إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
الحمد لله الذي بعث محمدًا ﷺ في نسم الساعة هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، ومحذرًا لما في اليوم الآخر من غضب الله تعالى وعقابه، وأليم عذابه، ومبشرًا بما يكون فيه من جنته.
مقدمة
قيام الساعة، وما أدراك ما قيام الساعة، أنه الحدث الرهيب، واليوم العصيب، إنه ركن من أركان الإيمان، الإيمان باليوم الآخر، وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ [البقرة: 177]، والكافر به كفره عظيم، وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا[النساء: 136].
وقال النبي ﷺ: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره [رواه مسلم: 8].
متى تكون الساعة؟ هل قريبة أم بعيدة؟ هل لها أشراط ومقدمات؟ ما هي هذه الأشراط؟ وما هي هذه المقدمات؟ لماذا أخفيت الساعة؟ متى تقع هذه الأشراط؟ ما أنواعها؟ ما هو موقفنا من أشراط الساعة؟ هل نحن مطالبون بإحداثها؟ هل نحن مطالبون بالمساهمة في تحقيقها في الواقع؟ ما هو الموقف من البحث في أشراط الساعة؟ هذه القضية المغيبة التي تريدها النفوس لأنها فطرت على معرفة المجهول، وحب استطلاع المستقبل.
ما هو موقفنا ممن تكلم في أشراط الساعة وطبقها تطبيقات عجيبة كما في هذا الزمان؟ زمن الحروب والفتن والأحداث العالمية الكبيرة التي عمد فيها بعض الناس إلى الربط بين أحاديث الفتن وأشراط الساعة، وبين الحروب التي تقع في العالم، وهذه الحوادث الكبيرة هل أصابها هؤلاء أم أخطأ؟
هؤلاء الذين تحدثوا أن الدنيا بعد النبي عليه الصلاة والسلام ألف وخمسمائة عام، وأن عمر هذه الأمة لا يجاوز الألف والخمسمائة، والذين تنبؤا متى تقوم الساعة، وتكلموا عن ذلك، والذين ربطوا بين الأحداث الموجودة الآن وأشراط الساعة، ما هو الحكم على ربطهم هذا؟ ثم نتفرع في تقسيم الأشراط إلى كبرى وصغرى، ما هو الذي تحقق من الصغرى؟ هل بقي أشياء من الصغرى لم تقع بعد؟ هل هناك أشراط من الصغرى ستتخلل الكبرى؟
أو أن الكبرى لن تبدأ إلا إذا انتهت آخر واحدة من الصغرى؟ ما هو ترتيب هذه الأشراط الكبرى؟ وما هو الكلام على كل واحدة من هذه الشروط والأشراط.
كل ذلك سنعرفه بمشيئة الله تعالى في هذه الدورة العلمية عن أشراط الساعة، إنها قضية عقيدة جديرة بالاهتمام، وإنها من قضايا الإيمان، وإن فيها نصوصًا في القرآن والسنة كثيرة جديرة بمعرفة معانيها، واستخلاص العبر منها، وكذلك حتى يكون عندنا ميزان جيد في النظر في الأمور، وضوابط شرعية خصوصاً أن هذه القضية خاض فيها كثيرون، الربط بين الأحداث والأشراط، تفسير الأشراط بناء على الأحداث، والقول إن فلان هو المهدي، السفياني هو حاكم العراق المخلوع إلى آخر ذلك، ما هي حقيقة هذه الادعاءات؟
لا يعلم الساعة إلا الله
أيها الإخوة: بادئ ذي بدئ لا بد أن نعلم أن الساعة من علم الله الذي لا يعلمه أحد إلا هو، لقد طوى عن جميع الخلق علمها، فلا يطلع عليها أحد، وقد أكثر المشركون السؤال متى الساعة، استبعادًا لوقوعها، وكفرًا بها، يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[الأعراف: 187]. يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا [الأحزاب: 63]، ولذلك أمرنا بتفويض علمها إلى الله، كما أمر نبينا ﷺ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، إذًا من الضوابط أنه لا يمكن أحد إطلاقًا أن يعلم متى تقوم الساعة، لا ألف وخمسمائة ولا غيرها.
قال الشنقيطي رحمه الله: "إنما صيغت حصر، فمعنى الآية أن الساعة لا يعلمها إلا الله وحده". [أضواء البيان: 6/360].
وقال ابن كثير رحمه الله: في قوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، [الأعراف: 187].
أمر النبي ﷺ إذا سئل عن وقت الساعة أن يرد علمها إلى الله تعالى، فإنه هو الذي يجليها لوقتها، يعني: يعلم جلية أمرها، ومتى يكون على التحديد؟ لا يعلم ذلك إلا هو تعالى، ولذلك قال: ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، يعني: ثقل علم وقتها على أهل السماوات والأرض. [تفسير ابن كثير: 3/518].
يعني: لا يطيقونه لا يستطيعونه، وقال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا[النازعات: 42-45].
قال ابن كثير رحمه الله: "أي ليس علمها إليك، ولا إلى أحد من الخلق، بل مردها ومرجعها إلى الله فهو يعلم وقتها على التعيين". [تفسير ابن كثير: 8/318].
قال الشيخ السعدي رحمه الله: "ولهذا لما كان علم العباد للساعة ليس لهم فيه مصلحة"، متى تقوم بالضبط التاريخ لو كان لنا فيه مصلحة دينية أو دنيوية ما كتمها الشارع عنا، والله كريم يجود على عباده لو كان هناك مصلحة لنا في تعيين الساعة متى تقوم بالضبط ما كتم عنا خبرها، بل مصلحتنا في عدم تعيين الوقت، "ولهذا لما كان علم العباد للساعة ليس لهم فيه مصلحة دينية ولا دنيوية بل المصلحة في إخفائها عليهم، طوى علم ذلك عن جميع الخلق، واستأثر بعلمه، فقال: إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: 1/910].
وقال تعالى: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ [فصلت: 47]، تقديم الجار والمجرور يفيد الاختصاص والحصر، إِلَيْهِ، يعني: لا إلى غيره، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان: 34] تقديم عنده، ما قال: علم الساعة عنده، قال: عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ يعني: عنده وليس عند غيره، وقال النبي ﷺ: مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [رواه البخاري: 4627]. وتلا الآية -علق ابن عباس رضي الله عنهما على هذا فقال: هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله تعالى، ولا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل، لا جبريل ولا محمد ﷺ.
فمن ادعى أنه يعلم شيئًا من هذه فقد كفر بالقرآن؛ لأنه خالفه، ومن الأحاديث التي تدل على أنه لا النبي ﷺ ولا جبريل يعرفان متى الساعة، لما قال له جبريل: أخبرني عن الساعة؟ فأجابه ﷺ: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل.
وقد جاء في رواية لأحمد وصححها أحمد شاكر وضعفها الألباني: لقيت ليلة أسري بي إبراهيم، وموسى، وعيسى، فتذاكروا أمر الساعة، فردوا أمرهم إلى إبراهيم، فقال: لا علم لي بها، فردوا الأمر إلى موسى، فقال: لا علم لي بها، فردوا الأمر إلى عيسى قال: أما وجبتها يعني: وقت وجوبها فلا يعلمها إلا الله-متى تقوم- ذلك فيما عهد إليّ ربي أن الدجال خارج، قال: ومعي قضيبان، فإذا رآني يذوب كما يذوب الرصاص، قال: فيهلكه الله [مسند أحمد: 3556، وضعفه الألباني السلسلة الضعيفة: 4318].
وقال النبي ﷺ قبل أن يموت بشهر: تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله، وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة [رواه مسلم: 2538].
نفى النبي ﷺ أن يعلم متى الساعة، لكن أخبرهم عن ساعة القرن الذي هم فيه، الناس الذين كانوا موجودين على وجه الأرض قبل موت النبي ﷺ بشهر أخبرهم بمعلومة عنهم: أنه لا تأتي عليهم مائة سنة وهم أحياء، يعني: كل البشر الذين كانوا موجودين على عهد النبي ﷺ، قبل موته بشهر كلهم سيموتون في غضون مائة سنة، من ذلك التاريخ.
ومن فوائد هذه المعلومة أنه لو ادعى شخص الصحبة بعد سنة 110هـ، وقال لقيت النبي ﷺ، وجاهدت مع النبي ﷺ، سمعت النبي ﷺفهو كذاب.
ومن فوائد هذه المعلومة أن الخضر لو كان موجودًا فقد مات، مع أنه أصلاً قد مات قبل النبي ﷺ هذا هو الراجح لكن لو كان موجودًا فلا يمكن أن يكون حيًا الآن.
ومن الأدلة على أنه لم يكون موجودًا في وقت النبوة أين هو عن المشاهد العظيمة، أين هو عن يوم بدر، وأين هو عن فتح مكة، وأين هو الإيمان بالنبي ﷺ وهو نبي الخضر، وكل واحد من الأنبياء مطالب بالإيمان بالنبي ﷺ، فأخبرهم بهذه المعلومة، ونفى علم الساعة الكبرى.
قال ابن كثير: فهذا النبي الأمي سيد الرسل وخاتمهم صلوات الله عليه وسلامه نبي الرحمة، ونبي التوبة، ونبي الملحمة، والعاقب، والمقفى، والحاشر الذي تحشر الناس على قدميه على إثره، مع قوله فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث أنس وسهل بن سعد رضي الله عنهما: بعثت أنا والساعة كهاتين وقرن بين أصبعيه السبابة والتي تليها. [رواه البخاري: 6504، ومسلم: 867].
ومع هذا كله أمره الله تعالى أن يرد علم وقت الساعة إليه إذا سئل عنها، قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 187]. [تفسير ابن كثير: 3/523].
حاول بعض الناس التلاعب بالأحاديث قالوا: إنه هو وجبريل يعلمانها من حديث: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل [رواه مسلم: 9]، قال: كلنا نعلمها.
قال ابن القيم رحمه الله في المنار المنيف: "وقد جاهر بالكذب بعض من يدعي في زماننا العلم -وهو يتشبع بما لم يعط- أن رسول الله ﷺ كان يعلم متى تقوم الساعة، قيل له: فقد قال في حديث جبريل: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، فحرفه عن موضعه، وقال: معناه أنا وأنت نعلمها، وهذا من أعظم الجهل، وأقبح التحريف.
والنبي ﷺ لما قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، يعني: لا يعلمها لا سائل ولا المسؤول، وهذا يعم كل سائل وكل مسؤول، كما قال ابن القيم رحمه الله. [المنار المنيف: 1/81].
من المحاولات التي سطرها بعضهم -أيضاً- ما ذكره صاحب كتاب الحاوي أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وأن النبي ﷺ بعث في أواخر الألف السادسة، وعلى ذلك يكون عمر هذه الأمة أقل من ألف وخمسمائة، وقال: لا يمكن أن تكون المدة ألف وخمسمائة". [الحاوي للفتاوي للسيوطي: 3/122].
أصلاً كلامه مردود لا يعلم متى الساعة إلا الله، وتحديد أنه لا تزيد هذه الأمة على ألف وخمسمائة يعني: أن الساعة قبل عام ألف وخمسمائة للهجرة هذا تخرص، وكلام بلا علم، ورجم بالغيب، وكيف عرفنا أن الدنيا سبعة آلاف عام؟ ما هو الدليل على هذا؟ نحن الآن ما نعرف بالضبط كم الذي مضى؟ وكيف سنعرف بالضبط كم الذي بقي؟ ولذلك فإن مثل هذا الكلام يرد، ولا يقبل.
قال ابن القيم رحمه الله: "ومنها -أدلة الحديث الموضوع- مخالفة الحديث لصريح القرآن كحديث مقدار الدنيا، وأنها سبعة آلاف سنة، ونحن الآن في الألف السابعة"، قال: "وهذا من أبين الكذب لأنه لو كان صحيحًا لكان كل أحد عالما أنه قد بقي للقيامة من وقتنا هذا مائتان وإحدى وخمسون سنة، والله تعالى يقول: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[الأعراف: 187]" [المنار المنيف: 1/80].
شخص ألف كتاباً، وقال: إن عمر هذه الأمة ألف وخمسمائة سنة، فماذا تقول له في رد الباطل هذا: لو كان كلامك صحيحًا أن عمر هذه الأمة ألف وخمسمائة سنة، فنحن آخر أمة قطعًا، معنى ذلك أن كل الناس يعلمون متى الساعة؟ ما صار علم الساعة غيبي؟ إذا قلت: نحن في عام 1424ه وزد عليها من البعثة؛ لأنهم أرخوا بالهجرة زد عليها من البعثة، يعني: باقي على قيام الساعة حدود سبعين سنة مثلاً.
أين الغيب؟ أين اختصاص الله تعالى بعلم الساعة؟ الذي يجزم أن عمر الأمة ألف وخمسمائة سنة معناه استخرج متى تقوم الساعة، معناه صار علم الساعة هذا مبذول لكل الناس، فإذًا كلام باطل قد يكون قبل، وقد يكون بعد، فالجزم أن هذا هو عمر الأمة وعنده تقوم الساعة، في نهايتها معناها صادمنا القرآن.
وقال ابن كثير في كتاب النهاية في الفتن والملاحم: "لم يثبت في حديث عن النبي ﷺ أنه حدد وقت الساعة بمدة محصورة، وإنما ذكر شيئًا من علاماتها وأشراطها وآماراتها". [النهاية في الفتن والملاحم: 1/6].
وقال أيضاً: "والذي في كتب الإسرائيلين، وأهل الكتاب من تحديد ما سلف بألوف ومئات من السنين، قد نص غير واحد من العلماء على تخطئتهم فيه، وتغليطهم، وهم جديرون بذلك حقيقون به". [النهاية في الفتن والملاحم: 1/16].
فكل حديث ورد فيه تحديد وقت القيامة على التعيين لا يثبت إسناده.
قال السخاوي في المقاصد الحسنة: "كل ما ورد مما فيه تحديد لوقت يوم القيامة على التعيين فإما أن يكون لا أصل له، أو لا يثبت إسناده". [المقاصد الحسنة: 1/693].
من قال: إن المهدي يظهر بعد الألف بمائتي سنة -هناك من قال بهذا- وقد انقضت اليوم ألف وأربعمائة وأكثر ولم يظهر المهدي.
بعض الناس قالوا: إن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة، ثم تقوم الساعة، ما هو الدليل؟ لو طلعت الشمس من مغربها متى تنفخ النفخة التي يموت فيها الناس؟ الله أعلم.
فالتحديد غلط، وهكذا ممن حد التواريخ، وظهور الدجال بالتحديد، ونزول عيسى بالتحديد بالتاريخ، قال مثلاً: عام ألف وكذا يطلع الدجال، وألف وكذا ينزل عيسى، فإنه أيضاً تخرص بلا علم.
حكم من ادعى علم الساعة
ما حكم من زعم أنه يعلم متى الساعة؟ لو ظهر شخص، وقال: أنا أعرف متى تقوم الساعة، هناك بعض الصوفية يقولون: بحسب الجمل الحروف المقطعة في أوائل السور لها مقابلها أرقام عند العرب، وعند غيرهم، وبعضهم يستعملها في التنجيم أباجاد -أبجد هوز حطي- إلى آخره، يقولون: الهمزة بواحد، والباء باثنين، والجيم بثلاثة، والدال بأربعة، والهاء بخمسة والواو بستة، والزاي بسبعة، وهكذا إذا خلصت العشرة تبدأ الحروف التي بعدها عشرة عشرين ثلاثين أربعين خمسين ستين سبعين ثمانين وتسعين، ثم الذي بعدها مائة مائتين ثلاثمائة هذه أرقام أعطيت للحروف ممكن تستعمل استعمالاً صحيحًا فإذا أراد إنسان أن يعبر عن سنة معينة بالحروف يأخذ مثلاً 1420 يطلعها بالحروف، العرب كانت تعد بهذا، في ناس أرادوا من وراء هذه الحسابات التوصل إلى متى الساعة بطريق الأحرف المقطعة الموجودة في أوائل السور، وهذا ضلال مبين، ومن مشايخ الصوفية من يقول: أنا أعلمها وحسابها كذا وكذا، وهي عام كذا وكذا.
قال ابن العربي في أحكام القرآن: مقامات الغيب الخمسة التي لا يعلمها إلا الله، من ادعى علمها فقد كفر، كل من قال: إنه ينزل الغيث غداً فهو كافر، إلى آخر كلامه رحمه الله. [أحكام القرآن: 3/431].
فمن جزم بأن عنده علم الساعة كافر، لماذا لأنه شيء أختص الله به.
وقال الشيخ صديق حسن خان رحمه الله في الدين الخالص: فمن أعتقد في نبي، أو ولي، أو جني، أو ملك، أو إمام، أو ولد الإمام، أو شيخ، أو شهيد، أو منجم، أو رمال" -الذين يخطون في الرمل، وهناك ناس يضربون بالودع، وهناك ناس بكرة الكريستال في العصر الحديث- "أو راهب، أو جنية، أو خبيث من ادعى أو اعتقد أن واحد من هؤلاء له مثل هذا العلم، يعلم الغيب فهو مشرك بالله، وعقيدته من أبطل الباطلات، وأكذب المكذوبات". [نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف: 1/323].
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في فتح المجيد: "من يدعي معرفة علم شيء من المغيبات فهو إما داخل في اسم الكاهن أو مشارك له في المعنى، فيلحق به". [انظر: فتح المجيد: 299].
علم الساعة استأثر الله به لا يجوز تعيينه، ولا اعتقاد أن أحدًا يعلمه، وإذا عرفت هذه الحقيقة تعرف أن الاشتغال بتعيينه إضاعة وقت، يعني: نحن إذا عرفنا أنه لا سبيل لمعرفة متى تقوم الساعة، إذًا محاولة البحث في هذا الموضوع إضاعة وقت ترهات، والذين ألفوا فيه يشغلون أنفسهم بالترهات، ويشغلون الناس بالترهات.
وهذه قضية مهمة إن العلم الشرعي له فوائد في وقاية الناس من البحث في أشياء لا طائل من ورائها، خذوا مثالاً لو أصحاب وكالة الفضاء ناسا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويسيرون على دين الإسلام هل سيبحثون في إمكانية استقرار البشر على سطح المريخ، والسكن عليه، وإقامة مستعمرات للبشر في المريخ؟
لماذا؟ لأن الله قال: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ [البقرة: 36]، فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ [الأعراف: 25]، أهبط الله آدم إلى هذا الكوكب، وأخبرنا أن نحيا فيها ونموت فيها، ولكم فيها مستقر ومتاع إلى حين، ولكم فيها ليس في غيرها هذا معنى الآية.
البحث في قضية السكن على المريخ هذا إهدار أموال. انظر إلى فائدة العلم الشرعي، كيف يقي الإنسان من الخوض في قضايا وإهدار أموال وأوقات فيها ولا نتيجة فيها، فمن أراد أن يؤلف متى الساعة، أو يشغل الناس بهذا، أو الناس الذين يقرءون هذا الكتب يضيعون أعمارهم فيما لا يفيد، وكما أنه لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله، فكذلك لا يعلم أحد متى أشراطها إلا الله، إذا قلنا: إنه لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله سيتفرع عن ذلك أيضاً أنه لا يعلم متى تتحقق أشراطها إلا الله.
فلو قال قائل: أنا أؤرخ لكم ظهور الدجال في سنة كذا، ونزول عيسى في سنة كذا، وخروج يأجوج ومأجوج في سنة كذا، والخسوف ستكون في سنة كذا، فإن هذه الأشراط -أيضاً- لا يعلمها إلا الله.
أشراط الساعة أقسامها
ما هي الأشراط؟ وما تعريف الأشراط؟
الأشراط جمع شرط بفتح الشين والراء، والشرط العلامة، قال تعالى: فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد: 18]، يعني: أماراتها وعلاماتها.
ما هي الساعة؟
عرفنا الأشراط ما معنى الساعة؟ الساعة تطلق على جزء من أجزاء الليل والنهار، والساعة تطلق على القيامة، وهذا هو المقصود هنا، وفي كتاب الله الساعة الوقت الذي تقوم فيه القيامة.
ومعنى أشراط الساعة علامات القيامة.
تنقسم أشراط الساعة إلى أشراط صغرى، وأشراط كبرى:
فالأشراط الصغرى التي تتقدم الساعة بأزمان متطاولة، وتكون من النوع المعتاد غالبًا.
أشراط الساعة الكبرى هي الأمور العظام التي تظهر قرب وقوعها، وتكون غير معتادة الوقوع.
الفرق بين أشراط الساعة الكبرى والصغرى:
لو قال قائل: نريد أن نميز بين أشراط الساعة الكبرى والأشراط الصغرى؟ فكيف نميز؟
نقول: الأشراط الصغرى تحدث قبل قيام الساعة، أو يبدأ حدوثها قبل قيام الساعة بأزمان متطاولة، ممكن تحدث قبل قيام الساعة بألف سنة، النبي ﷺ بعثته أول أشراط الساعة، كم مضى عليه؟ أكثر من ألف وأربعمائة وعشرين سنة، وهو أول أشراط الساعة، وفي أشراط حدثت في عهده، اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر: 1]، وفي أشراط حدثت بعد عهده، وفي أشراط حدثت في زماننا المتأخر.
أشراط الساعة الصغرى تتوالى على مدى طويل.
أشراط الساعة الكبرى تتعاقب وراء بعض كحبل خرز انقطع، فترى الخرزات تتوالى، هذا من الفروق:
أن أشراط الساعة الصغرى تحدث قبل الساعة بأزمنة متطاولة، أشراط الساعة الكبرى تحدث قبلها بقليل.
أشراط الساعة الصغرى تحدث على التراخي، ممكن تأخذ ألف ومائة سنة، وهي تحدث وتقع واحدة وراء واحدة، يعني النبي ﷺ ظهر أول أشراط الساعة قبل أكثر من ألف وأربعمائة وعشرين سنة، النار التي أضاءت أعناق الإبل ببصرى -الشام- خرجت في حدود سنة 654، ترى الحفاة العراة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان هذا يمكن ما صار إلا مؤخرًا، البدو بنوا ناطحات السحاب.
لاحظ كيف أن أشراط الساعة الصغرى تحدث على مدى طويل، أشراط الساعة الكبرى تحدث وراء بعض كحبل خرز انقطع فتوالت الخرزات، مثل المسبحة إذا انقطعت تتوالى.
الفرق الثالث: أن أشراط الساعة الصغرى من نوع الأمور المعتادة: ظهور الجهل، ظهور الزنا.
لا نقصد بالمعتادة يعني: حلال أو حرام، لا، أنما نقصد أن ذلك يحدث عادةً، ليس من الخوارق، ليس من الأشياء العجيبة جداً التي يذهل فيها الناس إذا وقعت.
لكن أشراط الساعة الكبرى أشياء غير معتادة الوقوع، يعني: يأجوج ومأجوج يخرجون يمسحون الأرض، ويشربون بحيرة طبرية، الدجال معه جنة ونار، الدجال سرعته كسرعة الريح، ويأتي على الأرض يقول: أخرجي كنوزك، فتخرجها، وتتبعه كنوز الأرض، يأمر السماء أن تمطر، فتمطر، يأمر الأرض أن تخرج النبات، فتنبت بإذن الله، هذا غير معتاد، هذه قضية لا يتخيلها الناس، هذه قضية لو وقعت مذهلة جداً.
إذًا درجة حجم الشيء إذا وقع من الفروق بين أشراط الساعة الكبرى والصغرى.
الإيمان بأشراط الساعة من الإيمان بالغيب
وكذلك فإن الإيمان بأشراط الساعة من الإيمان بالغيب؛ لأن هذا تبع لذاك، والذي يؤمن بالغيب سيؤمن بالساعة، وبأشراط الساعة الكبرى والصغرى، وأول صفة وصف الله بها المؤمنين في سورة البقرة: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ[البقرة: 3].
قال الطحاوي رحمه الله: "ونؤمن بأشراط الساعة من خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم من السماء، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها". [العقيدة الطحاوية: 1/59].
وقال أبو حنيفة رحمه الله بعد أن ذكر عددًا من علامات يوم القيامة: "وسائر علامات يوم القيامة على ما وردت به الأخبار الصحيحة حق كائن، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم". [الشرح الميسر على الفقهين الأبسط والأكبر: 1/72].
وقال الشيخ حافظ الحكمي في منظومته:
وبالمعاد أيقن بلا تردد | ولا ادعاء علم بوقت الموعد |
لكننا نؤمن من غير امتراء | بكل ما قد صح عن خير الورى |
من ذكر آيات تكون قبلها | وهي علامات وأشراط لها |
[منظومة سلم الوصول: 12].
ثمرات الإيمان بأشراط الساعة
ما هي ثمرات الإيمان بأشراط الساعة؟
أولاً: تحقق ركن من أركان الإيمان الست الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ[البقرة:3]، وفي حديث النبي ﷺ: يؤمنوا بي وبما جئت به [رواه مسلم: 21].
قال ابن قدامة رحمه الله في لمعة الاعتقاد: "ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي ﷺ وصح به النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلنا وجهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه، مثل حديث الإسراء والمعراج"، "ومن ذلك أشراط الساعة مثل خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم ، فيقتله ،وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل. [لمعة الاعتقاد: 24].
ثانيًا: أن الإيمان بأشراط الساعة على النحو الذي جاءت به يثبت الإيمان ويقويه ويزيده، وذلك أنك إذا آمنت بها ورأيت وقوعها مثل الأشراط الصغرى، وكيف انطبقت في الوقوع ازددت إيمانًا، وقلت: إنه الحق من عند ربنا، لما شاهد الصحابة انتصار الروم على فارس، قال الله: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ [الروم: 1-4].
والبضع من الثلاث إلى التسع، ما انتهت تسع سنين إلا والروم تغلبوا على فارس، مع أن كل المؤشرات والدلائل والموازين العسكرية كانت تشير إلى أنه لا يمكن أن ينتصر الروم على فارس، لكن الله أجرى أحداث عند الروم في توحدهم وتقويهم فجأة، وعند الفرس في انشقاقات داخلية، واغتيالات، ومؤامرات سياسية حصلت عندهم أدت إلى إضعافهم فجأة، فجاء قدر الله، وانتصر الروم على فارس، ثم انتصر المسلمون على الفرس والروم؛ لأن النبي ﷺ أخبرهم أنهم سينتصرون عليهم، وتفتح كنوز فارس والروم، وشاهد الصحابة وغيرهم افتراق الأمة النبي ﷺ أخبرهم أن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، فرأى الصحابة فرقة القدرية، وفرقة الخوارج، هؤلاء ظهروا في عهد الصحابة، بدأ الافتراق، فالشيء الذي أخبرهم عنه رأوا بأعينهم وشاهدوا كثيرًا مما أخبرهم أنه سيقع.
قال لعدي بن حاتم: يوشك أن تفتح كنوز كسرى وقيصر، وأن تسير الضعينة لا تخاف إلا الله، وأخبره عن أشياء وقعت، ولما كان عدي يتكلم يقول: هذا وقع، وهذا وقع، والثالث سيقع حتمًا؛ لأنه أخبرني أنه سيقع. [رواه البخاري: 3595].
فمن فوائد معرفة أشراط الساعة أنك لما تعلم أن هذا شرط ووقع حقيقة تزداد إيمانًا، وعندك الآن مزيد من الأدلة على صدق النبي ﷺ فيما جاء به، وعلى أن الله لا يخلف وعده، وأن كلامه حق وصدق، قال: لنا كذا، وقع كذا فعلاً كما أخبر، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا[التوبة: 124].
ثالثًا: أن الناس يحبون معرفة المجهول، والمؤمن يود بالاطلاع على أحداث المستقبل، كل واحد يريد هذا، ففي ذلك تلبية لشيء من الحاجة البشرية في الاطلاع على أمور المستقبل، هذا من الفوائد، شيء من الحاجة النفسية للبشر في الاطلاع على المستقبل الناس، الآن يذهبون إلى الدجالين والمنجمين، ويقولون: أخبرونا عن مستقبلنا؟
فإذا كان الأغبياء يتصلون، والجهلة والكفرة يتصلون من فنلندا، وبريطانيا، والدول العربية والأجنبية على الدجال العراقي في إحدى القنوات الفضائية، يقول له: حط كفك على الشاشة، يعني: ما أغبى منه إلا الذي حط كفك، ويقرأ له كما سمعنا وأخبرونا عن رجل أحدب العقل والظهر، وأنه يقرأ الكف من الشاشة على الهواء مباشرة، فإذا كان بعض الناس عندهم من السذاجة، والغباء، والجهل، والشرك، والكفر ما يجعلهم يقدمون على هذا، فأهل الإيمان عندهم من التطلع أيضاً في الغيب، ومحبة وإرادة معرفة ماذا يكون في المستقبل، فذكرت لنا أشراط الساعة تلبية لشيء من هذه الحاجة البشرية، لكي يعرف الإنسان شيئًا مما سيقع في المستقبل، على الأقل عندك أخبار وحقيقية وليست مثل هؤلاء الدجالين.
رابعًا: أن الإخبار عن هذه الأمور المستقبلية، ثم وقوع هذه الأمور مطابقة للخبر من أهم دلائل النبوة، وصدق النبي ﷺ، لماذا؟
لأن هناك معركة كبيرة ما هو الدليل على أن محمدًا ﷺ نبي؟ المسألة هذه مهمة الذين يشتغلون على الإنترنت بالذات، ويتعاملون مع غير المسلمين في معركة كبيرة أن محمدًا ﷺ هل هو قائد عسكري، أو رجل ناجح، أو سياسي ماهر، أو عظيم من العظماء، أو هو نبي؟ ففي كفار مستعدين يمشوا معك على أنه قائد عسكري، وحاكم سياسي ناجح، وعظيم من العظماء، وبطل من الأبطال، ورجل غير مجرى التاريخ، ما عندهم مانع يمشون معك في هذه، يقولون نعم العرب كانوا أصلاً مجموعة بدو في صحراء، كيف انتشروا في الأرض؟ وكيف وصل هذا الدين إندونيسيا، ووصل المغرب، ووصل أذربيجان، وأرمينيا، وجمهوريات الاتحاد السوفيتي؟
أكيد كان في عبقرية حربية، وكان في شخصية فذة وراء هذا الموضوع، وعندهم كتب في التاريخ تثبت من نفس كتابهم ومؤرخيهم، لكن إذا قلت: محمد ﷺ نبي، ويجب الإيمان بما جاء به، وهو خاتم الأنبياء، يقولون لك: لا نحن نؤمن أنه عظيم من العظماء، لكن لا نؤمن أنه نبي، وخاتم الأنبياء، لكم أنتم اعتقادكم، فكيف نثبت لهم أنه نبي؟ لو قال لك كافر: أثبت لي أنه نبي؟
من وسائل إثبات أنه نبي أنك تقول له: نحن عندنا نصوص شرعية هذا الرجل أخبرنا عن أشياء ستقع في المستقبل، هذه مخطوطات كتب قديمة في البخاري ومسلم وأحمد بالأسانيد إلى هذا الرجل أنه سيحدث الشيء الفلاني، والشيء الفلاني، والشيء الفلاني، وعدد له أشراط الساعة الصغرى التي حصلت، فشو العلم، وفشو التجارة، وفشو الزنا، وتلد الأمة ربتها، وترى الحفاة العراة يتطاولون في البنيان، وإلى آخر الأشراط الصغرى، تأمل في الواقع هل الذي أخبر به هذا النبي حصل وإلا لا، تعالى نأخذها واحدة واحدة، إذا كان هذا الفلكي أو المنجم الذي عندهم نستراتاموس عملوا من قضية كبيرة، وبعض الأشياء التي نسبت إليه لم يقلها، كذبت عليه، وجاء بعض المتأخرين، وقالوا: هذا أكبر متنبئ على أشياء، وبعضها ظني تنبأ بسقوط الاتحاد، تنبأ بقيام كم نبوءة، وبعضها نسبت إليه، وليس هو الذي كتبها، فالغربيون يعظمونه جداً، فما بالك لو ثبت للغربيين أن محمد بن عبد الله ﷺ أخبر عن أشياء أضعاف أضعاف التي أخبر عنها نستراتاموس هذا، بالعدد، وبالحجم، وبالدقة، وحصلت كما أخبر، هذا من أكبر الإثباتات على أنه نبي، لأن الشخص العادي لا يمكن أن يحدد بالدقة كل هذه الأشياء، وتقع كما أخبر، فهذه من الفوائد المهمة لمعرفة أشراط الساعة في إظهار دلائل النبوة، عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ[الجن: 26-27].
فالله أطلع نبيه ﷺ على أشياء من الغيب -ليس على كل الغيب- على أشياء من الغيب أخبرنا بها ﷺ، فوقع كثير منها كما أخبر، وسيقع الباقي بالتأكيد.
خامساً: أننا أخبرنا عن أشراط الساعة كي نتعامل معها بالطريقة الشرعية، ولا يلتبس علينا أمرها، مثلاً: النبي ﷺ أخبرنا عن الدجال، لماذا أخبرنا عنه بالتفصيل؟ أخبرنا عن عينه اليمنى كيف شكلها، وعينها اليسرى كيف شكلها، وما هو مكتوب في جبينه بين عينيه، وأخبرنا عن الأشياء التي معه، وعن مدة مكثه في الأرض، لماذا أخبرنا بالدقائق عن الدجال؟ حتى لا يلتبس علينا أمره إذا خرج مهما أرانا من الخوارق، لا يلتبس علينا أمره أنه دجال.
ومن الفوائد أيضاً: أن الواحد يتهيأ نفسيًا لما سيكون. في فرق كبير أن يحدث الشيء فجأة، وأنت ما عندك أي خلفية عنه، وفي أن يحدث وأنت عندك فكرة عن الموضوع.
تصور الآن عثمان بن عفان لما حاصره الثائرون عليه الذين ألبهم ابن سبأ، وغيرهم، لماذا ما نزع نفسه من الخلافة؟ قالوا: اخلع نفسك من الخلافة، عثمان ما خلع نفسه من الخلافة، ما هو السبب الذي بنى موقفه عليه؟
لماذا عثمان بن عفان ما نزع نفسه من الخلافة، حاصروه -والمسألة فيها إراقة دماء القضية كبيرة- وما خلع نفسه من الخلافة، لأن هناك نص نبوي، وخبر أخبره عنه الصادق المصدوق ﷺ، قال: يا عثمان إن الله مقمصك قميصًا، فإن أرادك المنافقون على خلعه، فلا تخلعه [رواه الحاكم في المستدرك: 4544، وصححه الألباني صحيح الجامع:7947]، فعثمان تصرف بناء على خبر سابق من النبي ﷺ.
عمار أخبره ﷺ أنه تقتله الفئة الباغية [رواه البخاري: 447]، وبناء على هذا قرر مع من يقاتل.
أبو ذر لماذا اعتزل الفتنة في وقت من الأوقات؟ لأن النبي ﷺ أمره بهذا، نحن الآن لو انحسر الفرات عن جبل من ذهب -وهذا سيقع قطعًا 100%- نهر الفرات المعروف بأرض العراق والشام سينحسر الفرات عن جبل من ذهب [رواه البخاري: 7119، ومسلم: 2894].
هذا النهر الذي يمتد من تركيا والعراق وسوريا، نهر الفرات سينحسر عن جبل من ذهب بالتأكيد لأن هذا خبر الصادق المصدوق ﷺ لو نحن كنا هناك ورأينا بأعيننا الجبل الشهر القادم بعد سنة بعد عشر سنين بعد خمسين سنة الله أعلم.
افترض أننا رأيناه، ما هو الموقف إذا حضرته ورأيته؟ ما هو الموقف الشرعي؟ قال: فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا [رواه البخاري: 7119].
وأخبر أن الناس يقتتلون عليه، ويقتل من كل مائة تسعة وتسعين، وكل واحد يقول لعلي أكون أنا الذي أنجو وأرث هذا الجبل من الذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا.
فمن فوائد الإخبار عن أشراط الساعة أننا نعرف ما هو الموقف الشرعي إذا حصل الشيء الفلاني، إذا نزل عيسى ما هو الموقف الشرعي؟
أن نذهب إليه مباشرة ونقاتل معه، وننضم إلى جيشه بالتأكيد ما فيها نقاش، وإذا ظهر الدجال الموقف الشرعي الذي لا يأمن على نفسه يهرب منه، يجب عليه أن يهرب منه، ولا يقول أنا بإيماني أتصدى، وسأقف وأقاوم الدجال، يفر الناس من الدجال إلى الجبال، إذا ظهر جبل الذهب من الفرات ما هو الموقف الشرعي؟
وهكذا من فوائد أشراط الساعة أنك تعرف ما هو الموقف الشرعي إذا حدث الحدث المعين وبالذات النساء مع الدجال لا بدّ من إبعادهن عنه بأي طريقة؛ لأنهن من أكثر أتباعه، وينبني عليها أنك تدرس أولادك في البيت، ونساء أهل بيتك الدجال.
قال السفاريني رحمه الله: "مما ينبغي لكل عالم أن يبث أحاديث الدجال بين الأولاد والنساء والرجال، ولاسيما في زماننا هذا الذي اشرأبت فيه الفتن، وكثرت فيه المحن، واندرست فيه معالم السنن". [لوامع الأنوار البهية: 2/106].
يعني: ذهبت معالم السنن.
مثال آخر على المواقف: وشوف كيف لما خولف التوجيه النبوي، ماذا حصل النبي ﷺ قال في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود أو الحديث الحسن: اتركوا الترك ما تركوكم [رواه أبو داود: 4304، وحسنه الألباني صحيح الجامع: 3384].
ومن الترك جنكيز خان وقومه الذين اكتسحوا العالم الإسلامي، وقتلوا في بغداد مليوني شخص ذبحًا كالنعاج من هو المسؤول عن هذه القضية، وكيف بدأت القضية بمخالفة حديث اتركوا الترك ما تركوكم كيف؟
قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية: وقد قتل جنكيز خان من الخلائق ما لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم، ولكن كانت البداءة الشرارة التي أشعلت هذا الموضوع، أن غارت التتر على العالم الإسلامي كيف بدأت؟ بمخالفة الحديث هذا، كانت من خوارزم شاة -واحد من ملوك المسلمين- في دول قريبة من الترك اسمه خوارزم شاة، أرسل إليه جنكيز خان تجارًا من جهته، يعني: يدخلوا بلد خوارزم شاة، ويعملوا صفقات تجارية يبيعوا ويشتروا بضائع، معهم بضائع كثيرة من بلادة، فانتهوا إلى إيران، وكان خوارزم شاة ملك في تلك البلاد نائبه أخذ تجار جنكيز خان وقتلهم، وأخذ جميع ما كان معهم سلبهم كل البضائع، فأرسل جنكيز خان إلى خوارزم شاة يستعلمه استفهام، هل وقع هذا الأمر عن رضا منه أو أنه لا يعلم به؟
وقال له في الرسالة جنكيز خان: من المعهود عن الملوك أن التجار لا يقتلون، وهم الذين يحملون إلى الملوك ما فيه التحف والأشياء النفيسة، ثم إن هؤلاء التجار كانوا على دينك، يقول أرسلت لك ناس مسلمين هم من شعبي لكن مسلمين، فقتلهم نائبك الذي يحكم على إيران، فإن كان أمرًا أمرت به طلبنا بدمائهم، تعطونا القتلى، تعطونا الدية نتفاهم، وإلا فأنت تنكره وتقتص من نائبك، من رسول جنكيز خان إلى خوارزم شاة؟ يقول: هذا كلام جنكيز خان، فلما سمع خوارزم شاة ذلك من رسول جنكيز خان، ماذا فعل أخذ الرسول وقتله.
قال ابن كثير: "لما يكن له جواب سوى أنه أمر بضرب عنقه، فأساء التدبير، وقد كان خرف وكبرت سنه، وقد ورد في الحديث: اتركوا الترك ما تركوكم، فلما بلغ ذلك جنكيز خان تجهز لقتاله، وأخذ بلاده فكان بقدر الله تعالى ما كان من الأمور التي لم يسمع بأغرب منها، ولا أبشع". [البداية والنهاية: 13/119].
من سياسة المسلمين في الفتوحات أنهم كانوا يعملون حساب هذه الأشياء، ولذلك مثلاً قال: اتركوا الحبشة ما تركوكم [رواه أبو داود: 4304، وحسنه الألباني صحيح الجامع: 3384].
في خريطة الفتوحات الإسلامية في أشياء ما دخلت بالقوة في بلاد الحبشة دخلت الدعوة سلميًا، إذًا الإخبار عن أشياء لها مواقف تتخذ من النصوص الشرعية.
وسادسًا: من فوائد معرفة أشراط الساعة: فتح باب الأمل؛ لأن من أشراط الساعة ما فيه بيان نصر الإسلام، وأنه يعم الأرض، وأن دين اليهود والنصارى سيزول، ونحو ذلك من البشائر، ولذلك كان درس هذا الموضوع وعلمه وفهمه مما يبعث الأمل في النفس، ويقوي عزائم المسلمين بهذه البشارات النبوية، أن النصر والتمكين سيكون من نصيب هذا الدين والمسلمين.
سابعًا: من فوائد معرفة أشراط الساعة أن فيها بيان لأحكام شرعية، ومسائل فقهية:
فعلى سبيل المثال عندما أخبرنا النبي ﷺ أن الدجال سيمكث في الأرض أربعين يومًا، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وباقي أيامه عادية كأيامنا هذه، إذًا اليوم هذا الذي طوله كالسنة فيه طلوع شمس وغروب شمس إلى الليل الفجر هذا سيمضى طولاً كالسنة، يعني يكون بطيئًا جداً تطلع الشمس بطيئة حتى تخرج، وترتفع بطيئة، ويمكن طلوع الشمس يأخذ له كذا وقت، هذا اليوم الطويل البطيء أول يوم يطلع فيه الدجال على الشدائد والمحن التي فيه مثل السنة في الطول، يوم كامل مثل السنة، الآن هذا اليوم، لما سمع الصحابة الكلام، وهم أحرص الناس على العبادة، أول ما تبادر لأذهانهم أن يسألوا عن الصلاة، مهتمين بالعبادة، قالوا: يا رسول الله، أتكفي فيها صلاة يوم؟
هذا اليوم طوله كالسنة تكفينا فيه خمس صلوات؟ قال: لا، أقدروا له قدره [رواه مسلم: 2937]، لا، لا تكفيكم اقدروا له قدره، فنقدر مثلاً كم بين الظهر والعصر في الأيام العادية؟ وإذا انتهت هذه المدة صلينا العصر، بين العصر والمغرب في الأيام العادية كم؟
إذا انتهت المدة هذه صلينا المغرب، ونصلي فجر وظهر وعصر ومغرب وفجر، والشمس يمكن ما اكتمل طلوع قرص الشمس، ونحن نصلي ظهر وعصر وفجر، هذا الكلام أفاد في بيان حكم الصلاة في بعض جهات الأرض عندما يكون الليل ست أشهر ليل، وست أشهر نهار، كيف يصلي الناس، كيف بعض الدول الإسكندنافية، وأماكن في أقصى شمال الأرض في نهار ست شهور، وست شهور ليل، ما هو المرجع في هذا؟ حديث الدجال، وكيف يصوم الناس؟ متى يبدأ يومهم؟ متى ينتهي صيامهم؟ من أين استفدناه؟ من حديث الدجال.
إذًا بعض أشراط الساعة فيها أحكام فقهية تنفعنا.
ثامنًا: حث النفس على طاعة الله، والاستعداد ليوم الحساب:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "والحكمة في تقدم الأشراط إيقاظ الغافلين، وحثهم على التوبة، والاستعداد". [فتح الباري: 11/350].
وقال القرطبي: "والحكمة في تقديم الأشراط ودلالة الناس عليها" لماذا نحن نثير قضية أشراط الساعة؟ لماذا نفتح محاضرات عن الموضوع؟ ولماذا نقرأ في الكتب ونحث الناس على القراءة في الموضوع؟ ولماذا نخطب في الموضوع هذا؟ ما هي فائدة؟ تذكير الناس بأشراط الساعة الاستعداد لها، الاستعداد للآخرة، حتى الواحد يتصور حجم الموضوع كبير، وخطير، وجدير بالاهتمام، ويستعد، وهذه تكاد تكون أعظم فائدة لدراسة موضوع أشراط الساعة.
"والحكمة في تقديم الأشراط ودلالة الناس عليها تنبيه الناس عن رقدتهم، وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة، والإنابة كي لا يباغتوا بالحول بينهم وبين تدارك العوارض منهم، فينبغي للناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة قد نظروا لأنفسهم، وانقطعوا عن الدنيا، واستعدوا للساعة الموعود بها". [التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة: 1217].
وهكذا -أيضاً- سنجد حديث النبي ﷺ بادروا بالأعمال ستًا ماذا يعني بادروا بالأعمال؟ يعني انتهزوا الفرصة تسابقوا إلى عمل الصالحات، القضية خطيرة بكروا، قال: بادروا بالأعمال ستًا اعملوا الأعمال الصالحة حتى تخرج ستة أشياء، بادروا بالأعمال ستًا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة [رواه مسلم: 2947]، فإنه يقول: يا أيها الناس افعلوا الصالحات قبل أن تأتي ستة أشياء، افعلوها قبل ستة أشياء، طلوع الشمس من مغربها لأنها إذا طلعت من مغربها لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [الأنعام: 158]، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكمفسرها العلماء خاصة أحدكم بالموت، لأنه الموت خاص بكل واحد، يعني: كل واحد يسارع في عمل الصالحات، قبل: أن يأتيه الخاص ما هو الخاص به؟ الموت.
أو أمر العامة فسروه بقيام الساعة، الحديث رواه مسلم، وفي رواية: خويصة أحدكم [رواه مسلم: 2947]، يعني: الموت الذي سيأتي لكل واحد خصوصًا.
قال القاضي: أمرهم أن يبادروا بالأعمال قبل أن نزول هذه الآيات، فإنها إذا نزلت أدهشت، وإذا أدهشت أشغلت، يعني: إذا جاء الدجال، وطلعت الشمس، والدخان، الناس يكونون في أمر مريج، لا يبقى عند الواحد صفاء ذهن واطمئنان نفسي أن يعمل بالعبادات؛ لأن الآن في وقت الكرب العظيم، فالناس مندهشين مشغولين بالحدث الكبير الضخم الذي وقع.
لذلك قال: عبادة في الهرج كهجرة إليّ [رواه مسلم: 2948]، يعني: إذا حصل الاضطراب، والفتن الذي يعبد الله في هذا الظرف هذا أجره عظيم، كالهجرة إلى النبي ﷺ.
تاسعًا: التحفيز على العمل للإسلام، والسعي لتمكين دين الله في الأرض، قبل أن يحدث ما يمنع، والمقصود من ذكر الأشراط ليس تهبيط الهمة، وأن يقال: ننتظر المهدي لماذا مستعجلين في العمل للإسلام؟ انتظروا عيسى يحلها، لا المقصود المبادرة والسعي، وهل إذا نزل عيسى أو جاء المهدي نحن ستحل القضية بدون عمل من البشر؟ أليس معهم جيش من المسلمين؟ المطلوب من المسلمين إذًا السعي والعمل.
ضوابط التعامل مع الفتن وأشراط الساعة
ونختم البحث هذا بذكر ضوابط التعامل مع الفتن وأشراط الساعة، لما تعرض قضية أشراط الساعة، وتذكر هذه الأشياء المغيبات، والمعلومات الكثيرة، ما هو المتوقع منا؟ هل المتوقع منا مثلاً أن نسعى في تحقيقها؟ يعني الواحد يسمع أن الحفاة يتطاولون في البنيان.
فيقول: خلينا نبني ناطحات سحاب حتى نحقق أشراط الساعة، يسمع مثلاً أن الفرات يحسر عن جبل من ذهب، فهل المطلوب منا نبحث عنه حتى نخرجه لتتحقق شرط من أشراط الساعة؟ ما هو المطلوب منا في قضية أشراط الساعة وفي أشياء فيها أحداث ضخمة؟ هل المطلوب منا أن نفعل كما يفعل بعض هؤلاء الجهلة يؤلفون كتب ينزلون فيها، الأحداث التي حدثت في الخليج، والحروب هذه، ويفصلون لها من الأحاديث أشياء بزعمهم تناسبها، هل هذا مطلوب منا؟ ما هو المطلوب منا بالنسبة لأشراط الساعة، والقضية فيها مفاجآت ضخمة كبيرة؟
أولاً: الحلم، والتثبت، والتأني، وعدم العجلة والطيش، هذه من أهم الأشياء، وقد جاءت الأحاديث بأن: التأني من الله، والعجلة من الشيطان [رواه الترمذي: 2012، وحسنه الألباني السلسلة الصحيحة: 1795]، وجاءت الأحاديث والآيات تحث على التثبت، والتبين فتثبتوا. فَتَبَيَّنُوا [النساء: 94].
والرد إلى أهل العلم وعدم الاستعجال لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ[النساء: 83]، يقول عبد الله بن مسعود : "إنها ستكون هناك أمور مشبهات، فعليكم بالتؤدة، فتكون تابعًا في الخير خير من أن تكون رأسًا في الشر". [الإبانة الكبرى لابن بطة: 184].
إنك أن تكون تابعًا في الخير أحسن من أن تكون رأسًا في الشر، لو كنت جندي في جيش الحق أحسن من أن تكون قائد جيش الضلالة.
وعن حذيفة أنه ذكر فتنة فقال: "تشتبه مقبلة وتبين مدبرة" [مصنف ابن أبي شيبة: 38888]، ما معناه؟
قال شمر رحمه الله: معناه: أن الفتنة إذا أقبلت شبهت على القوم، وأرتهم أنهم على الحق، حتى يدخلوا فيها، ويركبوا منها ما لا يحل، فإذا أدبرت وانقضت بان أمرها، فعلم من دخل فيها أنه كان على خطأ، ويبين هذا رواية عن حفص بن غياث مع سفيان الثوري، وهذه رواية مهمة في اتخاذ المواقف، والتأني، والحذر، والتثبت، عن حفص بن غياث قال: "قلت: لسفيان الثوري يا أبا عبد الله إن الناس قد أكثروا في المهدي" -كل واحد يقول: المهدي فلان فما تقول فيه، تأمل كلام سفيان- قال: "إن مر على بابك المهدي فلا تكن منه في شيء حتى يجتمع الناس عليه". [سير أعلام النبلاء: 7/253].
يعني: حتى تتأكد يقينًا أنه هو، متى تتأكد يقينًا أنه هو؟ إذا بايعه الناس كلهم، واجتمعوا عليه، خلاص توحدت الأمة معه، لو واحد ما عنده تبين، ولا عنده تثبت، ورجل عجل وخفيف، لو أحد قال: أنا المهدي، أنظر جبهتي جلية، أنظر أنفي كذا؟ وأنا من آل البيت، وهذه شجرتي بايعوني، ممكن الناس خفيفي العقل، والناس الذين يؤثر فيهم أي صوت يبايعونه.
إذًا لا بد في التعامل مع أشراط الساعة أن يكون الإنسان على بينة، وتؤدة، وتروي، وحلم، وتثبت، وعلم، وإلا من الممكن أن يتخذ موقف خاطئ تمامًا، ونضرب مثلاً بالأحداث جاء واحد مختل وقال: هذا الرئيس العراقي المخلوع هو السفياني، والآن اختفى من أجل يطلع مرة ثانية، ويحتل الأرض.
يا سلام، والحل؟
قال: نروح نقاتل معه، فما حكم هذا العمل؟ هل هذا موقف صادر عن علم؟
هل هذا موقف تثبت؟ هل هذا موقف حكيم أو أن هذا موقف يدل على الجهل؟ ويدل على الخفة، ويدل على التسرع، ويدل على الطيش، ويدل على الحمق إلى آخر هذه الصفات، أول شيء ما صحة حديث السفياني؟ ومن هو السفياني؟ وما حكم القتال مع السفياني؟ وما هي صفات السفياني؟ ثم نقارن مع صفات هذا وهذا، ثم نثبت أن هذا هو، وهكذا كم مهدي طلع في العالم يعني من عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى الآن كم الذين ادعوا المهدوية؟ ما في فترة إلا طلع شخص قال: أنا المهدي بايعوني، إذا كان الإنسان لا يتحلى بالعلم، ولا بالتثبت، ولا بالرجوع إلى أهل العلم والتروي، ممكن ينجرف، ممكن ينحرف، ممكن يشارك فتنة، ويحدث فتنة، ويتسبب فيها، ولذلك كانت القضية في غاية الأهمية، أشراط الساعة لا بدّ من التروي فيها والتمعن، والعلم في هذا الموضوع، ولذلك أهل العلم يكشفون المدعين كما جاء أحدهم إلى الشيخ الألباني رحمه الله قال: أنا نزل عليّ الوحي.
ما هي أدلتك؟ وماذا معك؟
قال: رأيت رؤيا فيها كذا وكذا، الرؤى هل يبنى عليها شيء؟ قال: وأشوف أنوار صفراء، وحمراء، وخضراء، قال: هذه إشارات مرور، فإذا كان الإنسان عنده علم يكشف هؤلاء، وإذا كان جاهل ممكن يصدق.
قال عمرو بن العاص في وصف الروم: "إن فيهم لخصالاً أربعة: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك، [رواه مسلم: 2898].
الشاهد منه إنه لأحلم الناس عند فتنة، يقول: إن الروم هؤلاء، وإن كانوا كفاراً لكن فيهم صفات، فيهم أشياء جيدة، ومن العدل أن يذكر ما في أعدائنا من الإيجابيات، يقول: الروم فيهم خصال: "إنهم لأحلم الناس عند فتنة"، يعني إذا صارت فتنة لا تطيش عقولهم بسرعة، ولا يعرفون ماذا يفعلون، وتضطرب أمورهم، وتختل، عندهم تأني وحلم، ويتعاملون مع الأزمات بروية، فإذًا هذا هو المفروض فينا، ونحن نتعامل مع قضية أشراط الساعة ومع غيرها.
ثانيًا: لا يستنكر توقع حصول شيء من أشراط الساعة، بالشروط الشرعية، إن ترقب حصول أشراط الساعة التي تقع بإرادة الله الكونية القدرية ليست بدعة، ولا خطأ خاصة إذا تعاقبت المقدمات، وجاءت الأحداث موافقة للأخبار يعني النبي ﷺ لما ذكر أصحابه بالدجال، وخفض ورفع وعظم من شأنه، وحقره في نفسه، لأنه يهودي كافر الصحابة من كثرة ما سمعوا من النبي ﷺ في الدجال ظنوا أنه في طائفة النخل، يعني ظنوا أنه قريب موجود جنب النخل الآن في المدينة، سيخرج الآن، ثم شك الصحابة في ابن صياد، وهذا أحد أولاد اليهود، واسمه صاف ابن صياد اليهودي، شكوا أنه هو الدجال، وبعضهم صارح النبي ﷺ وحلف أن ابن صياد هو الدجال، لأنه ظهرت من ابن صياد علامات تدل على أشياء، يعني: يخبر بمغيبات، ويدعي علم، فمن بعض العلامات شكوا أنه هو الدجال، والنبي ﷺ كان أخبرهم قبلها عن خروج الدجال، فظنوا أن هذا هو الدجال، النبي ﷺ في أول الأمر ما نفى، ما قال: ليس هو انتظر حتى يرى هل تنطبق عليه بقية علامات الدجال، يعني هل هذا سيخرج فعلاً ومعه جنة ونار، ثم طمأن أصحابه لما رأى فيهم الخوف من هذا الشخص، قال لهم: إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم[مسلم:2937]، أنا سأتولى موضوع الدجال، أنا سأحاجه وأقيم عليه الحجة وأفحمه، وكذلك جاء عن أبي ذر الغفاري يعني في توقعه لنزول عيسى قال: "يوئسني رقة عظمي ولا بياض شعري أن ألقى عيسى بن مريم" [الطبقات الكبرى لابن سعد:4/ 230]، يعني يقول: أنا لا أستغرب، ولا أستبعد حتى لو أنا سني تقدمت أن ألقى عيسى، قد ينزل وألقاه، إذًا توقع مجيء وحصول الأشراط ليس بدعة.
الصحابة جاءت أخبار أن بعضهم جزم أن ابن صياد هو الدجال في البداية، وبعضهم تراجع عن ذلك لما تبين له أنه ليس هو الدجال، وبعضهم لا زال يخفى عليه الأمر، وبعضهم قال: اختفى ابن صياد وسيعود للظهور في آخر الزمان، وقال ابن حجر في نهاية الكلام بعد الكلام الطويل: "إن ابن صياد دجال من الدجاجلة". [فتح الباري: 13/327].
وليس هو الدجال الأكبر، الدجالون كثيرون، ومدعو النبوة فيهم ثلاثون كذابون كلهم يدعي أنه نبي من الكبار، وفي أصغر منهم يدعون النبوة صغار، فإذًا إذا وقعت علامات وانطباق الأخبار عليها ما في مانع، ما المانع فلا نستبعد يعني لا يمكن يقع لا تستطيع أن تجزم.
بقي كلام في الضوابط في التعامل مع أشراط الساعة، ذكرنا منها التروي والتثبت والتبين، وعدم العجلة.
اثنين لا نجزم باستعباد وقوع شيء منها إذا انطبقت الأخبار عليه، وسنواصل الكلام -إن شاء الله- في هذا الموضوع في الدرس القادم.