الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، الذي أرسله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلّغ الرسالة، وأدى أمانة الله إلى عبادة، ففتح الله به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غُلفاً عن سماع الحق وقبوله -صلى الله عليه- وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه وتمسك بسنته.
مقدمة
00:00:55
عنوان هذه المحاضرة أو الدرس: "آداب زيارة الإخوان".
وسيشتمل هذا الموضوع في عرضه على تحديد مفهومه، وفضل الزيارة في الله، وما ورد في السفر للزيارة، وأهمية الزيارة وفوائدها، أهمية الزيارة في الله وفوائدها، وحث الشريعة على إعطاء الزوار حقهم، وشيء من آداب الزيارة وأحكامها، والإقلال من الزيارة خشية الإملال، وأنواع الزائرين والمزورين، ثم حث السلف على الزيارة نموذج، وكذلك الزيارة سلبيات وملاحظات، ثم نتحدث عن شيء من العوائق في طريق الزيارة، وكيف تكون الزيارة ناجحة، وملاحظات على زيارة النساء للنساء.
ونبدأ بعون الله تعالى، فنقول في مطلع هذا الدرس: إننا سنتحدث عن زيارة الإخوان بعضهم لبعض، فإن الزيارة قد جاءت في الشريعة في مناسبات متعددة، فمنها مثلاً: زيارة القبور: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة".
وكذلك زيارة بيت الله، طواف الزيارة، طواف الإفاضة، كما جاء في الحديث: زرتُ قبل أن أرمي[1].
وكذلك زيارة مسجد قباء كما ورد في الحديث الصحيح: أن النبي ﷺ كان يزور مسجد قباء.
وكذلك زيارة المريض، وزيارة الأقارب، صلة الرحم، وهذه لا تدخل في موضوعنا، وإنما المقصود الحديث عن زيارة الإخوان بعضهم لبعض.
فضل الزيارة بين الإخوان في الله:
أما بالنسبة لفضل الزيارة، فلا شك أن زيارة الإخوان لبعضهم قد أخذت مكاناً لا بأس به من الأحاديث، وشروحها وكلام العلماء في كتبهم.
وإذا كان الأموات يتزاورون فما بالك بزيارة الأحياء؟ وأهل الجنة يزور بعضهم بعضاً، فنريد أن نعرف الآن، أهل الدنيا المسلمين منهم إذا زار بعضهم بعضاً فماذا لهم؟.
من أول ما يطالعنا في فضل الزيارة في الله أحاديث قدسية عظيمة، فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- وغيره عن معاذ عن رسول الله ﷺ قال: قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتباذلين فيّ، والمتزاورين فيّ[2].
وجاء أيضاً في حديث آخر: قال الله تعالى: حقّت محبتي للمتحابين فيّ، وحقّت محبتي للمتواصلين فيّ، وحقّت محبتي للمتناصحين فيّ، وحقّت محبتي للمتزاورين فيّ، وحقّت محبتي للمتباذلين فيّ، المتحابون فيّ على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء حديث صحيح[3].
هذه الأحاديث القدسية العظيمة التي تبين وجوب محبة الله لمن زار أخاه في الله، محبة الله حقت لمن يزور إخوانه في الله، فما أشد تفريط المفرطين، وما أتعس حالهم وقد فاتهم من الأجر ما فاتهم، فإن الذي يزور أخاه في الله يحبه الله.
وقد جاء في الحديث الحسن أيضاً قوله ﷺ: من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله -عاد مريضاً مسلماً أو زار أخاه في الله الصحيح- أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ أن طبتَ وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً رواه الترمذي وغيره[4].
طبت: هذا دعاء له بأن يطيب عيشه في الدنيا.
وطاب ممشاك: وتبوأت بسبب هذا الممشى لزيارة إخوانك في الله، تبوأت مكاناً في الجنة، أي أقمت في هذا المكان.
ففيه بيان أن من أسباب دخول الجنة زيارة الإخوان في الله، أو زار أخاً له في الله، ناداه منادٍ: أن طبتَ وطاب ممشاك فهذا حال فعلاً يغبطه أهل السماء عليه.
أما سنة النبي ﷺ فقد جاءت بإثبات الزيارة ومشروعيتها، فقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام النسائي عن أنس ، قال: "كان النبي ﷺ يزور الأنصار، ويسلّم على صبيانهم، ويمسح رؤوسهم"[5].
فكانت زيارته -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه قائمة، وكان له عاطفة بليغة بصبيانهم من السلام عليهم، والمسح على رؤوسهم، قد كان -عليه الصلاة والسلام- لا ينس الصغار من الملاطفة، حتى لو كانت مهماته كبيرة، وأعماله كثيرة، فإن وقته قد اتسع ﷺ لملاطفة الصبيان عند زيارة أهليهم، والمسح على رؤوس أولئك الصبيان.
المنزلة العظيمة للسفر لزيارة الإخوان في الله:
أما السفر لزيارة الإخوان، فإن زيارة الإخوان في الله لها منزلة عظيمة في الشريعة لدرجة الندب للسفر لزيارة الإخوان في الله، وهذا أمر قد ضيعناه ونسيناه مع الأسف.
فقد قال رسول الله ﷺ في الحديث الحسن: إلا أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟ النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والصّديق في الجنة، والمولود في الجنة -هذا يموت صغيراً- والرجل يزور أخاه في ناحية المصر في الله في الجنة، ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود، الولود، العؤود، التي إذا ظُلمت -حتى وهي مظلومة- قالت: هذه يدي في يدك، لا أذوق غمضاً حتى ترضى[6].
ولا أدلّ على فضل السفر لزيارة الإخوان في الله من حديث المصطفى ﷺ الذي رواه الإمام أحمد ومسلم والبخاري في الأدب المفرد، وهو قوله -عليه الصلاة والسلام: زار رجل أخاً له في الله في قرية، فأرصد الله له ملكاً على مدرجته، فقال: أين تريد؟ قال: أخاً لي في هذه القرية، فقال: هل له عليك من نعمة تربّها؟ قال: لا، إلا أني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك، أن الله أحبك كما أحببته[7].
وفي مسند أحمد بلفظ: خرج رجل يزور أخاً له في الله ، في قرية أخرى -سافر من أجل الزيارة - فأرصد الله بمدرجته ملكاً، فلما مر به، قال: أين تريد؟ قال: أريد فلاناً، قال: لقرابة؟ قال: لا، قال: فلنِعمة له عندك تربُّها؟ قال: لا، قال: فلم تأتيه؟ قال: إني أحبه في الله، قال: فإني رسول الله إليك، أنه يحبك بحبك إياه فيه[8].
بحبك لصاحبك في ذات الله.
ومعنى المدرجة: الطريق. وتربُّها: يعني تملكها وتستوفيها.
تريد أن تحصّل منه شيء، أو تسعى إلى حفظ شيء وتنميته؟، قال: لا، إلا أني أحبه في الله.
فقط، سافرت، ما حملني على السفر ومكابدة مشاق السفر إلا أنّي أحبه في الله، فأنا سافرت وسلكت السبيل لزيارته لأني أحبه في الله، لا لأمر دنيوي، ولا لمتاع زائل، وإنما لأني أحبه في الله.
أرسل الله له ملكاً مخصصاً لأجل أن يبلغه رسالة من الله أن الله يحبه، ماذا فعل لأجل هذا الأجر العظيم؟ سافر لزيارة أخ له في الله، واليوم المشاغل كثيرة، والأحوال متعقدة، والناس يتملصون من زيارة الإخوان في دخل البلد، فكيف بالسفر لزيارة الإخوان؟ وقد درج السلف -رحمهم الله- من الصحابة وغيرهم على السفر لزيارة إخوانهم، والانتفاع بلقياهم بأجر الزيارة، وما يسمعونه من العلم، فكان أحدهم يسير الأيام والليالي من أجل زيارة أخيه، ومشى سلمان لزيارة آل أبي الدرداء، سافر مسافرة لأجل ذلك.
أهمية وفوائد الزيارة بين الإخوان في الله:
أما أهمية الزيارة في الله فلا شك أن الشريعة ما حثّت عليها، ولا ندبت إليها، ولا جعلت الأجر لمن قام بها إلا وفيها مزايا عظيمة، وفوائد متعددة، وإلا لأن خطب هذه العبادة - وهي الزيارة في الله - خطبٌ جسيم.
كيف لا وإن الزيارة في الله تدل على المحبة في الله، وعلى الرباط الإيماني بين الإخوان، تدل على الحب في الله، والحب في الله من مقومات الإيمان، من أساسيات الإيمان: الحب في الله.
فهذا عندما يزور أخاه معنى ذلك تعبيراً له عن محبته له في الله، توثيق أواصر الأخوة الإيمانية بين أفراد المجتمع المسلم.
ولذلك فالزيارة هي عبارة عن أمر داخل في العقيدة، في صميم الإيمان؛ لأنها مرتبطة بالمحبة في الله، والمحبة في الله من أساسيات الإيمان.
الزيارة في الله تقرّب المسلمين من بعضهم البعض، الزيارة في الله تجعلهم جسداً واحدة، الزيارة في الله تعرّف الواحد بمشكلات الآخر، الزيارة في الله تكسب العلم، الزيارة في الله تعرّف بالأخبار والأحوال، وفيها تفقدٌ لمصالح الإخوان في الله، الزيارة في الله إصلاح للأوضاع، وسد للخلل، الزيارة في الله فوائدها متعددة، كثيرة وجمّة، من فوائد الزيارة في الله: تفقد حال الإخوان وإصلاح الحال وسد الخلل.
وهاكم مثالاً على ذلك:
روى الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، قال: "حدثنا محمد بن بشار، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا أبو العميس عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: "آخى النبي ﷺ بين سلمان وأبي الدرداء"
والحقيقة أن هذين الصحابيين أخوتهما عظيمة جداً، واستمرت استمراراً عظيماً.
فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلّة، فقال لها: ما شانكِ؟
وفي بعض الأحاديث حصلت مناسبات قبل نزول آيات الحجاب، فلا بد أن يٌفهم هذا لفهم تلك الأحاديث- فرأى أم الدرداء متبذلة، لا عندها زينة ولا تعتني بشيء من الزينة، فقال لها: ما شانكِ؟
قال: أخوك أبو الدرداء، ليست له حاجة في الدنيا.
يعني مقبل على العبادة تارك الدنيا، ومن ضمن الدنيا: شهوة النساء، فهو تارك كأنه لا يريد النساء.
فجاء أبو الدرداء، فصنع له طعاماً، فقال: كُل.
المضيف يقول للضيف، أبو الدرداء يقول لسلمان: "كُل".
قال: "فإني صائم".
يقول أبو الدرداء: كل أنت، أنت الضيف، أنا صائم.
قال: ما أنا بآكل حتى تأكل.
ولأن صيامه نافلة، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم.
قال: نمْ، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نمْ.
سلمان يقول لأبي الدرداء: نم.
فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن.
فصليا، فقال له سلمان: "إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حق حقه".
فأتى أبو الدرداء النبي ﷺ، فذكر ذلك له، فقال النبي ﷺ: صدق سلمان[9]، وفي الرواية قال: فزار سلمان أبا الدرداء.
فهذه الزيارة من سلمان لأبي الدرداء، كم عادت بالنفع على أبي الدرداء وبيته؟ من جهة التوازن وإصلاح ما بينه وبين أهله؟ وما حصل من المصلحة العظيمة لأم الدرداء بعودة زوجها للاهتمام بها، وما حصل لجسد أبي الدرداء من المصلحة، وما حصل من منع الإملال في العبادة، حصلت أشياء كثيرة جداً.
تغيرات في بيت أبي الدرداء بسب زيارة سلمان له، زيارة أخيه في الله له.
حصلت هذه المصلحة العظيمة من جرّاء تلك الزيارة.
إذن، فالزيارة تتيح للأخ التعرف على حال أخيه، على بيته، على أحواله، قد يكون عنده خلل، عنده نقص، فيسدده، ويصلح من حاله وشانه، وهذه فائدة عظيمة للزيارة.
وستأتي أمثلة أخرى فيها تبيان ما في الزيارة من الفوائد، وتحصيل العلم، ونحو ذلك.
حث الشريعة على إعطاء الزوار حقهم:
ولأجل فائدة الزيارة، فإن الشريعة حثّت على إعطاء الزوار حقهم، بل ربما تعيين وقت من أجلهم.
روى الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، قال: "حدّثنا محمد بن مقاتل، أخيرنا عبد الله، أخبرنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: حدثني عبد الله بن عمر بن العاص قال: قال لي رسول الله ﷺ: يا عبد الله - يا عبد الله بن عمرو -ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟
فقلت: بلى يا رسول الله.
قال: فلا تفعل، صُم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً[10].
الزور هم الزوار، يقول: الزوار لهم حق عليك، وأنت لا يصلح أنك تتفرغ للعبادات تفرغاً يمنعك من أداء حق الزوار.
قال: ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل.
وهذا يعطل عن أشياء منها: عدم القيام بحق الزوار.
قال -عليه الصلاة والسلام: وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله فشدّدتُ فشُدّد علي.
قلت: يا رسول الله، إني أجد قوة.
قال: فصُم صيام نبي الله داوود ولا تزد عليه.
قلتُ: "وما كان صيام نبي الله داوود ؟"
قال: نصف الدهر.
فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلتُ رخصة النبي ﷺ.
يعني صمت ثلاثة أيام من كل شهر.
فالشاهد فيه قوله: وإن لزورك عليك حقاً[11].
الزوار لهم حق، ينبغي إعطاء الزوار حقهم من إتاحة الفرصة للزيارة، والقيام بواجب حسن الاستقبال، والبشاشة، والنفع، والمجالسة، وحسن الضيافة ونحو ذلك.
آداب الزيارة وأحكامها:
أما عن شيء من آداب الزيارة وأحكامها، فإن الشريعة لما اعتنت بالزيارة وبينت فضلها وأجرها، اعتنت ببيان آدابها وأحكامها، وهذا من التفاصيل الحسنة؛ لأن إيضاح المسألة وإيضاح التفاصيل وبيان الآداب والأحكام يدل على عظم منزلة هذا الواجب، وهذه الفريضة الإسلامية، وهي الزيارة في الله.
فمن هذه الآداب والأحكام قوله ﷺ: إذا زار أحدكم قوماً فلا يصلّ بهم، وليصلّ بهم رجل منهم[12].
فإذا زرت أحداً في بيته، والأصل وجوب صلاة الجماعة، لكن قد يكون البيت بعيدا ًعن المسجد بُعداً لا تجب فيه صلاة الجماعة، وما هو هذا؟ قال العلماء: فرسخ.
وقدّروه بناءً على ما إذا كان المؤذن يؤذن في مكان مرتفع -يعني من سطح المسجد- والريح ساكنة، والمؤذن صيّتاً، والسامع حسن السمع، وليس هناك عوازل، ولا حائل يحول دون الصوت المؤذن والسامع، فكم تكون المسافة التي يُسمع فيها الأذان في هذه الحالة عادة؟ قدرها بعض العلماء بفرسخ.
فإذا حصل هذا البُعد لا يجب عندئذٍ حضور الجماعة لبُعد المسجد، فلو زارهم...
الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحيانا ًكان يزور الصحابة في طرف المدينة، بعيدين عن المسجد، لا تجب صلاة الجماعة عليهم، لكنهم كانوا يأتون ويحتسبون.
إذا زارهم وحصل أنه دخل وقت الصلاة فإنه لا يؤمهم، الزائر أصحاب الدار ولو كان أقرأ، وأعلم، وأحفظ؛ لأجل حق صاحب البيت؛ ولأنه صاحب سلطان في بيته، فلا يتقدم عليه الزائر ولو في الإمامة، ما يتقدم عليه.
والشريعة راعت حق صاحب البيت، حق المزور، حق المضيِّف، راعته مراعاة شديدة، ومن ذلك أنه لا يُؤَم في بيته إلا إذا أذن، إلا إذا تنازل، قال: صلّ أنت يا أيها الزائر، أو يا أيها الضيف، أذنتُ لك.
عندئذ يجوز له أن يتقدم ويصلي.
وقبل هذا هناك أحكام مثل: الاستئذان، والسلام، والمصافحة، وهذه أحكام لها مناسبات خاصة لعرضها، ليس المجال الآن مجال بيان آداب الاستئذان والسلام ونحو ذلك، هذه أمور تحتاج إلى تفصيل.
فالزيارة فيها أدب استئذان، فالناس قد يخلون بأمور الاستئذان، وربما -كما نمر بعد قليل بشيء من ذلك - ولا يراعون ما ورد فيها من الآيات والأحاديث.
جواز الطعام عندهم:
ومن آداب الزيارة كذلك: جواز الطعام عندهم.
لو واحد قال: إذا زرتُ قوماً فقدموا لي طعاماً، ولم تكن الدعوة أصلاً إلى طعام، فهل لي أن آكل؟
الجواب: نعم.
روى الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- من طريق أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ زار أهل بيت من الأنصار فطعم عندهم طعاماً -زارهم وطعم عندهم طعام- فلما أراد أن يخرج أمر بمكان من البيت فنُضح له على بساط فصلّى عليه ودعا لهم ﷺ.
قال ابن حجر من فوائد هذا الحديث: "استحباب الزيارة ودعاء الزائر لمن زاره وطعم عنده".
فالإنسان لا يتقصد أن يذهب إليهم في وقت طعام وهم لم يدعوه للطعام، ولذلك فإنه إذا زارهم فقدموا هم طعاماً من عندهم من غير أن يتقصّد أو يكلفهم فإنه يجوز له أن يأكل.
وقال البخاري -رحمه الله: "باب الزيارة ومن زار قوماً فطعم عندهم" وزار سلمان أبا الدرداء في عهد النبي ﷺ فأكل عنده"[13].
قال الشرّاح: هذا الأكل عند المزور مما يثبت المودة ويزيد المحبة.
وقال ابن حجر في فوائد هذا الحديث: "من تمام الزيارة أن يقدّم ما حضر"[14].
قدِّم له ما حضر عندك من أي طعام يتيسر.
نهي النبي ﷺ عن التكلُّف للضيف:
ونهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن التكلّف للضيف، قدِّم له ما تيسر إذا زارك من حلوى أو فاكهة وما تيسر.
كذلك القيلولة أو النوم إذا كان الحال مناسباً يجوز ذلك.
قال الإمام البخاري -رحمه الله- في كتاب الاستئذان باب: "من زار قوماً فقال عندهم – قال من القيلولة - كما فعل النبي ﷺ."
ومن آداب الزيارة وأحكامها أيضاً قوله -عليه الصلاة والسلام: لا يؤمنّ الرجلُ الرجلَ في أهله، أو: لا يؤمّن الرجلُ في أهله، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه[15].
أما الإمامة بيناها، الزائر لا يؤمُّ إلا بإذن المزور، فما معنى: لا يجلس على تكرمته إلا بإذنه؟
قال ابن مفلح -رحمه الله- في الآداب الشرعية: "إن أمره صاحب المنزل بالجلوس في مكان منه لم يجز أن يتعداه؛ لأنه ملكه وسلطانه وتكرمته"[16].
هو صاحب الدار، هو صاحب البيت، إذا حدّد لك مكاناً، قال: تفضل اجلس هنا فإنه يلزم أن تجلس في هذا المكان ولا تتعداه، "ولهذا لو لم يأذن في الدخول لم يجز"، لو لم يأذن لك في الدخول أصلاً ما جاز، فإذا أذن لك وعيّن المكان لزم لك أن تقعد فيه، "ولو أمره بالخروج لم يجز له المقام فيه"، لو قال: اخرج، أو تحول من هذا المكان إلى هذا المكان. لزمه أن يتحول.
وإن لم يأمره بالجلوس في مكان منه، من المجلس أو من البيت، فهل يجلس؟ وأين يجلس؟
أحياناً مثلاً نزور ناس، تزور شخصاً، تدخل البيت ما يعين لك صاحب البيت مكاناً، ما يقول لك: اجلس هنا.
يدخل بك إلى المجلس، ويسكت ولا يقول شيء، فهل تجلس قبل أن يأذن؟ وأين تجلس؟
قال ابن مفلح -رحمه الله: "ينبغي أن ينظر إلى عرف صاحب المنزل، وعادته في ذلك، فلا يجوز أن يتعداه".
أين عُرف صاحب المنزل؟ أنه يجلس الضيوف في أي مكان؟ ما هو عرف صاحب المنزل؟ في أي مكان يُجلس الضيوف عادة؟ فإذا كان في مكان معين عادة صاحب البيت أن يُجلس فيه الضيف جلس فيه الزائر.
إذا ما عيّن وما تكلم ننظر إلى العُرف، أين هو؟ جلسنا فيه.
فإن لم يكن له عُرف ولا عادة فالعرف والعادة في ذلك الجلوس بلا إذن خاص فيه لحصوله للإذن في الدخول".
يعني إذا لم يكن هناك عرف ولا عادة ماذا نفعل؟ ما دام أدخلك في البيت معناها أنك تجلس، تنتقي مكاناً وتجلس فيه، إذا كان صاحب البيت ليس له عُرف ولا عادة، مثلاً: من الأماكن التي لا يريد صاحب البيت للضيف أن يجلس فيها ما كان أمام أو بجانب الباب الذي يُدخل من المجلس إلى داخل البيت، غير مناسب أن تجلس في هذا المكان، فلا تجلس فيه، وإنما تجلس في مكان لا يكون فيه إطلال على داخل البيت، أو لا يكون بجانب باب الدار الداخلية مثلاً، هذا لا بد أن يُراعى، ثم إن شاء جلس أدنى المجلس لتحقق جوازه مع سلوك الأدب، ولعل هذا أولى"
يعني بدل ما يجلس في محراب المجلس وصدر المجلس يجلس في أدنى المجلس تواضعاً، ما لم يعد جلوسه هناك مستهجناً عادة وعُرفاً بالنسبة إلى مرتبته، أو يحصل لصاحب المنزل بذلك خجل واستحياء فإنه يعجبه خلاف ذلك، وربما ظن شيئاً لا يليق ونحو ذلك"[17].
يعني هب أننا قلنا: يجلس في طرف المجلس إذا كان صاحب المنزل ليس له عُرف، هذا تواضع جيد، لكن إن غلب على ظن الزائر أنه لو جلس في طرف المجلس أن هذا يجعل هناك حرج في نفس صاحب البيت، حرج أن جلس في جانب مكان الأحذية مثلاً، هناك حرج.
فعند ذلك يقوم ويجلس في صدر المجلس تطييباً لخاطر صاحب البيت.
ضرورة مراعاة خاطر صاحب البيت:
من أهم الأشياء مراعاة خاطر صاحب البيت.
قال خارجة بن زيد النحوي: "دخلت على محمد بن سيرين بيته زائراً، فوجدته جالساً بالأرض، فألقى إليّ وسادة، فقلت له: إني قد رضيت لنفسي ما رضيتَ لنفسك.
أنت جالس من غير وسادة أنا أجلس من غير وسادة.
فقال: إني لا أرضى لك في بيتي ما أرضى به لنفسي، واجلس حيث تؤمر، فلعل الرجل في بيته شيء يكره أن تستقبله.
والنبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن رد الوسائد"[18]. إذا طرح لك وسادة تستعملها.
وكذلك قد يكون في مكان البيت، في المجلس، في مكان معيّن شيء لا يريدك صاحب المجلس أن تنظر إليه، ولا أن تستقبله، ولا أن تواجهه، فيعين لك مكاناً، فتجلس حيث تؤمر؛ لأنه قد يكون في هذا المكان شيء من خصوصياته، أو يطل على شيء من خصوصياته، فينبغي التقيّد بالمكان الذي حدده صاحب البيت.
وأما بالنسبة للطعام، قال ابن الجوزي -رحمه الله: "ومن آداب الزائر أن لا يقترح طعاما ًبعينه، وإن خُيّر بين طعامين اختار الأيسر، إلا أن يعلم أن مضيّفه يسرّ باقتراحه مثلاً، ولا يقصّر عن تحصيل ذلك فإنه يطلب ويعيّن"[19].
إذا ظن أن صاحب البيت يسرّ لو عينتَ عيّن، وإذا كان ليس عندك شعور بذلك فعرض عليك وخيّرك اختر الأيسر، وإذا ما خيّرك بشيء من الطعام لا تقل: اصنع لي طعاماً إلا إذا كان كلامك يسرّه، ولا يكلف عليه، ويعتبره من الأخوة القوية، فعند ذلك تطلب منه.
الاستئذان قبل الانصراف:
ومن آداب الزيارة أيضاً قوله ﷺ في الحديث الصحيح: إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده فلا يقومنّ حتى يستأذنه.
لا بد من الاستئذان، حتى يستأذنه؛ لان الاستئذان هنا للانصراف، وهذا حق صاحب البيت، أنت داخل سلطانه وملكه، فينبغي أن تستأذن إذا أردت الانصراف، وهذا أدب مهجور عند الكثيرين، فإنهم يقومون وينصرفون بغير استئذان، وأحياناً يستأذن بعد أن يقوم ويمشي ويصبح عند الباب، ويقول: أستأذن!
يقول -عليه الصلاة والسلام: فلا يقومنّ حتى يستأذنهم.
إذن، الاستئذان قبل القيام، هذا من الأدب.
الإقلال من الزيارة خشية الإملال:
أما بالنسبة لموضوع الإقلال من الزيارة خشية الإملال فإنه قد ورد في ذلك حديث: زُر غِبّاً تزدد حُبّاً[20].
هذا الحديث أعلّه بعض العلماء، وقال ابن حجر -رحمه الله: "طرقه لا تخلو من مقال"[21].
وقد اختلِف في وصله وإرساله، وبعض العلماء صححه بشواهده وطرقه.
وقد جاء في الصحيحين قول عائشة لعبيد بن عمير: ما يمنعك من زيارتنا؟
قال: ما قال الأول "زر غبّاً تزدد حٌبّاً".
فكأن الرجل هذا، عبيد بن عمير ذكر هذا الكلام على أنه من كلام الأولين، يعني من الأمثال السائرة، معروف عندهم في السابق: "زُر غِبّاً تردد حبُاً".
إذا شئت أن تُقلى فزر متواتراً | وإن شئت أن تزداد حباً فزُر غبّاً[22]. |
تُقلى: يعني تُهجر وتُكره. فزر متواتراً: يعني وراء بعض، وراء بعض.
وقال آخر:
إني رأيتك لي محباً | وإليّ حين أغيب صبّاً |
فهجرتُ لا لملالة | حدثت ولا استحدثت ذنباً |
إلا لقول نبينــا | زوروا على الأيام غِباً |
ولقول من زار غِباً | منكمُ يزداد حُباً [23] |
وقال الشاعر أيضاً:
عليك بإقلال الزيارة إنها | تكون إذا دامت إلى الهجر مسلكاً |
إذا دامت وصارت كثيرة جداً مملة وتفضي إلى الهجر.
فإني رأيت القطر يُسأم دائماً | ويُسأل بالأيدي إذا هو أمسكا[24]. |
فإني رأيت القطر -المطر- يُسأم دائماً...
لو نزل المطر دائماً يُسأم.
وقال بعضهم:
أقلل زيارتك الصديق يراك كالثوب استجده | إن الصديق يمله ألا يزال يراك عنده[25]. |
هذا بالنسبة لقضية أن تتباعد الزيارات ولا تكون متواصلة وكثيرة جداً.
أنواع الزائرين والمزورين:
لكن ورد في صحيح الإمام البخاري -رحمه الله- ما يلي في كتاب الأدب، باب: "هل يزور صاحبه كل يوم أو بكرة وعشياً؟" هل يزور كل يوم مرة، أو في الصباح مرة وفي العشي مرة؟
واستشهد البخاري -رحمه الله- بحديث عائشة زوج النبي ﷺ قالت: "لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين - يعني من صغري- ما عرفتُ أبَوَيّ إلا وهما على الإسلام -أبو بكر وأم رومان- "ولم يمر عليهما يوم إلا يأتينا فيه رسول الله ﷺ طرفي النهار بكرة وعشية".
يعني كل يوم في الصباح وفي العشي.
فبينما نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل: "هذا رسول الله ﷺ في ساعة لم يكن يأتينا فيها، قال أبو بكر: "ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر" أمر مهم.
قال: إني قد أُذن لي بالخروج[26].
فأخبره النبي -عليه الصلاة والسلام- بالهجرة – أُذن لي بالخروج من مكة إلى المدينة بالهجرة.
والآن ماذا يدل عليه هذا الحديث؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يأتي إلى أبي بكر كل يوم مرتين.
وبعض العلماء قال: لماذا كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو الذي يزور أبا بكر، ولم يكن أبو بكر هو الذي يزور النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لأن في هذا مشقة على النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يكون هو الذي يزوره من طرفه باستمرار.
وأجابوا عن هذا الاستشكال، قال ابن حجر: "يحتمل أن يقال: كان سبب ذلك أنه ﷺ كان إذا جاء إلى بيت أبي بكر يأمن من أذى المشركين، بخلاف ما لو جاء أبو بكر إليه.
أو أن يقال: إن بيت أبي بكر كان على الطريق إلى المسجد الحرام، فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- كلما ذهب إلى المسجد الحرام مر على دار أبي بكر وهو ذاهب، ثم يمر وهو راجع.
هل هناك تعارض بين هذا الفعل من النبي -عليه الصلاة والسلام- وحديث زُر غَباً تزدد حُباً؟ على فرض صحته؟
قال ابن حجر -رحمه الله- في حديث: زر غباً: "يُحمل على من ليست له خصوصية، ومودة ثابتة، فلا ينقص كثرة زيارته من منزلته".
بعض الناس يتفاوتون، طريقة الجمع الناس يتفاوتون، هناك ناس لو زرتهم يومياً ما أثقلتَ عليهم ولكان أمرك طبيعياً جداً، وهناك أناس لو زرتهم أسبوعياً لأثقلت عليهم.
فالناس يتفاوتون، فالشخص إذا كان بينك وبيه خصوصيات، وأعمال مشتركة، وعبادات، هذا يحدث كثيراً، فهذا يفرض أن تقابله باستمرار.
كذلك أحياناً يكون هناك نوع من الصلة أو القرابة أو الأخوة الكبيرة، وهناك تقارب في المساكن، وسهولة في الوصول، وعدم إزعاج، ولا يحصل تكلُّف، وهو الذي يطلب منك، فهذا لو زرته يومياً ما اعتبر عيباً ولا خللاً.
وفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- مع أبي بكر ولا شك أن أبا بكر وزير النبي -عليه الصلاة والسلام- وكان بينهما علاقة كبيرة جداً في أمور الدعوة، وفي أمور الإسلام، والأمور الداخلية للإسلام، وقضية ما يحدث في مكة من الفتن، أشياء كثيرة جداً.
النبي -عليه الصلاة والسلام- كان بينه وبين أبو بكر مفاهمات كثيرة جداً، فلا شك أن الوضع يحتاج إلى زيارة متواصلة يومية، بل ربما مرتين في اليوم لمتابعة الأحوال، وأمور الدعوة، ويبلغه -عليه الصلاة والسلام- بما استجد من الوحي.
أبو بكر سابق الأمة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام، والأخوة بينهما كبيرة جداً، حتى همّ أن يتخذه خليلاً ولو كنت متخذا ًخليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً[27].
فلذلك ليس بمستغرب أن يمر عليه في اليوم مرتين.
فالشاهد أن القضية تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.
قال ابن بطال -رحمه الله: "الصديق الملاطف لا يزيده إلى كثرة الزيارة محبة بخلاف غيره"[28].
بعض الناس زيارتهم ثقل دم، ومنفرّة ومكروهة، وبعض الناس زيارتهم محبوبة، هذا شيء يلاحظه الزائر من المزور.
إذا رآه مستريحاً ومسروراً زاره، وإذا كانت الزيارات مثمرة أقبل عليه.
أما أنواع الزائرين والمزورين فهذا باب طويل، فمن الزائرين من يزورك لمال، أو مصلحة دنيوية، أو يريد أن يأخذ منك أشياء ومزايا، من الزوار من يزورك صلة رحم، من الزوار من يزورك لله أخوة، من الزوار من يزورك لتعلم علم منك، يقصدك لتعلم أو لتعليمك شيئاً.
من الزوّار من يزورك للتعاون على أعمال من البر والتقوى، من الزوار من يزور للتعاون على الإثم والعدوان.
فالشاهد أن من الزوار من يحفظ وقتك وينفعك، ومن الزوار من يضيع وقتك ويملّك.
فالزوار أنواع، من الزوار أهل دين وصلاح، من الزوار أهل شر ورفقاء سوء، الزوار أنواع...
وكذلك المزورين أنواع، فمن هم الناس الذين تقصد زيارتهم؟
قال النووي -رحمه الله تعالى: "باب زيارة أهل الخير ومجالستهم، وصحبتهم، ومحبتهم، وطلب زيارتهم، والدعاء منهم". ذكر هذا في باب من أبواب رياض الصالحين"[29].
فإذن، المطلوب الآن هو زيارة أهل الخير.
أما أهل الشر والسوء فلا يزارون إلا بالإنكار عليهم ودعوتهم إلى الله بما لا يترتب عليه مفاسد شرعية.
والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يشتاق جداً لزيارة جبريل، حتى ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ﷺ لجبريل: ألا تزورنا أكثر مما تزورنا؟ قال: فنزلت وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا... الآية[30].
انظر إلى اشتياق النبي -عليه الصلاة والسلام- لزيارات جبريل يطلب منه أكثر؛ لأن كل ما زاره جبريل وجد علماً، ﷺ وجد علماً نافعاً، وهكذا.
وكذلك الصحابة -رضوان الله عليهم- كان يزور بعضهم بعضاً.
أرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- معاذاً وأبا موسى إلى اليمن كما ورد في صحيح البخاري.
فقال: يسّرا ولا تعسّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا فانطلقا، فقال معاذ لأبي موسى:كيف تقرأ القرآن؟
قال: قائماً، وقاعداً، وعلى راحلتي وأنا أتفوقه تفوقاً". قال: "أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي".
وضرب فسطاطاً..."[31].
وفي رواية الإمام أحمد: "فكان لكل واحد منهما فسطاطٌ.
مكان يأتيه فيه الناس يتعلمون.
أرسل النبي -عليه الصلاة والسلام- عالمَين إلى أهل اليمن، يعلِّمون أهل اليمن.
قال في البخاري: "فجعلا يتزاوران".
مع أنهما رسولا رسولَ الله ﷺ، كل واحد نزل في مكان جعلا يتزاوران.
سافرا إلى بلد، نزلا فيها، جعلا يتزاوران.
فزار معاذ أبا موسى، فإذا رجل مُوثَق ، فقال: ما هذا؟
قال أبو موسى: "يهودي أسلم ثم ارتد".
فقال معاذ: "لأضربن عنقه؛ لان النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: من بدّل دينه فاقتلوه[32].
فلو واحد أسلم اليوم ثم ارتد غداً وجب قتله لأنه بدّل دينه وهو دين الإسلام، ولا يدخل فيه تبديل دين النصرانية واليهودية وإنما المقصود تبديل دين الإسلام.
وكان السلف يحرصون على إشاعة روح التزاور بين الإخوان في الله، والأصدقاء والأصحاب.
وقد قال الدارمي -رحمه الله- في سننه بإسناده إلى ابن مسعود أنه سأل أقرانه وأصحابه: هل تتزاورون؟
قالوا: "نعم، حتى إن أحدنا ليزور أخاه في ناحية الكوفة".
يعني نشتاق إلى بعضنا البعض فيزور أحدنا صاحبه، فأخبرهم أنهم على خير ما داموا على ذلك.
أما الزيارة، فأعلى من يُزار هم أهل العلم ولا شك، أعلى من يُزار هم أهل العلم، أهل العلم إذا زيروا انتُفع بالزيارة، وهاكم مثالاً على ذلك:
في صحيح مسلم عن أبي وائل قال -وهذا مثال على زيارة أناس لعالم - قال: "غدونا على عبد الله بن مسعود يوماً بعدما صلينا الغداة - الصبح - فسلمنا بالباب، فأُذن لنا، فمكثنا بالباب هنيّة -كأنهم يريدون التأكد من الإذن، قال: فخرجت الجارية، فقالت: ألا تدخلون؟
فدخلنا، فإذا هو جالس يسبِّح - ابن مسعود - فقال: "ما منعكم أن تدخلوا وقد أُذن لكم؟"
فقلنا: لا، إلا أنّا ظننا أن بعض أهل البيت نائم.
ما أحببنا ندخل حتى نتأكد، قال: ظننتم بآل أم عبد غفلة؟
من آل أم عبد؟ من هم آله؟ من هو ابن أم عبد؟ هو ابن مسعود، ابن أم عبد هو ابن مسعود.
آله: أهله، زوجته: بناته.
قال: "تظنوهم غافلين؟" يجتهدون في العبادة بعد الفجر، ما هم غافلين، ما ينامون، آل أم عبد ما ينامون بعد الفجر، يجلسون يذكرون الله.
هم ظنوا أهل البيت نائمين، قال: "ظننتم بآل أم عبد غفلة؟"
قال: ثم أقبل يسبّح، ما قطع العبادة لأجل الزيارة، كان في عبادة، أكمل العبادة.
حتى ظن أن الشمس قد طلعت، قال: يا جارية انظري هل طلعت؟
فنظرت فإذا هي قد طلعت، فقال: الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا.
قال مهدي بن ميمون: "أحسبه قال: ولم يهلكنا بذنوبنا".
فقال رجل من القوم: قرأت البارحة المفصّل كله.
فقال عبد الله: هذّاً كهَذّ الشعر؟" إلى آخر الحديث[33].
فوائد من الحديث:
وهذا الحديث فيه فوائد، فمنها:
التلبُّث عن الدخول بعد الإذن لاحتمال عذر، للتأكد.
وكذلك: نفي التهمة والنقص عن الإنسان وعن أهله.
قال: تظنون أهلي غافلين؟ ما هم غافلين.
وكذلك كراهية النوم بعد الفجر، وأن هذا وقت ذكر لله.
ومن فوائد الحديث هذا في الزيارة: أن من استؤذن عليه وهو في عمل طاعة يمكنه تركها لا يتركها؛ لأن لا يكون ذلك وسيلة في ترك الطاعات، ويتخذه الشيطان سبباً يصد به عنه.
أما إن جاءه مخاطر الرياء والإعجاب، تعوّذ بالله من الشيطان وحاسب نفسه.
وإذا لم يمكنه التغلب على جانب الخوف والإعجاب ترك العمل واشتغل بمن قدم عليه.
فهذا الحديث في زيارة العلماء، وانظر كيف انتفعوا بزيارة ابن مسعود؟، انتفعوا في تعلُّم أشياء من آداب الاستئذان، وفي تعلُّم حمل الأهل على الطاعة والعبادة، وفي تعلُّم الاستمرارية على العبادة، وفي تعلُّم فوائد مثل مسألة الإسراع في تلاوة القرآن والحذر فيه، وما حكم إنهاء القرآن في يوم واحد؟، وهكذا.
وبعض الناس قد يظن أن الزيارة لأهل العلم والفضل والأصحاب والأصدقاء فينسون زيارة الضعفة والمساكين، وزيارة الضعفة والمساكين فيها أجر عظيم، عبادة يجب أن لا ينُسى الضعفة والمساكين في المجتمع.
والناس قد يزورون الوجهاء، والكبراء؛ لما عندهم من الدنيا ومن الجاه ومن الغنى، ولا يزورون المساكين والضعفاء.
لماذا لا يُزار المساكين والضعفاء؟ العجائز، النساء الكبار، خذ هذا الحديث:
روى الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه عن أنس، وهو حديث مؤثِّر فعلاً يبين الاهتمام بهذه الناحية، مؤثِّر لأنه صدر من أكبر اثنين في الأمة بعد النبي ﷺ، قال أبو بكر لعمر -رضي الله عنهما، أبو بكر الخليفة يقول للنائب عمر، وزيره وصاحبه، قال أبو بكر لعمر -رضي الله عنهما- بعد وفاة رسول الله ﷺ: "انطلق بنا إلى أم أيمن -رضي الله عنها- نزورها كما كان رسول الله ﷺ يزورها".
من الذي يتكلم؟ أبو بكر قائد الأمة والخليفة، والنائب الذي بعده عمر، يقول: "انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله ﷺ يزورها"[34].
زيارة العجائز والكبار في السن، هؤلاء ليسوا على الجانب بحيث أنه لا يُراعى لهم حق، ولا يعطون اهتمام، الغرب الذي تقدموا في الصناعات ماذا فعلوا؟ وضعوا الملاجئ للعجزة!، ملاجئ للعجزة لا يزارون حتى من أقرب الناس إليهم، وهؤلاء أهل الإسلام وأصحاب الإيمان، أصحاب النبي ﷺ، وزيراه، وصاحباه، يزوران أم أيمن العجوز، وأم أيمن عجوز كبيرة كانت حاضنة النبي -عليه الصلاة والسلام، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يراعيها، حتى أنها المرأة الوحيدة التي تكلمت على النبي ﷺ لما زارها يوماً، وكان صائماً، فقدمت له لبناً فأبى، فتكلمت عليه ولامته.
ما كان أحد يتجرأ أن يلوم النبي -عليه الصلاة والسلام، لكن أم أيمن هذه حاضنته في صغره ولها نوع من الحق.
فزيارة العجائز وهذه ليست زيارة مشبوهة، ما راح وزار امرأة شابة، أجنبية، وكان في خلوة، لا، أبو بكر وعمر زاروا عجوزاً، عجوز كبيرة في السن، ليس هناك فتنة في الموضوع، المسألة واضحة.
ولا يظننّ ظانّ أن العجائز ليس لهن دور في المجتمع، وكبار السن ليس لهم دور في المجتمع، سبحان الله، والله أكبر على ذلك المجتمع الأول الذي ما كان فيه فرد إلا وله دور، حتى العجائز انظروا في هذا الحديث:
روى الإمام البخاري -رحمه الله- عن سهل بن سعد قال: "إنّا كنا نفرح بيوم الجمعة، كانت لنا عجوز تأخذ من أصول سلقٍ – السلق هذا النبات المعروف – لنا كنّا نغرسه في أربعائنا – والأربعاء هو الجدول أو النهر الصغير أو الساقية – فتجعله في قِدر لها فتجعل فيه حبات من شعير لا أعلم إلا أنه قال: "ليس فيها شحبٌ ولا ودكٌ – لا لحم ولا دهن، ولا شيء، مجرد سلق عليه شيء من الشعير - فإذا صلينا الجمعة زرناها – هذه العجوز بعد صلاة الجمعة فقربته إلينا، فكنّا نفرح بيوم الجمعة من أجل ذلك[35].
وفي رواية للبخاري أيضاً: "كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقاً، فكانت إذا كان يوم جمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها، فتكون أصول السلق عرقه.
أصول السلق مثل اللحم، مثل عرق اللحم بالنسبة للشعير والأكل هذا، هذا بيان ما كانوا عليه من التواضع والزهد، وقلة ذات اليد، والفقر، وضيق العيش، والصبر، رضوان الله عليهم.
"وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها فتقرب ذلك الطعام إلينا، فنلعقه وكنّا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك.
سبحان الله، هذه عجوز كبيرة في السن لكنها أبت إلا أن يكون لها دور في المجتمع، تقدم الطعام للخارجين من صلاة الجمعة على بساطة الطعام، وعلى قلته، ولذلك قالوا في فوائد الحديث: عدم احتقار الأجر في الأشياء ولو كانت قليلة، ولو كان شيئاً يسيراً"[36].
هذا بالنسبة لأنواع الزائرين والمزورين، فالمقصود أن الزيارة ينبغي أن تكون لله في الله.
الزيارة من الباب:
وهناك ملاحظة، وهي أن بعض الناس قد يزورون أشخاصاً من الباب، أو في الطريق، هل تعتبر هذه زيارة؟
أما الزيارة من الباب لأجل شيء مستعجل فهذا شيء طيب، وأنت تأتيه إلى باب داره أحسن من أنك لا تأتيه أصلاً، هب أن وقتك ضيق، لا تستطيع أن تزور إلا من باب البيت، ماذا تفعل؟ تزوره من باب البيت، تمر عليه مروراً، تقول: يا أخي أعذرني، لا أستطيع أن أدخل، أزورك من الباب.
طيب ولو أنك تستوقفه في الطريق فتتكلم معه هنيهة، هذا أيضاً طيب كما قال الشاعر ابن المعتز:
قف لنا في الطريق إن لم تزرنا | وقفة في الطريق نصف الزيارة[37]. |
لكن بعض الناس قد يأتي إلى باب صاحبه، ويقول: أنا مستعجل ولا أريد أن أدخل، ويقفان عند الباب، وتتواصل الأحاديث، أدخل! لا أنا مستعجل! وتتواصل الأحاديث، أدخل! أنا مستعجل!
ونصف ساعة على الباب، لو دخل كان أحسن، لكن بعض الناس لا يحسنون تقدير الأشياء، لو دخل وزارة ربما طلع أسرع من الوقفة عند الباب؛ لأن بعض الناس لا يحلو لهم الكلام إلا عند الباب، ولا تهطل عليهم الأفكار إلا عند الأبواب.
إن الانشغالات الموجودة في هذا العصر جعلت فريضة الزيارة في الله شيئاً نادراً مع الأسف.
وبعض الانشغالات الناس محقون فيها، فعلاً ما هم فيه من الانشغالات قد يكون أهم من بعض الزيارات، لكن قطع الزيارات نهائياً هذا أمر لا يُقبل. هنا وصلت المطابقة
أنا ممكن أفهم أنك إنسان في حي من الأحياء، ولك نشاط في الدعوة إلى الله، وأنت مشغول، وعندك كثير من الانشغالات والمهمات، فقد أقلل من الزيارة، أو نتزاور على البعد، ما بيني وبينك من الروابط والعلاقات القلبية لا يمكن قطعه ولا زواله.
لكن أن تنقطع الزيارات نهائياً، فتمر السنة والسنتين وأنا لم أزره هذا أمر معيب.
لكن حصول الأعذار هذه ينبغي أن يكون فيها تبادل تقدير من الأطراف المختلفة، وقلة الزيارة لا تعني الجفوة بالضرورة، ما تعني الجفوة، هناك أناس من أهل الخير والإحسان والصلاح والعلم زياراتهم لبعضهم قليلة، يسمعون عن بعضهم سماعاً ربما، لكن ما بينهم من العلاقات القلبية قوي جداً، ولو كانت زياراتهم قليلة أو معدومة جداً لبعض الظروف، عن أبي الحسن بن قريش قال: "حضرتُ إبراهيم الحربي وجاءه يوسف القاضي ومعه ابنه أبو عمر، فقال له: يا أبا إسحاق -هذا إبراهيم الحربي هذا من علماء الحديث- لو جئناك على مقدار واجب حقك لكانت أوقاتنا كلها عندك، فقال أبو إسحاق -رحمه الله: "ليس كل غَيبة جفوة، ولا كل لقاء مودّة، وإنما هو تقارب القلوب"[38].
فقد يلتقي بعض الدعاة إلى الله مع بعضهم من بُعد في الطريق، تكون السلام والابتسامة هذه تنبئك عن أمر عظيم.
الانشغالات إذا كانت في الأشياء الشرعية قد يُعذر فيها الإنسان في قلة الزيارة، لكن المشكلة أن الناس الآن أعدمتهم الأمور الدنيوية، وأعمتهم عن أن يزوروا إخوانهم في الله، وصارت الزيارات زيارات مصالح، ما يزورك إلا لمصلحة، فجأة تُفاجأ بشخص ما عمره زارك، الآن يطرق عليك الباب، خير؟
لا والله جينا نزور وجبينا نزورك.
وبعد ذلك تأتي الموضوع، يعني عندنا قضية نريدك أن تأتم لنا فيها، وتعملها لنا، وخدمة تقدمها لنا.
إذن، الزيارة صارت من أجل الخدمة، هذه مشكلة، المشاكل الآن أن زيارات الناس تقطعوا أمرهم بينهم، ما تجمعهم إلا المصالح، ما يجمعهم الحب في الله، ولا التزاور في الله، ولذلك خطوات غير محسوبة، حسنات ما في، لأن الزيارات زيارات مادية.
الزيارات ملاحظات وسلبيات ومؤاخذات:
وندخل الآن في فصل بعنوان: الزيارات ملاحظات وسلبيات ومؤاخذات.
من السلبيات الكبيرة كما قلنا: عدم التزاور، إهمال الزيارة، قطع الزيارة، وهذا قد يكون له انشغالات مادية مذمومة وقد يكون عبارة عن تكاسل، ليس هناك سبب إلا التكاسل.
استثقال الزيارة:
استثقال الطريق، يقول: أذهب فأزوره مشوار!، قد يكون في شوارع مزدحمة وحي بعيد. يجب أن تكون العلاقة في الله أقوى من كل هذه العوائق.
وينبغي أن يكون الحب في الله دافعاً للزيارة، ونتذكر دائماً حال الشخص الذي زار أخاً له في الله، سافر سفرا ًمن أجله، تكبّد المشاق، فكيف بنا اليوم وعندنا سيارات؟ يا أخي كان السلف يزورون إخوانهم مع ما في الزيارة من المشقة والتعب ووسائل المواصلات كانت على بهائم الأنعام وغيرها.
لكن الآن مع وجود السيارات ووجود الهواتف، الهواتف سهلت الأمور، ممكن تتصل وتحدد وقت الزيارة، لكن صارت الزيارات أقل والقطيعة أكبر، كان مجتمعهم نظيفا ًمتماسكاً ومجتمعنا فيه كثير من الأوساخ والقذارات والتقاطع والتدابر، والعلاقات – كما قلنا – والزيارات زيارات مصالح.
ولو تقاعد الرجل أو خسر ماله ما زاره أحد، وكانوا من قبل يزورونه دائماً ويحضرون ديوانيته، لكن لما استقال، أو نُقل من منصبه، أو أنه فقد ماله ونحو ذلك فإنه لا يُزار، فالقضية قضية مصالح دنيوية.
وكان ابن الجوزي -رحمه الله- يشتكي من الذي يضيعون الأوقات، هذا جانب مقابل.
نحن بين إفراط وتفريط، ناس لا يزورون، وناس يزورون زيارات مملة مضيعة للوقت.
فأما الطرف الأول عرفنا تفريطهم، أما الطرف الثاني فإن من إفراطهم أنهم يأتون بغير موعد، والإتيان بغير موعد لا بأس، ما قلنا شيء، الصحابة والسلف ما عندهم تلفونات، ما عندهم هواتف، يزور أخاه، قد يصادفه في مسجد يتواعد معه وقد لا يتواعد معه، لكن أين الفرق؟
الفرق: أن الرجل منهم إذا زار أخاً له واستأذن وقال: السلام عليكم أأدخل - مثلاً .
فقيل له: ارجع.
ما أُذن له، يرجع بطيب نفس.وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ [سورة النور:28].
والآن الواحد لو ذهب ليزور فاستأذن فلن يؤذن له، أصلاً ما أحد يتجرأ أن يقول له: ارجع. ولا يعتذر، يستعملون الكذب الآن، بدل أن يقول: يا أخي ارجع.وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ما يقول: ارجع. يكذب، يقولون له: غير موجود، أو أنا عندي موعد، أنا سأخرج الآن من البيت، وما هو بطالع من البيت.
فإذن، هناك إفراط في كثرة الزيارات، تفريط في عدم الزيارات، وهناك أناس يتضايقون إذا لم يسمح لهم بالزيارة.
قال ابن الجوزي: "أعرف أناس من البطّالين، دائماً يريدون أن يزوروا، نزورك نزورك، نريد أن نزورك، نريد أن نزورك، "وأنا عندي تآليف وأشغال، فكنت أدافع اللقاء جهدي"، أعتذر ما استطعت؛ لأجل أن ما أنا فيه من العبادة أفضل من قضاء الوقت معهم، من باب الموازنة، "فإذا اضطررتُ وأُلجئت، وصرت أمام الأمر الواقع لا بد أن يزوروني، "فكنت أعد الأشياء التي لا تحتاج إلى تفكير من قطع الأوراق، وبري الأقلام ونحوها"[39].
فإذا زاروه ولا بد، ودخلوا عليه، اقتحموا اقتحاماً فإنه ينشغل بهذه الأشياء التي تأخذ وقتاً ولا تحتاج إلى تفكير في مدافعة هؤلاء، أو في مواجهة هؤلاء القوم.
عدم مراعاة الإشارات ولا التلميحات:
بعض الزوار لا يراعون الإشارات ولا التلميحات، صاحب البيت قد يكون يريد أنك تريد أن تنصرف من عنده، فيعطيك إشارة، تلميحاً، لكن بعض الزوار عقولهم سميكة، فلا يفهمون لا التلميح ولا التصريح.
وبالنسبة للإحراجات التي تحصل بسبب عدم الإذن كما قلنا إن الهاتف وسيلة لتحديد الموعد ومعرفة الظروف والأحوال، يعني أنك تتصل عليه إذا أردت أن تزوره.
والمشكلة أن بعض الناس يعتبرون أنفسهم من الخصوصيين، ويظنون أهم متى جاءوا في أي وقت فالباب مفتوح، والإنسان قد يكون له ظروف وانشغالات لا تسمح له باستقبال أعداد من الناس في أوقات مختلفة، وكل واحد يظن نفسه أنه صاحب حق ومن المقربين، وفي أي وقت جاء فلا حرج عليه، وهكذا تحصل الإشكالات.
ومن الأمور أيضاً أن بعض الناس لا يرفضون الزيارة رفضاً قاطعاً، ويقولون: زيارة الناس ما أتت لنا إلا بالمشاكل، وأن البيت ما صار فيه مشكلات إلا من الزيارات، لا تزر أحداً ولا يزورك، ولا تدخل بيت أحد ولا تدخله بيتك، ترى يضعون لك سحراً، يضعون لك أشياء، ويصيبونك بالعين، ويحسدونك، إلى آخر ذلك.
ونحن عندما نقول الزيارة وقلنا أصناف الزائرين وأصناف المزورين، نعني ونقصد أن الإنسان ينتقي من يزورهم بطبيعة الحال ولا يدخل أحداً بيته، أي أحد على بيته، لا بد ينتقي من أهل الصلاح والعلم والفضل من يدخلهم بيته، ومن يدخل بيوتهم هو، وبعض الناس يبالغون في الرد، يرد الأشخاص بشكل سيئ من الباب، ويطردهم طرداً، أسلوب جاف، ليس هناك اعتذار، ولا كلام حسن، وبعضهم يكتب على باب غرفتك، ما شاهدناه في غرف بعض الطلاب، يقول: خطر، ممنوع الاقتراب. يضع عظمتين وجمجمة.
نقول: إن التوازن أمر مهم ومطلوب، فالإنسان في أوقات يستقبل الزيارات وأوقات ما يستقبل الزيارات، الأوقات التي لا يستقبل فيها زيارات يعتذر من الباب أو يكتب على الباب.
وبالنسبة للمزورين، منهم من يكونوا من العزّاب، كالطلاب والعمال والعسكريين، هؤلاء قد يكون لهم مجمعات خاصة، العمال يكونون في مجمعات، الطلاب يكونون في مجمعات، العسكريون يكونون في مجمعات -مثلاً - عزاب يعيشون لوحدهم، وهؤلاء ظروف الزيارة تختلف عن ظروف زيارة أهل العوائل؛ لأن أهل العوائل في بيوت، وصاحب البيت عنده ارتباطات وأهل وزوجة، وذاك أعزب تدخل عليه، ذاك أسهل، هذا إذا زرته كل يوم، هذا ما تستطيع أن تزوره يومياً مثلاً، فلا بد من التفريق بين العزاب وأصحاب العوائل في الزيارات.
كذلك في بعض المجمعات السكنية مثل مجمعات الطلاب وغيرهم فيه نوع من عدم الكلفة إلى حد ما بحيث إنك ممكن تدخل بيته، غرفته، أما ذلك فهو في بيت وعنده زوجته قد يكون موجوداً، قد لا يكون موجوداً، زوجته في البيت، ما تستطيع أن تقتحم عليه، فلا بد من مراعاة الفوارق في الزيارات، وإذا كنا في بعض الأوضاع ما نشعر بالكلفة للزيارة اليومية، أو أننا ندخل الغرف فإننا في المقابل يجب أن نشعر بالتقدير لظروف الناس الذين عندهم عوائل وأولاد.
هذا أولاده يذهبون إلى المدارس في الصباح، زوجته لها حق، قد تكون مريضة، قد تحتاج إلى عناية، هو يريد أن يشتري أغراضاً للبيت بخلاف الطالب أو العسكري أو العامل فإنه يدبر أمره ولو تأخر موعد غدائه أو عشائه لا يضر.
لكن أصحاب العوائل عندهم موعد معين للغداء أو العشاء، يحب أن أهله وأولاده ينتظمون، هذا يراعى في زيارته ما لا يراعى في الآخر.
فلا بد من التفريق بين العزاب – كما ذكرنا – وأصحاب العوائل.
كذلك بعض الناس قد يحتجون بعدم الزيارة بأعذار تافهة، مثل أن يقول ما عندي وقت وزوجتي وأولادي، بعضهم يقول الدراسة، دراسة والامتحانات...
الشاهد إن النهاية أنه لا يزور ولا يُزار.
وبعضهم يزور ولا يزار، يعني يبلغ من لؤمه ودناءة طبعه وقلة ضيافته وبخله أنه يزور الناس لكن لا يريدهم أن يزوروه لكي لا يتكلف لهم أو لا يقدّم لهم شيئاً.
الإفراط والتفريط في الزيارة:
وكذلك من الأمور الملاحظة في بعض الأوساط أن منهم من لا يزور مطلقاً، ومنهم من يجعل بيته أو غرفته مكاناً مثل القهوة، الناس داخلون طالعون، داخلون طالعون، ديوانية.
ووقته يذهب سدى والمهمات المطلوبة منه غير متحققة، وهكذا.
ومن السلبيات في الزيارات أن يختص بعض الناس بالزيارة دون بعض مما يوغر صدور الآخرين، كلهم إخوانك في الله، لماذا تقصر الزيارة على فلان ولا تزور الآخر أبداً؟
نعم، ليس الإنسان في علاقته بالأشخاص متساوية، هذا عنده له في نفسه معزة أكبر، وهذا علاقته به أعظم، وهذا الأشياء المشتركة بيني وبينه أكبر، لكن أن أزور واحداً لا أزور الآخر أبداً، وعندما نكون متقاربين فهذا مما يوغر الصدور، فأنت يمكن أن تزور الجميع لكن بأوقات متفاوتة تتناسب مع العلاقات معهم.
أعيد مرة أخرى نزور الجميع، لكن بأوقات تتفاوت تتناسب بالعلاقة، بحجم العلاقة معهم، لكن نزور.
رسالة مناصحة إلى الدعاة إلى الله تعالى:
ومن المؤسف وهذا كلام نوجهه إلى الدعاة إلى الله ، كلام مهم جداً:
هناك تقصير كبير في التزاور بين الدعاة إلى الله ، والزيارة في الله عبادة، ليست مقصورة على قوم معينين، أو فئة معينة، الزيارة في الله عامة للجميع، وهناك كثير من الدعاة يقصرون في زيارة بعضهم بعضاً، وقد يكون هناك من الاجتهادات في الدعوة إلى الله ما تجعل أقواماً ينغلقون على بعضهم دون آخرين، فلا يزورونهم، وهذا حق إسلامي، حق شرعي،نحن أمة واحدة.
نعم أنا قد أزور فلاناً أكثر؛ لأن هناك بيني وبينه روابط مشتركة كثيرة، لكن أترك أخي في الله الآخر، إخواني في الله المسلمين الآخرين والدعاة الآخرين لا أزورهم، يجب أن تكون الزيارة في الله فوق الاختلافات والاجتهادات إذا كانت داخل دائرة الإطار المقبول والصحيح والشرعي والمنهجي.
يجب أن تكون الزيارة في الله، نحن لا نقول: زر أهل البدع، وزر الكفار والمنافقين والمشركين، لكن هؤلاء إخوانك في الله، فلا يجوز أن يفرق بينك وبينهم أي نوع من أنواع الاختلاف في الاجتهادات، هذه قضية مهمة يا جماعة وينبغي أن تزول هذه الحواجز التي تمنع الزيارات.
نعم إنك لا تتدخل في خصوصيات الآخرين ولا تزور زيارة إساءة ظن ، لكن تنتقي الأوقات المناسبة لزيارة إخوانك في الله من الدعاة جميعاً مهما كانت مقاصدهم ما داموا أنهم يسعون لخدمة الإسلام وهم على السنة، ليسوا أصحاب بدع، ولا ضلالات.
الزيارة لأجل التعلُّق والعشق للمزور:
كذلك من الناس من يزور أشخاصاً معينين تعلقاً بهم، وقد يصل لدرجة العشق والعياذ بالله، فزيارته لا لله، ولا ينطبق عليه حديث: فأخذ يده لله. وإنما هو يزوره لغير الله، لما يحصل بينهما من التعلق المذموم أو العشق المحرم، فيقصر زيارته عليه، ويكون أمراً معيباً ملاحظاً أمام الآخرين، وقد يجعل حججاً واهية كالدراسة معه، أو تقديم الخدمات، أو مشروع مشترك وهمي، المقصود منه فقط: زيادة التعلق المذموم.
ضياع الأوقات في الزيارات:
وكذلك ما يحصل في الزيارات من ضياع الأوقات والالتقاء لمجرد المؤانسة والمشاكلة، مشاكلة الطباع، فهذا أمر مذموم أيضاً، هذا شيء قد يندم عليه الإنسان يوم القيامة.
وبعض الناس قد يزور زيارة لإخوانه لا يحسب للوقت قيمة، فيجلس الساعات الطوال، وأحياناً لساعة متأخرة من الليل، وكذلك ما يحصل في الزيارات من الغيبة؛ خاصة فيما يتعلق بعيون إخوانه غير الموجودين في المجلس، والناس عموماً، وكذلك يحصل ضحك ومزاح كثير يسبب عداوة، ويزيل الكلفة بالكلية مما يؤدي إلى وقوع أمر مذموم.
وكذلك السهر الذي يضيع صلاة الفجر، فيتزاورون زيارات يسهرون فيها إلى ما بعد منتصف الليل، فتضيع صلاة الفجر، وبعضهم له نفس ثقيلة لا يتورّع عن المبيت، أو المشاركة في الطعام، أو الحضور في وقت وجبة الغداء، أو العشاء، بدون موعد أو بدون دعوة.
العبث في الممتلكات الخاصة:
وكذلك من السلبيات ما يحصل من العبث في الممتلكات الخاصة، والإنكار في مسائل الاجتهاد، ينكر على صاحبه في بيته أشياء من المسائل الاجتهادية، أو يستأثر بالكلام، أو يتدخل فيما لا يعنيه، أو لا يراعي ظروف المزور مثل: أن يكون عنده امتحانات أو أولاد أو وظيفة.
يعملون على أوقات مختلفة، هذا عمله الساعة الثانية ظهراً، هذا عمله الساعة السادسة صباحاً، هذا صاحبنا يزور صاحبه ويجلس عنده إلى ساعة متأخرة في الليل! أنت عملك الساعة الثانية ظهراً، أليس عندك دوام الصباح، كيف أنت تتأخر عنده إلى هذه الساعة المتأخرة من الليل؟
أمور للزيارة الناجحة:
ونقول: إن الزيارة الناجحة لا بد لها من أمور، فالزيارة الناجحة تحتاج إلى إعداد مسبق، تحديد موعد، أو ترك مجال للاعتذار إذا جئت بغير موعد، مثل أن تقول له: إن كنت منشغلاً آتيك فيما بعد.
تترك له مجالاً، إذا كان منشغلاً يقول: يا أخي فعلاً أنا منشغل، نحدد وقتاً آخر.
أما تقول: أنا جئتك أزورك وأرجو أن لا تعتذر.
فنقول: هذا لا يعتبر من مكارم الأخلاق، والنفس المهذبة لا تعمل هذا.
ثم يا جماعة من أساسيات الزيارة الناجحة: إعداد جدول للزيارة ولو في الذهن، ماذا نريد أن نناقش في الزيارة؟
ماذا نفعل في الزيارة؟ ما هي المواضيع التي تريدون أن نطرقها؟
وبعض الناس يريدون الزيارة للكلام في مواضيع العمل، فإن كان موظفاً أسهب وأطنب هو وصاحبه في الكلام على الوظيفة، ومشكلة الوظيفة والعمل، وصار هم الوظيفة والعمل من الشركة إلى المصنع والمدرسة إلى المجلس، إلى مجلس التزاور، هذه زيارة عبادة، ينبغي أن تُستغل في أشياء مهمة.
والزيارة يا جماعة لا بد أن تتناقل فيها أخبار، سؤال عن الأحوال، الاطمئنان، ليس المقصود بالعبادة أن نفتح القرآن ونقرأ، لا، لا بد نذكر الأخبار، الأحداث، أحداث البلد، الاطمئنان عن صحته وأحواله وأحوال أهله، وماذا حصل من الحوادث والأشياء؟، ثم هناك أخبار اجتماعية من زواج وأمور من العلاقات الاجتماعية تتداول، وأخبار عامة وسريعة، لكن لا بد أن يكون في الزيارة الناجحة هناك أشياء تستثمر ويستفاد منها، مثل: فتح مواضيع إسلامية، أشياء من المشكلات التي تواجه، كيف حلها؟، قراءة في الكتب، وأرشح هنا بعض الكتب للقراءة منها إذا حصلت زيارة تكون موجودة في مكتبة في المجلس إذا حصلت زيارة، لاحظنا مثلاً أنه ليس هناك موضوع معين، يؤخذ الكتاب، يفتح، يقرأ منه أشياء، لا بد من الصلاة على النبي ﷺ، ذكر الله، فمن الكتب مثلاً: تفسير العلامة بن سعدي -رحمه الله، وحاشية كتاب التوحيد لابن سعدي، رياض الصالحين، غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، السيرة النبوية الصحيحة لأكرم العمري، نزهة الفضلاء في تهذيب سير أعلام النبلاء، زاد المعاد، كتب ابن القيم وابن تيمية مبروكة ومباركة، الوابل الصيب، تهذيب مدارج السالكين، الفوائد، كتب الشيخ عمر الأشقر في العقيدة، ابن عبد البر ألّف كتاباً اسمه: بهجة المجالس وأُنس المُجالس، فيه آداب والأخلاق، مختصر منهاج القاصدين، موعظة المؤمنين، صفة الصلاة وأحكام الجنائز للشيخ الألباني، فتاوى إسلامية للمشايخ عبد العزيز بن باز، ومحمد بن صالح العثيمين، وعبد الله بن جبرين.
المجلات الإسلامية الهادفة.
إذن، هناك أشياء ينبغي أن تكون في المجلس تستثمر فيها الزيارة تكون زيارة ناجحة، ولا يزاد فيها عن الموعد المحدد.
بعض الناس يقول: يا أخي نصف ساعة، نتواعد نصف ساعة؟ ثم يجلس ساعتين، ساعة ونصف، يتعدى الموعد.
ملاحظات على زيارة النساء للنساء:
أما بالنسبة للزيارة بين النساء فهذه لها شأن خاص، لكن هناك ملاحظات سريعة.
زيارة النساء للنساء هذه عبادة وأمر مطلوب داخلاً، صحيح أنها ليست مطلوبة مثل الرجل لأن المرأة مطالبة بالقرار في بيتها، لكن لو حصلت مناسبة تزور، لا تزور متطيبة، يشم طيبها الرجال، ولا متزينة يرى زينتها الرجل، ولا مع خلوة مع أجنبي كالسائق، ولا تذهب للغيبة والنميمة والكذب وضياع الأوقات وتهمل أطفالها وأولادها وحق زوجها بحجة الزيارة، ولا تترك أولادها يعبثون في بيت صاحبتها، ويخربون في الزيارة.
والحقيقة أن هناك كتاب في موضوع الزيارة بين النساء أدل عليه وألفت إليه النظر، والحقيقة أن الوقت قد ضاق بنا، لكن نرى إذا كان هناك بعض الأسئلة المهمة.
يقول: نحن مجموعة من الإخوان نشاهد بعضنا كل أسبوع أو أسبوعين في رحلة أو غيرها، لكن لا يتخلل هذا شيء من ذكر الله، وقد تكون منفعتها معدومة، والرحلات فيها ضحك وكلام عادي ولعب؟.
إذن، يا أخي اجعلوا فيها أشياء مفيدة، أنتم عرفتم بأنفسكم الخلل، أصلحوه.
إذا كان الإنسان صائم وأتى صديق وعلاقتي قوية هل أفضل الفطر أو تقديم الأكل له مع الأكل معه؟
الجواب: إذا كان لا يستوحش من عدم أكلك معه ابق على صيامك، وإذا كان يستوحش، أو أنك تسبب مزيداً من المؤانسة له والمحبة فأفطر من أجله، لا بأس.
وهذا يقول: هل أنتظر الاستئذان على حساب الصلاة؟
لا، لا بد من الصلاة ثم بعد ذلك الاستئذان.
نريد أن يشارك مجموعة من طلبة العلم في زيارات للناس والحي ويكون فيها دعوة لله ؟
وهذا مهم جداً، لو صار في الأحياء مثل لجنة من الشباب من المصلين في المسجد يتولون زيارة الجيران وجماعة المسجد، ومن لا يصلي في المسجد دعوته للصلاة في المسجد وغيرها يكون فيه خير عظيم، وهذه قضية الزيارة شرع ما نبه عليها وأكد عليها إلا وفيها منافع عظيمة وجليلة جداً.
يظهر أن هناك أسئلة كثيرة للغاية والوقت قد انتهى، فلعلنا سنأتي عليها في محاضرة أخرى، والموضوع هناك أشياء نريد إكمالها في المستقبل.
فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتحابين فيه، والمتزاورين فيه، والمتجالسين فيه.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
- ^ رواه البخاري: (1722).
- ^ رواه أحمد: (22030)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: (4331).
- ^ رواه أحمد: (22064)، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح".
- ^ رواه الترمذي: (2008)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: (6387).
- ^ رواه النسائي في عمل اليوم والليلة: (329)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: (4947).
- ^ رواه الطبراني في الكبير: (307)، والبيهقي في الشعب: (8358)، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة: (287).
- ^ رواه البخاري في الأدب المفرد: (350)، ومسلم: (2567)، وأحمد: (9291)، وهذا اللفظ لأحمد.
- ^ رواه أحمد: وقال محققه الأرناؤوط: "إسناده صحيح".
- ^ رواه البخاري: (1968).
- ^ رواه البخاري: (1975).
- ^ رواه البخاري: (1975).
- ^ رواه أحمد: (15603)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: (584).
- ^ صحيح البخاري: (8/ 22).
- ^ فتح الباري لابن حجر: (10/ 499).
- ^ رواه أبو داود: (596)، والترمذي: (596)، وأحمد: (20532)، وصححه الألباني في المشكاة: (1120).
- ^ الآداب الشرعية: (1/ 401).
- ^ نفس المصدر.
- ^ رواه الترمذي: (2790)، والبيهقي في الشعب: (5677)، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع: (3046).
- ^ الآداب الشرعية لابن مفلح: (3/ 208).
- ^ رواه الحاكم: (5477)، والطبراني في الكبير: (3535)، والبيهقي في الشعب: (8007)، وقال الالباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح لغيره: (2583).
- ^ فتح الباري لابن حجر: (10/ 498).
- ^ بهجة المجالس وأنس المجالس: (53).
- ^ روضة العقلاء ونزهة الفضلاء: (116).
- ^ الآداب الشرعية لابن مفلح (3/ 570).
- ^ عيون الأخبار: (3/ 33).
- ^ رواه البخاري: (6079).
- ^ رواه البخاري: (466)، ومسلم: (2382).
- ^ شرح البخاري لابن بطال: (9/ 274).
- ^ شرح رياض الصالحين: (3/ 240).
- ^ رواه البخاري: (3218).
- ^ رواه البخاري: (4344).
- ^ رواه البخاري: (4344).
- ^ رواه مسلم: (775).
- ^ رواه مسلم: (2454).
- ^ رواه البخاري: (2349).
- ^ رواه البخاري: (938).
- ^ عيون الأخبار: (3/ 33).
- ^ سير أعلام النبلاء: (13/ 358).
- ^ صيد الخاطر: (241).