الخميس 6 جمادى الأولى 1446 هـ :: 7 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

00- الأربعون القلبية (المقدمة)، الأربعينات..تاريخها ولماذا ألّف فيها العلماء؟


عناصر المادة
مقاصد العلماء من جمع أربعين حديثا من أحاديث النبي ﷺ
أسباب جمع العلماء لأربعين حديثا وفوائد ذلك

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فمرحبًا بكم -أيها الإخوة والأخوات- في هذا اللقاء من سلسلة الأربعون، ونستهلها بالأربعين في أعمال القلوب، وذلك لما في إصلاح القلب من الأثر العظيم في نجاة صاحبه.

مقاصد العلماء من جمع أربعين حديثا من أحاديث النبي ﷺ

00:00:47

فأما بالنسبة للأربعين فقد حرص كثير من علماء السلف والخلف على جمع أربعين حديثًا من أحاديث الرسول ﷺ، وتفننوا في جمعها حتى تعددت موضوعاتها، وتباينت مقاصدهم، وقد صنفوا في ذلك ما لا يحصى من المصنفات، واختلفت مقاصدهم في تأليفها وجمعها وترتيبها.
فمنهم من اعتمد على ذكر أحاديث التوحيد في أربعينه، أو إثبات الصفات، مثل الأربعين في دلائل التوحيد، لأبي إسماعيل الهروي -رحمه الله-، والأربعون في صفات رب العالمين، للإمام الذهبي-رحمه الله-.
ومنهم من قصد في أربعينه الأحكام، كما جمع الإمام الحافظ المنذري-رحمه الله- أربعينًا في أحاديث الأحكام.
ومنهم من اقتصر على العبادات، من بين الأحكام، كالأربعين في العبادات، ليوسف بن عبد الله بن سعيد الحسيني الأرميوني المصري الشافعي، تلميذ الإمام السيوطي-رحمه الله-.
ومنهم من اختار المواعظ والرقائق.
ومنهم من اختار في أربعينه إخراج ما صح سنده، وسلم من الطعن.
ومنهم من قصد ما علا إسناده.

ومنهم من أحب تخريج ما طال متنه، وظهر لسامعه حين يسمعه حسنه، إلى غير ذلك.
وسمى كل واحد من هؤلاء كتابه: الأربعين في كذا، وأشهرها: الأربعون النووية للإمام النووي-رحمه الله-.
وقصد الإمام النووي-رحمه الله- جمع أربعين حديثًا في قواعد الدين وأصوله، الأحاديث التي عليها مبنى الدين، وزاد الحافظ ابن رجب عليها ما زاد، وشرحت كثيرًا.

أسباب جمع العلماء لأربعين حديثا وفوائد ذلك

00:03:17

أما بالنسبة لما نبدأ به هذه السلسلة الأربعون في أعمال القلوب، أو إصلاح القلوب، فإن هذا مرجعه لما درج عليه العلماء، وقد ورد حديث مشهور بهذا، ولكنه مع رواياته الكثيرة لا يصح، ورد من طرق كثيرة لا تخلو من ضعف، وبروايات متنوعة عن عدد من الصحابة، كعلي وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وأبي سعيد وأبي هريرة وأبي أمامة وابن عباس وابن عمر وابن عمرو وجابر بن سمرة وأنس وبريدة، وقد ساقها الإمام ابن الجوزي-رحمه الله- في كتاب "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" وبين ضعفها، ومن هذه الروايات: من حفظ على أمتي أربعين حديثًا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة فقيهًا عالمًا [العلل المتناهية: 1/119].
وفي رواية: قيل له: ادخل من أي أبواب الجنة شئت[العلل المتناهية: 1/119].
وفي رواية: بعثه الله فقيهًا وكنت له يوم القيامة شافعًا وشهيدًا[العلل المتناهية: 1/120].
هذا الحديث: من جمع لأمتي أربعين حديثًايمثلون به في مصطلح الحديث في كتب المصطلح في باب الحديث الذي لا يتقوى بكثرة طرقه وتعددها، كما ذكر ذلك الإمام السخاوي -رحمه الله- في كتابه: [فتح المغيث: 1/73].

قال النووي-رحمه الله-: "واتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف، وإن كثرت طرقه"[مقدمة الأربعين النووية، ينظر: التعيين في شرح الأربعين، لسليمان بن عبد القويالطوفي الصرصري، ص: 17].
وقال الدارقطني -رحمه الله-: "كل طرق هذا الحديث ضعاف ولا يثبت منها شيء"[العلل الواردة في الأحاديث النبوية: 6/33].
وقال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-: "جمعت طرقه في جزء ليس فيها طريق تسلم من علة قادحة" كما في [تلخيص الحبيبر: 3/208].
لكن لماذا ألف العلماء في الأربعينيات هذه مع ضعف الحديث؟
لهم اجتهاد في ذلك، ولهم استئناس بالحديث الوارد، يعني مع ضعفه لكن كثرة هذه الطرق جعلتهم يلتفتون إلى قضية جمع أربعين: أربعين في كذا، وأربعين في كذا.
وهذا الجمع له فوائد منها: إيجاد مختصر يسهل على المسلم المبتدئ أو طالب العلم المبتدئ حتى العامي أن يحيط بأصول جانب من الجوانب، لو قلت -مثلاً-: أربعون في صفات الله -مثلاً-، الأربعون في قواعد الدين، الأربعون في العبادات، فمن جهة التعليم والتعلم فيها فائدة.

كونهم استأنسوا بهذا الحديث الضعيف الذي له روايات وطرق كثيرة جداً، وأن هذا من الفضائل حتى لو لم يثبت الفضل الخاص، لكن الفضل العام في إيصال العلم للناس، في وضع ملخص، جمع متون توضح، تلم بشيء؛ تلخص بابًا؛ هذه فائدة تعليمية عظيمة، قال الإمام النووي-رحمه الله- في مقدمة الأربعين النووية: "وقد صنف العلماء -رضي الله تعالى عنهم- في هذا الباب ما لا يحصى من المصنفات، فأول من علمته صنف فيه عبد الله بن المبارك" وهذا من أيام السلف تصنيف الأربعينيات "ثم محمد بن أسلم الطوسي العالم الرباني، ثم الحسن بن سفيانالنسائي، وأبو بكر الآجري، وخلائق لا يحصون من المتقدمين ومن المتأخرين، وقد استخرت الله -تعالى- في جمع أربعين حديثًا اقتداء بهؤلاء الأئمة الأعلام، وحفاظ الإسلام، وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال" هذا كلام النووي-رحمه الله-.[ينظر: شرح الأربعين، لابن دقيق العيد، ص: 3].
-طبعًا- المسألة هذه فيها تفصيل ليست على إطلاقها، قال: "ومع هذا فليس اعتمادي على هذا الحديث" يعني في تصنيف الأربعين النووية، في الباعث "ليس اعتمادي على هذا الحديث، بل على قوله ﷺ في الأحاديث الصحيحة: ليبلغ الشاهد منكم الغائب [رواه البخاري: 105].
وقوله ﷺ: نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها[رواه أحمد: 16784، وهو حديث صحيح].
إذًا، من مقاصد الإمام النووي-رحمه الله- في تصنيف الأربعين النووية: تبليغ السنة.
وقال الأحاديث التي حثت على تبليغ السنة، وبينت ثواب المبلغ، وهذا بواعث صحيحة ومطلوبة.
ومنها كذلك: الاقتداء بأئمتنا، كعبد الله بن المبارك، ومحمد بن أسلم الطوسي، والآجري، وغيرهم كثير، مع نيل شرف تبليغ السنة، والنصح للخلق.

وقد كان لهم اجتهادات في النظر إلى ضعف الحديث وما يصلح أن يستأنسوا به، وما لا يصلح، فقد قال الإمام السخاوي -رحمه الله-: نقل النووي اتفاق الحفاظ على ضعفه مع كثرة طرقه، ولكن بكثرة طرقه يرتقي عن مرتبة المردود المنكر، الذي لا يجوز العمل به بحال إلى رتبة الضعيف الذي يجوز العمل به في الفضائل" هذا كلامه في [فتح المغيث في شرح ألفية الحديث: 1/73].
كلام الإمام السخاوي؛ لأن الألفية للعراقي، وكتاب السخاوي: "فتح المغيث" شرح ألفية العراقي.
فإذًا، هنا يعني كلام محدث متقن يقول: إن هذا الحديث مع ضعفه، لكن نوع الضعف الذي فيه مع كثرة الطرق، يرتقي عن كونه مردودًا منكرًا، إلى أن يكون من قسم الضعيف الذي يصلح في فضائل الأعمال.
ونبدأ -إن شاء الله- بسلسلة الأربعينات هذه، بالأربعين في أعمال القلوب.