الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله في هذه الليلة في بيت من بيوت الله، وفي حرم الله، نسأل الله أن يجعلنا من الفائزين في الدنيا والآخرة أجمين.
مقدمة
تربية النفس على الكتاب والسنة تكون على معانٍ كثيرة، وحقائق شرعية عديدة حفل بها الكتاب والسنة.
ومن ذلك: تربية النفس أن فرج الله يأتي مهما كانت الشدّة، مهما ادلهمّت الخطوب وعظُمت، هذه الأمور الحالكات فإن لله يسراً بعد عُسرٍ، وفرجاً بعد شدةٍ يأتي بها سبحانه وتعالى.
وعلينا أن نحسن الظن بالله ، وأن نتفاءل، وأن يكون عندنا أمل بأن الله سيأتي بالفرج للأمة بعد الشدة.
والإنسان لا يخلو من أمل منذ طفولته، ينظر إلى المستقبل ويتأمل:
نروح ونغدو لحاجاتنا | وحاجات من عاش لا تنقضي |
تموت مع المرء حاجاته | وتبقى له حاجةً ما بقي |
[أدب الدنيا والدين: 47].
قيمة التفاؤل في حياة المسلم
تطيب الحياة بالأمل والتفاؤل، في هذه الأجواء العصيبة التي تمر بأمتنا اليوم من تكالب الأعداء، من التشرذم من الفوضى، من المتغيرات الكثيرة، ورياح هذا التغير العصيبة من الإحساس بالخوف من المستقبل، من خشية الفوضى التي يخشى الآن منها كثير من أهل البلاد العربية والإسلامية؛ وخصوصاً أن للأمة أعداء يتربصون، وأن المقدسات يُطعن فيها وفي ثوابت دين الأمة، وما يحصل لأبنائهم وبناتهم في هذه الأجواء التي تدعو إلى الاحباط عند الكثيرين، فإننا نبعث هذه الكلمات والبشائر المتفائلة، محمّلة برياح الأمل، من كتاب ربنا وسنة نبيه ﷺ، لنقول: بالرغم من المحن، وبالرغم من الأعادي، وبالرغم من المكر المتواصل، وبالرغم من الصدمات العنيفة والكثيرة التي تتلقاها الأمة صباح مساء، إلا أنه يجب أن تبقى الصلة بين كل مؤمن ومؤمنة، وبين الله قوية.
والتوحيد لو كان صحيحاً فإن إحسان الظن بالله سيكون عظيماً، والإيمان إذا كان قوياً فإن الأمل بالله سيبقى كبيراً، ولذلك لا يصح للمخذّلين أن يعملوا ، ولا للناس أن يسمعوا لهم، فبعضهم يقول: نحن محبطون، أنا فاقد الثقة بهذه الأمة اليوم، ولا أظن أن هناك فائدة، ولا تنتظروا شيئاً قبل خروج الدجال، ولا يوجد شيء، و سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ [إبراهيم: 21]. ونحن أمة ممزقة وغير قادرة على تجاوز العقبات، وهذه الأمة مشلولة والغرب مسيطر والشرق ونحن ما لنا إلا أن نتلقى هذه النكبات الواحدة وراء الأخرى، والصفعات، وأما قضية أن نصل إلى العزة وأن نصل إلى النصر فهذا محال إلى آخره من الكلام الذي يحلو للبعض، أو يقومون بترويجه وتجد المواقع، والعبارات، رسائل الجوال، كلمات الناس في المجالس، في اتصالاتهم لبعضهم البعض، لا تخلو من هذه الأشياء المحبطة، لكن إذا كان عندنا مؤشرات وبشائر ربانية فلماذا نفعل ذلك؟ بل إننا نؤمن بأن هنالك في المحن منحاً أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ [سورة البقرة: 214]. المسلمون اليوم بحاجة إلى من يبث الأمل فيهم؛ لأن بث اليأس والإحباط يقعد عن العمل، ماذا نستفيد إذا بثثنا الإحباط واليأس؟ قولوا لي بالله عليكم ما هي الفائدة من بث رسائل الإحباط واليأس بين المسلمين؟ بل إن هذا ما يفعله أعداؤهم في الحقيقة، وواجب الدعاة بل عامة الناس اليوم أن يتفاءلوا، وأن لله تنفيساً يأتي به للعباد، ومهما تكاثفت ظلمة الليل فإن الفجر آتٍ، والله بشرنا قال: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [سورة التوبة: 32].
التأمل في سيرة المصطفى صلى الله علي وسلم
ثم لنعد إلى سيرة نبينا ﷺ كم كانت العقبات في مكة في طريقه؟ كم لقي من الأذى؟ كم لقي أصحابه من الشدائد؟ كم حصلت من النكبات والمصائب وتوالت عليهم؟ ما حصل له ﷺ من الأشياء التي صار فيها عليه أذى عظيم حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا [سورة يوسف: 110]. هذه الشدائد التي كانت تنزل بالنبي ﷺ وأصحابه وهم في مكة، حصل عليه شدائد كثيرة جداً، سبوه شتموه، ضربوه، خنقوه، طرحوا عليه سلا الجزور، خرج من مكة إلى الطائف، ما وجد من يستجيب له، وهناك استقبل بأسوأ الاستقبال، وحتى بالحجارة، أدموا عقبيه، وتبعه السفهاء ومع ذلك فإنه ﷺ بقي يتأمل، يتأمل بالله -سبحانه وتعالى-، بقي أمله قوياً بربه .
أصابه ﷺ نكبات كثيرة، هذه غزوة أُحد، قتل فيها سبعون من الصحابة، بينه وبين مصيبة بئر معونة ستة أشهر تقريباً، هناك سبعون آخرون قتلوا أيضاً، وعين من الأخيار والحفاظ، رهبان الليل، وفرسان النهار، مائة وأربعون ممن رباهم النبي ﷺ وصنعهم على عينه من أصحابه ومن الخيار، ومن الأفاضل، ومن القراء، ومن الحفاظ، مائة وأربعون هذه ليست سهلة.
ومع ذلك بالرغم من أن المشركين شجوا وجهه، وأرهقوه وأثخنوا في أصحابه الجراح، وكانت صدمة عظيمة، ولكن ينزل القرآن ليقول للمؤمنين: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء [سورة آل عمران: 139- 140]. لا تهنوا وتضعفوا بأبدانكم، ولا تحزنوا في قلوبكم أنتم الأعلون منهجاً، أنتم الأعلون ديناً، ولذلك ثقوا بالله وأملوا الخير منه عز وجل.
فاشدد إليك بحبل الله معتصماً | فإنه الركن إن خانتك أركان |
[قصيدة عنوان الحكم: 36].
النبي ﷺ مر بما مر به ومع ذلك بقي يسير إلى الله، والله قادر على أن ينتقم من الكفار، وأن يأخذهم بلمح البصر، ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ [سورة محمد: 4]. لكن هناك حكمة ربانية وسنن إلهية، وهي: لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد: 4]. وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [سورة آل عمران: 140]. يمحّص الله الذين آمنوا، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ [الحديد: 25]. فإذا هناك نصر بعد هزيمة، وهناك فرج بعد شدة، الباطل مهما علا ومهما انتفش ومهما انتفخ، ومهما سيطر، لكن له نهاية، مهما ظهر، له خمود، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [سورة الأنبياء: 18]. قال تعالى: إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [سورة الإسراء: 81].
سنة ذهاب الخبيث الفاسد وبقاء النافع المفيد
من سنن الله مكث النفع وذهاب الزبد، فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ (17) سورة الرعد، كان التفاؤل من طبع النبي ﷺ وأصحابه المؤمنين، الذين ساروا على هديه، كانوا يتفاءلون، النبي ﷺ كان يعجبه الفأل الحسن، يكره الطيرة، يكره التشاؤم، إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه، فإذا عجبه اسمه فرح به، ورؤي بشر ذلك بوجهه، إذا دخل عن قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها فرح ورؤي بشر ذلك في وجهه، وقال لأصحابه: إذا أبردتم إلي بريداً يعني: أرسلتم إلي رسولاً فابعثوه حسن الوجه، حسن الاسم [رواه ابن أبي شيبة في مصنفه: 33008، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 259].
لماذا؟ ليتفاءل بهيئته، ويتفاءل باسمه.
ولما جاء سهيل بن عمر في صلح الحديبية كما نعلم تفاءل النبي ﷺ مع أن الوضع صعب، وخرجت قريش بمن معها تحاد الله ورسوله، وتريد منع المسلمين من دخول مكة، وتشترط شروطاً ومع ذلك النبي ﷺ يقول: لما رأى سهيل بن عمرو: لقد سهُل لكم من أمركم [رواه البخاري: 2731].
هذا دليل على استحباب التفاؤل بالاسم الحسن، مريم سمتها أمها امرأة عمران بهذا الاسم، قيل: لأن معناها العابدة، مريم العابدة، وهكذا كانت، فأرادت بتسميتها مريم التفاؤل لها بالخير، وأن تكون طائعة لله.
النبي ﷺ كان يعجبه إذا خرج لحاجة أن يسمع: يا راشد يا نجيح، وكل كلمة حسنة [رواه الترمذي: 1616، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 4978].
يا راشد، يا واجد طريق المستقيم من الرشد، يا نجيح من قضاء الحاجة على التمام، والنجاح في المبتغى، يا نجيح، الآن لو أردت أن تذهب للمستشفى تزور مريضاً فسمعت واحد ينادي آخر يقول: يا سالم تتفاءل، بأن مريضك سيسلم، دخلت المستشفى وجدت طبيباً ينادي ممرضاً: يا سليم، تتفاءل بأن مريضك سيسلم، ويقوم من مرضه، هذا هو التفاؤل الشرعي، فتاة تذهب إلى المدرسة الآن أيام الامتحانات تسمع امرأة وفتاة تنادي فتاة أخرى: يا نجاح، اسمها نجاح، فتتفاءل أنها ستنجح، هذا التفاؤل الشرعي الذي يحدث عرضاً، لا أن يأتي واحد يقول للثاني: قف في الطريق وناد، وأنا أمر بجانبك، لا ، التفاؤل الشرعي الذي يحدث هكذا.
النبي ﷺ يخرج لحاجته فيسمع يا راشد، يا نجيح، وهذا دور الأسماء الحسنة ليتفاءل بها.
وكان النبي ﷺ يغيّر الأسماء السيئة أو الأسماء غير حسنة المعنى، فمثلاً: عندما دخل المدينة كان اسمها يثرب، يثرب ليس اسماً حسناً، يثرب من التثريب التوبيخ والملامة، فسماها: طيبة وطابة، هذا معنى حسن ولفظ حسن.
كان ﷺ يتفاءل حتى في منامه بالأسماء الطيبة التي تعرض في المنام، فعن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: "رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأن في دار عُقبة بن رافع، فأوتينا برُطب من رُطب ابن طاب وابن طاب رجل بالمدينة من الصحابة اسمه: ابن طاب، كان له نخل يحمل ثمراً حسناً، فصار اسمه هذا رطب ابن طاب، مثل العلامات المسجلة، رُطب ابن طاب، فقال ﷺ يروي لأصحابه المنام الذي رآه، رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأن في دار عقبة بن رافع، فأوتينا برُطب من رُطب ابن طاب، فأوّلت أول المنام بالأسماء التي في المنام، أخذ تأويل المنام من الأسماء التي في المنام قال: فأوّلت الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب يعني: استوى وكمل، واستقرت أحكامه. [رواه مسلم: 2270].
أخذ العاقبة من لفظ عقبة والرفعة من لفظة رافع، وطيب الدين من ابن طاب.
تفاؤله -صلى الله عليه وسلم- بالأحوال
وكان ﷺ يتفاءل بالأحوال أيضاً، ليس فقط في الأسماء، لو رأى حالاً يأخذ منها فألاً حسناً، فلما خرج إلى خيبر وجاءها ليلاً، وكان إذا جاء قوماً بليل لم يغر عليهم، لا يغير عليهم حتى يصبح يتأكد، لأنه لو كان هذه الدار دخلها الإسلام سيؤذنون للفجر، ويسمع الأذان، لكن إذا انتظر الفجر ما في أذان، معناها هذه ما هي ديرة إسلام، ما في أذان ولا صلاة فيغير عليهم، ويرجو نصر الله الذي يأتي مع الصبح، إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ [سورة هود: 81] مصبحين مشرقين.
وكان إذا جاء قوماً بليل لا يغير عليهم حتى يصبح، قال: فأتيناه حين بزغت الشمس، وخيبر قلاع محصنة لها أبواب يخرجون منها في النهار للمزارع والمواشي، وبعد ذلك في الليل يدخلون الحصون، والقلاع ويغلقون عليهم، المسلمون انتظروهم عند البوابات أول ما خرج اليهود، يقول: فأتيناهم حين بزغت الشمس، يقول الراوي: "حين بزغت الشمس، هذا الوقت الذي يخرجون فيه، جاء المسلمون فاجأوهم حين بزغت الشمس وقد أخرجوا مواشيهم بعدما خرجوا، وقد أخرجوا مواشيهم وخرجوا بفؤوسهم ومساحيهم -هذه من آلات الزراعة المستعملة- وقد خرجوا بفؤوسهم ومساحيهم، ومكاتلهم، جمع مكتل وهو القفة التي تعبأ بالثمار، فلما رأوه، فوجئ اليهود بالنبي ﷺ وجيشه، قالوا: محمد والله، محمد والخميس، الخميس، الجيش من خمسة أقسام رئيسية مقدم ومؤخرة، وميمنة وميسرة، وقلب، فلما رآهم رسول الله ﷺ قال: الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين [رواه البخاري: 371].
كيف تفاءل؟ كيف خربت خيبر؟ أخذ خرابها؛ لأن القوم كانوا يحملون الفؤوس والمساحي، صحيح الفؤوس والمساحي تستعمل في الزرع، لكن أيضاً تستعمل في التهديم، فمن شكل اليهود وبأيديهم الفؤوس والمساحي أخذ الفأل عليهم وبخراب ديارهم، وسقوط حصونهم بأيد المسلمين، وقال عليهم مباشرة رآهم وبأيديهم الفؤوس والمساحي قال: الله أكبر خربت خيبر هذا هو التفاؤل، هذا التفاؤل، وإلا لو جاء واحد وقال: لا فائدة حصون محصنة من أين؟ معهم زروع وثمار ومخزنين، المؤن داخل ونحن ما في عندنا، لكنه ليس هذا استقبال الأمور، بالعكس التفاؤل هنا، يأتي الله بالفرج، قال ابن القيم -رحمه الله- وهو يذكر فوائد الحديث: "وجواز التفاؤل والاستحباب بما يراه أو يسمعه مما هو من أسباب ظهور الإسلام كما تفاءل النبي ﷺ برؤية المساحي، والفؤوس والمكاتل لأهل خيبر فإن ذلك فأل في خرابها" [زاد المعاد في هدي خير العباد: 3/308].
فإذاً هذا هو المعنى الثقة بموعود الله، أن الله يفرجها، ييسرها، ينجّح المقاصد، ومن قرأ سيرته ﷺ علم ذلك، مرت به -كما أسلفنا- أحوالاً شديدة، لما مات أبو طالب وخديجة في عام واحد -رضي الله عن خديجة- لما ماتا في عام واحد هذا عام الحزن، قدرت قريش على النبي ﷺ بشيء لم تكن تقدر عليه من قبل، وتسلّطوا عليه تسلُّطا عظيماً، نثروا فوق رأسه التراب، وطرحوا سلا الجزور وهو يصلي، وخنقه بعضهم خنقاً شديداً، ومع هذه المصيبة التي حصلت لكن صمد وحصل له في الحصار أن أكلوا جلود الميتة! ثلاث سنين حصار الشعب، هل قالوا: لا فائدة، قريش مسيطرة وباغية ونحن من أين لنا؟ ما في محيص، سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ [سورة إبراهيم: 21]. لا.
والنبي ﷺ لما أخرجوه من مكة، ولما راح للطائف، رجع مهموماً حزيناً، لا هؤلاء استجابوا له، ولا هؤلاء استجابوا له، أرسل الله إليه ملك الجبال، ويعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين النبي ﷺ بقي متفائلاً يقول: بل أرجو أن يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً [رواه البخاري: 3231، ومسلم: 1795].
هكذا كان، أخرج الله من أصلابهم من ذهب في فتوحات العراق والشام ومصر.
كان ﷺ يبعث الأمل في نفوس أصحابه، يبث الرجاء فيها، يعلمهم ذلك، حتى يأتي خباب في شدة الحال، ومن المسلمين من قتل، ومنهم من سجن، ومنهم من ضرب وأهين، ومنهم من عذب حتى أحرق، ومنهم من سلسل في السلاسل والأغلال، غير الإهانات والشتائم والحرب النفسية، ويقول: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا، النبي ﷺ غضب، قعد وهو محمرٌّ وجهه، ويقول: لقد كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض فيُجعل فيه فيُجاء بالمنشار فيقطع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون من لحمه أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه [رواه البخاري: 3612].
واليوم نحن نقول: ويدفن الرجل إلى عنقه ويقال: اكفر بالله، ويصر على الإيمان ويدفن وهو حي، كما رأينا ذلك في مقاطع اليوتيوب، النبي ﷺ رأى من الشدة وقال: والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يصير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون [رواه أحمد: 21073، وأبو داود: 2649، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 4450].
أنتم تريدونها بسرعة إلى الآن لم ينتصر المسلمون، إلى الآن ما سقط الكفار، إلى الآن...، يا أخي، لله سنن، الله يمحّص، والله يبتلي، والله يتخذ شهداء، والله يملي لأولئك ليزدادوا إثماً، والله يبلونا نحن هل نساعد إخواننا أو لا، وتخرج زيادة وتأخذ زيادة، لله حكم يا أخي ما تجي على كيفنا الأمور، ولا يُسأل عما يفعل، ولذلك ما لنا حل إلا أن نتفاءل ونستمر نعمل، ونتأمل من الله الفرج، وأن الشدة تزول والكرب ينتهي، والتنفيس يأتي، والنصر ينزل، ولازم يجي لأن الله وعد، ما يمكن يتخلف، ما يمكن الكفار أن يقضوا على القرآن، لا يمكنهم، مستحيل، لا يمكنهم القضاء على القرآن، لا يمكن، ولا يمكن للكفار أن يبيدوا المسلمين في مكة والمدينة والحجاز وأصل الإسلام ما يمكن.
إذا لم يبق في الأرض مسلمون وجاءت الريح، وقبضت أرواح المؤمنين تكون الكعبة لا فائدة منها، لا حج ولا عمرة، فيخرج ذو السويقتين يخربها؛ لأنه أصلاً ما بقي مسلم في العالم حتى يصلي، ما الفائدة من القبلة في ذلك الوقت؟ آخر الزمان ما بقي شيء، لا حج ولا عمرة، لا يوجد في الأرض مؤمنون، لا يوجد من يقول: الله أصلاً، ذلك عند قيام الساعة، لكن الآن في الأرض إسلام، مسلمون في أمريكا والصين وروسيا، في استراليا ونيوزلندا، وجنوب أفريقيا فيه مسلمون، وبناءً عليه لا يمكن للكفار أن يقضوا عليه، هم الآن عملوا أفلاماً، وروجوا مقاطع أنه كيف سيقصفون مكة والمدينة؟ لكن هيهات، لا يمكن، لن يستطيعوا، لا يمكن، وعد الله لا يتخلف، إذا اشتملت على اليأس القلوب، وضاق لما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنت | وأرست في أماكنها الخطوبُ |
ولم ترى لانكشاف الضر وجهاً | ولا أغنى بحيرته الأريبُ |
كل يوم نسمع مذابح في الشام:
أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ | يمنُّ به اللطيفُ المستجيبُ |
[أدب الدنيا والدين: 299].
يأتي فرج فجأة، ما تعرف كيف، الله ، يدبّر الأمر، يمكرون ويمكر الله، الله يمكر ويدبر الأمر، وهو خادعهم، في شيء قادم للكفار، ما أعدوا له عدة، ولا يمكن حام طائر فكر حوله، يعني: المصيبة التي ستنزل بهم وعليهم والله إذا اشتدت على المسلمين الأمور صار حتى الدعاة يقولون: مهما بذلنا وعملنا ودعونا ونشرنا هؤلاء مسيطرون على الأقمار الصناعية، من فوق رؤوسنا ومن بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا وشمائلنا، ونحن ندعوا، هؤلاء يخربون من هنا ونحن نحاول نصلح من هنا، ونحن ما نستطيع ما هو إمكاناتنا، أما إمكاناتهم ونحن نقول: من رب هذا البيت؟ من منزل هذا الكتاب؟ من محكم هذه الشريعة؟
فإذن، لن يترك الله دينه، لن يتخلّى الله عن دينه، مستحيل، لن يتخلّى الله عن دينه، لا بد أن ينصر دينه.
أبو بكر يقول: "كنت مع النبي ﷺ في الغار فرفعتُ رأسي فإذا أنا بأقدام القوم، فقلت: "يا نبي الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، قال: ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما [رواه البخاري: 3653، ومسلم: 2381].
ما ظنك؟ أن الله يتخلى عنهما ويسلمهما؟.
قضية أن تأتي الشدائد، ثم يتم التصدي لها بنفسية الواثق بالله، المتوكل على الله، المتأمّل من الله النصر والخير والفرج بعد الشدة، هذا ما يجب أن نستقبل به الأخبار السيئة، أنت تقول: كل يوم مذابح، نعم، صحيح ما يُنكر كل يوم مذابح، والقوم يعاونهم وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ [الأعراف: 202].
عندهم أنواع الإمدادات، لكن لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ [الرعد: 38] ، و لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الأنعام: 67].
النبي ﷺ طاردوه حتى ما طلع من الغار وذهبوا وصل سراقة بن مالك إلى النبي ﷺ، لكن ما استطاع؛ لأن الله أنقذ نبيه، وفي هذه الأجواء الصعبة، النبي ﷺ يبشر سراقة بسواري كسرى في غمرة هذه الأحوال الحالكة.
تفاؤله -صلى الله عليه وسلم- بالأسماء
لما وصل المدينة نزل النبي ﷺ كما يقول أنس في عُلو المدينة، في حيِّ يقال لهم: بنو عمرو بن عوف كما في البخاري. قال ابن حجر -رحمه الله- في الفتح: "أُخذ من هذا التفاؤل له ولدينه بالعلو، لأنه أول ما نزل بالعوالي، بالعلو، فكان في ذلك تفاؤل له ولدينه في العلو" [فتح الباري لابن حجر: 7/266].
في معركة بدر، الآن معركة مخيفة جداً، ثلاث مائة ضد ألف، والمسلمون ما خرجوا استعداداً لمعركة من هذا الحجم خرجوا لقافلة، وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [سورة الأنفال: 7]. عندما يأتي الخبر أنهم ساروا، أبو جهل وأمية ابن خلف، وعتاة قريش، وأقسموا أن يشربوا ويقيموا ثلاثاً بعد الانتصار، ويضربون بالمعازف، وترقص القَينات؛ المغنيات، أخبار مخيفة، جاي ألف والنبي ﷺ يثبّت المؤمنين ويعدهم وعداً حسناً من الله، ويقول: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، الآن العدو آتٍ؛ ألف شخص معهم العدد والعُدد ماذا مع المسلمين؟
يقول الصحابي: "فما ماط أحدهم عن موضع يدي رسول الله ﷺ" [رواه مسلم: 1779].
لم يُقتل أحد في غير المكان الذي أشار إليه وحددهﷺ.
تفاؤله -صلى الله عليه وسلم- عند قدوم الأحزاب
حتى غزوة الأحزاب لما اجتمعت قريش وغطفان وأسد وفزارة، وأشجع قبائل العرب عشرة آلاف مقاتل، ورموا أهل المدينة عن قوس واحدة، وحاصروا، والنبي ﷺ بذل السبب، وحفروا الخندق، المدينة الحرة الشرقية، والحرة الغربية ما يمكن الاختراق عن طريقها، وفي ذلك المكان والجنوب والجبل، والمزارع منطقة المزارع ما بقي إلا هذه الجهة التي يأتي منها أهل مكة، فحفروا الخندق -بذلوا السبب- لكن عندما جاء الجيش العرمرم عشرة آلاف ونزلوا، برد شديد، وظلمة شديدة، والمنافقون يعملون في الداخل، واليهود ينقضون العهد من الطرف الآخر، والمناطق الضعيفة في الخندق قد تُخترق بفرسان هؤلاء الجيش الغازي، قال الله: إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ [سورة الأحزاب: 10].
زاغت من الخوف، زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ [سورة الأحزاب: 10]. لأنه مع الخوف يكاد القلب يخرج من مكانه، يصعد إلى التجويف، وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [سورة الأحزاب: 10-11].
والنبي ﷺ يضرب الصخرة ويقول: بسم الله الله أكبر أُعطيتُ مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا الآن هناك حصار وجيش محاصر، ومع هذه الريح الشديدة والبرودة العظيمة، ويقول: أُعطيت مفاتيح الشام المنافقون لا يمكن يتحملوا هذه الأخبار، ونحن ما نجد فرصة أن يقضي الواحد حاجته، وهو يبشرنا بهذا؟ ويضرب الضربة الثانية: بسم الله والله أكبر أُعطيتُ مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأُبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا .
كم بين المدينة وفارس، الثالثة: بسم الله ضربة ثالثة الله أكبر أُعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا [رواه أحمد: 18694، وحسن إسناده ابن حجر في فتح الباري: 7/397].
إذن، الذي يستعمل في وقت الأزمات وفي وقت الشدائد: التبشير، تبشير الناس، التفاؤل، سيأتي الفرج من الله، وهكذا كان يفعل ﷺ في هذه الأحوال الحالكة أن يبشّرهم، هو ما يكذب بالبشارة، لا يأتي بكلام من عنده، لا، هناك نصوص شرعية، نصوص الوحي.
وكل الحادثات إذا تناهت | فموصولٌ بها الفرج القريبُ |
[أدب الدنيا والدين: 299].
يأتي عدي بن حاتم يجلس عند النبي ﷺ فيأتي رجل يشكو إلى النبي ﷺ في هذا المجلس الفاقة ، والفقر والشدة، ثم يأتي إليه آخر فيشكو إلى النبي ﷺ قطع السبيل، عدي يقول: كيف سينتصر هؤلاء وناس تشتكي من الفقر، وناس تشتكي من قطع الطريق؟ كيف سينتصر على العرب؟ النبي ﷺ بالوحي يعلم ويعرف ماذا في نفس عدي، فيفاجئه بسؤال وهو في هذه الحالة، وهو يرى الناس تأتي: يا رسول الله ما عندنا، يا رسول الله خائفين قطع الطريق، قال: يا عدي هل رأيت الحيرة؟ وهذه بلد من بلدان ملوك العرب تحت حكم آل فارس، قريبة من بلاد الفرس، ((هل رأيت الحيرة؟))
قلت: لم أراها وقد أنبئت عنها، قال: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة المرأة في الهودج ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله .
يقول علي: فقلت ما بيني وبين نفسي: "فأين دُعَّارُ طَيء "، يعني: قومي وأعرفهم، هذه في الشام، حاتم الطائي من طيء، [هاله1] [هاله2] هذا مكانه، وهؤلاء ناس في ذلك العهد لا يمكن يدعون أحداً يمر بسلام، فقلت في نفسي: فأين دعار طيء الذين قد سعّروا البلاد، يعني: ملؤها شراً وفساداً، وهؤلاء قطاع الطرق كيف الظعينة ستمر من بينهم وواصل ﷺ، قال: ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى
قلت: كسرى بن هرمز، قال: كسرى بن هرمز، كسرى نفس السؤال سؤال سراقة، معقول، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يأخذ ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه قال عدي بعد ذلك: "فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، "ولئن طالت بكم حياة -يقول لمن معه- لترونّ ما قاله رسول الله ﷺ".[رواه البخاري: 3595].
يعني هو ﷺ يقول لهم: ميقات أهل الشام الجحفة، كانت الشام مفتوحة، فيها حجاج، فيها معتمرون، تعين المواقيت فيها من البشائر النبوية، وقّت لأهل العراق ذات عرق، لأهل اليمن يلملم.
تفاؤله -صلى الله عليه وسلم- في حُنين
والنبي ﷺ أحياناً في الأحوال العصيبة يأخذ الفأل بطريقة لا تخطر ببال، عكس الذي يفكر فيه الناس تماماً، في غزوة حنين جمع مالك بن عوف جموعاً عظيمة لمحاربة النبي ﷺ، وساق مع الناس أبنائهم ونسائهم وأموالهم؛ ليعرف أن كل أمواله معه يقاتل عنهم الآن، فسيكون قتاله أشد القتال، وهذا نفسياً صحيح أن الواحد إذا خرج معركة ومعه الزوجة والأولاد وكل الذهب والفضة التي عنده والماشية كلها في أرض المعركة، هذا أمامه كل شيء، فسيكون قتاله أشد القتال.
المفترض أن هذا الإجراء يرهب المسلمين، هذا قرار مخيف من عوف بن مالك، عن سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله ﷺ يوم حُنين فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم -انظر الخبر المخيف- حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن عن بكرة أبائهم بظُعنهم، ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حُنين -هذا خبر مخيف- النبي ﷺ يقول كلاماً عكس ذلك الذي في نفوس الناس، يقول: "تبسّم"، والتبسُّم في الأجواء المخيفة تصرُّف قائد رباني، هذا رسول الله، "فتبسّم"، هذا خبر لا يدعو للتبسُّم -خبر مخيف- لكنه ﷺ، يتفاءل ويحسن الظن بربه، فتبسّم وقال: تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله الحمد لله جمعوها لنا حتى نأخذها بدون تعب، ما نتعب، هي مجموعة وجاهزة، تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله.
نعم القضية ليست كلاماً، وقد حصل من بعض المسلمين عجب بالكثرة، وصارت هزيمة في أول الأمر، لكن النبي ﷺ ثبت وثبتت القلة، ومع وتراجع المسلمين إليه، والعباس يصيح بهم: يا أصحاب بيعة العقبة، يا أصحاب الشجرة، فترادوا إليه، وانقلبت مسيرة المعركة، وغلب الكفار، وانتصر المسلمون وأُخذت كل تلك الغنائم للمسلمين، وحصل المقصود، والحمد لله رب العالمين، وفعلاً كان غنيمة المسلمين.
صور من تفاؤل الصحابة رضي الله عنهم
التفاؤل في تأريخ أمتنا كبير، وليس فقط هذا خاص بزمن النبوة، أو يأتي من يقول: هذا الرسول ﷺ وحي، وعندما يتفاءل لهم في شيء عنده خبر من الله، نحن ما عندنا، نتفاءل على ماذا؟
أرسل أهل الكوفة إلى عمر -هذا بعد انقطاع الوحي- بكتاب يطلبون فيه مشورته في غزوة نهاوند، يسيرون، يخرجون يقاتلون، والوضع صعب، نهاوند فتح الفتوح، فحمل الكتاب -انظر فقه المسلمين حتى من يرسلون معه الرسالة- حمل الكتاب إلى عمر رجل من بلاد فارس إلى العراق وإلى المدينة، عمر سأل الرجل عن اسمه، ما اسمك؟ قال: قريب بن ظفر. فقال عمر: ظفر قريب إن شاء الله. اسمه قريب بن ظفر، هذا ليس تأليفاً، هذا اسمه الحقيقي، قال: "ظفر قريب إن شاء الله"، وكتب معه جواب الكتاب إلى أهل الكوفة.
علي عندما وقعت أزمة حالكة في العراق وقف وقال: "يا أيها الناس، فوالله إني أرجو أن لا يمر عليكم يسير حتى تروا ما يسركم من الرخاء واليسر" [تاريخ الطبري: 4/123].
وأحياناً يفعل الكفار فعلاً ظاهره أنه في مصلحة الكفار، لكن قد يقلبه الله عليهم وتكون حماقة، بدل ما تكون عملية وخطة ذكية، وإذا بها تنقلب عليهم.
أرسل سعد بن أبي وقاص إلى ملك الفرس مجموعة من عنده للتفاوض، واشتد المسلمون بالقول بعزة الإسلام، وتكلم يزدجرد قال: لو قتل أحد الرسل قبلي لقتلتكم، لكن جرى العُرف أن الرسل لا تُقتل، وأراد أن يهينهم وأن يذلهم لأنهم تجرؤا عليه هذه الجرأة، وإذا ما دخلت في الإسلام سنملك أرض بلادك، فأمر بحمل من تراب، قال: هات تراباً -للإهانة- واحملوه على أشرف واحد من هؤلاء، انظروا أشرف واحد من المسلمين واحملوه فوق ظهره دعوه يأخذ التراب، وينحني، وإهانة، ومن مكاني هذا، حتى يخرج من باب المدائن وهو حامل التراب، وتأكدوا أنه ما وضع منه شيء، وقال للمسلمين: ارجعوا إلى صاحبكم -يعني سعداً- وأعلموه أني مرسل رُسْتُم ليدفنكم أجمعين في خندق القادسية.
قام عاصم بن عمر من المسلمين وقال: أنا أشرفهم، وأنا سيّد هؤلاء وتقدم وحمل التراب على عنقه، وخرج إلى راحلته وركبها وأخذ التراب، إلى أن غادر المدائن وخرج بالتراب حتى أتى سعداً فقال: "أبشر فقد أعطانا الله تراب أرضهم" هذا فأل أننا سنملك هذه الأرض، ما دام أعطونا التراب يعني: هذه الأرض ستكون لنا، وتفاءل المسلمون بذلك، فلما بلغ رُستم الخبر، قال: ذهب القوم بأرضكم من غير شك، كأنه يقول: غباء صاحبي هذا الذي أعطاكم وفعلاً كان. [تاريخ ابن خلدون: 2/528].
وكان شعار أصحاب النبي ﷺ: "أمت أمت" [رواه أبو داود: 2596، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 3950].
وفي رواية: يا منصور أمت أمت [رواه الطبراني في الكبير: 6496]. يا منصور، قيل: معناها الناصر يعني: الله والنصر من عنده، و"أمت أمت" اقتل الأعداء، وقيل: يا منصور يعني: يا مجاهد يا مقاتل، أنت منصور اسم مفعول، أنت منصور، أمت أمت تقدم في الكفار واقتل منهم، أمت أمت، يا منصور أمت أمت، وكان شعار المسلمين في الخندق: "حم لا يُنصرون"، قال الشوكاني: "هذا اللفظ فيه التفاؤل بعدم انتصار الخصم، حم لا ينصرون".[نيل الأوطار: 7/286].
ما كانت القضية فقط خاصة بالصحابة، التفاؤل كان ممتداً على مدى الأمة كلها، وعصور الأمة، وأجيال الأمة.
نور الدين زنكي -رحمه الله- لما أعد العُدّة لفتح بيت المقدس، وهناك تجهيزات كثيرة، وتوحيد المسلمين، وضم بعضها إلى بعض ، بعض مدن الشام كانت مفروطة، نور الدين يوحدهم، مدينة مع مدينة، ويأتي من مكانه وبجيشه، وينزل حلب، والآن أمامه مشوار طويل في قضية توحيد المسلمين لفتح بيت المقدس، تفاؤلاً هو بحلب، أمر الصناع أن يعملوا له منبراً، وأن يبالغوا في إتقانه ليخطب عليه في بيت المقدس إذا فتحه، وقال: عملناه لينصب بالبيت المقدس، أو ببيت المقدس فعمله النجارون في عدة سنين، لم يُعمل في الإسلام مثله، اخترمت المنية نور الدين بقدر الله ومات، وقام صلاح الدين لإكمال المشوار، ووحّد الشام، بعد ما أسقط الدولة العبيدية الظالمة الباغية الباطنية في مصر، ووحد العساكر المصرية والشامية، وتوحيد العساكر المصرية والشامية عبر التأريخ كان له آثار عظيمة عجيبة، كثير من الأمور ضد الصليبيين، وضد التتر، وضد الباطنية ما تغيرت إلا بعد توحيد العساكر المصرية والشامية، هذه في التأريخ الإسلامي عجيبة، مواطن كثيرة كان هذا حلها، اتحاد مصر والشام ضد العدو المشترك.
على أية حال لما تحرك صلاح الدين إلى بيت المقدس ما نسي المنبر الذي عمله نور الدين، بل أكمل مشوار التفاؤل وأخذ المنبر، وأُمر بإحضاره وفتح بيت المقدس ونُصب بالقدس وخطب عليه، كان بين عمل المنبر وفتح بيت المقدس مدة التفاؤل هذه ما يزيد على عشرين سنة، وكان ذلك من كرامات نور الدين وحسن مقاصده رحمه الله.[الكامل في التاريخ: 10/37].
كان علماء الإسلام في أحلك الظروف يتفاءلون، أبو بكر لما مات النبي ﷺ المنافقون فرحوا قالوا: انتهت دولتهم، مات، لكن لما جاء أبو بكر وكان غائباً، وكشف الغطاء، وقبّل النبي -عليه والسلام- وأيقن أنه مات، وصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه، والناس بين مصدق ومكذب، قال: ألا من كان يعبد محمداً فإن محمداً ﷺ قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت وقرأ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر: 30]، وقرأ: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ [سورة آل عمران: 144].
فنشج الناس يبكون" [رواه البخاري: 3667].
لكن رجعوا إلى أنفسهم، قال ابن عمر: استبشر المسلمون بذلك واشتد فرحهم، وأخذت المنافقين الكآبة، كان أول ما جاءه الخبر طاشت العقول، واستبشر المنافقون، لما رجع المسلمون إلى أنفسهم، واجتمعوا وبايعوا الصديق وانتظمت الأمور، انتظمت أمور الدولة الإسلامية مرة أخرى، المنافقون أُسقط في أيديهم.
أيضاً يقول ابن كثير -رحمه الله- واصفاً حال الناس عند قدوم التتر بلاد الشام: "ووصل التتر إلى حمص وبعلبك، وعاثوا في تلك الأراضي فساداً، وقلق الناس قلقا عظيماً، وخافوا خوفاً شديداً، واختبط البلد لتأخر قدوم السلطان ببقية الجيش، وقال الناس: لا طاقة لجيش الشام بلقاء التتر، وتحدث الناس في الاراجيف، ماذا فعل أهل الحل والعقد؟ اجتمع الأمراء بالميدان، العلماء والأمراء وتحالفوا على لقاء العدو، وشجعوا أنفسهم ونودي بالبلد: أن لا يرحل منه أحد، فسكن الناس وجلس القضاة بالجامع، وحلف جماعة من الفقهاء والعامة على القتال، يعني: تبايعوا على الموت، وتوجّه الشيخ تقي الدين ابن تيمية إلى العسكر الواصل من حماة فاجتمع بهم في القطيعة فأعلمهم بما تحالف عليه الأمراء، والناس من لقاء العدو قال: أنا أتيتكم من دمشق والأمور متوجهة على خير، والناس مجتمعين، ولا فرار، وكلمة واحدة، والبيعة على الموت قامت، فأجاب الناس وحلفوا معه، وكان الشيخ تقي الدين يحلف للأمراء والناس أنكم هذه الكرّة منصورون، فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقا لا تعليقاً" [البداية والنهاية: 18/27].
ابن تيمية يبني على ماذا؟ هو لا يعلم الغيب؟ لكن كان يبني على السنن الإلهية، البناء على السنن الإلهية -يا إخوان- مهم جداً، والسنن الإلهية مثلاً قال تعالى: وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ [سورة الحج: 60]. مثلاً: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته [رواه البخاري: 4686]. يعني: الله لا يهمل الظالم.
مثلاً: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: 11]. فإذا غيروا، صدقوا الله، توكلوا عليه، أخذوا بالأسباب سيأتي الفرج، سيأتي التغيير قطعاً.
الظالمون المجرمون كلما اشتد إجرامهم كلما اقتربت نهايتهم، هذه سُنّة إلهية، وإذا واحد شكت نفسه، ما استطاع أن يأخذ بهذا الكلام أخذاً تاماً ونفسه تنازعه فيه، فانظروا ماذا حصل في الأمم السابقة، لو قال قائل: أنت تتكلم عن ماذا؟ هؤلاء الآن الباطنية يساند بعضهم بعضاً، وعندهم جيوش جرارة، وروسيا وراهم والصين وكذا، ثم أوروبا وأمريكا، ثم إسرائيل ثم وثم، انظروا هذه الدول روسيا والصين وأمريكا وأروبا كم صار لهم؟ كم أعمارهم، أعمار دولتهم كم؟ أين عاد وشداد وقحطان، وأين الفراعنة؟ وأين الفينيقيون؟ وأين بخت نصر، ودولته؟ أين الرومان؟ أين حضارة اليونان؟ وينهم ما استمروا سقطوا، هؤلاء سيستمرون؟، هذا التأريخ اقرأ، هل استمر أولئك القوم؟ ما استمروا، فمنهم من أهلكه الله بآفة من عنده، ومنهم من سلّط المسلمين عليهم فأزالوا دولهم كفارس والروم.
أين دولة كسرى؟ أين دولة قيصر؟ سقطت وانتهت، أين دولة القِبط؟ الدولة الصفوية سقطت، الدولة العبيدية سقطت، سقطت القرامطة، لم يستمر شيء، تستمر الأفكار، تستمر العقائد الباطلة، ناس يحملون البدع عبر الأجيال، مؤلفون، كُتّاب، نقلة بدعة لكن كدولة، كقوة كجيش، ما استمر، وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [سورة الإسراء: 58].
البلدان، المدن، العواصم، داخلة كلها في كلمة القرى، هذه ستستمر وتخرق السنن الإلهية؟ لا يمكن، هذه كلها ستسقط قطعاً كما ذهبت دولة عاد، ودولة ثمود، ودولة الفراعنة، مثل ما ذهب أولئك القوم وحمورابي والقادة، راحت وهذه ستذهب فليسوا بمخلدين، ليس فقط كأجيال سيموت الأب ويأتي الابن، وإنما كنظام ينفرط، يسقط، يذهب، ما استمر شيء، ما يستمر شيء، وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ [سورة الإسراء: 58]. أين عاد؟ أين إرم ذات العماد التي لم يُخلق مثلها في البلاد، ؟ أين قرية قوم لوط؟ وأين قرية مدين؟
كان هناك حضارات، وعواصم وبلدان وجيوش، وكان هناك إيوان كسرى، ذهبت، وهذه ستذهب مثلها.
هناك سنن إلهية، نحن نستعجل، فلذلك هذا ذاهب قطعاً، قال شيخ الإسلام -وانظر كيف كان التفاؤل عند المسلمين؟- قال شيخ الإسلام: "حدّثنا أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات متعددة، في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا: كنا نحن نحصر الحصن، أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهله لسب رسول الله ﷺ تيسر فتحه، ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين، ويكون فيه ملحمة عظيمة، قالوا حتى أننا كنا نستبشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه" [الصارم المسلول: 117].
يعني: نحن نكره ما يقولون لكن نستبشر إذا قالوا مع كراهيتنا على ما يقولون، هذا كلام في الصارم المسلول لشيخ الإسلام، وهذا الموضوع ليس فقط على الصعيد الجماعي -مثلاً على جيش المسلمين- حتى على الفرد.
قال البرقي: "رأيت امرأة بالبادية، وقد جاء البرد فذهب بزرع كان لها وما لها غيره، هذا مصدر رزقها، فجاء الناس يعزونها، فرفعت طرفها إلى السماء، وقالت: "اللهم أنت المأمول لأحسن الخلف، وبيدك التعويض عما تلف، فافعل بنا ما أنت أهله، فإن أرزاقنا عليك، وآمالنا مصرفة إليك، قال: فلم أبرح، يقول البرقي: "حتى جاء رجل من مياسير البلد من فضلاء الناس، فحدّث بما كان هذه المرأة زرعها راح، فوهب لها خمس مائة دينار". [الفرج بعد الشدة للتنوخي: 1/181]. الدينار مثقال، والمثقال أربع غرامات وربع، خمس مائة في أربعة وربع تكون ألفين وعليها غرام، كيلوين وزيادة، وهب لها هذا.
اليوم -يا إخوان- هذه مذابح الشام كما نرى، ويأتي مثلاً في الحولة مذبحة شنيعة مؤثرة محزنة، مخيفة، لكن ممكن نتفاءل، ممكن يقول الواحد: اسم الحولة هذا نتفاءل به أن الأمر يتحول لصالح الإسلام والمسلمين وأن مذبحة الحولة ستكون نقطة تحول في المعركة، وأن الأمور ستتحول وتتغير، وأن ما يكون بعدها سيأتي فرج قريب للمسلمين إن شاء الله، الآن نحن ما نعتمد كأن يأتي من يقول: أنتم عمدتكم مجموعة رؤى! تقول: عجوز رأت في المنام أن هلالين نزلوا من السماء، وهلالين معهما كتاب، والعجوز أمية أصلاًصأصلا، واجتمع الناس على الكتاب وقرؤا فيه فجاءت العجوز تقول: ماذا هناك أخبروني؟ فيقولون: هذا فيه سقوط الظالم هذا المجرم، قصوها على معبّر قال: هذه إن شاء الله هلالين الآن الكلام قد يصدُق، أبوبكر قال له: أخطأت بعضها وأصبت بعضاً، نحن ما ندري، ما نجزم، ما نجزم رجماً بالغيب، لكن بناءً على السنن الإلهية في أخذ المجرمين أن هؤلاء قطعاً مأخوذون، ونحن نرجو وعندنا مبشّرات.
فأقول -أيها الإخوة-: إن التفاؤل في هذه الأزمات التي تصيب المسلمين الآن كأنه واجب شرعي قائم على عقيدة التوحيد، حسن الظن بالله، وقائم على المبشّرات الموجودة في القرآن والسنة.
مبشرات شرعية بنصر الله للمؤمنين في الدنيا
هناك مبشّرات أن الله ينصر رسله والذين آمنوا، وليس في الآخرة فقط، في الحياة الدنيا، ليس الرسل فقط والذين آمنوا، وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47]. هذه ما نتفاءل فيها، هذه الآية ليست حقاً؟ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47] وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف: 128]، وسنة الله في إهلاك المجرمين، وأن الزبد يذهب جفاء وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد: 17]. فإذن، نحن سنتفاءل بناء على السنن الكونية، الربانية، الإلهية، ونحن نعلم تلك الأيام نداولها بين الناس، وتلك الأيام يداولها الله، فقد كانت لهؤلاء، فهل ستبقى بيدهم؟ بالتأكيد ستنتقل عنهم، لقد كانت بيدهم فلا تلبث وتمكث وتستمر، لا يمكن، وإذا قال قائل: هذه الأسباب الشرعية للتفاؤل، والأسباب الدنيوية؟ نقول: أمامنا، أليس أنا أسألكم الآن هؤلاء المسلمون المستضعفون بالشام، أليس كل ما مضى الوقت إلى الأمام يزدادون قوة؟ ولو بشيء بسيط، أليس يزدادون قوة؟ أليس عدوهم يزداد ضعفاً؟ الآن عدوهم صرف ثلاثين مليار، معدل مليار شهرياً تكلفة هذه الحملات العسكرية، سيرقى إلى كم؟ والأحوال الاقتصادية تزداد، والعدو يتأثر وحتى مع الإمدادات التي تأتي، حتى الإمدادات التي تأتي بعضها ترجع في النعوش، ترجع بالنعوش، الانشقاقات تزداد، مساحة الأراضي المحررة تزداد، خسائر في صفوف المجرمين تزداد، تفاعل الناس وصمودهم يزداد، وحتى حركة الناس تزداد.
إذا خليها تمتد حتى لو امتدت النتيجة: لازم تنقلب لصالح الإسلام والمسلمين، نعم هناك ماكرون، وهناك من يريد أن يعيد الأمور إلى نصابها، ويقلب الأمور، ويحاول أن يسرق مجهود المسلمين، لكن ليس لازماً أن كل خطة للكفار تنجح، هناك أيضا مكر إلهي، صحيح يمكرون لكن ويمكر الله، وقد يأتيهم شيء يشغلهم، وقد تأتيهم مصيبة مالية فادحة، وشيء يغطيهم زيادة ويجرفهم، الله على كل شيء قدير، لا يعجزون الله، فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ [سورة محمد: 4]. ليتخذ منكم شهداء، لينظر كيف تعملون، ليعلم الله الذين صدقوا.
غير قضية مصائب الأمة، نحن نتفاءل حتى لو كان هناك مصائب، المستوى الشخصي؛ مثلاً في المرض في الخسارة في الديون، في الطلاق، في الأزمات الاجتماعية، والنفسية التي تصيب أي واحد، كيف التفاؤل؟ كما قلنا في حال المرض يعني: مفهوم إذا دخلتم على المريض فنفّسوا له في أجله [رواه الترمذي: 2087، وقال: هذا حديث غريب].
الحديث وإن كان في إسناده لين، رواه الترمذي. لكن معناه صحيح، يعني: تفاءلوا له، نفّسوا له في أجله، فأنت تقول له: تقوم إن شاء الله، وتبرأ إن شاء الله، وتعيش إن شاء الله، ونحو ذلك.
أما إذا صار الإنسان يائساً وقال: الحمى، كذلك الذي تفاءل له النبي ﷺ بالخير، ولكنه قال: الحمى تفور على شيخ كبير تنزله القبور، إذن هو لا يريد. [رواه البخاري: 3616].
وهذا قد يحدث أيضا نتيجة الجهل، ونتيجة الغفلة.
ذكر ابن الجوزي في أخبار الحمقى والمغفلين: أن عجوزاً دخلت على قوم تعزيهم بميت، فرأت في الدار عليلاً يعني: بعدما عزتهم على الذي مات، هي خارجة مرت على واحد بالبيت مريض، عليل، فرجعت إلى أهل الدار، قالت: أنا يشق علي المشي، وأحسن الله عزاؤكم في هذا أيضاً وذهبت!. [أخبار الحمقى والمغفلين: 171].
لكن بعض الناس -والعياذ بالله- مثل ذلك الذي قال له ﷺ: تفاءل له بالخير يقول: لا، حمى تفور، على شيخ كبير تزيل القبور، [رواه البخاري: 3616]. ما الذي يسلم، فما قبل، هذا من فساد الاعتقاد.
تفاؤل المسلم بالبلاء عندما يصيبه
وكذلك فإنك تتفاءل: ما من مسلم يُشاك شوكة إلا كفر الله بها خطايا [رواه مسلم: 2572]. لأن هذه إيجابية، طيب لو واحد يتزوج ومصاريف الزواج كثيرة وحالته حالة، ويمكن شغله بسيط، وراتبه هين، يتفاءل بقول الله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [سورة النور: 32].
أن الزواج مجلبة للغناء، وأن الواحد إذا تزوج التفاؤل والرجاء من الله، والفرج بعد الشدة أن يجد مالاً، ويتحسن وضعه المادي، وأن يرزقه الله، إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ [سورة النور: 32].
هذا التفاؤل الصحيح.
وكذلك تتفاءل أن يصير لك أولاد من هذا الزواج يكونون قرة عين لك، تحسن تربيتهم، وينطبق عليك وتدعو بالدعاء، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ [سورة الفرقان: 74]. يعني: سعادة تقر بهم عينك، يحملون معك، الدين، بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ [الصافات: 102]. وكذلك تتفاءل بذرية طيبة، رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء [سورة آل عمران: 38]. وحتى لو وجدت من زوجتك بعض الأشياء التي تكرهها، تتفاءل بالأشياء الأخرى الإيجابية الطيبة، قال الله تعالى: فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [سورة النساء: 19]. يا أخي حتى لو حصل الطلاق، واحد ذهب وحاول ولكن وصلت الأمور إلى طريق مسدود، صار الاستمرار سلبياته أكثر، فاستنصح أهل العلم، وأهل العقل، والأقارب المخلصين، والحكمين، قالوا: الطلاق، مع كل طريق.
لا شك أن النفوس تتأزم بالطلاق، بالطلاق تحصل أزمة نفسية، يحصل انكسار، يحصل هناك خيبة أمل، شيء وما استمر، طيب أيش يتفاءل الإنسان؟ تأملوا في آيات الطلاق ، سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق: 7]، وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا [سورة النساء: 130]. فإذا صارت مصيبة، وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ [سورة البقرة: 216]. وتعرف أن هذه ليست هي النهاية، قد تبدأ هذه المرأة حياة جديدة والله يغنيها من سعته، والرجل يرى نفسه في طريق آخر، وتنفرج الأمور، كم من مطلقة تزوجت ورزُقت بأولاد، وتحسّن حالها، وذلك الرجل رزقه الله، المهم التقوى، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق: 2] ومن يتق الله يرزقه من حيث لا يحتسب.
إنسان ضاقت عليه سبل الرزق، وما وجد وظيفة والديون ركبته، يتفاءل بقول الله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [سورة الشرح: 5]. يبذل الأسباب، فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ [العنكبوت: 17]. يدعو، فاسألوا الله من فضله، هكذا.
لا تَيْأَسَنَّ وإنْ طالَتْ مُطالبَةٌ | إذا استعنَت بصبرٍ أنْ ترى فَرَجا |
إنَّ الأمور إذا انْسَدَّتْ مسالِكُها | فالصبرُ يفتح منها كلَّ ما ارْتَتَجا |
كل ما انغلق
أخْلِقْ بذي الصبرِ أنْ يحظَى بحاجته | ومُدْمِنِ القَرْعِ للأبواب أن يَلِجَا |
[بهجة المجالس وأنس المجالس: 69].
تفاؤل المدين بقضاء دينه
المدين يتفاءل بسداد الدَّين، الله يهيئ له تجارة يربح منها، يسدد، يهيئ له إنسان خير يسدد عنه، يهيئ له صاحب الدين يسقطه عنه ويخفف عنه، لكن على ماذا يتفاءل؟ يستند على ماذا؟ أخذ أموال الناس يريد أدائها، النية الحسنة، أدى الله عنه، يتفاءل بحديث: من أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه، الزبير كان إذا جاء محتاج ما عنده سيولة، يستلف ويقترض ويسدد عنه، وعنده نفقات، وزوجات وأولاد، ما كان عند الزبير إلا أرضين، حضرته الوفاة، نعرف أن الزبير قتل ، لما أحس بدنو أجله دعا ابنه عبد الله بن الزبير قال: يا بني، إذا أنا قتلت سدد ديوني، اجتهدوا فيها، الدين هذا شديد، يا بني إن عجزت عنه في شيء فاستعن عليه مولاي، قال عبد الله: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبت من مولاك؟ قال: الله، قال عبد الله: فوالله ما وقعت في كربة من دينه، ما تعسر أمر في قضية تسديد الديون إلا قلت: "يا مولى الزبير اقض عنه دينه". فيقضيه، ييسرها من هنا ومن هنا.
قتل الزبير وما ترك إلا أرضين بالغابة، قال عبد الله بن الزبير: فحسبت ما عليه من الدين، فوجدت ألفي ومائتي ألف، مليونين ومائتين ألف من الديون التي عليه، قال: فبارك الله في الأرض، حتى قضي من ثمنها الدين، الأرض قد تذهب بأي سعر بخس، لكن الله وفق ورثة الزبير بحسن نية أبيهم وصلاحه وبذله للإسلام، فوفق الله ببيعات، حراج على الأرض هذه، باعوا وقطعوا منها، وباعوا وقطعوا، وباعوا، يقول: بقيت تركة، بعد ما قسموا الديون وسددوها يقول عبد الله بن الزبير: وغير الوصية، وأخرجوا الوصية، نال كل امرأة من زوجاته الأربع ألف ألف ومائتا ألف يعني: مليون ومائتي ألف لكل امرأة، والمرأة صار لها أربع شركاء في الثمن، طيب الأبناء والبنات كم جاء لكل ابن وبنت، يقول: فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائة ألف، الذي استحصل من بيع أراضيه خمسون مليونا. [رواه البخاري: 3129].
نحن -يا جماعة- إذا سافرنا نتفاءل ب: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل [رواه مسلم: 1342]. نقول: أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، نتفاءل بسلامته، وأن أهله يكونون بخير، وأنه سيعود من هذا السفر بفوائد، أم الأيتام تتفاءل بأن الله سيكبر أبنائها، وأنهم سينشئون، وأنهم يستغنون، أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ... وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى [الضحى: 6-8]. الداعية يتفاءل أن الله يفتح له قلوب المدعويين، وأنهم يتأثرون، ولو بعضهم، وأن الذي ما اهتدى الآن قد يهديه الله فيما بعد، تبقى الكلمة في نفسه الآن، الله ما قال للصحابة: عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً [سورة الممتحنة: 7]. وفعلاً بعد فتح مكة، كثير كانوا أعداء صاروا أولياء، ونبينا قال: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله [رواه البخاري: 3231، ومسلم: 1795]. ولما جاءه قال: يا رسول الله دوس عصت، وأبت، قال: اللهم اهد دوسا وائت بهم [رواه البخاري: 2937].
تفاؤل المسلم بالتمكين للمسلمين
نتفاءل بالتمكين للمسلمين، نتفاءل في تربية أبناءنا أن الله يصلحهم، حتى لو في واحد استعصى، مع الجهد، ومع الدعاء إن شاء الله يأتي به الله، طالب العلم يتفاءل أنه سيحفظ ويفهم، ويكون له سبق فيه، نتفاءل بتجاوز المحن، نتفاءل بحصول الخير، نتفاءل بأن الله سينصر الإسلام والمسلمين.
أما الذي يقول: لا فائدة، فإنه يبني لنفسه سجناً يُسجن فيه. ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
فإذن، لا بد أن نحسن الظن بالله، وأن تكون نظرتنا للأمور طيبة منطلقة من منطلق الشرع، ما ننظر بالأشياء بنظرة الاكتئاب، لن يرجع الأسف الصبا المتصرما، فالمؤمن لا يعرف اليأس، إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [سورة يوسف: 87]. وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ [سورة الحجر: 56].
التفاؤل يساعد على العمل، يساعد على البذل، على الحركة، على الاستمرار، على الصمود، حتى الصحة، قالوا: إن المتفائلين أبعد على خطر الإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية بنسبة 50%، المتفائلون مناعتهم ضد الأمراض تزداد، حتى مقاومتهم الذبحات الصدرية وغيرها أحسن، ولذلك وجدنا أن ديننا يدعو للتفاؤل، وجدنا كل هذه الأدلة التي تدعو للتفاؤل، والمتفائل بعيد عن الاكتئاب، وهناك ناس مرضى نفسانيين، محبطين، أمراض الاكتئاب يعيشونها، يا جماعة بالعكس تفاءلوا، ولكن تفاؤل مبني على بذل الأسباب والتوكل على الله، وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد: 35]. ولن تضيع هذه الأعمال بحوله وقوته.
الإجابة عن الأسئلة
بعض الأسئلة حاولنا الإجابة عليها من خلال الدرس، ونحن مقبلون على الإجازة الوصية بكتاب الله حفظاً، مراجعة، تفسيراً، قراءة، تدبراً ، مدارسة مع أهل البيت، لا تفوتوا سُنّة المدارسة.
يقول: هناك أطفال ذبحوا ماذا نقول لأنفسنا؟
أنتم تعرفون يا إخواني أن حديث البرزخ لما رأى أولاد كثيرين مع رجل طويل وامرأة من هؤلاء؟ قال: أطفال المسلمين مع إبراهيم وسارة يكفلانهما لأهليهم [رواه الحاكم في مستدركه: 1418، وابن حبان في صحيحه: 7446 وابن أبي شيبة: 12052، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 1023]. فهل تريد أحسن يجلس عندك، أو يكون في كفالة سارة وإبراهيم تستلمه منهما يوم القيامة، لكن أنا لا أقول إلا هذا، هناك كلام كثير يقال في تعزية من فُقد له ولد.
لكن لو سمعنا الآن أن هناك ذابح الأطفال، الطفل هو شهيد ولا يجد إلا مس القرصة، الطفل مضى إلى ربه والعائلة ذهبت، إذا ذبحوا معه، فلا خوف؛ لأن الله كفّر عنهم سيئاتهم وأعطاهم الآن عند الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر، نحن ما هو موقفنا؟ هم مضوا إلى الله، تتأسف أنت على ماذا؟ أمانة وأخذها صاحبها، أنت ماذا تريد؟ وأولاد الصغار هؤلاء الذين ذبحوا عند إبراهيم وسارة في كفالة إبراهيم وسارة، تريد أحسن من هذا، أبو الأنبياء ومعه امرأة ليس فقط في كفالة رجل، لا حتى امرأة إبراهيم وسارة، يكفلان كل الأولاد، الله على كل شيء قدير، فما في خوف، الخوف علينا، نسأل الله أن لا يفتننا، وأن يوفقنا لأرشد أمرنا، وأن يتوب علينا، ونسأله أن يهيئ لنا من أمرنا رشداً، وأن يثبتنا على الإسلام، ونسأله أن يرزقنا الصبر، والمصابرة والرحمة والسكينة، ونسأله أن ينصر إخواننا المستضعفين، وأن يربط على قلوبهم، وأن يثبت أقدامهم، وأن ينصرهم على القوم الكافرين، وأن يقصم ظهور المجرمين، وأن يعجل بأخذهم، إنه على كل شيء قدير، وهو الجبار نسأله أن ينتقم من هؤلاء، ونسأله أن يعجل الفرج لأهل الإسلام، وأن يجعلنا في البلد الحرام آمنين مطمئنين وسائر بلاد المسلمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.