هل العفو عن يسير الدم يشمل جميع الدماء؟
عندما يقول لك: القطرة والقطرتين وقدر الدرهم وما فحش، هل هذا في كل الدماء؟ كل أنواع الدماء؟
استثنى الحنابلة من الدماء التي يعفى عن يسيرها دم الحيوان المحرم أكله، فلا يعفى عن دمه؛ لأن التحرز منه ممكن، وكذلك الدم الخارج من السبيلين. [الفروع لابن مفلح: 2/96].
فإذن، دم الحيوان غير مأكول اللحم، سواء قطرة قطرتين قدر الدرهم لابد من غسله، لابد من إزالته، الخارج من السبيلين قطرة لابد من إزالته، فهذا لا يدخل عند الحنابلة في اليسير المعفو عنه.
وقد اختلفوا في دم الحيض والنفاس؛ هل يعفى عن يسيره، القطرة؟
فذهب بعض العلماء إلى أنه لا يعفى عن يسيره، ومن المعاصرين شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله- فقال: "دم الحيض لا يُعفى عنه، ولو كان يسيرًا، بل يجب غسله". شرح الروض للشيخ.
ومذهب جمهور أهل العلم والمعتمد في مذهب الحنابلة كما في الإنصاف العفو عن يسيره؛ ولو كان دم حيض، دليلهم قالوا: حديث عائشة قالت: "ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها فقصعته بظفرها"، [رواه البخاري: 312]، ومعنى قصعته يعني: حكته، ودلكته، وفركته بظفرها.
وعند أبي داود: ثم ترى فيه قطرة من دم فتقصعه بريقها [رواه أبو دود: 364، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 364] والقصع هو الدلك.
وهذا سيبقى له أثر، ولو حكته سيبقى له أثر، فمعناها أن اليسير مثل هذا أثر قطرة حيض قصعته أزالته، بريقها وظفرها أزالته، ويبقى منه شيء فيعفى عنه؛ لأن الدلك والحك لا يزيل النجاسة مثل هذا، لا يزيل النجاسة تمامًا، ولا يزيله إلا الغسل بالماء، ومع ذلك لم تفعله؛ فدل على أنه معفو عنه عندها.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: "وهذا يدل على العفو عنه؛ لأن الريق لا يطهر به، ويتنجس به ظفرها، وهو إخبار عن دوام الفعل، يعني: "كانت إحدانا" يدل على أن هذا شيء كان معروفًا متكررًا وقوعه، ومثل هذا لا يخفى على النبي ﷺ ولا يصدر إلا عن أمره" [المغني: 2/59].
قال البيهقي: "وهذا في الدم اليسير الذي يكون معفو عنه، فأما الكثير منه فصحيح عنها أنها كانت تغسله".[السنن الكبرى للبيهقي: 39].