الأحد 14 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 15 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

22- ذكرياته ﷺ 2


عناصر المادة
المقدمة
وكان النبي ﷺ يحدث أصحابه بما يلاقيه من المشركين من صنوف الأذى
تذكر النبي ﷺ حال امرأة من الأنصار في مناسبة
ذكرياته ﷺ لعمه حمزة
ذكرياته ﷺ مع زوجته خديجة
ذكرياته ﷺ لأمه

المقدمة

00:00:05

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للثقلين، بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
وبعد:
ولا زلنا وإياكم في هذه المجالس في أحوال نبينا محمد ﷺ الشريفة العطرة، وتكلمنا عن ذكرياته ﷺ، وكيف أن هذه الذكريات كانت عن طفولته كما حصل في بادية بني سعد، وما أخبر به ﷺ عن نشأته وذكريات الطفولة في ذلك، وما حصل له من حادثة شق الصدر، وكيف أن الملكان شقا صدره، ثم لأماه وخاطه الملك، كان أثر الخياطة في صدره الشريف موجودًا، حتى رآه أنس ، وغسل قلبه ﷺ بما زمزم بعدما استخرج منه تلك العلقة التي هي حظ الشيطان منه، فصار صدره ﷺ لا نصيب فيه للشيطان، وكيف كان يقص على أصحابه بعض ما كان في الجاهلية؟ وكيف حدث بعض أصحابه عن النبي ﷺ في الجاهلية كقصته مع زيد بن عمرو بن نفيل؟ وكيف التقى محمد ﷺ بموحد من الموحدين الذي كان على ملة إبراهيم؟

وكان النبي ﷺ يحدث أصحابه بما يلاقيه من المشركين من صنوف الأذى

00:02:19

فعن أوس بن حذيفة الثقفي قال: قدمنا على رسول الله ﷺ في وفد ثقيف، فنزلت الأحناف على المغيرة بن شعبة"، وهم قوم من ثقيف لأن ثقيف فرقتان: بنو مالك، والأحناف، "وأنزل رسول الله ﷺ بني مالك في قبة له، وكان كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا قائمًا على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام" إذًا هذا الحديث يبين أن النبي ﷺ كان يحدثهم بعد العشاء، ومن طول القيام يغير من اعتماده من رجل إلى رجل، "قال: وأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه من قريش، ثم يقول: لا سواء كنا مستضعفين مستذلين بمكة، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم، ندال عليهم ويدالون علينا [رواه أبو داود: 1393، وابن ماجه: 1345، وأحمد: 16166]. وحسنه ابن كثير رحمه الله. [تفسير ابن كثير: 7/392].
يعني: مرة تكون لنا الغلبة، ومرة تكون لهم.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي ﷺ: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟
إذًا كان بعض أصحابه يسألونه عن مواقف قديمة مرت عليه، يسألونه عن مسيرة حياته.
قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل ابن عبد كلال وكان من أكابر أهل الطائف من ثقيف، طلب منه النبي ﷺ النصرة والإعانة على إقامة الدين، قال: فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي يعني: حيران لا أدري أين أتوجه، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب يعني: لم أفطن لنفسي وأتنبه إلا وأنا في ذلك المكان الذي هو قرن الثعالب، وهو قرن المنازل، وهو ميقات أهل نجد، على مرحلتين من مكة، وأصل القرن في اللغة: كل جبل صغير ينقطع من جبل كبير، يسمى قرنًا، وقيل: إن الثعالب كانت تكثر في ذلك الموضع، فسمي قرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليّ إذًا هناك ملك مخصص للجبال، كما أن هنالك ملك موكل بالقطر، كما أن هناك ملك موكل بأرواح الناس وقبضها، كما أن هنالك ملائكة موكلة بسوق السحب والبرق والرعد، وكذلك ما يكون من كتابة أعمال العباد، وأيضًا من عمارة السموات، ودخول البيت المعمور، فهذه وظائف للملائكة، قال: فناداني ملك الجبال فسلم عليّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين وهما جبلا مكة: أبو قبيس والذي يقابله، والمراد بالإطباق أن يلتقيا على مكة بحيث يصيرا طبقًا واحدًا، فيهلك كل من فيها.


فقال النبي ﷺ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا [رواه البخاري: 3231، ومسلم: 1795].
فحدث زوجته ﷺ بما حصل من جفوة الناس وإعراضهم عنه في أول الدعوة، وكيف كان مغمومًا بسبب ذلك، وكان ﷺ يتذكر ما لحق به من الخوف والجوع والأذى، كما حدث أنس أنه ﷺ قال: لقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواري إبط بلال يعني: شيء يسير، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. [سنن الترمذي: 2472].
ومعنى هذا الحديث حين خرج النبي ﷺ من مكة ومعه بلال، يعني خرج فرارًا بدينه ما كان مع بلال من الطعام ما يحمله تحت إبطه. [رواه الترمذي: 2472، وهو حديث صحيح، صححه الألباني مشكاة المصابيح: 5253].
ويؤخذ منه ثباته ﷺ على الشدائد، وصبره في البأساء والضراء، وهو سيد الثقلين ﷺ ففيما أصابه أسوة لكل داعية، وفيما تعرض له تثبيت وتسلية.
وقف على قليب بدر وقد هاجت ذكريات الأذى والعذاب، وقال: يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقًا؟ فإني قد وجدت ما وعدني الله حقًا [رواه مسلم: 2873].
فهؤلاء الذين آذوه وكذبوه هكذا كانت نهايتهم، كانت جيفًا، كانوا جيفًا منتنة في قليب بدر.

ومن ذكرياته ﷺ تذكره لما حصل في حصار الشعب، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: حين أراد قدوم مكة وكان هذا في حجة الوداع بعد الفراغ من الحج قال: منزلنا غدًا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر يعني ذلك المحصب، وذلك أن قريشًا وكنانة من قبل تحالفت على بني هاشم في العهد المكي، تحالفت على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي ﷺ. [رواه البخاري: 1589، ومسلم: 1314].

والمحصب والحصباء، والأبطح والبطحاء، وخيف بني كنانة أسماء لشيء واحد، وهو مكان متسع بين مكة ومنى، وهو أقرب إلى منى، وأصل الخيف كل ما انحدر عن الجبل وارتفع عن مسيل الماء، معنى: تقاسموا على الكفر يعني تحالفوا عليه، وتعاهدوا على أن يحاصروا بني هاشم وبني المطلب في هذا الشعب، وكتبوا صحيفتهم المشهورة، فيها أنواع من الباطل، وقطيعة الرحم، والكفر فأرسل الله عليها الأرضة، فأكلت كل ما فيها من كفر وقطيعة رحم وباطل، وتركت ما فيه ذكر لله مما في الصحيفة، من الذي علم الأرضة أن تأكل هذا، ولا تأكل هذا؟ سبحانه هو الذي يأمر جنوده بما شاء، فأخبر جبريل النبي ﷺ بذلك، يعني: أن الأرضة أكلت الصحيفة إلا ما كان من باسمك اللهم، فأخبر النبي ﷺ عمه أبا طالب بذلك، فجاء إليهم أبو طالب فأخبرهم عن النبي ﷺ بذلك، قال: الورقة الصحيفة التي علقتموها أكلت ما فيها إلا ما بقي من ذكر الله، فوجدوه، يعني: ذهبوا وتأكدوا من ذلك، فإذا هو كما أخبر، والقصة مشهورة.
قال بعض العلماء: وكان نزوله ﷺ بالمحصب -الحادثة مر عليها سنوات طويلة، وذهب إلى المدينة، ومكث في المدينة المدة الطويلة- ولما جاء للحج نزل في المحصب، المحصب هذا المكان الذي صارت فيه المؤامرة لما تعاهدت قريش وكنانة على الكفر والحصار، فنزل في المكان الذي تحالفوا لماذا؟


ولا شك أن نزولهم في هذا المكان شكر لله، وتذكر لحال الشدة التي كانت وإظهار للدين في المكان الذي كانت فيه المؤامرة على المسلمين، نزل بالمسلمين الذين كانوا معه، وكانوا قرابة مائة وأربعة وعشرين ألف مسلم.
قال بعض العلماء: كان نزوله ﷺ شكرًا لله على الظهور بعد الاختفاء، وعلى إظهار دين الله، وهكذا حصل لما أعز الله دينه وأظهر نبيه وفتح مكة، وجاء فنزل بالأبطح يوم النحر في المحصب، وكان الصحابة يفعلونه من بعده أبو بكر وعمر، وابن عمر، والخلفاء، وكان عائشة وابن عباس لا ينزلان بالمحصب، ويقولون: هو منزل اتفاقي وليس مقصودًا، وصحابة آخرون كانوا ينزلون، ويقولون: هذا مستحب، يعني: من النسك. ومذهب الشافعي ومالك والجمهور استحباب النزول في المحصب للحاج إذا استطاع أن ينزل بالمحصب ينزل، الآن هناك عمائر وفنادق في المحصب، صارت البطحاء صارت أمرًا آخرًا، لكن من استطاع أن ينزل فيها، فلينزل في ذلك الفراغ من النسك، ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويبيت به بعض الليل أو كله، اقتداء بالنبي ﷺ.
متى نزل في المحصب؟
يوم النفر لما نفر نزل في المحصب، والآن صار المحصب جزءًا من مكة، وبناء على ذلك ربما تترتب أحكام، يعني من قبل كان إذا خرج من مكة ينزل في المحصب، المحصب كان خارج مكة، فإذا طاف الوداع وانتهى، الآن صار المحصب جزءًا من مكة.


ومن الذكريات التي تذكرها ﷺ ما حصل لعقبة بن أبي معيط معه، وهو الذي كان يؤذي النبي ﷺ وجاء بأمعاء الجزور وسلى الجزور، ووضعها على ظهر النبي ﷺ وهو ساجد، فدعا النبي ﷺ عليه وعلى أصحابه الذين كانوا معه، فكان هلاكه في ذلك اليوم العظيم لما أسر يوم بدر أمر النبي ﷺ عاصم بن ثابت بقتله، فقال: يا معشر قريش علام أقتل من بين من ها هنا؟ يعني: هناك أسرى ولهم فدية، أنا أقتل لماذا؟
فقالوا له: على عداوتك لله ورسوله.
وعن الشعبي -هذا مرسل- قال: "لما أمر النبي ﷺ بقتل عقبة قال: أتقتلني يا محمد من بين قريش؟
قال: نعم، أتدرون ما صنع بي هذا؟ أو صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وغمزها" الحديث [السيرة النبوية لابن كثير: 2/473].
وروى عبد الرزاق عن مقسم مولى ابن عباس "لما كان يوم بدر أسر عقبة بن أبي معيط في الأسارى، فأمر به رسول الله ﷺ أن يقتل.
فقال: يا محمد من بين هؤلاء أقتل؟
قال: نعم.
قال: لم؟
قال: بكفرك، وفجورك، وعتوك على الله ورسوله، فأمر ﷺ بقتله، وكان تذكر ما حصل منه من العداوة لله ورسوله. [مصنف عبد الرزاق: 9731].

ذكرياته ﷺ مع من صنع إليه معروف

00:15:09

وكان ﷺ يتذكر في المقابل المعروف الذي صنعه بعض قريش، وهم قلة صنعوا معه أمورًا من المعروف، فعن جبير بن مطعم أن النبي ﷺ قال في أسارى بدر:  لو كان المطعم بن عدي حيًا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له [رواه البخاري: 3139].
يعني لو كان حيًا وطلب مني إطلاق سراح هؤلاء الأسرى من قريش مع أنه أصلاً كان من كفار قريش، ولكن عنده لين، وكان عنده نوع من الدفع عن النبي ﷺ، ولذلك النبي ﷺ قال: لو كان المطعم بن عدي حيًا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له أطلقتهم من أجله.
فما هو الشيء الذي فعله المطعم بن عدي لدرجة أن النبي ﷺ كان مستعدًا أن يطلق أسارى بدرًا جميعًا من أجله؟
الجواب: لما انصرف النبي ﷺ من أهل الطائف بعدما صدوه أقام بنخلة، موضع بين مكة والطائف أيامًا، وأراد الرجوع إلى مكة، هو قد أخيف في مكة، وهدد بالقتل في مكة، وأهل الطائف ردوه، لا هو في مكة، ولا في الطائف، فهو الآن في وضع حرج، ماذا يفعل ﷺ؟
فأراد أن يرجع إلى مكة، فقال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟
فقال: يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجًا ومخرجًا، وإن الله مظهر دينه، وناصر نبيه، ثم انتهى إلى حرة، وبعث إلى الأخنس بن شريق ليجيره، فقال الأخنس: أنا حليف والحليف لا يجير رفض، فبعث إلى سهيل بن عمرو، فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب، لا أستطيع أن أفعل لك شيئًا، خاطب ناس من الكبار يدخل في جوارهم مكة في حماية حتى لا يقتل لا فائدة، فبعث إلى المطعم بن عدي فأجابه إلى ذلك.
وقال: نعم، قل له: فليأت فرجع إليه، فأخبره فدخل رسول الله ﷺ فبات عنده تلك الليلة في حماية مطعم بن عدي، فلما أصبح خرج مطعم بن عدي، وقد لبس سلاحه هو وبنوه ستة أو سبعة كلهم لبسوا السلاح مع أنهم كانوا مشركين، فقال لرسول الله ﷺ: طف، أخذوه إلى الكعبة، وقالوا له: طف أنت الآن في حمايتنا، واحتبوا بحمائم سيوفهم بالمطاف، فأقبل أبو سفيان وكان مشركًا إلى المطعم بن عدي، فقال: أم مجير أم تابع؟
قال: بل مجير.
قال: إذًا لا تخفر قد أجرنا من أجرت". [البداية والنهاية: 3/169].


يعرفون قدر المطعم بن عدي فيهم، فلم يستطيعوا أن يخفروا ذمة المطعم بن عدي، وحمايته للنبي ﷺ، ولأجل هذه السابقة التي سبقت للمطعم، ولأنه أدخل النبي ﷺ في حمايته قال ﷺ متذكرًا الموقف ذاك في بدر بعدما أسر من أسر من قريش: لو كان المطعم بن عدي الذي أجارني بمكة حيًا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له.
وقد رثاه حسان بن ثابت يعني: المطعم لما مات، فقال:

أيا عين فابكي سيد الناس واسفحي بدمع فإن أنزفته فاسكب الدما
فلو كان مجد يخلد الدهر واحدًا من الناس أبقى مجده اليوم مطعما
أجرت رسول الله منهم فأصبحوا عبيدك ما لبى ملبًا وأحرما
فلو سئلت عنه معد بأسرها وقحطان أو باقي بقية جرهما
لقالوا هو الموفي بخفرة جاره وذمته يومّا إذا ما تذمما

[سيرة ابن هشام: 1/380].
وقيل إن اليد كانت له أنه أعظم من سعى في نقض الصحيفة التي كانت كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم ومن معهم من المسلمين، الله يسخر حتى من الكافر من يشاء لحماية رسوله ﷺ، ونصرة المسلمين.
وكان ﷺ يتذكر المعروف الذي فعل له، ومن أيده وناصره، ويثني عليه كما قال مرة: ما لأحد عندنا يد إلا وقد كفيناه ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذّا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن صاحبكم خليل الله[رواه الترمذي: 3661، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة: 94].
فهذا التذكر لمعروف الصديق، والصديق لا يريد جزاء ولا شكورًا، ولكن النبي ﷺ يثني على صاحب المعروف، مال الصديق كان له أثر خاص، مال الصديق في أول الدعوة وقت الحاجة كان له أثر عظيم في نصرة الله ورسوله، وقال ﷺ: إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواسني بنفسه، وماله [رواه البخاري: 3661].
وكان ﷺ يتذكر أيضًا معروف الأنصار كما حصل في خطبته معهم، وتذكر أيضًا وفاء أبي العاص بن الربيع، وصدقه معه، وهذا رجل كان مشركًا، وكان زوج بنت النبي ﷺ فعن المسور بن مخرمة أن رسول الله ﷺ ذكر صهرًا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه، ثم قال: حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي[رواه البخاري: 3110].


وعند أحمد ذكر أبا العاص بن الربيع فأكثر عليه الثناء. [رواه أحمد: 18913].
وكان أبو العاص قد أسر ببدر مع المشركين، ففدته زينب بنت رسول الله ﷺ زوجته، فشرط عليه النبي ﷺ أن يرسلها إليه فوفى له بذلك، فهذا معنى قوله:  حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي وكانت الواقعة بعد فتح مكة -كما قال الحافظ- فتذكر ﷺ وفاء أبي العاص، وكان ذلك سنة اثنتين من الهجرة، وهو يومئذ على دين قومه، فذكر منقبته وموقفه بعد ست سنين من حصولها، مع أن الفضل للنبي ﷺ ولابنته زينب؛ لأن النبي ﷺ كان قد زوج زينب من أبي العاص قديمًا، والنبي ﷺ كان له بنات، وكان في البعثة عمره أربعون، وتزوج وعمره خمس وعشرون، ومتى نزل تحريم تزويج المشركين للمسلمات، متأخر في المدينة، فإذًا زواج أبي العاص من زينب قديم قبل في مكة مبكر جداً، لكن لما هاجر النبي ﷺ ما استطاعت زينب أن تأتي معه، وخرج زوجها أبو العاص مع المشركين في بدر، وبعض من خرج خرج إحراجًا ومتابعة، ليسوا جميعًا خرجوا بنفس الدرجة من العداوة واللؤم، كالعباس مثلاً خرج لا بدّ من ساداتهم فأخرجوه، ولا شك أنه  يجوز الخروج أصلاً هو ليس معذورًا بخروجه.
ولكن الشاهد أن خرج بعض من خرج في بدر ليسوا مثل أمية بن خلف وأبي جهل في اللؤم والعداوة والشدة، المهم أبو العاص زوج زينب أسر في بدر ما كان نزل تفريق المسلمين عن المشركين، ما كان نزل الحكم هذا بعد، وكان أبو العاص هذا أخلاقه حسنة جداً، ويعامل زينب معاملة لطيفة جداً، وزينب تأثرت من أسر زوجها، وصارت الآن بمكة لا وزج ولا أب، وصارت محبوسة بمكة، فلما طلب النبي ﷺ والمسلمون من أسارى بدر الفدية أرسلت زينب قلادة تفدي بها زوجها، القلادة هذه كانت خديجة قد قدمتها لها في يوم زفافها لما أدخلتها على أبي العاص، أهدتها القلادة من حلي النبي ﷺ لما جاءت القلادة من مكة عرفها هذه القلادة التي أعطتها زوجته خديجة لبنته زينب في يوم الزفاف، فتأثر جداً، أن بنته أرسلت ما معها يمكن هذا كل ما تملكه فداء لزوجها، وحيث أن الفدية ملك لبيت المال، وبيت المال ملك للمسلمين جميعًا، لم يأمر النبي ﷺ الصحابة أن يتنازلوا عن الفدية هذه، وإنما قال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها فقالوا: نعم". [رواه أبو داود: 2692].


لو شئتم: يعني: أنتم مخيرون، لكن لو أردتم أن تفعلوا ذلك افعلوا، النبي ﷺ رق لذلك الموقف، بنته الآن في مكة، وهذا زوجها الآن أسير، وهذا القلادة ذكريات خديجة في زفاف زينب، فرق لها وعرض على المسلمين ذلك، المسلمون بطيب نفس ومسامحة وافقوا عليه، فأطلقوا أبا العاص، وأعادوا القلادة، النبي ﷺ مقابل إطلاق أبي العاص شرط عليه أن يرسل له ابنته زينب، يعني: نطلقك الآن مجانًا وترسل لي ابنتي زينب، مع أنها زوجته وهو متعلق بها، وعد الرجل هذا وكان مشركًا وعد، ولما ذهب إلى مكة فعلاً أرسل زينب إلى المدينة، ولذلك النبي ﷺ قال: حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي.

تذكر النبي ﷺ حال امرأة من الأنصار في مناسبة

00:26:25

عن حميد بن هلال قال كان رجل من الطوافة -وهم حي من قيس عيلان- طريقه علينا، فأتى على الحي -على القبيلة- في طريق السفر فحدثهم، قال: قدمت المدينة في عير لنا، فبعنا بياعتنا -السلع التي معنا نتاجر أخذناها وبعناها- ثم قلت: لأنطلقن إلى هذا الرجل فلأتين من بعدي بخبره، -يعني سأتحقق من خبره وأخبر قومي- فانتهيت إلى رسول الله ﷺ فإذا هو يريني بيتًا، قال: إن امرأة كانت فيه -في هذا البيت، يعني يريد آية، وشيء من الأعاجيب- إن امرأة كانت فيه فخرجت في سرية من المسلمين يقول النبي ﷺ لهذا الرجل ترى هذا البيت هذا البيت كان فيه امرأة خرجت في سرية من المسلمين، وتركت ثنتي عشرة عنزًا لها، وصيصيتها كانت تنسج بها وهذه صنارة الغزل والنسج صيصية، قال النبي ﷺ يحكي قصة المرأة: ففقدت عنزًا من غنمها وصيصيتها، فقالت: يا ربي هذا الآن بعد الغزو رجعت المرأة فقدت عنزًا وصنارة الغزل، فرفعت المرأة يديها، قالت: يا ربي إنك قد ضمن لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه من يغزو في سبيلك تحفظه من ورائه، وإني قد فقدت عنزًا من غنمي وصيصيتي، وإني أنشدك عنزي وصيصيتي فجعل رسول الله ﷺ يذكر شدة مناشدتها لربها تبارك وتعالى، قال رسول الله ﷺ: فأصبحت المرأة هذه في الصباح عنزها ومثلها، وصيصتها ومثلها ثم قال ﷺ للرجل: وهاتيك فأتها فاسألها إن شئت هذا بيت المرأة، وهذه قصة المرأة، وإذا أردت أن تتأكد اذهب واسأل المرأة.
قلت: بل أصدقك". [رواه أحمد: 20664، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: 2935]، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. [مجمع الزوائد: 9428].

ذكرياته ﷺ لعمه حمزة

00:29:20

من الذكريات أن النبي ﷺ كان يتذكر عمه حمزة، ولما جاء قاتل حمزة ما استطاع أن يتحمل بقاءه معه. فيقول جعفر بن عمرو بن أمية الضمري: خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار" -هذه قصة متأخرة بعد وفاة النبي ﷺ، وبعدما فتح المسلمون الشام، وكان وحشي قاتل حمزة قد أسلم وذهب إلى الشام، واستقر بحمص، فدخل عليه رجلان جعفر بن أمية الضمري، وعبيد الله بن عدي بن الخيار، قال عبيد الله لجعفر: هل لك في  وحشي نسأله عن قتل حمزة؟
قلت: نعم، وكان وحشي يسكن حمصًا، فسألنا عنه، فقيل لنا: هو ذاك في ظل قصره، كأنه حنيت"، يعني: أسود وسمين "فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير، فسلمنا، فرد السلام، عبيد الله بن عدي بن الخيار جاء متلثمًا، قد غطى وجهه ما يظهر إلا عيناه، "وعبيد الله معتجر" يعني: لف عمامته على رأسه معتجر بعمامته، ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه فقط، ما يظهر من عبيد الله بن عدي بن الخيار إلا عينيه ورجليه، فقال عبيد الله المتلثم الآن المتغطي المتخفي: يا وحشي أتعرفني فنظر إليه وحشي، ثم قال: لا والله إلا أني أعلم، وأتذكر أن عدي بن الخيار" هذا ما قال اسمه، متغطي ما قال لا اسمه ولا شكله ما يظهر منه، إذا هذا فيسأل وحشي، يقول: تعرفني؟ قال: لا والله إلا أن أعلم أن عدي أن بن الخيار" وعدي هذا أبو عبد الله المتلثم المتغطي، "إلا أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها: أم قتال بنت أبي العيس، فولدت غلامًا بمكة، -هذا كلام قديم- "فكنت أسترضع له" يعني أعطوني الغلام أبحث له على مرضعة، "فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه، فكأني نظرت إلى قدميك" هذا من أعجب الفراسة والقيافة، القيافة فن لا يعرفه إلا آحاد الناس، اشتهر به مجزز المدلجي على عهد النبي ﷺ في المدينة، وكان في بني مرة منه أكثر من غيرهم اليوم، وهو معرفة الشبه لدرجة أنه يمكن أن يقول هذا ابن من؟ هل هذا ابن هذا؟ مع أنه لا يعرفه من قبل، وإذا رأى الأثر على الأرض يمكن أن يقول هذا أثر امرأة أو رجل، إذا كانت امرأة حامل أو ليست بحامل، هذا من باب الفراسة والعلوم الخفية النفسية التي لا يدركها إلا من أعطاه الله تلك الموهبة، وحشي كان عنده فراسة عظيمة ما يتذكر إلا عدي بن الخيار تزوج فلانة، وأنهما أنجبا ولدًا، وهو أعطي الولد يمسكه لأمه ليبحث له عن مرضعة، ونظر في رجليه، وحفظ رجليه، ومن ذلك الوقت، وجاء المتلثم هذا الآن أمامه ليس بمكة في حمص بعد عشرات السنين من الحادثة، فيقول: أنت هو كأن رجلي الطفل رجليك.
قال: فكشف عبيد الله عن وجهه؟ ثم قال: ألا تخبرنا بقتل حمزة؟
قال: نعم، إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر.


فقال مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي، فأنت حر" لأن وحشي كان عبدًا، "فلما أن خرج الناس عام عينين، وعينين جبل بحيال أحد بينه وبينه واد، قال: "خرجت مع الناس" يعني: المشركين "إلى القتال، فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع، فقال: هل من مبارز" هذا سباع رجل من المشركين، "فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب" ما دام هناك التحدي لا يمكن أن يسكت المسلمون، خرج سباع من المشركين، فخرج أمامه حمزة مقابلاً له، فقال: يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور، أتحاد الله ورسوله ﷺ ثم شد عليه، فكان كأمس الذاهب"، أنهاه قضى عليه، حمزة قضى على سباع صار مثل الأمس، يعني نسيًا منسيًا، قال وحشي: "وكمنت" يعني اختبأت لحمزة "تحت صخرة، فلما دنا مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته ما بين السرة والعانة حتى خرجت من بين وركيه، فكان ذلك العهد به" هذا آخر عهدي بحمزة، "فلما رجع الناس" يعني المشركون "رجعت معهم فأقمت بمكة على الشرك حتى فشا فيها الإسلام، ثم خرجت إلى الطائف، فأرسلوا إلى رسول الله ﷺ رسولاً، فقيل لي: إنه لا يهيج الرسل" يعني: لا يؤذي ويفزع الرسل، قال: "فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله ﷺ فلما رآني قال: أنت وحشي؟.
قلت: نعم.
قال: أنت قتلت حمزة؟.
قلت: قد كان من الأمر ما بلغك.
قال: فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني، فخرجت، فلما قبض رسول الله ﷺ فخرج مسيلمة الكذاب، قلت: لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ به حمزة" يعني أقتل رأس المرتدين مقابل ما قتلت من رأس عظيم من رؤوس المسلمين.
قال: فخرجت مع الناس، فكان من أمره ما كان، فإذا رجل قائم في ثلمة جدار، كأنه جمل أورق، ثائر الرأس" يعني: مسيلمة "فرميته بحربتي فأَضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه، قال: ووثب إليه رجل من الأنصار فضربه بالسيف على هامته، فقالت جارية على ظهر بيته: وا أمير المؤمنين قتله العبد الأسود". [رواه البخاري: 4072].
زاد الطيالسي: "فكنت أتقي أن يراني". [مسند أبي داود الطيالسي: 1410] يعني: أتحاشى أن النبي ﷺ يراني.
وفي رواية: "فما رآني حتى مات".


وعند الطبراني: قال: يا وحشي اخرج فقاتل في سبيل الله كما كنت تصد عن سبيل الله [المعجم الكبير:370، وقال الألباني: منكر سلسلة الأحاديث الضعيفة: 5938].
قوله: هل تستطيع أن تغيب وجهك عني لأن رؤية قاتل حمزة تؤلم النبي ﷺ لأنه عمه كان له عمان مسلمان، وعمان كافران، وأبو طالب خير من أبي لهب، وحمزة خير من العباس لأنه سبقه، حمزة من السابقين وأبلى بلاء حسنًا في الدفاع عن الله ورسوله، والمحاماة والنصرة، ولذلك ما كان يستطيع النبي ﷺ أن ينظر إلى قاتل حمزة، يعني كان نظره إليه سيسبب له تذكر، كل ما رآه سيتذكر تلك الحادثة الأليمة، ولذلك لما قال له: هل تستطيع أن تغيب وجهك يعني: لأن النبي ﷺ بشر، والطبيعة البشرية تجاه من قتل واحدًا من الأحبة والأقارب، فإذا كان من صناديد الإسلام وأسد من أسود الله ودينه فهذا يجدد الأحزان ولا شك، ولذلك أشار النبي ﷺ على وحشي أن يتحاشاه، أن يغيب وجهه عنه.

ذكرياته ﷺ مع زوجته خديجة

00:39:10

وكان ﷺ أيضًا مما يتذكر: يتذكر زوجته خديجة.
فعن عائشة -رضي الله عنها قالت: "ما غرت على أحد من نساء النبي ﷺ ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي ﷺ يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعث في صدائق خديجة، فربما قلت: له كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول: إنها كانت، وكانت، وكان لي منها ولد [رواه البخاري: 3818].
فهذه من الذكريات، ومن الوفاء الكريم للزوجة الكريمة، وكان يذكر مآثرها ومحاسنها.
وفي رواية: "استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله ﷺ فعرف استئذان خديجة لشبه الصوت بالصوت"، لأن هذا صوت أختها فتذكر صوت زوجته الأولى فارتاح لذلك، يعني كأنه اهتز سرورًا، فقال: اللهم هالة، قالت عائشة: فغرت، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين"، يعني: سقطت أسنانها من كبرها، فلم يبق لشدقيها بياض، ما بقي إلا إحمرار اللثة، لأنه إذا راحت الأسنان تصير حمراء الشدقين، "ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، هلكت في الدهر" قديم "قد أبدلك الله خيرًا منها" يعني: بكر وشابة. [رواه البخاري: 3821].
وفي رواية لأحمد: ما أبدلني الله خيرًا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذا كذبني الناس، وواستني بمالها إذا حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذا حرمني أولاد النساء [رواه أحمد: 24864، وصححه المحققون] وهذا حسن في المتابعات.
وكان جميع أولاد النبي ﷺ من خديجة إلا إبراهيم، فإنه من جاريته مارية.
وقوله: اللهم هالة يعني اجعلها هالة، وبمجرد سماع الصوت الذي يشبه صوتها سر ﷺ.
وفيه دليل على عظم قدر خديجة في نفسه، فقد أغنته عن غيرها، ولم تغنه غيرها عنها، واختصت به بقدر ما اشترك فيه غيرها مرتين؛ لأنه ﷺ عاش بعد أن تزوجها ثمانية وثلاثين عامًا، انفردت خديجة بخمس وعشرين منها، وهي نحو الثلثين من المجموع، إذًا ثلثا حياة النبي ﷺ الزوجية كانت مع خديجة، ومع طول المدة صانها الله عن نكد الضرائر، وهي فضيلة لم يشاركها غيرها فيها، ومما اختصت به من نساء هذه الأمة سبقها إلى الإيمان، بل هي أول من أسلم على الإطلاق قبل أبي بكر، وقبل علي ، أول من أسلم من الأمة كلها خديجة رضي الله عنها، فيكون له مثل أجرهن لأنها سنت سنة في النساء، فلخديجة مثل أجر كل المسلمات إلى يوم القيامة، لأن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، فدخولها في الدين سنت سنة وراءها وشاركها أبو بكر بالنسبة إلى الرجال، ولا يعرف قدر ما لكل منهما من الثواب إلا الله .


لكن الحديث فيه حسن العهد، وحفظ الود، وتذكر الأيام الخالية الجميلة، وإكرام المعارف معارف الزوجة، وإكرام أقارب الزوجة، وكان ﷺ إذا تذكر خديجة لم يكن يسأم من الثناء عليها والاستغفار لها، كما جاء عند الطبراني في المعجم الكبير وعن عائشة قالت: "لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص، فلما رآها رسول الله ﷺ رق لها رقة شديدة".
وفي رواية: "دمعت عيناه، وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها فقالوا: نعم". [رواه أبو داود: 2692]، وهو حديث حسن.

ذكرياته ﷺ لأمه

00:44:12

وكان ﷺ يتذكر أمه التي ربته صغيرًا فزرا قبرها، وبكى عنده بكاء شديدًا، فروى أبو هريرة أن رسول الله ﷺ قال: استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي [رواه مسلم: 976].
قال أبو هريرة زار النبي ﷺ قبر أمه فبكى وأبكى من حوله". [رواه مسلم: 976].
وسبب هذه الزيارة أنه قصد الموعظة والذكرى بمشاهدته قبرها، ويؤيده قوله في بعض الروايات: فزوروا القبور فإنها تذكر الآخرة [رواه مسلم: 976].
وأذن الله تعالى للنبي ﷺ أن يزور قبرها بلا استغفار لأنها لم تكن أسلمت في حياتها.
وتذكر النبي ﷺ صحبه الكرام وتضحياتهم، وكان ﷺ يزور قبورهم.
فعن عقبة بن عامر صلى رسول الله ﷺ على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات، ثم طلع المنبر، فقال: إني بين أيدكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض، وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها [رواه البخاري: 4042، ومسلم: 2296].
والفرط: هو الذي يتقدم، ويسبق ليرتاد للقوم ماء، ويهيئ لهم الدلاء، فيقول: أنا بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإنه موعدكم الحوض، ومعلوم أن من تنشق عنه الأرض محمد ﷺ.
النبي ﷺ ذكر أولئك الكرام وما قدموه، وبشرهم بالخير الذي هم فيه، وحمد ذهابهم قبل مجيء الفتن.
إن الذكريات كثيرة النبي ﷺ كان يتذكر أشياء ويقولها، وفي تذكره لها دروس وعبر كثيرة، وفيها تجديد الإيمان، وترسيخ الدين في النفوس، وفيها من الفوائد الكثير نحن تمر بنا الذكريات، بعضها أحيانًا قد تكون ذكريات معاصي، فإذا ذكر الإنسان معصية يتذكر ربه فيتوب، وإذا ذكر طاعة يسأل الله القبول، وإذا ذكر نعمة حصلت له يشكر الله على نعمته، وأنت تتذكر يا عبد الله أشياء كنت حريصًا على تذكر ما يقربك إلى الله .
قال أبو الخطاب الفقيه الحنبلي رحمه الله:

دع عنك تذكار الخليط المنجد والشوق نحو الآنسات الخرد
والنوح في تذكار سعداء إنما تذكار سعداء شغل من لم يسعد
واسمع معاني إن أردت تخلصًا يوم الحساب وخذ بقولي تهتدي

[اعتقاد أئمة السلف أهل الحديث: 130].
وهذا في مطلع قصيدته التي يذكر فيها اعتقاده ومذهبه، فإذا تذكرت فلتتذكر شيوخ العلم وأهل الصلاح، ومواقف الإيمان التي مرت بك، ومواسم الحج والعمرة التي حضرتها، ولتتذكر فوائد العلم التي مرت بك، وتتذكر من نعم الله عليك كيف كنت في صغرك؟ وماذا أصبحت عليه الآن؟ تتذكر شدائد مرت بك وكيف فرج الله عنك؟
نسأل الله أن يحيينا مؤمنين، وأن يتوفانا مسلمين، وأن يلحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين.
وصلى الله على محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.