الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأحيي إخواني وأخواتي على البُعد، أسأل الله أن يجعلنا من المتجالسين فيه، فإنا وإن كنا في أمصار متباعدة، لكن إذا اجتمعت القلوب على الإيمان والدين فإنها النعمة العظيمة، بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات: 17].
والمسلمون إخوة متحابون أينما كانوا في أقطار الأرض، والله ألّف بين قلوبهم، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10]، إنها قوة تنضاف إلى القوة والمسلم يقوّي أخاه على البُعد والقُرْب، والعز كل العز في اتباع الدين والافتخار بالانتساب إلى هذا الشرع المبين، مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر: 10]، فعلا يجب أن نشعر بهذه العزة خصوصًا في هذا الزمان الذي صار فيه اجتماع أهل الأرض على أهل الإسلام والكيد لأهل التوحيد وتسليط أهل الشرك على المسلمين، المسلمون وإن كانوا في جراحات وفي قتل وفي احتلالات وتسلُّطات، لكن العزّة في قلوبهم بهذا التوحيد، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8]، حتى لما كان النبي ﷺ في مكة، والمؤمنون معه في حصار الشعب وفي تجويع، حتى لما كان بلال تحت الصخرة يُعذّب حتى لما كان خباب على هذا الحديد المحمّى يُطرح ظهره عاريًا، كانت العزة للمؤمنين، أليسوا مستمسكين بحبل الله يعتقدون بتوحيد الله؟ يؤمنون بالإسلام الذي أنزله الله؟ أليسوا ثابتين على الحق الذي شرعه الله؟ دارت الأيام وتقلّبت الأحوال واضطرت ظروف عددًا من إخواننا إلى الرحيل، وبغض النظر عن العذر وصحة العذر في الذهاب إلى بلاد الكفار، لكن حصل لأعداد من المسلمين ذهاب، أحيانا تُسمى هجرة العقول، وعجيب أن تُسمى هجرة؛ الهجرة الشرعية من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، أما أن نسمي ذهاب مسلمين من بلاد إسلام إلى بلاد الكفر هجرة، هذه تسمية خاطئة، هجرة عقول وهجرة أجساد وهجرة أموال، لكن دعونا نتكلم قليلا عن موضوع المخاطر.
خطورة إقامة المسلم بين الكفار
لا شك أن ذهاب المسلم إلى وسط غير مسلم لا يكاد يسمع فيه أذانًا، ولا يكاد يجد فيه من يعينه على الخير، بل إنه يجد على العكس من ذلك، دعوة إلى التنصير والتشكيك في الدين، وشيوع مظاهر الكفر والصلبان والكنائس، والجهر بشعائر الكفار والاختلاط بهم، ثم ماذا تتوقع أن يوجد لديهم؟ إلحاد، إباحية، وأفكار وطرائق، كفر، الشيطان استولى عليها، هذا سواء حصل اضطرارًا عند البعض أو تساهلاً ومعصية من البعض، ماذا يحتاج الجميع، ودائما نحتاج التوبة إلى الله والاستغفار، نحتاج إلى تذكير أنفسنا بالعهد مع الله، هذا الدعاء - سيد الاستغفار - فيه عنصر بارز جدًا اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك هذه: أنا على عهدك هذه قضية مهمة جدًا أن يذكِّر المسلم نفسه بها، أنا على عهدك [رواه البخاري: 6306]. هنا هناك حضرًا سفرا بلاد الكفر بلاد الإسلام، أنا على عهدك أنا باق على عهدك، يا رب أنا على دينك، أنا مستمسك بشرعك بالعُروة الوثقى، انتمائي لدينك، انتسابي لهذا الإسلام الدين إيمان وعلم، إيمان يملأ القلب، يقين بالله، تصديق به، أعتقد اعتقاداً جازمًا أنك حق ووعدك حق ولقاءك حق والنبيون حق، ومحمد ﷺ حق، والساعة حق والجنة حق والنار حق، هذا الحق أنت ثابت عليه مؤمن به وهذا الحق له براهين قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي [الأنعام: 57]، شيء يعلمه الإنسان آيات لله في هذا القرآن وفي هذا الكون كل النجوم والكواكب والشمس والقمر والليل والنهار كله شاهدة لله بالوحدانية والربوبية، وأنه هو الذي خلقها يدبِّر الأمر، قبل أيام كان هناك تعليق على زلزال أصاب بلدًا قام واحد كتب: لا تقولوا الزلزال من الله! ما له علاقة، الزلزال احتباسات كيماوية، مركبات كيماوية تحت القشرة الأرضية تسببه، عجيب! من يدبِّر الأمر؟ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ [السجدة: 5]، الله نصّ على هذا في الكتاب في القرآن، أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف: 54]، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82]، ما يحدث في العالم من زلزال وبراكين وأعاصير، كل شيء الله ييسره من الذي يدبِّر الأمر؟ من الذي يقلّب الليل والنهار؟ من الذي يرزق الدواب؟ من الذي يرزق الناس؟ من الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض؟ من يرزقكم من السماء والأرض؟ من يملك السمع والأبصار؟ من يُخرج الحي من الميت من خَلْق الله؟ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت: 53]، كل يوم تطلع علينا أخبار جديدة فيها للمؤمنين زيادة إيمان ويقين، يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا [النساء: 174]، القرآن هذا الشاهد العظيم الضياء الواضح.
اعتزاز المسلم بدينه في بلاد الغربة
في بلاد الغُربة يعتز المسلم بدينه، يفتخر بالانتساب إليه، يقرأ كتاب الله، يرتبط بربه بهذا الكلام الإلهي، صفة من صفات الله؛ الكلام، تكلم بالقرآن، وأنزله إلينا، أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ من أجلكم القرآن، هذا الإسلام مفخرة، عبادات ما عند القوم مثلها، صلوات ما عند القوم مثلها، أذكار ما عند القوم مثلها، قرآن ما عند القوم مثله، حدود وأحكام ما عند القوم مثلها، ولا في توزيع التركات والمواريث، ولا في أحكام البيوع والمعاملات ولا في الأحكام الاجتماعية والنكاح والفراق، شرع كامل ودين عظيم.
المسلم في الغرب يتألم لما يصيب أخاه في الشرق
أبي الإسلام لا أب لي سواه | إذا افتخروا بقيس أو تميمِ |
يريد بعض من يقوم على بلاد الكفر أن تذوب الفوارق، وأن يعتز المسلم بالبلد الذي يعيش فيه ويذوب في المجتمع الذي يعيش فيه، ويصبح مواليًا بالكامل للمكان الذي يعيش فيه، الله ذكّرنا قال: وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139]، أنتم الأعلون عقيدة، الأعلون أحكامًا، الأعلون منهجًا، الأعلون دينًا، أنتم الأعلون، الله قال لموسى إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى [طه: 68]، لا ترهب السحرة ولا ترهب فرعون.
من مظاهر الاعتزاز بالدين إعلان الهوية الإسلامية، التميز عن غير المسلمين، وإذا لم يخش على نفسه هناك أشياء قد يتركها الإنسان اضطرارًا ليس ضعفًا ومهانة وذلاً، لا، هو يقدِّر بنظر الشرع ويسأل ويستفتي، المسلم يعلن شخصيته الإسلامية مالم يخش على نفسه، إعلانه لإسلامه دعوة إلى الله، وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت: 33]، لاحظ قال: أنا أفصح، قال: إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت: 33]، أنا مسلم حتى يقول الناس: وما هو الإسلام؟ الحسن البصري قال: "هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، وقال إنني من المسلمين" [تفسير ابن كثير: 7/180].
هذا كلام الحسن في هذه الآية. مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر: 10]، فليتعزز بطاعة الله، اعتز بعبادتك، اعتز بصلاتك، اعتزي بحجابك، الإسلام أغلى ما يملكه المسلم، كيف يخجل من إظهاره، وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة: 132].
"دينك دينك فإنه هو لحمك ودمك" كما قال الحسن.
آباؤنا أقاموا أعظم حضارة في الدنيا، ذهب كسرى وقيصر وراحت ممالك، لكن بقي الإسلام، سبحان الله، المسلمون في قُرطبة صارت أعظم مدينة بعد بغداد في وقتها وأعظمها كثافة بشرية، وفيها ثلاثون ألف مسجد، وأرسل أهل أوروبا أولادهم إليها للدراسة، الأشياء التي نراها من آثار المسلمين في الأندلس تدل على مدى التقدُّم في كل شيء وأول شيء التقدم الإيماني الإسلامي العقدي الفقهي الشرعي الأوقاف المدارس المناهج، الكتب المؤلّفات، حِلق العلم والحفظ شيء عجيب، أنت يا مسلم عندما ترى حضارتك وصلت إلى أي مستوى وإلى أي مدى، والله فخر.
واليوم عندما نراها مطبّقا واقعًا في الأرض، يثلج الصدر أن تسمع أن شابًا مسلمًا في مطار من المطارات وقف يؤذّن ويقيم الصلاة، ومجمّع ربما يأتي إليه أهل الدنيا مؤتمر من المؤتمرات، قام هؤلاء المسلمون ليصلون.
مسلمة في أوروبا رباها أهلها على الاعتزاز بالإسلام، لما صار لها تكريم وبالحجاب الكامل، والآن الكاميرات تنقل ومواقع التوصل تنقل والقنوات تنقل وعصر العولمة وثورة الاتصالات، أحيانًا يحصل الخبر في مكان، وإذا بملايين الملايين يعرفون عنه بعد وقت قصير جدًا، أشراط الساعة تحققت، تقارب الأسواق وانطبقت أشياء مما أخبر عنه النبي ﷺ.
عُزلة المسلم الشعورية في بلاد الكفار
المسلم في بلد الغربة يحتاج في كثير من الأحيان أن يكون هو مع القوم بجسده، لكن قلبه مع الله، إذا ما استطاع أن ينفصل عنهم بذاته ماديًا، لكن إيمانيًا ونفسيًا، ومن الداخل هو هاجر للباطل ومعْرض عنه، يذكر الله، إذا استطاع أن يتجنب مواطن الفتن يجب عليه، فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النجم: 29].
أعرض عنهم، اتركهم أما قضية التداخل ادخل اقترب وذوبان، لا، لا، الله قال: فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا و من رأى منكم منكراً فليغيره [رواه مسلم: 49].
هذا عام لكن بحسب الاستطاعة، وبعض الناس يأخذها تجوال يقول: اطلاع، أذهب إلى أماكن عبادات غير المسلمين، وصارت المسألة كأنها تسلية، يا أخي أنت صاحب رسالة، من المهم أن يملك المسلم العلم واللسان الذي يجيب به عن شبهات، يرد على أسئلة، يقنع أشخاصًا، نحن في عصر حوار تواصلات أسئلة تُطرح آراء تُطرح، أين إجاباتنا؟ أين إعداداتنا؟ أين حواراتنا؟ أين إقناعاتنا؟ أين أدلتنا؟ أين الإعلان بها؟ أين حسن العرض والتقديم لها؟ الشخصية الإسلامية يجب أن تظهر بوضوح عقيدة إيماناً؛ أن يظهر إيمانك بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره لا بد أن يظهر أركان الإسلام الخمسة، لا بد أن تظهر الصلوات الخمس ويكون عندك صيام، إذا جاء وقت العبادة تقوم بها، ذكر الله، تلاوة القرآن، دراسة معانيه، بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت: 49]، قال الله: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ [العنكبوت: 51]، وظيفتنا نحن أن ننقل رسالة الله إلى البشرية، ألم يرسل النبي ﷺ للناس كافة؟ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ: 28] فلنحقق هذه الرسالة، الفتن والمغريات كثيره، هذا واضح جداً، هؤلاء أهل دنيا وكل الشغل على الدنيا وكفر منتشر وفتن منتشرة، ماذا يكون في المقابل منا؟ تضرُّع إلى الله دعاء، يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك [رواه الترمذي: 2140، وابن ماجه: 3834، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصعير: 4801]. القلب فيه أمور لا يطلّع عليها إلا الله، ومن ذلك: الموالاة للمؤمنين والبراءة من الشرك والمشركين، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة: 1]، لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران: 28]، يعني: المدارة أنت تدفع شرهم أو أذاهم أحيانًا بكلام حسن فقط، أما موالاة قلبية، أو أنك تحبهم حقيقة، أو أنك تناصرهم، معاذ الله، الله قال في الآية: لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ يعني هذه براءة كاملة إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً هذه مداراة حين الاضطرار وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [آل عمران: 28].
إبراهيم عاش مدة بين غير مسلمين كان قومه كفرة عباد أوثان، قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الممتحنة: 4]، كان هناك إعلان موقف صريح وواضح، وإبراهيم كان يقوى على المواجهة، كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: 4].
الضرورة تقدّر بقدرها
قد يقول بعض الناس نحن في اضطرار نحن في ضعف نحن أصلاً هاربون من القتل، حسنًا، الله يعلم ضرورتك، لكن الضرورة تقدّر بقدرها ولا تزيد فهل هي كذلك؟ مسألة الإيمان والدين؛ من أحبّ لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان [رواه ابو داود: 4681، وحسن إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة: 380].
هذه مسألة مهمة، وهذا التميز - يعني المسلم على الصعيد الشخصي- ليس منا من تشبّه بغيرنا [رواه الترمذي: 2695، والطبراني في الأوسط: 7380، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 5434].
شيء فعلاً واضح فيه أن الشرع يدفع باتجاه إعلان هذه الشخصية وحتى تكون واضحة للعالم.
المسلم ليس قليل أدب، ولا هو سيئ معاملة، ولا هو وقح، ولا هو إنسان معتدٍ ومتسلّط ويريد أن يأخذ أموال الناس بالباطل، لا، المسلم في الدعوة إلى الله لطيف، المسلم في الدعوة إلى الله حسن الأسلوب، المسلم في الدعوة إلى الله كلامه جميل، المسلم في الدعوة إلى الله صدره رحِب، المسلم في الدعوة إلى الله يبتسم، الإعانة أحياناً أعمال البر هذه حتى لغير المسلمين نعملها لدعوتهم، لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة: 8]، مسلمون الآن كثُر يعيشون؛ كبار وصغار، رجال ونساء وأطفال، أين هذا العالم الإسلامي المصغّر المجتمع الإسلامي المصغر؟ الرابطة الإسلامية بين المسلمين.
عندما يكون هناك اتصالاً بالمسلمين يقوي بعضهم بعضًا، المسلمون لما ذهبوا للحبشة كيف كان وضع جعفر بن أبي طالب والمسلمون معه؟ كان مرجع المسلمين في الحبشة جعفر بن أبي طالب، وتأتيهم أشياء بين وقت وآخر، الوحي الذي نزل أشياء يعملون بها ويعلّمونها، جعفر كان ﷺ كيف عرض سورة مريم على النجاشي بالأدب والأسلوب الحسن؟ قدوة مدرسة في الدعوة، مسألة توضيح ألوهية الله تعالى، الإله الحق، لا معبود بحق إلا هو، كل معبود سواه باطل، وأن الله الذي خلق السماوات والأرض يدبّر الأمر، ونحن نملك نقاشات مع الملاحدة ومع أصحاب نظرية "البيج بانج" ومع غيره، أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ من العدم؟ كيف جاء الكون؟ بيج بانج ماذا يعني؟ الانفجار العظيم، ماذا كان قبل الانفجار العظيم؟ عدم! سيقول الكافر: لا شيء ملحد، تقول له: إذا كان عدماً كان العدم هناك كان العدم، عدم كان عدمًا لا شيء؟ فما الذي انفجر؟ أجبني، إذا كان عدمًا فما الذي انفجر؟ سيقولون: الكهرومغناطيسية، الكهرومغناطيسية، هذه قوانين، ألستم تقولون هناك قوى موجودة في الكون الكهرومغناطيسية والقوى النووية الكبرى، والقوى النووية الصغرى، تقولون هناك قوى، هذا قبل الخلق ما في شيء على كلامكم عدم، ثم جاء الكون بانفجار عظيم، فلا تقل قوانين تجاذب جاءت بالانفجار العظيم؛ لأنه ما كان هناك تجاذب أصلاً، ماذا يجذب؟ لا يوجد شيء أصلاً، كان عدم على كلامكم، نحن بالقرآن نستطيع أن نجيب على أسئلة كثيرة بل نجعل منكري الحق في الزاوية الحرجة أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ [الطور: 35 - 36]، لأنفسهم، أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ نحن أهم قضية عندنا في حياتنا قضية التوحيد، نتمثلها في واقعنا ونعرضها على غيرنا، ولا بد من مراعاة الجانب العاطفي في نفوس البشر، الله على عرشه من الذي يسمع أنين المظلومين من هو الذي مع خلقه؟ يهديهم يرزقهم يوفقهم ينصرهم، أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل: 62]، حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [يونس: 22]، بعد ذلك، وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ [يونس: 22]، ودعوا الله مخلصين له الدين، من الذي ينجيهم إلى البر؟ ومن الذي أحيانًا يغرقهم؟ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 34]، على عرشه فوق سماواته يعلم أحوال خلْقه ويسمع أفعالهم ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ويدبّر أمورهم، يرزق الفقير ويجبر الكسير، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء، ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير، يقال لأعتى القوى في الأرض: عالجتم مشكلة الموت؟ وضعتم حدًا للموت؟ تغلّبتم على الموت؟ تغلّبتم على الهرم؟ منعتم الهرم؟ منعتم الخلايا أن تشيخ؟ وجدتم حلاً لهذه القضية الكبرى، موضوع الموت حليتوه، أما أن أكبر عالم عندكم على الطريق سائر سيموت وعندما يؤمن المؤمن بأن لله ملائكة تثبته وتدعو له، سواء كان في غُرْبة أو في كربة، وهي قدوة له يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ [الأنبياء: 20]، هناك كتاب عظيم أنزله الله أنزلنا إليكم، كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الأنبياء: 10]، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف: 44]، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9]، أعظم ما يأخذه الإنسان معه في الغُربة كلام ربه ويعرف معاني هذا القرآن ولو بتفسير ميسر مختصر ثم نحن لما نؤمن بمحمد ﷺ ونعرف من حديثه ما ندعم به إيماننا ونستبين به طريقنا ونتخذه منهجًا ومسلكًا وسنّة متبعة في الصغيرة والكبيرة، هذا أيضاً حماية ودستور، هذا تقوية، المؤمن الذي يؤمن بالله ربًا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ نبيًا ويؤمن أنه سيموت ويُبعث ويُحاسب تطاير الصحف، نصب الموازين، حوض النبي ﷺ الشفاعة العظمى الصراط المضروب على النار، هناك جنة ونار، الإيمان هذا بالقضاء والقدر الذي يجعلك تؤمن أن كل شيء في الكون لحكمة يريدها الله، حتى ما يصيبنا نحن في بلداننا من الأذى، وما يصيب بعض المسلمين اليوم من المصائب العظيمة في الدماء والأعراض والبيوت والديار، أُخرجوا من ديارهم، إجلاء قسري، مذابح، قصف، تهجير، لله حِكم في إعادة المسلمين لدينهم، لله حكم في تبيين حقيقة الدنيا للمسلمين، لا تساوي شيئًا، قد صارت الديار خرابًا، الديار الحقيقية هناك وأجر عظيم للصابرين ويتخذ الله شهداء ويقول المسلمون: أنى هذا؟ ويأتي الجواب القرآني: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران: 165]، فيتجه الأمر للإصلاح وتعديل المسار، إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: 11]، هذه فوائد عظيمة للبلاء وكل شيء بعلم الله أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الحج: 70] إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج: 70]، له مشيئة كتب الأقدار - سبحانه وتعالى-، عندما يرى الواحد أخاه مات في بلد الغُربة أو في بلاد غير المسلمين، يتذكر قول الله: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان: 34].
المسلم الذي يعرف أن أعظم معروف في العالم التوحيد وأعظم منكر في العالم الشرك، يحذر الشرك، قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [الأنعام: 151]، صرف أي نوع من العبادة لغير الله، اتخاذ الدساتير غير حكم الله، الله له الحكم، يجب أن يتحاكم الناس إلى دستوره، يجب، ليست قضية اختيارية، من أسمائه: "الحكم" عز وجل، ويتعلّم المسلم فروض الأعيان الواجبة عليه في شيء غير معذور بجهله، المسلم لا بد أن يتعلمه أحكام الطهارة والصلاة أركان الوضوء الكيفية النواقض، الغسل، التيمم والمرأة تعرف ما تحتاجه في أمورها الخاصة، وشروط الصلاة، القبلة احكام وأركان الصلاة، الواجبات، سجود السهو، الأعذار، الزكاة، النصاب، في أي شيء تجب الشروط؟ المقدار، الصيام، الصحة والبطلان، فيه تحديات كثيرة تواجهنا في قضية التعرف على ديننا ومعرفة الدين، صحيح أن ما أوجد الله من القنوات والشبكات اليوم وسيلة عظيمة لمعرفة الدين حتى ولو تناءت الديار، لكن من سلك سبيلاً يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة [رواه مسلم: 2699]، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع [رواه أحمد: 18089، والترمذي: 3535، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 6297].
أن تتلمس أثر عرض حقائق التوحيد على البشر بأنواعهم المختلفة وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة، الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا، وتجد أن هناك فرق كبير بين من جعل الحياة الدنيا كل شيء عنده هذا أملهم وهذا هدفهم وعليها يحيون ومن أجلها يموتون إلا الحياة الدنيا والله قال: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الأنعام: 32]، لا بد أن ندرك هذه الماديات بمقاييسها الشرعي الصحيح أسباب أشياء على هدي قوله تعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ [القصص: 77]، لكن الابتغاء الأصلي الوقت الأكثر يصرف لأي شيء؟ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ [آل عمران: 133]، و سَابِقُوا [الحديد: 21]، وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين: 26]، إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [الأنبياء: 90] لاحظ: سَابِقُوا سَارِعُوا وقال في الدنيا: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا [الملك: 15]، فرق سَابِقُوا سَارِعُوا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ [الملك: 15]، وليس من المحرمات، وما أكثر المحرمات المنتشرة خصوصًا في تلك الأصقاع وتلك البلاد ومشكلة اللحوم وما يتعرض له الناس من المسلمين في المطاعم ومشكلة التغذية، ولكن ما يسمى بالتحديات الثقافية والتي تكون أكبر من التحديات الأخرى البدنية في وسط قوم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ومفتونين فيها تمامًا يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم: 7]، والله عندما ذكر لي ذاك الأخ في البلدة الأوروبية هذه التي قال: كان لنا أخ يسكن جاراً لامرأة أوروبية في شقتها بلغت الثالثة والتسعين من العمر، فكان إذا انتبه أنها دخلت بأشياء اشترتها نزل الدرج وأخذ الأغراض منها وأصعدها إلى شقتها، أحياناً يأخذ لها أغراضها إلى المغسلة، أحياناً ينظف لها البيت، هي تستغرب تقول: أنت تأخذ على هذا أجرة فيقول: نعم، مرة لما أسدى لها معروفاً كبيراً قالت له: ممن تأخذ الأجرة، ربما ظنت أن ولدها العاق الذي رماها وتخلى عنها أعطاه شيئاً ليقوم بشأنها قالت: أنت تأخذ أجرة؟ قال: نعم، قالت: ممن تأخذ الأجرة؟ قال: من الله، قالت: من هو؟ عرِّفني به، قال معرّفا لها بربه المرأة تأثرت، والرجل أسلوبه طيب، فذهبت إلى المركز الإسلامي العصر، لتعلن إسلامها، قال لي الأخ الذي حضر هذا: جاء العشاء أصابتها نوبة وتوفيت، فجاء ولدها العاق، أخذ أموالها من الشقة وباع الأثاث، ثم أراد أن يأخذ أمه للدفن، قلنا: لا، هذه أختنا نريد أن ندفنها حسب تعاليم الإسلام، قال: لا، هذه أمي أنتم مالكم دخل، وصار الشّد، قال بعد مدة من الجدال معه، قال لنا: أنتم جادون تريدون، أنتم مصرون أنكم تريدونها؟ قلنا: نعم، قال: أبيعكم إياها فقلنا: بكم؟ قال: خمسة آلاف يورو، يقول: تسارعنا وتنادينا وجمعنا المبلغ وأعطيناه إياه وأخذنا أختنا وغسلناها وكفناها وصلينا عليها ودفناها في مكان للمسلمين، باع الكافر أمه.
أيها الإخوة، والله الذي يتأمل يقارن دين الإسلام ببقية الأديان شيء، احفظ بنتك من العُري أولادك من الفواحش والمخدرات، غضوا الأبصار، اجتمعوا على البر والتقوى حتى يجعل الله لكم فرجاً.
نسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه .