الأحد 23 جمادى الأولى 1446 هـ :: 24 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

التحديات التي تواجه المسلمين الآن


عناصر المادة
الخطبة الأولى
تحدي نشر الإلحاد
تحدي تحكيم الشريعة
تحدي الخطر الباطني المجوسي
الخطبة الثانية
تحدي خطر التقسيم، والتفتيت، وأسباب هذه التحديات
تحدي إثارة الشهوات

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

تحدي نشر الإلحاد

00:00:51

عباد الله: إن هذه الأمة تواجه تحديات كثيرة، ومصاعب جمة، وإنه بقدر هذه التحديات، فإن المبشرات كثيرة، والآمال عظيمة، وبقدر ما نجد في الواقع من مكر الأعداء، فإننا نجد من رحمة الله أكثر، وبقدر ما نجد من هذه الخطط الخبيثة ضد الإسلام، فإننا نجد من التفاؤل به، وبمستقبله أكثر، ومن هنا كان لا بد لأهل الإسلام من التصدي للتحديات الكثيرة، التي تواجههم، ومن ذلك نشر الإلحاد، فإن الله أعظم شيء، وإنه رب السماوات، والأرض، مالك الملك، خالق كل شيء، هو الله الواحد القهار.

وقد اتجهت خطط أعداء الله، نحو نشر الإلحاد؛ عداوة لله ، فأنكروا وجوده، وشكّكوا في ذلك، فليس النقاش في توحيد الإلوهية، بل في توحيد الربوبية الآن، وقد تولى ربنا الرد على هؤلاء فقال لهم: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ۝ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَسورة الطور35-36. هؤلاء الذين يقولون: لا إله، أو يشكّكون في وجوده، كما يدرّسون ذلك في جامعاتهم الكبرى في الغرب، والشرق، والذين تسري بعض أفكارهم في أدمغة بعض أبناء المسلمين، وبناتهم مع الأسف الشديد،

ويعتصر القلب ألماً لمثل هذه الأخبار، إلحاد يبث في مقررات، في روايات، في أفلام، ومواقع، إلحاد يبث عبر رؤوس ضلالة، يسوقونه، ويروجونه بين المسلمين، يتدسسون إلينا، تارة في اجتماعات مشبوهة، في هذه المقاهي الحديثة، وتارة في منتديات يجتمعون فيها باسم الحرية، وأنه لا يوجد سقف للنقاش، ولا خطوط حمراء، وأنه لا ثوابت في الحديث، ترويجاً للإلحاد، لإنكار وجود الله ، فماذا يبقى لمسلم بعد ذلك من المقدسات، وهذه الحرية المطلقة، واللبرالية الشرسة المتوحشة، قد أطلت برأس الإلحاد، بعدما كانت قد أطلت علينا في فصل الدين عن الحياة، فما هو آخر مشوار اللبرالية إذن؟ الإلحاد، كما ظهر ذلك عياناً بياناً، فماذا يجب على أهل الإسلام في التصدي لهذا؟

 

إن هنالك واجبات كثيرة، إن هنالك يا عباد الله: مسؤوليات وأعمال عظيمة، إنه يجب علينا أن نعظم الله في نفوس الناشئة، والأولاد، إنه يجب علينا أن نقرر التوحيد، أتدري ما الله؟ أتدري ما الله؟ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِسورة الزمر67. أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ سورة الرعد33اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ سورة البقرة 255. فَالِقُ الإِصْبَاحِسورة الأنعام96 إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ سورة فاطر41.هو اللهلَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ سورة الزمر63.هو الله، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُسورة الحشر23.هو الله، مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا سورة نوح13. هنا الرد على الملاحدة، ومناقشتهم بجميع أنواع الأدلة، هنا تحصين الأولاد؛ ذكوراً، وإناثاً من آفة الإلحاد، هنا الرد على الذين يشكّكون في حكمته تعالى، ويشكّكون في قضائه، وقدره، سبحانه: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سورة الأعراف54. فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ سورة يس83.لا بد من تأسيس قواعد الإيمان في النفوس مواجهة لتيار الإلحاد، الذي يغزوا كل شيء.

تحدي تحكيم الشريعة

00:08:04

عباد الله: وإن من التحديات التي تواجه الأمة أيضاً، والتي تطل برأسها عليهم تحدي تحكيم الشريعة، وجعل الشريعة الإسلامية هي الدستور، والقانون الحاكم بين الناس، هذه الشريعة التي يشن عليها الأعداء هجماتهم، يطعنون فيها، في صلاحيتها، في حكمتها في مناسبتها، يطعنون في شمولها، يطعنون في تلبيتها للاحتياجات، هؤلاء الأعداء الذين لا يريدون تحكيمها، ومع الأسف أنه قد وجد ممن يسمى بالإسلاميين من يصرح بعدم الرغبة في تطبيق الشريعة، وأنهم يريدونها ديمقراطية، لا شريعة إسلامية، وأنهم لا يريدون تحكيمها، يا عبد الله: إذا كنت مسلماً حقاً، ولا تستطيع أن تقول الحق، ولا أن تجهر به؛ لأي سبب من الأسباب، إذا قدرت في نفسك أنك لن تصرح بوجوب تحكيم الشريعة الآن، إذا لم تستطع قول الحق فلماذا تقول الباطل؟ لماذا تقول كلاماً فيه التخلي عن الشريعة؟ لماذا تصرح بتصريحات، وتطلق عبارات، فيها التأكيد على عدم تطبيق الشريعة، لماذا؟ ألهذه الدرجة صارت الشريعة رخيصة؟ ألهذه الدرجة صارت أحكام الدين هينة؟ هل هي عيب نريد أن نستره؟ هل هي سبة نريد أن نتخلص منها؟ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا سورة المائدة3. أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ سورة المائدة50. فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا سورة النساء65.

أليس من  أسماء الله الحكم؟ ألم يقل في كتابه: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِسورة الأنعام 57.ألم يحذر بقوله: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ سورة المائدة44. فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ سورة المائدة47.

وهنا يجب على علماء الشريعة، وعلى طلبة العلم، وعلى عامة الناس، الذين تدور أصابعهم بينأزرار لوحات المفاتيح، والذين يمتلكون أن يطلقوا كلمات في شريط تمرير، أو تعليقاً في برنامج، أو مداخلة، يجب عليهم أن ينصروا الشريعة، وأن يبيّنوا أنهم مع الشريعة، وأنهم لا يريدون غير الشريعة، وأنه لا يجوز الفرار من الشريعة، ولا التبري من الشريعة، هذه الشريعة، قدرنا، وديننا، هذه الشريعة حكم الله بيننا.

وعندما نقول: تحكيم الشريعة، فإن ذلك لا ينافي أن يكون هنالك تدرج في تنفيذها في الأوساط التي هي خالية منها، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْسورة التغابن16.أما إعلان التبري، وإعلان عدم الرغبة في التطبيق، والتحكيم، هذه كارثة والله، كائناً من كان الذي أطلقها، حتى لو نسب إلى الدعوة، وإلى الدين، وإلى الإسلام، فالإسلام من كلامه بريء، إن الشريعة لا تعني إلغاء الحكمة في تنفيذها، وليست الشريعة كما يتصور هؤلاء، أو يريدوا أن يروّجوا أنها إذا نفذّت فسيتحول ربع المجتمع إلى مقطوعي الأيدي، وربع إلى مجلودين، وربع إلى مرجومين، وربع إلى مصلوبين، مقتولين.

هل تعلمون يا عباد الله: أنه في إقليم واحد، من أقاليم الجزيرة في هذه البلاد خلال ست وعشرين سنة لم يطبق إلا ثلاثة عشر حكماً بقطع اليد فقط، بمعدل كم في مكان يحكم بالشريعة، وإذا ثبت عند القاضي شرائع، توفرت شرائط قطع اليد أمر بقطعها، في ست وعشرين سنة ثلاثة عشر حداً فقط للسرقة، في مكان يحكم الحدود، فعن أي شيء يتحدث هؤلاء؟ فهنا يجب أن نبرهن بالحقائق الشرعية، والتاريخية، والواقعية، أن نقوم بالرد على هؤلاء العلمانيين المنافقين، الذين تسنموا منابر الإعلام، يخوّفون من الشريعة.

عن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز دخل على أبيه فقال: يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة فأخلني. أريد أن أكلمك، مع أنه أبوه، لكن يدخل عليه كآحاد الرعية، فلما جلس بين يديه، قال: يا أمير المؤمنين، عبد الملك يقول لعمر بن العزيز الأب، عبد الملك الابن يقول للأب: يا أمير المؤمنين ما أنت قائل لربك غداً إذا سألك، فقال: رأيت بدعة، فلم تمتها، أو سنة، لم تحييها؟ فقال: يا بني أشيء حملتكه الرعية إليَّ؟ أم رأي قلته من قبل نفسك؟ قال: لا والله، ولكن رأي رأيته من قبل نفسي، وعرفت أنك مسؤول فما أنت قائل؟ أنا أشاهد يا أبتِ أن بعض الأشياء أنت لم تنفذها بعد هناك منكرات لم تقض عليها بعد، والله سيحاسبك على ذلك، ماذا ستقول يوم القيامة، عبد الملك شاب متحمس، ومؤمن يخشى على أبيه، ويريد أن تنفذ الأمور كلها فوراً، فقال أبوه: رحمك الله وجزاك الله من ولد خيراً، فوالله إني لأرجو أن تكون من الأعوان على الخير، يا بني إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة، يعني: قبل أن أتولى هناك أشياء حبكت، وترسخت، وتجذرت، قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة، وعروة عروة، ومتى ما أريد مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم، كأخذ بعض ما في أيدي بني أمية مما سلبوه من بيت المال، بغير حق فيما سبق، ومتى ما أريد مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا علي فتقاً تكثر فيه الدماء، والله لزوال الدنيا أهون علي من أن يهراق بسببي محجمة من دم، أو ما ترضى أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة، ويحيي فيه سنة، حتى يحكم الله بيننا وبين قومنا بالحق، وهو خير الحاكمين. هذه الطريقة العمرية في كيفية تنفيذ الأحكام، ومواجهة المنكرات عندما يقوم هذا الإمام العادل في وسط قد تجذرت فيه الانحرافات، فهو لا يستطيع أن يقضي عليها جميعاً في يوم وليلة، لكنه في كل يوم يحيي سنة ويميت بدعة، يقيم معروفاً ويقضي على منكر، وهكذا. أما إعلان الإلغاء وإعلان الرفض، والوعد بعدم تطبيق الشرع، فهذه مصيبة والله؛ لأن هذا وكلام الكفار سواء.

تحدي الخطر الباطني المجوسي

00:18:21

ومن التحديات التي تواجه الأمة هذا الخطر الباطني المجوسي، هذا الخطر الحاقد المهلك المبير الوحشي، الذين يسعون في الأرض بالفساد، يهلكون الحرث والنسل، هؤلاء التتر، هؤلاء الأوباش الوحوش، القادمون للقضاء على أهل السنة، قد ظهرت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، بتاريخهم الأسود، حتى قال شيخ الإسلام رحمه الله: ومن المعلوم عندنا أن السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم – من جهة هؤلاء الباطنية – وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين.

هذا التحدي الكبير، الذي يواجه الأمة اليوم في دينها، وفي سنة نبيها، وفي وجودها، في بلادها، وبيوتها، وأهلها، في دمائها، وأعراضها، وأموالها، هذا التحدي الذي يواجه الأمة اليوم في حقد باطني سلّطه الغرب واليهود عمداً، نعم، وكلوا بها الباطنية؛ حتى لا يلوثوا أيديهم مباشرة بالقتل، والتدمير، سلّطوا وكلاء يجوسون خلال ديارنا، يقتلون أبناءنا، ويستحيون نساءنا، ويخربون بيوتنا، ويستغيث المسلمون رجالاً ونساءً وولداناً، ويقولون: ربنا أخرجنا، اجعل لنا من لدنك سلطانا، اجعل لنا من لدنك ولياً، اجعل لنا من لدنك نصيراً، هذا التحدي الكبير الذي يتطلب اليوم بيان حكم هؤلاء الباطنية، وحقيقة عقيدتهم، وتاريخهم الأسود، وماذا فعلوا بالمسلمين لما تسموا بالعبيديين تارة، وبالفاطميين تارة، وبالبويهيين تارة، وبالصفويين تارة، وبالقرامطة تارة، الذين تسموا بالحمدانيين، والتومرتيين، تسموا وتسموا بالصفويين وغير ذلك، كلهم طينة واحدة، حقد باطني عظيم على أهل الإسلام، من الذي أنشأهم؟ أليس عبد الله بن سبأ، أليسوا هذه البثرة اليهودية، فقد عرف اليهود ماذا يصنعون في وسط هذه الأمة، وكيف يسلطونهم بعد ذلك، فقد أنشأوهم، ورعوهم، وسلّطوهم، مكنوهم، وأتاحوا لهم المجال.

ومن هنا يا عباد الله: فإن مواجهة هذا الخطر تحدي عظيم جداً للأمة الآن، يكاد يكون أكبر تحدي الآن على مستوى الأمة هذا، وقد ظهرت بوادر تحويلهم بلاد المسلمين إلى ساحات مذابح، ومعارك يغيرون من خلالها على أهل الإسلام.

وعندما يقول الله عن المسلمين الذين يناشدون إخوانهم: وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُسورة الأنفال72. فإن ذلك يبين واجب الإمداد، الإمداد بالمال، الإمداد بالغذاء، الإمداد بالكساء، الإمداد بالدواء، الإمداد بالدعاء، الإمداد بالإعلام، الإمداد بالرأي، والإمداد بالفتوى، والإمداد... وأنواع الإمدادات الكثيرة، التي يجب على المسلمين أن يقوموا بها تجاه إخوانهم؛ لأن الدور علينا بلا شك، وقد قال ﷺ: جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم[رواه النسائي 3096].

عباد الله: إن التحديات والله كبيرة، إنها تتطلب منا وعياً عظيماً، وإيماناً راسخاً، وعلماً مبيناً، تتطلب منا حشد طاقات، ورص صفوف، تتطلب منا سهراً بالليل، وعملاً بالنهار، ورباطاً على الثغور، تتطلب منا حراسة، تتطلب منا وحدة على الحق، وإلا ستأكل الأمة، ونحن نعرف، ونوقن، ونؤمن بأن المستقبل للإسلام، وأن الله ناصر دينه، وأنه قد وعد، وهو لا يخلف الميعاد، أن يتم هذا الأمر، وأن يدخل هذا الدين كل بيت، وأن يبلغ ما بلغ الليل والنهار، لكن يا عباد الله الأمور بأسباب، النتائج لا تأتي بدون عمل، فلا بد أن تبذل الجهود، لا بد أن نقوم بالأسباب.

اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد، تعز فيه أهل طاعتك، وتذل فيه أهل معصيتك، اللهم إنا نسألك أن تعجل بنصر هذه الأمة، اللهم عجل فرج المسلمين يا أرحم الراحمين، واحفظ بلادنا، وبلاد المسلمين من كل فتنة، وشر وسوء، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:25:04

الحمد لله، وسبحان الله، ولا حول، ولا قوة إلا بالله، الحمد لله رب العالمين، ورب الأولين، والآخرين، أشهد أن لا إله إلا هو، ولي المتقين، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله، الصادق الأمين، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه، وخلفائه الميامين، وأزواجه، وذريته الطيبين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

تحدي خطر التقسيم، والتفتيت، وأسباب هذه التحديات

00:25:40

عباد الله: ومن التحديات، والمؤامرات العظيمة، التي تواجهها الأمة اليوم: خطر التقسيم، والتفتيت، فإن أعداءها بلا ريب، ولا شك قد أعدوا العدة لتقسيم المقسمات التي قسموها بعد سقوط الخلافة، آن الأوان عندهم لتقسيمات أخرى، وتفتيتات، وتجزيئات، وإثارة للفوضى، والبلبلة، وهذا واضح جداً من قبل ومن بعد الأحداث الجديدة، فإن ما جرى في السودان، والعراق، وغيرها من قبل لا شك أنهم يريدون تعميمه، يريدون نشر الفوضى، يريدون تفتيت بلاد المسلمين؛ لأنهم يعلمون أن ربنا قال في كتابنا الذي أنزله علينا: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةًسورة المؤمنون52.إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌسورة الحجرات10وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ سورة آل عمران103. يعلمون جيداً أن المسلمين أمة واحدة، وأن هذا من أعظم أسباب القوة، التي يمتلكها المسلمون، المسلمون يمتلكون أسباباً عظيمة للتفوق، والغلبة، دينهم واحد، قبلتهم واحدة، أهل الحق، أهل السنة، أهل الإسلام، أهل التوحيد، وهو الأغلبية في الأمة، وهم المقصودون بأمة الإجابة، ربهم واحد، رسولهم واحد، كتابهم واحد، شرعهم واحد، هم أمة واحدة.

وكذلك من أسباب قوتهم: أن الله جعل في بلادهم من أنواع الأرزاق، والخامات، والمعادن، والأرزاق، ما يكفيهم ويفيض.

من أسباب قوتهم هذا الموقع العظيم قلب العالم، في آسيا، في إفريقيا، يطلون على أوروبا، يتحكمون بمضائق؛ مضيق هرمز، باب المندب، قناة السويس، جبل طارق، يطلون على بحر الروم، البحر الأبيض، هكذا سلطانهم، وأفراد أمتهم في البحار، الأسود، والأبيض، والأحمر، يطلون على الهند، يطلون على الأطلسي، شمالاً جنوباً شرقاً غرباً، هذا موقع لا يوجد له مثيل، لا في أمريكا، ولا في أوروبا، ولا في الصين، هذه أطراف لكن من قلب العالم؟ هذه الأمة، فسعوا في تجزئتها، في تفتيتها، في توهينها، في إذهاب قوتها، في السيطرة عليها، في نهب خيراتها، في سلبها، في التسلط عليها، في إذاقتها صنوف العذاب؛ لكي تبقى أمة مريضة، واهنة ضعيفة، محتاجة إلى غيرها، لا تلبس مما تصنع، ولا تأكل مما تزرع.

لقد غشوها بالإلحاد، غشوها بالمخدرات، غشوها بالجنس الهابط، يريدون أن يفتتوها اليوم، وأن يزيدوا تفتيتاً، يريدون إثارة البلبلة، والفوضى، والإضطرابات، باسم الحرية وغيرها، تثار هذه البلابل، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ سورة آل عمران118.وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ، ما شق عليكم يريدونه، ما صعب عليكم يحبونه، وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا سورة آل عمران120وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ سورة آل عمران118يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ سورة آل عمران149.

يريدون إذهاب الأمن، والإيمان، ومن هنا أيها الإخوة: فإن هنالك تحدياً حقيقياً أمامنا، وهو مقاومة مؤامرة التقسيم، والتفتيت، وإثارة الفوضى، والبلبلة التي يريدون تغذيتها بكل طريق، والله قد امتن على بعض عباده فقال: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ۝ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ سورة قريش3-4. فلا بد من التصدي للفتن، لا بد من التصدي لمؤامرات التقسيم، لا بد من إرساء العدل، لا بد من الدفاع عن الأمن بجميع أنواعه، أمن العقيدة أولاً، أمن الاقتصاد، أمن المجتمع، أمن الناس، أمور الناس لا تستقيم إلا بهذا، وهذه مسألة تتطلب حكمة بعد نظر يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءسورة البقرة269.

عباد الله: مؤامرات التقسيم، والتفتيت تسير على قدم وساق، وشواهدها موجودة، وبعض الناس يريدون تغييراً من أي نوع، ولا يحسبون الحسابات جيداً، وهذا والله خلاف الحكمة، فإننا لا نريد تغييراً من أي نوع، نريد تغييراً من الأسوأ إلى الأحسن، وليست تغييراً كيفما اتفق، ليس تغييراً عشوائياً، ومن فقه هذه المسألة انفتحت له أبواب كثيرة؛ للتمييز من خلال الواقع بين المصلح والمفسد، والله يعلم المفسد من المصلح، ويعلم المصلح من المفسد.

تحدي إثارة الشهوات

00:32:44

من المؤامرات العظيمة أيها الإخوة: اليوم التي تواجهها الأمة مؤامرة إثارة الشهوات، مؤامرة تحرير المرأة من شرع الله، مؤامرة تعميم التبرج والسفور، والصنف الذي ما رآه ﷺ في حياته، يريدون أن يعمموه بعد وفاته، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها[رواه مسلم2128]. يريدونها أن تخضع بالقول، والله قال: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِسورة الأحزاب32. يريدونها أن تفتن وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ سورة النور31.فكيف إذا كان المراد الكشف بجميع أنواعه؟

الله يريدها عفة، وطهارة، وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ولكن يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا سورة النساء27. فيريدونها اختلاطاً عاماً، يريدونه سفوراً، وتبرجاً، وانحلالاً، يريدونها إقامة علاقات محرمة، ونشراً للفساد وهكذا، فمن ذا الذي يتصدى لهذا أيضاً اليوم، ويبين حكم الله، حكم الله في العلاقات، حكم الله في الحجاب، والألبسة، حكم الله في النظر، حكم الله فيما بعد ذلك؟ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَاسورة الإسراء32. من الذي سينشر في الأمة روح الفضيلة، وريح الشريعة، والطهر، والعفاف، الذي جاءت به، هذه مسؤولية، بنتي، بنتك، هذه مسؤولية، نساؤنا ماذا فعلنا في تربيتهن من الصغر؟ ماذا فعلنا في متابعتهن لما كبرن، ماذا فعلنا للشباب، ماذا فعلنا للفتيات، ما هي برامجنا للمراهقين، والمراهقات، ماذا أعددنا للتصدي لهذه المؤامرة الخبيثة اليهودية الشيطانية؟ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا سورة الأعراف 27.هذه أيضاً مهمة صعبة للغاية.

وها قد عرضنا أيها الإخوة لتحديات عصيبة صعبة مريرة شديدة مهولة، تعترض الأمة وتتحداها الآن، فمن المستعد أن يقوم لله، من المستعد أن يبذل، من المستعد أن يعمل؟ والله خلقنا ليبتلينا أينا أحسن عملاً، والله جعلنا في هذه الحياة لينظر كيف نعمل، وهذه ملائكته تكتب أعمالنا، صاعدة نازلة بسجلاتنا، وصحائفنا، تستودعها عند الله كل يوم، في اليوم والليلة، فقدموا لأنفسكم، وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌسورة المزمل20.

اللهم أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك، اللهم أعنا على القيام بشرعك، اللهم اجعلنا من أنصار الدين يا رب العالمين، اللهم انصر بنا الإسلام والمسلمين، استعملنا في طاعتك يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك أن تجعل حكم الإسلام قائماً في بلاد المسلمين، وحدها على الدين، والسّنة يا رب العالمين، اللهم انشر علم التوحيد في كل مكان، اللهم إنا نسألك أن ترفع البأس عن إخواننا المستضعفين، اللهم كن معهم يا رب العالمين، كن لهم مؤيداً، ونصيراً، اللهم واجعل لهم من المسلمين ظهيراً، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تؤوي شريدهم، وترحم ميتهم، وتداوي جريحهم وتبرأهم، وتشفي مرضيهم، اللهم أمن خائفهم، اللهم احفظهم في أنفسهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم، واحفظ علينا وعليهم الدين يا رب العالمين، أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، وألحقنا بالصالحين، اللهم اقصم ظهور الجبابرة، والأكاسرة، اللهم إنا نسألك في ساعتنا هذه أن تنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم انتقم من اليهود، والباطنية، ومن شايعهم، اللهم فتت وحدتهم، ومزق شملهم، واجعل دائرة السوء عليهم، وائتهم من حيث لا يحتسبون واجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين، اللهم خالف بين كلمتهم، وألق الرعب في قلوبهم، واجعلها علهم دماراً يا رب العالمين، اللهم اشف صدور المؤمنين من هؤلاء الظلمة المعتدين، اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان في بلدنا هذا، وسائر بلاد المسلمين، اللهم احفظ المسلمين في مصر، واليمن، والمغرب، وسوريا، اللهم احفظنا بحفظك، اللهم وانصر الإسلام وأهله في كل مكان.

آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه النسائي 3096
2 - رواه مسلم2128