الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم في هذه الليلة، في هذا المكان المبارك، في بيت من بيوت الله .
وأسأل الله أن يجعل ليلتنا هذه ذات فائدة، وما يُقدّم فيها له أثر في حياتنا ومعاملاتنا.
مقدمة
المسلم الحقيقي هو الذي يسير على نور من ربه، ويسلك صراط الله المستقيم، يسير على طريق أهل السنة والجماعة، الطريق الذي سار فيه الأنبياء، والعلماء، والشهداء، الطريق الذي بين الله أنواره ومعلمه في قرآنه وعلى لسان رسوله ﷺ.
والذي نلاحظه على الكثيرين أنهم قد يهتمون بأبواب أو بأجزاء من هذا الطريق، فقد يهتمون بالعقيدة فقط، أو يركزون على الطريقة الصحيحة في التفقه والأخذ بالدليل والبحث عن الحديث الصحيح.
وقد يركزون على أعمال القلوب فقط، والأشياء الترقيقية، وقد يركزون على الجانب الخُلُقي السلوكي.
والصحيح والحظ العظيم كلها مجتمعة، حتى يجعل طريقه هذا طريقًا متكاملًا، وموضوع الأخلاق وموضوع التعامل من الموضوعات المهمة، وأهل السنة والجماعة لهم أصول في قضايا التعامل، القضايا السلوكية، لم يتركوها هملًا، لا! وإنما وضعوا لها ضوابط مستمدة من القرآن والسنة.
الآن -أيها الإخوة- نجد أن هناك بين المسلمين تنافرًا في شخصياتهم، هناك خلافات كثيرة بينهم، طريقة معاملة بعضهم لبعض ليست صحيحة، أنهم باختصار قد تقطعت أواصر الأخوة الإيمانية فيما بينهم.
وهذا التقطع نشأ من عدم الاهتمام بمراعاة الجانب السلوكي الخلقي أو قضية التعامل، عدم الاهتمام بمشاعر الأخ المسلم، عدم الاهتمام من الأخ المسلم بنفسية أخيه المسلم، كيف يعامله؟ كيف يتجنب الأشياء التي تؤذيه؟ كيف يبتعد عن جرح شعوره بالتصرفات القاسية المؤذية.
الحقيقة -أيها الإخوة- أننا كثيرًا ما نتلفظ بكلمات ونأتي بأفعال لها مردود سلبي، لها تأثير سيئ على علاقاتنا الأخوية بإخواننا الآخرين.
ينبغي أن ننقي هذه المعاملات، هذه التعاملات، أن نعرف كيف نتكلم، كيف نخرج الأخ المسلم من موقف حرج يتعرض له، كيف نتجنب إحراجه.
الآن لا يوجد اهتمام بقضية عدم إحراج المسلم لأخيه المسلم إلا من رحم الله يهتم بهذا الأمر.
هناك أناس من المسلمين يتميزون بالغلظة، يتميزون بالجفاء، يتميزون باللامبالاة، لا يسألون عن أوضاع إخوانهم المسلمين، ينتقدونهم بأمور وطرق تجرح مشاعرهم، لا ينتقون الألفاظ المناسبة.
نريد أن نبين في هذا الدرس أن هذا الأمر من صميم الإسلام، نريد أن نبين من سيرة الرسول ﷺ ومن القرآن قبل ذلك أن هذه المسألة قد ركز عليها تركيزًا عظيمًا، أنها لن تهمل، أنه يجب على الفرد المسلم أن يتمعن فيها؛ كيف يعامل إخوانه.
مراعاة القرآن الكريم لنفوس ومشاعر أهل الحديبية
عن أنس بن مالك قال: لما نزلت إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ... إلى قوله : فَوْزًا عَظِيمًا [سورة الفتح:1- 5].
نزلت هذه الآيات عندما في مرجعه ﷺ من الحديبيّة أو الحديبيَة، وهم يخالطهم الحزن والكآبة، لماذا كان الصحابة يخالطهم الحزن والكآبة؟
لأنهم لما رجعوا من غزوة الحديبية لا هم حاربوا الكفار وقاتلوهم وانتصروا عليهم، ولا هم دخلوا مكة واعتمروا وحققوا الشيء الذي خرجوا من أجله، بل إنهم وضعت لهم شروط واتفاقيات مع قريش رجعوا بسببها إلى المدينة من غير أن ينالوا شيئًا.
وكان في بعض هذه الشروط ما يظنه الرجل الذي ينظر بظاهر الأمر، الذي ينظر من فوق بدون التمعن، الذي ينظر من الخارج يظن أن فيها ظلم للمسلمين.
روجعوا وهم في غاية من الحزن والكآبة، في هذه الأثناء تنزل الآيات إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا القرآن يصف الصلح هذا بأنه فتح مبين: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [سورة الفتح:1، 2].
فقال رسول الله ﷺ: لقد أُنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعًا[1].
وكانت هذه الآية لها أثر عظيم؛ لأنها أزالت الكآبة والحزن من نفوس الصحابة.
إذن، كان القرآن ينزل لأهداف، منها معالجة الحزن والكآبة في نفوس الصحابة.
معالجة القرآن الكريم لحالة المسلمين في أُحد
يقول الله بعد غزوة أحد تعليقًا عليها في الآيات: فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ [سورة آل عمران:153].
في غزوة أحد قتل من الصحابة خلق عظيم، وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله ﷺ، من أكبر حملة ألوية الدعوة إلى الله.
وكان رجلًا صنديدًا يقاتل، قتل، والرسول ﷺ جرح جراحًا شديدة، وأشيع أنه قتل وحصلت هزيمة للمسلمين.
يقول الله : فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ [سورة آل عمران:153].
ومعنى أَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ؟ يعني: كما ذكر بعض أهل التفسير- من أوجه ما قيل في هذه الآية: "عن عبد الرحمن بن عوف قال: "الغم الأول بسبب الهزيمة". أصاب المسلمين غم بسبب الهزيمة.
والغم الثاني: فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ حين قيل: قُتِل محمد ﷺ[2].
قال ابن قمئة: قتلت محمدًا. وصدقه الكفار، وبعض المسلمين صدقوه.
لما شعر المسلمون أن رسولهم ﷺ قد قتل، ماذا نسوا في غمرة الغم العظيم؟ قُتل رسول الله ﷺ، نسوا الهزيمة، وصاروا الآن في الغم الجديد، قضية قتل الرسول ﷺ.
فانظر كيف عالج الله الهزيمة، أثر الهزيمة في النفوس بأن أعطاهم غمًا آخر غير حقيقي وهو مقتل الرسول ﷺ، زعم كاذب، فتلاهت النفوس به عن الهزيمة، ثم تبين أنه غير مقتول، وكانت قد نسيت أشياء من الهزيمة، فانظر كيف عالج الله هذه النفسيات، كيف شفى الله نفوس المسلمين من أمور كثيرة.
حث القرآن الكريم على مراعاة حال النبي ﷺ
القرآن يريد من المؤمن أن يحس ويشعر بهذه الأمور، كيف يتعامل، كيف يتجنب جرح شعور إخوانه المسلمين يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ [سورة الأحزاب:53].
الصحابة كانوا يدخلون بيوت الرسول ﷺ، يقعدون، يريدون أن يأكلوا، ثم يمكثون بعد الأكل وقتًا طويلًا، والرسول ﷺ يريد أن ينصرف إلى أهله، يريد أن يرتاح، يريد أن ينام، يريد أن يخلد إلى نفسه قليلًا.
الصحابة كان بعضهم يطيلون في المجلس، هذا الإطالة فيها أذى لصاحب البيت، فنزلت هذه الآية: فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا [سورة الأحزاب:53].
اخرجوا بسرعة، حتى يتهيأ لصاحب البيت أن يذهب إلى أهله، وأن يجلس، وأن يستريح، ولا مستأنسين لحديث، إن ذلكم كان يؤذي النبي أذى نفسيًا، فيستحي منكم، الرسول ﷺ كان أشد حياءً من العذراء في خدرها.
كان يستحي يقول: يا جماعة أطلتم فانصرفوا، يريدهم هم أن يشعروا أن الوقت قد حان للانصراف.
مراعاة الإسلام للمشاعر في مسألة النجوى
قضية النجوى التي قال الله في شأنها: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [سورة المجادلة:10].
لو صار ثلاثة في مجلس، هل يجوز لاثنين مع بعض، واحد يأخذ الثاني على جنب ويهمس في أذنه بكلام، ويترك الثالث موجود في المجلس؟ هذه العملية تسمى: النجوى إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا.
فإذن، ما يجوز إنك تأخذ واحدًا وتتكلم معه بالسر، وتترك الشخص الآخر في المجلس، إلا إذا كان معه واحد رابع ممكن،حتى لا تحزنه، ربما يشعر أنك والآخر تتآمران عليه، أو أنه ليس على مستوى الكلام الذي تسر به إلى أخيك.
هذا فيه أذى، ويدخل فيه أيضًا -كما ذكر بعض أهل العلم- أنه واحد والآخر يتكلم بلهجة لا يفقهها الشخص الثالث حتى ولو كانا يتكلمان بصوت مرتفع، وهذه تحدث.
يقول واحد من كبار السن في المجلس لا يعرف اللغة الإنجليزية، يجي اثنين كل واحد يتكلم مع الثاني باللغة الإنجليزية، والثالث موجود، وهو لا يفهم ماذا يقولان.
إذن، فيها أذى للنفوس، ولذلك نهى الله عنها في القرآن، وكذلك على لسان الرسول ﷺ: لا يتناجى اثنان دون الثالث فإن ذلك يحزنه[3].
مراعاة يوسف لمشاعر إخوته
تأمل أيضًا لما جاء إخوة يوسف، دخلوا عليه، الآن إخوة يوسف أخطئوا في حق أخيهم خطأً عظيمًا، ألقوه في الجبّ، في البئر، ربما يموت ويهلك، أنقذه الله ببعض السيارة المارين أخذوه وباعوه، وتسببوا في أن يعيش فترة من حياته مملوكًا، ظلموه، وحسدوه، قالوا: كيف يحب يعقوب أخانا يوسف أكثر منا؟ لا بد من عمل، نلقيه في الجب، نقتله، نتخلص منه.
الآن يوسف بعد فترة من الزمن أعطاه الله المُلك، والحكمة، وأعطاه النبوة، وقلّده خزائن الأرض، وأتى بإخوته، وأبيه، وأهله من أرض، وجاء بكم من البدو، وأسكنهم في المدينة.
الآن ما هو موقف إخوة يوسف أمام أخيهم؟ أتى بهم وقد أخطئوا عليه خطأً عظيمًا، ما هو موقف إخوة يوسف أمام أخيهم الآن القادر، صاحب السلطة الآن أمامهم، يستطيع أن يفعل بهم أي شيء، ما هو موقفهم أمامه؟ ماذا يشعرون؟ بأي شيء؟
يشعرون بالخجل، في غاية الخجل منه،، قد يشعرون بالخوف أنه قد يبطش بهم، أليس كذلك؟
الآن هذا الموقف، المسلم الحقيقي، كيف يتصرف فيه؟
يوسف كان حليمًا، لا يريد أن ينتقم، ماذا فعل؟ ماذا قال لإخوته؟
قال: هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ [سورة يوسف:100]، ما قال: أخرجني من الجبّ. وإنما قال: أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ. فقط، ما ذكر الجب مطلقًا، مع أنه أخرجه من الجبّ؛ حتى لا يشعروا بأنهم أخطئوا ويذكرهم، كأنها توبيخ، يقول: أخرجني من الجبّ يعني الذي أنتم ألقيتموني فيه.
تلافى ذكر الجبّ مطلقًا مع أنه قد ظلم فيها، لكن ما ذكر الجب، وقال: أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ.
وأيضًا، هو الآن لما أتى باهله رفع عنهم الجهد، الجوع، والتعب الشديد، والعيشة القاسية في البادية، أتى بهم إلى المدينة حتى لا يمتن عليهم، ماذا قال؟ قال: وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ [سورة يوسف:100].
يعني الحمد لله الذي جاء بكم من البدو، ما قال: وأنا أتيت بكم من البادية، ووطّنتكم في المدينة، واعطيتكم، وأعطيتكم، وأعطيتكم؛ حتى لا يشعرون بالذل وأنه هو الذي تفضل عليهم، وإنما تلافى هذا الشعور الخاطئ حتى يحفظ كرامتهم ويحفظ ماء وجههم.
هذا، هذا النبي الكريم يوسف ثم قال: مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي [سورة يوسف:100].
من المخطئ؟ أخوته الذين أخطئوا، لكنه قال: بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي.
فوضع القضية بالكامل على من؟ على من؟ على الشيطان.
ليش وضع القضية بالكامل على الشيطان؟ حتى لا يشعرهم بأنهم أخطئوا، قال: بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ما قال: بعد أن ظلمني إخوتي واعتدوا علي ورموني في الجب.
هذا الأسلوب نحن نفتقده، كيف تتعامل مع من أخطأ عليك، ثم أنت قدرت عليه وأصبحت في موقف القوة، كيف تعامله؟ كيف تعفو عنه وتصفح، ليس فقط تعفو وتصفح، تتجنب أن تشعره بأي شيء، تتجنب أن تشعره بأنك تتفضل عليه الآن.
يوسف ليس فقط عفا عنهم، لكن ما أشعرهم أنه قد تفضل عليهم، قال: فعلتُ لكم، وفعلتُ لكم، وأنا الآن أنعم عليكم، وأعف عنكم أنتم ظلمتموني، لكن أنا أحسن منكم وأنا.... لا، أنى بهذا الأسلوب اللطيف.
مراعاة الإسلام للمشاعر في رد السلام
فكر معي في مقصد الإسلام عندما مثلًا يقول الرسول ﷺ في الحديث الصحيح: ليسلّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد[4].
لماذا كانت السنة أن يسلّم الراكب على الماشي؟ لأن الراكب الآن في مستوى أعلى من الماشي، الذي يركب السيارة أو يركب الدابة مستواه أعلى من الماشي على رجليه.
عندما يبتدئ الراكب بالسلام هو الذي يبتدئ على الماشي فيها إكرام لنفس الماشي، أليس كذلك؟
وعندما يسلّم الماشي على القاعد، الماشي يسلم على القاعد، من الذي في الموقف الأعلى؟ الماشي الذي يمر على القاعد، فهو الذي يلقي .
هناك اعتبارات معينة في آداب السلام لحفظ ومراعاة المشاعر.
خذ مثلًا يا أخي حديث الرسول ﷺ: لا يقيم الرجلُ الرجلَ من مقعده ويجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا[5].
الآن بعض الناس إذا جاء، وجد المجلس ممتلئًا، ما في مكان لأحد، بعض الجهلة ماذا يفعلون؟ يقيم واحدًا، ويجلس مكانه، خطأ! لأنك عندما تقول له: قم أمام الناس، تقوّمه قدام الناس، أما أنت تقعد مكانه، أنت قد آذيته، جرحت شعوره أمام الناس، ولكن تجلس حيث ينتهي بك المجلس.
ولذلك بعض المتكبرين عندما يدخل المجلس ولا يجد مكانًا في صدر المجلس يقف متسمرًا، ماذا ينتظر؟ واحد يقوم حتى هو يجلس مكانه، عجيب! أين التواضع؟
والذي يقوم، يقوم بنفسية منكسرة، ما يقوم عن طواعية، بخلاف ما لو جلس وقام له شخص وقال له: اجلس في هذا المكان، أو صاحب البيت مثلًا طلب منه أن يجلس في مكان معين، وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه، يقول: ما أجلس، تجلس أنت فيه، صاحب المجلس يجلس فيه.
وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به[6].
يعني مثلًا واحد جالس في الصف الأول في الصلاة، وأحس بريح في بطنه وأنه يحتاج أن يجدد الوضوء، فترك المكان وذهب إلى مكان الوضوء وتوضأ ورجع. في أثناء غيابه جاء واحد وقعد في مكانه. عندما يرجع الشخص الذي ذهب إلى مكان الوضوء، يرجع إلى مكانه، ويرى الشخص الموجود، الأحق بالمجلس الأول؛ لأن غيابه قصير، بخلاف لو ذهب الواحد للبيت، وطلع ثم جاء بعد ساعة، انتهى حقه في المجلس.
لكن فترة غياب بسيطة تحفظ صاحب المجلس مكانه، ينبغي أن يجلس فيه، يعني إذا رجع فهو أحق به حفظًا لنفسيته، لشعوره.
مراعاة الإسلام لصاحب البيت الذي نزل عنده
خذ مثلًا حديثًا آخر، انظر كيف يراعي الإسلام المشاعر، النفسيات في النفوس: إذا زار أحدكم قومًا فلا يصلِ بهم، وليصلِ بهم رجل منهم[7].
إذا زار أحدكم قومًا فلا يصلِ بهم، لا يصير إمامًا، وليصلِ بهم رجل منهم يعني من أصحاب البيت.
يعني صاحب البيت أولى بالإمامة ولو كان في من الضيوف من أحفظ لكتاب الله، ما دام أنه يقيم الفاتحة ويقيم الصلاة فهو أحق.
لماذا جعل الإسلام صاحب البيت أولى بالإمامة من الضيف حتى لو كان الضيف أحفظ،؟ لأنه صاحب البيت، وصاحب السلطان، فليس من المناسب بالنسبة لمشاعره ونفسيته أن يتقدم عليه واحد من الضيوف، ما دام هو صاحب البيت فهو أحق بالإمامة، إلا إذا تنازل، وقال: لا يا فلان صلِ وأنا سمحت لك، أعطيتك حقي. يجوز الآخر أن يتقدم.
وهذا الكلام فيما لو أن المسجد كان بعيدًا جدًا ولا يسمعون النداء، أو الصلاة فاتتهم، أو.... إلى آخر ذلك، ومن الأفضل أنهم يصلوا، أو تعذر خروجهم من البيت ومن الأفضل أنهم يصلوا في المسجد.
تعال معي إلى حديث آخر من الأحاديث الصحيحة، أخرج الشيخان والنسائي وغيرهم من حديث رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة، قال في أثناء القصة: فذهب عبد الرحمن بن سهل وكان أصغر القوم يتكلم قبل صاحبيه.
هناك اثنان أكبر من ثالث أمام الرسول ﷺ، جاء الصغير يريد أن يتكلم أمام الرسول ﷺ قبل الاثنين الكبار، فقال الرسول ﷺ: كبّر، كبّر.
يقول للصغير: كبّر، كبّر، دع الكبير يتكلم[8].
لماذا الكبير يتكلم؟ احترامًا لنفسيته، نفسية الكبير، ولمشاعر الكبير، هو الذي يتكلم أولًا، يتكلم قبل الصغير، هذا من آداب الإسلام.
لو تكلم الصغير أولًا كان فيها نوع من الاستهانة بالكبير، أما إذا لا يوجد كلام عند الكبير تكلم الصغير.
مراعاة نفسية الشخص إذا أهدى شيئًا فرُدت الهدية
مراعاة نفسية الشخص إذا أهدى شيئًا فردت الهدية لسبب من الأسباب.
لو واحد أهداك شيئًا، ثم أنت رددت الهدية لسبب من الأسباب، فإنه يتأثر بفعلك، إلا إذا كان هناك سبب شرعي لرد الهدية. والآن سنخبركم بالمثال:
في الحديث الصحيح عن الصعب جثّامة الليثي أنه أهدى لرسول الله ﷺ حمارًا وحشيًا وهو بالأبواء، أو بودّان.
الرسول ﷺ كان محرمًا، والمحرم لا يجوز له أن يصيد وهو محرم، ولا أن يأكل صيدًا قد صيد لأجله.
الصحابي هذا لا يعرف الحكم، جاء وصاد للرسول ﷺ حمارًا وحشيًا، والحمار الوحشي يجوز أكل لحمه، لكن الحمار الأهلي في البلد هذا الذي يحملون عليه غير الحمار الوحشي، هذا الحمار الأهلي الذي في المدن هل يجوز أكل لحمه؟ لا.
لكن الحمار الوحشي الذي يعيش في الصحراء والغابات أو في الأماكن التي يعيش فيها يجوز.
هذا صاد للرسول ﷺ حمارًا وحشيًا وجاء يهديه إليه، الآن تصور الموقف رجل يهدي لآخر حاجة، لكن الرسول ﷺ ما يصح أن يأخذ، يقبل، يأكل منه، أليس كذلك؟
فماذا يجب عليه؟ أن يرده.
لو رده إلى صاحبه سيتأثر صاحب الهدية، فماذا فعلعليه الصلاة والسلام؟
قال: فرده عليه رسول الله ﷺ.
قال الصحابي: فلما أن رأى رسول الله ﷺ ما في وجهي، قال: إنّا لم نرده عليك إلا أنّا حُرُم[9].
ماذا فعل ؟ بيّن السبب، قال: ما رددنناه عليك لأنك أنت دون المقام، أو أن هديتك ما هي بهذا لمستوى، لا! ولكن رديناه عليك؛ لأنّا في حالة الإحرام، ولا يجوز أن نأكل الصيد الذي صيد لأجلنا.
فلما بين السبب هدأ الصحابي وارتاح.
وأُهدي له ﷺ مرة خميصة لها أعلام-نوع من الملابس فيه زينة-، هذا اللباس فيه زينة، الرسول ﷺ لبسه، لما أتى ليصلي صار هذا الثوب يشغل الرسول ﷺ بزينته.
يعني الواحد لو لبس في زينة تجد أنه دائمًا يتلفت ويطالع فيه وينظر فيه، الرسول ﷺ لا يحب أن يأخذه شيء في الصلاة، فقال: اذهبوا يعني بهذه الخميصة خلعها، ردها، وقال: ردوها إلى أبي جهم لو ردها على الصحابي ماذا سيحصل في نفسه؟ يشعر بنوع من الحزن.
فماذا فعل ﷺ؟ قال: وائتوني بأنبجانية أبي جهم[10].
لكن قال: ردوا عليه هذه، لكن أعطوني، ائتوا لي من عنده بنوع آخر من الملابس، من عنده هو، نفس المهدي، ما تشغل في الصلاة، ما فيها زينة يلبسها.
فصارت واحدة بدل واحدة.
وقال: ردوها وائتوا بدلًا منها بتلك؛ حتى ما يحزن ويشعر أنه رُد له.
يأتي ضيف إليك وأنت ما عندك من الطعام إلا القليل، مراعاة شعور الضيف ونفسية الضيف من الأشياء المهمة، لذلك الضيافة لها آداب منها ما ورد في القرآن الكريم عن نبي الله إبراهيم فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ [سورة الذاريات:26، 27].
انظر هاتين الآيتين، جمعت من الصفات من آداب الضيافة أشياء عظيمة، كيف؟ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ.
ما قال: يا جماعه عن إذنكم سآتي بالغداء.
وهم يقولون: لا، ما نريد نتغدى، ونحن... وهو يقول: لا لا لا.
فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ بخفية، ما في داعي يقول: سآتي بالأكل، وبعد ذلك لا.
بدون أن يتفضل عليهم بشيء، فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ [سورة الذاريات:26].
انظر السرعة، أخذ عجلًا فشواه، محنوذ، وطعام لذيذ، إكرام الضيف من الآداب الإسلامية.
فجاء بعجل فقربه إليهم، ما قال: تعالوا أنتم على الأكل، لا، و قرّبه إليهم.
من الآداب: أن تقرّب الطعام للضيف، لكن لو حصل الآن صعوبة في تقريب الطعام للضيف، وأن السُّفرة لا بد أن تُجهز، يا جماعة نحن الآن ما نأكل صنفًا واحد، نأكل عشرين صنفًا، وصعب أن تذهب الآن تأتي باللحم، وبعد ذلك تذهب تأتي بالرز، بعد ذلك تذهب تأتي بالفواكه، تذهب تأتي بالكيك، فإذن، قد يصعب، لا بأس أنك تضعه من قبل وتقول للضيوف: تفضلوا، لكن لو صار إنك أنت الذي قربته إليهم تكون أحسن.
ثم قال: أَلَا تَأْكُلُونَ [سورة الذاريات:27]. دعاهم إلى الطعام.
الآن بعض الناس يضعون الطعام ويسكتون، ولا يقول للضيوف شيئًا، وهم ينتظرون، ويخجلون يمدون أيديهم، ما قال تفضلوا! حتى يقول الواحد نسمّي أو ما نسمي! لكن إبراهيم قال: أَلَا تَأْكُلُونَ
تفضلوا، تفضلوا باسم الله، ابدؤوا.
انظروا آداب الضيافة، هذه مراعاة شعور الضيف.
عن أبي هريرة قال: "جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ، فقال: إني مجهود.
يا رسول الله إني أنا بلغ مني الجهد ما عندي شيء آكله.
فأرسل إلى بعض نسائه، الرسول ﷺ أرسل لأحد أمهات المؤمنين، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء! انظر الزهد، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك: ما عندي إلا ماء!
حتى قلن كلهن مثل ذلك.
الدور على كل النساء أمهات المؤمنين، كل واحدة تقول: ما عندي إلا ماء.
ما عندهم شيء.
فقال رسول الله ﷺ: من يضيّف هذا الليلة يرحمه الله؟
لما لم يكن عند الرسول ﷺ طعامًا قال للصحابة: يا جماعة، واحد يأخذ الرجل يضيِّفه.
فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله.
أنا آخذ الضيف، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته، الرجل يقول لامرأته، هذا الصحابي صاحب البيت المضيِّف قال لامرأته لما أتى الضيف لامرأته قال: هل عندك شيء؟
قالت: لا، إلا قوت صبياني.
ما عندي إلا طعام أولادي، ما عندي شيء زائد.
قال: فعلليهم بشيء، يعني دعي الأولاد الصغار يتلهون بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج، وأريه أنّا نأكل، فإذا أهوى ليأكل -جاء يأكل- قومي إلى السراج حتى تطفئيه.
فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها -أضاءت السراج- ونوّمت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته.
انظر سبحان الله العظيم كيف فقه النساء، هذا الأدب العظيم، قامت كأنها تصلحه وأطفأته حتى لا يشعر، لا يوجد إلا طعام بسيط قدّماه وجلسا هما في الزاوية، لو صار السراج موجودًا كان رآهم ما عندهم شيء، وهو عنده الطعام هذا، صار الضيف عنده إحراج، وربما ما تهنى بالأكل.
فانظر إلى تلك المرأة كيف راعت شعور الضيف وأطفأت السراج حتى لا يرى هذا الضيف أن ما عندهم شيء.
ليس هذا فقط، قال: فجعلا يريانه أنهما يأكلان يعني أتوا بأصوات وحركات فيها إذا سمعها الشخص الآخر يتوهم أنهم يأكلون، كأنهما يأكلان حتى لا يرتاب بالليل، يقول: لماذا لا أسمع أصوات من يأكل!
انظر لأي درجة يا جماعة، انظر كيف وصل الأمر عند الصحابة وإلى أي درجة وصل الأمر.
قال: "فقعدوا وأكل الضيف فباتا طاويين والأولاد الصغار ناموا من الجوع".
كرم... نحن الآن أحيانًا نبذّر، الواحد عنده الملايين ومئات الألوف، ويعطي للضيف سفرة طويلة عريضة، أنفق عليها كم ألف مثلًا، لكن الكرم الحقيقي إنه ما يكون عندك شيء، أو الشيء الذي أنت تحتاجه تؤثر به غيرك، هذا أعلى درجة.
ولكن مع ذلك إذا جاءك الضيف حتى لو عندك قليل من المال أو كثير من المال أنت تكرمه، تكرم الضيف، ليس كما يفعل الناس الآن عليّ الطلاق إلا ذبيحتك طاحت، ويطلّق أهله، وإذا جاء واحد من الجماعة عند مجموعة من الناس كل واحد قاعد يطلّق، قال: عليّ الطلاق إن ذبيحتك ويقول: علي الطلاق ذبيحتك...
وهذا يقول، عشرة يطلّقون، في النهاية عند واحد فيهم، أو أنه يسافر بدون ما يأكل، وزوجته المسكينة التي طلّقها الآن؟ هذه العادات الجاهلية؛ عليّ الطلاق، وعليّ الطلاق، لماذا عليّ الطلاق؟ ما تعزم عليه إلا بـ" عليّ الطلاق"؟ يمكن يا أخي تلزّم عليه من غير "عليّ الطلاق".
ثم يأتي الواحد يسأل المشايخ يقول: قلتُ لضيف علي الطلاق وما أكل الضيف.
قلت للضيف إن عليّ الطلاق أذبح لك، وما أكل من الذبيحة، ما الحكم؟ وزوجتي ما هو حكمها؟ وأنا ما هو موقفي؟
لماذا كلّفت نفسك أصلًا، لماذا قلت: عليّ الطلاق؟ وهذه "عليّ الطلاق" للأسف صارت مسألة من أسهل ما يمكن، أسهل شيء تقول: عليّ الطلاق.
فهذا شيء -يا جماعة- ما يصلح أبدًا مطلقًا.
فلما أصبح -يعني جاء الصبح- غدا على النبي ﷺ صاحب البيت الضيف، فقال -عليه الصلاة والسلام: قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة[11].
يعني من عظم الأمر اله عجب من صنيعكما، سبحان الله العظيم.
وفي رواية: ضحك الله من صنيع فلان وفلان.
وضحك الله صفة تليق بجلاله وعظمته، ليست كضحك المخلوقين، وهي تدل على رضا الرب على هذا الفعل، ولكنه ضحك يليق بجلاله وعظمته.
أحيانًا يأتيك ضيف وتكرمه، وتذبح له مثلًا، يشعر الضيف أنك تكلفت، فبعض الناس يتعمدون إشعار الضيف أنهم تكلّفوا له، والله وجبنا الذبيحة وكذا وكذا، وفعلنا وفعلنا.
الضيف يُحرج، انظر معي إلى هذا الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وابن حبان عن لقيط بن صبرة يقول: "كنت وافد بني المنتفق إلى رسول الله ﷺ.
قال: فلما قدمنا لم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة أم المؤمنين، فأمرت لنا بخزيرة - نوع من الطعام لحم صغار يقطع يطبخ -لم ننشب أن جاء رسول الله ﷺ يتكفأ، فقال: هل أصبتم شيئًا؟
فقلنا: نعم يا رسول الله، ضيفونا.
ولكنه أمر راعي غنم له أن يذبح شاة من أجل الضيوف، ثم قال للقيط: لا تحسبن أنّا ذبحنا الشاة من أجلك انظر كيف لا يريد الرسول ﷺ أن يشعر الضيف بالتكلّف، يقول: لا تحسبنّ أنّا ذبحنا الشاة من أجلك، لنا غنمٌ مائة - عندنا مائة رأس- لا نريد أن نزيد عليها.
عندنا قناعة، ما نريد نزيد عليها، فإذا ولّد الراعي بهمة -يعني إذا ولدت جديدة - ذبحنا مكانها شاة.
إذا صاروا مائة وواحد ذبحنا واحدة.
نحن ذبحنا واحدة؛ لأن الغنم زادت، صارت مائة وواحد، نحن ذبحنا الآن واحدة لتبقى الغنم مائة، ما نريد الزيادة.
فانظر كيف راعى نفسية الضيف حتى لا يظن الآن أنه تكلف الآن وذبح له الذبيحة.
مراعاة الضيف لحال المضيّف
من الجهة المقابلة كيف يراعي الضيف شعور المضيِّف.
يمكن المضيِّف مثلًا ما يكون مستعدًا، يعني واحد جاء له ضيف فجأة، ولا يوجد عند صاحب البيت طعام مثلًا، كيف يتلافى الضيف الآن الموقف، ويشعر صاحب البيت أنه ما يضر ولا يهم، وأنه غير متأثر ولا يعتبرها إهانة ؟
هذا الحديث الصحيح الرابع في السلسلة الصحيحة، يقول ثوبان : "نزل بنا ضيف بدوي.
نزل بنا -يعني عند الرسول ﷺ، فجلس رسول الله ﷺ أمام بيوته، ماهي بيوت الرسول ﷺ؟ فلل؟ كل بيت حجرة، هذه حجرة عائشة، وهذه حجرة أم سلمة، وهذه حجرة، يمكن لو وقف الواحد فيها لضرب رأسه بالسقف.
فجلس رسول الله ﷺ أمام بيوت، فجعل يسأل عن الناس، الآن هذا البدوي أتى من البادية، والرسول ﷺ حكيم، يهتم بأمور المسلمين، فجلس مع البدوي يسأله، يقول: كيف البادية عندكم؟ عساهم يصلون؟ عساهم يؤدون الشعائر؟ عساهم مهتمين بالدين، عساهم يراعون الحلال والحرام، عساهم يسألون عما أشكل عليهم.
فجعل يسأل عن الناس، الرسول ﷺ يسأل البدوي عن الناس في البادية، كيف فرحهم بالإسلام؟ عساهم فرحين بالإسلام؟ وكيف حدبهم على الصلاة؟
فما زال يخبره من ذلك بالذي يسره، لا زال الضيف يخبر الرسول ﷺ بالأخبار السارة، حتى رأيت وجه رسول الله ﷺ نضرًا.
فلما انتصف النهار وحان أكل الطعام، دعاني مستخفيًا.
انظر الأدب؛ الرسول ﷺ ما قال: يا غلام هات الأكل، لا، دعاني، قال: يا ثوبان بخفية، بإشارة خفية دعاني، دعاني مستخفيًا لا يألو أن ائت عائشة -رضي الله عنها- فأخبرها أن لرسول الله ﷺ ضيفًا.
اذهب إلى الزوجة قل لها: هناك ضيف.
فقالت عائشة لما ذهب ثوبان إليها: "والذي بعثه بالهدى ودين الحق -قسم- ما أصبح بيدي شيء يأكله أحد من الناس"، ما عندي شيء، فردني إلى نسائه، الرسول ﷺ عندما يأتيه الخبر يقول: ثوبان اذهب إلى فلانة، واذهب إلى فلانة، على زوجات الرسول ﷺ كلهن يعتذرن بما اعتذرت به عائشة -رضي الله عنها-، لكن نفس العملية، كل النساء ما عندهن.
فرأيت لون رسول الله ﷺ خسف، لماذا؟
لأنه ما عنده شيء، يريد أن يكرم الضيف، الرسول ﷺ صار في موقف محرج.
البدوي الآن كان ذكيًا كان رجلًا فقيهًا، ما جعلته البادية ينسى قضية عدم الاهتمام بالنفوس، وعدم مراعاة الشعور.
فقال البدوي لما رأى الرسول ﷺ قد حرِج: "يا رسول الله، إن البادية معانون على الزمان، لسنا بأهل الحاضر فإنما يكفي القبضة من التمر، يكفي -يعني- أحدنا القبضة من التمر يشرب عليها من اللبن أو الماء، فذلك الخصب".
يعني تمر وعليه لبن أو عليه ماء، هذا أعلى شيء، هذا الخصب.
وبعد ذلك أكل هذا، حلب له الرسول ﷺ وصارت معجزة للرسول ﷺ درت شاة من الشياه وحلب له وشرب البدوي حتى ارتوى.
فانظر كيف البدوي هذا من فطنته، ومن رقته، ومن مراعاته لهذه الأشياء ذكر هذا الكلام؛ حتى لا يحرج الرسول ﷺ[12].
مراعاة الإسلام لنفسية وشعور المفارق لوطنه
عندما يفارق الناس أوطانهم ويبتعدون عن أهليهم يشعرون بنوع من الوحشة، وقد يصيبهم مرض في غربتهم، لا بد من مراعاة شعور هؤلاء، خصوصًا إذا تركوا أوطانهم لله، وهاجروا من ديارهم في سبيل الله.
لما قدم رسول الله ﷺ المدينة مهاجرًا، وُعك أبو بكر وبلال، أصابهم المرض، قالت عائشة: "فدخلتُ عليهما، فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ كيف حالك؟ ويا بلال كيف تجدُك؟
قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمّى يقول: "كل امرئ مصبّح في أهله والموت أدنى من شراك نعله".
وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى -صحا من الدوخة قليلًا - يرفع عقيرته ويقول:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة | بوادٍ وحولي إذخرٌ وجليل |
وهل أردنّ يومًا مياه مجنة | وهل يبدون لي شامة وطفيل |
فمنها الوحشة هذه التي يعاني منها بلال لأنهم تركوا البلد وتركوا الوطن لله مهاجرين في سبيل الله، قالت عائشة: فجئتُ رسول الله ﷺ فأخبرته.
فقال: اللهم حبّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها يعني: نقّها من الأمراضوبارك لنا في صاعها ومدّها، وانقل حمّاها فاجعلها بالجحفة[13].
كان بالمدينة حمى فنقلت معجزة لرسول الله ﷺ وصارت الحمى بالجحفة، مكان يبعد عن المدينة.
فانظر كيف راعى الرسول ﷺ أحوال هؤلاء الغرباء، وشعورهم.
يعني أتينا من بلدنا أو من مكاننا نطلب العلم عن الرسول ﷺ ونحن شباب، في سن الشباب متقاربون في السن، فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلة، مكثنا نتعلم عنده عشرين يومًا وليلة.
وكان رسول الله ﷺ رحيمًا رفيقًا، فلما ظن أنّا قد اشتهينا أهلنا، أو قد اشتقنا إلى أهلنا الذين تركناهم سألنا عمن تركنا بعدنا، فأخبرناه.
يعني قال: كيف أهلكم؟ كيف الذين تركتموهم؟ كيف الذين جئتم من عندهم؟
ثم قال : ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلّموهم[14].
ما قال: ابقوا عندي زيادة. لا، قال: تتعلمون هنا وهنا راعى شعورهم، شباب صغار، فارقوا الأهل، فارقوا الأوطان، فارقوا الأحبة، قال: ارجعوا إلى أهليكم.
شفقة بهم، شفقة عليهم، رحمة لهم، مراعاة لنفوسهم، وشعورهم.
عند التعليم أيضًا فيه مراعاة للشعور، عند التعليم والتعلُّم، عند سؤال العالم فيه مراعاة للشعور، ولذلك الواحد لا يأتي يسأل عالم ويقول: أنت يا...ما حكم كذا؟
والرسول ﷺ أوصى بالعلماء في كتاب الله توقير أهل العلم، لا... أو يقول لك: تعال، هات جاوب على السؤال هذا.
لا بد أن تكون هناك مراعاة للإنسان العالم، يُحفظ له قدره، ويأتي بالألفاظ التي تشجعه على الإجابة، غفر الله لك، أحسن الله إليك، يرحمك الله، أجبني على كذا، بين لي كذا.
علي قال: كنت رجلًا مذّاءً.
يعني يخرج مني المذي بسرعة، وبكثرة عند ملامسة النساء والاجتماع بهن، بالزوجة مثلًا.
من هي زوجة علي بن أبي طالب؟ فاطمة بنت الرسول ﷺ.
الآن علي يقول: إني كنت أغتسل من المذي.
المذي الذي يخرج من الرجل عند مداعبة الزوجة، ليس عند الجماع المني، لا، المذي.
علي لا يدري عن حكم المذي هذا، فكان يغتسل حتى لو صار برد، يغتسل لو خرج منه المذي، حتى تشقق ظهره.
فأراد أن يسأل الرسول ﷺ.
لو أنه جاء إلى الرسول ﷺ وسأله، يعني فيها حرج أو لا؟ يقول: ما حكم كذا؟
وهذا الشيء الذي يسأل عنه يخرج لما يجلس علي مع بنت الرسول ﷺ.
إذن، فيها نوع من الإحراج، فقال علي: فأمرتُ المقداد بن الأسود أن يسال النبي ﷺ لمكان ابنته مني.
فسأله، فقال: فيه الوضوء.
وفي رواية: توضأ واغسل ذكرك[15].
وفي رواية: وأنثييك[16].
فصار الحكم لمن خرج منه المذي أن يغسل ذكره وأنثييه، ما أسفل الذكر الأنثيين، ثم يتوضأ، ويكون بذلك قد تطهر من خروج المذي.
معاوية بن الحكم السلمي جاء مرة إلى المدينة، ما كان يعلم بأن الكلام في الصلاة قد حُرّم، فعطس رجل من الناس، فقال له معاوية بن الحكم: يرحمك الله، فرموه الصحابة بأبصارهم، فقال: لماذا تنظرون إلي؟
لا يدري أن الكلام في الصلاة قد حُرّم، لأنه من قبل كان الكلام في الصلاة مباحًا.
كان الواحد يسأل الآخر، يقول: متى نزلت هذه الآية التي نسمعها الآن من الرسول ﷺ؟
ثم نزل قول الله : وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [سورة البقرة:238].
مُنع الكلام.
لما حصل منع الكلام في الصلاة، سلّموا من الصلاة، الرسول ﷺ رفق بهذا الرجل، وقال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي كذا وكذا[17].
علمه بدون أن يشهر به، وبدون أن يقسو عليه.
وكذلك الأعرابي الذي بال في المسجد، الرسول ﷺ رفق به"[18] وعطس رجل عند ابن المبارك، وما قال الحمد لله، الناس رموا الرجل بأبصارهم، أحرجوه.
يعني ينكرون عليه، كيف ما قلت الحمد لله؟
عبد الله بن المبارك تدارك الرجل قبل أن تلتهمه أبصار الناس، فقال له عبد الله بن المبارك العالم الجليل يقول للرجل الذي عطس: ماذا يقول الرجل إذا عطس؟
الرجل قال: يقول الحمد لله.
قال عبد الله بن المبارك: يرحمك الله"[19].
انتهت المشكلة ببساطة، قال "الحمد لله" من غير إحراج، ورد عليه: يرحمك الله.
مراعاة النفوس في مسألة طلب العلم
ومن الأمثلة أيها الإخوة التي تدل أيضًا على مراعاة النفوس في طلب العلم ذُكر أن الأصمعي اجتمع بالخليل بن أحمد، وحرص على فهم العروض منه، العروض أوزان الشعر، فأعياه ذلك، فقال له الخليل يومًا.
الأصمعي حاول أن يفهم، وحاول، ولكن بدون فائدة، ما استطاع أن يفقه هذا العلم.
الخليل بن أحمد يريد أن يفهّمه من غير أن يجرح شعوره، فقال له الخليل بن أحمد يومًا: قطّع لي هذا البيت...
إذا لم تستطع شيئًا فدعه | وجاوزه إلى ما تستطيع |
انظر أتى بأي بيت، قال:
إذا لم تستطع شيئًا فدعه | وجاوزه إلى ما تستطيع. |
ففهم ما أراد، فأمسك عنه ولم يشتغل به.
مراعاة الشريعة لمن ظهرت براءته من ذنبه الذي اتُهم به
أحيانًا الرجل يُتهم بأنه مذنب، ثم تتبين براءته من الذنب، لا بد هذا الرجل من مكافئته على فعله، وأن الظلم الذي نزل به يرفع عنه، مثل حادثة زيد بن أرقم في الحديث الصحيح، لما أخبر الرسول ﷺ بقول المنافق، وجاء المنافق وحلف أنه ما قال، والرسول ﷺ أخذ بقول المنافق وما أخذ بقول زيد بن أرقم، وهو شاب صغير، والناس اتهموا زيد بن أرقم، قالوا له: ما أردت إلى أن مقتك رسول الله وكذبك والمسلمون، قال: فوقع علي من الهم ما لم يقع على أحد.
قال: فبينما أنا أسير مع رسول الله ﷺ في سفر، قد خفقت برأسي من الهم إذ أتاني رسول الله ﷺ، فعرك أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا، ثم إن أبا بكر لحقني فقال: ما قال لك رسول الله ﷺ؟ وجاء عمر وسأل، حتى يراعوا نفس هذا الصحابي الصغير الذي كان متهم ظلمًا، ثم تبينت براءته وأنزل الله تصديقه في القرآن: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ..[20].
مراعاته ﷺ لمشاعر أسرى بدر
مشاركة الحزانى في أحزانهم، ففي يوم بدر، الرسول ﷺ لما أسر سبعين من المشركين، سأل الصحابة، قال: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟
فقال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام.
فقال رسول اللهﷺ: وما ترى يا ابن الخطاب؟ وأنت يا عمر ما رأيك؟
قال: قلت: والله لا يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنّا فنضرب أعناقهم.
يأخذ كل واحد قريبه من المشركين يقتله، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، وفي قتلهم المصلحة للمسلمين.
فهوى رسول الله ﷺ ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلت".
فلما كان من الغد، جئت فإذا رسول الله ﷺ وأبو بكر قاعدين وهما يبكيان، فقلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدتُ بكاءً بكيتُ.
انظر، قال عمر: أخبر بالذي يبكيك، أنا أشاركك في البكاء يا رسول الله.
وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما.
تظاهرت بالبكاء، أرغمت نفسي على البكاء حتى أشارككما في الشعور... إلى آخر الحديث[21].
هذا ابن الخطاب يريد أن يشارك بالبكاء.
مراعاة الوحي لشعور عائشة -رضي الله عنها
وكذلك عائشة لما رُميت في حديث الإفك، واتهمها المنافقون وسرت الإشاعة بين المسلمين، والرسول ﷺ لم يتبين له شيء، واعتزل عائشة، تقول عائشة: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنومٍ، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنومٍ، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي.
فبينما هما جالسان عند ي وأنا أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي.
مع أن المشكلة ليست مشكلتها هي، لكن جلست تبكي من باب المشاركة، مشاركة عائشة في المصيبة، هذه يا جماعة مشاركة الناس في أحزانهم مهمة.
ليس الواحد الآن يقع في مصيبة يبكي وأنت تضحك، وتقول أمامه الطرائف والنكت.
لو انه فرح تشاركه أيضًا في الفرح.
كعب بن مالك في القصة المشهورة المعروفة، لما تاب الله عليه، يقول: وبشّره واحد بصوت من بعيد: فانطلقتُ أتأمم رسول الله ﷺ يتلقاني الناس فوجًا فوجًا يهنئوني بالتوبة"[22].
انظر كيف يشارك الصحابة بعضهم البعض.
يهنئوني بالتوبة، ويقولون: لتهنك توبة الله عليك.
فدخلت المسجد، فإذا رسول الله جالس في المسجد وحوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، ووالله ما قام رجل من المهاجرين غيره.
قال: فكان كعبٌ لا ينساها لطلحة.
لم ينسها لطلحة؛ لأنه قام من المجلس مع رسول الله ﷺ، ومشى واستقبل كعبًا، وهنأه وصافحه.
مواساته ﷺ لمعاذ ومعوّذ في بدر
عندما يتنافس اثنان في عمل، واحد منهما ينجز العمل والثاني لا ينجزه، الذي لا ينجز العمل وهو صادق يريد إنفاذ العمل لكن فاز به الآخر، لا بد من مراعاة شعور هذا الرجل.
الاثنان من الصحابة عندما تسابقا لقتل أبي جهل، معاذ ومعوّذ، من الذي قتله؟ واحد منهم الذي قتله فعلًا، الضربة القاضية من واحد الذي قتله.
لكن الرسول ﷺ لما أتياه بعد القتل، قال: أيكما قتله؟
قال كل واحد منهما: أنا قتلته.
فقال ﷺ: هل مسحتما سيفيكما؟
قالا: لا.
فنظر في السيفين، فقال: كلاكما قتله[23].
يعني كلاكما شارك في قتله؛ مراعاة للشعور، حتى لا يشعر الشخص الآخر أن ذاك الذي أدى المهمة وأنه هو فشل.
لو رأيت إنسانًا في غمّ، ماذا تحاول أن تفعل؟ ماذا تحاول أن تفعل أنت كأخ مسلم بالنسبة له؟ تهوّن عليه، فالرسول ﷺ في حادثة النفقة لما نساء الرسول ﷺ سألنه النفقة والرسول ﷺ ليس عنده نفقة، جلس مهمومًا حزينًا.
عمر بن الخطاب دخل على رسول الله ﷺ فوجده جالسًا حوله نساؤه واجمًا ساكتًا، فقال عمر- في نفسه : لأقولنّ شيئًا أضحك رسول الله ﷺ.
فقال: يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة - يقصد زوجته - سألتني النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها.
ما رأيك؟ لو جاءت وسألتني النفقة وأنا ما عندي فوجأت عنقها، ما رأيك في هذا التصرف؟
الآن الرسول ﷺ مغموم، فضحك رسول الله ﷺ وقال: هن حولي يسألنني النفقة[24].
فإذن، انظر عمر كيف فعل هذا التصرف حتى يخفف، حتى يفرج أسارير الرسول ﷺ.
واحد محتاج إلى شيء لكن لا يستطيع أن يتكلم، ويقول: يا ناس أعطوني.
لا بد من مراعاة شعوره.
واحد من الصحابة جاء على راحلة، فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالًا، يريد شيئًا، الناس ما تفطنوا له ولا عرفوا ماذا يريد، والنبي ﷺ، رأى الرجل يبحث يمينًا وشمالًا، فقال : من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له.
فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا بفضل.
فانظر كيف فطن لهذا الرجل ينظر يمينًا وشمالًا،لأنه محتاج على شيء ولا يتكلم لأنه محرج، ما يمد يده للناس.
معرفة وجوه الناس، إذا كان فيه جوع، فيه مشكلة، هناك شيء من وجهه، لو كنت تتفرس في وجوه الناس، إخوانك المسلمين، تعرف من وجوههم ماذا يريدون.
عن أبي هريرة أنه كان يقول: "والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدتُ يومًا على طريقهم الذي يخرجون منه.
يعني من بيوتهم من المسجد، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني.
أبو هريرة يقول: أنا أستحي من أن أقول لأبي بكر أعطني الطعام.
لكن قال أبو هريرة: أسأل أبا بكر سؤالًا فلعله يتفطن لي أثناء عرض السؤال إني أنا جائع، وإني أنا منهك القوى.
قال: فسألته، فمر ولم يفعل.
سأله وأجاب على السؤال ومشى، ما تفطن، ثم مر بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله تعالى ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم، فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي، وما في وجهي.
قبل أن يتكلم أبو هريرة بشيء، عرف من وجه أبي هريرة ما هي مشكلته، أنه جائع، قال: أبا هرّ.
فقلت: لبيك يا رسول الله.
قال: الحق.
ومضى فتبعته، فدخل، فاستأذن، فأذن لي، فدخل فوجد لبنًا في قدح... إلى آخر الحديث الصحيح[25].
ﷺ كان يعلم من نبرات الصوت، من الألفاظ، من تعابير الوجه ما هي حالة المتكلم، ولذلك في الحديث الصحيح يقول لعائشة: إني لأعلم إذا كنتِ عني راضية وإذا كنتِ عليّ غضبى[26].
مراعاة الزوج لحال زوجته.
يقول الرسول ﷺ لعائشة: أنا أعرف إذا كنتِ غضبى أو راضية.
كيف؟
أما إذا كنتِ عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد.
تحلفين برب محمد.
وإذا كنتِ علي غضبى قلتِ: لا، ورب إبراهيم.
لو ناس احتاجوا للسؤال، جاءوا إلى رجل عنده خير، فأرادوا الشيء من الخير الذي عنده حتى لا يريق ماء وجوههم، لا ينتظر هم يسألوه، ولكن يقول: لعلكم جئتم تحتاجون شيء، ماذا تحتاجون؟ ما هو مطلوبكم؟
ولذلك لما جاء أبو عبيدة بمال من البحرين على عهد الرسول ﷺ والصحابة جياع، سمعوا بالخبر فجاءوا إلى رسول الله ﷺ لصلاة الفجر، فتعرضوا له في الطريق، ما انتظر الرسول ﷺ الصحابة يقولون له: أعطنا من المال الذي جاء به أبو عبيدة.... لا.
بادرهم هو، قال: أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟
فقالوا: أجل يا رسول الله.
قال: فأبشروا وأملوا ما يسركم، ما أخشى عليكم الفقر... إلى آخر الحديث[27].
لو واحد أخطأ وندم على خطئه، أو واحد عمل عملًا خطأ، يحاول المسلم يداري على أخيه المسلم، ولو أخطأ عليك في حقك لا تدعو عليه، تقول: اللهم أهلكه، اللهم افعل كذا، اللهم كذا...
قل: اللهم اهده، اللهم يسر له أمره، اغفر له.
هذه قصة جميلة جدًا، صحيحة...
عن المقداد قال: "أقبلتُ أنا وصاحبان لي وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد -يعني من الجوع- فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله ﷺ، فليس أحد منهم يقبلنا، ما عندهم شيء.
فأتينا النبي ﷺ، فانطلق بنا إلى أهله فإذا ثلاثة أعنُز.
جمع عنز، فقال النبي ﷺ: احتلبوا هذا اللبن بيننا.
قال: فكنا نحتلب، فيشرب كل إنسان منا نصيبه، ونرفع للنبي ﷺ نصيبه.
يعني الرسول ﷺ كان ينشغل عنهم، يتأخر، يأتي في الليل، يأخذ هذا، ويشرب الباقي نصيبه.
قال: فيجيء من الليل فيسلم تسليمًا لا يوقظ نائمًا، ويسمع اليقظان.
انظر مراعاة شعور النائمين، يمكن فيهم ناس ما ناموا، يسلم عليهم تسليمًا بصوت منخفض، إن كان مستيقظًا رد عليه، وإن كان نائمًا ما أزعجه.
ثم يأتي المسجد فيصلي، ثم يأتي شرابه فيشربه.
فأتاني الشيطان ذات ليلة.
الآن هم شربوا نصيبهم، والآن باقي نصيب الرسولﷺ، ما جاء الرسول ﷺ بعد.
فأتاني الشيطان ذات ليلة، وقد شربتُ نصيبي -يقول المقداد- الشيطان يقول للمقداد وسوسة- يقول: محمد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم، وما به حاجة إلى هذه الجرعة.
الرسول ﷺ يأتي الأنصار ويكرمونه الناس، فليس محتاجًا إلى هذا النصيب، فأتيت فشربتها، فلما أن وغلت في بطني، وعلمت أنه ليس إليها سبيل -ما يمكن تخرج - ندمّني الشيطان.
هذا الشيطان الملعون لا يترك أحدًا، لا إذا أطاعه ولا إذا عصاه، ما يترك أحدًا.
فجاءني الشيطان ندمّني، فقال: ويحك ما صنعت، أشربت شراب محمد؟ فيجيء فلا يجده، فيدعو عليك فتهلك فتذهب دنياك وآخرتك.
يقول المقداد: وعلي شملة إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي -قصيرة - وإذا وضعتها على رأسي خرجت قدماي، وجعل لا يجيئني النوم.
من الندم الآن، لوم النفس... وأما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت، ما اشتركوا في الجريمة.
فقال: فجاء النبي ﷺ، فسلّم كما كان يسلّم، ثم أتى المسجد، فصلى، ثم أتى شرابه فكشف عنه، فلم يجد به شيئًا فرفع رأسه إلى السماء، فقلت الآن يدعو علي فأهلك.
فقال الرسول ﷺ: اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني.
هذا الرسول ﷺ رحمة للعالمين، حريص على المؤمنين، عزيز عليه ما عنتم، رؤوف رحيم.
فالمقداد عندما سمع الدعاء، قام إلى الأعنُز المحلوبة، يعني قام وأخذ الشفرة، قال: أذبح له واحدة منها بدل اللبن هذا الذي شربته.
قال: فوجدتها كلها حٌفّل.
معجزة، حلبت قبل قليل الآن، وجدها كلها فيها لبن، قال: فحلبت منه، وجئته إليه.
فقلت: اشرب يا رسول الله.
فشرب، وشرب، وشرب، قال: فلما رأيته قد شرب وشبع...
قال: فضحكت حتى استلقيتُ على قفاي من الضحك.
فقال الرسول ﷺ: إحدى سوآتك يا مقداد.
أنك أنت الذي فعلتها.
فقلت: يا رسول الله، صار من أمري كذا وكذا وكذا...
فقال الرسول ﷺ: هلا أيقظت صاحبيك ليشربا.
يعني ليشربا معنا الآن.
قال: والله يا رسول الله لا أبالي من شرب بعدك[28].
وهذه قصة صحيحة في صحيح مسلم وغيره.
مراعاة الإسلام لشعور من أحدث حدثًا في الصلاة
من مراعاة الشعور: لو حصل شيء يخجل الواحد، كيف يعالج؟
مثال: يقول ﷺ في الحديث الصحيح: إذا أحدث أحدكم في صلاته
لأن هذا موقف حرج، تصور الآن واحد واقف في الصلاة وخرجت منه ريح، أو أنه سجد وخرجت منه ريح، ماذا يفعل؟
يقول الرسول ﷺ: إذا أحدث أحدكم في صلاته فليأخذ بأنفه ثم لينصرف[29].
ينصرف كأنه أصابه الرعاف، لأنه لو ما فعل هكذا وخرج، يقول الناس هذا فعلها في الصلاة، لكن عندما يخرج هكذا...، والله يا جماعة هذا دين عظيم، والله الذي لا إله إلا هو دين عظيم، والله الذي لا إله إلا هو لا تجدون لا عند اليهود، ولا عند النصارى، ولا عند سائر الديانات، ولا الكفار، ولا غيرهم، ولا الناس الذين عندهم أدب والذي ما عندهم أدب، ما تجدون عندهم مثل الأشياء هذه، هذا شيء خاص بهذا الدين.
عظمة هذا الدين، يراعي مشاعر المسلمين، يدور طريقة للمسلم، يأخذ بأنفه ثم لينصرف، كأنه أصابه رعاف.
طيب... لو واحد قال الآن: ليتك ما علمتنا.
الآن لو رأينا أحدًا يطلع من الصف هكذا، نقول أكيد أنه كذا...
لكن، قال بعض أهل العلم، لكنك الآن، ولو علمت هذا الحديث لو رأيت رجلًا خرج من الصف وهو أخذ هكذا، هل تجزم أنه قد أحدث في الصلاة؟ لا؛ لأنه ربما رعف فعلًا، يعني ما زال في الأمر احتمال.
أحسن من أنه ما يفعل شيئًا، ويخرج هكذا وأنت متأكد أنه أحدث.
فمع هذا، مع الحديث هذا الذي أنتم سمعتموه لا تجزم، ما تستطيع تجزم، ربما فعلًا عند رعاف، أليس هناك ناس يرعفون في الصلاة؟ بلى.
في حديث صحيح آخر لولا أن الصحابي قاله، يعني قد تستغربون من اللفظ، فيه لفظ، بعض الناس يظنون أنه شين في الحديث، يقول: كيف تقوله في المسجد؟
لكن لأنه حديث صحيح رواه الطبراني في الأوسط عن جابر هو في صحيح الجامع: نهى ﷺ عن الضحك من الضرطة[30].
قد يكون بعض الناس جالسين في المجلس، فالواحد يحدث حدثًا فيه صوت، ماذا يفعل الناس؟ يجلسون يضحكون على هذا الرجل المسكين، هذا الرجل عنده غازات وما يملك نفسه، وما هو متعمد، قام عدل الجلسة وخرج منه هذا...
فعلامَ يضحك أحدكم مما يفعل؟
يعني إذا كان هذا الشيء قد يحدث منك ومن غيرك، لم تضحك على أخيك المسلم؟ فمرر الموضوع، كأنه ما حصل شيء، غيّر، تكلم، واصل الكلام، هذا من الآداب، حتى لا يحرج الرجل القاعد.
لو ضحكوا عليه يمكن إنه يترك مجلسهم ويمشي، كذلك لو واحد مثلًا طاح طيحة شنيعة، أو تعثر ووقع، بعض الناس ماذا يفعلون؟ يضحك عليه، على الذي طاح.
إذا سقط مثلًا، أو انكشف ثوبه من خلاف تجد الناس يضحكون عليه.
عن الأسود قال: "دخل شباب من قريش على عائشة -رضي الله عنها- وهي بمنى وهم يضحكون، قالت: ما يضحككم؟ قالوا: فلان خرّ على طُنب فسطاط فكادت عنقه أو عينه أن تذهب".
هذا في جبل منى، واد تعثر بهذه الحبال، الخيام، طاح، وكاد يأتي على عينه، فهؤلاء الشباب ضحكوا، فقالت:" لا تضحكوا، فإني سمعت رسول الله ﷺ قال: ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة ومحيت بها عنه خطيئة[31].
انظر رحمة الله، وجع سن، وجع صداع في الرأس، مغص في البطن يكفر عنك السيئات، أين تجد هذا؟ في أي دين؟
ومن هذا الباب أيضًا عدم إحراج الناس، قوله في الحديث الصحيح: لا تحدوا النظر إلى المجذومين.
وفي رواية: لا تديموا النظر إلى المجذومين[32].
الذي به جذام، مرض، أو مثل برص، أي تشوه في الخلقة.
يقول ﷺ: لا تحدوا النظر إلى المجذومين[33].
رأيتَ أبرص، أو من فيه تشوّه مثلًا، أو مجذومًا، لا تطالع فيه كذا، لماذا تحدّق فيه؟
بعض الناس قد يقول: حتى لا تنتقل إليك العدوى.
ربما ليس صحيحًا، ليس لها علاقة بالعدوى، لكن السبب: حتى لا تحرجه، لان إذا جاء أبرص ودخل، وقعد، الناس يحدقون فيه، ماذا يحصل في نفسه؟ يحزن.
والغريب يا جماعة إني أنا مرة قلت هذا الحديث في مسجد، وكان أحد الجالسين فيه هذا المرض، يعني بهاق، وهذا جالس أمامي، يعني جالس ما حد يطالع فيه، لما قلت الحديث والذي بجانبه يلتفت، الذي بجانبه يوم إني قلت الحديث! لا تديموا النظر إلى المجذومين قاعد يطالع فيه الآن.
ماذا نقول الآن؟
ولأن في إدامة النظر إليهم نوع احتقار لهم، وكأن الواحد يعني يقول إني أنا ما جاءني اللي جاءك، وإني أنا... ويني ووينك؟ نعم!
من الله ابتلاء، يمكن إنه الآن كفر عنه سيئات كثيرة وهي ما زالت على ظهرك مثله...
الرسول ﷺ عندما يرى مريضًا من الصحابة به أذى، أحد الصحابة؛ كعب بن عجرة جاء إلى الرسول ﷺ في الإحرام، قال: "فأتيت النبي ﷺ فحُملتُ إليه والقمل يتناثر على وجهي.
جاء له قمل شديد في الشعر فجعل يتناثر على وجهه، فقال ﷺ ملطفًا عليه: ما كنت أرى الجهد بلغ منك ما أرى ما كنت أتوقع أن يصل بك الحال إلى ما أنت عليه الآن - أتجد شاةً؟
قلت: لا.
فنزلت هذه الآية: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [سورة البقرة:196].
تخفيف من الله على عباده.
فقال: صُمْ ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين.
يعني هذه الكفارة: صوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين نصف صاع طعام لكل مسكين.
قال: فنزلت فيّ خاصة وهي لكم عامة.
فقال له ﷺ: احلق رأسك، واذبح أو صُمْ، أو أطعم الكفارة[34].
جاءه الحرج، مع أنه في الإحرام ما يجوز حلق الشعر، لكن مسكين القمل آذاه.
قال: احلق شعرك وادفع الفدية.
مراعاة الإسلام للبنت البكر عند الزواج
من مراعاة الشعور أيضًا، المرأة البكر إذا جاء القاضي يسألها أمام الناس، يقال- يعني زوجتك- يقول لها: ترضين بفلان؟ من مراعاة الشعور الآن المرأة البكر لو جاء القاضي وسألها، وزوجها موجود، والشهود موجودون، وهذا في المحكمة، ماذا يقول القاضي للمرأة البكر؟ يقول: أترضين بفلان؟
أو المرأة عمومًا عند الزواج، ترضين بفلان؟
البكر، هل تتوقعون امرأة بكر تستحي، تقول أمام القاضي: نعم، أرضى بفلان؟
قدام العالم والناس؟ تسكت.
كيف يعرف القاضي أنها موافقة؟ بالسكوت.
ولذلك قال ﷺ: لا تنكح البكر حتى تُستأذن
قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟
تستحي! قال: أن تسكت[35].
وفي رواية: إذنها صماتها[36].
إذا سكتت معناها موافقة، وإذا رفضت فإنها سترفض، تقول: لا.
الآن جعل الصمت؛ حتى لا تُحرج هذه المرأة المسكينة، انظر إلى الإسلام كيف يراعي الشعور.
مثلًا: الزوجة تريد أن تلعب، لو واحد تزوج امرأة صغيرة، الرسول ﷺ تزوج عائشة وهي صغيرة، والمرأة وهي صغيرة...
يعني المرأة وهي صغيرة تحب اللهو واللعب، في حدود الشرع.
يأتي الواحد يقفل عليها، ويحجر عليها، ممنوع تلعب، ولا تقوم، ولا تتحرك من مكانها، تغسلين، تكنسين، تطبخين فقط ما لك غير هذا، ولكن هذا لا يصلح.
الرسول ﷺ كان يداعب نساءه، كان يداعب عائشة، يداعب أم سلمة، يمازحهن، كان يتكلم ويتلطف معهن، ومرة سابق عائشة في السفر، قال للصحابة: تقدموا. حتى لا يراه أحد وسابق عائشة.
عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله ﷺ، وعندها كانت دمى تلعب بها.
وكانت تأتيني صواحبي -عائشة تقول-.
كان يأتي عندي بنات مثل سنّي، فكنّ ينقمعن من رسول الله ﷺ، يعني هناك نوع من الخجل من الرسول ﷺ.
قالت: "فكان رسول الله ﷺ يسربهن إليّ".
يدخلهم بسرعة، يدخلون على يلعبون معها، ما في شيء، يخلي صاحبات المرأة يأتينها أو البنت الصغيرة التي عندك يأتين يلعبن معها، ما في شيء.
لو أن ناسًا مخلصين عملوا عملًا وما نجحوا، يقول ﷺ: ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم، وما من غازي أجورهم، وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجرها[37] أخفقوا، ما انتصروا، وأصيبوا لهم الأجر كاملًا، والذين انتصروا وأخذوا الغنائم لهم ثلثي الأجر.
ويقول ﷺ: أيما مسلم رمى بسهم في سبيل الله فبلغ مخطئًا أو مصيبًا فله من الأجر كرقبة أعتقها من ولد إسماعيل.
لو أنت الآن معك البندق، وجاءك أعداء المسلمين وأطلقت عليهم، أصبتَ أو لم تصب كأن لك من الأجر مثل رقبة أعتقتها من ولد إسماعيل[38].
وكذلك يقول ﷺ في مراعاة شعور الناس الذين يريدون يخرجون في الجهاد ولا استطاعوا: إن بالمدينة رجالًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم حبسهم المرض.
يعني صار لهم من الأجر مع إنهم قاعدين، لكن ما يستطيعون الذهاب للجهاد.
مراعاة الإسلام لشعور التائبين من أصحاب المعاصي
وفي مراعاة شعور التائب إذا تاب من الذنب، يقول ﷺ: إذا زنت أمة أحد فليقم عليها الحد ولا يثرّب[39].
يعن لا يعيبها.
واحد عمل الذنب وتاب، لا تجلس تعيره بالذنب، تقول: تذكر كذا، فعلت كذا، قبل كذا سنة، قبل سنتين، وقبل عشر سنوات أنت وقعت في الفاحشة.
لا تعيره، انتهى يا أخي، تاب إلى الله، استر عليه، من ستر مسلمًا ستره الله[40].
ولا تعيبه أمام الناس إنه فعل الذنب ما دام أنه تاب.
الإسلام ومراعاة شعور الحيوان
وختامًا آخر حادثة أقولها لكم الآن إنه من عظمة هذا الموضوع، ومن أهميته: مراعاة الشعور، مراعاة النفسيات، أنه ليس فقط مراعاة شعور ونفسيات بني الإنسان، بل أن الإسلام جاء بمراعاة شعور الحيوانات.
تقول لي: كيف الإسلام جاء بمراعاة شعور الحيوانات؟
أقول لك: اسمع إلى هذا الحديث الصحيح...
مر رسول الله ﷺ على رجل واضع رجله على صفحة شاة...
يعني جاب شاة، سدحها، ووضع رجله على صفحتها، صفحة الشاة، جنب الشاة، وهو يحدّ شفرته.
الآن تخيل المنظر، الشاة على الأرض، واضع رجله عليها، ويحدّ الشفرة وهي تلحظ إليه ببصرها.
والله شيء يقطّع القلب، حتى لو كان حيوانًا، هي تحت في الأرض وهو يحد الشفرة وهي تلحظ إليه ببصرها
مر الرسول ﷺ على هذا الرجل في هذه الحال، فقال: مقرّعًا وموبّخًا أتريد أن تميتها موتات؟ تموتها قبل لا تموت[41].
هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها؟
مراعاة شعور حتى الحيوان، حتى البهيمة، هذا من رحمة الإسلام.
فإذن، ختامًا نقول: هذا الباب باب عظيم، وقلّ من ينتبه إليه من المسلمين اليوم، وكم من أناس جرحوا شعور إخوانهم بكلمات، وتصرفات سيئة، وكم من أواصر تقطعت، وأناس هجروا آخرين ولم يسألوا عن بعض بسبب كلمة واحدة قالها واحد للآخر في مجلس، كلمة أدت إلى قطيعة سنوات لأجل هذا السبب.
عدم الاعتناء بالشعور، عدم الاعتناء بالنفوس.
وفقنا الله وإياكم لأن نقوم بحقوق إخواننا، وأن نعتني بشعورهم، وأن يوفقنا وإياكم للقيام بحقوق الأمة الإسلامية، وأن يجعلنا إخوانًا متحابين في سبيله، قائمين بشرعته ونصر دينه، وأن يغفر لنا ولكم، وأن يدخلنا الجنة بحوله وقوته ورحمته رجالًا ونساءً وأولادًا.
وصلى الله على نبينا محمد.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الصافات:180- 182].
- ^ رواه مسلم: (1786).
- ^ تفسير الطبري: (6/ 150).
- ^ وهو حديث في الصحيح. رواه الترمذي: (2825)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد: (493).
- ^ رواه أحمد: (8312)، وقال محققه الارنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- ^ رواه البخاري: (6269)، ومسلم: (2177).
- ^ رواه مسلم: (2179).
- ^ رواه أحمد: (15603)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (584).
- ^ رواه البخاري: (3173)، ومسلم: (1669).
- ^ رواه البخاري: (1825)، ومسلم: (1193).
- ^ رواه البخاري: (373)، ومسلم: (556).
- ^ رواه مسلم: (2054).
- ^ رواه الآجري في الشريعة: (1062)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: (1977).
- ^ رواه البخاري: (1889).
- ^ رواه البخاري: (631)، ومسلم: (674).
- ^ رواه البخاري: (269)، ومسلم: (306).
- ^ رواه ابو داود: (211)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: (206).
- ^ رواه مسلم: (537).
- ^ رواه البخاري: (6025)، ومسلم: (284).
- ^ سير أعلام النبلاء: (8/ 383).
- ^ تفسير الطبري: (22/ 655).
- ^ رواه مسلم: (1763).
- ^ رواه مسلم: (2769).
- ^ رواه البخاري: (3141)، ومسلم: (1752).
- ^ رواه مسلم: (1478).
- ^ رواه البخاري: (6452).
- ^ رواه البخاري: (5228)، ومسلم: (2439).
- ^ رواه البخاري: (4015)، ومسلم: (2961).
- ^ رواه مسلم: (2055).
- ^ رواه أبو داود: (1114)، والحاكم في المستدرك: (655)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (286).
- ^ رواه الطبراني في الأوسط: (9433)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6896).
- ^ رواه مسلم: (2572).
- ^ رواه ابن ماجة: (3543)، والطبراني في الكبير: (2897)، وابن أبي شيبة: (24544)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (7269).
- ^ رواه ابن ماجة: (3543)، والطبراني في الكبير: (2897)، وابن أبي شيبة: (24544)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (7269).
- ^ رواه البخاري: (4191)، ومسلم: (1201).
- ^ رواه البخاري: (5136)، ومسلم: (1419).
- ^ رواه البخاري: (6971).
- ^ رواه مسلم: (1906).
- ^ . رواه أحمد: (17023)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (2739).
- ^ رواه البخاري: (2152)، ومسلم: (1703).
- ^ رواه البخاري: (2442)، ومسلم: (2580).
- ^ رواه الحاكم في المستدرك: (7563)، وقال هذا حديث صحيح على شرط البخاري.