الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن الله لم يأمر نبيه أن يزداد من شيء إلا من العلم، فقال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه: 114]، لم يأمر نبيه أن يسأله الزيادة من شيء إلا من العلم فقال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا والعلم هذا علم الشريعة علم عظيم يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11]، والله أشهد أهل العلم على أعظم حقيقة شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ [آل عمران: 18]، ولذلك فإن الحرص على العلم ضروري، طلب العلم فريضة على كل مسلم كما قال ﷺ [رواه ابن ماجه: 224، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 3914]، ولذلك فإن المسألة ليست محدودة بتخصص معين، يجب على المسلم أن يحرص على طلب العلم أياً كان تخصصه، سواء كان في الشريعة أو في الطب، سواء كان في أصول الدين أو في الهندسة، سواء كان في اللغة العربية أو كان في الاقتصاد، فالذي أدعو نفسي وإخواني إليه هو طلب العلم، وألا يكون هناك أي عائق دون طلب العلم، والإنسان إذا أراد الطلب يستطيع حتى لو كان عنده تخصص آخر، فإن هنالك أوقات فراغ، كل يوم مثلاً يمكن أن يخصص ساعة أو أكثر لطلب العلم، في إجازة آخر الأسبوع ممكن يجعل يومين في طلب العلم، الإجازات الفصلية والسنوية والصيفية والربيعية يجعلها في طلب العلم، فالشاهد أن طلب العلم ممكن حتى لو كان عند الإنسان دراسات أخرى أو أعمال ووظائف أخرى.
وهذه الدعوة نتيجة للعلم، يعني أولاً هو يطلب العلم، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محمد: 19].
في البخاري - رحمه الله - لما عنون عليه: "باب العلم قبل القول والعمل" [صحيح البخاري:1/24].
والدعوة قول وعمل لكن العلم قبلها، فإذا حصل العلم قال البخاري: "باب العلم قبل القول والعلم" فإذا حصل العلم بعد ذلك تتيسر الدعوة ويكون عند الإنسان ما يبلغه وما يؤديه وما يدعو إليه، ولذلك الدعوة شرط من شروطها حصول العلم، يكون عند الإنسان ما يدعو إليه وما يدعو به.
الله خلق الزمان خلق الشهور والأيام والسنين وقال سبحانه: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [التوبة: 36].
فإذن، هي اثنا عشر شهراً، هذه الأشهر القمرية محرم وصفر وربيع، عند الله يوم خلق السماوات والأرض، وهي تسير على قانون، يعني الشهر فيه دليل على بدايته وهو رؤية الهلال، وهناك دليل على نهايته برؤية هلال الشهر الذي بعده يولد فينتهي السابق ويبدأ اللاحق، بينما الآن لو سألت: شهر يناير لماذا هو واحد وثلاثون؟ لماذا فبراير ثمانية وعشرون؟ لماذا عندنا شهران متجاوران متواليان واحد وثلاثون ثم ثلاثون؟ لا يوجد أي دليل ولا يوجد دورة شمسية أو دورة فلكية أو علامة معينة تؤدي إلى أن هذا شهر فبراير ثمانية وعشرون، وهذا واحد وثلاثون، وهؤلاء اثنان وراء بعض، هذا ما عليه أي دليل، لا من عقل ولا من نقل، ولكن في الأشهر القمرية يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ [البقرة: 189].
وكذلك جعل الله هذا القمر لتعلموا عدد السنين والحساب، ولذلك فإن اشهرنا نفتخر بها؛ لأنها قائمة على الدليل والبرهان الذي يرى بولادة الهلال، يراه الكبير والصغير والأمي والمثقف والذكر والأنثى، ومن هذه الأشهر الاثني عشر كما أخبرنا الله تعالى في كتابه في سورة التوبة: مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ [التوبة: 36].
والله يحرِّم ما يشاء ويبيح ما يشاء ويصطفي ما يشاء، فهو الذي له حق التشريع والتخصيص والتفضيل وليس إلينا، نحن ما نفضل أشهر على أشهر على مزاجنا وأهوائنا، في البخاري أن الرسول ﷺ خطب الناس يوم النحر فقال: يا أيها الناس أي يوم هذا؟ قالوا: اليوم الحرام، قال: فأي بلد هذا؟ قالوا: البلد الحرام، قال: فأي شهر هذا؟ قالوا: الشهر الحرام، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم فأعادها مراراً ثم رفع رأسه فقال: اللهم هل بلّغتُ اللهم هل بلغت [رواه البخاري: 1739]، ويكفينا موعظة أن العرب في الجاهلية قبل الإسلام كانوا يعظمون الأشهر الحرام، وصلتهم هذه من بقايا دين إبراهيم أو غيره أن هناك أشهر حرم يعتقدون تحريمها، وكانوا لا يروِّعون فيها نفسًا ولا يطلبون فيها دمًا ولا ثأرًا، حتى أن الرجل كان يرى في الأشهر الحرم قاتل أبيه أو ابنه أو أخيه فلا يثأر منه ولا يمد إليه يده، ومن دخل البيت ولجأ إليه واحتمى به في أي شهر من أشهر السنة أمن على نفسه، ومن تعظيمهم للبيت الحرام أنهم فرضوا على العرب قاطبة أن يطرحوا أزواد الحل إذا دخلوا الحرم، يعني الطعام على جنب إذا دخلوا الحرم حتى ما يدخل الحرم بشبهة أو بحرام، وأن يخلعوا ثياب الحل التي كانوا يعصون الله فيها، يخلعون ثياب الحل ويلبسون ثياباً خاصة لأجل الحرم، فإذا كان هؤلاء يفعلونه في الجاهلية، نحن كيف يجب أن يكون تعظيمنا لهذه الأشهر الحرم ورعاية الدين فيها والقيام بالواجبات وترك المحرمات فيها؟
لما قال الله: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ قال: فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة: 36]، يعني: بأي نوع من أنواع الظلم سواء ظلم النفس وظلم الغير وظلم النفس بالشرك وظلم الكبيرة وظلم الصغيرة فإذن لَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ بأي نوع من أنواع الظلم وليس فقط قضية القتال.
مضاعفة الحسنات والسيئات في الأشهر الحرم
موضوع الحسنات والسيئات في الأشهر الحرم هل تتضاعف السيئات كما تتضاعف الحسنات؟
المضاعفة تختلف من الحسنة إلى السيئة، فالمضاعفة في الأشهر الحرم في المكان الحرام وفي الزمان الفاضل في المكان الفاضل، السيئة فيه تضاعف، فمثلاً إذا ارتكب سيئة في مكة ليس مثل إذا ارتكب سيئة في الشرق أو الغرب، وكذلك إذا ارتكب سيئة في الأشهر الحرم ليس كما لو ارتكب سيئة في غير الأشهر الحرم، لو ارتكب سيئة في رمضان غير إذا ما ارتكب سيئة خارج رمضان، قال قتادة - رحمه الله -: "إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظِّم من أمره ما يشاء" [تفسير ابن كثير: 4/ 148].
وكما يضاعف العقاب في الأشهر الحرم وفي الحرمين، يضاعف الثواب بالعمل الصالح، وكذلك يضاعف العقاب، لكن مضاعفة السيئات تختلف عن مضاعفة الحسنات؛ لأنه لا يمكن أن تتضاعف السيئات عدديًا، واحد إذا ارتكب سيئة في مكة ليس كمثل من ارتكب سيئة في غيرهاـ إذن، كيف تحصل المضاعفة ولكن ليس عدديا؟ الجواب: تحصل كيفاً لا عددًا يعني السيئة هي واحدة لكن يعظم حجمها ووزنها في الميزان يوم القيامة، مع أنها واحدة لكن تصير أوزن أكبر، ومبدأ المضاعفة في السيئات التي هي مضاعفة الكيف وليس الكم موجود: يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ [الأحزاب: 30]، كبير يعني من الكبائر وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ في الحرم بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج: 25]، فإذن المضاعفة هنا مضاعفة كيف وليست مضاعفة كم، فما تصبح السيئة عشر ولكن وزنها في الميزان يوم القيامة أعظم أثقل لكن الحسنة تضاعف كماً وكيفاً، لكن السيئة تكون مضاعفتها كيفاً فقط، وقال بعض العلماء: وتضاعف الحسنة والسيئة بمكان فاضل كمكة والمدينة وبيت المقدس، وفي المساجد وفي زمان فاضل كيوم الجمعة والأشهر الحرم ورمضان، أما مضاعفة الحسنة فهذا مما لا خلاف فيه، وأما مضاعفة السيئة فإن هذه المضاعفة في الكيفية، ولذلك لا بد أن نقلق ونحذر من قضية نعمل مساخط أو معاصي في هذا الزمن، كما نقلق عندما نذهب مكة والمدينة.
هل على الناس أن تعظِّم هذا باعتبار الزمان ليس باعتبار المكان؟
بالاعتبارين معًا، يعني إذا كانت السيئة تعظم باعتبار الزمان كسيئة رمضان وسيئة الأشهر الحرم فإنها تعظم، كذلك في المكان كما لو ارتكبها في المدينة أو مكة أو بيت المقدس عندكم، بيت المقدس له حرمة؛ لأن السيئة في بيت المقدس أعظم من السيئة في مكان آخر خارج بيت المقدس، وتكون المسألة أسوأ شيء إذا ارتكب السيئة في مكان فاضل وزمان فاضل، يعني لو ذهب شخص على مكة في رمضان وارتكب ذنباً تصبح كارثة كبيرة جداً كما لو ارتكبها في الحج فتصبح مصيبة عظيمة جداً.
أسباب غفلة الناس عن الأشهر الحرم
ما هي أسباب غفلة الناس في هذا الزمان عن الأشهر الحرم وغيرها وعن بقية الأمور؟
من الأسباب أولاً الجهل، الجهل بالأشهر الحرم، عدم معرفة قيمة الأشهر الحرم عند الله، يعني بعض الناس يقرأ الآية لكن ما يفكر فيها أو يضبطها في الواقع إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ [التوبة: 36]، يعني يمكن الناس لا يوجد استحضار ومعرفة بالمعنى، غفلة عن المعنى، كذلك الآن من الأسباب والله أعلم أيضاً: الجهل بالأشهر القمرية، يعني الآن لو قلت لواحد: أي شهر هذا؟ سيقول لك: سبتمبر، يا أخي الآن نحن في ذي القعدة؛ لأنه هو مبرمج وماشي لا يشعر الآن أن هناك شهر حرام دخل وشهر خرج؛ لأنه ماضٍ في التاريخ مع الأسف عند المسلمين يصير التاريخ الميلادي الشمسي الغربي الذي تبع الأمم الأخرى، ليس التاريخ الهجري حتى الواحد يشعر أنه دخل شهر حرام نحن الآن في ذي القعدة صار الناس ما يهتمون بالأشهر القمرية الشرعية التي عند الله إلا في رمضان عشان الصيام، أو يريد يحج إذا جاء يحج يقول لك: دخل ذي الحجة أو ما دخل حتى نصوم لأجل عرفة، فلذلك لازم يكون فيه علم، ولازم يكون فيه وعي ثم قضية استحضار أن هذه لها مكانة عند الله لا بد ان نعظمها، وحتى المرأة تخرج أحياناً بدون حجاب فاتنة متعطرة متزينة، تفتن عباد الله في هذه الأشهر الحرم، هؤلاء الناس الذين كما قلت يأكل الواحد مال أخيه يعتدي عليه يظلم جاره يقطع رحمه ما يعطي الأجير أجره... نحن الآن في شهر حرام، ذكر أن أهل الجاهلية كان الواحد يرى قاتل أبيه فلا يثأر منه في الحرم كيف نحن؟ إذا أولئك أهل جاهلية وعندهم القضية بهذا الوزن نحن المفروض يكون عندنا أكبر ألم يقل ربنا في كتابه وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج: 30]، ألم يقل ربنا في كتابه: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32]، الأشهر الحرم هذه من حرمات الله، الأشهر الحرم هذه من شعائر الله، وبعض الناس عندهم غفلة، فهم منغمسون في الشهوات، في الملاهي، في الألعاب، مشغولون بالدنيا، ما هو فاضي يفهم ويعرف أنه هذا شهر حرام أو ليس شهر حرام، ولذلك لا بد يكون هناك توعية، العلم، سبحان الله العظيم، إذا صار الواحد عنده علم بالشيء اختلف الموقف، وكذلك أنه يذكر الله يعني يعظم الله مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح: 13].
يا جماعة هذه أشهره وهذه أربعة هو اصطفاها وجعل لها منزلة، فلعل هذا إن شاء الله يكون من أسباب اليقظة.
أقول: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ هذا لازم يكون عندنا أيضاً، وإذا اضطررنا لاستعمال الأشهر الميلادية لأسباب رسمية أو غيرها على الأقل نقرن معها نقول: الموافق، وإذا بدأنا بالقمري بالشهر الشرعي ثم نقول الموافق ونضع تلك الأشهر غير الشرعية التي اخترعوها الناس ووضعوا لها واحد وثلاثين وثمانية وعشرين وثلاثين من دون أي دليل ولا برهان، فعلى الأقل نبدأ بالشهر القمري المعتمد، هذا تاريخنا شيء نعتز به من شخصيتنا، أنا مسلم معناها أنا أعتز بالتاريخ الإسلامي أنا أعتز بنبي الإسلام أنا أعتز بشرائع الإسلام أنا أعتز بلباس الإسلام، فهذه الأسماء لماذا نحن لما نسمي أسماء المسلمين نحرص عليها ما نسمي أسماء غربية أو أسماء شرقية نحرص على الأسماء العربية الإسلامية؟ لأن هذا جزء من هويتنا، جزء من ثقافتنا، جزء من شخصيتنا، فالأشهر الحرم هذه لازم نحرص عليها، لأن الأشهر عموماً القمرية ومنها الأشهر الحرم حتى نعرف دخل ذو القعدة خرج ذو القعدة، النبي ﷺ اعتمر أربع مرات كلهن في ذي القعدة" والعمرة في ذي القعدة عمرة عظيمة عند العلماء وكثير منهم يقول عمرة في رمضان أفضل وبعدها عمرة ذي القعدة، وابن القيم تردد قال:" مما نستخير الله فيه" [زاد المعاد: 2/91]، يعني من منزلة عمرة ذي القعدة أنه قال أن التفضيل عنده بينها وبين عمرة رمضان ليس مسألة محسومة، ولذلك قال: "هذا مما نستخير الله فيه"، وفيها أيضًا فضائل تتعلق فيها فضائل وأشياء، فعلى الأقل نحرص عليها، أولادنا أيضاً ممكن ما يشعر بالأشهر الحرم ولا الأشهر القمرية ولا تقويم المسلمين تاريخ المسلمين، فكل مسؤول سواء في التعليم والإعلام، وأنا أؤكد على هذين القطاعين المهمين، أنه في التعليم والإعلام دائمًا في التعليم والإعلام، دائماً يكون فيه حرص على ذكر الأشهر القمرية الهجرية الشرعية التي هي عند الله معروفة اثنا عشر شهراً تبدأ من المحرم وتنتهي بذي الحجة، كما حدد ذلك المسلمون في خلافة عمر .
استعداد العالم الإسلامي لموسم الحج
كيف استعداد العالم الإسلامي لموسم الحج؟
الآن هذه المناسبة الكبيرة وهي قضية الحج، الاجتماع الإسلامي السنوي الذي يستعد فيه العالم الإسلامي وحتى المسلمون في الأقليات في الدول الأخرى البعيدة في هذا الموسم وهو مؤتمر حقيقة واجتماع عبادة وتعارف وتعاون والتقاء وقد بدأت الوفود تأتي إلى بيت الله الحرام وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [الحج: 26 - 28]، استجاب الله، وبلغ نداء إبراهيم، والناس تأتي من زمن إبراهيم إلى الآن على تلك الدعوة المباركة أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ وبلغ الله حتى الأجنة في الأرحام وصل إليهم نداء الخليل، فالآن الاستعدادات أو المجيء يحصل الآن حجاج في البحر وحجاج في الجو وحجاج الآن بدأ وصولهم، بدأ التوافد وستزداد الوتيرة في الأيام القديمة ليشهدوا منافع لهم، أقبلت وفود حجيج بيت الله راغبة فيما عنده سالكة كل فج وأصوات الملبين، فيا لله ما أروع اجتماعهم وما أجمل لباسهم وما أحلى أصواتهم وهي تتردد في الآكام والطرقات والجبال، أذن إبراهيم فأجابوا ودعاهم فلبوا، دعاهم بدعوة الله تعالى، جاؤوا على أرجلهم، بعضهم كانوا يأتون على أرجلهم وركباناً على كل ضامر .. الآن من وسائل النقل الكثيرة ما صاروا الآن يركبون كما قال تعالى: وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 8]، وكانت هذه فعلاً فيها إعجاز؛ يعني على الدواب وذكر الله ما كان يعرفه العرب من وسائل النقل في ذلك الوقت وقال: وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وجاء الحجاج على وعد الله الذي تحقق لإبراهيم، وما تزال الأفئدة تهوي إلى بيت الله الحرام، والمكان الوحيد الذي كلما غادرته تشتاق إليه ولا تمل منه ولا تقول: ما عاد لنا حاجة، هذا فيه مثل المغناطيس، مغناطيس القلوب، البيت العتيق ويشتهيه الفقير المعدم والغني القادر ويتقاطرون كما قال الشاعر:
إليك إلهي قد أتيت ملبيا | بارك إلهي حجتي ودعائي |
قصدك مضطرا وجئتك | باكيا وحاجة أن ترد بكائي |
أتيت إلى زاد وزودك مطعمي | وما خاب من يهفو لجودك ساعيا |
إليك إلهي قد حضرت مؤملا | خلاص فؤادي من ذنوبي ملبيا |
فهنيئاً لمن حضره ونسأل الله أن ييسر لمن لم يحضر، وفيه ناس يجمع تحويشة العمر عشان يأتي للحج نسأل الله أن يأجرهم على نيتهم الطيبة ويكتب لهم القدوم إلى بيت الله العتيق.
لماذا أصبح موسم الحج موسم روتيني؟
تحول العبادات إلى عادات هذه من خطوات الشيطان يتمناها، يريد أن يحول العبادات إلى عادات حتى تفقد روحها وتأثيرها وتصبح مثل الخطوات الوظيفية، ولذلك الحجاج عليهم أن ينتبهوا إلى إخلاص النية لله أنهم يتقربون إلى الله بهذا العمل، أن يحتسبوا الآجر فيه، أن يتأسوا بالنبي ﷺ ويتعلموا قبل أن يأتوا إلى الحج وأن يكونوا على علم وبصيرة و خذوا عني مناسككم يعني حتى لا تتحول القضية إلى عادة أو إلى روتين، عندما يكون هناك استحضار للنية، عندما يكون فيه احتساب الأجر، عندما يكون فيه تعلم الأحكام والمناسك قبل القدوم، لما يكون فيه حرص على تطبيق السنة، عندما يكون هناك السعي لتزكية النفوس عبر العبادات، وأنا لما اعمل العبادة أريد أن أزكي نفسي قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس: 9- 10]، هذه الارتباطات بين العبادات وبين التزكية تجعل الإنسان لما يعمل العبادة ما يعملها بشكل روتيني، وشغلة ننهيها، لا، أنا أريد أن أتقرب إلى الله ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببه [رواه البخاري: 1190، ومسلم: 1394].
فإذن عندما يكون الواحد عنده كل خطوة ترفع رجلك تضع رجلك أنت محتسب فيها ثم الآن أنت تفكر بالأجور صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه [رواه البخاري: 1190، ومسلم: 1394]، عندما يكون مبعثي على العمل وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [آل عمران: 133]، أنا ما أخرج فقط مجرد تغيير جو، أو لأن أهلي سيذهبون أنا ذاهب معهم، أو لأن المجتمع صائم فأنا صائم معهم، لا، حتى الحاج ذاهب حتى يحفظ حرمة الأماكن المقدسة وهو خائف وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج: 25] ويحذر أن يستحل من الحرام ما حرم الله عليه ويحذر من النقطة التي تكلمنا عليها مضاعفة السيئات كيفاً لا كماً، يحذر منها ولا يؤذي المؤمنين والمؤمنات، ثم الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة: 197]، هذه مرتبطة بموضوعنا أيضاً، الحج أشهر معلومات، وأشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة الذي يجوز فيها للإنسان أن يحرم بالحج متمتعًا قارنًا مفردًا الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فاشتبكت أشهر الحج مع الأشهر الحرم في ذي القعدة وعشر ذي الحجة فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ [البقرة: 197]، فهذا يمنع من تحولها إلى عادة، لما الواحد يكون يحرص ما في رفث ولا فسوق ولا جدال وحتى ما يقتل حيواناً ولا يصيد صيداً، حتى غصن شجرة ما يكسر لأنه الحرم له حرمة.
ولعله إن شاء الله إخواننا وأخواتنا عندهم يذهبون مستحضرين هذه الأمور في الحقيقة يصير تعاملهم مع المناسك غير قضية أنه عادة وإلا روتين وإلا شغلة نسويها ونخلص منها وإنما يكون فيها إتقان وإحسان وخشوع.
ما هي بارقة الأمل التي تنطلق من الأشهر الحرم؟
الآن مع تكالب الأعداء علينا ومع انطباق ما أخبر النبي ﷺ عنه: ويل للعرب من شر قد اقترب [رواه البخاري: 3346، ومسلم: 3346]، تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها [رواه أبو داود: 4297، وصححه الألباني في المشكاة: 5369]، هم تداعوا فعلاً وصرنا كما قال ﷺ الشر الذي اقترب ورأينا شراً ولكن الله ما أنزل كتابه ليمحى وما أنزل دينه ليعطّل، وما بعث نبيه ليكون مجرد ذكريات وننتهي من الواقع، إذن هذا الدين وهذا الكتاب وأرسل هذا الرسول ﷺ حتى يستمر العمل بالدين في الواقع والوحي يبقى، ولذلك كل الأشياء التي حصلت للمسلمين من المصائب ما مسحت الإسلام من العالم ولا أنهت الإسلام من العالم فإذا ضرب في مكان قام في مكان، حتى تاريخنا لما هزم المسلمون في المشرق التتر لما دخلوا وخربوا انتعش المسلمون في المغرب والأندلس وقامت حضارة عظيمة، لما سقطت الأندلس وصارت المصيبة العظيمة في المغرب قامت الخلافة العثمانية في الجهة الأخرى، فالحمد لله هذه الأمة لا تموت والدين لا يمكن أن يُمحى وهم صحيح يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [التوبة: 32]، تأتي الأشهر الحرم لتذكرنا ونحن المسلمون تذكرنا بأن الدين باق وأن الأشهر الحرم حرمتها باقية، وأن الحج باق وأن إتيان الناس إلى البيت الحرام شغال وأن الناس تأتي في العمرة في الأشهر الأخرى وأنه الحمد لله الإقبال كثير، الآن ملايين تأتي لو فتح المجال الآن مع القرعة ومع تحديد العدد وكيف لو كانت المسألة مفتوحة كان الآن وجدت الحرم يعج بعشرات الملايين أو أكثر من المسلمين ثم السؤال، سؤال الناس عن دينهم هذه بشارة، الآن الناس لما تهتم وتسأل وما هي الأشهر الحرم؟ وما واجبنا نحوها؟ والذي سيحج ماذا علينا؟ والذي لا يريد الحج، ماذا نقول له؟
نقول: اغتنم هذا الوقت الطيب بالعمل الصالح وستأتيكم عشر ذي الحجة أعظم الأيام عند الله استعد لها بالأذكار، وأنت الآن في ذي القعدة إذا استطعت أن تعتمر وإذا ما استطعت هو شهر من الأشهر الحرم، والآن الجلسة فيه في المسجد يعني التبكير للصلاة والجلسة بعد الفجر وختمات القرآن والقراءة في كتب العلم وحضور الحلق، ولعله -إن شاء الله- تكون منها هذه الحلقة إحدى حلق العلم التي نسأل الله أن يبارك لأهلها وأن يأجرنا جميعاً عليها.