الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
إخواني: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
مقدمة
فإن الله قد أوجب علينا تعلم دينه، وفضل أهل العلم حتى سبح لهم الحيتان في البحر، والنملة في الجحر.
ولا شك أن هذا العلم أمانة، وأنه مسؤولية، وأن له كذلك حق، وحق العلم العمل به.
لماذا نجد كثيرًا من الناس يحملون شهادات شرعية وحصلوا أشياء من العلم، وآخرين حفظوا متونًا وقرأوا كتبًا وحضروا حلقًا لكن أثر العلم لا يظهر عليهم لا في سمتهم ولا في طريقتهم ولا في أخلاقهم وفي عباداتهم؟
لماذا نجد في الواقع بعض الناس الذين قرأوا لكن لم تظهر أثر القراءة عليهم لم يظهر الانتفاع لم تظهر الثمار؟
بل نجد أحيانًا بعض الناس وربما نجد أنفسنا في بعض المواقف نمر بالموقف ولا نعمل بالحكم الذي نعلمه في هذا الموقف، أحيانًا نذهل عنه ونغفل، وأحيانًا نتذكره ولكننا نتقاعس ونتكاسل.
إذًا، ما فائدة الجمع والتحصيل؟
وقد سبق الكلام في محاضرة مضت عن "طالب العلم والإخلاص"، و"طالب العلم والحماس في طلب العلم"، و"طالب العلم والمنهج" و"طالب العلم والحلق والدروس"، و"طالب العلم والحفظ"، و"طالب العلم والقراءة والكتب"، ومحاضرات أخرى في طلب العلم، ولكن الثمرة الحقيقية -أيها الإخوة- هي في: العمل.
وهذه المحاضرة ستكون من أجل ذلك، وسنتكلم فيها إن شاء الله عن أهمية الموضوع، والتحذير من ترك العمل والترغيب في العمل، وفوائد العمل، وأضرار ترك العمل، ونبذة من سير العلماء العاملين، وكذلك بعض الوسائل المفيدة في العمل بالعلم، مع ذكر بعض العوائد الموجودة التي تحول بين بعض الناس وبين العمل بالعلم، وبعض الفقرات الأخرى المتعلقة بالموضوع.
أهمية الحديث عن العمل بالعلم
وقد تطرق العلماء -رحمهم الله- إلى هذا الموضوع في عدد من المصنفات، ولعل من أشهرهم: الخطيب البغدادي -رحمه الله- الذي تكلم في رسالة له بعنوان: "اقتضاء العلم العمل"، فقال: "نشكر الله -سبحانه- على ما ألهمنا، ونسأله التوفيق للعمل بما علمنا، فإن الخير لا يدرك إلا بتوفيقه ومعونته، ومن يضلل الله فلا هادي له من خليقته، وصلى الله على محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى من اتبع النور الذي أنزل معه إلى يوم الدين.
ثم إني موصيك يا طالب العلم: بإخلاص النية في طلبه، وإجهاد النفس على العمل بموجبه، فإن العلم شجرة والعمل ثمرة، وليس يعد عالمًا من لم يكن بعلمه عاملاً.
وقيل: العلم والد والعمل مولود، والعلم مع العمل والرواية مع الدراية، فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشًا من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصرًا في العمل، ولكن اجمع بينهما وإن قل نصيبك منهما، وما من شيء أضعف من عالم ترك الناس علمه لفساد طريقته، وجاهل أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته، وفعلاً هذا ما يضيع الناس، صاحب علم سيرته غير محمودة فيترك الناس علمه وإن كان صحيحًا، وصاحب جهل يلبس على الناس بحسن خلق وطيبة معاملة فيأخذ الناس بكلامه وأفعاله ولو كان على ضلال مبين، والقليل من هذا مع القليل من هذا أنجا في العاقبة إذا تفضل الله بالرحمة وتمم على عبده بالنعمة.
فأما المدافعة والإهمال وحب الهوينى والاسترسال وإيثار الخفض والدعة والميل مع الراحة والسعة فإن خواتم هذه الخصال ذميمة، وعقابها كريهة وخيمة، والعلم يراد للعمل كما العمل يراد للنجاة، فإذا كان العمل قاصرًا عن العلم كان العلم كلاً على العالم، ونعوذ بالله من علم عاد كلاً، وأورث ذلاً، وصار في رقبة صاحبة غلاً.
قال بعض الحكماء: العلم خادم العمل، والعمل غاية العلم، فلولا العمل لم يطلب العلم، ولولا العلم لم يطلب العمل، ولأن أدع الحق جهلاً به أحب إليّ من أن أدعه زهدًا فيه؛ لأن الذي يترك الحق وهو يعلمه قد قامت عليه الحجة والبينة، وترك العمل فيكون إثمه أكثر، والجاهل قد يكون معذورًا بجهله وقد لا يكون فيحاسبه الله على جهله ويأثم.
وهل أدرك من أدرك من السلف الماضين الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد، والعمل الصالح والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا؟
وهل وصل الحكماء إلى السعادة العظمى إلا بالتشمير في السعي والرضا بالميسور وبذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم؟
وهل جامع كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب؟ وهل الملهو بها إلا كالحريص الجشع عليهما؟ وهل المغرم بحبهما إلا ككانزهما، وكما لا تنفع الأموال إلا بإنفاقها كذلك لا تنفع العلوم إلا لمن عمل بها، وراعى واجباتها، فلينظر امرؤ نفسه وليغتنم وقته، فإن الثواء قليل، المقام في هذه الدنيا قليل، والرحيل قريب، والطريق مخوف، والاغترار غالب، والخطر عظيم، والناقد بصير، والله تعالى بالمرصاد وإليه المرجع والمعاد: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7 - 8] [اقتضاء الصراط المستقيم، ص: 14- 16].
التحذير من ترك العمل بالعلم
أما بالنسبة للتحذير من ترك العمل بالعلم فإن الله قال: فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ[آل عمران: 187].
قال بعض السلف: معنى: فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ يعني تركوا العمل به.
وأول من تسعر به النار يوم القيامة الذين لا يعملون بعلمهم، عن سليمان بن يسار قال: تفرق الناس عن أبي هريرة، فقال له ناتل أخو أهل الشام: يا أبا هريرة حدثنا حديثًا سمعته من رسول الله ﷺ، فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه ذكر منهم: ورجل تعلم العلم والقرآن فأتى به الله فعرفه نعمه فعرفها، فقال: ما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم، وقرأت القرآن، وعلمته فيك، فقال: كذبت إنما أردت أن يقال: فلان عالم، وفلان قارئ.
وفي رواية: فقد قيل ما دام أخذت أجرك في الدنيا، وقد قيل عنك: عالم وقارئ فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النارحديث صحيح [رواه مسلم: 1905].
ولذلك قال الناظم:
وعالم بعلمه لم يعملن | معذب من قبل عباد الوثن |
فهؤلاء الذين أول من تسعر بهم النار يوم القيامة.
وعن أنس عن رسول الله ﷺ: أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرضهم شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت وفت، يعني عادت كما كانت، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباء من أمتك الذين يقولون ولا يفعلون، ويقرأون كتاب الله ولا يعملون حديث حسن [رواه البيهقي في شعب الإيمان: 1637].
وقد قال الله معاتبًا المؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ[الصف: 2- 3].
وقد قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح أيضاً: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه[رواه الترمذي: 2417، وقال: "حديث حسن صحيح"، وقال الألباني: "حسن صحيح" كما في صحيح الترغيب والترهيب: :3592].
وقال النبي ﷺ: يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه يعني أمعاؤه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه[رواه البخاري: 3267، ومسلم: 2989].
وعن منصور بن شاذان قال: "نبئت أن بعض من يلقى في النار فيتأذى أهل النار بريحه، فيقال له: ويلك ما كنت تعمل ما يكفينا ما نحن فيه من الشر حتى ابتلينا بك ونتن ريحك؟ فيقول: إني كنت عالمًا فلم انتفع بعلمي" الزهد لأحمد، ص: 306].
وعن عبد الله بن عكيم قال: "سمعت ابن مسعود بدأ باليمين قبل الحديث" يعني حلف قبل أن يتكلم بالكلام، فقال: "ما منكم أحد إلا سيخلو به ربه كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، ثم يقول: ابن آدم، ما غرك بي؟ يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟" [الزهد والرقائق، لابن المبارك/، ص: 13، والتوحيد، لابن خزيمة: 2/420].
وقال أبو الدرداء: إنما أخاف أن يكون ما يسألني عنه ربي أن يقول قد علمت فما عملت فيما علمت حسن موقوف على أبي الدرداء قد علمت فما عملت فيما علمت" [اقتضاء العلم العمل، ص: 41].
وكان بعض السلف يقول: أخشى ألا تبقى آية في كتاب الله -تعالى- آمرة أو زاجرة إلا جاءتني تسألني فريضتها، فتسألني الآمرة هل ائتمرت؟ والزاجرة هل ازدجرت؟ فأعوذ بالله من علم لا ينفع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع [جامع بيان العلم وفضله، ص: 683].
وقد كانت عائشة -رضي الله عنها- حريصة على تأصيل هذا المفهوم في نفوس بعض أهلها ومن يسألها، قضية أن الإنسان لا ينتقل إلى تعلم شيء جديد إلا بعد أن يعمل بما علم، لا يستكثر من المعلومات دون عمل، عن عطاء: "كان فتى يختلف إلى أم المؤمنين عائشة، فيسألها وتحدثه، فجاءها ذات يوم يسألها فقالت: يا بني هل عملت بعد بما سمعت مني؟ فقال: لا والله يا أمه، فقالت: يا بني فبما تستكثر من حجج الله علينا وعليك؟" [اقتضاء العلم العمل، ص: 60].
لماذا حصلت البركة -أيها الإخوة- عند الأولين؟
حصلت البركة عند الأولين لأنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعملوا بما فيها كما سيأتينا حتى يعملوا بما فيها، وهذا العلم إذا لم يعمل به يذهب، ولذلك قال الخطيب -رحمه الله-: "أخبرنا أبو الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبد الله التميمي من حفظه، قال: سمعت أبي يقول، سمعت أبي يقول، سمعت أبي يقول، سمعت أبي يقول، سمعت أبي يقول، سمعت أبي يقول، سمعت أبي يقول، سمعت أبي يقول، سمعت أبي، سمعت علي بن أبي طالب يقول: هتف العلم بالعمل فإن إجابه وإلا ارتحل، عدد الآباء تسعة [اقتضاء العلم العمل، ص: 36].
وقالت أم الدرداء لرجل: "هل علمت بما علمت؟ قال: لا، قالت: فلم تستكثر من حجة الله عليك؟" [صيد الخاطر، ص: 57].
وهذا من معنى كلام بعض السلف: أنه يغفر للجاهل سبعون ذنبًا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد؛ لأنه قد قامت عليه الحجة فلم يعمل، وذاك قد يؤاخذ بسبب جهله، لكن هذا الذي علم وترك العمل.
وقيل في بعض المواعظ: أنزل الله في بعض الكتب: قل للذين يتفقهون لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة يلبسون للناس مسوك الكباش، وقلوبهم كقلوب الذئاب، وألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر: إياي يخادعون؟ وبي يستهزئون؟ لأتيحن لهم فتنة تذر الحليم فيهم حيران؟" [جامع بيان العلم وفضله: 1/656، والفقيه والمتفقه: 2/342].
فهؤلاء الذين يتعلمون لغير العمل.
وقال أبو زيد: "حدثني خلاد بن يزيد الأرقط، وكان أبو زيد، إذا ذكر خلاداً وصف جلالته ونبله، وقال: كان من الجبال الرواسي نبلاً، قال: " أتيت سفيان بن عيينة، فقال: "إنما يأتي بك الجهل لا ابتغاء العلم، لو اقتصر جيرانك على علمك كفاهم، ثم كوم كومة من بطحاء، ثم شقها بأصبعه، ثم قال: هذا العلم أخذت نصفه ثم جئت تبتغي النصف الباقي، فلو قيل: أرأيت ما أخذت هل استعملته؟ فإذا صدقت، قلت: لا، فيقال لك: ما حاجتك إلى ما تزيد به نفسك وقراً على وقر، استعمل ما أخذت أولاً" [اقتضاء العلم العمل، ص: 84].
فإذًا، الإنسان لا ينهى عن التعلم والازدياد من العلم، لكن ينهى عن ترك العمل بالعلم، فإذا علم شيئًا سعى إلى تطبيقه وتنفيذه، وهذه سمات المخلصين الصادقين.
أما التحذير من رفع العلم الذي لا يكون إلا بترك العمل.
من أسباب رفع العلم: ترك العمل.
ترك العمل شين، عن عوف بن مالك الأشجعي: أن رسول الله ﷺ نظر إلى السماء يومًا، فقال: هذا أوان يرفع العلم، فقال له رجل من الأنصار يقال له زياد بن لبيب: يا رسول الله يرفع العلم وقد أثبت ووعته القلوب؟ فقال له رسول الله ﷺ: إن كنت لأحسبك من أفقه أهل المدينة ثم ذكر ضلالة اليهود والنصارى على ما في أيديهم من كتاب الله" من أسباب التحريف الذي أصابهم ورفع العلم من بين أظهرهم: أنه لم يعملوا بما علموا، وبما آتاهم الله، "ثم ذكر ضلالة اليهود والنصارى على ما في أيديهم من كتاب الله، فلقيت شداد بن أوس فحدثته بحديث عوف بن مالك فقال: صدق عوف ألا أخبرك بأول ذلك يرفع؟ قلت: بلى، قال: الخشوع حتى لا ترى خاشعًا" [رواه أحمد: 23990، وقال محققو المسند: "حديث صحيح، وهذا إسناد قوي"].
فإذًا، من ضمن الأشياء التي ترفع العلم، وبعضه الذي يقر في القلب يرفع بسبب ترك العمل به.
وجاء في بعض المواعظ: "ويلكم يا عبيد الدنيا ماذا يغني عن الأعمى سعة نور الشمس وهو لا يبصرها، كذلك لا يغني عن العالم كثرة علمه إذا لم يعمل به، ما أكثر أثمار الشجر وليس كلها ينفع ولا يؤكل، وما أكثر العلماء وليس كلكم ينتفع بما علم فاحتفظوا" يعني انتبهوا "من العلماء الكذبة الذين عليهم لباس الصوف، منكسين رؤوسهم إلى الأرض، قولهم مخالف لفعلهم، متى يجتنى من الشوك العنب، ومن الحنظل التين، كذلك لا يثمر قول العالم الكذاب إلا زورًا، إن البعير إذا لم يوثقه صاحبه في البرية لم يوثقه، يربطه صاحبه في البرية، نزع إلى وطنه وأصله ورجع وذهب، وإن العلم إذا لم يعمل به صاحبه خرج من صدره، وتخلى منه وعطله، وإن الزرع لا يصلح إلا بالماء والتراب، وكذلك لا يصلح الإيمان إلا بالعلم والعمل، ويلكم يا عبيد الدنيا إن لكل شيء علامة يعرف بها وتشهد له أو عليه، وإن للدين ثلاث علامات يعرف بهن: الإيمان والعلم والعمل" [اقتضاء العلم العمل، ص: 106].
وقال رجل لإبراهيم بن أدهم: إن الله -تعالى- يقول: ادعوني أستجب لكم فما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ فقال له إبراهيم: من أجل خمسة أشياء، قال: وما هي؟ قال: عرفتم الله فلم تؤدوا حقه، وقرأتم القرآن فلم تعملوا بما فيه، وقلتم نحب الرسول ﷺ وتركتم سنته، وقلتم نلعن إبليس وأطعتموه، والخامسة: تركتم عيوبكم وأخذتم في عيوب الناس" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 692].
ما مثل العالم بغير عمل؟
يقول النبي ﷺ في هذا: مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه هذه الفتيلة، هذا المصباح الذي فيه هذا النور الذي في المصباح، مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه حديث صحيح [رواه الطبراني في الكبير: 1681].
وعن أبي هريرة موقوفًا عليه: مثل علم لا يعمل به كمثل كنز لا ينفق منه في سبيل الله[اقتضاء العلم العمل، ص: 24].
وعن سهل بن عبد الله التستري قال: "الناس كلهم سكارى إلا العلماء، والعلماء كلهم حيارى إلا من عمل بعلمه".
وقال: "العلم أحد لذات الدنيا، فإذا عمل به صار للآخرة" [اقتضاء العلم العمل، ص: 28 - 29].
وكان بعض الحكماء يقول: "نفعنا الله وإياكم بالعلم، ولا جعل حظنا منه الاستماع والتعجب" [جامع بين العلم وفضله، ص: 709] بعض الناس حظه من العلم إذا جلسوا في مجالس العلم، الاستماع والتعجب فقط، يتعجبون، وربما سبح الواحد منهم وحوقل أو هلل، لكن بعد ذلك لا شيء، لا يتعدى إلى عمل، لا ينتفع بما سمع.
كم إلى كم أغدو إلى طلب العلـ | ـم مجدا في جمع ذاك حفيا |
طالبا منه كل نوع وفن | وغريب ولست أعمل شيا |
وإذا كان طالب العلم لا يعمل | بالعلم كان عبدا شقيا |
إنما تنفع العلوم لمن كا | ن بها عاملا وكان تقيا |
[جامع بيان العلم وفضله، ص: 57].
وقال حفص بن حميد: دخلت على داود الطائي أسأله مسألة وكان كريمًا، فقال: أرأيت المحارب؟ هذه كلها صور للعلم الذي بلا عمل، ما مثل العلم بلا عمل؟ قال: "أرأيت المحارب إذا أراد أن يلقى الحرب، أليس يجمع آلته، فإذا أفنى عمره في الآلة فمتى يحارب؟" [اقتضاء العلم العمل، ص: 45].
إن العلم آلة العمل فإذا أفنى عمره في جمعه فمتى يعمل؟
فإذًا، الذين يحصلون ويقرأون ويحفظون ويجمعون ثم لا يعملون كمثل المقاتل يجمع للحرب ثم لا يحارب.
والذي لا يعمل موعظته لا تؤثر في الناس، قال الأصمعي: "سمعت أعرابيًا يقول: إذا دخلت الموعظة أذن الجاهل مرقت من الأذن الأخرى" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 702] الذي لا يعمل لا تؤثر فيه الموعظة، ولذلك يسمع الكلام ويخرج من الأذن الأخرى، قال الحسن: "لا ينتفع بالموعظة من تمر على أذنيه صفحًا، كما أن المطر إذا وقع في أرض سبخة لم تنبت" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 702].
والعلم ليس بنافع أربابه | ما لم يفد عملا وحسن تبصر |
سيان عندي علم من لم يستفد | عملا به وصلاة من لم يطهر |
فاعمل بعلمك توف نفسك وزنها | لا ترض بالتضييع وزن المخسر |
[جامع بيان العلم، ص: 706].
الذي يصلي بغير وضوء كذلك الذي يتعلم بلا عمل.
وعن مطر قال: خير العمل ما نفع، وإنما ينفع الله بالعلم من عمله ثم عمل به، ولا ينفع به من علمه ثم تركه.
وقال عبد الله بن المعتز: "علم بلا علم كشجرة بلا ثمرة، علم المنافق في قوله وعلم المؤمن في عمله" [اقتضاء العلم العمل، ص: 39].
وقال الخواص: "ليس العلم بكثرة الرواية وإنما العلم من اتبع العلم واستعمله، واقتدى بالسنن وإن كان قليل العلم" [شعب الإيمان: 3/293].
وهذا ما يفسر لنا: لماذا يكون بعض الناس مؤثرين ويهتدي على أيديهم أشخاص، وعلمهم أقل من علم أناس آخرين، أناس آخرين عندهم علم كثير لكن لا يتأثر الناس من كلامهم ولا يتبعونهم، ولا تنفتح لهم مغاليق القلوب بسبب أنهم لا يعملون بالعلم، هذا عنده علم قليل وعمل فيؤثر، وهذا عنده علم كثير بلا عمل فماذا يؤثر؟
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: قال لي عبد الله بن إدريس: "يا أبا عبيد مهما فاتك من العلم فلا يفوتنك العمل" [اقتضاء العلم العمل، ص: 47].
ولذلك كان بعض السلف إذا رأى رجلاً من تلاميذه يتأسف على فلان وفلان، يقول: فاتني الشيخ فلان مات وما سمعت منه ولا حديث، فاتني الشيخ فلان وما سمعت منه شيء، قال: لا تتأسف على فوات هؤلاء لكن اعمل بالعلم الذي قالوه تنتفع.
والعلم من غير عمل مثله أيضاً كالطعام الذي يرمى بلا فائدة، قال إسحاق بن إبراهيم الطبري سمعت الفضيل يقول: لو طلبت مني الدينار كان أيسر إليّ من أن تطلب مني الأحاديث" اطلب مني مالاً ولا تطلب مني أحاديث، "فقلت له: لو حدثتني بأحاديث فوائد ليست عندي كان أحب إليّ من أن تهب لي عددها من الدنانير، فقال: إنك مفتون، أما والله لو علمت بما قد سمعت لكان لك في ذلك شغلاً عما لم تسمع، ثم قال سمعت سليمان بن مهران يقول الأعمش: إذا كان بين يديك طعام تأكله فتأخذ اللقمة فترمي بها خلف ظهرك، كلما أخذت اللقمة ترمي بها خلف ظهرك فمتى تشبع؟ [اقتضاء العلم العمل، ص: 84] هذا حال الذي لا يعمل بعلمه.
وهذا المعنى هو تفسير كلام بعض السلف الذين ورد في كلامهم شيء من الندم على التطواف في جمع الحديث، وأنهم رحلوا وكتبوا وجمعوا، فما نقل عنهم في الندم في هذا: القصد منه أنهم قالوا: ليتنا كنا شغلنا الوقت بالعمل، وإلا فهم مأجورون على جمعه والرحلة فيه وحفظه وكتابته ونقله، وهم بصدق نيتهم يكون لهم أجر من عمل بهذا العلم الذي نقلوه.
وقال بعضهم: "إذا أراد الله بعبد خيرًا فتح له باب العمل وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد الله بعده شرًا فتح له باب الجدل وأغلق عنه باب العمل" [اقتضاء العلم العمل، ص: 84]، ولذلك من علامات الذين لا يعملون أنهم كثيري الجدال، إذا رأيت شخصاً كثير الجدال والمماراة فاعلم أنه قليل عمل، إذا رأيت الشخص كثير الجدال والمماراة ليس مناقشات مفيدة ولا أسئلة يريد أجوبة عليها، وإنما يماري ويجادل، إذا رأيته يماري ويجادل فاعلم أن عمله قليل، هذا كلام بعض السلف على آية الذين لا يعملون؛ لأن الله يفتح عليهم باب الجدل ويغلق عنهم باب العمل، فينشغلون بالجدال والمناقشات والمجادلات، ضاعت الأوقات فيها، ولذلك لا يعملون.
ونقل عن ابن مسعود قوله: "إن الناس أحسنوا القول كله" كلهم كلامهم طيب تجد الكلام حسن "فمن وافق قوله فعله فذاك الذي أصابه حظه، ومن خالف قوله فعله فإنما يوبخ نفسه" [الزهد، لأحمد، ص: 134].
فعلاً الذي يعلم ثم يخالف عمله قوله فإنما يوبخ نفسه أمام الناس وعند الله.
وقال علي بن أبي طالب: "إنما زهد الناس في طلب العلم لما يرونه من قلة انتفاع من علم بما علم" [أدب الدنيا والدين، ص: 76].
فإذًا، لو قال واحد: ما هي أضرار ترك العمل بالعلم؟
نقول: من أضرار ترك العمل بالعلم: صد الناس عن تعلم العلم؛ لأن الناس يقولون: هذا فلان، ما شاء الله كم يحفظ؟ وكم عنده؟ لكن أخلاقه سيئة! وتعامله سيئاً! ويتأخر عن الصلاة! ونحو ذلك! فإذًا، لماذا نتعلم إذا كان هؤلاء الذين يتعلمون هذا مصيرهم رأينا تجارب ونماذج من الذين تعلموا فلماذا نتعلم؟
فإذًا، الذي لا يعمل بالعلم يصد غيره عن التعلم، هذا معنى كلام علي بن أبي طالب : "إنما زهد الناس في طلب العلم لما يرونه من قلة انتفاع من علم بما علم" [أدب الدنيا والدين، ص: 76].
وكذلك فإن الإنسان إذا لم يعمل بعلمه صار قدوة سيئة، فينبغي على طالب العلم أن لا يقول ما لا يفعل، يجتنب أن يقول ما لا يفعل، أو يأمر بما لا يأتمر، أو يسر غير ما ظهر، قال الماوردي -رحمه الله- في كتاب: "آداب الدنيا والدين" في هذا الفصل: ولا يجعل قول الشاعر:
اعمل بقولي وإن قصرت في عملي | ينفعك قولي ولا يضرك تقصيري |
[أدب الدنيا والدين، ص: 77].
يقول لا تجعل هذه المقولة عذرًا للتقصير، بعض الناس، يقولون: أنت اعمل بكلامي الذي أقوله لك، ما عليك من عملي، بعض طلبة العلم ربما يقول للعامة أو يقول لشخص: اعمل بقولي، اعمل بكلامي الذي سأقوله لك، ما عليك من عملي، أنا ما عليك من سيرتي وطبيعتي وعملي،لا تنظر إلى عملي، اعمل بكلامي فقط، قال: لا تجعل هذا الكلام عذرًا للتقصير، لا يجعل قول الشاعر عذرًا لتقصيره فيضره وإن لم يضر غيره، فإن إصرار النفس يغريها ويحسن لها مساويها.
هذا قصة كيف أن الإنسان الذي لا يعمل بعلمه، العامي إذا تخيل أن العالم لم يعمل بالعلم تركه، ولو كان تخيله فاسدًا، حكي أن أعرابيًا أتى ابن أبي ذئب وكان من الفقهاء الكبار، فسأله عن مسألة طلاق فأفتاه بطلاق امرأته، قال: زوجتك طالق، فقال: انظر حسنًا، هذا قليل أدب، قال: انظر جيدًا راجع نفسك يا أيها العالم، قال: نظرت وقد بانت منك، فقال الأعرابي:
أتيت ابن ذئب أبتغي الفقه عنده | فطلق حتى البت تبت أنامله |
أطلق في فتوى ابن ذئب حليلتي | وعند ابن ذئب أهله وحلائله |
[أدب الدنيا والدين، ص: 77].
قال: ما شاء الله عنده زوجاته، ويقول لي: زوجتك طالق، لا والله ما أطلق زوجتي، والشيخ عنده زوجته، فهذا الشخص ظن بجهله أنه لا يلزمه الطلاق لأن الشيخ ما طلق، وما التزم بالطلاق، فهذا الجاهل الذي جهل ما بالك بالشخص الذي فعلاً يقول له الشيخ شيئًا يجب على الشيخ أن يلتزم به ثم هو يراه غير ملتزم به، ماذا يكون؟ فما ظنك بقول يجب فيه اشتراك الآمر والمأمور كيف يكون مقبولاً منه وغير عامل به ولا قابل له؟
كلا.
الحث على العمل بالعلم
وأما بالنسبة للحث على العمل بالعلم فإن في ذلك أخبارًا وآثارًا، يقول الله : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا[العنكبوت: 69] الذين يعملون بما يعلمون نهديهم إلى ما لا يعلمون.
وقال الماوردي -رحمه الله-: وليكن من شيمته العمل بعلمه وحث النفس على أن تأتمر بما يأمر به، ولا يكن ممن قال الله -تعالى- فيهم: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا[الجمعة: 5] الذي لا يعمل بعلمه كمثل الحمار يحمل أسفارًا، وكلما زاد على ظهره حزمة أخرى ووقر أخرى وهو لا يستفيد شيئًا.
وقال قتادة في قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ [يوسف: 68] قال: إنه العامل بما علم.
وكان دأب السلف الصالح العمل بالعلم.
ولذلك قلنا حصلت البركة في علمهم، قال أبو عبد الرحمن السلمي -رحمه الله-: حدثنا الذين كانوا يقرأون أنهم كانوا يستقرئون النبي ﷺ، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل فتعلمنا القرآن والعمل جميعًا.
إذًا، كانت طريقتهم التعلم والتطبيق، ما يتجاوزون آيات إلا ويعملون بها، فإذا عملوا تعلموا أخرى جديدة، وهكذا..
وقال ابن مسعود: "تعلموا فإذا علمتم فاعملوا" حسن موقوف عليه [مصنف بن أبي شيبة: 34547، وسنن الدارمي: 378].
وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير أنه قال: يا إخوتي اجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات في الجنة، وإن يكن الأمر شديدًا كما نخاف ونحاذر، يعني لو عملنا ثم ظهرت النتيجة يوم القيامة وبال، لم نقل: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر: 37].
إذا كان عملنا إذا جاءت سليمة الحمد لله، وإذا كان حصل لنا غير ذلك على الأقل من الفائدة أننا لا نقول كأهل النار: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ، وإنما نقول: يا ربنا قد عملنا فلم ينفعنا" [ اقتضاء العلم العمل، ص: 95].
والعمل والإيمان قرينان لا يصلح كل واحد منهما إلا مع صاحبه، وقال بعض السلف: "تعلموا العلم واعملوا به ولا تتعلموه لتتجملوا به فإنه يوشك إن طال بكم زمان أن يتجمل بالعلم كما يتجمل الرجل بثوبه" [الزهد والرقائق، لابن المبارك، ص: 475، وجامع بيان العلم وفضله، ص: 695].
ونقل عن علي قوله: "يا حملة العلم اعملوا به فإن العالم من علم ثم عمل، ووافق عمله علمه، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، تخالف سريرتهم علانيتهم، ويخالف عملهم علمهم، يقعدون حلقًا فيباهي بعضهم بعضًا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعدوا أعمالهم في مجالسهم إلى الله " [جامع بيان العلم وفضله، ص: 698].
هذا الشخص الذي طالبه إذا جلس إلى غيره زعل عليه وقال: لماذا تجلس إلى غيري؟ لا بدّ تجلس عندي، ويخاصمه إذا جلس إلى غيره، صار العلم مباهاة، صار تفاخراً، تكثير أتباع ومريدين أو طلبة، وليس المقصود وجه الله، لو صار المقصود وجه الله كان يفرح لو ذهب إلى شيخ آخر يستفيد منه.
أما أن يقول: تجلس عندي ولا تجلس عند غيري، ولو كان عند غيره فائدة، هذا إنسان صاحب دنيا وهوى، هذا صاحب شهوة يريد أن يجمع الناس حوله ولا يريد أن ينفضوا من عنده.
ولو أن طالبًا من الطلاب الذين عنده ذهب إلى غيره قاطعه وتركه.
وقال ابن مسعود: "كونوا للعلم وعاة" تعونه تجمعونه، "ولا تكونوا له رواة" كونوا كالوعاء للعلم يجمعه ينتفع به، "ولا تكونوا له رواة، فإنه قد يرعوي ولا يروي" ممكن واحد ما روى ولا حديث، ولا سمع حديثاً عن فلان عن فلان، ما نقله ولكنه لما سمعه من محدث ارعوى وانتفع، "فإنه قد يرعوي ولا يروي، ويروي ولا يرعوي" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 699] وشخص آخر يروي عن فلان وعن فلان ولا يستفيد.
وقال بعض الأدباء: ثمرة العلوم العلم بالمعلوم.
وقال بعض البلغاء: من تمام العلم استعماله، ومن تمام العمل استقلاله.
ما معنى: "استقلاله"؟
يعني أن يراه قليلاً، يقول: "من تمام العمل استعماله، ومن تمام العمل استقلاله فمن استعمل عمله لم يخلو من رشاد، ومن استقل عمله لم يقصر عن مراد" [أدب الدنيا والدين، ص: 76 - 77]؛ لأنه إذ رأى عمله قليلاً صار يريد أن يعمل أكثر ليعوض.
وقال الشاعر البليغ في الحث على العمل بالعلم:
اعمل بعلمك تغنم أيها الرجل | لا ينفع العلم إن لم يحسن العمل |
والعلم زين وتقوى الله زينته | والمتقون لهم في علمهم شغل |
وحجة الله يا ذا العلم بالغة | لا المكر ينفع فيها لا ولا الحيل |
تعلم العلم واعمل ما استطعت به | لا يلهينك عنه اللهو والجدل |
وعلم الناس واقصد نفعهم أبدا | إياك إياك أن يعتادك الملل |
وعظ أخاك برفق عند زلته | فالعلم يعطف من يعتاده الزلل |
وإن تكن بين قوم لا خلاق لهم | فأمر عليهم بمعروف إذا جهلوا |
فإن عصوك فراجعهم بلا ضجر | واصبر وصابر ولا يحزنك ما فعلوا |
فكل شاة برجليها معلقة | عليك نفسك إن جاروا وإن عدلوا |
[اقتضاء العلم العمل، ص: 39 - 30].
وينبغي على المسلم أن يحث نفسه على العلم وأن يعاتب نفسه، قال ابن الجوزي -رحمه الله- في "صيد الخاطر": "لما رأيت نفسي في العلم حسنًا" يعني نظريًا استحسنت نفسي نظريًا "فهي تقدمه على كل شيء، وتعتقد الدليل، وتفضل ساعة التشاغل به على ساعة النوافل"، وفعلاً كلام العلماء كالإمام أحمد وغيره -رحمه الله- أن تعلم العلم أفضل من النوافل، وتقول أقوى دليل على فضله على النوافل أني رأيت كثيرًا ممن شغلتهم نوافل الصلاة والصوم عن نوافل العلم قد عاد ذلك بالقدح بالأصول، "فرأيتها في هذا الاتجاه على الجادة السليمة والرأي الصحيح إلا أني رأيتها مع صورة التشاغل بالعلم فصحت بها: فما الذي أفادك العلم؟ أين الخوف؟ أين القلق؟ أين الحذر؟
أو ما سمعت بأخبار أخيار الأحبار في تعبدهم واجتهادهم؟
أما كان رسول الله ﷺ سيد الكل ثم إنه قام حتى ورمت قدماه؟
أما كان أبو بكر شديد النشيج كثير البكاء؟
أما كان في خد عمر خطان من آثار الدموع؟
أما كان عثمان يختم القرآن دائمًا؟
أما كان علي يبكي بالليل في محرابه حتى تخضل لحيته بالدموع، ويقول: يا دنيا غري غيري؟
أما كان الحسن البصري يحيا على قوة القلق؟
أما كان سعيد بن المسيب ملازمًا للمسجد فلم تفته صلاة في جامعه أربعين سنة؟
أما صام الأسود بن يزيد حتى اخضر واصفر؟
أما قالت بنت الربيع بن خيثم له: ما لي أرى الناس ينامون وأنت لا تنام، قال: إن أباك يخاف عذاب البيات؟
أما كان أبو مسلم الخولاني يعلق السوط في المسجد يؤدب به نفسه إذا فتر؟
أما صام يزيد الرقاشي أربعين سنة، وكان يقول: ولهفاه سبقني العابدون وقطع بي؟
أما كان سفيان الثوري يبكي الدم من الخوف؟
أما كان إبراهيم بن أدهم يبول الدم من الخوف؟
أما تعلمين أخيار الأئمة الأربعة زهدهم وتعبدهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد؟
احذري من الإخلاد إلى صورة العلم مع ترك العمل به فإنها حالة الكسالى الزمنى
[صيد الخاطر، ص: 84 - 86].
فوائد العمل بالعلم
أما فوائد العمل بالعلم فإن العمل بالعلم له فوائد كثيرة؛ منها:
أولاً: أن العمل بالعلم يورث الإنسان علم شيء جديد لم يكن يعلمه من قبل، كما قال بعض السلف: من عمل بما يعلم أورثه الله -تعالى- علم ما لا يعلم.
تعلم شيء جديد.
وكذلك فإنه يتعلم المفيد، يعني العمل بالعلم يقودك إلى تعلم الشيء المفيد، قال إبراهيم: "من تعلم علمًا يريد به وجه الله والدار الآخرة آتاه الله من العلم ما يحتاج إليه" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 709].
لكن الذي لا يعمل ما يفرق بين العلم المفيد وغير المفيد، لو كان يعمل لفهم أن هذا مفيد ووفقه الله إلى المفيد.
ومن فوائد العمل بالعلم: حفظه؛ لأن الواحد إذا طبق الشيء يحفظه إذا مارسه ، عن الشعبي قال: "كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 712].
هذه عبارة مهمة جداً جدا "كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به، وكنا نستعين في طلبه بالصوم" نصوم حتى نطلب العلم، ما ننشغل بطعام وشراب في طلبه، ونستعين على حفظه بالعمل به.
وكذلك من فوائد العمل بالعلم: أن يقي الإنسان الطغيان، قال يوسف بن الحسين: "في الدنيا طغيانان: طغيان العلم، وطغيان المال، والذي ينجيك من طغيان العلم العبادة، والذي ينجيك من طغيان المال الزهد فيه" [اقتضاء العلم العمل، ص: 34].
ومن فائدة العمل بالعلم كذلك: النجاة يوم القيامة، أن يرى الإنسان الأعمال الصالحة، الثمرات يوم القيامة، عن الحسن قال: "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال، من قال حسنًا وعمل غير صالح رده الله على قوله، ومن قال حسنًا وعمل صالحًا رفعه العمل، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا[فصلت: 30]، وذلك لأن الله –تعالى- يقول: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: 10] [شعب الإيمان: 1/161].
وقال الأصمعي: أنشد رجل من أهل البصرة:
فما لك يوم الحشر شيء سوى | الذي تزودته قبل الممات إلى الحشر |
إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصدا | ندمت على التفريط في زمن البذر |
[اقتضاء العلم العمل، ص: 105].
إذًا، العمل بالعلم ثمرات وحسنات يوم القيامة ونجاة ونور يوم القيامة.
من فوائد العمل بالعلم: أن يكسب الإنسان التواضع، وقال مالك بن دينار: "إن العبد إذا طلب العلم للعمل كسره علمه، وإذا طلبه لغير ذلك ازداد فيه فجورًا أو فخرًا".
وقال الجنيد: "العلم يشير إلى استعماله فإذا لم تستعمل العلم في مراتبه رحلت بركاته" [اقتضاء العلم العمل، ص: 34].
إذًا، العمل بالعلم يجلب البركة، هذه من الفوائد.
وكذلك من فوائد العمل بالعلم: أن الداعي العامل بعلمه يكون مؤثراً في الناس، كلماته مؤثرة في الناس، قال زياد بن أبي سفيان: "إذا خرج الكلام من القلب وقع في القلب، وإذا خرج من اللسان لم يجاوز الآذان".
وكان سوار يقول: "كلام القلب يقرع القلب، وكلام اللسان يمر على القلب صفحًا" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 703].
فإذًا، الإنسان متى يقع كلامه في قلوب الآخرين؟
إذا خرج من قلب صادق.
وكيف يكون قلبه صادقًا؟
إذا كان بعلمه عاملاً.
أَيُّهَا الطَّالِبُ الْحَرِيصُ تَعَلَّمْ | أَنَّ لِلْحَقِّ مَذْهَبًا قَدْ ضَلَلْتَهُ |
لَيْسَ يُجْدِي عَلَيْكَ عِلْمُكَ إِنْ لَمْ | تَكُ مُسْتَعْمِلًا لِمَا قَدْ عَلِمْتَهُ |
قَدْ لَعَمْرِي اغْتَرَبْتَ فِي طَلَبِ الْ | عِلْمِ وَحَاوَلْتَ جَمْعَهُ فَجَمَعْتَهُ |
وَلَقِيتَ الرِّجَالَ فِيهِ وَزَاحَمْتَ | عَلَيْهِ الْجَمِيعَ حَتَّى سَمِعْتَهُ |
ثُمَّ ضَيَّعْتَ أَوْ نَسِيتَ وَمَا يَنْفَعُ | عِلْمٌ نَسِيتَهُ أَوْ أَضَعْتَهُ |
تَصِفُ الْحَقَّ وَالطَّرِيقَ إِلَيْهِ | فَإِذَا مَا عَلِمْتَ خَالَفْتَ سَمْتَهُ |
[جامع بيان العلم وفضله، ص: 705].
وقال ابن الجوزي -رحمه الله- في ذكر فائدة في العمل بالعلم، قال: "إنما ينال معناه من تعلمه للعمل به، ليس العلم بمجرد صورته هو النافع، إنما ينال معناه من تعلمه للعمل به" [صيد الخاطر، ص: 172].
كثير من الأحيان الإنسان يحفظ حديثاً أو آية أو كلاماً أو حكماً شرعياً لكن عند تطبيقه يفهمه، وقبل أن يطبقه لم يكن يفهمه.
كثير من الأحيان نحن نسمع كلاماً ونحفظ حكماً أو شيئاً، لكن إذا طبقناه فهمنا منه معنى ما كنا نفهمه.
الآن الصحابة كانوا يحفظون قول الله : وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا[آل عمران: 144]، ويحفظون قول الله : إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ [الزمر: 30]، لكن لما مات النبي ﷺ وقرئت عليهم وجدوا لها معنى آخر غير الذي كانوا وجدوه من قبل.
إذًا، تطبيق العلم يفيدك معان لم تكن في نفسك من قبل.
"فكلما دله على فضل اجتهد في نيله، وكلما نهاه عن نقص بالغ في تجنبه، فحينئذ يكشف العلم له سره، ويسهل عليه طريقة، فيصير كمجتذب يحث الجاذب" لو وضعت المغناطيس مع حديدة وحركت المغناطيس الحديدة تلحق المغناطيس، العامل بالعلم كذلك يسهل عليه الطريق، والعلم يأتي إليه تباعًا، بسهولة مثل المغناطيس الذي يجذب الحديد، فإذا حركه عجل في سيره، "والذي لا يعمل بالعلم لا يطلعه العلم على غوره، ولا يكشف له عن سره، فيكون كمجذوب لجاذب جاذبه" فالقضية في صراع ولكن ليس فيها يسر وسهولة "فافهم هذا المثل، وحسن قصدك وإلا فلا تتعب" [صيد الخاطر، ص: 172].
وكذلك فإن تتبع سيرة العلماء الربانيين من الأمور المهمة الذين كانوا يعملون بالعلم، العلماء العاملون هذه مهمة جداً في اكتساب العمل بالعلم، تتبع سير العلماء العاملين، قال الثوري -رحمه الله-: "العلماء إذا علموا عملوا فإذا عملوا شغلوا" شغلوا بهذا العمل، "فإذا شغلوا فقدوا" ما رآهم الناس، "فإذا فقدوا طلبوا" بحث الناس عنهم وسألوا ودقوا الأبواب، "فإذا طلبوا هربوا" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 701] إخلاصًا لله .
وعن الحسن قال: "اعتبروا الناس بأعمالهم ودعوا أقوالهم، فإن الله لم يدع قولاً إلا جعل عليه دليلاً من عمل يصدقه أو يكذبه، فإذا سمعت قولاً حسناً فرويداً بصاحبه فإن وافق قوله عمله فنعم، ونعمت عين" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 698].
والعلماء هؤلاء العالمون الربانيون الذين وافق علمهم عملهم، هؤلاء هم الذين يطلبون.
وينبغي على الإنسان إذا فاق الناس بالعلم أن يفوقهم بالعمل؛ كما قال الحسن: الذي يفوق الناس في العلم جدير أن يفوقهم في العمل" [جامع بيان العلم وفضله، ص: 707].
نماذج رائعة في العمل بالعلم
وكانوا -رحمهم الله- حريصين على العمل بالعلم، ولهذا نماذج من السلف، فمثلاً النبي ﷺ قال: نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل قال نافع: فلم ينم عبد الله بعدها من الليل إلا قليلاً [رواه البخاري: 1122، ومسلم: 2479] يعني بمجرد علمه سار على التطبيق والتطبيق يأخذ وقت طويل إلى آخر العمر.
حكيم بن حزام لما وعظه النبي ﷺ في المسألة ألا يسأل أحدًا شيئًا قال: لا أرزأ بعدك أحدًا، لا أسأل بعدك أحداً، وظل إلى آخره عمره حتى كان يأتيه من بيت المال من الخليفة العطاء يتركه ولا يأخذه، حتى أن الخليفة يشهد الناس يقول: أشهدكم هذا عطاء حكيم أعطيه إياه فلا يقبل [صحيح البخاري: 1472، ومسلم: 1035].
علي بن أبي طالب أذكار النوم كان يحافظ عليها حتى في مواقف الفزع والخوف، لما سئل في صفين، معركة صفين، قال: لم أدعه ولا يوم صفين [صحيح البخاري: 5362، وصحيح مسلم: 80].
وعبد الله بن عمر سمع عائشة تتكلم عن أجر اتباع الجنائز والصلاة عليها.
وكان ابن عمر ينفي أن يكون له قيراطان للذي يتبع الجنائز، ويصلي عليها، فلما سمع أن عائشة تقر ذلك وتثبته عن النبي ﷺ قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة [صحيح مسلم: 945] يعني يتحسر على أشياء ما عملها من العلم، فاتته.
ومن عجائب الإمام أحمد -رحمه الله- أنه كان بعض المصنفين لا يضع حديثًا في كتابه إلا ويعمل به ولو مرة، حتى أنه احتجم وأعطى الحجام دينارًا، قال لأن النبي ﷺ احتجم وأعطى الحجام دينارًا، ترى الدينار أربعة غرام وربع من الذهب، يعني كم ريال؟
أكثر من مائتين ريال.
احتجم الإمام أحمد -رحمه الله- وأعطى الحجام دينارًا، فسئل قال لأن النبي ﷺ احتجم فأعطى الحجام دينارًا.
وكان بعض الشيوخ في المسجد يقرأ عنده طلابه فقرأوا حديث النبي ﷺ أنه ﷺ: صلى في إزار ورداء فدخل يتجهز للصلاة ثم خرج في إزار ورداء فصلى، فالناس سألوا طلابه، قالوا: ما بال الشيخ أحرم بالحج؟ قالوا: لا، ولكن قرأ حديث النبي ﷺ أنه صلى بإزار ورداء، فمن مسارعته ومن شغفه في ذلك سارع إلى عمله.
وهذا الذي يتتبعه يجده كثيراً في أفعال السلف، أنهم كانوا بمجرد أن يعلموا الشيء يعملوه مباشرة، يطبقوه مباشرة، حتى أن واعظًا من الوعاظ قيل له: حث الناس على العتق، وكان فقيرًا فلم يتكلم إلا بعد مدة، فلما سئل عن سبب تأخره قالوا: طلبنا منك تحث الناس على العتق؟ قال: انتظرت حتى تجمع لي مال فأعتقت ثم تكلمت عن العتق، يعني لا يريدون أن يتكلموا في شيء من دون عمل رحمهم الله تعالى.
هذا طرف من حال العلماء العاملين.
نسأل الله أن يجعلنا ممن يسير على نهجهم.
قلة العلماء العاملين
وبمناسبة ذكر العلماء العاملين وهم عملة نادرة، يقول ابن الجوزي -رحمه الله- كلامًا في هذا يقول: "تأملت الأرض ومن عليها بعين فكري فرأيت خرابها أكثر من عمرانها" يعني الأماكن المعمرة أقل من الأماكن التي بدون عمران "ثم نظرت إلى المعمور منها فوجدت الكافرين مستولين على أكثره ووجدت أهل الإسلام في الأرض قليلاً.
ثم تأملت المسلمين فرأيت الأكساب قد شغلتهم جمهورهم عن الرزق، وأعرضت بهم عن العلم الدال عليه، المسلمون منشغلون بالمال وجمع الأموال والمعيشة عن العلم".
ثم بدأ يصنف ما رآه في عهده من انشغال الناس قال: "فالسلطان مشغول بالأمر والنهي واللذات العارضة له ومياه أغراضه جارية لا شكر لها، ولا يتلقاه أحد بموعظة، بل بالمدحة التي تقوي عنده هوى النفس، وإنما ينبغي أن تقاوم الأمراض بأضدادها، كما قال عمر بن المهاجر: قال لي عمر بن عبد العزيز: إذا رأيتني قد حدت عن الحق فخذ بثيابي وهزني، وقل: مالك يا عمر؟ وقال ابن الخطاب : رحم الله من أهدى إلينا عيوبنا، فأحوج الخلق إلى النصائح السلطان.
وأما جنوده فجمهورهم في سكر الهوى، وزينة الدنيا، وقد انضاف إلى ذلك الجهل وعدم العلم، فلا يؤلمهم ذنب ولا ينزعجون من لبس الحرير أو شرب الخمر، حتى ربما قال بعضهم: أيش يعمل الجندي؟ ألبس القطن؟ ثم أخذهم للأشياء من غير وجهها فالظلم معهم كالطبع.
وأرباب البوادي قد غمرهم الجهل وكذا أهل القرى، ما أكثر تقلبهم في الأنجاس وتهوينهم لأمر الصلوات، وربما صلت المرأة منهم قاعدة، يعني هذا من الأشياء عند البادية من الجهل تصلي المرأة قاعدة.
ثم نظرت للتجار فرأيتهم قد غلب عليهم الحرص حتى لا يرون سوى وجوه الكسب كيف كانت، وصار الربا في معاملتهم فاشيًا فلا يبالي أحدهم من أين تحصل له الدنيا، وهم في باب الزكاة مفرطون، ولا يستوحشون من تركها إلا من عصم الله.
ثم نظرت في أرباب المعاش فوجدت الغش في معاملتهم عامًا، والتطفيف والنجش، وهم مع هذا مغمورون بالجهل.
ورأيت عامة من له ولد يشغله ببعض هذه الأشغال طلبًا للكسب، قبل أن يعرف ما يجب عليه وما يتأدب به.
ثم نظرت في النساء فوجدتهن قليلات الدين، عظيمات الجهل، ما عندهن من الآخرة خبر إلا من عصم الله، فقلت: واعجبًا فمن بقي لخدمة الله ومعرفته؟
فنظرت فإذا العلماء والمتعلمون والعباد والمتزهدون، فتأملت العباد والمتزهدين فإذا جمهورهم يتعبد بغير علم، ويأنس إلى تعظيمه وتقبيل يده، وكثرة أتباعه، حتى أن أحدهم لو اضطر أن يشتري حاجة من السوق لم يفعل لئلا ينكسر جاهه، ماذا يقولون عنه؟ الشيخ في السوق يشتري؟ ثم تترقى بهم رتبة الناموس إلى أن لا يعودوا مريضًا، ولا يشهدوا جنازة، هؤلاء مشايخ الصوفية وغيرهم يرون أنهم لو ذهبوا لعيادة مريض، واتباع جنازة، أنهم قد حطوا من قدرهم، إلا أن يكون يعني المريض أو الميت عظيم القدر عندهم، ولا يتزاورون، بل ربما ضن بعضهم على بعض بلقاء، فقد صارت النواميس يعني التقاليد المتبعة عند هؤلاء المتزهدين والمتصوفين، صارت النواميس كالأوثان يعبدونها ولا يعلمون، وفيهم من يقدم على الفتوى بجهل لئلا يخل بنواميس التصدر، كيف سئلت يا أيها الشيخ تسأل وتقول: لا أدري هذا يحط من قدرك أجب ولابد؟ ثم يعيبون العلماء لحرصهم على الدنيا، هؤلاء المتصوفة يعيبون على العلماء لحرصهم على الدنيا، ولا يعلمون أن المذموم من الدنيا ما هم فيه، لا تناول المباحات.
ثم تأملت العلماء المتعلمين فرأيت القليل من المتعلمين عليه أمارة النجابة؛ لأن أمارة النجابة طلب العلم للعمل به، وجمهورهم يطلب منه ما يصيره شبكة للتكسب، إما ليأخذ به القضاء، لماذا يدرس العلم الشرعي؟ ليصبح قاضياً، أو ليصير به قاضي بلد، أو قدر ما يتميز به عن أبناء جنسه ثم يكتفي.
وهذا الكلام يصلح أن يطبق اليوم بالدقة، ويقال: كثير من هؤلاء الذين يدرسون العلوم الشرعية تجد بعضهم يرسل للوظيفة مدرساً أو قاضياً ونحوه، يقال: الدكتور فلان، ثم يكتفي، لاحظ كلامه رحمه الله: أو قدر ما يتميز به عن أبناء جنسه ثم يكتفي، يودع العلم بعد رسالة الدكتوراه، هؤلاء المتعلمون.
ثم تأملت العلماء فرأيت أكثرهم يتلاعب به الهوى ويستخدمه، فهو يؤثر ما يصده العلم عنه، ويقبل عما ينهاه عنه، ولا يكاد يجد ذوق معاملة لله -سبحانه-، وإنما همته أن يقول وحسب، إلا أن الله لا يخلي الأرض من قائم له بحجة، جامع بين العلم والعمل، عارف بحقوق الله، خائف منه، فذاك قطب الدنيا، ومتى مات أخلف الله عوضه، ومثل هذا لا تخلو الأرض منه فهو بمقام النبي في الأمة، وهذا الذي أصفه يكون قائمًا بالأصول حافظًا للحدود، وربما قل علمه أو قلت معاملته.
فأما الكاملون في جميع الأدوات فيندر وجودهم، فيكون في الزمان البعيد منهم واحد، ولقد سبقوا السلف كلهم فأردت أن استخرج منهم من جمع بين العلم حتى صار من المجتهدين وبين العمل حتى صار قدوة للعابدين، فلم أر أكثر من ثلاثة: أولهم: الحسن البصري، وثانيهم: سفيان الثوري، وثالثهم: أحمد بن حنبل.
وقد أفردت أخبار كل واحد منهم في كتاب، وما أنكر على من ربعهم بسعيد بن المسيب" [صيد الخاطر، ص: 68 - 71].
إذًا، العلماء العاملون هؤلاء عملة نادرة إذا كان ذلك في القديم فكيف بالحديث؟ فكيف في العصر هذا؟
هل نترك العلم لأجل العمل؟
وهنا نأتي إلى مسألة أو شبهة: هل نترك العلم لأجل العمل أو العكس؟ إذا قال قائل: هل نترك العلم لأجل العمل؟
نقول: لابد أن نعبد نصلي ونذكر ونتلو ونحج ونعتمر ونصل ونبر، ونتصدق ونتعامل بالمعروف، هل نترك العلم لأجل العمل؟
أما الانقطاع عن العلم إلى العمل، والانقطاع عن العمل إلى العلم إذا عمل بموجب العلم، فقد حكي عن الزهري فيه ما يغني عن تكلف غيره وهو أنه قال: "العلم أفضل من العمل به لمن جهل، والعمل أفضل من العلم لمن علم" [أدب الدنيا والدين، ص: 78].
هب أن إنسانًا يريد أن يحج ولا يعلم الحج ما هو الأفضل له؟ أن يتعلم الحج أولاً، يريد أن يبيع ويشتري وهو لا يعلم أحكام البيع والشراء فهو يتعلم أولاً، وهكذا أحكام الصلاة والطهارة وغيرها.
وأما فضل ما بين العلم والعمل إذا لم يخل بواجب ولم يقصر في فرض فإن الإنسان عند ذلك يعمل، إذا علم يعمل، فإذا احتاج العلم تعلم ولو لإفادة غيره يتعلم لإفادة غيره.
وينبغي أن نعلم أيضاً أن ترك العمل بالعلم ينقسم إلى قسمين: ترك الائتمار بالواجبات الشرعية، والانتهاء عن المحرمات الشرعية، فهذا حرام ومن الكبائر، يعني إذا وصل بالإنسان ترك العمل بالعلم أنه ترك الواجبات ووقع في المحرمات، فلا شك أن هذا من الكبائر، وعليه تحمل الآيات والأحاديث المتوعدة من ترك العمل بالعلم: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا[الجمعة: 5].
ومن أقسام ترك العمل: ترك المستحبات وترك اجتناب المكروهات، فهذا قد يذم لكنه لا يدخل في أحاديث الوعيد إلا أن العالم وطالب العلم ينبغي لهما المحافظة على السنن واجتناب المكروهات.
ومن المزالق في طلب العلم المتعلقة بالعمل الانشغال بالرسم والصورة والشكل عن الحقيقة والمعنى، قال ابن الجوزي: رأيت أكثر العلماء مشغولين بصورة العلم دون فهم حقيقته ومقصوده، فالقارئ مشغول بالروايات، أي بالقراءات "عاكف على الشواذ" يعني يتتبع القراءات الشاذة "يرى أن المقصود نفس التلاوة، ولا يتلمح عظمة المتكلم ولا زجر القرآن ووعده، وربما ظن أن حفظ القرآن يدفع عنه، فتراه يترخص في الذنوب" يقول: أنا حافظ وعالم مهما وقعت من الذنوب علمي يشفع لي، وحفظي يمحو خطاياي "ولو فهم لعلم أن الحجة عليه أقوى ممن لم يقرأ، والمحدث يجمع الطرق ويحفظ الأسانيد ولا يتأمل مقصود المنقول" يعني يهتم بالسند دون المتن، ما يعمل بالمتن ويهتم بالسند "ويرى أنه قد حفظ على الناس الأحاديث فهو يرجو بذلك السلامة، وربما رخص في الخطايا ظنًا منه أن ما فعله في خدمة الشريعة يدفع عنه" يقول: أنا نقلت أحاديث الأمة، وحفظت أحاديث، حفظي هذا يشفع لي لو أني تهاونت وأذنبت فالأمر سهل، علمي يشفع لي، هذا ضلال مبين "والفقيه قد وقع له أنه ما عرف من الجدال الذي يقوى به خصامه والمسائل التي عرف فيها المذهب قد حصل بما يفتي فيه الناس ما يرفع قدره، ويمحو ذنبه، فربما هجم على الخطايا ظنًا منه أن ذلك يدفع عنه، وربما لم يحفظ القرآن ولم يعرف الحديث" بعض المتفقهة على مذهب يدخلون في المذهب وتفاصيل المذهب وفروع المذهب ومسائل المذهب وهم لا يحفظون الآيات ولا الأحاديث، "ولم يعرف الحديث، وأنهما ينهيان عن الفواحش بزجر ورفق، ويضاف إليه من الجهل بهما حب الرياسة وإيثار الغلبة في الجدل، فتزيد قسوة قلبه، وعلى هذا أكثر الناس صور العلم عندهم صناعة، فهي تكسبهم الكبر والحماقة.
وقد حكى بعض المعتبرين عن شيخ أفنى عمره في علوم كثيرة أنه فتن في آخره عمره بفسق أصر عليه، وبارز الله به، وكانت حالته تعطي بمضمونها أن علمي يدفع عن شر ما أنا فيه، ولا يبقى له أثر" [صيد الخاطر، ص: 449 - 450] وهؤلاء لم يفهموا معنى العلم، وليس العلم صور الألفاظ، إنما المقصود فهم المراد منه، وذلك يورث الخشية والخوف، ويري المنة للمنعم بالعلم وقوة الحجة له على المتعلم.
إذًا، الانشغال بصورة العلم ورسمه وشكله دون حقيقته ومعناه هذا من المزالق العظيمة.
قصيدة جميلة في الحث على العمل بالعلم
وإليكم الآن قصيدة جميلة لأحد الآباء يعظ ولده في العلم والعمل به، وهي قصيدة رائعة وطويلة لكن اقتطفت منها هذه الأبيات، الولد يكنى بأبي بكر، وأبوه يناجيه ويناديه ويعاتبه، يقول له:
أَبَا بكر دعوتك لَو أجبتا | إِلَى مَا فِيهِ حظك إِن عقلتا |
إِلَى علم تكون بِهِ إِمَامًا | مُطَاعًا إِن نهيت وَإِن أمرتا |
وتجلو مَا بِعَيْنِك من عشاها | وتهديك السَّبِيل إِذا ضللتا |
وَتحمل مِنْهُ فِي ناديك تاجا | ويكسوك الْجمال إِذا اغتربتا |
ينالك نَفعه مَا دمت حَيا | وَيبقى ذخره لَك إِن ذهبتا |
وكنز لَا تخَاف عَلَيْهِ لصا | خَفِيف الْحمل يُوجد حَيْثُ كنتا |
يزِيد بِكَثْرَة الْإِنْفَاق مِنْهُ | وَينْقص أَن بِهِ كفا شددتا |
فَلَو قد ذقت من حلواه طعما | لآثرت الْعلم التَّعَلُّم واجتهدتا |
وَلم يشغلك عَنهُ هوى مُطَاع | وَلَا دنيا بزخرفها فتنتا |
فواظبه وَخذ بالجد فِيهِ | فَإِن أعطاكه الله أخذتا |
وَإِن أُوتيت فِيهِ طَوِيل بَاعَ | وَقَالَ النَّاس إِنَّك قد سبقتا |
فَلَا تأمن سُؤال الله عَنهُ | بتوبيخ علمت فَهَل عملتا |
[ديوان أبي إسحاق الإلبيري، ص: 26].
الوسائل المعينة على العمل بالعلم
وأخيرًا: نتكلم عن الطرق التي بها يحصل الإنسان العمل بالعلم:
أولاً: تصحيح النية، قال أبو عبد الله الروبذاني: "من خرج إلى العلم يريد العلم لم ينفعه العلم، ومن خرج إلى العلم يريد العمل بالعلم نفعه قليل العلم" [اقتضاء العلم العمل، ص: 34].
إذًا، إذا كانت نيتك العمل بالعلم، عنده الخروج للتعلم هذا مما يوفق الله به صاحبه إلى العمل بالعلم والانتفاع به.
ثانيًا: استغلال الفراغ، فإن النبي ﷺ قال: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ[رواه البخاري: 6412].
وقال ﷺ: اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك[رواه البيهقي في السنن الكبرى: 11832، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 3355].
اغتم بالعلم والتعلم.
وقال الأعمش: سمعتهم يذكرون أن شريحًا رأى جيرانًا له يجولون، يتجولون ويتروحون، فقال: مالكم؟ قالوا: فرغنا اليوم، اليوم عندنا فراغ وعطلة، قال: وبهذا أمر الفارغ؟ [صفة الصفوة: 2/24].
أمر الفارغ بأن يذهب ويضيع وقته سدى.
وكذلك من وسائل العلم بالعمل: إحداث العبادة لله حسب السنة، قالوا أبو قلابة: إذا أحدث الله لك علمًا فأحدث له عبادة، ولا يكن إنما همك أن تحدث به الناس.
ومن الوسائل: دعاء الله ، قال أبو بكر بن العربي: "ولقد كنت بمكة مقيماً في ذي الحجة سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وكنت أشرب ماء زمزم كثيراً، وكلما شربته نويت به العلم والإيمان حتى فتح الله لي بركته في المقدار الذي يسره لي من العلم، ونسيت أن أشربه للعمل؛ ويا ليتني شربته لهما، حتى يفتح الله علي فيهما، ولم يقدر؛ فكان صغوي إلى العلم أكثر منه إلى العمل، ونسأل الله الحفظ والتوفيق برحمته" [أحكام القرآن، لابن العربي: 3/98] هذا من العلماء العاملين لكن لتواضعه، يقول ذلك.
إذًا، الدعاء.
وكذلك من الوسائل المهمة: نشره وتعليمه بين الناس ابتغاء وجه الله ، وتطبيقه ليكون الإنسان قدوة يعلم بالقدوة، لو دخل المسجد صلى ركعتين قبل أن يجلس، هذا تعليم بالقدوة، تطبيق للعلم، نقله مطبقًا، هذا يساعد في تطبيقه، وأن تكون النفس تألف ذلك.
وكذلك من الأسباب التي ينبغي أن يحرص عليها الإنسان في هذا: الحرص على العلوم النافعة؛ لأن العلوم الضارة لو طبقها تضره، وأقل ما فيها أنها تضيع الوقت، وسأل رجل الإمام أحمد عن العبد المدبر، فقال له الإمام أحمد: لو احتلمت وأنت صائم ماذا تصنع؟ قال: لا أدري، قال: اشتغل بما ينفعك.
والنظر في سير السلف -رحمهم الله- في تطبيق العلم أيضاً من العلاجات.
الحرص على الرفقة العاملة وليس الرفقة القاعدة، الرفقة التي إذا سمعت سنة استجابت وطبقت، ثم نشرت بين الناس.
إذا كانت رفقتك من أهل الجدل العقيم، هؤلاء لا تجالسهم.
من الأشياء التي تساعدك في تطبيق العلم: أن تجالس الرفقة التي تعمل، الصحابة لما كانوا يصلون جاءهم آت، فقال: القبلة تحولت من بيت المقدس إلى مكة استداروا كهيئتهم، استداروا بإمامهم إلى جهة القبلة.
وكذلك من وسائل التطبيق والعمل بالعلم: أن نجتنب الاستزادة من العلوم التي تطبيق غيرها أفود منها، وعدم التبحر في علوم نظرية يكون تطبيق الأخرى أولى مثل الإغراق في علم النحو، ليس الاهتمام، الاهتمام مطلوب.
أما الإغراق فيه فلا، حضر رجل من الأشراف وعليه ثوب حرير عند الإمام مالك فتكلم مالك بكلام لحن فيه، أخطأ الإمام مالك -رحمه الله- في إعراب كلمة، فقال الشريف: حضر رجل من الأشراف عليه ثوب حرير، قال: فتكلم مالك بكلام لحن فيه، قال: فقال الشريف: ما كان لأبوي هذا درهمان ينفقان عليه، ويعلمانه النحو؟" هذا واحد لابس ثوب حرير جالس في المجلس، سمع الشيخ أخطأ في الكلام في اللغة العربية، قال: هذا أبواه ما عندهم درهمين يعلموا ولدهم النحو "قال: فسمع مالك كلام الشريف فقال: لأن تعرف ما يحل لك لبسه مما يحرم عليك خير لك من "ضرب عبد الله زيدا"، "وضرب زيد عبد الله" [اقتضاء العلم العمل، ص: 94].
وعن مالك بن دينار قال: "تلقى الرجل وما يلحن حرفًا" في قواعد اللغة ما شاء الله "وعمله لحن كله" [اقتضاء العلم العمل، ص: 91] كل عمله خطأ.
ومحمد بن المثنى السمسار قال: "كنا عند بشر بن الحارث وعنده العباس بن عبد العظيم العنبري، وكان من سادات المسلمين، فقال له: يا أبا نصر أنت رجل قد قرأت القرآن وكتبت الحديث، فلم لا تتعلم من العربية ما تعرف به اللحن حتى لا تلحن؟ قال: ومن يعلمني يا أبا الفضل؟ قال: أنا يا أبا نصر، قال: فافعل، قال: قل: "ضرب زيد عمرا"، قال: فقال له بشر: يا أخي ولم ضربه؟ قال: يا أبا نصر ما ضربه، وإنما هذا أصل وضع، فقال بشر: هذا أوله كذب لا حاجة لي فيه" [اقتضاء العلم العمل، ص: 95].
وليس المقصود أننا لا نتعلم اللغة، بل هو شيء مهم لكن بعض الطلاب يتبحرون في علوم ويستقصون فيها أطراف وأشياء وهم عندهم أسس ما عملوا بها.
ومن أسباب ترك العمل بالعلم: قلة العلم أصلاً، فالذي ما عنده علم بالمسألة كيف يطبق، وعدم وضوح الهدف في طلب العلم، وفساد النية.
وكذلك توهم الكمال، بعض الطلاب يقول: أنا ما أطبق حتى أخلص العلم، إذا خلصت العلم أطبق، فنقول: هذا لا شك أن يفرط تفريطًا عظيمًا.
فهذا بعض ما يتعلق بهذا الموضوع.
وقد تكلم العلماء فيه مثل الخطيب البغدادي -رحمه الله تعالى- في كتاب "اقتضاء العلم العمل" و "الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع"، و "الفقيه والمتفقه"، وتكلم الماوردي -رحمه الله- في "أدب الدنيا والدنيا" عن هذا الموضع، وذكر طرفًا منه العلامة ابن عبد البر -رحمه الله- في "جامع بيان العلم وفضله".
وكذلك ذكره أيضاً جماعة من المصنفين في نتف من كتبهم، جمعتها لكم في هذا الدرس الذي أسأل الله أن نخرج منه ونحن بعزيمة على التطبيق، وأن نحاول كل ما سمعت سنة طبق.
لو سمعت أن من السنة إخراج نواة التمر على ظهر اليد اليسرى طبقْ مباشرة.
لو وضعوا لك طبقاً من تمر أخرج النواة على كف يدك اليسرى، وإذا كان طالب العلم كلما يسمع شيئًا يسعى لتطبيقه فإنه بذلك يحصل خيرًا كثيرًا.
نسأل الله أن يجعلنا من أهل العلم العاملين به، وأن يتوب علينا أجمعين، وإن يشملنا برحمته وعفوه إنه هو التواب الرحيم. والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.