الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد تحدثنا في الدرس الماضي عن أحكام الوضوء بالتفصيل وختمنا ذلك بخلاصات عن الوضوء، والباب الذي يليه هو أحكام المسح على الخفين، وسنتعرض فيه إن شاء الله لمشروعية المسح على الخفين، وأنه سنة نبوية، وورود هذا الحكم في القرآن الكريم، ولماذا ذكر أهل السنة هذه المسألة الفقهية ضمن مؤلفاتهم في العقيدة؟ وما هي علاقة هذا الحكم في الفرق بين أهل السنة وغيرهم؟ وكذلك ما هي طبيعة الممسوح عليه؟ ما هو الفرق بين الخف والجورب؟ ما هي أدلة المسح على الخفين والجوربين؟ ما هي شروط المسح على الخفين والجوربين؟ هل يشترط لذلك سمك معين أو مسافة معينة يتحمل هذا الملبوس المشي عليها وفيها؟ وكذلك حكم المسح على الجوارب الشفافة مع بقية شروط المسح على الخفين والجوربين؟
أما بالنسبة لهذا الباب من أبواب الفقه فإنه باب عظيم يذكر في كتاب الطهارة في كتب أهل العلم، وقد قال المصنّف - رحمه الله تعالى - الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: فإن كان عليه خفان ونحوهما مسح عليهما إن شاء، فلما بين صفة الوضوء الكاملة والمجزئة عقب ذلك ببيان الطهارة البديلة، الكلام عن البديل كلام مهم لبيان عظمة الشريعة، مرونة الشريعة، سعة الشريعة، تيسير الشريعة، الكلام عن البديل إذا فقد هذا الشيء يوجد شيء آخر، فالطهارة البديلة لغسل الرجلين في الوضوء هي المسح عليهما في حال كونهما مستورين، فلما ذكر المصنّف - رحمه الله - الأصل وهو الغسل شرع بعد ذلك في بيان أحكام البدل وهو المسح على الخفين، والمسح على الخفين سنة نبوية حضرًا وسفرًا، وليس فقط سفرًا، ولا ينازع في هذا إلا مبتدع، والأحاديث الواردة في هذا الحكم بلغت مبلغ التواتر.
قال الإمام الزيلعي - رحمه الله - وهو من أئمة الحنفية: "صحّ المسح لما ورد فيه من الأخبار المستفيضة حتى روي عن أبي حنيفة - رحمه الله - أنه قال: ما قلت بالمسح حتى وردت فيه آثار أضوأ من الشمس، حتى قال - رحمه الله -: "من أنكر المسح على الخفين يخاف عليه الكفر" [تبيين الحقائق: 1/45].
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله -: "وقد صرّح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته الذين رووا هذه السنة فجاوزوا الثمانين ومنهم العشرة، فهذه سنة عجيبة قد رواها العشرة سادة الصحابة وزاد عليهم سبعون" [فتح الباري لابن حجر: 1/306]، قال ابن عبد البر - رحمه الله -: "ولا أعلم في الصحابة مخالفًا إلا شيء لا يصح عن عائشة وابن عباس وأبي هريرة، وقد روي عنهم من وجوه خلافه، يعني خلاف هذا الإنكار، بل ورد عنهم المسح على الخفين، وقال ابن عبد البر - رحمه الله - أيضًا: "وكذلك لا أعلم في التابعين أحدًا ينكر ذلك ولا في فقهاء المسلمين إلا رواية عن مالك في المسح في الحضر والروايات الصحاح عنه بخلافها، وهي منكرة يدفعها موطؤه"، الروايات التي في موطأ مالك تدفع ما قيل إنه أنكر - رحمه الله – تدفع، قال: "موطؤه وأصول مذهبه" [التمهيد لابن عبد البر: 11/141].
وقال ابن المنذر - رحمه الله- : "وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم وكل من لقيت منهم على القول به، بماذا؟ بالمسح على الخفين، وقد روينا عن ابن المبارك أنه قال: "ليس في المسح على الخفين اختلاف أنه جائز"، يعني: لا خلاف في جوازه، وعن همام قال: "بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه فقيل: تفعل هذا؟ فقال : " نعم"، وجرير هو الشاعر صاحب الفرزدق، جرير بن عبد الله البجلي الصحابي، قال جرير - رضي الله عنه -: "نعم رأيت رسول الله ﷺ بال ثم توضأ ومسح على خُفّيه، قال إبراهيم: "كان يعجبهم هذا الحديث" [رواه البخاري: 387، ومسلم: 387]. يعني يعجب العلماء، لماذا يعجبهم؟ يعني أي صحابي يثبت سنة فيها اتباع، أيّ حديث عن صحابي في وصف سيعجبه، لماذا حديث جرير في المسح على الخفين؟ هناك أحاديث، نحن الآن قلنا : هناك ثمانون صحابي رووا أحاديث المسح على الخفين، لماذا حديث جرير بالذات كان يعجب العلماء؟ لأنه جاء متأخرًا وأسلم في آخر حياة النبي ﷺ، فما يرويه جرير في هذه السنة بالتأكيد هو ثابت؛ لأن ما روي مبكرًا يمكن أن يقال منسوخ، لكن ما رواه الصحابي الذي جاء متأخرًا وفي آخر حياة النبي ﷺ لا يمكن أن يكون ما رواه عن النبي ﷺ منسوخًا، فلذلك رواية جرير تدفع النسخ، يعني ترد على أهل الباطل الذين إذا جادلتهم قالوا : منسوخ، نعم فنقول: لذلك قال إبراهيم : كان يعجبهم هذا الحديث؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة. رواه البخاري ومسلم.
ماذا يوجد في سورة المائدة؟
أقول : الاستنباطات ستمتد، دعنا نرى ماذا قال العلماء؟
قال الإمام النووي - رحمه الله -: معناه أن الله تعالى قال في سورة المائدة: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة: 6]، وأرجلِكم، فلو كان إسلام جرير متقدمًا على نزول المائدة لاحتمل كون الحديث في مسح الخف منسوخًا بآية المائدة، ويقال : وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة: 6]، وقراءة النصب هذه ناسخة، وكله غسل ولا يوجد مسح، والقرآن نسخ المسح، لكن إسلام جرير، الذي روى مجيء جرير، ورواية جرير الذي روى المسح وأثبته، كان بعد نزول المائدة التي فيها آيات الوضوء هذه، فلما كان إسلامه متأخرًا علمنا أن حديثه يُعمل به، وهو مبين أن المراد بآية المائدة على قراءة الجر وأرجلِكم ما هو؟ المسح ويبين أن قراءة النصب لمن؟ قال النووي: "لغير صاحب الخف، فإذا كانت القدم مكشوفة يغسل، وإذا كانت مستورة بخف أو جورب يمسح، ومن العلماء من قال أن القرآن أصلًا قد أشار إلى المسح على الخفين في قراءة الجر، وبالتالي فإن الحجة أيضًا من القرآن، قال القرطبي - رحمه الله -: "وقد قيل : إن الخفض في الرجلين إنما جاء مقيدًا لمسحهما لكن إذا كان عليهما خفان وتلقينا هذا القيد من رسول الله ﷺ إذ لم يصح عنه أن مسح رجليه إلا وعليهما خفان، فبين رسول الله ﷺ بفعله الحال التي تغسل فيها الرجل والحال التي تمسح فيه وهذا حسن". [تفسير القرطبي: 6/93].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: فقوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة: 6]، بالنصب خطاب لمن رجله في غير الخفين المشروطين، وقراءة الخفض خطاب للابس الخف" يعني على الشروط. [شرح العمدة لابن تيمية: 248]
وقد ذكر ابن عبد البر - رحمه الله - حديث المغيرة في المسح على الخفين قال: وفيه الحكم الجليل الذي فرّق بين أهل السنة وأهل البدع، وهو المسح على الخفين، لا ينكره إلا مخذول أو مبتدع خارج عن إجماع المسلمين، خارج عن جماعة المسلمين، أهل الفقه والأثر، لا خلاف بينهم في ذلك بالحجاز والعراق والشام وسائر البلدان إلا قومًا ابتدعوا فأنكروا المسح على الخفين وقالوا : إنه خلاف القرآن وعسى القرآن نسخه، ومعاذ الله أن يخالف رسول الله ﷺ كتاب الله، بل بين مراد الله منه كما أمره الله في قوله: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44]، يتابع ابن عبد البر كلامه : والقائلون بالمسح جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين قديمًا وحديثًا وكيف يتوهم أن هؤلاء جاز عليهم جهل معنى القرآن؟ أعاذنا الله من الخذلان" [التمهيد لابن عبد البر:11/134].
أما ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره فقد قال: "وقد ثبت بالتواتر عن رسول الله ﷺ مشروعية المسح على الخفين قولًا منه وفعلًا، وقد خالفت الروافض في ذلك كله، يقول ابن كثير : وقد خالفت الروافض في ذلك كله بلا مستند بل بجهل وضلال" [تفسير ابن كثير: 3/52].
فإذن، هذه المسألة هي مسألة فقهية نعم، لكن لها دخول في المعتقد والتفريق بين أهل السنة وغيرهم، فمن الفروقات بين أهل السنة والرافضة، أن الرافضة ينكرون المسح بالكلية، وترى أحدهم يمسح على ظاهر رجله العارية فإذا قلت له : إن الله يقول وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6]، أين المسح إلى الكعبين؟ الأرجل كلها إلى الكعبين ظاهرًا وباطنًا، فهو الآن لا هو الذي يغسل القدم كلها ولا هو الذي يمسح على الخف فأتوا بدين جديد.
أما عن علماء أهل السنة الذين كانوا يذكرون هذه المسألة تحديدًا في كتبهم في العقائد فكثر، منهم أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة، والطحاوي في عقيدته، وابن بطة في الإبانة الصغرى، والبربهاري في شرح السنة، وغيرهم، ووجه إيراد مسألة المسح على الخفين ضمن كتب العقائد مخالفة الروافض والخوارج الذين لا يجيزون المسح عليهما، قال شيخ الإسلام : ولهذا يوجد في كلام أئمة السنة من الكوفيين كسفيان الثوري أنهم يذكرون من السنة المسح على الخفين، ومن السنة المقصود العقيدة.
قال شيخ الإسلام : لأن هذا كان من شعار الرافضة أنهم ينكرون مسألة المسح، انتهى.
وإذا جئنا إلى الحكمة في مسألة المسح على الخفين فإننا سنجد ذلك ظاهرًا في أنه تخفيف وتيسير على المكلفين، فإنه في بعض أحوالهم يشق عليهم نزع الخف وغسل الرجل، خاصة في أوقات الشتاء، والبرد الشديد، وفي السفر الذي يصاحبه الاستعجال والمواصلة، قال المصنف -رحمه الله- الشيخ السعدي: فإن كان عليهما خفان ونحوهما، الخفان مثنى خف والخف ما يلبس في الرِّجل من جلد رقيق، إذا قال واحد : عرف الخف، ما الفرق بين الخف والحذاء؟ ما يلبس في الرجل من جلد رقيق.
وقال المصنّف: "ونحوهما" ومعنى: "ونحوهما" نحو الخف قريب منه ما يشبهه وهما الجوربان والجورب كما قال الخليل - رحمه الله - من أئمة اللغة في كتابه العين: الجورب لفافة الرجل، لفافة الرجل هذا هو الجورب، وفي مواهب الجليل عرفه قال: "الجوارب ما كان على شكل الخف لكن من كتان أو قطن أو غير ذلك" [مواهب الجليل: 1/318].
إذن، الخف جلدي والجورب قماشي، الخف جلدي والجورب نسجي منسوج من أنواع المنسوجات صوف قطن كتان، وعرفه صاحب منح الجليل بقوله : ملبوس رجل على هيئة الخف منسوج من قطن أو كتان أو صوف يسمى في عرف أهل مصر شرابًا، إذًا هذا الكلام في منح الجليل يبين أن أهل مصر قبل مئات السنين كانوا يسمون الجورب شرابًا والآن في اللهجة السائدة أيضًا هنا يقال عنه: شرّاب يقول بعض الناس: شراب وبعض الناس يقولون: جورب جوارب وشراب يقولون شراريب، والفرق بين الجورب والخف إذن مادة الصنع، والآن الجورب في عصرنا ممكن يُصنع من النايلون، صارت هناك مواد كثيرة لصنع الجوارب، الفقهاء من زمان كانوا يقولون : كتان وصوف وقطن، والآن المواد كثيرة، وصار في مزج يعني يقولون مثلًا : هذا مزيج من القطن، فيه نسبة قطن ونسبة نايلون في كذا وكذا، وثبت عن النبي ﷺ المسح على الخفين فهل ثبت عنه المسح على الجوربين؟ لم يصح عن النبي ﷺ شيء في المسح على الجوربين.
وأما الحديث الذي رواه الترمذي من طريق أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة قال: "توضأ رسول الله ﷺ ومسح على الجوربين والنعلين فهو حديث شاذ ضعيف، يعني لا يثبت.
قال أبو داود - رحمه الله - في السنن: "كان عبد الرحمن بن مهدي - وهذا من أئمة المحدّثين، من أمراء المؤمنين في الحديث - لا يُحدّث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة أن رسول اللهﷺ مسح على الخفين" انتهى [رواه أبو داود: 159]. وقال علي بن المديني - رحمه الله -: "حديث المغيرة بن شعبة في المسح رواه عن المغيرة أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة، ورواه هزيل بن شرحبيل عن المغيرة، إلا أنه قال : ومسح على الجوربين وخالف الناس"، [رواها البيهقي في السنن الكبرى 1/426]. إذن هزيل بن شرحبيل خالف رواة أهل المدينة ورواة أهل الكوفة ورواة أهل البصرة كلهم رووا الحديث عن شعبة "الخفين" جاء هزيل بن شرحبيل في روايته عن المغيرة وقال : "الجوربين" فتبين بذلك أن روايته شاذة، وقال الفضل بن عتبان: سألتُ يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال: "الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبي قيس" [تحفة الأحوذي: 1/279]. وعندما نقول : الناس وأهل الكوفة وأهل البصرة لا يعني عامة الناس وكل أهل الكوفة بما فيهم صناع الأحذية والجوارب، لا، نقصد بالناس العلماء، كلمة الناس تطلق في كتب أهل العلم ويراد بها العلماء، أو يراد بها الرواة، مثل هذا السياق المراد بها الرواة، وممن ضعفه أيضًا سفيان الثوري والإمام أحمد وابن معين ومسلم والنسائي والعقيلي والدارقطني والبيهقي، قال النووي: "وهؤلاء هم أعلام أئمة الحديث وإن كان الترمذي قال : حديث حسن، فهؤلاء مقدمون عليه، بل كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة"، [المجموع شرح المهذب: 1/500]. يقصد أن سفيان وأحمد وابن معين ومسلم والنسائي وغيرهم مقدمون في الحفظ، وبناء على هذا فلم يثبت المسح على الجوربين مرفوعًا، فإن قال قائل: وما هي الحجة في المسح على الجوربين وقبل قليل نحن قررنا جواز المسح على الخفين والجوربين؟
الجواب : أن المسح على الجوربين قد ثبت عن الصحابة، وإن لم يثبت عن النبي ﷺ مرفوعًا لكن ثبت عن الصحابة.
قال ابن المنذر: "روي إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله ﷺ"
التسعة في الجوربين من فعل الصحابة، والثمانون رووه عن النبي ﷺ في الخفين، قال ابن المنذر: "روي إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله ﷺ وسردهم قال: علي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، وأبي مسعود، وأنس بن مالك، وابن عمر، والبراء بن عازب، وبلال، وأبي أمامة، وسهل بن سعد - رضي الله عنهم -، [الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف: 1/462].
قال ابن القيم - رحمه الله -: "وزاد أبو داود يعني صحابة آخرين رووا الحديث رووا المسح على الجوربين أبو أمامة، وعمرو بن حريث، وعمر، وابن عباس" فيكون المجموع بهذا كم؟ ثلاثة عشر صحابيًا، قال ابن القيم : "والعمدة في الجواز على هؤلاء رضي الله عنهم لا على حديث أبي قيس، وقد نص أحمد على جواز المسح على الجوربين وعلل رواية أبي قيس، وهذا من إنصافه وعدله - رحمه الله -، وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر، يصح أن يحال الحكم عليه" [تهذيب السنن].
وقال ابن قدامة - رحمه الله -: الصحابة - رضي الله عنهم - مسحوا على الجوارب ولم يظهر لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعًا"، [المغني لابن قدامة: 1/215]. إذن، الحجة في المسح على الجوربين: إجماع الصحابة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "فإن الفرق بين الجوربين والنعلين، إنما هو كون هذا من صوف، وهذا من جلود، ومعلوم أن مثل هذا الفرق غير مؤثر في الشريعة، يعني مادة الصنع لن تكون سببًا في إباحة هذا ومنع هذا، فالمتأمل في حكم الشريعة سيخرج بأن مادة الصنعة كتان جلد صوف لن تؤثر في الحكم، ولن يكون التفريق وجيهًا، فنقول : إذا كان جلدًا جاز وإذا كان صوفًا حرم وممنوع، هذا ليس فرقًا مؤثرًا، قال شيخ الإسلام: "كما لم يفرّق بين سواد اللباس في الإحرام وبياضه، فلو لبس إحرامًا أسود لبس إزارًا أصفر ورداء أزرق، فهل ستقول له : إحرامك هذا ممنوع محظور محرم ارتكب محظوراً من محظورات الإحرام؟ فلون الإحرام ليس مؤثرًا، لكن عندما يكون مخيطًا هذا مؤثر، قال: "وغايته أن الجلد أبقى من الصوف" [مجموع الفتاوى: 21/214].
يعني لو قلت : ما هو الفرق؟ الفرق أن جلد الخف يبقى مدة أطول، ويتحمل أكثر من صوف الجورب، قال : فهذا لا تأثير له كما لا تأثير لكون الجلد قويًا، وأيضًا فمن المعلوم أن الحاجة إلى المسح على هذا كالحاجة إلى المسح على هذا سواء، إذا قلت : الناس يشق عليهم المسح في الشتاء، سيشق المسح عليه؛ سواء كان لابسًا خفًا أو كان لابسًا جوربًا، وإذا قلت : المسافر مستعجل، يريد يطلع بسرعة ويدخل، ما عنده وقت يفسخ وينزل، نقول : كذلك الخف والجورب، قال : ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقًا بين المتماثلين، وهل الشريعة تأتي بالتفريق بين المتماثلين؟ الجواب: لا، قال : وهذا خلاف العدل والاعتبار الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة، وما أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله، ومن فرق بكون هذا ينفذ الماء منه وهذا لا ينفذ منه فقد ذكر فرقًا طرديًا عديم التأثير، يقول ابن تيمية : إذ لا دليل على هذا الاشتراط، يعني هل يوجد ما يشترط في الملبوس الممسوح عليه أن يكون الماء لا يخترقه، لا ينفذ منه؟ لا، ما عندنا دليل على هذا، وعامة من أجاز المسح على الجوربين من العلماء اشترط أن يكونا سميكين كما في المبسوط والمجموع والإنصاف، لماذا؟ قالوا : لأن حكم الجورب حكم الخف، والخف لا يكون إلا صفيقًا، ولا يمكن للجورب أن ينزل منزلة الخف إلا إذا كان مثله، قال الكاساني : فإن كان رقيقين يشفان الماء فلا يجوز المسح عليها بالإجماع. [بدائع الصنائع] قال ابن قطان الفاسي : وأجمع الجميع على أن الجوربين إذا لم يكونا كثيفين لم يجز المسح عليهما. [الإقناع في مسائل الإجماع، المسألة : 351].
ولكن سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: هل يجوز المسح على الجورب كالخف أم لا؟ فقال: "نعم يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي فيهما، سواء كانت مجلدة أو لم تكن"، انتهى. [مجموع الفتاوى: 21/214]. وقال في موضع آخر: "وإن كان رقيقًا لم يمسح عليه؛ لأن في مثله لا يمشى فيه عادة ولا يحتاج إلى المسح عليه" [المغني لابن قدامة: 1/ 89].
وفي فتاوى اللجنة الدائمة : "يجب أن يكون الجورب صفيقًا لا يشف عما تحته"، انتهى.
وأيضًا قالت اللجنة : "يجوز المسح على كل ما يستر الرجلين مما يلبس عليهما من الخفاف والجوارب الصفيقة" وفي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم من المعاصرين: "يجوز المسح على الشراب ونحوها سواء كانت من صوف أو من وبر أو من شعر أو من قطن أو غيرها وتسمى الجوربين إذا كانت صفيقة يعني سميكة ساترة لمحل الفرض واستكملت الشروط المطلوبة" وقال في موضع آخر: "أما إذا كان الشراب رقيقًا حيث يصف البشرة، -يعني تعرف أنت لون البشرة بيضاء سمراء سوداء يصف لون البشرة- قال : "فإنه لا يمسح عليه" وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "من شرط المسح على الجوارب أن يكون صفيقًا ساترًا فإن كان شفافًا لم يجز المسح عليه لأن القدم والحال ما ذكر في حكم المكشوفة" [فتاوى الشيخ]
فإذن، أكثر العلماء والمذاهب على أن المسح على الجورب يشترط فيه: أن يكون الجورب سميكًا، لماذا؟ قالوا : لأن الجورب الشفاف لا يستر، يعني كأنه غير موجود، وهناك من العلماء من قال بجواز المسح على الجورب الشفاف، وبالتالي فإن كلامه سيكون جواز المسح مطلقًا، ما دام اسمه جورب يجوز المسح عليه ، قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: يجوز المسح على الجورب الخفيف الذي ترى من ورائه البشرة، لأنه ليس المقصود من جواز المسح على الجورب ونحوه أن يكون ساترًا، فإن الرجل ليست عورة يجب سترها" يقول الشيخ : "وإنما المقصود الرخصة على المكلف والتسهيل عليه بحيث لا نلزمه بخلع هذا الجورب أو الخف عند الوضوء، بل نقول : يكفيك أن تمسح عليه، هذه هي العلة التي من أجلها شرع المسح على الخفين وهذه العلة كما ترى يستوي فيها الخف أو الجورب المخرق والسليم والخفيف والثقيل" يعني والشفاف والسميك، وممن رأى بذلك أيضًا من المعاصرين الشيخ الألباني، لكن ما هو الأحوط؟ أن يكون سميكًا، هو إذا كان سميكًا لن يكون شفافًا، السميك ليس بشفاف، الشفاف يظهر فيه لون البشرة، كلمة شفاف يعني يظهر فيه لون البشرة وإلا يشف عن ماذا؟ اسمه شفاف لأنه يشف عما تحته، إذن، نقول : الأحوط لمن أراد أن يمسح على الجوربين أن يلبس جوربين سميكين، ما المقصود بسميكين؟ يعني لا يظهر لون البشرة من ورائهما، لكن نقول : هذا الأحوط لأن أكثر العلماء والمذاهب على هذا، طبعًا الجوارب الشفافة لم تعرف إلا متأخرًا يعني بالتأكيد أن جوارب الصحابة كانت سميكة.
قال الإمام أحمد - رحمه الله -: "لا يجزئه المسح على الجورب حتى يكون جوربًا صفيقًا إنما مسح القوم على الجوربين أنه كان عندهم بمنزلة الخف، يقوم مقام الخف في رجل الرجل، يذهب فيه الرجل ويجيء يعني يمشي فيه" [المغني] وقال ابن قدامة : إنما يجوز المسح على الجورب بالشرطين اللذين ذكرناهما في الخف أحدهما : أن يكون صفيقًا، الثاني : أن يمكن متابعة المشي فيه" [المغني لابن قدامة: 1/215].
فإن قيل: لماذا اشترط العلماء في الجورب هذه الشروط؟
الجواب: قال العلامة المباركفوري - رحمه الله -: "الأصل هو غسل الرجلين كما هو ظاهر القرآن والعدول عنه - يعني ترك الأصل - يعني ترك غسل الرجلين لا يجوز إلا بأحاديث صحيحة اتفق على صحتها أئمة الحديث، كأحاديث المسح على الخفين، فجاز العدول عن غسل القدمين إلى المسح على الخفين بلا خلاف" [تحفة الأحوذي: 1/284].
أما أحاديث المسح على الجوربين فليست بنفس قوة أحاديث المسح على الخفين، ولذلك ينبغي أن نحتاط في مسألة الجوربين، الخف ثابت متواتر متواتر متواتر، المسح على الخف تمسح وما تخاف، الجورب ليس العدد مثل العدد، والمسح على الخفين سنة نبوية ثابتة عن النبي ﷺ المسح على الجوارب عن الصحابة، والعدد أقل، وجوارب الصحابة كانت معروفة أنها كانت سميكة، الجوارب الشفافة هذه ما جاءت إلا متأخرًا في الصناعة الحديثة.
قال المباركفوري - رحمه الله -: "أما أحاديث المسح على الجوربين ففي صحتها كلام عند أئمة الفن فكيف يجوز العدول عن غسل القدمين إلى المسح على الجوربين مطلقًا؟ فلأجل ذلك اشترطوا جواز المسح على الجوربين بتلك القيود"، يعني سميك، ويمكن المشي فيه، لا يشف عما تحته، لا يظهر لون الجلد، قال : ليكونا في معنى الخفين، حتى نرتقي ونصل إلى قريب من الخف، ينبغي أن نضع اشتراطات للجورب، قال: "والجوربين إذا كانا ثخينين صفيقين، بحيث يستمسكان على القدم بلا شد، ويمكن تتابع المشي فيهما، فلا شك أنه ليس بين هذين الجوربين والخفين فرق مؤثر؛ لأنهما في معنى الخفين قال : أما إذا كانا رقيقين بحيث لا يستمسكان على القدمين بلا شد، ولا يمكن تتابع المشي فيهما، فهما ليسا في معنى الخفين، فلا شك في أن بينهما وبين الخفين فرقًا مؤثرًا، ألا ترى أن الخفين بمنزلة النعلين عند عدم وجدانهما؟ يذهب الرجل فيهما ويجيء، ويمشي أينما يشاء، فلابس الخفين لا يحتاج إلى نزعهما عند المشي، فلا ينزعهما يومًا وليلة، بل أيام وليالي، فهذا يشق عليه نزعهما عند كل وضوء؛ بخلاف لابس الجوربين الرقيقين فإنه كلما أراد أن يمشي يحتاج إلى النزع فينزعهما في اليوم والليلة مرات عديدة، وهذا لا يشق عليه نزعهما عند كل وضوء، وهذا الفرق يقتضي أن يرخص للابس الخفين دون لابس الجوربين الرقيقين، فقياس هذا على ذلك قياس مع الفارق". [تحفة الأحوذي] بناء على هذا ما رأيكم لو أنه ربط على رجله كيس نايلون وعلى الرجل الأخرى كيس نايلون وقال : امسح عليهما يصلح؟ لا، بناء على هذا التقرير وهذا الكلام.
وهناك أشياء أخرى تلبس في الرجلين غير الخفين والجوربين، نعل، جزمة، هناك أحذية كثيرة الآن، فما حكم المسح عليها؟
ما يلبس في الرجل على نوعين :
أولًا : ما كان ساترًا لكامل القدم مع الكعبين كالبسطار العسكري، وبعض أنواع الأحذية والكنادر والجزم، بعضها لها رقبة طويلة يمكن تصل إلى قرب الركبة، وبعضها إلى منتصف الساق، أنواع تجدها في ملابس الصيادين، في ملابس العمال، في ملابس العسكر، فما حكم المسح عليها لو واحد لبسها على طهارة؟
الجواب : أن حكمها حكم الخف في المسح؛ لأنه لا فرق بينهما ظاهر، وفي فتاوى اللجنة الدائمة : "للمتوضئ أن يمسح فوق الكندرة وحدها إن كانت ساترة للكعبين لا ترى من ورائه بشرة".
فإذا كانت الجزمة وإلا الكندرة وإلا الحذاء، سمه ما شئت، ساترًا للقدمين إلى الكعبين فيجوز المسح عليها حتى لو كان لا يوجد جورب، يعني لو أدخل قدمه مباشرة فيها يجوز المسح.
ثانياً : أن لا تكون ساترة لكامل القدمين مع الكعبين كحال النعال والصنادل، النعل والصندل لا يستر كل القدم، فإذا كان لا يوجد جورب ولا شيء في القدم، ما في إلا هذا النعل أو هذا الصندل، وجزء من القدم مكشوف، فما حكم المسح؟
لا يجوز؛ لأنها لا تشبه الخف ولا تستر القدم، قال عبد الله: سألت أبي - يعني الإمام أحمد - عن الرجل يمسح على نعليه فكرهه وقال : لا، قال ابن قدامة: "وإنما يجوز المسح عليه إذا كان ساترًا لمحل الفرض لا يرى منه الكعبان، ولو كان مقطوعًا من دون الكعبين لم يجز المسح عليه" [المغني لابن قدامة: 1/214]؛ لأن بعض الأحذية الآن ممكن يستر القدم لكن من وراء، من الكعبين نازل عن مستوى الكعبين، وحتى يمكن من خلف العقب، أو مقطوع من هذه الجهة، فما بقي إلا طبقة فقط اللي يمشي عليها، وغطاء يغطي ظاهر القدم من الأمام، الطبقة التي يمشي عليها، وغطاء يغطي ظاهر القدم، من الخلف مفتوح مكشوف فهذا لا يصح المسح عليه، وفي فتاوى اللجنة الدائمة : "المسح يكون على الخفين أو الجوربين الساترين محل الغسل من القدمين ولا يجوز المسح على النعلين اللذين لا يستران محل الفرض".
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - في فتاويه: "أما الكنادر القصار التي تحت الكعبين فلا يمسح عليهما".
نأتي الآن إلى حالة أخرى: لبس جوارب ولبس عليها نعالًا، فالقدم مستورة بالجوربين والنعلين، فالنعلان وحدهما لا يستران لكن مع الجوربين يستران، فالآن بعض الأحذية الموجودة لا تستر الكعبين، العظمان في نهاية الساق مكشوفان، لكن مع الجورب يكونان مستورين فما رأيكم أن نعاملهما معاملة الشيء الواحد ونمسح إذا لبسناها على طهارة، فنعامل الجورب والحذاء معاملة شيء واحد ونمسح عليها؟ قال عبد الله: سألت أبي عن المسح على النعلين فقال: "إذا كان في القدم جوربان قد ثبتا في القدم فلا بأس بالمسح على النعلين"، إذن الإمام أحمد - رحمه الله - أجاز ذلك، وفي هذه الحالة يكمل المسح على الجوربين، يعني النعل ممكن ما تغطي كل ظاهر القدم، فسيكون جزء من المسح على النعل وجزء من المسح على الجورب، الجواب : لا مانع، عاملناهما معاملة الشيء الواحد، وفي فتاوى اللجنة الدائمة: "وإن كانت أي النعلين غير ساترة للكعبين مسح عليها إذا كانت ملبوسة فوق جورب ساتر للكعبين، وعلى ما ظهر من الجوربين فوق محل الغسل وصلى فيهما جميعًا" الآن انتهينا من قضية جواز المسح وأن نعاملهما كالشيء الواحد، فإذا خلع الحذاء ما هو الحكم؟ قالت اللجنة : "ومتى خلع أحدهما خلع الآخر إذا كان المسح عليهما جميعًا" يعني الآن لو مسح فصار شيئ من المسح على النعل وشيء من المسح على الجورب، إذا خلع النعال أو الحذاء، صار المسح شيء منه على الحذاء وشيء منه على الجورب، إذا خلع الحذاء لا يستطيع أن يمسح ولذلك قالت اللجنة : "ومتى خلع أحدهما خلع الآخر" واحد لابس حذاء، طبيعة الحذاء أنه ما هو مغطي كل ظاهر القدم، بقية ظاهر القدم مغطيها الجورب، فهو لبس هذا على وضوء، توضأ ولبس الجوارب، ولبس الحذاء، لما نقض الوضوء مسح على ظاهر الحذاء والجورب، افرض أن الحذاء يغطي إلى جزء من القدم والباقي يغطيه الجورب، فمسح فصار جزء من المسح على الحذاء، وجزء على الجورب، الآن ما دام عاملناهما كالشيء الواحد وقلنا : يصح المسح، لو خلع الحذاء ما عاد يقدر يمسح على الجورب لأن جزء من الممسوح عليه قد ذهب، وبالتالي قالت اللجنة : "متى خلع أحدهما خلع الآخر إذا كان المسح عليهما جميعًا" يعني ما يستطيع الآن يتوضأ ويمسح، لازم يتوضأ على غسل الرجلين كاملًا، ولذلك صار الحكم متعلقًا بهما معًا، في الحالة السابقة صار الحكم متعلقًا بهما معًا وعاملناهما شيئًا واحدًا، ما هو الآن إذا أنت فسخت الحذاء ونقضت الوضوء ولبست الحذاء ما تستطيع تمسح على الحذاء والجورب مرة أخرى؛ لأن من شروط المسح أن يكون قد لبستهما على طهارة، فلذلك قلنا : إذا خلع ما عاد يستطيع يمسح، يصلي بالجورب ما هي مشكلة، أنت الآن مسحت، لو خلعت الحذاء تصلي، وعلى الصحيح لو خلعت الجورب تصلي، لأن خلع الجورب والحذاء ليس من نواقض الوضوء، لكن إذا أنت عاملتهما شيئًا واحدًا ومسحت عليهما ثم خلعت أحدهما، إذا انتقض وضوءك ما تستطيع تمسح على أحدهما، فصرت تحتاج إذا خلعت واحداً تخلع الثاني،
لأنه إذا جيت تتوضأ لازم تغسل الرجلين، ما دام أنك ما تقدر تمسح فماذا ستعمل؟ ستغسل الرجلين، لما رجعت الحالة الأولى باقي عندك شرط ما تم الوفاء به وهو أن يلبسا على طهارة، الآن من شروط المسح أن تلبسهما على طهارة، الآن لما خلعتها إذا انتقض الوضوء لو رجعت لبست الحذاء على الجورب هل أنت الآن لابسهما على طهارة؟ حتى من شروط المسح أن تلبسهما على طهارة، أنت الآن لم تلبسهما على طهارة وبالتالي ستضطر إلى خلعهما لتغسل الرجل، قال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: "فإذا مسح على النعل مع الجورب -يعني عاملهما شيئًا واحدًا- وخلع النعل فإنه يخلع الجورب ويبطل الوضوء إذا كان قد مسح عليهما جميعًا، فيبطل الوضوء بخلع أحدهما" طبعًا هذا على رأي الشيخ، أما إذا خص المسح بالجورب ثم لبس الحذاء، هذه حالة أخرى ما عاملهما شيئًا واحدًا، واحد توضأ وغسل رجليه ولبس الجوربين ولبس الحذاء، جاء وقت الصلاة انتقض وضوؤه، يبغى الآن يتوضأ، الآن هو لبس الجورب على طهارة فما مسح على الحذاء، ولا مسح على الحذاء والجورب معًا، خلع الحذاء، لما جاء على المسح خلع الحذاء فمسح على الجورب، بدأ المسح على الجورب، يستطيع الفرض اللي بعده أنه يخلع الحذاء ويمسح على الجورب؟ نعم، لأنه بدأ المسح على الجورب فيكمل على الجورب يومًا وليلة للمقيم، فكل ما جاء يمسح يخلع الحذاء ويمسح على الجورب، قال الشيخ: "لأن الحكم حينئذ للجورب، أما إذا مسح عليهما جميعًا فالحكم يتعلق بهما جميعًا فإذا خلع الواحدة خلع الآخر وبطل وضوؤه" [مجموع فتاوى الشيخ ابن باز] قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "إذا لبس الإنسان الشراب ولبس عليه الكندرة التي لا تستر إلى الكعب -يعني لو تستر للكعب خلاص تمسح على الكندرة- التي لا تستر إلى الكعب فيمسح عليهما جميعًا، لكن في هذه الحالة لا يخلع الكندرة، إن خلعها بعد مسحها لزمه أن يخلع الجورب، وإن اقتصر على الشراب لابد أن يخلعها عند الوضوء فهو يخلعه عند الوضوء -يخلع الكندرة- ويمسح الشراب لكنه يستريح يبقى حرًا بالنسبة لخلع الكنادر أو عدمه" [لقاء الباب المفتوح].
إذا مسح عليهما، خلع أحدهما وصلى، خلع الحذاء وصلّى، الراجح أن صلاته جائزة، وأن خلع الممسوح لا ينقض الوضوء، كما قال شيخ الإسلام : لم يرد في الشرع أن خلع الممسوح من نواقض الوضوء، لأن شرط المسح أن يلبس على طهارة غسل، ليس على طهارة مسح، شرط المسح أنك تلبس الجوربين أو الخفين على طهارة غسل، فلما خلعتها الآن وأحدثت ولو لبسته، أنت الآن ما لبسته الآن على طهارة غسل حتى بدون خلع، فإذن، من شروط المسح أن تكون لابساً أصلًا على طهارة غسل، مثال : أنت صليت الفجر، وغسلت رجليك، ولبست الجوربين، ولبست الحذاء، ورحت العمل، وانتقض الوضوء، وجاءت صلاة الظهر، ومسحت على الحذاء والجورب، وصليت، أنت الآن توضأت صلاة الظهر بمسح، إذن طهارتك الآن طهارة مسح، لو خلعت الحذاء، ولم تنقض وضوءك، ولبسته مرة ثانية، لبسته على طهارة مسح، هل يجوز أن تمسح عليه بعد ذلك؟ لا، لماذا؟ لأن من شروط المسح أن يكون الممسوح ملبوسًا على طهارة غسل، وليس على طهارة مسح، وإلا تمسح أيام وليالي؛ لأنك ستمسح باستمرار، وعلى طهارة، تمسح وتخلع الحذاء، وتلبسه مرة ثانية على طهارة المسح، وتكمل، تنقض الوضوء، وتمسح، والآن تقول : طهرت، تخلع الحذاء وتلبسه مرة ثانية على نفس طهارة المسح، تكمل تنقض الوضوء، وتمسح، فإذن، الشرط هذا مهم، وهو أن يكون الممسوح عليه ملبوسًا على طهارة غسل، فإذا خلع فلا يمكن إعادة المسح عليه إلا بعد لبسه على طهارة غسل، وإذا ما خلع تمسح إلى نهاية المدة، لكن تمسح إلى نهاية المدة.
موضوع الجورب الشفاف تكلمنا عنه، أما الجورب المخرق فقد قال بعض العلماء بعدم جواز المسح عليه؛ لأنه لا يستر قالوا : شرطنا أن يكون ساترًا، وقال بعض العلماء : بل يجوز المسح عليه إذا كان لا يزال متماسكًا على القدم ولا يزال اسمه جورب، فإذا كان لا يزال يطلق عليه جورب، ولا زال متماسكًا على القدم، يجوز المسح عليه، ولو كان فيه خروق أو ثقوب، قالوا : وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مشققة مرقعة مخرقة؟ فيقولون : ماذا كان يلبس المهاجرون والأنصار؟ كانت خفافهم فيها خروق كما في غزوة ذات الرقاع.
سنكمل إن شاء الله بقية شروط المسح على الخفين والجوربين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الأسئلة
اشتهر في المنديات في الإنترنت أن الآيات التي فيها كلمة إنبات تنبت الشعر فيقرأ في زيت هذه الآيات ثم تدلك المنطقة فينبت الشعر؟
هذا ما ثبت، ومن زعم أن الآيات التي فيها كلمة إنبات إذا قرئت على الزيت ويدهن فيه، أولًا عليه أن يبين لنا ما هي الرواية؟ من أين أتى بهذا؟ ما هو الدليل من الكتاب والسنة ثم الواقع؟ لو كان هذا الواقع، لو كان هذا صحيحًا ما رأيت أصلعًا، كل الناس مسك سورة عبس لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا [ النبأ 15-16] فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ [ق: 9] ومسح، وكل شيء تمام، كان ما عاد فيه مشاكل صلع، ولا نحتاج أحكام مسح على الشعر في الوضوء للأصلع، ولا حكم حلق التحلل في الإحرام للأصلع.
ما المقصود من هذه الآية: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى [الليل: 17]؟
قيل : إنها نزلت في أبي بكر الذي يؤتي ماله يتزكى، وهي عامة في كل من تنطبق عليه هذه الصفات، التقي الذي يتزكى، يزكي نفسه بإخراج ماله، أو يخرج الزكاة.
هل ما يطلى بالذهب يأخذ حكم الذهب؟
نعم إذا كان طلي بالذهب الأصلي، الذهب المعروف فصار طلاء، له قشرة، له سمك، فيأخذ حكمه، الخلاف حصل في إذا كان ما له قشرة، ما له سمك، فقال بعضهم : العبرة بما يظهر، إن كان يظهر الذهب له حكمه، وقال بعضهم : إذا كان لو قشر ما انقشر، ما له قشرة يجوز، فهي مسألة من مسائل الخلاف،
ما حكم من يصلي في أوقات النهي؟
ينكر عليه، يعني الشرع نهاك، لم تصل؟ هذا عصيان للشارع، هذه مخالفة، لا بد أن ينتهي الإنسان إذا نهي، فإذا صار اسمها أوقات نهي، معناه لابد أن ينتهي وإلا يكون عاصيًا.
ما حكم الطواف بالحذاء؟
إذا كان نظيفًا طاهرًا فلا بأس، وكذلك السعي.
ما حكم السعي بالعربة الكهربائية بدون حاجة ماسة؟
لا مانع فمن طاف أو من سعى راكبًا حتى لو كان يستطيع المشي فلا حرج عليه، لكن قيل : إن النبي ﷺ طاف أو سعى راكبًا ليراه الناس، لكن الأفضل أن يطوف الإنسان على قدميه، ولو طاف بأن ركب العربة الكهربائية بدون حاجة فلا مانع، ولا يبطل سعيه، يصح سعيه، لكن الأفضل المشي، لو قال : سيفوتك الآن الهرولة بين العلمين الأخضرين، ستفوتك هذه السنة، وقد جاء في الحديث : لا يقطع الأبطح إلا شدًا اللي هو الوادي هذا الذي كان من زمان، وادٍ بين العلمين الأخضرين، وأن المئزر كان يدور من شدة السعي، إذن، هذا سيفوت فهو الأفضل سيكون الأفضل السعي على رجليه.
انتشر في زماننا بيع الأسانيد بمبالغ عالية، ومنهم من يتهاون في ذلك، ولا يهتم بالحفظ والتجويد؟
هذه خيانة للعلم، إذا كان المقصود من الإجازة، أن تجيز طالب العلم الذي حفظ، أو الذي قرأ وضبط القراءة، فتذهب تبيع عليه، بغض النظر عن قراءته، وبغض النظر عن صحة قراءته، هذه متاجرة، والأصل أن العلم ما يؤخذ عليه أجر، لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا [الأنعام: 90].
كم يكون سمك الجورب الذي نمسح عليه؟
سمكًا لا يظهر به لون الجلد تحته.
رأيت زميلتي في الوضوء تركت شعرها مغطى واكتفت أن مسحت مقدمة ناصيتها ومررت يدها من فوق الحجاب.
تكلمنا في مسألة مسح الشعر والخلاف فيه، وأن أحمد - رحمه الله - جاء عنه التفريق بين الرجل والمرأة في مسح بعض الشعر، وعند الحنفية ربع، وعند الشافعية شعرات، وعند والحنابلة قالوا : كل الرأس، مرت المسألة معنا.
إذا كان الحجاب محنكًا، يعني ملفوف من تحت الحنك وطالع فيشق خلعه، تقول : خصوصًا في المكان الضيق، أو اللي فيه رجال أجانب.
جاز لها المسح على الحجاب المحنك الذي يشق خلعه.
يعمل في البنك الربوي، نصحته كثيرًا ولم يستجب، ويقول : عندي فتوى، وأصبحت لا تكلمه اتقاء لشره، هل تأثم إذا عاشت معه في بيت واحد؟
لا، الإثم إذا كان هو يعمل في بنك ربوي ما تأكل من كسبه؛ لأن كسبه حرام، لكن كونها تعيش معه في مكان واحد لا بأس، لا حرج، افرض أن هذا بيت أبيها مثلًا أو بيت لها أو لأمها فهي لا تستفيد شيء من الكسب المحرم الذي يأتي به هذا، لكن مجرد أنها تراه وتقابله فصلة الرحم تقتضي التواصل والنصح استمرار النصح، زوجته لها نفقة واجبة، ولذلك تأخذ نفقتها الواجبة منه ولا تتوسع.
أمي تحب زيارتي، لكن تغتاب الناس ونصحتها مرارًا لا ترتدع، هل من البر أن استمع لها؟
تستمع لها إلا المنكر ما تستمع لها المنكر تنكريه أو تنكره.
إذا ما مسح النبي ﷺ على الجورب لماذا نمسح نحن؟
لأن الصحيح أن فعل الصحابة حجة؛ وليست المسائل كلها أدلتها مرفوعة إلى النبي ﷺ، ولأنه قال لنا : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي
استعمال الدف في حديث غداة بني علي؟
العرس ممكن يكون قبل الدخول مباشرة، أو بعد الدخول، وقد ثبت في السنة أنه كان بعد الدخول، يعني يدخل بأهله ثاني يوم يسوي العرس، أو يدخل بأهله في هذه الليلة يوم يعمل العرس، ويضرب بالدف ولا مانع، فالعرس سواء صار قبل الدخول مباشرة أو بعد الدخول مباشرة فكلاهما صحيح، ولا حرج من ضرب الدف في هذا أو في هذا.
هل يصح الدعاء بغير اللغة العربية؟
نعم.
هل يزكي عن حلي المرأة؟
نعم إذا بلغ النصاب.
أذن هو وأقام غيره.
يجوز.
إذا طهرت المرأة هل تصلي آخر صلاتين في النهار أو في الليل؟
يعني إذا طهرت في وقت الظهر صلت الظهر، إذا طهرت في وقت العصر، قال بعضهم : تصلي الظهر والعصر؛ لأنهما صلاة في الوقت واحد بالنسبة للمعذور، ولأنها قد لا تكون انتبهت أنها طهرت قبل العصر وظنت أنها طهرت العصر، وقال بعض العلماء : ما تصلي إلا الوقت اللي هي طهرت فيه فقط.
هذا سؤال تُعرض فيه بعض الأشياء الأخروية كالأشياء الدنيوية، فمثلًا يقول : السفر : صالة المغادرة، الوزن المسموح : العمل الصالح، العفش المسموح : كفن إزار ورداء.
عندما يأتي يصف الموت بأوصاف سفر الدنيا فيكون في ذلك شيء يشبه التندر ويشبه المزاح، كأنه في مزاح، كأنه عُرضت القضية على سبيل الطرفة، فهذا فيه تهوين من شأن الآخرة تهوين من شأن الموت، ولذلك ينبغي أن نحذر وما نستعمل مثل هذه الأساليب.
المسح على هذه التساخين من أدلة المسح على الجوربين؛ لأن التساخين هي الجوارب، لأنها تسخن الرجل في البرد، قالوا : المسح على العصائب والتساخين الجوارب.
يقول: نتأخر في الأذان وأحيانًا أكون صائماً هل أفطر على أذان المساجد المجاورة؟
نعم إذا أنت عرفت أنه هو يتأخر، وأن الوقت دخل فتفطر.
ذهبت للعمرة مع زوجتي وكان الزحام شديدًا وكنت خلفها.
من محظورات الإحرام مباشرة المرأة بشهوة، ما يجوز، فإذا فعل ذلك فالمحظور فيه فدية في فعل المحظور، كفارة بفعل المحظور، فينبغي إذن حفظ الإحرام وعدم انتهاك محظوراته.
يقول أحد الدعاة : حرية التعبير تجب على كل شخص أن يستخدمها ولو كان يخالف قول الله-سبحانه وتعالى-.
أصلًا ما يسمى هذا من الدعاة إلا إذا قلنا : هذا من دعاة الباطل، من يأتي ويقول : كل واحد له حرية، يتكلم كما يشاء، وأنت ما تنكر عليه، وتعطيه حريته حتى لو خالف قول الله-سبحانه وتعالى- ما تنكر عليه، تعطي كل واحد حرية التعبير، تتركه يتكلم ولا تنكر عليه، وكل واحد حر يعبر عما يريد، بوذي، نصراني، كافر، مستهزئ، مرتد، منافق، دعه يتكلم ولا تنكر عليه فنقول: هذا ليس داعية حق، الذي يقول هذا الكلام هذا داعية باطل؛ لأنه عنده أنك تسمع كلام المنكر والباطل والكفر وتسكت ولا تنكر، ولو كانت مسألة دعوة وأنك تسمع كلام الخصم ثم ترد عليه كان ماشي طبيعي في الحوار أنك تسمع كلام النصراني وترد عليه، لكن يقول : لا، ما ترد، وما تنكر، تعطي كلهم حرية التعبير، فلا شك أن هذا كلام باطل وخطير، كيف إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا [النساء: 140] فكونوا جالسين وإلا فلا تقعدوا معهم ؟ إذًا هذا كلام خطير جدًا، كيف يتاح المجال للكافر أن يقول ما يشاء بدون إنكار؟ -سبحان الله- نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علّمنا، إنه سميع مجيب وصلى الله على نبينا محمد.