الخميس 19 رمضان 1445 هـ :: 28 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

بركة الجماعة


عناصر المادة
مبدأ الجماعة وأنه دين
فوائد الجماعة
مجالات الاجتماع
نماذج من اجتماع السلف والمعاصرين
الجماعة والأمر عليها في السنة

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

حياكم الله أيها الأخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مبدأ الجماعة وأنه دين

00:01:09

فقد بعث الله الأنبياء لإقامة الدين واجتماع الناس على الحق وترك الفرقة والمخالفة، وقال ربنا في كتابه العزيز:وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًاأي: اعتصموا بالجماعة وتمسكوا وتناصروا في دين الله، وَلاَ تَفَرَّقُواْسورة آل عمران103أي: ولا تتفرقوا فيه كما تفرقت اليهود والنصارى، والله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "فإن الفرقة هلكة والجماعة نجاة".

مبدأ الجماعة أيها الأخوة والأخوات اجتماع المسلمين على الدين، اجتماع المسلمين على الطاعة، تعاون المسلمين معاً في عبادة الله تعالى، هذا عز هذا قوة، هذا مبدأ عظيم، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌسورة آل عمران105، شيع وأحزاب وجماعات متناحرة، نحن يجب أن نجتمع على التوحيد على السنة، على الإسلام الذي بعث الله به نبينا صلى الله عليه وسلم، وكل واحد فينا يكون أخاً للآخر، ونتبرأ من الفرقة وممن يدعو إلى الفرقة، إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍسورة الأنعام159، نبينا صلى الله عليه وسلم علمنا هذا المبدأ وحثنا عليه، (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليزم الجماعة)[رواه الترمذي2165 وهو حديث صحيح].

وهذا دين الله عز وجل، هذا دين التعاون على البر والتقوى، وما يمكن إقامة الدين إلا بالاجتماع، فتكون أمة واحدة مرهوبة كالجسد الواحد، (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)[رواه مسلم 2586].

الآن مع الأسف الناس طريقة المعيشة في الزمن هذا المتأخر كل واحد في شقة وما يدري عن جاره، وبعضهم يصلي في المسجد وبعضهم لا يصلي في المسجد فلا يعرفون، ما في تعارف لا يسألوا حتى عن اسمه، السلام صار للمعرفة فقط، إلا من رحم الله. طيب أين تداخل المسلمين؟ تكافل تكاتف تآزر تشاور تعاون تلاحم.

لو نظرنا في العبادات التي في ديننا كالصلاة المفروضة والحج، صلاة الجمعة، العيدين، كلها اجتماع، حتى العبادة، الصيام مثلاً اجتماع عليه، الحج اجتماع عليه، كذلك الحقوق التي بين الأرحام وبين الجيران فيها اجتماع ليحصل أداء هذه الحقوق، كيف تتصل الرحم وكيف ستوفي حق الجيران إذا كان كل واحد في جهة؟ نلاحظ أن الشريعة منعت كل شيء يضر بالاجتماع والألفة، فمثلاً منعت بيع الأخ على بيع أخيه وشراء الأخ على شراء أخيه، وسوم الأخ على سوم أخيه، وخطبة الرجل على خطبة أخيه، والنجش ممنوع، والغش ممنوع، والربا محرم، كل شيء يؤدي إلى التفرق وأن يستعدي بعضهم بعضاً منعته، مثلاً الغيبة النميمة التجسس، أخلاق رديئة مذمومة ممنوعة تضر بالاجتماع.

فوائد الجماعة

00:05:39

من فوائد الاجتماع أيها الإخوة والأخوات: أن الناس يتفاوتون فيهم القوي والضعيف، والغني والفقير، والعالم والجاهل، والصحيح والعليل، فإذا اجتمعوا حمل هذا هذا، أخذ هذا بيد هذا، علم هذا هذا، والعالم يأخذ بيد الجاهل، والقوي يأخذ بيد الضعيف، والغني يأخذ بيد الفقير، والصحيح يأخذ بيد السقيم، تستقيم الحياة.

الآن هناك إخوة يحملون أخواتهم، وهنالك أخوات يعيلون إخوانهن وأشقاءهن.

من بركة الجماعة، أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، حتى إبعاد الشيطان الجماعة لها دور فيه، (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية). [رواه النسائي848هذا حديث حسن]، ما هي القاصية؟ الشاة المنفردة عن القطيع البعيدة منه يطمع فيها الذئب، فلا بد أن يكون الإخوة مع بعض، الأخوات مع بعض، لو انفردت إحداهن وذهبت وحدها طمع الشيطان فيها أضلها أزاغها وسوس إليها شككها جعلها تنزلق في مهوى من المهاوي.

من بركة صلاة الجماعة أن الإمام يحمل أشياء كثيرة عن المأموم كالسهو، ويقبل الله صلاتهم لاجتماعهم، ويقال للمأموم: ما حصل في صلاتك من نقص أو سهوٍ تصح صلاتك بسبب الاجتماع والإمام يتحمل عن المأموم، بسبب هذه الجماعة، وذكر ابن القيم رحمه الله كلاماً جميلاً يقول: إن المؤمنين ينتفع بعضهم بعمل بعض في الأعمال التي يشتركون فيها كالصلاة في جماعة، فإن كل واحد منهم تضاعف صلاته إلى سبعة وعشرين ضعفاً لمشاركة غيره له في الصلاة فعمل غيره كان سبباً لزيادة أجره، كما أن عمله سبب لزيادة أجر الآخر، فإذاً السبع والعشرين هذه لما اجتمعوا، ولو صلى الواحد سبع وعشرين مرة ما يعدل أجر انضمامه مع إخوانه.

كذلك هذه العبادات المشتركة الأمر بالمعروف النهي عن المنكر، الجهاد في سبيل الله، حج بيت الله عز وجل، هذه كلها عبادات جماعية، المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، الصلاة يضاعف ثوابها كلما اجتمع عدد أكثر من المصلين، ألا ترى حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كانوا أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل)[رواه أبو داود 554، وهو حديث صحيح]، إذاً هذا الاجتماع محبوب إلى الله سبحانه وتعالى، لكن ليس في كل العبادات أليس كذلك، فنقول: نعم، هناك عبادات الأصل فيها الاجتماع، والاجتماع فيها أفضل، صلاة الجماعة، صلاة الجمعة، صلاة العيدين، صلاة الكسوف، هذه عبادات ظاهرة، أما العبادات الخفية كقيام الليل فيندب فيها الانفراد لمصلحة الخلوة بالله سبحانه وتعالى في هذا الوقت، وتربية النفس على الإخلاص، فالدين يربي المسلم على الإخلاص وعلى الاجتماع، والنبي عليه الصلاة والسلام بين لنا أن العون من الله أكثر مع الجماعة فقال: (يد الله مع الجماعة)[رواه الترمذي2166]والشيطان مع من خالف يركض، كذلك فإن الله يحفظ المسلمين باجتماعهم يقيهم الشرور يكف عنهم الآفات، يكفيهم سبحانه وتعالى الأذى، الخوف، الاضطراب، إذا تفرقوا زالت السكينة، وقع بأسهم بينهم فسدت أحوالهم، ولذلك اجتماع المسلمين على شريعة واحدة ينفر إبليس، ويجعله يهرب منهم، والله رضي لنا الجماعة، (إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال). [رواه مسلم1715].

كذلك من فوائد الاجتماع: الثبات على الدين، معالجة الفتور؛ لأن الإنسان يسهل عليه أن يلتزم بالطاعة إذا كان مع الجماعة، ويسهل عليه ترك المعصية إذا كان مع الجماعة، وتخف عنه الأثقال إذا اشترك معه إخوانه في العمل، لكن الانفراد يحصل فيه فتور، الانفراد يحصل فيه تسلط الشيطان، الرفقة الصالحة تعين الإنسان إذا زل، والمؤمن مرآة أخيه، ولذلك علي رضي الله عنه قال: "كدر الجماعة خير من صفو الوحدة". وخطأ الواحد في تدبير الأمور خير من صواب الجماعة التي لا يجمعها واحد؛ لأن الواحد في ذلك يستدرك، والاجتماع مدعاة للمغفرة، ألا ترون حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (ما اجتمع قوم في ببت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)[رواه مسلم2699]فالملائكة تحيط بهم، والرحمة تغشاهم، والسكينة تنزل عليهم، والطمأنينة والوقار ببركة الجماعة، حلق الذكر، والله إن الواحد يسر، وهو يسمع أخبار هؤلاء الإخوة، وهؤلاء الأخوات، وقد اجتمعوا على حلق الذكر في معاهد القرآن، أو حلق القرآن، أو مدارس القرآن، والذكر، هناك مراكز وحلق، وهناك دور للذكر، (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيقول الله: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقولون يعني الملائكة: فيهم فلان، العبد الخطاء، ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)[رواه البخاري6408]

لعلنا أيها الإخوة والأخوات نقف مع فاصل فيه تعبير عن شعور هؤلاء الإخوة، هؤلاء الذين انضموا في حلق الذكر، انضموا في الاجتماع على تحفيظ القرآن، حفظ القرآن، أو الدورات العلمية الشرعية، نستمع من بعضهم ما هو شعورهم في هذه الحلق، في مجموعات الذكر هذه، في الدورات العلمية هذه، في أعمال الطاعة والبر هذه، فنسمع بعضاً من كلامهم ونعود إليكم إن شاء الله.

مجالات الاجتماع

00:17:30

إذن أيها الإخوة والأخوات كانت هذه طائفة من أقوال المشاركين في أعمال الخير، ما هو شعورهم وماذا أفادهم هذا الاجتماع، هذه شهادات حية تبين أن المبدأ هذا الاجتماع على الخير إيجابي، وصحيح، ومطلوب، وينبغي أن نحافظ عليه، الجماعة بركة، جليس الذاكرين يندرج معهم في جميع ما يتفضل الله تعالى به عليهم

جليس الذاكرين يندرج معهم في جميع ما يتفضل الله تعالى به عليهم

، إكراماً لهم، ولو لم يشاركهم في أصل الذكر، من أحب أهل الخير نال من بركتهم، كلب أحب أهل الفضل وصحبهم ذكره الله في محكم تنزيله.

قال الشاعر:

أسير خلف ركاب القوم ذا عرجوا *** مؤملاً كشف ما لاقيت من عوج

فإن ظفرت بهم من بعد ما سبقوا *** فكم لرب النوى في ذاك من فرج

وإن بقيت بظهر الأرض منقطعاً *** فما على عرج في ذاك من حرج

أما الاجتماع في الدعوة إلى الله، وما يكون في هذا من الفتوحات العظيمة، إقامة المشاريع الكبيرة، وحصول النجاحات الضخمة، إنه يقوم بهذا الاجتماع،

الدعوة ثقيلة تحتاج أن يقوم مع الإنسان إخوانه

الدعوة ثقيلة تحتاج أن يقوم مع الإنسان إخوانه، أن يقوموا بهذه المسئوليات، هذه الواجبات، موسى عليه السلام لما أرسله الله في تلك المهمة العظيمة إلى فرعون، فرعون الطاغية، وجنود فرعون، وقوم فرعون، قال موسى: وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي* هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي*وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِيسورة طه29-32 يعني: اجعله معيناً لي يؤازرني يساعدني، وعينه هَارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي قوني به، شد به ظهري، قال الله: قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًاسورة القصص35، سنقوي أمرك ونعينك ونعز جانبك بأخيك، الذي سألت ربك أن يكون معك، ما في واحد ما في أخ أعظم منا على أخيه من موسى على هارون، ما زال يسأل الله حتى جعله نبيناً معه.

إن نبيين وآيتين أقوى من نبي واحد وآية واحدة، وخبر الاثنين أوقع في النفوس من خبر الواحد، إبراهيم عليه السلام يستعين بإسماعيل في بناء البيت، تكاليف، النبي عليه الصلاة والسلام يستعين بآل أبي بكر في هجرته، معاذ بن جبل يتعاون مع أبي موسى في دعوة أهل اليمن والقضاء بينهم، موسى عليه السلام مع قوة شخصيته احتاج إلى من يؤازره ويعاونه في دعوته فكيف بغيره؟ نحن أضعف.

أخبر الله أنه أرسل رسولين إلى قرية، ثم قال: فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ، ليؤكد الثالث دعوى الاثنين فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ}سورة يــس14، تعضيد تصديق تقوية إعزاز، إن جلائل الأعمال وعظائم الأهداف أيها الإخوة والأخوات لا يمكن تحقيقها بشكل فردي في الغالب بل لا بد من تكاتف الجهود ونحن نتعلم حتى من مخلوقات الله الصغيرة.

النمل تبني قراها في تماسكها *** والنحل تجني رحيق الشهد أعواناً

المؤمن قليل بنفسه كثير بإخوانه

المؤمن قليل بنفسه كثير بإخوانه

إذن المؤمن قليل بنفسه كثير بإخوانه، بالذات يا إخوان عندما تكون الأجواء أجواء خوف، وأجواء اضطراب ومشاكل، عند ذلك يحتاج الأخ إخوانه، كذلك لما تكون أجواء فتن وشبهات وشهوات تحتاج الأخت إلى أخواتها، هذه إذا انتقلت إلى بيت زوج الآن ستنشغل انشغالات متعددة بهذا الزوج، وتتغير عليها الأجواء، وسيحدث، لا بد أن يكون أخواتها حولها اتصالات، تسديدات، نصائح، مشاركات، تذكيرات، المرأة تنشغل إذا جاء الأولاد، تدخل في وسط جديد أحياناً تشغل فما يعود عندها أحياناً من صفاء العبادة، ولذة الطاعة، وقوة الحفظ، والإمكان لحضور الدروس، فلا بد من متابعة الأخوات بعضهن بعضاً، الواحد والله عندما يرى الفتن هذه الكثيرة المدلهمة، والخطوب العظيمة، والحوادث الكبيرة من حوله، طيب إذا لم يكن عنده ناس يكون معهم ظهر  يحميه، آراء أخرى تشاطره، من يصمد، نحن الآن نرى كيف يتخطف الناس من حولنا، الشباب أيضاً عندما يبدأ الواحد منهم في مشوار الطاعة ويفتح الله على قلبه بالهداية يحتاج رفقة صالحة، وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَاسورة الكهف28، المؤمن لأخيه المؤمن كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، قال: والوسخ قد لا يخرج إلا بشيء من الخشونة، ولكن عاقبته النظافة والطهارة، فما أعظم النعمة عندما يتعاون عباد الله على الدعوة إلى سبيل الله، أو على هداية شخص، هذا يكلمه بأسلوب، وهذا يأتيه بآخر، وهذا يزاورانه جميعاً، تأكيد على نفس المعاني، يكونون شركاء في الأجر في هداية شخص، ما أعظم النعمة في التعاون على طلب العلم، هذا عنده سيارة يأخذهم بها، هذا عنده الكتب، والدفاتر، يوزعها يجمعها، وهذا يراجع لهم، ويسأل انتبهتم إلى ما قال الشيخ كذا؟.

نماذج من اجتماع السلف والمعاصرين

00:25:16

 قال أبو نضرة: كان الصحابة إذا اجتمعوا تذاكروا العلم، وقرءوا سورة. كان عمر مؤاخياً أوس بن خولي لا يسمع شيئاً إلا حدثه، ولا يسمع عمر شيئاً إلا حدثه، يتناوبان، كان أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يتعاونان في طلب العلم، وسافرا إلى اليمن لعبد الرزاق الصنعاني، تآخى أبو حاتم وأبو زرعة في العلم وجمع الحديث ومراجعته.

زرت الشيخ عبد الله بن بسام رحمه الله في بيته بمكة فقلت له: حدثني عما كان بينك وبين الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين في طلب العلم، فقال: كنت أنا والشيخ محمد بن عثيمين زميلين في الطلب وحفظ القرآن، نحفظ فأسمع له مثلاً الثمن الأول، ثم يسمع لي الثمن الثاني، ثم أسمع له الثمن الثالث، ثم يسمع لي الثمن الرابع، وهكذا يقول: نمشي ثمن ثمن ثمن، إذا خلصنا الختمة نرجع بالعكس أسمع له أنا الثمن الأول وهو يسمع لي الثمن الذي يليه وهكذا حتى يكون كل واحد منا ختم القرآن مراجعة على الآخر سماعاً وتلاوة، وكان يشاركه في المذاكرة، وحفظ المتون.

وأخبرني الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله كيف كان قد تآخى مع الشيخ ناصر الشثري في الدراسة على أبي حبيب الشثري رحمه الله، فكان يتذاكران ويتدارسان ويراجعان.

وحدثني الشيخ عبد الرحمن البراك رحمه الله كيف كان يتعاون مع الشيخ عبد الله بن قعود رحمه الله في طلب العلم، والشيخ عبد الرحمن يحب الشيخ عبد الله كثيراً، ويحفظ له الود، ويذكر مواقف له، هؤلاء الأئمة الكبار وعلماء، تزاملا في الطلب وتآخيا وأحب أحدهما الآخر، وكانت لهما مشاهد، ومجالس، ومواقف، ومراجعات، ومناقشات،  والواقع ما أعظم النعمة على قوم يتعاونون على الطاعة، ما أعظم النعمة على أهل البيت الواحد إذا قاموا يتوزعون الليل أثلاثاً، يصلي هذا ثلث، ثم يوقظ الثاني، ثم يصلي ثلثاً، ثم يوقظ الثالث، ويصلي الثلث الأخير ثم يوقظهما لصلاة الفجر.

عن أبي عثمان النهدي قال: تضيفت أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثاً، يصلي هذا ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا ثم يوقظ هذا.

كان الحسن بن صالح وأخوه علي وأمهما يتعاونون على العبادة في الليل وبالنهار قياماً وصياماً.

ما أعظم النعمة على قوم أعانوا أخاهم على زواج يعف به نفسه

ما أعظم النعمة على قوم أعانوا أخاهم على زواج يعف به نفسه

، فتراهم معه في الرأي وفي جمع ما يحتاج لترتيبات العرس، والوصايا، والنصائح، الآن الزواج الزمن هذا زمن فيه صعوبات كثيرة، صعوبات مادية، وصعوبات معنوية، صعوبات نفسية، صعوبات حتى في جمع المعلومات، لكن إذا هذا دل الآخر على صاحبة دين، أو بيت صلاح يخطب منه، وهذا ساعد الآخر، هذا ساعده في المهر، هذا ساعده في تكاليف الوليمة، كل واحد جاب شاة.

الجماعة والأمر عليها في السنة

00:29:34

أيها الإخوة والأخوات:

والله إن الاجتماع بركة عظيمة، وليست بركته حتى مقصورة على أمور الدين بل تشمل أمور الدنيا، يعني الأكل مع الجماعة فيه فضل وبركة، وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنا نأكل وما نشبع، قال: (فلعلكم تأكلون متفرقين؟ اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله تعالى عليه، يبارك لكم فيه)[رواه أحمد 15648وأبو داود3764، وهذا حديث حسن].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية). [رواه مسلم2059].

وقال عليه الصلاة والسلام: (كلوا جميعاً ولا تفرقوا)[رواه ابن ماجه3287].

طيب في السفر مع أن السفر طارئ وغالباً ما يكون لأيام معدودات إلا أن الإسلام حث على الجماعية فيه، ونهى عن الوحدة، قدم رجل من سفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صحبت؟) قال: ما صحبت أحداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب). [رواه أحمد6709 وأبو داود2607 وهو حديث صحيح].

سألت شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله، وكذلك الشيخ الألباني، وجرى نقاش على قضية هذه الطرق، وذكرها الشيخ في بعض كتبه، الطرق الآن البرية المسلوكة المطروقة التي فيها سيارات، وراء بعض، لا يشمله الحديث؛ لأنه مع آخرين في الخط، لكن لما يكون واحد يسلك طريقاً منفرداً، ويخرج عليه قطاع طرق تتغول له الغيلان ربما، يكون أذى جن وأذى الإنس، فإذاً ضروري أن يكن معه  ركباً، فمشي الواحد منفرداً منهي عنه، كذلك مشي الاثنين، وهذا فيه مدخل للشيطان، ولذلك السفر قال: ثلاثة، ومعلوم السفر كيف كان في السابق، يمشون المسافات الطويلة وبراري وقفار ومفاوز، الآن الله أنعم علينا بطيارات وخطوط برية معبدة فيها سيارات كثيرة الواحد لو سافر، الطائرة طبعاً مع الجماعة، وفي السيارة هناك سيارة أمامه وسيارة خلفه وسيارة عن يمينه، الطرق مأهولة، لكن لو كان طريقاً غير مأهول لتأكد قضية الجماعة في السفر.

عن أبي ثعلبة الخشني قال: كان الناس إذا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان) قال: فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض، حتى يقال: لو بسط عليهم ثوب لعمهم. [رواه أبو داود2628 وهو حديث صحيح]، ترون امتثال الصحابة كيف!! قال مرة مباشرة تطبيق فوري، كل المرات التي بعدها .

كذلك في قضية النوم عن ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوحدة، أن يبيت الرجل وحده، أو يسافر وحده). [رواه أحمد5618].

وأصل الحديث في البخاري ((لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده))[رواه البخاري2998]

وقال عمر: لا يسافرن رجل وحده، ولا ينامن في بيت وحده. طبعاً عند الحاجة ، الإنسان ليس دائماً سيجد جماعة ينامون، لا، كثير من الأحيان هو يحتاج أن ينام، أو لا يكون إلا وحده لينام، فلا بأس عند الحاجة، وخصوصاً إذا كان في الغرف المجاورة، يعني أنت في فندق مثلاً، في الغرف المجاورة يوجد ناس في الفندق، في ناس مثلاً، لكن يجوز للمسافر كما قال الإمام القرطبي رحمه الله: أن ينام وحيداً إذا أمن على نفسه، وأما مع الخوف فالواجب التحرز والحذر، إذا القرطبي رحمه الله لاحظ موضوع التفريق بين الأمن، إذا أمن على نفسه وإذا ما كان يأمن على نفسه فقال: يجوز للمسافر أن ينام وحيداً إذا أمن على نفسه، وأما مع الخوف فالواجب التحرز والتحذر، طيب الجماعة فيها قوة وفيها منعة، ويعني أسلافنا فتحو البلاد وحرروا العباد، وأقاموا العدل، وشهد التاريخ بمآثرهم، واجتمعوا على فتوح البلدان، والذي يراجع انتصارات الأمة الإسلامية واضح جداً أنها كانت في حال اجتماعها وقوتها، وحتى لما احتل الصليبون بلاد الشام طردهم صلاح الدين منها باجتماع أهل الإسلام معه، وحتى لما اجتاح التتر بلاد المسلمين كسر موجة طغيانهم، كذلك المسلمون لما اجتمعوا، لكن لما يكون اختلاف وتفرق تحل الهزائم والنكبات، وهذه مأساة الأندلس كانت دولة واحدة كبيرة، فتقطعت طليطلة في جهة، وإشبيلة في جهة، وغرناطة في جهة، وكذا.

وتفرقوا شيعاً فكل مدينة *** فيها أمير المؤمنين ومنبر

وأعداء الإسلام متى يطمعون فينا؟ بالتفرق، ولذلك كان التفريق بين المؤمنين من أهم مقاصد الشيطان، تشتيت شمل الأسرة، وتفرق بين الزوجين، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، قال: يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا)، لمن يقول؟ هذا الإبليس الشيطان الصغير يقول للكبير، الجندي يقول لقائدة الشيطان الأكبر، (فيقول: ما صنعت شيئاً، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت)[رواه مسلم 2813]قال راوي الحديث: أراه قال: فيلتزمه يعني من الإنجاز، إبليس الشيطان الكبير يلتزم ذاك، تدمير بيت الزوجية تفكيك للمجتمع، والشيطان حريص على إيقاع العداوة، وعلى التحريش بين المسلمين، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَسورة المائدة91، (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم)[رواه مسلم 2812]وهذا من مقاصد أعداء الأمة، المنافقون يجتهدون في التحريش بين المسلمين، يريدونهم أحزاباً، وجماعات متفرقة متناحرة، وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُسورة التوبة107، والكفار شعارهم (فرق تسد) معروف، وإثارة الفرقة سبيل هؤلاء، هذا مبدأ فرعون، ألم يقل ربنا: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْسورة القصص4، وهكذا إذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا، والتجارب في الحياة أثبت إن الاجتماع فيه من الفوائد الشيء العظيم، والكفار يجتمعون، هذا اتحاد أوروبي، وهذه ولايات متحدة، وهكذا، شراكات اقتصادية، والدول السبعة، والثمانية، والعشرين، اجتماعات يجتمعون، أما نرى أن الشركات أقوى من المؤسسات؟ شركات كبيرة في العالم، شركات الفولاذ الثلاثة الكبيرة ألمانية وفرنسية وأسبانية اندمجت، كونت عملاق الفولاذ في العالم، صارت الأزمات عليها أقل، وهكذا نرى الشركات يعظم دورها كلما يزداد عدد المساهمين فيها، وكثر ضخ الأموال فيها، وإذا صفت النوايا صار دورها عظيماً، (أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما)[رواه أبو داود3383]يعني معهم في الحفظ والمعونة والبركة، والرزق الوفير، (ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما)، ونزعت البركة، جعل الله الرزق والبركة في هذا الاجتماع مع الأمانة، لاحظوا يا إخواني وأخواتي اجتماع وأمانة، وهذا يزيد الإنتاجية، وابن خلدون رحمه الله قال: قد عرف وثبت أن الواحد من البشر غير مستقل في تحصيل حاجاته في معاشه، وأنهم متعاونون، وذكر ابن خلدون: أنهم إذا اجتمع عشرة مثلاً في مزرعة قمح فإنهم ينتجون أكثر من حاجتهم، بينما الواحد لو راح يشتغل يمكن يحصل قوت يومه هو فقط وأهله، لكن لو اجتمع عشرة ينتجون قوت مائة ربما.

ولعلنا نسمع كلام هذا الخبير الاقتصادي الذي يبين لنا فائدة الاجتماع في الشركات والأعمال وأثر ذلك على الاقتصاد عموماً.

....

إذا عرفنا أيها الإخوة والأخوات أثر الاجتماع في تقوية الاقتصاد ذو القرنين آتاه الله من كل شيء سببه وأعانه،  كان معه جماعة جيش ولما جاء لبناء السد قال: مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍسورة الكهف95، صورة تعاون عظيمة، الآن أيها الإخوة والأخوات نحن نعاني، مثل قضية الشركات العائلية وتفككها، تقول: إلى الجيل الثالث ثم تنتهي الشركات، المؤسس والأولاد والأحفاد، وتفرقوا، لماذا؟ فلتكن هناك مساهمات صادقة مقفلة، لا مانع من هؤلاء وتبقى الأسرة واحدة، بدلاً من محاكم ومشاكل .

لا تخاصم بواحد أهل بيت *** فضعيفان يغلبان قوياً

والوصية من معن بن زائدة لأولاده:

كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى *** خطب ولا تتفرقوا آحاداً

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً *** وإذا افترقن تكسرت أفراداً

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المجتمعين على البر والتقوى، ونسأله عز وجل أن يؤلف بين قلوبنا وأن يصلح ذات بيننا، وأن يجمع كلمتنا على الحق، وأن يجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى، كانت فرصة طيبة للحديث إليكم، أستودعكم الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

1 - رواه الترمذي2165 وهو حديث صحيح
2 - رواه مسلم 2586
3 - رواه النسائي848هذا حديث حسن
4 - رواه أبو داود 554، وهو حديث صحيح
5 - رواه الترمذي2166
6 - رواه مسلم1715
7 - رواه مسلم2699
8 - رواه البخاري6408
9 - رواه أحمد 15648وأبو داود3764، وهذا حديث حسن
10 - رواه مسلم2059
11 - رواه ابن ماجه3287
12 - رواه أحمد6709 وأبو داود2607 وهو حديث صحيح
13 - رواه أبو داود2628 وهو حديث صحيح
14 - رواه أحمد5618
15 - رواه البخاري2998
16 - رواه مسلم 2813
17 - رواه مسلم 2812
18 - رواه أبو داود3383