ركب مع فتاة أجنبية في دباب بحري وصار حادث وماتا. على معصية لله.
طيب قالوا: الذي يركب البحر وهو هائج؛ لأنه قد ورد نهي عن هذا، وخالف السلامة في ذلك لا يدخل.
طيب الآن حوادث السيارات يرجى له أجر شهيد يشبه ماذا؟ يشبه الهدم، يعني مات بفعل الصدمة، قوة الصدمة، قوة السقطة في البنيان، مات في الهدم بقوة السقطة، في حوادث السيارات مات بقوة الصدمة، طبعاً هو في حوادث السيارات قد يموت بسبب نزيف في بطنه ويدخل في المبطون، قد يموت بسبب نزيف دماغي، وقد يموت بفعل قوة الصدمة، هذه الضربة القوية التي جاءته.
حوادث السيارات يرجى له أجر شهيد يشبه ماذا؟ يشبه الهدم، يعني مات بفعل الصدمة، قوة الصدمة، قوة السقطة في البنيان، مات في الهدم بقوة السقطة، في حوادث السيارات مات بقوة الصدمة، طبعاً هو في حوادث السيارات قد يموت بسبب نزيف في بطنه ويدخل في المبطون، قد يموت بسبب نزيف دماغي، وقد يموت بفعل قوة الصدمة، هذه الضربة القوية التي جاءته.
سئل علماء اللجنة الدائمة:
بعض الناس يقولون: إن من يموت بسبب حادث سيارة أنه شهيد وله أجر مثل أجر شهيد، فهل هذا يعني صحيح؟
فأجابت اللجنة:
نرجو أن يكون شهيداً؛ لأنه يشبه المسلم الذي يموت بالهدم وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شهيد، يعني صاحب الهدم، هذا في فتاوى اللجنة، وفضل الله واسع، نحن لا نجزم لكن نقول: نرجو.
الموت بالهدم كما قلنا: انهيار عمارات بسبب غش المقاولين، قتلى القصف، الزلازل. والذين يموتون في القصف قد يكونوا مقاتلين وينالون أجر شهادة المعركة، وقد لا يكونوا من المقاتلين من مدنيين وجاءهم قصف من بعيد، ليسوا حاضرين في معركة يقاتلون في معركة، فيكونون ممن له أجر شهيد بالهدم.
أيضاً من الذين يبلغون منازل الشهداء من سأل الله الشهادة بصدق كما جاء في الحدث (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه)[رواه مسلم1909]. يعني الشهادة هذه شيء عظيم، يعني مرتبة كبيرة، يعني فيها نعيم وأجور وأشياء ولذلك أخذت هذا الحيز وهذه النصوص متعددة فيها، معناها عند الله شيء عظيم هذا.
وقد جاء في الحديث أيضاً (من طلب الشهادة صادقة أعطيها ولو لم تصبه)[رواه مسلم1908]، بصدق، وإن مات على فراشه. فلذلك النووي رحمه الله قال: وفيه استحباب سؤال الشهادة واستحباب نية الخير.
نسأل الله سبحانه وتعالى بفضله ومنه وكرمه أن يرزقنا الشهادة في سبيله وأن يجعلنا ممن يحيون على سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويموتون عليها ويبعثون عليها، ونسأله عز وجل أن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا.
أيها الإخوة والأخوات إلى لقاء القادم أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.