الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
درسنا في هذا المجلس -بمشيئة الله تعالى- درس قرآني تأملي واقعي من القرآن ينطلق ونتأمل فيه ونتدبر على هدي هذه الآية أو المثل القرآني ما نجده في الواقع.
الصراع بين الحق والباطل مستمر إلى قيام الساعة
لقد اقتضت حكمة الله -تعالى- وجود الحق والباطل وأن يكون بينهما تدافع مستمر إلى قيام الساعة.
والذين يظنون أن الأوضاع في الأرض يمكن أن تصل إلى سلام شامل فهم مخطئون؛ لأن السنة الإلهية تقتضي المدافعة: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ[الحج: 40] فيدفع الكفار بالمسلمين، وأهل البدعة بأهل السنة، وأهل المعصية بأهل الطاعة، ويدفع أعداؤه بأوليائه، وهكذا.. الحق والباطل نقيضان ومتباينان كل التباين، ولكل منهما جند وأنصار وأعوان، وكتب ودروس ومناهج؛ لأن أهل الباطل والحق لكل منهما دورات وصفات وأتباع، فأعمال الحق كلها خير نافعة للناس راسخة في الأرض، مهما هبت عليها العواصف فهي ثابتة، وأعمال الباطلة شر، وكلها ضرر، ولا تقوم على أصول ثابتة ولا راسخة، بل تتغير بسرعة بحسب الأهواء، بحسب ما يهب عليها من رياح، وتنفى بسرعة وتزول، ولكن الصراع باق.
الحق والباطل نقيضان
الحق والباطل نقيضان في المصدر والاستمداد، الحق من الله، والباطل من الشيطان.
الحق والباطل نقيضان في المستند، الحق يعتمد على البراهين الصحيحة والأدلة القاطعة القوية، والباطل يعتمد على الأهواء وعلى التلفيق والكذب والدجل.
نقيضان في الأهداف، الحق نصرة الله ونصرة دينه وشرعه ومنهجه، والحق إرضاؤه -تعالى-، وأما الباطل فهو للشيطان والنفس الأمارة بالسوء وللهوى.
الحق والباطل من خلال المثل في القرآن
الله ضرب للحق والباطل في كتابه مثلاً جميلاً، فقال:أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ [الرعد: 17].
فإذاً، سنة الله أن يقذف زبد الباطل ويمحوه من الوجود، ويبقي الحق النافع الذي يكون به عمران العالم، والله يضرب الأمثال لتسهيل الفهم، يقول بعض السلف: إذا سمعت المثل في القرآن فلم أفهمه أبكي، بكيت على نفسي؛ لأن الله يقول: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ[العنكبوت: 43] يعني أنه ليس من العالمين؛ لأنه لم يفهمه، والذي يفهم أمثال القرآن فهو من العالمين رتبة عالية.
ضرب الله في الآية مثلاً مائياً ومثلاً نارياً، فالمثل المائي: فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا هذا مثل مائي يدركه أهل الزراعات والبادية وأهل الصحاري والجبال والوديان؛ لأنهم يرونه أمامهم، يرون هذه السيول تحمل الزبد بعد نزول المطر، وكيف بطن الوادي يجمع هذا السيل فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا يسيل في الوادي ويتفرق في الشعاب والوديان، وهذا الزبد يعلق بأطراف الأشجار وأطراف الأرض التي يمر فيها هذا السيل؛ شبه الله -تعالى- الوحي ونزول القرآن الذي أنزله لحياة القلوب بنزول ماء المطر الذي تحيا به الأرض، وكل من هو موجود يمكن أن يستفيد لا يخص بنفعه أحداً إلا الذي يرفض.
وشبه القلوب التي نزل عليها الوحي بالأودية التي ينزل عليها ماء المطر، فقلب كبير يتسع علماً غزيراً كبيراً كثيراً مباركاً، كواد كبير يسع ماءً كثيراً، وقلب صغير إنما يسع بحسبه كالوادي الصغير، فالأودية يسكن فيها الماء كما يسكن الإيمان، والقرآن في قلب المؤمن، فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا الوادي المنخفض بين الجبلين وساعة ينزل المطر على الجبال، فهو يسيل على الأودية، وكل واد يستوعب من المياه على اتساعه، وهذا يشبه استقبال القلوب، انظر في نفسك وفي من حولك، استقبال القلوب للعلم والإيمان، وقال تعالى: بِقَدَرِهَا أشار إلى اختلاف قلوب الناس في استقبال الحق والإيمان والقرآن والعلم الذي أنزله، فهنا أودية متنوعة؛ كبيرة متوسطة صغيرة، والقلب يشبه الإناء؛ لأنه وعاء للخير أو للشر، فعن أبي عنبة الخولاني أن النبي ﷺ قال: إن لله آنية من أهل الأرض، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه ألينها وأرقها [رواه الطبراني في مسند الشاميين: 840 وحسنه الألباني].
القلوب مع الوحي كالغيث مع الأرض؛ فعن أبي موسى عن النبي ﷺ قال: مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً لاحظ تواطؤ القرآن والسنة على ذات المعاني، وكيف أن السنة توضح القرآن وتبينه وتفصله، وتعطي له جوانب، أبعاد مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقياً يعني طيباً قبلت الماء فأنبتت الكل يعني العشب الذي تأكله الأنعام رطباً ويابساً ((أنبتت الكلأ والعشب الكثير)) فهذا مثل قلب العالم المعلم الواعي المؤمن الفقيه الذي يفهم، ثم ينقل العلم الذي عنده للآخرين، ويعلم ويربي على بصيرة، وراثة من الرسل، هذا نوع، والثاني: ((وكان منها أجادب)) صلاب الأرض التي تمسك الماء فلا تشربه سريعاً، كما قال في "النهاية" لكن هذه تمسك الماء فيها منفعة؛ لأنها تمسك الماء للآخرين من الواردين الذين يريدون أن ينهلوا، قال: أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وهذا مثل قلب الحافظ المؤدي، الحافظ المبلغ، الناقل ليس عنده فقه كثير فيعي ما يحفظه، لكنه أمين فيؤدي ويبلغ ما يسمعه.
والثالث: وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كل ، فهذا القلب الذي لا يقبل ولا يحفظ فلا يستفيد ولا يفيد، قال: فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم أي واحد هذا؟ الأول، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت له [رواه البخاري: 79 ومسلم: 2282].
هل هاتان الجملتان الأخيرتان للثالث وإلا الثانية للثاني والثالثة للثالث؟ وأقوال الشراح في ذلك على اختلافهم، قال ابن القيم -رحمه الله-: كما أن السيل إذا خالط الأرض ومر عليها احتمله غثاءً وزبداً، فكذلك الهدى والعلم إذا خالط القلوب، أين الزبد؟ ما يثير فيها، إذا نزل المطر حدثت إثارة، فكذلك الهدى والعلم إذا خالط القلوب أثار ما فيها من الشهوات والشبهات ليقلعها ويذهبها كما يثير الدواء وقت شربه أخلاط البدن، فيتكدر بها شاربه، وهي من تمام نفع الدواء فإنه أثارها ليذهب بها؛ لأنه لا يجامعها ولا يشاركها["إعلام الموقعين"، لابن القيم: 1/117 ].
فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا الزبد من الماء والبحر واللبن الرغوة المعروفة الزبد غثاء يعلو السائل أو السيل هو عبارة عن خليط غير متماسك من أوراق وأعشاب وتراب وأخشاب ورغوة ما فيه تجانس ولا تماسك، الزبد هذا ما فيه تجانس ولا تماسك ولا ترابط، ويتمزق ويتصدع عند الاصطدام بأي عائق فيطرحه الوادي إذا زاد ماؤه، هذه الفقاقيع هي تظهر لك على السطح لها حجم، ولكن الوزن خفيف ليست ذات كثافة، ولذلك الماء يحملها لخفتها لا لفائدتها وتطفو فوقه لا لعلوها في شأنها، ولكن لأنها ليست ذات أهمية لكنها ترى في الظاهر قال: رَابِيًا يعني يصبح رَابِيًا عالياً منتفخاً فوق الماء، هذا الزبد طافياً على الماء؛ لأن المطر لما نزل كنس وقش القاذورات والمخلفات وجرفها فطفت على سطح الماء على هيئة رغوة وزبد لكن هل ينتفع به؟ لا، هو جفاء لا بركة له، يضمحل سريعاً، لا ثبات له، ويتفرق ويذهب، لا بقاء له، ولكن الماء الذي في الأرض يمكث، فزرعت هذه الأرض وأنبتت وأخرجت، كذلك يبقى الحق لأهله كما يبقى الماء في الأرض، وكذلك ينقشع الباطل كما أنه مكث برهة على السطح قد علا في النظر، ولكنه في الحقيقة هباء، الباطل وإن علا لا بد أن يذهب، قال تعالى:بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء: 18].
الكلام هذا مهم جداً؛ لأن هناك أزمان وحقب في الأرض يريد الله فيها لحكمة أن الباطل ينتفش ويعلو في الظاهر، وتكون له الهيمنة في نظر العين، لكن هو في الحقيقة باطل، هو في الحقيقة زبد، وهو في الحقيقة لا ثبات له، ولا بد أن ينقشع، هذه سنة إلهية.
نحن الآن نرى في العالم زبداً مهيمناً مسيطراً كثيراً، لكن إذا دقق النظر المؤمن إليه لا يجد أصلاً متحداً ولا متماسكاً ولا له أدلة وبراهين صحيحة، وليس له أعمدة يستقيم عليها، ولذلك لا بد أن يضمحل حسب السنة الإلهية، يعني هم الآن يتكلمون يقولون: أحياناً هناك عواصف شمسية قد تذهب بكل هذه الأجهزة الجوية والفضائية، وبالتالي تذهب الاتصالات، وتذهب.. وتذهب.. هذا يتحدثون عنه الآن في مقالاتهم، ولكن كيف ينهي الله هذا الزبد، هذا أمره عند ربي، لكن نحن علينا أن ندرس القرآن، وأن نربطه بالواقع، الله ما أنزله ليكون محصوراً بين دفتين لا عمل به ولا تطبيق له، كلا، الباطل وإن علا فإنه ولا ريب سيعود إلى الصغار، قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء: 18] طبيعة الباطل كما قال الله:إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء: 81] لا بد يزهق، لا بد يضمحل، لا بد يذهب، يتفرق، يسقط، لا بد هذه سنة إلهية: إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء: 81].
لكن هذه القضية تأخذ وقتاً، ويذهب فيها طبعاً ضحايا، وناس يسقطون وينخدعون ويصيرون مع الباطل، ويجرفهم الزبد ويذهب معهم، ويشاركون في انتفاشه واستعلائه، واستطالته مدة أطول، ولكن في النهاية سيتفرق، سيضمحل: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد: 17].
والحق منصور وممتحن فلا تعجب، فهذه سنة الرحمن.
هذا أحد مثلي الحق والباطل.
الحق هو الماء الباقي الذي أنزله الله من السماء المبارك النافع الذي يحي الله به العباد والبلاد، مثل القرآن يحيي به القلوب، والزبد الذي لا ينتفع به هو الباطل الذي سيضمحل.
قارن بين مذهب خلق القرآن، الذين قالوا بخلق القرآن، ما كانوا في يوم من الأيام لهم الهيمنة ولهم السلطة والسيطرة؟ ما كان ابن أبي دؤاد ومن معه قد استولوا على قلب الخليفة وصارت فتنة عظيمة، وحملت الأمة على القول بخلق القرآن، وامتحن العلماء؛ فمنهم من قتل، ومنهم من سجن، ومنهم من ضرب، ومنهم من فصل وعزل، ومنهم من قطع رزقه من بيت المال، ومنهم.. ومنهم..؟
واستمرت المحنة وجاء المعتصم وبعده الواثق وفي آخر زمن الواثق بدأ الأمر بعده، خلاص انتهى عاد الخليفة بعد الواثق الناس إلى السنة، أين مذهب القول بخلق القرآن؟ ما نكاد نجده الآن، من الذي يقول به؟ نادر ، ما هي السلطة التي لهذا المذهب الآن؟ ما في، لكن هل بقي مذهب أهل السنة؟
نعم.
المعتزلة لهم كتب أين كتبهم؟ كتب أهل السنة مثل صحيح البخاري؟
بقي المثل الناري؟ قال تعالى: وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ هذا هو المثل المناسب لأهل الحضر؛ لأن المثل السابق كان لأهل البادية، أهل البادية وأهل الزرع ويرون المطر والسيل والزبد والأودية، وكذلك أهل الزرع، أما أهل المدن أهل صناعة، والقرآن يستوعب، وهذا درس للدعاة، يعني أن القرآن يخاطب أهل الريف وأهل المدن، هذا المثل الناري لأهل المدن، أصحاب الصناعات، قال:وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ فيدخل الصناع المعادن النار والأفران، تنصهر الخامة الأصلية بالنار، فتخرج منها الشوائب ليبقى المعدن أو المعدن الذي تصنع منه الأشياء ابتغاء حلية أو متاع حلية أواني قدور آلات الحرث معدات الحرب أدوات الصناعة متاع، فيذهب خبث المعدن بهذه النار، وأما الخلاصة التي فيها الفائدة فإنها تبقى فماذا يطفو؟ وماذا يخرج؟ وماذا يتخلص منه في عملية الأفران؟ هذا الزبد الذي يخرج من هذه الشوائب، وفعلاً إذا أدخل المعدن النار علته فقاعات تسمى خبث المعدن، والله قال: {زبد مثله} في المثل الناري والمثل المائي الزبد مشترك، فبينهما شيء واحد، ارتفاع الزبد وعلوه على السطح، ثم التخلص منه وذهابه، وعدم الانتفاع به، فالزبد يذهب جفاء، ما رمى به الوادي وما رمى به القدر ما تخلص منه الشعب، وما تخلص منه الفرن يذهب جفاء، باطلاً ضائعاً مطروحاً تافهاً، ليبقى في النهاية ما ينفع، الماء ببركته والمعدن بصفائه، الماء بنفعه وسقيه وغيثه ونبته، والمعدن بما يصنع منه من ذوات المناظر الجميلة وذوات الصفاء والنقاء، وأما ما ينفع الناس من الماء في الأول والمعدن النقي في الثاني هذا بدون شوائب خالٍ من الزبد يمكث في الأرض ويذهب ذاك.
هذا مضروب لماذا؟ الماء والزبد مثل يراه أهل الريف، والمعادن والأفران يراها أهل المدن، فهذه مشاهدة مرئية عادية، لكن هو مضروب مثلاً من الله يجب فهمه، قال تعالى:كذلك يضرب الله الحق والباطل هنا لابد ننتبه {كذلك يضرب الله الحق والباطل} فلا يمكن أن يجتمعا ويبقيا هكذا، لا بد أن يزيح الحق الباطل في النهاية، فلا ثبات للباطل مع الحق كما أن الزبد لا بقاء له مع الله، والشوائب لا بقاء لها مع مسبوكات الذهب والفضة، فضرب الله للحق في ثباته وبقائه ومنفعته ورسوخه واستفادة الناس منه هذا المثل، وضرب الله للباطل في تفرقه وعدم تجانسه وذهابه، في النهاية هذا المثل بالتأمل في ذلك تتضح لنا الخصائص، الزبد يعلو على سطح الماء لفترة مؤقتة كما يعلو الباطل مدة مؤقتة، لذلك نجد أهل الباطل في الظاهر ينتصرون في الجولة في البداية؛ لأنه أول ما ينزل احتمل السيل زبداً رابياً.
فإذاً، من الذي يسبق في الظهور والعلو وكأن الجولة له؟
الباطل.
ومن الذي يأتي تالياً ولاحقاً وينتصر؟
الحق.
الباطل وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال يقول ابن قتيبة: الباطل إن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه، فإن الله سيمحقه ويبطله ويجعل العاقبة للحق وأهله، وفي حديث هرقل مع أبي سفيان: سألتك كيف كان قتالكم إياه فزعمت أن الحرب سجال دول فكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، في البداية ابتلاء استضعاف، ثم تكون لهم العاقبة حتى محمد ﷺ مكث في الاستضعاف ثلاث عشرة سنة، وانتقل للمدينة وإلى أن أرسى القواعد يعني في سنتين ثلاثة حتى صار ممكن المواجهة وصارت معركة بدر، بعدها أحد فيها هزيمة قاسية، ثم الخندق فيه حصار خانق، وفيه بلغت القلوب الحناجر، ثم انفكت، الآن نغزوهم ولا يغزونا، وصلح الحديبية، دخل الناس في دين الله أفواجاً، وفتح مكة جاء عشرة آلاف مقاتل، والحج مائة وأربعة وعشرون ألف حاج، الناس في العادة نفسهم سريع، عطنهم ضيق، مستعجلون، الباطل انظر إلى قوته العسكرية، انظر إلى هيمنته العالمية، انظر إلى ما عندهم من العدات والآلات والصناعة والتقدم والهيمنة والتفوق والاتصالات الهائلة والبرمجيات والاستقطابات، وأيش عندهم حتى من الرخاء والأمطار، وعندهم الانتاج الزراعي والتجاري والتصدير والتقنية والتقدم الطبي، هذا طبعاً لو كانت القضية قضية تفوق دنيوي فقط كان أهون، لكن هو تفوق دنيوي ينصر ديناً باطلاً، ويعمم كفراً في الأرض ويحارب ويقتل ويحتل ويهيمن، وأهل الحق في بلية وأذية، ضحايا مقتولين مأسورين مهزومين، فقراء مساكين، طبعاً في أمور الدنيا، تجد مثلاً من الذي يهيمن على الإعلام في العالم؟ من الذي يهيمن علن التقنية في العالم؟ من الذي يضع لنا كل هذه القوالب؟ من الذي يضع قالب المحتوى حتى يتحكم في المحتوى؟ من الذي يهيمن على الفيس بوك وتويتر والانستقرام والواتس أب والشبكة نفسها، الآي كان نفسها؟ من الذي يهيمن على التلفزيونات العالمية القنوات العالمية والسينما العالمية والأفلام العالمية والكتب العالمية الطباعة العالمية يعني النشر العالمي النشر الإلكتروني؟ من الذي يهيمن على كل هذه الوسائل الحركة الاقتصادية العالمية البنوك العالمية أسواق المال العالمي؟ الله له حكم، حكيم سبحانه هو يريد من وراء ذلك أموراً قطعاً ما أرادها هكذا فقط لتكون الغلبة للكفار؟ يكون العلو للباطل؟ فقط كذا؟ بعدين تنتهي الدنيا وخلاص، والناس كلهم يموتون، لا لا ، في وراءها أشياء يعني النبي ﷺ امتحن واستضعف ثم وصلت المسألة يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك، وخرج وكاد أن يقتل وخنقوه وحاصروه وشوهوا سمعة الدعوة، ولكن أبى الله، ثم انتقلت إلى المدينة وحصل الفرج بعد ذلك، حصل النصر بعد ذلك، جاءت بعد، استمرار قضية الفتوحات الإسلامية والمد الإسلامي في العالم والخلافة الإسلامية في العالم، ثم حصلت هنات وفتن دخلت على المسلمين، صارت لهم هزائم ورجع الكفار إلى نوع من السيطرة والهيمنة، مثلاً جاء المد الصليبي واحتل السواحل الشامية وبيت المقدس، وجاء المد التتري واحتلوا بغداد ودمشق والشام والعراق، ويعني خلاص ما تقول: إنه ما بقي للأمة الإسلامية قائمة، مليونا قتيل في بغداد دمشق، قالوا: خلاص، الدار التي كان ثمنها آلاف الدنانير ينادى عليها بعشرة دنانير ولا يوجد مشتري، يقولون: ما بقي في البلد، عشرات الأشخاص، ثم رد الله الكرة للمسلمين، رجعوا مرة أخرى، لكن الأمة هي مد وجرز وعافيتها في أولها، وكلما ذهبت إلى الأمام تزداد الفتن، ولكن ما تبقى على وتيرة واحدة، يعني حتى لما جاء الصليبيون بحملاتهم انهزموا بعد ذلك، هزمهم صلاح الدين، ولما جاءت التتر هزمهم الله بالمسلمين الذين هزمهم قطز، وبعد ذلك جاء العثمانيون أوصلوا الفتوحات الإسلامية إلى النمسا وفرنسا، ثم أراد الله كسره بعد ذلك فصار التراجع ونحن فيه، لكن حسب السنن الإلهية أن هذا لن يستمر، لا يمكن أن يستمر، لا بد أن يعود للمسلمين، تعود الكرة لهم، انظر الآن إلى ما فعله اليهود قتلوا واحتلوا وهيمنوا وأقاموا دولتهم، واتخذوا أسلحتهم، وعندهم القوة المالية الاقتصادية، وعندهم التقنية والزراعة، وعندهم أشياء يعني أهل الأرض يمدونهم {وإخوانهم يمدونهم} أيضاً في أنحاء العالم، تسكب عليهم الأموال، هذا الآن سيستمر؟ لا، أصلاً فيه بشائر، انظر كلما مشينا إلى الأمام تهب نسائم، أشياء كأنها تقول للمسلمين: ترى الوضع لن يستمر لهؤلاء مسألة مؤقتة، وفي بالقرآن بشائر، ألم يقل الله -تعالى- لبني إسرائيل:وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا[الإسراء: 8]؟ يعني وَإِنْ عُدْتُمْ إلى الإفساد عُدْنَا للتسليط عليكم.
أليست هذه سنة الله مع اليهود وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا فقد عادوا إلى الإفساد فماذا بقي؟
أن يعود الله للتسليط.
فالآن الإفساد حادث، لهم قوة وغلبة في الأرض اليهود، لكن هذا لا يمكن أن يستمر حسب السنة الإلهية:وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا ، فلا بد أن يعود الله للتسليط عليهم هذه سنته، والله لا يخلف الميعاد، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
بشائر قرآنية مع اليهود: كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ [المائدة: 64] هذه بشارة كبيرة.
وكذلك قوله تعالى: لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر: 14]، ولو دققت الآن فيما يدور بينهم من كلام هم أنفسهم ستجد هذا منطبقاً واقعاً تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى بأسهم بينهم شديد.
بشارة أخرى: وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [المائدة: 64] هذه في اليهود غير آية فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [المائدة: 14]، وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يعني هذه إلى يوم القيامة بشارة.
وإذا تفرقوا من الداخل سيسقطون، ما يحتاج دفع، ينتهي الموضوع، الشاهد: لا يغترن أحد بطول فترة استعلاء زبد الباطل؛ لأنه الباطل لا بد أن يزهق، والحق لا بد أن يظهر، والله كل شيء عنده بميعاد، وكل شيء عنده بمقدار، وأهل الحق لا بد أن يأخذوا بالأسباب لينتصروا، ولا يجوز لهم أن يتخاذلوا وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا [آل عمران: 139]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد: 7] فلا بد لكن أهل الحق هل ينتصرون بلا سبب؟ بلا أي أخذ بما أمر الله به؟ لا، لا بد إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ، تنصروا دين الله ،لا تزال طائفة من أمتى قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس.
الاستمساك بالمنهج والثبات عليه
أول شيء وقبل الأسباب الدنيوية وقبل الأسباب المالية، وقبل أسباب القوة الأرضية: الاستمساك بالمنهج، الثبات على الدين، أول شيء، لاحظ لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون.
إذاً، هذه قائمة بأمر الله لا بد أن تتحقق، يجري الله أحياناً أقداراً، يجري بعض المواجهات بين بعض أهل الحق وأهل الباطل، فترى فيها الباطل ليس تلك القوة الخارقة التي لا يمكن القضاء عليها، أحياناً الله يقدر أشياء ولو يسيرة فيها نوع ثبات للمسلمين، ونوع انهزام من الكفار، كأنه يقول لهم: هذه عينات، اثبتوا وسترون الباقي، هذه عينات، وقد قال تعالى: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء: 81] انظر بعض الناس عندهم نفسيات استسلامية سيئة، يأتي يقول لك: ومن مجريات الأمور يتضح أنه ما في شيء قبل قيام الساعة، لماذا يا أخي لماذا النفسية هذه المحطمة المهللة؟ لماذا تحكم أنت عالم الغيب؟ ما الذي من مجريات الأمور ما في شيء قبل قيام الساعة؟ لماذا؟
لكن -سبحان الله- النفوس كذا إذا صارت مذبحة إذا صارت هزيمة تجدهم مبلسين قانطين يائسين محطمين، لماذا؟ الله أنزل كتابه ليهزم أو أنزل دينه ليمحى؟ والله متم نوره هذا شيء حقيقي، الله متم نوره، والباطل زبد شأنه في كل زمان أن يعلو ثم يضمحل، قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء: 18] الله يبطل الباطل بالحق، ويبين للناس بطلانه وسوءه وعوراته وسخفه.
الدمغ: كسر الجسم الصلب الأجوف، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ [الأنبياء: 18] يكسره فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ "إذا" حرف مفاجأة في اللغة، فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ فجأة طاح، كيف يسقط الباطل؟
يسقط سريعاً، يسقط بعنصر المفاجأة، والحق له صولة، والزاهق المنفلت من موضعه المتهالك.
هنالك يعلو الحق، والحق واضح ويسفل كعب الزور والزور عاثر
الباطل اقتضت حكمة الله أن يعلو أحياناً، هذا الذي أنت تراه الآن هذا من إرادة الله، ولله فيه حكمة، هذا من سنة الله، ولله فيه حكمة.
لكن هل أنت الآن ترى في الأرض على كل ما عند الباطل من الإمكانات أن الحق انتهى من الأرض ما بقي أحد من أهل السنة ذهب الدين؟
لا والله.
إلا ترى لله من يقوم بالحجة، وهناك أهل علم وطلبة علم ودعاة إلى الله وناس يقومون بالحق ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وينصحون الخلق، ويعلمون الحق أحياناَ، مواقع التواصل الاجتماعي، على السوء التي فيها، وإنهم هم الكفرة المهيمنون عليها، هم الذين وضعوها التويتر، والفيس بوك، والواتس آب، هو صحيح مسيطرون على إعلانات اليوتيوب، وعلى.. وعلى..، ويلغون حسابات، ويضيقون ويفتحون ويضيعون ويعلنون، هذا بأيديهم، لكن ألم تكشف لنا هذه المواقع عن عدد من طلبة العلم ما كان متوقع أن يكونوا موجودين بهذا العدد؟ أو ناس عندهم غيرة على الدين أو يأمرون بالحق وبه يعملون، يعني ما نلاحظ أنه -سبحان الله- فيه مزيد من الإقبال، وكل ما صارت قضية معركة بين الحق والباطل تجد للحق أنصاراً، والله -عز وجل- يظهر في هذا الدين لا يزال الله يغرس في هذا الدين من يستعملهم بطاعته إلى يوم القيامة.
أنا أرى أن هذه المواقع أبرزت وأظهرت أقلاماً وألسناً في الحق ما كان متوقع وجود كل هذا، وتجد صوراً للثبات جميلة وناس منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، يعني من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، تجد كلامهم وموافقهم وناس حتى الممات ثابتين، فوجود الحق والباطل في الأرض حتمي، ما في باطل أبداً أو جيل ما فيه حق أبداً، هذه مدافعة، هذه سنة إلهية.
الذي يهمنا في الموضوع أنه ما يصح الاستسلام أبدا، ولا تقل أبداً: كل هذا عند الباطل واحنا ما عندنا.
نقول: ما أبقيت لهم يا أبا بكر؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، هذا شيء قليل؟
وبداية دعوة النبي ﷺ مع أنه كل المؤشرات ما كانت تشير للنجاح، كلها تؤدي إلى طرق مسدودة، حصار، تشويه، قتل، راح للطائف، أنت انظر إليه ﷺ وهو راجع من الطائف، ضاقت عليه الأرض بما رحبت، ما كان يستطيع أن يدخل مكة حتى أجاره المطعم بن عدي، الله هيأ له كافراً؛ لأنه أصلا ًما كان فيه واحد مسلم يمكن أن يدخله مكة، ما دخل إلا بجوار المطعم بن عدي، وأتى بأولاده أدخل، جعله يشفق وأدخله في جواره، وبعد ذلك حصار الشعب، هذا قليل يعني حصار الشعب؟ الأذية التي كانت فيه ثلاث سنوات وفي النهاية خرج يعني أخرجوه كان بين إما أن يقتل كانوا يريدون قتله، قال الله : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ [الأنفال: 30] يحسبوك في بيتك أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ فانفرجت.
انظر الحديث هذا والله حديث عظيم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: مكث رسول الله ﷺبمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى، كلها محاولات للدعوة، يريد ناساً يؤووه، فقط مكان حماية حتى ينطلق منه لتبليغ الدعوة، المكان الذي هو فيه لا يوجد مجال، أقام النبي ﷺ بمكة عشر سنين تبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى، يقول: من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟ ما في فائدة.
ما كان يستطيع يرسل مثلاً الطفيل بن عمرو: اذهب وادع قومك، وأنت يا أبا ذر اذهب وادع قومك، وأنت اذهب يا عمرو بن عبسة، فالسلمي أنت اذهب، إذا سمعت أني قد ظهرت فائتني، رح انج بنفسك، رح اعبد الله، إذا سمعت فائتني.
قال جابر: حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر فيأتيه قومه، يأتي هذا الجائي إلى مكة من اليمن أو من مضر يأتيه قريش قوم النبي ﷺ حتى يأتيه قومه هو من المشركين من الدعايات التي وصلت إليهم فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتنك، ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع، وهذا المجنون هذا الساحر، وهذا الكذاب، قال جابر: حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به.
انظر يخرجون خلسة في منى في موسم الحج فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام.
هذه ترى العلمية أخذت وقتاً بين عملية العقبة الأولى والثانية، ثم ائتمروا جميعاً.
انظر هؤلاء المسلمون، هذه الطبقة التي خرجت، أسلمت من بيعة العقبة الأولى وما بعدها، هؤلاء رجعوا للمدينة يرجعون للمدينة يرجعون وحتى صار في كل بيت فيه مسلم أو أكثر، ثم ائتمروا جميعا، الآن جابر أنصاري يقول بلسان قومه الأنصار الأوس والخزرج فقلنا: حتى متى نترك رسول الله ﷺ يطرد في جبال مكة؟
هذه والله العبارة هذه الجملة العظيمة "حتى متى نترك رسول الله ﷺ يطرد في جبال مكة ويخاف؟ فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في الموسم فواعدناه شعب العقبة، إلى آخر الحديث.
وصارت البيعة بعد ذلك، وصارت الهجرة بناء على البيعة على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم وأموالكم [رواه أحمد: 15798 وصححه الألباني].
والحديث هذا حديث عظيم، لماذا عظيم؟ لأنه هذا حديث مفصلي، هذا حديث يتكلم عن نقلة، هذا يتكلم عن نقطة التحول، الذي يفهم السيرة لازم يأتي على هذا الحديث، ويقف عنده طويلاً، انظر نقطة التحول كيف حصلت؟ "حتى متى نترك رسول اللهﷺ يطرد في جبال مكة ويخاف؟" فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في الموسم فواعدناه شعب العقبة".
من صفات الزبد: قاذورات مجتمعة طافية على السطح
من صفات الزبد: أنه أوساخ وخبث، قاذورات مجتمعة طافية على السطح، انظر الآن ركام الغرب، الآن الغرب هذا المهيمن المسيطر، وحتى الشرق الذي دخل على الخط الآن، بالله عليكم ما هي صناعاتهم؟ ما هو المحتوى الموجود؟ صناعة المحتوى الآن هذه صناعة خطيرة جداً، يعني صناعة المحتوى وتسويق المحتوى هذا تخصص .. يعني هذا الآن من أخطر المنتجات البشرية أو التخصصات الآن.
على أية حال: هؤلاء الناس يعني صناع الألعاب، أي شيء ننتيندو، سوني، بلاي ستيشن، اكس بوكس، صناع الألعاب العالميين، وإلا صناع الأفلام العالميين، وإلا صناع البرمجيات العالميين، وإلا صناع التطبيقات العالميين، وإلا صناع الأجهزة العالميين، صناع الترفيه، صناع التقنية، هؤلاء ما هو محتوى الأفلام؟ ما هو محتوى الألعاب؟ ما هو محتوى الكتب التي تنشر أمازون وعالم دنيا؟ أنت فكر فيها، دع الأشياء التي تنفع الناس في دنياهم؛ لأن هذا يحتاجه المسلم والكافر، طب، هندسة، إنشاءات، الأشياء التي هي من جهة ما يحتاجه الناس والدواب وما يحتاجه العالم في حياتهم، أقصد المعيشية في عمارة الدنيا، هذه خليها على جنب؛ لأن هذه مشتركة بين الجميع، ليست محاربة لنا، ولا نحن نعيبها عليهم، بالعكس منجزات.
لكن المحتوى الموجود في الأفلام وفي الكتب وفي الألعاب، محتوى قذر، محتوى كفري، محتوى إلحادي، محتوى شركي، محتوى قاذوراتي جنسي، محتوى قمار، محتوى ميسر، محتوى سحر، محتوى ألفاظ بذيئة في الأفلام، حتى في الأنيمشن طبعاً هم ينصرون ذلك ويحيونه وينعشونه وينشرونه، وحتى في الحروب يبثونه، وإذا دخلوا مكاناً فرضوا قاذوراتهم، يستعملون الهيمنة في فرض الانحراف، يستعملون التنقية في نشر الرذيلة، يستعملون القوة التي عندهم في إفشاء الإلحاد والشرك والكفر والقيم البذيئة السخيفة، هذه إن صح أن تسمى قيم، هذا الذي عندهم، ولاحظ أنها تسوء شيئاً فشيئاً، مثلاً تكوين الأسرة من أنثى وأنثى، وذكر وذكر، وإعطاء أشكال قانونية، والآن ماذا يوجد في ردهات المنظمات العالمية لفرضه على الدول؟ الآن منع الأب من التدخل في حق البنت، والابن في اختيار طريقة الحياة التي يريد أن يعيشها، والنمط والعلاقات، وإلى آخره، وبعدين عدم تجريم أي نوع من العلاقات الجنسية، عدم تجريم الزنا واللواط وإلى آخره، وفيه حقوق لأبناء الحرام وتكوين الأسر بالحرام من المثليين يسمونهم مثليين، والله سماها فاحشة في كتابه أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ [الأعراف: 80].وهؤلاء يقولون: مثليين، تكوين عائلة ينظرون إليها على أنها شيء جيد، فالأمور كلما نظرت إليها في قضية ماذا يشيعون؟ يذيعون نشر الانحلال، في المنظمات الدولية نشر الانحلال واضح، كل الأمور تسوء إلى أرذل وأسوأ وأفحش، الأمور تسير إلى مزيد من التهتك والتعري، وحتى العفة مطلوب محاربتها، مطلوب محاربة العفة، مزابل، هذا هو الزبد، هذا هو أهل الباطل، ما هي أرواحهم؟ ما هي أخلاقهم؟ خبث وقذارة أرواح شريرة أخلاق سيئة، أيش يشيع الفواحش؟ مسكرات ومخدرات، النبي ﷺ لما سئل: أنهلك وفينا الصالحون؟ ماذا أجاب؟ قال: نعم إذا كثر الخبث، بالله عليكم هذا ماذا يسمى الآن في العالم؟ هذا الزبد العالمي عبر لي عنه؟ خبث.
من صفات الزبد: خفيف ليس له قواعد ولا أساسات ولا مبادئ
من صفات الزبد أنه خفيف ليس له قواعد ولا أساسات ولا مبادئ، قال الله -تعالى-: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ [إبراهيم: 26].
الخبث من صفات الزبد، ما له جذور الزبد، يذهب جفاء، يتلاشى مطروحاً لا حقيقة له ولا قيمة، ستدرك البشرية الهاوية التي هي مقدمة عليها، والتي وقع بعضها، فيها انتحار، جنون، انتحار ممثل كوميدي أمريكي، أليس هذا يضحك الناس؟ أين ذهب الضحك لما شنق نفسه منتحراً؟ أين الحياة السعيدة؟
هذا علاج ضحك كوميديا.
هذا أبو الكوميديا الآن انتحر، شنق نفسه بعد ثلاثة وستين سنة من الكوميديا، آخرتها شنق نفسه، فما في البشرية تنتقل من إفلاس إلى إفلاس، وبعدين سيظهر دين الله قطعاً، الباطل يذهب له صولات وجولات، وبعدين الناس تصل إلى الملل والطفش والشقاء والتعاسة والنكد.
أنت الآن ماذا تفسر إقبال الناس على الإسلام في العالم؟ يعني ما أن يقرأوا ترجمة القرآن، ما أن يقرأوا القيم الشرعية الإسلامية الموازين، يجدون شيئاً، أيش عندهم؟ الأتمتة والتقنية والنظام وتنظيم والإدارة والنظافة والعلاج والصحة والبيئة هذه دنيوية، لكن ماذا يوجد للروح ؟ كل هذه للبدن، هات كل المنجزات الغربية والشرقية؟ هات الراحة، الترفيه، الترف، العلاج، صحة الغذاء، الدواء، التقدم البشري؟ كله في خانة البدن.
تجي على خانة الروح، إفلاس، شقاء، نكد، تعاسة، انتحار، أمراض نفسية تتفاقم، وكل واحد يمشي وراءهم، أمراض نفسية، ولذلك بعد هذا تصل البشرية إلى مرحلة الإفلاس، لا بد لها من البديل، ما هو البديل؟ الإسلام القادم بقوة.
لماذا الآن يقولون: ألمانيا في 2050 أكثرية إسلامية.
فرنسا أكثرية إسلامية.
هذا شيء رعب واضح، واضح الإسلام قادم بقوة، كل الدراسات أخفوها أو أعلنوها أو تسرب لنا شيء الإسلام قادم بقوة.
الإسلام قادم بقوة، الباطل الفسق والمجون مزابل.
من صفة الزبد: لا نفع فيه ولا خير
من صفة الزبد؛ أنه لا نفع فيه ولا خير؛ لأن الله قال:فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد: 17]، هذه أعمال الباطل ما الفائدة في الخمر؟ ما الفائدة في الزنا؟ ما الفائدة في الميسر؟ وهذه الرذيلة التي يريدون نشرها والإباحية الجنسية التي يريدون تعميمها ما هو؟ :يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ [البقرة: 219].
من صفات الزبد: انخداع بعض الناس به
ومن صفات هذا الزبد: أنه ينخدع به بعض الناس، لماذا يطفو على السطح؟ ممكن أحياناً يصير منظره فيه بريق لمعان، الزبد هذا، الفقاعات هذه أحيانا تصير ملونة، وهكذا ينخدع بعض الشباب والشابات من المراهقين والمراهقات، وبعض الناس الذين ما عندهم أسس وقواعد ينخدعون أحياناً بالأفكار العلمانية الليبرالية الإلحادية، وهذه الآن صار لها تسويق بين المسلمين، قد تظهر لبعض السذج على أنه فيه بعض القيم من العدل والحرية والمواساة والعقلانية، لكن أنت إذا تأملت فيها تجد فيها السم الزعاف، وأي شيء من الإيجابيات لو فرضنا أنه فيها، فبالإسلام ما يغني عنها وزيادة، ما يعني وراء إلغاء الفوارق بين الجنسين؟ ماذا يمكن أن يؤدي إلى خراب البشرية؟ فيه اختلال الآن، دور الرجل ودور المرأة على مستوى العالم فيه اختلال، فيه خلل واضح ويجر إلى شقاء من صفات الزبد، العلو والظهور في أول الأمر يطغى يغطي الباطل انتشار فضائيات صحف مجلات مواقع رسائل تطبيقات،أفلام، إلى آخره.
بعض صفات أهل بالباطل
من صفات الباطل وأهله: فقدان التفكير الصحيح، لو في واحد منهم عنده تفكير صحيح سيصل إلى الإسلام قطعاً، يعني في عالم الانفتاح كثير من الكفار العقلاء وصلوا إلى الإسلام، كثير منهم في الطريق إليه، والله قال: أولم يتفكروا في أنفسهم هذا مبدأ دفع هؤلاء للتفكر، وهذه لو استطعنا نحن من خلال الشبكات من خلال الحوارات من يجيد هذا من المسلمين أو عنده لغة وعنده أسلوب تحاور وعنده إقامة حجة وبرهان ويحسن العرض: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى [سبأ: 46]؛ لأنه إذا صارت جماعة كبيرة يضل بعضهم بعضاً، لكن مثنى وفرادى، فكر أنت يا أيها الكافر أنت وحدك أنتما اثنان معا فقط: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا [سبأ: 46] ثم تتفكروا، هذا سيقودهم، هم الآن لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، لا يفقهون بها الحق ولا يبصرون بها الحق ولا يسمعون بها الحق، أولئك كالأنعام، ويوم القيامة ما في واحد سيدخل النار إلا وهو مقتنع تماماً إنه يستحق دخولها وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك 10،11،12] أصلاً الذين أقيمت عليهم الحجة في الدنيا، وهذه فائدة لما نقول: يا جماعة يا شباب يا دعاة يا عالم اشتغلوا على إقامة الحجة، يا أخي اشرح له معنى الشهادتين وأركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان الستة، وشكراً، إقامة الحجة؛ لأنه الآن الله يحب أن تقام الحجة، ولذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل، وما أحد أحب إليه العذر من الله، ولذلك المعذرة إقامة الحجة، إذا أقيمت الحجة كل واحد سيموت بدون اتباعها سيدخل النار قانعاً بدخول النار كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَىٰ [الملك 8،9] نتيجة إقامة الحجة، واللي ما سمع عن الإسلام أو سمع سماعاً مشوهاً يعني ما شرح له صحيحاً، يوم القيامة له حساب خاص وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49]، ، نحن علينا أن نشرح ونبين ونرسل ونعرض الحق الذي عندنا لأجل قضية إقامة الحجة، والتفكر، وأن نبين لهم يعني ما يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يعلمون كيف يعني؟ لا يعلمون عن الآخرة: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الروم: 7]، لا يعلمون الحق، يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الروم: 7].
من صفات الباطل وأهله: أنهم لا يرتكزون إلى أصل صحيح، ما في أصل ثابت: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان: 43 - 44].
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [الأنعام: 56].
إذاً، هؤلاء التابعون للهوى، والهوى يهوي بصاحبه، ما في أصل متين، ما في هذا يستوي مع من هو على بينة من ربه وهو على صراط مستقيم، معه الحجة والبرهان والدليل: قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ [الأنعام: 71].
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [الحج: 3-4].
من صفات الباطل وأهله: أنه ما في ثبات، أحياناً تجدهم يناصرون هذا ثم يعادونه، يعلنون مثلاً تأييد هذا المبدأ ثم ينقضونه يقولون: نحن ما عندنا مبادئ، ما لنا دين، ما لنا مبدأ، كلها مصالح، طبعاً مصالح دنيوية، ما هو مصالح الدين.
من صفات هؤلاء: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء: 81] تعال على الماء الذي في المثل انظر إليه في صفاته طاهر طيب مبارك مطهر لغيره نافع ينبت الله به الزرع، الماء هذا الذي يعلوه الزبد: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء: 30]،فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى[طه: 123].
الماء هذا حسب المثل قد يختفي تحت الزبد، أنت تنظر كذا تجد الزبد طافياً ما تجد الماء لا تراه، لكن هو موجود، وإذا سطعت الشمس وإذا صار الوادي في الماء الذي فيه واحتمل السيل زبداً رابياً بعد ذلك سيفرقه، يتفرق، ما يظهر الماء، فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ [النمل: 79]، يظهر الحق.
وقال الله قد أرسلت عبدا | يقول الحق ليس به خفاء |
حسان بن ثابت.
طبيعة المثل هذا؛ أنه الماء يبقى بعد الزبد يذهب الزبد ويبقى الماء لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك نحن معدن باقٍ في الأرض، نحن طائفة منصورة باقية في العالم، نحن أمة محمدية أهل سنة لا يمكن أن تخلو الأرض منا،
إذا مات منا سيد قام سيد | قؤول لما قال الكرام فعول |
لماء من طبيعتها هنا الانتشار، ينتشر عبر الأنهار والعيون والآبار: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [الصف: 9] في أحاديث لازم في غمرة الاستضعاف الذي نحن فيه وفي غمرة الذل أو الهزيمة أو الهيمنة للأعداء، لازم دائماً تعرض أمامنا في شاشات الأذهان والعقول والقلوب ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر، والله ناصر دينه .
بعض الناس لما يستقبل بعض النصوص يقول: هذه زمن عيسى، يا أخي من قال لك إنه ما في ظهور للدين من الآن إلى وقت عيسى؟ عندكم أثارة من علم؟ عندكم كتاب فتخرجوه لنا؟ أطلعتم الغيب؟ من الذي قال ذلك؟ لماذا؟ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد: 7] في أي مكان؟ في أي زمان؟ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ [محمد: 7] الله كريم، الله أكرم من أن يبقي الهيمنة للكفرة، الله أكرم من هذا، الله أرحم من أن يبقى أهل الإسلام في ذل دائماً.
هم لما ابتعدوا عن دينه يرسل عليهم من يسومهم سوء العذاب.
أحياناً يجعل بأسهم بينهم.
أحياناً ليردهم إليه، في النهاية يردهم إليه.
قيل للإمام أحمد أيام المحنة: يا أبا عبد الله أولا ترى الحق كيف ظهر عليه الباطل؟
انظر نفس الكلام المواقف النفسية: يا أبا عبد الله أولا ترى الحق كيف ظهر عليه الباطل؟
قال: كلا.
إن ظهور الباطل على الحق ما هو بالهيمنة التي صار فيها هذا المعتزلة وأحمد بن أبي دؤاد وقربه من المأمون، والقوة التي كانت عندهم؟
ليس هذا، انظر معيار الإمام أحمد دقيق، ومعياره جوهري، ومعياره في الأسس في القواعد هو يتفطن إليه الذكي، قال: "كلا، إن ظهور الباطل على الحق أن تنتقل القلوب من الهدى إلى الضلالة، وقلوبنا بعد لازمة للحق" المعيار ليس أن لهم السلطة، المعيار ليس أن لهم القوة الأرضية، المعيار ليس أنهم يقتلون ويسجنون ويفعلون، المعيار إذا نحن كنا باقين على الحق مستمسكين به، فنحن منصورون ومنتصرون.
وإذا نحن تركناه وتخلينا عنه وانحللنا هذه هي الهزيمة، لماذا؟
لأن الاستمساك بالحق سيعقبه نصر ولا بد ولو بعد حين، لكن إذا ترك الحق هنا المشكلة، ولذلك ثبتوا الحق في أنفسكم، وثبتوه في غيركم ترى هذا هو النصر الحقيقي، وهذا هو الإرث المحمدي، وهذا هو الميزان الحقيقي لقضية الثبات، الباطل ظهر ما ظهر، انتصر ما انتصر، هنا هنا أصحاب الأخدود قتلوا قتلة شنيعة، لكن على الحق ثابتين، فوضع الغلام يده في صدغه في موضع السهم فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام ؛ لأنه ثبت، وكلهم لما أحرقوا طفل أنطقه الله: يا أمه اصبري فإنك على الحق العادة أن الأم تربي ولدها، والطفل هذا الآن يربي أمه: يا أمه اصبري أنطقي الله ورضيع فإنك على الحق هذا هو النصر الحقيقي.
وإبراهيم الخليل قال: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء: 84].
وقال تعالى: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ [الصافات: 78] قال ابن عباس: يذكر بخير لازال إبراهيم إلى الآن يذكر بخير، الحق يمكث، هذه مناظرة أدبية، قال الباطل للحق: أنا أعلى منك رأساً، فقال الحق: أنا أثبت منك قدماً، قال الباطل: أنا أقوى منك، قال الحق: أنا أبقى منك، قال الباطل: معي الأقوياء والمترفون، قال الحق: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [الأنعام: 123].
صفات الحق
في المقابل: الحق هذا ما هي صفاته؟
أولاً: ثابت: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم: 27].
ثانياً: نافع: وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ [مريم: 31] تعليم، دعوة، أمر، نهي، إعانة خير، بر، إحسان.
إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم قال: هي النخلة مباركة نافعة صيفاً شتاءً في كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها، ووجودها على الدوام، لا يزال يؤكل منها البسر والرطب والتمر والجمار، ويصنع منها ومن سعفها ومن خشبها وورقها وأغصانها جذوعاً وحطباً وعصياً وحصراً وحبالاً وسقوفاً وأواني، ثم آخر شيء نواها علف للإبل.
منافع الحق منافع أصحاب الحق بركات، هناك منهم خير دوام، وأوراق النخلة لا يسقط ورقها، وهكذا أصحاب الحق نافعون أينما حلوا وارتحلوا يخدمون الناس، يثبتون الناس، ينفعون الناس، يصححون عقائد الناس، يدعون الناس للخير، يصححون عباداتهم، يبينون لهم، يفقهونهم بالحلال بالحرام، ويرققون قلوبهم بالمواعظ، وهم قدوة لهم وينشطونهم، هذا المؤمن على الجار على القريب على البعيد على الضيف على الملهوف على المحتاج على المظلوم على كل نافع.
ثالثاً: أهل الحق لا يؤذون بريئاً، المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، وأذلة على المؤمنين لكن أعزة على الكافرين، ويتحملون.
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا | بالطوب يرمى فيرمي أطيب الثمر |
وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: 87].
بخلاف أهل الباطل، الأصل فيهم الإيذاء سواء كانوا كفاراً مبتدعة خوارج يتركون الكفرة ويذبحون أهل الإسلام، الشرع يقول: فضرب الرقاب من وراء، وهؤلاء شغالين من الإمام يعني لا عقل لا شرع لا فقه.
ولذلك الحق السنة، والباطل كفر بدعة انحرافات غلو انحلال خلقي، كل الجهات أهل الباطل الأصل فيهم الإيذاء، ولذلك الميت يا مستريح يا مستراح منه، من هؤلاء مجرمين مستراح منه، فيه زبد في الأقوال سهرات وأسمار وحوارات فارغة وغيبة ونميمة وكذب وأشياء الأساطير والروايات، قالوا في كاتب ياباني: ألف راوية في أربعين مجلد، وواحد أمريكي كتب رواية عدد كلماتها سبعة عشر مليون كلمة، فيه روايات قالوا: ما خلصت، ماتوا، تجد سخافة تفاهة انحلال محتواها كفر إلحاد، وانظر زبد الإعلام والشاشات غثاء غثاء غثاء، سبحان الله العظيم! مليارات وأشياء تروح، مسابقات عالمي، وكان وأيش وصار؟ وسوف، ولكن أيش هي؟ رذائل، بطولة، أيش الأفلام؟ خيانات زوجية، خيانة العشيقة، هو أصلاً العشيق خان الله ورسوله في الأول، أيش قصة الفلم أصلاً؟ عبودية المال أو قائمة على تمجيد الدنيا أو نشر الانحلال، هذه المسلسلات المدبلجة التي تفتك في بناتنا اليوم أيش فيها؟ قالت البنت لأمها: حملت من صديقي، قالت: مبروك ستصبحين أماً، كلما دخلت أمة لعنت أختها، تصوير أيش فيها؟ الزبد هذا في الأفلام، تشويه الإسلام، تشويه المسلمين، تشويه سمعة المسلمين، إيجاد تشجيع على إيجاد العلاقات المحرمة، تشوف المشاهد التي تعرض فيها البذاءة.
وهذه الزبد أيضاً في مواقع التواصل وفي كثير لا فائدة في الدين ولا في الدنيا، كثير من الزبد مليان، زوج يسوي علاقة مع واحدة في بدايتها كأنه يصحيها لصلاة الفجر وبعدين في الآخر شيء، قال: أنا أحبك، فما راعه إلا فتح الباب عليه، وهو يكتب، زوجته وقالت: وأنا أحبك، طلع أنها ما انتبه ونصبت له، ترى هذه تخرب البيوت، وأول ما تخطب واحدة روح على الانستقرام تبعها، وانظر الفيس بوك تبعها، ترى هذا مفهوم الزبد لا بد يفحص جيداً، حتى في قضايا الناس الشباب مشغولون في ماذا؟ قال: حاط صورة اللاعب اسمه كذا، وداخل على المسجد معتزاً بلاعب كافر، فريق كافر، صليب على شعار النادي، لو تبغى تمارس رياضة، فيه ملاعب ممكن تمارس الرياضة وإلا أندية لياقة تمارس الرياضة تنفع بدنك بدلاً من التعصبات والكلام الفارغ.
والذي طلق زوجته من أجل هذا الزبد الموجود في المنتديات في مواقع التواصل في الشاشات اليوم هذه، يقول: الشاشات الأربع، شاشة التلفزيون، وشاشة الكمبيوتر، والشاشة اللوحية الكفية، وشاشة الجوال، ونص العالم عندهم جوالات، وربع العالم عندهم إنترنت، مليء بإيش الآن؟
الناس الآن تقرأ واتسآب رسائل هذا منها، جوال ضرب الجوال، رسالة جوال إس إم إس، إم إم إس، هذا واتسآب، هذه رسالة، هل هذه نافعة؟ هل فعلا ًفيها علم؟ فيها دين؟ فيها موعظة؟ فيها خير؟ حتى لو فيها مما ينفعك في الوظيفة أنك تفعل كذا وكذا مما ينفعك في الدراسة تعمل كذا وكذا مما ينفعك في جسمك وصحتك تعمل كذا وكذا.
طبعا هذه أشياء مفيدة طيبة تفيد في الدنيا، ما هو إن لبدنك عليك حقاً، لكن كثير منها غثاء ويؤدي إلى الحور بعد الكور، واتباع خطوات الشيطان، فتح الأبواب.
وزبد الأفكار المنحرفة، والمذاهب الهدامة والذي يذهب ويرجع ملحداً، والذي تجده داخل على منتديات أو على نقاشات وحوارات من هنا وتغيرت أفكاره، وصار يقول: النصرانية فيها كذا، والإله ما الإله؟ دخل شباب يعني ما غض، ما أخذ ما تشبع، ما تأسس قواعد الإيمان العلم الدين في نفسه.
وهذا مهم جداً في مقاومة الزبد، بناء قواعد الإيمان في نفوس الناس، فأما الزبد فيذهب جفاء، يقول ابن عاشور: الجفاء الطريح المرمي، وهذا وعيد للمشركين أنه سيبادون ويبقى المؤمنون وعبر عن الماء يعني بما ينفع الناس.. إلى وجه بناء الخير وبقائه في الأرض الله قال: أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء 105].
وهذه الآن الدعوات التي نراها من الانحرافات الباطنية والطرقية يعني من نوع آخر تنشر كفراً وبدعة بين الناس.
مقاومة الظواهر الزبدية
على أية حال: نحن يجب أن نقاوم الظواهر الزبدية أياً ما كانت، في حفلات، في سهرات، في منتجات، ترى هي موجودة، انظر إليها في الأسواق الظاهرة الزبدية، هذه التي ما تنفع، ما فيها نفع، ما فيها نفع، وبعض الناس عندهم القيمة العالية، هذا الغني الذي عنده مليارات كذا، فلان اللاعب عنده كذا مليون، هذا الملياردير الذي خطط للزواج، تكلفة زواجه عشرون مليون دولار، لماذا؟ ثلاثة مليون دولار حضور المدعوين، وخمسمائة واحد يريد لكل واحد ساعة رولكس بعشرة آلاف دولار؟
الإنفاق على اللعب على الترف حتى المشاريع دخل فيها الشيء الزبدي هذا بطريقة أحياناً على رشاوى على مشروع بلا فائدة، على شيء ماله معدات، على شيء ما هو مدروس، على شيء ما تجد له طعماً ولا لوناً ولا رائحة ولا منفعة ولا فائدة.
وكذلك أحياناً الاستثمارات شيء يضيع أموال أيتام، وشيء يضيع أموال المساكين، وشيء يضيع أموال المسلمين، أشياء زبدية.
وحتى دخلت في الفتاوى فتاوى باطلة كثيرة هي من هذا الزبد الذي ينتشر بين الناس.
بقاء الحق وانتفاع الناس به
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت: 69] وترى الخير سيبقى، النفع سيبقى، كم من أشياء حوربت وبقيت، كتاب ابن حزم، كتاب "المحلى" ابتلي بمتعصبة، حذروا منه، وأحرقوا الكتاب وحاربوه، قال ابن حزم يومها:
فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي | تضمنه القرطاس بل هو في صدري |
يسير معي حيث استقلت ركائبي | وينزل إن أنزل ويدفن في قبري |
وبقي حتى قال الذهبي: قال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام -وكان أحد المجتهدين-: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلى لابن حزم، وكتاب المغني للشيخ موفق الدين، يعني ابن قدامة.
قال الذهبي معلقاً: لقد صدق الشيخ عز الدين، وثالثهما: السنن الكبرى للبيهقي، ورابعها: التمهيد لابن عبد البر.
البخاري -رحمه الله- ابتلي ابتلاءً عظيماً، هو بعدما جمع وطاف ورحل وصنف وألف، وهذا بدأ الآن ينشر علمه، يذهب إلى نيسابور؛ ابتلي بحاسد لما كثر الناس في مجلسه فتكلموا فيه واتهموه أن عقيدته في القرآن باطلة، اتهموه كذا، لا، هذا ما يجلس عندنا، هذا يخرج، كلموا عنه الكبراء، طردوه، جاء له واحد، قال: يا أبا عبد الله، لجوا في خصومتك ماذا تقول؟ ما رأيك؟
فقبض أبو عبد الله على لحيته، ثم قال: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [غافر: 44]، اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشراً ولا بطراً ولا طلباً للرياسة، وإنما أبت علي نفسي في الرجوع إلى وطني لغلبة المخالفين، وقد قصدني هذا الرجل حسداً لما أتاني الله لا غير.
كان بعض الناس يوصلون إليه يقولون: إن فلاناً وفلاناً يقعون فيك، قال: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء: 76]، قال: وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر: 43].
أخرجوه، والجهال والسفهاء يؤذوه بالقول والفعل، وهو طالع من البلد تبعه إلى مرو فتبعوه بالأذية يحذرون الناس منه، حتى تركه بعض الناس.
الذي عندهم علم تشوهت سمعة البخاري عندهم، قال البخاري: لم يكن يتعرض لنا قط أحد من أفناء الناس إلا رمي بقارعة ولم يسلم، وكلما حدث الجهال أنفسهم أن يمكروا بنا رأيت من ليلتي ناراً توقد ثم تطفأ من غير أن ينتفع بها، فأتأول قول الله: كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ [المائدة: 64].
ورجع إلى بخارى ولحقوه إلى بخارى، مع أنها بلده، قالوا له: اطلع، نفي، فخرج منها، وهو يقول: اللهم إني قد ضاقت علي الأرض بما رحبت فاقبضني إليك، ما تم الشهر إلا وقد قبضه الله.
اضطهدوا، نعم، لكن ما هو حجم بقاء ونفع وبركة وثبات ورسوخ صحيح البخاري في العالم؟ لأن الواقع شاهد.
شيخ الإسلام سجنوه وضربوه وشوهوا سمعته، ترى بعض كتب شيخ الإسلام وابن القيم ما انتشرت إلا بعد وفاتهما. أصلاً كان في حصار.
محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- حاربوه بالتشويه، بالعسكرية ما خلوه، الذي ذهب لمحاربة دعوة الشيخ في الدرعية مات، والشيخ مات، من بقي؟ من هو؟ إبراهيم بن محمد علي باشا بقي، أيش سيرته؟ ما هي محاسنه؟ ما هي فوائده؟ ما هو نفعه؟ ما هي دعوته؟ ذهب وفعل وفعل بدعوة الشيخ، وبعد ذلك بقيت دعوة الشيخ، ويبتلى الشيخ إلى الآن، ويقال عنه: صنيعة يهودية! الذي يقول عنه ما هو وزنه؟ والشيخ ما هو وزنه؟
سبحان الله! وهذا كتاب التوحيد كم مرة طبع؟ كم مرة نشر؟
الشيخ القرعاوي -رحمه الله- لما ذهب إلى الهند وراح إلى مجلس واحد من علماء الهند الذي كان كل يوم يقع في الشيخ محمد بن عبد الوهاب من كثرة من جاءه من المسموعات؛ لأنه شوهت سمعة الشيخ عند الحجاج فلما يرجعون إلى بلادهم ينقلون هذا التشويه، جاء هذا أخذ كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، ونزع الغلاف، كتاب ما عليه اسم المؤلف، وضعه على طاولة الشيخ الذي يقع في الإمام كل يوم على الإشاعات، جاء أخذه وفتح قرأ قرأه أعجب به، قال: هذا كتاب ليتني اعرف من مؤلفه، فقال: تريد أن تعرف من مؤلفه؟ قال: نعم، قال: هذا الغلاف هذا مؤلفه الذي تطعن أنت فيه، فتحول هذا الشيخ إلى داعية من أكبر دعاة دعوة التوحيد في شبه القارة الهندية، فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد: 17].
أيش الذي يمكث في الأرض؟
يمكث في الأرض التربية المباركة على الدين.
من أشبه الناس بالنبي ﷺ في سمته ودله؟
عبد الله بن مسعود .
من أشبه الناس بابن مسعود؟ علقمة.
من أشبه الناس بعلقمة؟ إبراهيم.
من أشبه الناس بإبراهيم؟ منصور.
من أشبه الناس بمنصور؟ سفيان.
من أشبه الناس بسفيان؟ وكيع.
من أشبه الناس بوكيع؟ أحمد.
من أشبه الناس من تلاميذ أحمد؟
أبو داود.
هذه سلاسل، هذا من الخير الذي يبقى في الأرض.
هذه سلاسل العلم، وسلاسل الأسانيد، وسلاسل الدين والإيمان، هذه من أعظم ما يبقى، ولذلك القراءات هذه لما يقول: وأخذت قراءة حفص على الشيخ عن فلان إلى اللوح المحفوظ، هذا الذي يبقى، هذا الذي ينفع الناس، العلوم المفيدة، عقيدة، تفسير، حديث، الفقه، السيرة، المتون العلمية، المنظومات، الشروح، الحواشي، المؤلفات المباركة، ورقي، إلكتروني، الفتاوى الطيبة المبنية على الأدلة، انظر البخاري ومسلم، ورياض الصالحين، وتفسير ابن كثير، الأربعين النووية، هذا ما هو زبد، انظر الزبد أيش صار عليه؟، روايات العالم بعد مدة بريقها يذهب، تخفت، تروح، يطلع غيرها، إلى المزبلة، وتبقى أحياناً بعض الأشياء، وعلى نطاق محصور، ولكن انظر كتب العلم والشخصيات التي تعلمت من شخصيات من شخصيات، ربوا أولادكم؛ لأن هذا من الخير الذي يبقى في الأرض أولاد الأولاد ومن بعدهم، وعلموا الفاتحة للصغار، ستبقى كتب السنة، وتذهب كتب الفلسفة، ستبقى الآثار، أنت ممكن تخيل يجي يوم على العالم ما في مواقع تواصل اجتماعي، اتصالات تذهب، تقنية تذهب، أشياء تضمحل، ممكن هم يتصورون يقولون: عاصفة شمسية وتروح، ولكن لن يأتي وقت على العالم ما فيه كتب أهل العلم، -سبحان الله العظيم- البخاري، مسلم، أبو داود، الترمذي، النسائي، مسند أحمد، هذا شيء يبقى، ولازم نفكر جيداً في الشيء الذي يبقى، شخصيات نربيها، أو كتب نحفظها، وعلم نؤديه.
اغرس -يا أخي- هذا الكلام الآن، ربك يعظك بهذه الآية، مسجد تبنيه، وقف نشئه، دعوة يهتدي ناس عليها، وناس يهدوا ناساً، وينتقل ناس إلى الهداية عبرها، سواء عملت بالشبكات، في الكتب، بالدعوة المباشرة، بالحوارات، هذا الذي يبقى والله، حتى لو أنشئت صفحات للتعريف بالإسلام أو لنشر الدين أو للهداية أو للتائبين أو للمسلم الجديد، أو صفحات علمية مخازن، انظر حتى لو راحت التقنية الناس الذين تعلموا منها، أليسوا موجودين؟ أليسوا ينقلون إلى من بعدهم هذه التطبيقات؟ حتى لو فنيت الأجهزة، الناس تعلموا منها، وأخذوا العلم منها، هذه الأوقاف الخيرية.
نسأل الله أن يجعلنا ممن طال عمره، وحسن عمله.