بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله.
ابتغاء الأجر مطلب عظيم
ونحن على مقربة من شهر رمضان نسأل الله سبحانه وتعالى أن يضاعف لنا الأجر، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يتقبل منا جميعاً، نذكر أنفسنا بأمور الإخلاص لله، بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَسورة البقرة112.
في كل الأشهر ينبغي علينا أن نتقرب إلى الله، وأن نبتغي الأجر منه سبحانه، وهذا الابتغاء للأجر مطلب كل مسلم، وكل عابد، كل مصلي، كل صائم، ومتصدق ومحسن وعامل لله، مسألة الأجر هذه قضية عظيمة جداً؛ لأنها الحافز للعمل، ذكرها الله عز وجل لأهميتها البالغة، وكل عمل صالح له أجره المرتقب، وقد جاء في السنة نصوص كثيرة، من عمل كذا فله كذا، النفس تريد الجزاء، وأحياناً تريد أن تعرف مقدار الجزاء، في الدنيا لا يقدم المرء عادة على عمل بعد معرفة جدواه، ما هي الثمرة، الله عز وجل حفز المؤمنين لأعمال الآخرة، وندبهم إلى المسارعة في جني الأجور، وتحصيل الحسنات للفوز بدار الكرامة، وقال: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِسورة الحديد21، وقال: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَسورة آل عمران133، وقال: فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِسورة المائدة48، والنبي عليه الصلاة والسلام أيضاً ذكر الأحاديث (بادروا بالأعمال)[رواه مسلم118]، وفي قنوت عمر "وإليك نسعى ونحفد"[رواه البيهقي3142]رواه البيهقي وهو حديث صحيح، ما معنى نحفد؟ يعني نسرع في العمل، وتقديم فروض الطاعة.
وعلى المسلم أن لا يألوا جهداً في التشمير إلى ربه، ومسابقة أهل الفضل إلى الله، والتنافس في الخيرات مع المؤمنين.
قال الحسن: والله لا يجعل الله عبداً أسرع إليه كعبد أبطأ عنه، ومن لاح فجر الأجر هانت عليه مشقة التكليف.
الأجور هذه تخفف أعباء الأعمال، (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)[رواه الترمذي223]حديث صحيح، فتهون عملية الاستيقاظ وعملية المشي في الظلام، وعملية الوضوء في البرد، إسباغ الوضوء على المكاره، بأي سبب، بما في ذلك من الأجور.
(كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به)[رواه البخاري1904]، فيهون الصوم في الحر وتحمل الجوع والعطش، ومنع النفس من الشهوة من أجل أجر الصوم.
لماذا نتحمل؟ لأن المقابل كبير (إلا الصوم فإنه لي) اختص به، ولا يعلم مدى أجر الصائم، لا يعلمه إلا الله، إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍسورة الزمر10.
قواعد كسب الأجور
من حسن فقه المسلم والمسلمة إدراك قيمة العمل وعظم الجزاء المترتب عليه، وأن يعرف الطريقة المثلى في تحصيل أكبر قدر ممكن من الأجور، لتثقل كفة الميزان يوم القيامة، ومن هنا ينبغي أن نركز على هذا المبحث الفقهي الإيماني الدقيق ما هي القواعد الشرعية في الأجور حتى نحسن الاستثمار، فتعالوا بنا نتعرف على بعض القواعد في كسب الأجور وتحصيل الحسنات.
أولاً: تحصيل الأجر والسعي للحصول عليه من الفروق الأساسية بين المسلم والكافر، الله عز وجل قال: وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَسورة النساء104، فالمؤمنون يؤملون من الله الظفر في الدنيا والثواب في الآخرة بخلاف الكافر الذي لا يرجو المثوبة والأجر والحسنات ولا يرجو الآخرة، ولا يرجو رحمة ربه، فهو للدنيا ومن الدنيا وفي الدنيا، وكل ما يؤمل ويعول على هذه الدنيا، وحتى لو كان عند بعضهم يعني علم بالآخرة وإرادة الآخرة إذا ما كان عنده توحيد ما ينفعه عمله، وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًاسورة الفرقان23يعني باطلاً مضمحلاً خسروا وحرموا أجره، لماذا؟ لا توحيد، مشرك كافر، مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْيعني: الخيرية، كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُسورة إبراهيم18، فأعمالهم الخيرية، في بعض الكفار من الأغنياء من كبار الأغنياء في العالم يكفلون أيتام يطعمون مساكين، يبنون مستشفيات للفقراء، يتكفلون بتعليم طلاب، يحفرون آبار، يقيمون قرى لمحتاجين، يوزعون في المجاعات، في الأوبئة، في الأعاصير، في الكوارث، لكن الله قال: لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ، يعني: لا يرون يوم القيامة لأعمالهم ثواباً، مثل الريح التي تطير الرماد.
ثانياً من القواعد، بالإضافة لموضوع التوحيد وابتغاء الأجر من الله، ورجاء اليوم الآخر والإخلاص لله من القواعد: أن الأجر منة من الله وليس ثمناً لأعمالنا، ولا معاوضة عليه؛ لأن الإنسان مهما عمل فلن يستطيع أن يشكر نعمة واحدة من النعم التي أنعم الله بها عليه، ولا نعمة النفَس، فلو وزنت أعمالنا كلها بهذه النعم ما عدلت نعمة واحدة، فيبقى الأجر والثواب تفضل من الله ومنة، وإلا كل أعمالنا الصالحة كلها لو جاءت على نعمة واحدة كنعمة النفَس ما عدلتها، فلما يعطينا حسنات وأجر على ماذا، وبناء على أي شيء؟ على منته وفضله، فإذن الأجر من الله على أعمالنا ليس ثمناً لها، أصلاً أعمالنا ما تكافئ، فالعمل سبب للأجر، وليس مكافئاً للأجر (لن يدخل أحداً عمله الجنة) في الصحيحين، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة)[رواه البخاري5673 ومسلم2816]، فإذن لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته، طيب إذا قال واحد: ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَسورة النحل32ما معناها؟ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَسورة الزخرف72ما هذه الباء؟ الجواب: أن الأعمال الصالحة سبب لدخول الجنة، وليست ثمناً لها ولا عوضاً ولا مقابلاً عليها.
ثالثاً: مضاعفة الأجور من خصائص هذه الأمة، فتضعيف الحسنة إلى عشر، كما قال العلماء كالقرافي في الفروق وغيره من خصائص هذه الأمة كما قال تعالى: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَاسورة الأنعام160، والمضاعفة ليست خاصة بعشرة، وقد قال: مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌسورة البقرة261، يعني: سبعمائة، والله يضاعف لمن يشاء، يعني وأكثر من سبعمائة، والله واسع عليم، طيب بحسب ماذا؟ بحسب الإخلاص، واتباع السنة، ونفع العمل، ومحله ومكانه، مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌسورة البقرة261، واسع عليم، واسع الأجر الفضل وعليم بمن يستحق، وعليم بالنيات، وعليم بمواقع الأعمال، وعليم بنفعها، وعليم بآثارها، وعليم بما كان فيها من اتباع السنة، ومدى هذا الإتباع، الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه (فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة)[رواه البخاري6491 ومسلم131]رواه البخاري ومسلم. ولذلك كان الصالحون يستثمرون جميع أوقاتهم في الطاعة رغبة في زيادة الأجر والفضل، حتى قال أبو مسلم الخولاني، هذا رجل من السلف: لو رأيت الجنة عياناً ما كان عندي مستزاد، ولو رأيت النار عياناً ما كان عندي مستزاد، يعني أنه وصل إلى مرحلة إيمانية، وتشبع في وقته بالعمل وجهده، يعني بذل الحد الأقصى وصل الحد الأقصى لو رأى الجنة ما عنده زيادة، يعني المحفزات خلاص بلغت المدى، هذا يدل على حال إيمانية عالية جداً.
رابعاً: لا أجر بلا عمل، فالذين يتركون الأعمال الصالحة لن ينالوا خيراً، ولذلك نجد الآيات مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِسورة فصلت46، وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىسورة النساء124، فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُسورة الزلزلة7، وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِسورة البقرة82؛ لأن هنالك أناس معرضون عن العمل، والإنسان كما قال الله: وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىسورة النجم39، هو لا يحمل وزر غيره، وكذلك ما يحصل أجراً على شيء ما كسبه بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله تعالى أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى؛ لأنها ليست من أعمالهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم على ذلك، ولا أرشدهم بنص ولا إيماء ولم ينقل ذلك عن الصحابة ولا عن غيرهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، لكن هو بناء على ماذا أصلاً هو قال: بعدم وصول الأجر يعني ثواب القراءة، أنه ليست من كسب الميت، ليست من عمل الميت، طيب وبقية الأشياء مثلاً الصدقة عن الميت، الدعاء للميت، الحج عن الميت، العمرة عن الميت، (من مات وعليه صيام صام عنه وليه)[رواه البخاري1952 ومسلم1147]الصيام الواجب على الميت، نذر كفارة، قالوا: هذه تصل بالاستثناء الذي ورد عليه دليل، ورد عليها أدلة، فعندنا أصل، وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىسورة النجم39، الميت ما يصل إليه إلا ما عمله، طيب والأشياء الأخرى؟ نقول: إلا بدليل، ففي أعمال معينة وردت عليها أدلة مثل هذا، أما قراءة القرآن ما ورد، هذا دليل الشافعي على أن ثواب القراءة لا يصل.
خامساً من القواعد: لا يحصل الأجر ولا يثبت إلا بالإخلاص، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًاسورة النساء114، وإذا قارن العمل شرك أو رياء حبط، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجل غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ قال: (لا شيء له) ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه)[رواه النسائي3140]. رواه النسائي وهو حديث حسن، وفي رواية (من عمِل عمَل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب)[رواه أحمد20715].
سادساً: الأجر لا ينقطع عن العاجز عن العمل إذا كان معتاداً له، فالشارع نزل العاجز عن الطاعة منزلة الفاعل لها إذا صحت نيته، فمن عجز عن القيام بعبادة كان يداوم عليها في صحته وكانت نيته أنه لو زال العجز لقام بهذه العبادة، أو لو ما حصل له لاستمر عليها، لو ما حصل له عجز كان مستمراً عليها فهذا له أجره كاملاً لصلاح نيته، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً)[رواه البخاري2996]رواه البخاري.
من كان معتاداً على قيام الليل فلم يقم ليله لعذر يعلم الله صحته كتب أجره كاملاً، مثل ما جاء في حديث (ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته وكان نومه صدقة عليه)[رواه النسائي1784]يعني من ربه، الله تصدق عليه بالنوم، رواه النسائي.
فإذن أجره له، لكن هل لو قال أحد: هل هذا أجره مثل أجر الذي قام؟ نقول: لا، القائم العامل يبقى له ميزة، طيب ماهو الفرق؟ أنه الذي راحت عليه نومة وكان فعلاًَ مريد القيام يكتب له الأجر بغير مضاعفة، والذي قام وصلى له أجر بالمضاعفة، فإذن يكون له أجرها بغير مضاعفة الذي نام وكان مريداً للقيام، ولو عملها لكان له الأجر مضاعفاً؛ لأنه لا خلاف بين أهل العلم أن الذي يفعل أكمل حالاً، وهذا ذكره صاحب المنتقى وشرح الموطأ.
سابعاً: الموازنة والمفاضلة بين الأعمال في الأجور فلا بد للإنسان أن يوازن بين الأعمال ويقدم ما أجره أعظم وأكثر، فبعض الأعمال أفضل من بعض، لماذا تتفاضل الأعمال عند رب العالمين؟ بحسب أجناسها ومنافعها وأوقاتها وأماكنها، وغير ذلك من الاعتبارات، فالأفضل يتنوع تارة بحسب أجناس العبادات يعني مثلاً جنس الصلاة أفضل من جنس القراءة، وجنس تلاوة القرآن أفضل من جنس الذكر العام، وجنس الذكر العام أفضل من جنس الدعاء، وتارة يختلف باختلاف الأوقات، فالقراءة الذكر والدعاء بعد الفجر والعصر أفضل من الصلاة، أصلاً الصلاة مكروهة بعد الفجر والعصر النافلة المطلقة، وتارة يكون العمل أفضل يعني اختلاف عمل الإنسان الظاهر يتفاوت بأسباب منها أن الذكر والدعاء في الركوع والسجود هو المشروع دون القراءة، يعني لو واحد في السجود قرأ القرآن، مع أن القرآن أفضل من الذكر، القرآن رأس الذكر، لكن ما يناسب في السجود والركوع في حال الانحناء، فيكون الذكر أفضل من القراءة في الركوع والسجود، أصلاً منهي عنها في الركوع والسجود، وكذلك الذكر والدعاء في الطواف مشروع بالاتفاق، طيب تارة يكون الأفضل بحسب المكان، كما أن المشروع بعرفة ومزدلفة وعند الجمار وعند الصفا والمروة هو الذكر والدعاء دون الصلاة ونحوها، والطواف بالبيت لمن يرد ويأتي أفضل من الصلاة، والصلاة للمقيمين بمكة أفضل، طيب وتارة يختلف العمل في الفضل باختلاف مرتبة جنس العبادة، فالجهاد للرجال أفضل من الحج، أما النساء جهادهن الحج، والمرأة المتزوجة طاعتها لزوجها أفضل من طاعتها لأبويها، رغم أن بر الوالدين عظيم، بخلاف الأيم التي لا زوج لها ما تزوجت مطلقة، أرملة، بخلاف الأيم فإنها مأمورة بطاعة أبويها، وتارة يختلف العمل في الأفضلية باختلاف حال قدرة العبد وعجزه، فما يقدر عليه من العبادات أفضل في حقه مما يعجز عنه، وإن كان جنس المعجوز عنه أفضل، وهذا باب واسع، هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، والعمل الذي فيه إيثار وتضحية ومجاهدة النفس عموماً أفضل من غيره، كما أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: (أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى)[رواه البخاري1419]. رواه البخاري، ليس الواحد لو صار على الموت قال: اعطوا فلان واعطوا فلان، بعد ما ولت عنك الدنيا وما عاد تنتفع بالمال، لا تتصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، طيب الصدقة على الأقارب أكثر أجراً من الصدقة على غيرهم لحديث (لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك)[رواه البخاري2592 ومسلم999]متفق عليه.
ثامناً من القواعد في الأجور، وإدراك هذه الأشياء يا أيها الإخوة والأخوات مهم حتى الواحد يحصل الأجر الأكثر، ويستهدف العمل الأفضل، ويحصل على المردود الأعلى، الحرص على الأعمال ذات الأجور العظيمة، وخاصة ما سهل عمله وثقل وزنه؛ لأن العمر محدود ولا بد من اغتنام الأوقات، والعاقل يبحث عن الأربح، والأكثر أجراً وثواباً، ولا يتشاغل بالمفضول عن الفاضل، ولذلك كانت أسئلة الصحابة "أي الإسلام أفضل" "أي العمل أفضل" "أي العمل أحب إلى الله" "أي الصدقة أعظم أجراً" "أي الأعمال أقرب للجنة"،
العاقل يبحث عن الأربح، والأكثر أجراً وثواباً، ولا يتشاغل بالمفضول عن الفاضل، ولذلك كانت أسئلة الصحابة "أي الإسلام أفضل" "أي العمل أفضل" "أي العمل أحب إلى الله" "أي الصدقة أعظم أجراً" "أي الأعمال أقرب للجنة"،
كانت أسئلتهم تدور على الأفضل، ما أحب الأعمال إلى الله حتى الواحد يركز عليه، وقد روى مسلم عن جويرية: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها - يعني المكان الذي تصلي فيه، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: (ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟) قالت: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته)[رواه مسلم2726]، وكذلك ثبت في السنة أن قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌسورة الإخلاص1تعدل ثلث القرآن.
تاسعاً: الأعمال المتعدية أجرها عظيم، يعني متعدية النفع، يعني ما هي قاصرة على الفاعل العامل، وإنما فائدتها ومصلحتها تتعدى إلى غيره، هذه من أعظم الأعمال أجراً وأكثرها مرضات عند رب العالمين، كتعليم العلم الشرعي، والدعوة إلى الله، قضاء حوائج الخلق والشفاعات الحسنة، لماذا؟ لأن نفعها وأجرها وثوابها لا يقتصر على العامل وحده، بل يمتد لغيره من الناس، وحتى الحيوان، النفع عام للجميع، (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)[رواه مسلم2674]رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير)[رواه الترمذي2685]رواه الترمذي وهو حديث صحيح.
وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يغرس رجل مسلم غرساً ولا زرعاً فيأكل منه سبع أو طائر أو شيء إلا كان له فيه أجر)[رواه مسلم1552]، رواه مسلم، ممكن النملة تأكل منه، فأنفع العبادات وأفضلها ما كان فيه نفع متعدٍ كخدمة الفقراء والاشتغال بمصالح الضعفاء، وقضاء حوائج المساكين، ومساعدة يعني هؤلاء بالمال والجاه، صاحب العبادة إذا مات انقطع عمله، وصاحب النفع المتعدي لا ينقطع عمله ما دام نفعه مستمراً، من يؤلف كتاب طيلة ما كان الخلق ينتفعون بكتابه أجره ماشي إذا أراد وجه الله، بنى مسجد طيلة ما المسجد هذا يصلى فيه ويذكر الله فيه الأجر ماشي إلى أن يأذن الله بتوقف ذلك.
جاء رجل إلى الحسين بن علي فاستعان به في حاجة فوجده معتكفاً فاعتذر إليه فذهب إلى الحسن أخيه، فاستعان به فقضى حاجته، وقال الحسن: لقضاء حاجة أخٍ لي في الله أحب إلي من اعتكاف شهر، ليه؟ الاعتكاف عبادة عظيمة جداً، لكن هذا منفعته متعدية.
عاشراً: المحافظة على الأجر إذا حصلناه وكسبناه، يعني هذه من القواعد العظيمة أن نحافظ على المكتسبات، المؤمن يحرص على ثبات الأجر، ويحاول المحافظة عليه، ويخشى عليه من الإبطال، ولذلك يتجنب مذهبات ومحبطات الأعمال، ولذلك قال الله في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَىسورة البقرة264، لا تبطلوا، قال: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْسورة محمد33أيضاً في الآية الأخرى، فهناك أشياء تحبط الأعمال الصالحة، كما أن الحسنات تذهب السيئات كذلك في سيئات تذهب الحسنات، وقد حث تعالى على تكميل الأعمال وعلى حفظها، يعني وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْسورة محمد33هذا توجيه إلهي عظيم للمؤمنين؛ لئلا يضيع العمل سدى، وهذا النهي يشمل إبطالها بعد عملها، مثلاً: من، إعجاب، رياء، فخر، سمعة تسميع، وكذلك عمل المعاصي التي تضمحل معها الأعمال ويحبط أجرها، وهذا الذي فسر به عمر وابن عباس قول الله تعالى:أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَسورة البقرة266، يا الله، تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ أيضاً وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ، يعني هذه الآن الجنة البستان العظيم وفيها نخيل وفيها أعناب، وله فيها من كل الثمرات يعني ما هو نوع واحد من العنب أعناب، والنخيل معروفة بكرامتها ومنزلها، وله من كل الثمرات، وأنهار، هذه قيمتها المادية، هذه حالته المادية، غني بهذا البستان، طيب حالته الاجتماعية وأصابه الكبر لم يعد قادراً على العمل، حيلته الآن هذا البستان وله ذرية ضعفاء يعني: صغار أو مرضى أصحاب عاهات، المهم أيضاً ما عندهم قدرة على الكسب لو مات كل الذي يبقى لهم هذا البستان، ما مدى الحاجة للبستان؟ ما مدى تعلق نفسه بالبستان؟ شديد، وفجأة فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت، ما المقصود بهذه الآية، عمر يناقش مع ابن عباس، فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين ضربت مثلاً لعمل، فقال عمر: لأي عمل؟ فقال ابن عباس: لعمل، فقال عمر رضي الله عنه: أنها ضربت مثل للذي عمل الصالحات ثم انتكس وعمل سيئات كثيرة بغت على الحسنات وأذهبتها، وأيضاً تضرب بما قبلها وما بعدها، يعني كان في ذكر الصدقات لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَىسورة البقرة264، هذا واحد عمل صالحات ويوم القيامة سيأتي محتاجاً إليها بأمس الحاجة، الحسنات، وقد قربت جهنم ولها زفير وشهيق، والناس في العرق، والحالة بلغ السيل، يعني بلغت الحناجر، إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِسورة غافر18، فكل واحد همه حسناته التي عملها، ولكن هذا جاء يوم القيامة ووجد الحسنات كلها هباءً منثوراً، أصابها إعصار فيه نار فاحترقت، إعصار؟ إعصار الرياء، إعصار التسميع بالعمل، إعصار العجب، إعصار المن والأذى، راحت، ما مدى الأسى، مدى الإحباط، مدى الخيبة، مدى الألم؟ هذا المثل، ممكن نحن نقرأ نمر على الآية أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب وله فيها من كل الثمرات، يعني بعض الناس ما يعرف ما المقصود أصلاً بها، هذا المقصود، فلذلك إيانا ومحبطات الأعمال.
من القواعد أيضاً، كما أن هنالك محبطات للعمل هنالك منقصات من الأجر، فلا بد أن نحذر مما يبطل الأجر ونحذر مما ينقصه، يعني أمثلة على الإنقاص، حديث (من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو ماشية)[رواه مسلم1574]يعني: كلب الحاجة (نقص من أجره كل يوم قيراطان)[رواه البخاري5481 ومسلم1574]رواه البخاري ومسلم، وهؤلاء الذين يتشبهوا بالكفار وترى هذا جار كلب وتجر كلباً، كل يوم ينقص من أجره قيراطان أيش يبقى له هذا، كذلك الذي يخرق صومه بغيبة ونميمة وكذب وزور ماذا يبقى له؟ ينقص ينقص حتى يجيء درجة أنه ما يبقى له من صيامه إلا الجوع والعطش، نسأل الله السلامة، تخرق، خروقات تخرق الأعمال، وهذا حديث (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر)[رواه ابن ماجه1690].
كذلك من قواعد الأجور: أن المؤمن يتحسر على فوات الأجر، كان ابن عمر يصلي على الجنازة ثم ينصرف، يعني ما يتبعها للمقبرة، فلما سمع من أبي هريرة ثواب اتباع الجنازة وأن فيه قيراط آخر من الأجر غير قيراط الصلاة وجاءه رسوله يعني الذي أرسله لأبي هريرة للتأكد، فأكد له أن أبا هريرة سمع النبي صلى الله عليه وسلم: (أن من تبعها حتى تدفن فله قيراط)[رواه البخاري 1324]، ضرب ابن عمر حصى كان بيده وقال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة، ضيعناها فرطنا، فإذن هذا يبين حرص الصحابة على الأعمال الصالحة، وأن من علامات صحة القلب ومن علامات قوة الإيمان التأسف على ما يفوتك من المناسبات الصالحة والأعمال الفاضلة.
لماذا كان فقراء الصحابة أصابهم حزن يعني ما استطاعوا الخروج في غزوة تبوك، وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَسورة التوبة92.
ذكر أحد الإخوة قصة سبحان الله مؤثرة، يقول: ذهبت للصلاة الجماعة، فوجدت الناس يخرجون من باب المسجد، يقول: ضربت كفاً بكف وقلت: حسبي الله ونعم الوكيل، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، ..يقول: انتبهت، يعني: اخلف لي خيراً منها هذه صلاة يعني كيف، يقول: فرحت مسجد ثاني فوجدت الإمام تأخر وأدركتهم في الركعة الثانية، يعني أدرك معهم ثلاث ركعات، يقول: الحمد لله. الحريص سيبادر، يحاول، فاتت في مسجد يلحق مسجد ثاني، والمهمل يقول: الحمد لله جاءت... هم اللي خلصوا، المسجد مسكر.
من قواعد الأجور أيضاً أن العبد قد يعجل له بعض أجره في الدنيا، وهنا في تفصيل للمسألة، مثلاً لو اكتشف العمل من غير قصد وجاء له مثلاً مدح عليه، هذا عاجل بشرى المؤمن، لا تنقص من الأجر، لكن بعض الناس من المهاجرين ماتوا قبل الفتح، بعضهم مات في غزوة بدون غنائم، وبعضهم نال غنائم وبقي حتى نال من أموال الفتوحات، هذا لا شك من جهة النقصان لا ينقص، لكن أجر الذي ما غنم أكثر، عن خباب رضي الله عنه قال: "هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نبتغي وجه الله فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى أو ذهب لم يأكل من أجره شيئاً، كان منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يترك إلا نمرة، كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطي بها رجلاه خرج رأسه، ثم قال: ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها"[رواه البخاري3897 ومسلم940]رواه البخاري ومسلم، فالقسم الأول توفر أجرهم في الآخرة كاملاً، ما أخذوا شيء في الدنيا، مصعب بن عمير دخل في الإسلام افتقر خرج ما عنده إلا النمرة على فقره، القسم الثاني: أنعم الله عليهم بأشياء من الدنيا، وجاءتهم أموال من المغانم، يمكن استثمروها وتاجروا فيها ونموها، يهدبها، وأيضاً يتنعم فيها، فهؤلاء ماذا يعني، قال الكلام لابن حجر في الفتح يقول: يحسب عليهم ما وصل إليهم من مال الدنيا من ثوابهم في الآخرة. يعني في جزء من النعيم حصل، طبعاً الآخرة نعيم أكبر وما يقارن، وهذه أبقى وتلك فانية، لكن الأولون توفر أجرهم كاملاً في الآخرة، ما أخذوا شيئاً في الدنيا، ما عجلت لهم أبداً أشياء من الطيبات أو شيء قليل، فهم أكمل، لكن ترى هذه قضية قدرية،ما هو مطلوب أن الشخص يبحث على أي سبب يرحل عن الدنيا قبل ما يأتي أجل الله، هو يريد أن يستعجل لنفسه بأجل،لا، وإنما ناس سبحان الله يقدر الله أن يذهبوا في وقت أعطوا وقدموا وراحوا في وقت عسرة، وناس بقوا وفتح على المسلمين وتنعموا بأشياء، هذه أقدار، ما تقول: والله هذا عمل ليرحل عن الدنيا قبل وهذا، لا، هذه أقدار لكن هذا القدر أيضاً يترتب عليه أشياء، الله يصطفي من يشاء، ويفضل من يشاء على من يشاء سبحانه وتعالى، فهذه قضية لا يختارها العبد في العموم.
عاشراً: الفاعل المباشر للعمل أعظم أجراً ممن نواه فقط، فمباشرة الفعل أعظم فضلاً وأكثر أجراً من مجرد الاحتساب بالنية؛ لأن العامل على عمله أجر النية وأجر العمل
الفاعل المباشر للعمل أعظم أجراً ممن نواه فقط، فمباشرة الفعل أعظم فضلاً وأكثر أجراً من مجرد الاحتساب بالنية؛ لأن العامل على عمله أجر النية وأجر العمل
، كما قال بعض السلف: أيها الناس احتسبوا أعمالكم فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته.
الذي يغير المنكر بيده أرفع درجة وأعظم أجراً من الذي ينكره بقلبه، المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم، الغني المتصدق أعظم أجراً من الفقير الذي نوى الصدقة لو كان له مال، وحديث (مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر) يوضح المفهوم هذا، قال عليه الصلاة والسلام: (رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو يعمل بعلمه في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته ماله فهو يقول: لو كان لي مثل هذا لعملت فيه مثل الذي يعمل، فهما في الأجر سواء)[رواه أحمد17563]، طبعاً في ناس عنده مال ينفقه في معصية، وفي ناس ما عنده مال بس يقول: لو كان عندي مثل هذا العاصي لأنفقته في معصية، فكما أن الأولين مأجوران فكذلك الآخران مأزوران، لكن يبقى أجر الفاعل أكثر من أجر المتمني، ووزر الفاعل أكثر من وزر المتمني، فإذن هما سواء في ماذا؟ في أصل الأجر، والثانيان والآخران سواء في أصل الوزر، لكن المضاعفة للفاعل أكثر.
قال ابن القيم رحمه الله: فالغني نواه ونفذه، والفقير نواه ونفذه بلسانه، فاستويا في الأجر من هذه الجهة، ولا يلزم من استوائهما في أصل الأجر استوائهما في كيفيته وتفاصيله، فإن الأجر على العمل والنية له مزية على مجرد النية التي قرنها القول، لكن يا أخي الكريم يا أختي الكريمة لو واحد ما عنده ينويها، على الأقل يأخذ أجر الأصل، فكم فاتنا من أجور.
مثال آخر: من نوى الحج ولم يكن له مال يحج به يثاب، لكن الذي باشر وذهب وتعب وعمل هذا له مزية بطبيعة الحال، مثل حديث (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه)[رواه مسلم1909]، طيب واللي قتل فعلاً في المعركة مقبلاً غير مدبر، خالصاً لله، يريد إعلاء كلمة الله، لا شك هنا في المضاعفة سيتفوق في المضاعفة، وإن اشتركا في أصل الأجر.
ومن القواعد: أن المتسبب ينزل منزلة الفاعل في تحصيل الأجر، مثل حديث: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله)[رواه مسلم1893]رواه مسلم. (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه)[رواه مسلم2674]، فالدلالة والنية نزلته منزلة الفاعل، وقيل: إنه يشترك مع الفاعل في الأصل دون التضعيف، ويبقى التضعيف ميزة للفاعل.
من الأمور المهمة أن الأجر كما يكون على الفعل يكون على الترك، مثل تكف شرك عن الناس صدقة منك على نفسك، وأيضاً فإن الإنسان يؤجر على المباحات بالنية، مثل اللقمة التي يضعها في زوجته، مثل النوم الذي يعينه على قيام الليل، مثل الطعام اللي يعنيه على الطاعة، فيؤجر على هذه المباحات لحسن نيته، وأيضاً كلما اشتد الأمر عظم الأجر، ولذلك من ورائكم أيام الصبر، أيام الآن، هذه أيام القابض على دينه كالقابض على جمر، نسأل الله العون، ولا يشرع تقصد المشقة طلباً لزيادة الأجر، لكن لو حصلت وصبر عليها الإنسان فإنه يؤجر، ومع أنه لا يشرع تقصد المشقة طلباً لزيادة الأجر، لكن لو حصلت وصبر عليها يؤجر، ومع أن بعض الأعمال أقل مشقة وأكثر أجراً، مثل تخفيف ركعتي الفجر أفضل من تطويلهما، يعني سنة الفجر، ومثل قصر الصلاة أفضل من إتمامها للمسافر، إلا أنه إذا استوت جميع الاعتبارات فإنه كلما زادت المشقة عظم الأجر (أجرك على قدر نصبك)[رواه بمعناه مسلم 1211].
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لعمل الصالحات، وأن يضاعف لنا الأجور والحسنات، وأن يغفر الزلات والسيئات، وأن يدخلنا واسع الجنات.
أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.