الخميس 18 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 19 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

حصار الأحزاب


عناصر المادة
مفهوم الحصار من خلال السنة العملية
غزوة الأحزاب وما حصل فيها من الشدة على المسلمين
أهم دروس غزوة الأحزاب
أحكام فقهية تظهر في الحصار

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله أيها الإخوة والأخوات.

نسأل الله تعالى أن يجعل فرجنا وفرج المسلمين عاجلاً غير آجل، ونسأله عز وجل أن يرفع الغمة عن المستضعفين وأن ينصرهم إنه هو السميع العليم.

مفهوم الحصار من خلال السنة العملية

00:01:18

تعلمون أيها الإخوة والأخوات أن المسلمين في أنحاء متعددة من العالم يتعرضون لتضييق لحصار، لتجويع، لأنواع من الإخافة والإصابات التي تقع عليهم قتلاً وجرحاً، وإذا أردنا أن نعود إلى تاريخنا لنتعرف على مفهوم الحصار من خلال السنة العملية وهي السيرة النبوية فماذا سنجد؟

السيرة النبوية: هي التطبيق العملي للكتاب والسنة، ولذلك السيرة النبوية فيها كنوز عظيمة.

تعتبر غزوة الأحزاب من الأحداث العظيمة والمحن الجسيمة التي مرت بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتذكرنا بما يقع الآن لعدد من المسلمين، أو بالأحرى إن ما يحدث لبعض المسلمين يذكرنا بتلك الحادثة في العهد النبوي، ماذا كانت حقيقة الأحداث، الآيات التي نزلت بشأنها، ما هي العبر والعظات، كيف نتربى من خلالها، كيف نأخذ ما يقوينا نحن، وتشخيص الداء ووصف الدواء وبيان عوامل النصر ومقومات التمكين، الأمة تمر الآن بأحداث ونوازل وزلازل.

غزوة الأحزاب وما حصل فيها من الشدة على المسلمين

00:03:05

وكانت غزوة الأحزاب زلزالاً عظيماً أصاب المسلمين، وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًاسورة الأحزاب11، بنص كتاب الله، في شوال سنة خمس من الهجرة تحزب الأحزاب من المشركين واليهود والمنافقين حول المدينة وحاصروها وتألبوا للقضاء على المسلمين، حشدوا العُدد والعَدد والعتاد، وجاءوا بخيلهم ورجلهم بحقدهم الدفين، والتربص بهذا الدين، ويريدون إخماد نور الإسلام والقضاء على هذه الدولة الناشئة، بينهم خلافات تناسوها، الكفار يجتمعون، المشركون واليهود والمنافقون يجتمعون، ما الذي جمعهم؟ عداوة أهل الإسلام. تفرق شملهم إلا علينا، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًاسورة الأحزاب9، كذلك جنود الأعداء يجتمعون لحصار المسلمين في عدة مواطن ويتواطأ المنافقون وغيرهم، والتواطؤ مادي ومعنوي وعسكري وإعلامي، الله عز وجل نادى المؤمنين بوصف الإيمان لتحريك النفوس وأنه لن يستفيد من هذه المواقف إلا أصحاب الإيمان الراسخ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، النعمة والفضل العظيم الذي جعل هؤلاء الأعداء يتفرقون عن المسلمين من غير قتال، ويتغير الوضع وينقلب الميزان، نعمة عظيمة.

كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (لا إله إلا الله وحده أعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، فلا شيء بعده)[رواه البخاري4114 ومسلم2724]أمرهم أن يذكروا هذه النعمة ولا ينسوها؛ لأن في ذكرها تجديداً لاعتزازهم بدينهم والثقة بربهم، والتصديق بنبوة نبيهم صلى الله عليه وسلم، إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ، جنود يعني هذا التنكير للتفخيم، لبيان الكثرة، إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ، قريش وقبائل العرب وغطفان واليهود وتجمعوا والحصار والإبادة، فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا، كفأت قدورهم ونزعت خيامهم وألقت الرعب في قلوبهم، وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَاالملائكة، فتزلزل كيان المشركين من نزول الملائكة، ألقي الرعب في قلوبهم من نزول الملائكة، صار الخذلان فيهم بسبب نزول الملائكة تفرقت كلمتهم ووقع الرعب فيهم، وفي النهاية فروا وماذا كان حال المؤمنين؟ هذا الاجتماع المخيف للكفار واشتداد الحصار ونجم النفاق، وشهر كامل ذاق المسلمون صنوف المحن، وضروب البلاء والكروب ألواناً وأنواع، متى كان واحد منهم ينام؟ إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْسورة الأحزاب10يعني: إطباق من كل جانب، من أعلاها ومن أسفلها، ومآلأهم اليهود وعاونوهم، ولم يكن المؤمنون ليأمنوا لحظة من انقضاض اليهود من خلفهم، وكذلك استطاع بعض المشركين أن يقفزوا ويعبروا الخندق، فيمكن أن تميل عليهم يهود والمنافقون أيضاً يشتغلون من الداخل في التخذيل والإرجاف، وهؤلاء في الحصار كماشة، وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَسورة الأحزاب10، وهذا تعبير قرآني بليغ عن حالة الكرب والكربة والخوف والضيق الذي أصاب المسلمين واستحكام الحصار والشدة.

القلوب يعني تتجاوز مقرها وترتفع طالبة الخروج إلى الصدور، إذا بلغت القلوب الحناجر ما معنى ذلك؟ ضيق عظيم.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا يوم الخندق: "يا رسول الله هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر؟ " قال: (نعم، اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا). [رواه أحمد10613 وهو حديث حسن].

أدرك أهل الإيمان أنهم أمام ابتلاء وزلزال مروع، وأن عليهم أن يثبتوا ويجتازوا بالإيمان والتسليم، وهذا حال المؤمن إذا اشتد الكرب وتفاقم الحصار، وزادت الشدائد، صار إيمانهم إلى اليقين، يكشف هذا الحصار عن المعدن الأصيل والإيمان العميق

العورة ممكن ينفذ منها الكافر، والروعة تخيف المسلم، آمن روعاتنا يعني: آمن مخاوفنا، لا تدل على الأعداء، ولا تقدر أن يستدل الأعداء على ثغرة أو عورة ينفذ من خلالها، وهذا دعاء عظيم ينبغي أن لا يغفل عنه المسلمون إذا حوصروا في أي مكان، وتعرضوا للضائقة والابتلاء، وقال الله عن المؤمنين: وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاسورة الأحزاب10، الظنون جمع، يعني ظنون مختلفة، فيظن المخلصون منكم الثابتون على الإيمان أن الله منجز وعده وناصر نبيه وأنه لن يأذن باستئصال المسلمين والقضاء على الإسلام. اشترك الجميع في الشعور بالكرب، الذي اختلف هو استجابة القلوب واختلاف الظن بالله، واليقين بالنصر والاطمئنان وقت الزلزال يختلف حال هؤلاء فيه عن هؤلاء، هُنَالِكَ ابْتُلِيَبهذه الفتنة العظيمة، وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًاسورة الأحزاب11، وأزعجوا بالفتنة، وليتبين الإيمان ويزداد اليقين، وهذا حال كثير من المستضعفين تحت الحصار، إذا جاءتهم الضربات من كل جهة، ما وجدوا واحد أن يقف معهم في العالم، تمالأ عليهم الناس ولا أحد معهم، وتمثيليات يعني فقط التي يفعلها بعض من يدعي الديمقراطية من الوقوف مع بعض هؤلاء المساكين والشعوب المحاصرة، يجتمع عليهم الحصار الظالم، نقص المواد الغذائية، حتى حليب الأطفال، لا دواء للمرضى، دبابات تقصف البيوت، مدافع، أي واحد يخرج حتى لقضاء، يعمل أي شيء، وتهدم بيوت ومستشفيات ومساجد، وتتوقف صلاة الجمعة في بعض المساجد لأول مرة في تاريخها، وليس هذا بغريب على من لا يؤمن بالله واليوم الآخر يفعلوا أكثر من هذا ، ويظهر الحقد الدفين، كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَسورة التوبة8، فلا مراعاة لعهد ولا وفاء بعقد ولا حلف ولا نسب ولا قرابة ولا ذمة ولا أواصر ولا جوار ولا شيء ينفع مع هؤلاء، لا رجولة ولا مروءة، الخوف يقع لكن المواقف تختلف أيها الإخوة والأخوات، الخوف يقع وينال كل النوعيات وعلى كل المستويات، لكن هذا يزيد إيمانه وهذا إيمانه يكاد يزول، المؤمنون الصادقون رغم الخوف المزلزل، الله قال عنهم: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًاسورة الأحزاب22، فأدرك أهل الإيمان أنهم أمام ابتلاء وزلزال مروع، وأن عليهم أن يثبتوا ويجتازوا بالإيمان والتسليم، وهذا حال المؤمن إذا اشتد الكرب وتفاقم الحصار، وزادت الشدائد، صار إيمانهم إلى اليقين، يكشف هذا الحصار عن المعدن الأصيل والإيمان العميق، فإن رؤية الزحف الرهيب والجمع الكبير تزيدهم إيماناً وتصديقاً بوعد الله، ويقيناً وتسليماً وتفاؤلاً واستبشاراً بنصر الله، هنالك تذكر المؤمنون ما وعدهم الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُمن الابتلاء والاختبار والامتحان الذي يعقبه النصر والتمكين والغلبة، أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌسورة البقرة214، كان هنالك حصار جماعي من مختلف قبائل العرب مع اليهود وبجيش عشرة آلاف مقاتل، وكان في على المسلمين جوع وخوف وشدة برد اجتمعت، ومع ذلك لم ييأسوا، لم يفقدوا ثقتهم بالله، والنبي صلى الله عليه وسلم يعدهم في هذا الكرب بفتح الشام وفارس واليمن، وهي الدول العظمى في ذلك الوقت، رغم ما نراه من شدة المصاب الآن إلا أننا نعلم يقيناً أيها الإخوة والأخوات أن الله ناصر دينه، مهما اجتمعت قوى الشرق، والغرب والنفاق، مهما كان من الكفرة والمشركين، مهما كان من أنواع أهل البدع والباطنية، مهما كان من المنافقين والخبثاء، لكن الله ناصر دينه، هذا يجعل في نفس المسلم صبراً عجيباً وثباتاً قوياً ورغبة في التضحية، وإرادة للاستمرار، يؤثر الكرامة على الهوان، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًاسورة الأحزاب23، مؤمنون معادن، خلص، صادقون، وعدوا فوفوا عاهدوا فأجابوا ونصروا، ما منهم إلا الصدق والوفاء، ما كان منهم إلا البذل والعطاء، منهم من نال الشهادة وتوج بها، ختم مسيرته الإيمانية بهذا التاج تاج الشهادة، ومنهم من ينتظر دوره في الشهادة بلهفة وحنين للقاء رب العالمين، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا، بل هم على طريق الحق ماضون وعلى الدين ثابتون لا يغيرون ولا يبدلون، هؤلاء هم المؤمنون حقاً.

فالمؤمنون إذا ما أوعدوا صدقوا *** أو عاهدوا ذا العلاء أوفوا بما عهدوا

وفي هذا تعريض بالمنافقين الذين بدلوا وأخلفوا، ،الجزاء من جنس العمل، لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًاسورة الأحزاب24، فسبحانه يجزي الصادقين بصدقهم وينصرهم في الدين، ويدخلهم في الآخرة جنات النعيم، ويعذب المنافقين إن ماتوا على نفاقهم، وإن تابوا فإن رحمته تعالى واسعة، وشتان بين الجزاءين، كيف نستفيد إذن من الحدث، إنه من وجوه كثير.

أهم دروس غزوة الأحزاب

00:15:56

مضى إذن بعض تلك الوجوه ولننظر في حال المنافقين والمخذلين وقد كان من أهم دروس هذه الغزوة ظهور المنافقين وافتضاح أمرهم وذكر صفاتهم، ففي الأحداث الأزمات يتبين النفاق، يحصحص يظهر يقشقش، الأحداث تقشقش وتظهر هؤلاء، وتبين المضمر، وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًاسورة الأحزاب12، شكاً في الإيمان وضعفاً في الاعتقاد وسوء ظن بالله، وهذه عادة المنافقين، عند الشدة والمحنة، وقال بعضهم متهكماً ساخراً: يعدنا محمد بفتح فارس والروم، وقد حصرنا هاهنا حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته، مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا، ما نراه اليوم من أحداث كثيرة فيها نزول مصائب بالمسلمين واجتماع الشرق والغرب عليهم، وما يحدث لهم من الآلام والخسائر تجعل بعض الناس يقول: إذن يعني هذا لا يعول على معسكر أهل الإسلام، المسلمون في ضعف، والوضع ليس في مصلحتهم، ويعني مسألة مدبرة، من الناس من لا يعرف إلا في المحن، ورحم الله الفضيل بن عياض لما قال: "الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم"، فصار المؤمن إلى إيمانه وصار المنافق إلى نفاقه، فيظهر في الشدائد المؤمنون الذين يوالون الله ورسوله، ويسعون لنجدة إخوانهم، ويظهر المنافقون المتربصون بالمؤمنين الدوائر، يظهر المدافعون عن الظلم والموالون للأعداء، يفتضح الذين كانوا يتبجحون بالمبادئ الإنسانية والديمقراطية والحرية فإذا بالمسألة تأييد للظلم والقهر، لا حرية ولا عدالة ولا مساواة ولا حقوق إنسان، ما دام الضرب على المسلمين فالجميع مشترك، ومرضى القلوب قولهم: مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا، الله قادر على كل شيء، الله يمكن أن يمحو الكفار بلحظة، ولكن لله حكمة، يريد تمحيص المؤمنين، وتمييز هؤلاء عن أهل النفاق، وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُواسورة الأحزاب13، يعني: لم يتوقف دور المنافقين عند التشكيك في الوعد الحق والتخلي عن نصرة الإسلام، ولكن تجاوز ذلك إلى الإرجاف وإثارة الهلع والفزع في الصف الإسلامي، والدعوة إلى الفرار من الميدان، واختلاق الأعذار الواهية للهرب، فقالت طائفة منهم: يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا، لا مقام لكم في موضعكم الذي خرجتم إليه خارج المدينة، وكان المسلمون عسكروا دون الخندق خارج المدينة، والمنافقون: رجعوا إلى المدينة، المخذلون موجودون في عصر النبوة وفي غيره، ذكر الله مقولتهم تحذيراً منهم، كشف الله حالهم، حتى يعطينا نحن الدرس الذي نعي به حقيقة هؤلاء، ومن كان متابعاً لأحداث المسلمين، وأحوال المسلمين، سيجد كلام هؤلاء في مقابلاتهم ومقالاتهم وبرامجهم وتعليقاتهم التخذيلية، وطائفة أخرى أصابهم الجبن والجزع وأحبوا أن ينخذلوا عن الصفوف، ويعتذرون بالأعذار الباطلة، وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌسورة الأحزاب13يستأذنون للفرار من الميدان بحجة أن البيوت غير محصنة ومكشوفة، ويخشى عليها من الأعداء والسراق، حجج ساقطة، والغرض الانسحاب، إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًاسورة الأحزاب13، الله كذبهم، وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ، مقصودهم إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا، قال الله تعالى بعد ذلك: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًاسورة الأحزاب14، لو دخل العدو عليهم المدينة، واقتحم عليهم بيوتهم وهم فيها، ثم طلب منهم الرجوع إلى الكفر أو الإقرار بذلك لسارعوا، مهيئون للغدر والخيانة، مستعدون لنبذ الإيمان، حتى الظاهر الذي أعلنوه، وكذلك عندهم قابلية للتحالف مع قوى البغي والكفر، وعندهم رغبة في التآمر على أهل الخير والصلاح، وجه لأهل الباطل، علقوا مصيرهم بمصيرهم، ولكن الله ذكر مصيرهم فقال: وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا، لن يطول تمتعهم بالحياة الدنيا ولا بالذل والعار والغدر والخيانة الذي يريدونه من وراء  التحالف مع الكفار والانضمام إلى صف الكفار؛ لأن هؤلاء سرعان ما سيتخلون عنهم، ويستغنون بغيرهم، أو يكتب الله غلبة لأهل الحق فيتنقمون هؤلاء، أو يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فالموت آتٍ، وكل ما هو آتٍ قريب، هذا التخلف والخذلان وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًاسورة الأحزاب15، كان في مقابل عهد لكن ما راعوه، وسيسألهم عن ذلك العهد، فإذا هم قد نقضوه، قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًاسورة الأحزاب16، لن يغني حذر من قدر، ولن ينجيكم الفرار ولن يفيدكم شيئاً، فموتكم آتٍ لا محالة، طالت الحياة بكم أو قصرت، سينزل بكم قضاء الله، وإذا جاء قدره تلاشى كل سبب؛ لأن أمر الموت عجب، إذ أن الإنسان يفر منه فيأتيه من قبل وجهه، قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْسورة الجمعة8، أنتم تفرون منه فإنه ملاقيكم من الأمام.

ومن لم يمت بالسيف مات بغيره *** تعددت الأسباب والموت واحد

قال الله: قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًاسورة الأحزاب17، من الذي يحول بينك وبين قدر الله؟ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًاسورة الأحزاب18، (قد) هذه للتأكيد وليست للتشكيك، هذا الوعيد للمثبطين، يقولون لإخوانهم: ارجعوا، ارجعوا، انحازوا إلينا، تعالوا، تعالوا، نحن عندنا ظلال وثمار وأنتم عندكم قتل وجوع وضرب، قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ، التعويق أشد من مجرد الإعاقة، ليسوا معيقين، معوقين، يعني إعاقة فيها جهد تخطيط مكر، ما قال: المعيقين، قال: الْمُعَوِّقِينَ، دلالة على بذلهم جهداً وتخطيطاً في هذا التعويق، السعي لإخافة بقية المسلمين، ونشر الرعب والذعر بينهم، تفتيت الصف الداخلي، وجعل الجبهة الداخلية تتفرق، وتتمزق، ومع تعويقهم جبناء، قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًاسورة الأحزاب18، يعني إذا ما وجدوا أبداً وسيلة للتهرب، لا يأتون إلا قليلاً، قال الله: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًاسورة الأحزاب19، أَشِحَّةً عَلَيْكُمْبأبدانهم عند القتال، وبأموالهم عند النفقة، وبآرائهم عند الحاجة للنصيحة، وبذل الرأي، فلا يجاهدون لا بمال ولا بنفس ولا برأي، فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ، إذا جاء البأس وقع القتال، حصلت مواجهة رعبوا، تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ، كالذي يعالج شدائد الموت وسكراته، فإذا ذهب الخوف صاروا في حال أمن وطمأنينة، سَلَقُوكُمعلت ألسنتهم بالكلام الحاد القوي.

أفي السلم أعيار جفاء وغلظة *** وفي الحرب أشباه النساء الفوارك

هذا نموذج من الناس شجاع فصيح في الأمن والرخاء، جبان خائف صامت في الشدة والخوف، شحيح بخيل على الخير وأهل الخير لا يناله منهم إلا سلاطة اللسان، أشحة على الخير، أشحة بالنفقة، أشحة بأبدانهم، أشحة برأيهم ونصحهم، فإذن هؤلاء لا يمكن أن يكونوا مؤمنين، قال الله: أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًاسورة الأحزاب19؛ لأن المؤمنين وقاهم الله شح أنفسهم، وبذلوا وأعطوا وقدموا أما هؤلاء، كما قال الله: يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًاسورة الأحزاب20من فرط خوفهم وفزعهم تتلخبط حساباتهم تصبح خاطئة، لم يخطر ببالهم أن تلك الجموع الحاشدة الرابضة المحاصرة ستعود دون أن تحقق أهدافها، قالوا: ما يمكن، كل الاجتماع ثم يذهبون ، ألا سينجحون في القضاء، كيف ما ينجحون؟ ولما فرت تلك القوى من مواقعها وعادت من حيث جاءت، لم يصدق المنافقون في بادئ الأمر تلك النتيجة، هذا ما يدخل العقل عندهم، يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا، ولكن حصل، وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًاسورة الأحزاب25، هذه حسابات خاطئة لأنها حسابات دنيوية بحتة، هؤلاء... عشر آلاف، وهؤلاء ثلاثة، العشرة يغلبون الثلاثة، والعدة والعدد وأكثر، هذه حسابات الدنيا، وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًاسورة الأحزاب25، جاءت الريح هبت والملائكة نزلت، دب الرعب في نفوس الكفار، الفزع، جاءت العواصف العاتية، تشتت الشمل تفرقت الكلمة، لَمْ يَنَالُوا خَيْرًاولو قليلاً بل رجعوا خائبين خاسرين غارمين منهكين، ما فائدة الحصار بالنسبة للمؤمنين ما فائدة الحصار؟ يربي الصلابة في نفوس المؤمنين، يستخرج الله به الإيمان فيعمر النفوس، يصبح هناك سقف أعلى للمطالبة، والناس ترتقي من مستوى إلى مستوى، يتخذ الله شهداء، تظهر غطرسة الظلمة وغباؤهم، وأيضاً تنجلي بقية المواقف يعني بعض المسلمين كانوا انخدعوا ببعض مواقف بعض من ينتسبون للإسلام الآن، بخطب رنانة وكلام، فلما جاء الجد، لما صارت المواجهة، لما صار الحصار رأوا الأشخاص الذين كانوا معجبين بهم يقفون مع أعدائهم ضدهم، ضد المسلمين، خلاص كشفت المواقف، حصصت القضية، ظهرت، ثم إن الله عز وجل بأحداث يقدرها يوقظ قلوباً غافلة.

يا ليت شعري من يحرك في ضمير القوم هزة *** يا رب فابعث في نفوس المسلمين مزيد عزة

وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًاسورة الأحزاب25، وكان الله قوياً عزيزاً، وأتى بأسباب قدرية، ولا يغالبه سبحانه شيء ولا يعجزه أحد، ولا ينفعه صاحب قوة عنده وأمامه، قوته أبداً أمام قوة الله.

أحكام فقهية تظهر في الحصار

00:31:01

في الحصار تظهر أحكام فقهية، يعني هذه من الفوائد التي لا تغيب عن فقه المسلم، فلا يستطيع المسلمون أحياناً الجمعة ولا الجماعة، ولذلك يجوز ترك صلاة الجمعة والجماعة للخائف الذي يخشى على نفسه أو أهله أو ولده أو ماله، وكما قال يعني ابن قدامة رحمه الله، ويعذر في تركهما الخائف، يعني ترك صلاة الجمعة والجماعة، والخوف ممكن يكون خوف على النفس أو خوف على المال، أو خوف على الأهل، فقد يخاف على نفسه سلطاناً يأخذه أو عدواً، أو لصاً أو سبعاً، أو دابة، ونحو ذلك، أما الخوف على المال بلصوص أو قطاع طرق ونحو ذلك يسرقون منزله، غرماء يعني يريدون الاستيلاء على محله دكانه بضاعته، أو الودائع التي عنده مثلاً، والخوف على الولد والأهل أن يضيعوا أو لا يكون هناك أحد يحميهم فينشغل بحمايتهم، وهذا حصل في بعض الأحياء مثلاً يدخل فيها من هؤلاء المجهزين للإغارة ونشر القلاقل والعدوان والاغتصاب والنهي والسلب، لنشر الذعر، لأهداف متعددة، فيحتاج أهل الحي إلى حراسة، حيهم ويتناوبون، فعند ذلك يجوز ترك الجمعة والجماعة لمن لا بد من بقائه للحراسة، وأحياناً يكون هناك قصف، والذي يخرج من بيته يقتل، فهذا يصلي في بيته ظهراً، الجمعة الآن سقطت عنه، مسألة ثانية جواز الجمع لمن احتاج إليه، دون قصر في البلد، فعن ابن عباس قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جمعاً بالمدينة في غير خوف ولا سفر"، سئل ابن عباس عن سبب ذلك فقال: "أراد أن لا يحرج أحداً من أمته"[رواه مسلم705]، يعني في حالة الحرج، في حالة الضيق في حالة مشقة صلاة كل صلاة في وقتها هنا يظهر الجمع كحل، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍسورة الحـج78، أطباء ممرضون، مجاهدون، لابد من مساعدة من الناجين، استخراج ناس من تحت الأنقاض، توزيع غذاء توزيع دواء، هذا حرج، هنالك يصلي المسلمون الظهر والعصر أفراداً جماعات، المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير حسب الأيسر، بلا قصر؛ لأنهم ليسوا في سفر، الجمع فقط.

ثالثاً: صلاة الخوف، ويكون هذا للمسلمين إذا صاروا أمام الأعداء، وصلاة الخوف ليست خاصة بالخوف عند القتال، بل متعلقة بالخوف مطلقاً، فمن خاف على نفسه أو ماله أو أهل، والأسير إذا خافهم على نفسه صلى والمختفي في موضع يصليان كيف أمكنهما، ولو كان المختفي قاعداً لا يمكنه القيام، أو مضطجعاً لا يمكنه القعود، ولا الحركة يصلي على حسب حاله، كما ذكر ابن قدامة رحمه الله في المغني، والنووي في المجموع، قد يكون مختفياً من أعداء لا يستطيع أن يقوم، قد يكون مستلقياً لا يستطيع أن يقعد، ما يترك الصلاة تروح، يصلي على حسب حاله، يصلي صلاة شدة الخوف إذا ضاق الوقت وخاف فوت الصلاة، حتى لو مضطجعاً، صلاة الخوف في الحضر هل هي ممكنة؟ نعم، قال العلماء: إنها جائزة في الحضر إذا احتيج إليها بأن نزل العدو قريباً من البلد، حصار، فإذا كان المؤمنون جماعة، وعليهم قائد مثلاً صلى بهم صلاة الخوف فرقتين فصلى بكل طائفة ركعتين، الطائفة الأولى أن تفارقه في التشهد الأول أو حين يقوم إلى الثالثة فإذا جلس الإمام في التشهد الأخير تجلس الطائفة الثانية معه، وتتشهد الأول لها ثم تقوم لتكميل ما بقي من صلاتها، ويطيل الإمام هذا التشهد حتى تتم هذه الطائفة صلاتها، وتجلس التشهد الأخير معه ثم تسلم معه، طيب وإذا كان في صلاة المغرب، صلى الإمام في الطائفة الأولى ركعتين ثم تقوم فتتم صلاتها، ويصلي بالطائفة الثانية ركعة ثم تتم صلاتها، وهذا قول بعض أهل العلم، كمالك وأحمد وقول الشافعي رحمه الله، القول الثاني: أنه يصلي بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين، وهذا أيضاً ورد في كلام بعض أهل العلم، والأكثر على الأول.

هناك صلاة يقال لها صلاة الطالب والمطلوب، الطالب الذي يتبع العدو للإيقاع به، المطلوب الذي يفر من عدو، سواءً كان إنساناً أو سبعاً أو طوفاناً فيضان سيل، فيصلي على حسب حاله، ولو ماشياً ولو إلى غير القبلة، مثل حال الاشتباك في المعركة

المسألة الرابعة: هناك صلاة يقال لها صلاة الطالب والمطلوب، الطالب الذي يتبع العدو للإيقاع به، المطلوب الذي يفر من عدو، سواءً كان إنساناً أو سبعاً أو طوفاناً فيضان سيل، فيصلي على حسب حاله، ولو ماشياً ولو إلى غير القبلة، مثل حال الاشتباك في المعركة، قال تعالى: فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًاسورة البقرة239، والعلماء قالوا: يجوز في كل هرب مباح، من سيل أو حريق، إذا ما وجد إلا هذا الحل، النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل عبد الله بن أنيس إلى خالد بن سفيان الهذلي، عبد الله بن أنيس صحابي جليل فدائي، وخالد بن سفيان الهذلي مشرك، كان في عرنة وعرفة ، قال: اذهب فاقتله، قال: فرأيته وحضرت صلاة العصر، فقلت: إني أخاف أن يكون بيني وبين ما أن أؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي وأنا أصلي وأومئ إيماءً، نحوه. الحديث [رواه أبو داود1249 وحسنه ابن حجر].في جواز الصلاة عند شدة الخوف إيماءً.

خامساً: يعني تأخير الصلاة عن وقتها بسبب شدة الخوف في حال الخوف والقتال، هذه لها أحوال، ولذلك فإن مرجعها إلى كتب أهل العلم، وخلاصتها أنه لا يمكن تأخير الصلاة عن الوقت، سيصلي على حسب حاله، في مسألة من المسائل تسأل في قضايا الحصار، يعني اقتحام العدو، بعض النساء تقول: إذا خافت على نفسها الاغتصاب هل يجوز لها أن تقتل نفسها؟ الجواب: لا، لا يجوز أن تقتل نفسها، وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًاسورة النساء29، وعليها أن تدافع وأن تهرب وتقاوم فإن غلبت فهي مأجورة على المصيبة التي نزل بها ما دامت كارهة لذلك.

ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يقي المسلمين شرور الكفار والمنافقين وأعداء الدين، ونسأله عز وجل أن يرفع البأس عما نزل بإخواننا المستضعفين، ونسأله عز وجل أن يكتب لنا ولإخواننا السلامة في أرجاء الأرض إنه حكيم عليم مجيب، أيها الإخوة والأخوات كان ذلك طائفة وجولة سريعة فيما يتعلق بالحصار، وأخذنا دروساً وفوائد مما حصل للمسلمين في غزوة الخندق.

نسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، أستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

1 - رواه البخاري4114 ومسلم2724
2 - رواه أحمد10613 وهو حديث حسن
3 - رواه مسلم705
4 - رواه أبو داود1249 وحسنه ابن حجر
  • طالب

    جزاك الله خير يا شيخنا ارجو منك ان تدعي لي بتوفيق

  • اسامة المسعودي

    جزاك الله كثير الجزاء [ادعولي باتوفيق