الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران 102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا سورة النساء 1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً الأحزاب 70-71.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الأخوة: لا يخفى عليكم ما نتعرض له في هذه الأيام من المحن، والخوف، والفتنة التي تتطلب منا اليوم وقفة جيدة أكثر من أي وقت مضى، والمسلم مطالب بأن يحقق مفهوم العبودية لله في جميع المواقف، والمسلم مطالب أن يكون عبداً لله في أوقات الرخاء، وفي أوقات الشدة، والمسلم مطالب بأن يحسن عبادة ربه كما ورد في الحديث: العبادة في الهرج كهجرة إليَّ[رواه مسلم 2948]. العبادة في وقت المحنة، ووقت القتل، أو وقت الحروب، ووقت الفتن، مثل الهجرة في فضلها، مثل الهجرة إلى الرسول ﷺ في المدينة، وهذا يدل على أن المسلم يؤجر في عبادته لله أكثر عندما يكون في أوقات المحنة والشدة، ويحسن العبادة، فإنه يؤجر أكثر من عبادته في وقت الرخاء إذا استوت العبادتان؛ لأنه الآن قد أحسن التوجه إلى الله وعبادته ، فيؤجر على ذلك أجراً إضافياً.
أيها الأخوة:
ماذا نستفيد من الأحداث؟
إن هذه الأحداث وهذه المواقف لنا فيها دروس كثيرة، وفيها عبر عظيمة، فمن ذلك الإيمان بالقضاء والقدر، الإيمان بقوله ﷺ: وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك[رواه أبو داود 4699]. وإذا لم تعلم أن ما أصابك ما لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، فلست على ملة الإسلام كما ورد في الحديث الصحيح.
ثانياً: الموت أيها الأخوة لا بد منه لكل حي، قال الله : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِسورة الأنبياء 35. وقال : أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ سورة النساء 78. ولو كنت لابس جميع أنواع الأقنعة، والكمامات، والألبسة، ونازل عشر أدوار تحت الأرض، يدركك الموت لو شاء الله ، فينزل فيقبض ملك الموت روحك؛ لأن الله أراد ذلك أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ.
ثالثاً: إن هذا المعنى يؤكده أيها الأخوة وهو نفس المسألة السابقة، قول الله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْسورة البقرة 243. فما أغناهم خروجهم من بيوتهم؟ ما أغناهم شيئاً أمام الموت، ولما قدر الله عليهم الموت ماتوا، فقال لهم الله موتوا؛ ليدلل لهم على أن خروجهم من بيوتهم لا يقيهم الموت، ولا يصرف عنهم الموت، ولو كان نازلاً لنزل.
رابعاً: لا بد للمسلم من الأخذ بالأسباب، ولا تعني النقطة السابقة أنك ترى الحِمام أمامك، وترى مواقع القتل أمامك فتدخل فيها، أبداً، ليس هذا من معاني دين الإسلام، ولا من أوامره، بل إذا لقيت شراً فانأ عنه، وادرئ بنفسك عنه ما استطعت، إذا كان نأيك عنه مشروعاً، واتخاذ الأسباب المشروعة في الوقاية من الأمور أمر مشروع، فوضع مكان آمن في البيت، أو هذه الملصقات على الزجاج، حتى لو صار طيران على مستوى منخفض بأسرع من سرعة الصوت مثلاً، لا يتهشم الزجاج ولا يتناثر، أمر مشروع ولا بأس به، وسد المنافذ حتى لا يدخل غاز لو حصل أن جاء -ونسأل الله ألا يأتي- أمر لا بأس به، ووضع بعض الأطعمة في البيت حتى إذا غُلقت الأسواق ولم تجد مكاناً تشتري منه أمر لا بأس به، ووضع مصدر للإنارة في البيت حتى إذا قطعت الكهرباء يكون عندك مصدراً آخر أمر لا بأس به، أمر مشروع، فإذاً اتخاذ الأسباب المشروعة في وقاية النفس من الأخطار، والتي هي من عين الحكمة، ومن عين العقل أن تتخذها، لكن إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده، فمثلاً لما يقع الهلع من الناس فيشترون كل شيء أكثر مما يحتاجون، وتفرغ الأسواق من سلع معينة، بدون حاجة إلى هذا الاندفاع الكبير لشراء هذه الكميات الكبيرة، فهذا أمر منافٍ للتعقل، ثم شراء الأشياء التي قد لا يحصل منها نفع، وليست أسباباً واضحة ينتفع بها هو أيضاً، دليل على عدم التعقل، مثال: أقدم كثير من الناس على شراء الفوانيس على هذا الكاز، كان الفانوس بخمسة، ستة ريال، أو ثمانية ريال لا أحد يشتريه، وقفز سعره إلى ستين، وسبعين، وثمانين، ومائة، واشترى الناس الفوانيس، وصرف بعض الناس بضاعة كانت عنده، والله هو الرزاق ساق إليهم رزقهم عبر هذا الهلع، أو هذا التصرف من بعض الناس، فلما قيل لهم: إن الفوانيس لا تصلح في مثل هذه الأوضاع، عليكم بالأشياء الكهربائية، ذهب الناس إلى البطاريات وألقيت الفوانيس جانباً، مثال أخر: مراوح يدوية، هل تصدقون أن بعض الناس قد اشتروا مراوح يدوية في فصل الشتاء؟ فهذا تصرف دال على عدم التعقل أيضاً، وهكذا، مثال آخر: اتصل بي بعض الناس يقول في وقت حدوث أو انطلاق صفارة الإنذار دخل الناس إلى هذه الملاجئ، -ولا ملجأ من الله يا جماعة إلا إليه ، ولا يقي من الشرور إلا هو - وصار بعضهم يتصل على بعض، ادخلوا الغرفة فوراً، البسوا الأقنعة، اعملوا، اعملوا، وليس هناك ما يدعو إلى لبس الأقنعة داخل البيوت محكمة الإغلاق مثلاً، وربما حصل بسبب إساءة استعمالها أضراراً على الأطفال، فإنه قد بلغني أن بعضهم قد مات اختناقاً من وضع هذا الكمام عليه بالطريقة الغلط، فصار الشيء الذي أُخذ سبباً للحياة صار سبباً للوفاة، ثم قال هؤلاء السائلون: كيف نتوضأ؟ قلت: يا أخي توضأ بالماء، قال: لكن نحن الآن متكومون في الغرفة، ولا نستطيع أن نتوضأ، وصار وقت الصلاة، قلت: يا أخي اخرج إلى الحمام وتوضأ، خطوات، قال: لا ما نستطيع نخرج من الغرفة، من الملجأ، سبحان الله! وأنتم ترون من الواقع أنه ليس هناك داعٍ لحصر النفس بغرفة دون الخروج إلى الحمام، طيب لو أراد أن يقضي حاجته ماذا يفعل؟ لو انحصر فأراد الذهاب إلى الحمام –المرحاض- ماذا يفعل؟ فكان هذا التصرف عدم الذهاب إلى الحمام للوضوء لأجل الصلاة شيئاً عجيباً، لكن الناس فعلاً كثيرٌ منهم ليس عندهم القدرة على التصرف الصحيح في أوقات الأزمة، ولذلك من الأدعية التي يدعو بها المسلم، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم ألهمنا رشدنا، وقنا شر أنفسنا، فليس هناك غاز، وليس هناك خطر، وليس هناك أشياء متسربة، فما المانع أن تذهب إلى الحمام للوضوء.
خامساً: بالنسبة للعبادة أيها الأخوة: العبادة لا بد من إحسانها، وقدمنا أن الإحسان في العبادة يضاعف الله به مزيداً من الحسنات، ولذلك فإن الوضوء ينبغي أن يكون سابغاً تاماً، والصلاة تؤدى في وقتها ولا تؤخر، وإذا لم يكن هناك خطر داهم أتى الرجال إلى المسجد للصلاة فيه، تمشي الأمور بشكل طبيعي تماماً، ونأتي لصلاة الجمعة والأمر طبيعي تماماً، لكن لو حصل وقدر الله أن يكون هناك قذائف تنزل، أو أخطار متحققة، أو صفارة الإنذار على شيء من الإطلاقات، أو الغارات لا سمح الله، فهنا لا نكلف الناس أن يأتوا إلى المساجد لأداء صلاة الجماعة، بل إنهم يعذرون فيما هو أدنى من ذلك، الجمع في المطر في المسجد، ويعذرون كذلك عند البرد الشديد، والريح الشديدة، وفي الخوف، هناك صلاة اسمها صلاة الخوف، فإذاً لا نكلف الناس بأن يأتوا إلى لمسجد، فلو صار خطر حقيقي متوقع داهم، أشارت الإشارات إليه، وليس هو من اختلاق بنات الأفكار كما يقولون، ولا نتيجة أوهام، أشياء محققة فيها إشارات تدل على وقوعها، نصلي في البيوت ولا حرج، نصلي الصلاة كاملة في البيت، كل صلاة في وقتها، ولو -لا سمح الله- صارت أشياء لا نستطيع أن نأتي إلى لمسجد لصلاة الجمعة نصلي في البيت ظهراً، هذا دينكم دين يسر، وهذا من معاني أن الدين يسر، هذا من المعاني الصحيحة ليسر الدين، والشريعة هذه لم تأت بحرج أبداً، بل جاءت لرفع الحرج.
شبهة الأقنعة وحلق اللحية
أيها الأخوة: ومن الأمور المتصلة بذلك أيضاً مسألة الأقنعة، عمد كثير من الناس -هداهم الله ولا أقول كثير لا أدري لم أعمل إحصائية ولا استبيان أرجو أن يكون قلة أو ندرة- إلى حلق لحاهم والعياذ بالله، قالوا لا يمكن الأقنعة تركب على اللحية فتتسرب غازات وأشياء، ولذلك لا بد أن نحلق اللحية، يا أخي اللحية أمر واجب شرعاً، الرسول ﷺ أصدر فيها خمسة أوامر إلى الأمة: أرخوا اللحى[رواه مسلم 260].أرجوا اللحى، وفروا اللحى[رواه البخاري 5892].أعفوا اللحى[رواه البخاري 5893 ومسلم 259]. أوامر إلى الأمة بإعفاء اللحية تدل على الوجوب، ليس هناك فيها مندوحة ولا عذر، طيب متى تحلق اللحية إذاً؟ عند الضرورة، عند خوف القتل يمكن للإنسان أن يحلق لحيته، خوف القتل المحقق يمكن للإنسان أن يحلق لحيته، صارت المسألة ضرورة، هذا أمر محرم حلقها، فمتى تحلق؟ عند الضرورة، فيقولون لك: إن هذه الغازات تتسرب، نقول يا أخي أين تعيش أنت؟ ألست في البيت؟ فأين الخطر المحقق لنفاذ الغاز إليك، أو هذه الكيماويات مثلاً، أو الأشياء المستنشقة إليك في غرفتك، فعلام تحلق لحيتك، طبعاً في أنواع من هذه الأقنعة فيها طول في تصميمها بحيث أنه لا يضر، لكن قد لا تكون متوفرة، فماذا يفعل الإنسان؟ أقول لكم ماذا قالوا في الصحافة عن اليهود؟ حاخامات اليهود لحاهم طويلة مع الأسف مقارنة بالمسلمين، فماذا يفعل حاخامات اليهود؟ قالوا: يحملون مقصات في جيوبهم، فإذا صار الخطر قصوا لحاهم ولبسوا القناع، هل تريدون أن يكون اليهود أحسن منا، اليهود يحتاطون على لحاهم ولا يحلقونها إلا عند نزول الخطر، أحسن منا، معاذ الله، فإذاً هذا أمر لا يجوز فعله إلا وقت الضرورة القصوى المحققة، لكن هؤلاء الذين حلقوا لحاهم أين الضرورة التي حصلت في هذه الفترة الزمنية الماضية حتى نقول لهم إن ما فعلتموه صحيح؟
ماذا يجب علينا في الأحداث؟
أمر آخر أيها الأخوة: نحن مسلمون ومما يميزنا عن الكفار إيماننا بالله ، فنحن في هذه الأوقات يجب علينا أشياء، منها: إحسان الظن بالله ، وإذا أحسنت الظن بالله كفاك الله الشرور، قال الله : أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء[رواه أحمد 16016].فينبغي أن نحسن الظن بالله، وأن نوقن في أنفسنا أن الله سيحفظنا، وأن الله سيكفينا، وأن الله سيدرأ عنا، وأن الله سيحول بين هذه الشرور والوصول إلينا، فإذا اشتد ظنك بالله حسناً كانت كفاية الله لك أكثر وأعظم، فأحسنوا الظن بالله، لا تيأس من روح الله، لا تقنط من رحمة الله أبداً إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَسورة يوسف 87. وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَسورة الحجر 56. فأحسن الظن بالله أن الله سيكفيك همك، وأن الله سيحفظك من كل سوء، ولكن بعض الناس عندما يسمع انفجاراً، أو صفارة إنذار، أو شيئاً من الأشياء الخطيرة، يسقط في يده وينسى الله تماماً، وهذا من أعظم المصائب، أبداً نحن في لحظات الشدة يجب أن نذكر الله أكثر من أي شيء مضى، ولذلك ما معنى الحديث: "كان إذا حزبه أمر صلى" [رواه أبو داود 1319]. كان إذا حصل أمر فزع إلى الصلاة، إذا نزلت مصيبة فزع إلى الصلاة، يطبق قول الله: وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ سورة البقرة 45. يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ سورة البقرة 153. وكان ابن عباس لما كان مسافراً في الطريق فبلغه موت أخيه، ترجل عن راحلته وتنحى جانباً وصلى ركعتين، ثم قال: قال الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِهذا الكلام نقوله؛ لأننا وجدنا بعض الناس لما صارت الأخطار هذه، وهذه الصفارات، وهذه الأخطار عمدوا إلى محطات التلفزيون والإذاعات يطرقون إليها بكل إنصات ساعات طويلة، ولا يلهج أحدهم بذكر الله أبداً، وهذا غلط يا جماعة، هذه مواقف وستسجل علينا يوم القيامة، ونحن بإمكاننا أن نتخذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح، القرار الصحيح وقت الأزمة: أن تلجأ إلى الله، ما في مانع أن تسمع أخبار، لكن تتسمر أمام الأجهزة طيلة الوقت بإنصات شديد ولا تذكر الله أبدا، هذا ليس من صفات المسلمين، كان إذا كربه أمر قال: الله الله ربي لا أشرك به شيئا[رواه ابن ماجه 3882].وقال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث[رواه الترمذي 3524].هذه أدعية الكرب، أذكار الهم، أذكار الكرب، لا بد أن نذكرها، وأن تكون على ألسنتنا: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن امتك عدل في قضائك ماضٍ في حكمك، اسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري [رواه أحمد 4318]. فإذاً نسأل الله أن يجعل القرآن ربيع صدرونا، وذهاب هموما وغمومنا، وجلاء أحزاننا وكربنا، اللهم آمين، اللهم آمين، اللهم استجب لنا أجمعين.
وقبل أن يفوتني تنبيه على مسألة قد يسأل عنها بعض الأخوة العسكريين عند لبس هذا الكمام أو هذا القناع، كيف يفعل في الوضوء والسجود؟ طبعاً الإنسان إذا ما استطاع أن يمسح على جزء من جسده تيمم عنه، إذا ما استطاع أن يمسح عليه، فإذا كان محكماً على الرأس مثلاً، يعامل مثل العمامة فيمسح عليه، فإذا لم يستطع فإنه يتيمم عنه، هناك الآن مخارج شرعية، يُسئل عنها العلماء، ويفتي بها أهل العلم، فإذا حدث لك أشياء مثل هذه هناك أحكام في الشريعة، أحكام الاضطرار، أحكام الضرورة، تسأل عنها العلماء، وأما بالنسبة للسجود فلو اضطر للبس القناع وهو يصلي فيسجد على حسب حاله، ويلامس من الأرض ما يستطيع أن يلامسه بهذا القناع الموجود على وجهه ولا حرج في الشريعة، والدين يسر هذا معنى الدين يسر، هذا مثال صحيح، والحمد لله رب العالمين.
أيها الأخوة: إن هذه الأحداث التي تمر بنا الآن مدرسة فعلاً، والسعيد من تعلم بها وفيها، ومنها وأخذ العبر، أيها الناس: أيها المسلمون: إن الله يقول -ونعوذ بالله أن نكون من المقصودين بهذه الآية-: وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا سورة الإسراء 60. قال الله : وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا فإذا خوفنا الله بهذه الأحداث فما المفروض أن يحدث لدينا؟ ما المفروض؟ اللجوء إلى الله، الدعاء، الصلاة، الذكر، قراءة القرآن، الإقبال عليه، التوكل عليه، صدق اللجوء إليه، ونقول من قلوبنا في قنوتنا: واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، هذا أوان التعلم بالأحداث أيها الأخوة، كم مرت علينا فترات رخاء، فترات ما فيها خوف، ولا فيها فزع، ولا فيها اضطراب، ولا فيها جوع، ولا فيها فقر، والآن يبلونا الله في هذه الأيام بأشياء من الخوف، يبلونا بها، فما هو موقفكم؟ وما هو موقفنا جميعنا؟ كونوا كما أمركم الله عباداً له في جميع الحالات والأوضاع والظروف، قوموا بحق العبودية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى آله وأزواجه الطيبين الطاهرين، وعلى من تبعه بإحسان وسار على سنته إلى يوم الدين.
أيها المسلمون:
ألا إن القوة لله جميعا
هو القوي ، ألا إن القوة لله جميعا، ومهما ملك البشر فلا يملكون إلا أشياء بسيطة لا تقارن أبداً بقوة الله، أبداً، أبداً، تأمل قوله : إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا سورة الزلزلة 1-5. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ كل مرضعة في الدنيا في الأرض وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا تسقط وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ سورة الحـج 1-2. يعني هذا لو قارنته بأكبر انفجار في الأرض يحدث العباد بقنابلهم وصواريخهم فماذا يعد؟ لا شيء، أبداً ولا شيء يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَاسورة الحـج 1-2. ونحن مع الأسف في مثل هذه الأوقات قد تغيب عنا قوة الله ، بمعنى: أننا لا نقدر قوة الله قدرها، ولا نعرف ما أمرنا الله به، بقوله: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا تأملوا يا جماعة هذه كلها الأرض، والدنيا، والبلاد، والعباد، والصواريخ، والأسلحة، والأشجار، والأنهار، والحيوانات، كلها وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ التي ما وصلوا إليها حتى الآن، ولا لمسوها بمخترعاتهم وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ سورة الزمر 67. كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ سورة الرحمن 26. بكل متاعهم وأسلحتهم وعدتهم كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ومنشئاتهم، وبيوتهم، وعماراتهم وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِسورة الرحمن 27. فينبغي ألا تغيب عن أذهاننا ونحن نسمع الأخبار قوة الله ، مَن فوق؟ مَن فوق؟ الله فوق، فوق الجميع ، له علو الذات، وعلو الصفات، وعلو القهر، والغلبة على خلقه أجمعين الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى سورة طـه 5-6.
إلى من نلجأ وقت الفتن والأزمات؟
أيها الأخوة: في الفتن نلجأ إلى الله، نعتصم بحبل الله، لا نغفل عن ربنا، ولا عن ذكره، ولا عن مراقبته ، ونذكره، ولا نجعل ألسنتنا تلهج بذكر الأخبار فقط، وننسى ذكر ربنا، انتبهوا يا إخواني، انتبهوا يا إخواني، ويسألون فيقولون ما حكم الخروج من المنطقة أو من البلد؟ فلقد قلنا عدة مرات، وأنقل الفتوى عن علماءنا وأكابر علماءنا، لا حرج لمن أراد أن يخرج ولم يكن لديه شيء يوجب البقاء أن يخرج، فإنسان ليس رجل أمن مكلف بالبقاء، ولا عنده شيء يجب أن يبقى من أجله، لو خرج ما في بأس، لو أخرج أهله إلى منطقة أخرى لا بأس، لا حرج، ليس هناك حرج شرعي، ولو أني فعلت ذلك مثلاً وذهبت بأهلي، وقد يذهب الإنسان أحياناً إرضاءً لوالديه، ما عنده سبب معين في البقاء، فتقول له أمه هات الأهل إلينا مثلاً فيذهب بهم إليهم، لا حرج شرعاً في ذلك، لا هو فرار من قضاء الله، واعتقاد أنك لو هربت فأنت تهرب من قضاء الله، لا أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْسورة البقرة 243. ممكن تلقاك المنية في الطريق، وكذلك ليس فراراً من الزحف؛ لأنك لم تحضر صف المعركة بين المسلمين والكفار وأنت تجاهد بسلاحك، وإنما أنت رجل من عامة الناس، مدني أنت الآن موجود، فلك الخيار إذا أردت أن تذهب أن تذهب، ولو كانت مصلحتك في البقاء، وعندك أعمال مثلاً، عندك وظيفة، عندك عمال ترعاهم، عندك شيء، فإنك لا تذهب، وإذا جلست فلا بأس بذلك، فإن صار الخطر محققاً، وأمور تنزل عليك بها تدمير، ممكن تخرج في تلك الحالة وجوباً، فراراً من القتل، أو فراراً من الأخطار المحدقة مثلاً، وكذلك أيها الأخوة: فلا بد أن يكون عندنا اهتمام بأذكار الصباح والمساء، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثلاثاً في الصباح والمساء، وتأمل: من شر ما خلق، ما خلق هذه: تشمل الآدميين، وتشمل الأسلحة، وتشمل نفسك، وتشمل كل شيء، من شر ما خلق، والدواب، والعقارب، والثعابين، والنحل، وكل شيء يؤذي، فأنت تستعيذ بالله من شره، أعوذ بأي شيء، بشيء عظيم، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، وتمت كلمة ربك وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ سورة الأنعام 115. فأنت تستعيذ بكلماته ، بكلماته من شر ما خلق، وتقول: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ومن المشروع الآن: القنوت في الصلوات بعد الركوع في الركعة الأخيرة من جميع الصلوات، سواءً قنت في الفجر، أو الفجر والمغرب والعشاء، أو الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، فلا حرج في ذلك، كلها صلوات قنت فيها عليه الصلاة والسلام، وثبت كما في الصحيحين ومسند أحمد، قنت عليه الصلاة والسلام للنوازل، وهذه من النوازل، وتدعو بالأدعية المناسبة، ويدعو الإمام بهم، فيدعو الله أن ينصر الإسلام، وينصر المسلمين، ويحفظ المسلمين وبلاد المسلمين، وأن يقمع الشرك والمشركين والكافرين، وأن يحفظ البلاد والعباد والأهل والأنفس والأموال، وأن يقي شرور النفس، وأن يمتع بالأسماع والأبصار، يدعو الله في القنوت بما ورد عنه ﷺ من هذه الأدعية، وغيرها من الأدعية المشروعة الطيبة، ثم أيها الأخوة: إذا حصل أن سافر الإنسان فلينوي فعلاً أن يعمل هذا السفر طاعة؛ لأن بعض الناس قد يعمل السفر سفر هرب، وينسى أن ينوي فيه الطاعة، ولذلك ليس أجر الذي ذهب إلى العمر طائعاً مختاراً مثل الذي ذهب إلى العمرة رغماً عنه، هناك أناس ذهبوا إلى العمرة رغماً عنهم، وأناس ذهبوا لصلة الرحم رغماً عنهم، لكن اجعل النية نيتك لله في هذا السفر، ليس هروباً فقط لو حصل، وإنما هو فعل الأمور من الطاعات الأخرى، وكذلك فأنبه على مسالة الإيثار، الآن في ناس فقراء، في ناس مقطوعين، قد يتعذر عليهم شراء الأشياء من الأسواق، تفقد جيرانك، تفقد من حولك، إذا كان في ناس يحتاجون إلى مساعدة، في ناس عندهم نقص في أشياء يحتاجونها في البيت، أنت عندك منها فأعطهم منها، قد يكون في أشياء نفذت من السوق مثلاً عندك ما يزيد عن حاجتك فأهدها إليهم، أو تصدق بها عليهم، هذا أوان يظهر فيه هذا الخلق العظيم من أخلاق الإسلام وهو الإيثار، فآثر، وأعطِ، وقدم، وضحِ، وتصدق لله ، فإن الصدقة في أوقات الشدة ليست كالصدقة في أوقات الرخاء.
ولا تنسوا الصلاة على نبيكم محمد ﷺ في هذا اليوم العظيم يوم الجمعة، ولا تنسوا أن من صلى على النبي محمد ﷺ فله بكل صلاة يصليها عليه صلاة من الله عشراً، عشر صلوات.
اللهم إنا نسألك أن تحفظنا، وأن تقينا شرور أنفسنا، وشرور الخلق، وشرور ما خلقت، اللهم آمنا في أوطاننا وبلداننا، اللهم واجعل فيما أبقيت من حياتنا بلاغاً لنا إلى خير، واجعل فيما متعتنا به من حواسنا عوناً لنا على طاعتك، اللهم أعز هذا الدين، وانصر المسلمين، واقمع المشركين، اللهم قاتل أعداء الدين الذين يكذبون رسلك ويعادون أوليائك، اللهم اجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين، اللهم ألف بين قلوب المسلمين، وأصلح ذات بينهم، اللهم إنا نسألك أن ترينا يوماً قريباً تعز فيه هذه الأمة المسلمة، وتعلي فيه راية هذا الدين، وترفع فيه علم الجهاد على أيدي عبادك الموحدين يا رب العالمين.
إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءوَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم.