الثلاثاء 7 ذو القعدة 1445 هـ :: 14 مايو 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

شيء تفعله لإخوانك


عناصر المادة
عقد الإخوة
ماذا نفعل لإخواننا المستضعفين؟
أهمية الدعاء بظهر الغيب
أمثلة لدعاء الصالحين واستجابة الله لهم
الدعاء سلاح الموحدين
بعض آداب الدعاء

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

عقد الإخوة

00:01:04

فنحن المسلمين أمة واحدة عقد الله بيننا عقداً وهو عقد الإخوة، فقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌسورة الحجرات10، (المسلم أخو المسلم)[رواه البخاري 2442](وكونوا عباد الله إخواناً)[رواه البخاري 6065]، هذا العقد بيننا نحن المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها أينما كنا، العلاقة وثيقة، الرابطة متينة، وتراحم ومساندة ومفهوم الجسد الواحد، إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان، كما يألم الجسد لما في الرأس، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، مهما افترقت أجناسنا وتباينت لهجاتنا، وتباعدت أماكننا، فإن الحدود لا تفرق بيننا، والمسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله، كما جاء في حديث مسلم، يسوؤنا ما يسوء إخواننا ويحزننا ما يحزنهم، ويفرحنا ما يفرحهم ويسرنا ما يسرهم، بيننا عقد ولاية، وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍسورة التوبة71في المحبة في النصرة، والاهتمام بشؤوننا لبعضنا البعض دليل إيماننا.

ماذا نفعل لإخواننا المستضعفين؟

00:02:41

 يقع الآن لإخواننا المسلمين في أنحاء العالم ما يقع شدة وكربات وإضعاف وتسلط عدو ومصيبة وكارثة، فماذا نفعل له؟ يتساءل كثير من الناس إخواننا المستضعفين، إخواننا في مشارق الأرض ومغاربها من المستضعفين، ماذا نفعل لهم، ماذا نملك؟ هناك شيء نستطيع أن نفعله من أجلهم مهما كانت أحوالنا، شيء سهل لا يكلف، وهو دليل على متانة الأخوة، الدعاء لهم، الله عز وجل كريم ورحيم، ويجيب دعاء المسلمين لبعضهم.

يا من يرى ما في الضمير ويسمع *** أنت المعد لكل ما يتوقع

يا من يرجى للشدائد كلها *** يا من إليه المشتكى والمفزع

يا من خزائن رزقه في قول كن *** امنن فإن الخير عندك أجمع

ما لي سوى فقري إليك وسيلة *** فبالافتقار إليك فقري أدفع

ما لي سوى قرعي لبابك حيلة *** فلئن رددت فأي باب أقرع

قال الله تعالى: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)[رواه مسلم2577]. حديث قدسي عن رب العالمين.

الله عز وجل لا يعجزه شيء، والله سبحانه وتعالى كريم ويعطي، وعندما نسأل الله لإخواننا فإن ربنا يجيب ولذلك دعاؤنا لهم له أهمية كبيرة خصوصاً عندما يكونون في ضيق كربة شدة لأواء، ضنك، وهذا هو اجتهادنا في الدعاء لإخواننا عندما تزل بهم آفة ومصيبة.

وإني لأدعو الله والأمر ضيق *** علي فما ينفك أن يتفرجا

وكم من فتى ضاقت عليه وجوهه *** أصاب لها من دعوة الله مخرجا

أهمية الدعاء بظهر الغيب

00:05:31

نحن اليوم عندما نرى ما يحدث في إخواننا المسلمين من اضطرابات من قلاقل من شدة، من حروب من سفك دماء، من ظلم من تسلط، من كيد العدو، عاطفتنا الإسلامية قيامنا بحقوق إخواننا يفرض علينا أن نفعل شيئاً، أن نقدم شيئاً دعاؤك يا أخي ويا أختي لإخوانك لأخواتك عبادة لربك ونفع لك ولهم، دعوة المسلم للمسلم، لأخيه بظهر الغيب مستجابة، وقال العلماء: بظهر الغيب أي في غيبة المدعو له، وإن كان حاضراً معه بأن يدعو له بقلبه، دون أن يسمعه، فتكون دعوة بظهر الغيب أيضاً، حتى لو كان بجانبك، سبحان الله، من أسرع الدعوات استجابة دعوة المسلم لأخيه في الله

من أسرع الدعوات استجابة دعوة المسلم لأخيه في الله

، وعندما تشتد حاجة إخواننا ويقعون في فتن وابتلاءات ومصائب، يتأكد علينا، من أنواع المؤاساة أن ندعو لهم، من أكبر أسباب التخفيف عنهم الدعاء، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء، هذه ثمرة عظيمة، من تمام نعمة الله على عبادة أنه ينزل بهم الشدة والضر كي يقومون بالدعاء له مخلصين، فيدعونه ويرجونه، وتتعلق قلوبهم به، وينيبون إليه، ويلحون، ويجأرون ويتضرعون، وعند ذلك يجيب سبحانه ويفرج، ويعطي، والله سبحانه وتعالى (ليس شيء أكرم عليه من الدعاء) كما جاء في الحديث الصحيح، (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)[رواه الترمذي 3370]ولذلك عاب الله على من ينزل به بلاء ولا يتضرع، قال تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَسورة الأنعام43، هلا إذا ابتليناهم بما ابتليناهم به تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا، لجؤوا إلينا، ألحوا علينا أظهروا افتقارهم إلينا، ولكن استحجرت قلوبهم فلا تلين، ولا ترق ولا تخشع، يلعب الشيطان بعقولهم ويستمرون في باطلهم، من لم يدع الله يغضب عليه، في أوقات الشدائد ينبغي أن يساند المؤمنون إخوانهم؛ لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان، فيرفعون أيديهم وما أجملها عندما تكون في قنوت في الصلاة، صلاة الجماعة وهم يدعون ماذا يقولون مثلاً.

....

هكذا إذن يدعون، هكذا إذن يجأرون، حقوق المسلمين عظيمة، والتراحم والتعاضد بينهم يتأكد، هذه المساندة (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله)[رواه البخاري 2442]، لا يمكن أن نخذل إخواننا وأن نتركهم بغير أن نقدم لهم شيئاً، على الأقل هذا الدعاء، هذا نصرة لهم، وأحياناً يكونون في حصار ولا نستطيع الوصول إليهم، ولا أن نوصل إليهم شيئاً، فإذن حتى أحياناً المساندة النفسية وأنه نطمئنهم ونطمئن عليهم ما نستطيع، لا اتصالات، الدعاء، الدعاء هذا ينفع سبحان الله في الرفع عن المظلوم.

أمثلة لدعاء الصالحين واستجابة الله لهم

00:11:34

 وهذا مثال: عن الحسن بن أبي جعفر قال: مر الأمير يوماً فصاحوا الطريق، الطريق، ففرج الناس وبقيت عجوز كبيرة لا تقدر أن تمشي يعني بسرعة، فجاء بعض الجلاوزة فضربها بالسوط ضربة، وكان أبو محمد رحمه الله حاضراً المشهد، فقال: اللهم اقطع يده، فما لبث إلا ثلاثاً حتى مر بالرجل قد أخذ في سرقة وقد قطعت يده، نفس الضارب الظالم قطعت يده.

ارفع أكفك بالدعاء تضرعاً *** ما خاب من يرجو الكريم ويطلب

اسأله ذلاً للذين تجبروا *** فالله يقصم من يشاء ويعطب

هذا الدعاء سلاح قوي بأيدينا، لا يستغني عنه المسلم بحال من الأحوال، وخصوصاً في زماننا وقد تداعى أعداء الأمة علينا من المنافقين في الداخل والأعداء في الخارج، ولذلك فهم يحتاجون إلى الدعاء لاستنزال السكينة، وكف أيدي الأعداء، وإنزال الرعب في قلوب العدو، وتفريق كلمة العدو، ورفع الشر والبأس عن المسلمين.

الدعاء سلاح الموحدين

00:12:55

قال تعالى عن طالوت وجنوده لما برزوا لجالوت وجنوده: وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَسورة البقرة250، وماذا كانت النتيجة؟ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَسورة البقرة251، الأنبياء كانوا يدعون الله لأنفسهم ولإخوانهم، والله عز وجل يستجيب، نوح دعا على الظالمين رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًاسورة نوح26استجاب الله دعاءه، لما طغى فرعون وتجبر قال موسى: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَسورة يونس88، الدعاء للمؤمنين والدعاء على أعداء المؤمنين، هكذا متبادل، قال الله: قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَسورة يونس89، النبي عليه الصلاة والسلام دعا على كفار قريش، قال: (اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش)، ثم سمى قال: (اللهم عليكم بعمرو بن هشام -أبي جهل-، وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمارة بن الوليد)، قال ابن مسعود: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واتبع أصحاب القليب لعنة). [رواه البخاري240 ومسلم1794].

مساندة المسلمين بالدعاء سنة يعني من سنن الأنبياء

مساندة المسلمين بالدعاء سنة يعني من سنن الأنبياء

، النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعو لإخوانه يدعو لأصحابه، يدعو للمستضعفين، وفي يوم بدر لما نظر النبي عليه الصلاة والسلام إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً استقبل القبلة ومد يديه يدعو (اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض)[رواه مسلم 1763]، لما رأى عدد أصحابه يوم بدر ولا ثلث عدد المشركين، والمشركون أكثر عدداً وعدة دعا لأصحابه قال: (اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم)، ففتح الله له يوم بدر فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا. [رواه أبو داود2747 وهو حديث حسن].

فبالدعاء أعز الله محمداً صلى الله عليه وسلم ونصره في مواطن كثيرة، ودعا لأصحابه عليه الصلاة والسلام، كان إذا خرجوا في غزوة في سرية يقول: (اللهم سلمهم وغنمهم)[رواه أحمد21636 وهو حديث صحيح]، فيسلمون ويغنمون، كان يدعو للمستضعفين وللمنكوبين من المسلمين، يدعو للمحبوسين في قبائلهم والمضطهدين، كان يقول: (اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين)[رواه البخاري804 ومسلم675]

دعا لما انتقل المهاجرون من مكة إلى المدينة وصار في المدينة حمى وضاقت صدورهم اشتاقوا إلى مكة دعا (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم صححها) يعني: اجعل هواءها وماءها صحيحاً، يعني صحية، (وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها إلى الجحفة)[رواه البخاري1889 ومسلم1376].

النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا ضاقت بالناس الأمور وانقطع المطر، والجدب وحصل القحط، وهلكت المواشي وقل المال، يرفع يديه (اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا)[رواه البخاري1013]، وإذا زاد المطر وتهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي من كثرة الماء إذا طغى رفع يديه وقال: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والجبال والآجام والظراب والأودية ومنابت الشجر)[رواه البخاري1013]. فتنقطع ويرجع الناس يمشون في صحو، هذا اسمه دعاء الاستصحاء، والحديث في الصحيحين.

حتى في الدعوة، نظر النبي صلى الله عليه وسلم قِبَل اليمن فقال: (اللهم أقبل بقلوبهم)[حسن صحيح رواه الترمذي3934]، قال في دوس: (اللهم اهد دوساً وات بهم)[رواه البخاري ومسلم]، وكان يدعو لأفراد من أصحابه، يعني مثلاً سلمة بن هشام بن المغيرة من خيار الصحابة وفضلائهم، وممن أسلم قديماً، وعمه حبسه بمكة وعذبه، كان النبي عليه الصلاة والسلام يدعو له في صلاته حتى سلمه الله، جاء بعد الخندق، أتى شاب يقول: ائذن لي بالزنا، حتى صاح القوم: مه مه، قال: (أقروه وادنوه) ودنا ودعا له، بعدما ناقشه وأقنعه بأن هذا قاذورة من القاذورات ولا يليق بالمسلم، ولا يحبه لأخته ولا ابنته ولا لعمته، قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه)[رواه أحمد21708]. كان عليه الصلاة والسلام إذن يدعو لإخوانه وأصحابه، وعلى هذا سار السلف رحمهم الله.

ونجد مثلاً في الكتاب العزيز في التابعين وتابع التابعين وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُواسورة الحشر10.

ويروي أنس رضي الله عنه قال: لقي البراء بن مالك زحفاً من المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا: يا براء إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: (إنك لو أقسمت على الله لأبرك) فأقسم على ربك، فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم. يعني هزمتهم وسلطتنا عليهم وجعلتهم غنيمة لنا، ثم التقوا على قنطرة السوس، هذا اسم موضع، فأوجعوا في المسلمين، فقالوا له: يا براء أقسم على ربك، فقال: أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك صلى الله عليه وسلم، فمنحوا أكتافهم وقتل البراء شهيداً. [رواه الحاكم5274 وصححه ووافقه الذهبي]

النعمان بن مقرن في سنة واحد وعشرين للهجرة لما تحصن الفرس في خنادقهم وهو يقود المسلمين طال الحصار ونشبت المعركة، ذهب النعمان إلى مكان يدعو ربه يقول: اللهم أعزز دينك وانصر عبادك، اللهم إني أسألك أن تقر عيني بفتح يكون فيه عز الإسلام واقبضني شهيداً، وبكى الناس مع النعمان وابتهلوا إلى الله وتضرعوا، فاستجاب الله دعاءهم ونصرهم على عدوهم نصراً عظيماً.

ذكر الأصمعي أن قتيبة بن مسلم من قادة المسلمين، لما صاف المسلمين لقتال الترك، وهاله أمرهم سأله عن محمد بن واسع، نحسبه من أولياء الله، فقيل لقتيبة : محمد بن واسع الذي تسأل عنه في الميمنة جامح على قوسه، رافع بأصبعه يدعو ربه نحو السماء، فقال قتيبة القائد: تلك الأصبع أحب إلي من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير.

وصلاح الدين الأيوبي رحمه الله محرر القدس من الصليبيين الغاصبين، كان له معهم لقاءات وكر وفر ومعارك، ومواجهات، كان يوقت المعركة، وقت معركة حطين بعد صلاة الجمعة حتى يكون المسلمون في المنابر في المدن الإسلامية يدعون الله في ذلك الوقت لإخوانهم في اللقاء المرتقب والمعركة المشهودة، وكان هذا من أسباب الانتصار، وكان يدعو هو بنفسه يتضرع إلى الله، قال مرة، كما نقل عنه القاضي بن شداد: اللهم قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل، إليك، أنت حسبي ونعم الوكيل.

إليك وإلا لا تشد الركائب *** ومنك وإلا فالمؤمل غائب

وفيك وإلا فالرجاء مضيع *** وعنك وإلا فالمحدث كاذب

يقول ابن شداد عن صلاح الدين: ورأيته ساجداً ودموعه تتقاطر على شيبته ثم على سجادته، ولا أسمع ما يقول، ولم ينقض ذلك اليوم إلا ويأتيه أخبار النصر على الأعداء وكان أبداً يقصد بوقفاته الجمع، تبركاً بدعاء الخطباء على المنابر، فربما كانت أقرب إلى الاستجابة، وهكذا كان المظفر قطز المجاهد الشهير في معركة عين جالوت، يصيح بالمسلمين وا إسلاماه ويسجد ويعفر وجه في التراب ويقول: يا الله انصر عبدك، قال عنه ابن كثير لما رأى عصائب التتر قال للأمراء والجيوش الذين معه: لا تقاتلوهم حتى تزول الشمس، وتفيء الظلال وتهب الرياح، ويدعو لنا الخطباء والناس في صلاتهم، واستجاب الله دعاءه وهزم المغول، ووقعوا بين يديه ما بين قتيل وجريح وأسير، بل وقع بين يديه قائد المغول فقتله.

نعم إنه الدعاء، به ينتصر المظلوم ويعطى المحروم، ويشفى السقيم ويكبت العدو، حتى في الأحوال التي يكون فيها بعض الناس في كربة غير كربة العدو الدعاء ينقذ الله به ناساً من الخطر العظيم.

قال بقية: كنا في البحر فهبت الريح وهاجت الأمواج واضطربت السفن وبكى الناس، فقيل لرجل: هذا إبراهيم بن أدهم لو سألته أن يدعو الله؟ وكان نائماً في ناحية السفينة ملفوف رأسه، فدنا إليه فقال: يا أبا إسحاق ما ترى ما فيه الناس؟ فرفع رأسه فقال: اللهم قد أريتنا قدرتك فأرنا رحمتك، فهدأت السفن.

وكان القائد المسلم يشفق على جنوده ويدعو لهم بظهر الغيب

وكان القائد المسلم يشفق على جنوده ويدعو لهم بظهر الغيب

، عبد الله بن قيس بقي على البحر فغزا خمسين غزاة ما بين شاتية وصائفة في البر والبحر لم يغرق أحد من جنوده ولم ينكب، كان دائماً يدعو الله لهم بالعافية، وهكذا فعل نور الدين محمود زنكي في فتح حارم عام خمسمائة وتسعة وخمسين للهجرة، وقد انفرد تحت تل حين التقى الجمعان وسجد لربه عز وجل ومرغ وجهه وتضرع، وقال: هؤلاء يا رب عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أوليائك على أعدائك، ففتح الله عليهم فتحاً عظيماً، هذه معارك المسلمين في رمضان.

وكان الإمام الفقيه المجاهد أبو نصر محمد بن عبد الملك لما قال لألب أرسلان في موقعة ملاذ كرد بعد أن رأى كثرة جيوش الروم مائتين ألف، قال له: سر إلى العدو الكافر يوم الجمعة بعد الزوال والأئمة على منابرهم يدعون للجيش بالنصر، على المنابر يوم الجمعة، والله غالب على أمره، ثم صلى وبكى فبكى الناس لبكائه، ودعا الله، فدعا الناس بدعائه، وعفر وجهه بالتراب ثم ركب ولبس البياض وتحنط، يعني هذا استعداد للموت، وحمل بجيشه حملة صادقة، فوقعوا في وسط العدو يقتلون ما يشاءون، وثبت عسكر المسلمين وأنزل الله النصر وولت الروم هاربة، واستحر فيهم القتل، وقتل طاغيتهم أرمانوس بعد أن أسروه وكان ذليلاً في ذلك الأسر.

والدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء، لكن نحن ينبغي أن يكون عندنا أيضاً معرفة بفقه الدعاء لما يكون إخواننا في حالة فتنة واضطراب واضطهاد، ونحن نريد أن ندعو لهم، نتحرى أوقات الإجابة كآخر ساعة من يوم الجمعة، ونبدأ بحمد الله والثناء عليه، نسأل الله بأسمائه الحسنى، نصلي على النبي عليه الصلاة والسلام في أول الدعاء ووسط الدعاء وآخر الدعاء، وكذلك الطهارة، استقبال القبلة، رفع اليدين، الإخلاص، الانكسار، الإلحاح التكرار التضرع، وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةًسورة الأعراف205يعني: ادعه مظهراً الضراعة إليه والتذلل والاستكانة، وشدة الفقر، واختيار الأدعية الجامعة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك.

طبعاً وخفض الصوت، إظهار الرغبة والرهبة، الاعتراف بالذنب مثل ما جاء في سيد الاستغفار، الجمع في الدعاء بين خيري الدنيا والآخرة لك وللمسلمين إذا دعوت مع اليقين بالإجابة، فهذا دعاء لا يكاد يرد، متى أطلق الله لسانك بالدعاء والطلب فاعلم أنه يريد أن يعطيك، هذه علامة، ولذلك يعني كان عمر رضي الله عنه يقول: إني لا أحمل هم الإجابة وإنما أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه.

وقال الحسن: ما أخاف عليكم منع الإجابة إنما أخاف عليكم منع الدعاء.

ولذلك يجب أن نستمر في هذه العبادة دائماً ونحن نسمع الدعاء لإخواننا.

إخواني وأخواتي لا يمكن أن تضيع مثل هذه الأدعية، الله عز وجل كريم، وإذا رفعت الأيدي فإنه يعطي، قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِسورة البقرة186، وكرمه ووعده يقتضي الإجابة.

لو لم ترد ذيل ما أرجوه من طلب *** من فيض جودك ما ألهمتني الطلب

بعض آداب الدعاء

00:32:23

وينبغي للمسلمين أن يساندوا إخوانهم بالدعاء، وخصوصاً إذا كان الإنسان صائماً عند إفطاره له دعوة لا ترد، فلينتهز الفرصة.

والضعفاء والصغار والمرضى والفقراء أدعيتهم فيها ميزة، قال عليه الصلاة والسلام: (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم)[رواه البخاري2896]. وفي رواية للنسائي (إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم)[رواه النسائي3178].

وذلك لأن عبادة الضعفاء، لماذا، الحديث هذا ماذا وراءه؟ عبادة الضعفاء ودعاء الضعفاء أشد إخلاصاً وأكثر خشوعاً؛ لأن قلوبهم ليس فيها من التعلق بالدنيا والبطر أو الأشر، أو الطغيان، هؤلاء فيهم مسكنة، فيهم ضعف، ولصفاء قلوبهم ونفوسهم زكت أعمالهم وأجيب دعاؤهم، وإذا تحققت شروط الدعاء وانتفت موانع الإجابة جاءت الاستجابة، لكن الإجابة تتنوع كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث) لاحظ معي (إحدى ثلاث) لأن بعض الناس يقولون: دعونا وما أستجيب، ما أدراك أخي يمكن أستجيب وأنت لا تعلم، لكن طريقة الاستجابة، كيفية الاستجابة، نوع الاستجابة قد لا يخطر بالبال أحياناً، ويأتي هذا الحديث ليجيب عن هذا السؤال، ويزيل الإشكال، قال عليه الصلاة والسلام: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر؟ قال: الله أكثر).[رواه أحمد10749 وهو حديث صحيح].

قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: كل دعاء يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة فتارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوضه.

إذن تارة تقع بعين ما دعا به وتارة بعوضه، فقد يأتيه الله بخير آخر أحسن من الذي سأله، وقد يصرف الله عنه شراً ما كان يدري عنه ولا يحس بقرب وقوعه، إذن الدعاء خير وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌسورة البقرة186، الله إذا وعد لا يمكن أن يتخلف، لا يمكن، ولذلك اعرف أنها استجيبت بطريقة من الطرق، قد تؤخر، قد تعجل، قد تعطى خيراً آخر، قد يصرف عنك شر وأنت لا تدري، قد تدخر لك في الآخرة ثواباً وأجراً عظيماً، إذن لا بد أن نجتهد في الدعاء لإخواننا في السراء والضراء، وفي السجود (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)[رواه مسلم 482]، ولنتواصى بالحض على الدعاء للمسلمين، ولنذّكر إخواننا بهذه السنة العظيمة، ونحييها، ولنستشعر مقام الدعاء وأهمية الدعاء في نفوسنا، ولنسأل أنفسنا بصدق: أين نحن من هذا الأمر العظيم؟ أين نداءاتنا ودعاؤنا لإخواننا؟ أين قنوتنا؟ والله الواحد لما يسمع القنوت يعني يحس، لما تنقل أدعية القنوت حتى في الشاشات والقنوات، ومن يسمعه في العالم يحس أنه داخل في الدعاء مقصود به ترتفع معنوياته، أليس كذلك أيها الإخوة والأخوات؟

إذن دعاؤنا لإخواننا عبادة عظيمة وأعجز الناس من عجز عن الدعاء، وإذا كنا لا نملك أن نفعل لهم شيئاً إلا الدعاء فلا نبخل به، ومن الذي يترك الدعاء لإخوانه مع حاجتهم إليه وسهولته عليه، هذا يكون ضعيف الإيمان.

إلى متى يبقى فؤادك قاسياً *** وإلى متى تبقى بغير شعور

هلا قرأت ملامح الأم التي *** ذبلت محاسن وجهها المذعور

هلا استمعت إلى بكاء صغيرها *** وإلى أنين فؤادها المفطور

هلا نظرت إلى دموع عفافها *** وإلى جناح إبائها المكسور

التفاعل مع مصائب المسلمين والنكبات التي تقع بهم، يعني على الأقل أن نشغل ألسنتنا بالدعاء لهم، إن الصادق لا يعزم أن يجد ما يواسي به إخوانه.

دخلوا على بشر الحافي في يوم شديد البرد، وهو ينتفض، قالوا: يا أبا نصر ما لك؟ قال: ذكرت الفقراء وبردهم وليس لي ما أواسيهم به.

وكذلك كان الخليل بن أحمد رحمه الله يمشي مع صاحب له، فانقطع نعل صاحبه، فخلع الخليل نعليه وحملهما ومشى حافياً، فقال له صاحبه: ما لك؟ قال: أواسيك في الحفاء. يعني أنت الآن انقطع نعلك وتمشي حافياً أنا لو أعطيتك نعلي ما تقبل، فنواسيك في الحفاء على الأقل. وهكذا.

الدعاء لإخواننا قد يكون فردياً يدعو به الإنسان وحده لإخوانه، وخصوصاً الآن الشاشات تعرض صوراً تعرض أحداث، ومواقع الإنترنت والأخبار، بالله عليكم أيها الإخوة والأخوات من الذي يتذكر وهو يرى نشرة الأخبار وما فيها من المصائب أو الابتلاءات التي تقع في المسلمين، وما يقع لهم، والفتن والكوارث ويدعو أثناء سماع الأخبار ورؤية المشاهد هذه المؤلمة، أو يتصفح مواقع الإنترنت وتأتي بالأخبار، هل  نكتفي بقراءة شريط التمرير ونقرأ ونسمع الأخبار، وما يقوله المذيعون وكأن المسألة استطلاع لما يجري، وبعد ذلك ما هي الثمرة العملية؟ تأثرت؟ انفعلت؟ تألمت؟ طيب وبعد ذلك ماذا فعلت؟ على الأقل دعوة صادقة.

نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرحم إخواننا المستضعفين، وأن ينجي المظلومين وأن يرفع الكرب عن المكروبين، ونسأله سبحانه أن يعجل فرجنا وفرج المسلمين، نسأله عز وجل أن ينزل عليهم سكينته وأن يغشاهم برحمته، وأن يمدهم بعونه إنه هو السميع العليم.

أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

1 - رواه البخاري 2442
2 - رواه البخاري 6065
3 - رواه مسلم2577
4 - رواه الترمذي 3370
5 - رواه البخاري 2442
6 - رواه البخاري240 ومسلم1794
7 - رواه مسلم 1763
8 - رواه أبو داود2747 وهو حديث حسن
9 - رواه أحمد21636 وهو حديث صحيح
10 - رواه البخاري804 ومسلم675
11 - رواه البخاري1889 ومسلم1376
12 - رواه البخاري1013
13 - رواه البخاري1013
14 - حسن صحيح رواه الترمذي3934
15 - رواه البخاري ومسلم
16 - رواه أحمد21708
17 - رواه الحاكم5274 وصححه ووافقه الذهبي
18 - رواه البخاري2896
19 - رواه النسائي3178
20 - رواه أحمد10749 وهو حديث صحيح
21 - رواه مسلم 482