الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كمال الدين وتمامه وحفظ الله له
حياكم الله في هذا المجلس الذي نتذاكر فيه وإياكم أمراً من أمور الدين العظام ألا وهو: رعاية هذا الدين، ورعاية هذه الشريعة، والله حافظ دينه، وقد أنزل هذا القرآن، وخط لنا هذا الصراط المستقيم، وقال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [الأنعام: 153].
وقد أنزل ديناً وأتمه، وقال:الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة: 3].
وحذرنا من سلوك السبل المعوجة: ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تتفرجوا، وداع يدعو من جوف الصراط فإذا أرادوا أن يفتحوا شيئاً من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه، والصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله -تعالى-، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله -عز وجل-، والداعي فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم [راوه أحمد: 17633 والترمذي: 2859 وهو حديث صحيح].
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [الشورى: 13].
وأمرنا بالتمسك: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ [الزخرف: 43].
حاجة الدين إلى الرعاية
وهذا الدين حقيقة يحتاج إلى رعاية، الله قد أنزل على بني إسرائيل الكتاب وأرسل الرسل، وبعض أتباع عيسى شددوا على أنفسهم بشيء لم يفرضه الله عليهم، والتزموا هذا التشديد، ولكن كما قال الله: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ ثم قال: فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد: 27].
والمطلوب منا نحن الآن أن نلتزم ما أنزل الله بدون غلو ولا تفريط، وأن نرعاه حق رعايته حتى لا نشابه أهل الكتاب.
إن رعاية الدين ونبتة الإيمان في قلوب المؤمنين، هذه الرعاية لها مفهوم، وقد جاء في كتب اللغة: أصل الرعاية الحفظ والإبقاء على الشيء، يقال: أرعيت عليه إذا أبقيت عليه ورحمته.
والرعاية هذه في الحقيقة تحتاج إلى غرس، تعاهد، محافظة، حراسة، عناية.
عناية، محافظة، حراسة، من معاني الرعاية، وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد: 38].
ولذلك فإن علينا مسؤولية كبيرة في هذا الأمر، وأن نلتزم ما أنزل الله -سبحانه وتعالى- علينا، وأن نرعاها حق الرعاية، والله عز وجل ذم من لم يرع حقه، ونحن أمة مبتلاة كما ترون الآن هجوم الأعداء من كل جانب، التسلط حاصل ((تداعى عليكم الأمم)) كما نرى بأعيننا الهجوم على دور الإسلام وعقر بلاد المسلمين حاصل الضر والقتل والتفريق والمؤامرات الكثيرة على الإسلام المسألة إذًا تحتاج إلى انتباه، تحتاج إلى يقظة، وهذه المؤامرات على الإسلام ليس فقط في قضية الحرب وسفك الدماء والجراح والتدمير والتخريب في بلاد المسلمين، لكن الأنكى من ذلك والأخطر تخريب العقيدة، إفساد الدين، الهجوم على الثوابت الإسلامية، هذه أخطر من الهجوم العسكري، هذا الهجوم الفكري المركز كذا يعني كورس في أحد كليات اللاهوت كيف تدعو مسلماً إلى النصرانية؟ تدريس يعني.
وكذلك نرى الآن شباباً من شباب المسلمين يقعون فريسة للإلحاد، من كان يظن أن المسألة ستبلغ أن ناساً من أبناء المسلمين يدخلون في مسلك الإلحاد، وأنت تجد يومياً آثار هذه الهيئات وهذه المشاريع، مشاريع هدم الإسلام تجد إفرازاتها موجودة في رسائل الواتساب، تشكيك في الدين، طعن في الدين، إثارة شبهات، نشر البدع، نشر الأحاديث الموضوعة، تخريب الناشئة هؤلاء الشباب الصغار، إفسادهم بالألعاب الإلكترونية، ببرامج الأطفال الكرتونية من الصغر، تخريب.
ألا يوجب هذا علينا أن نراعها حق رعايتها؟ أن نرعى النبتة الإسلامية في النفوس، أن نرعى هذا الدين، أن نرعى هذه الشريعة حق رعايتها، فندافع عنها، نتعلمها وننشرها ونبينها وندعو إليها، وننفي عنها الأذى.
ومعلوم أن حفظ الدين ورعاية الدين هو أعظم مقاصد الشريعة، وهذه الضرورات الخمس التي تحدث عنها العلماء: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ العرض، ما المقصود منها في النهاية؟ أليس حفظ هذه الشريعة، وحفظ هؤلاء المسلمين الذين يقومون بالشريعة؟
إذاً، الرعاية للدين وللمسلمين الذين يعتنقونها، قال الشاطبي -رحمه الله-: قد اتفقت الأمة، بل سائر الملل على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس، وهي الدين والنفس والنسل والمال والعقل. [الموافقات:1/31] .
وحفظ الدين أكبر الكليات الخمس: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، وكل ما سواه متفرع عنه وفي ضياع الدين ضياع باقي المقاصد: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام: 122].
وسائل رعاية الدين
لما نقول: رعاية الدين علينا مسؤولية، في رعاية المسلمين من أولادنا الصغار إلى أن يكونوا شببة مراهقين، ثم يكبروا ويبلغوا أشدهم، ويستووا ويبلغ الإنسان مبلغ الكهل، ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا [غافر: 67].
رعاية الدين في نفوس المسلمين، ورعاية الدين أيضاً وحراسة الدين من هجمات الكافرين الجانب الأول وهو جانب الوجود في جلب المصالح، رعاية الدين تقتضي القيام بأصول العبادات، وأركان الإسلام وأركان الإيمان التي شرعها الله ؛ لأن هذا الدين كيف يكون حفظه؟ ما هو الدين؟ أركان ومبادئ وتعبدات وحدود ومعاملات، رعاية الدين معناها أنه لا بد أن نقيم هذه الأركان حتى يقوم هذا البنيان بني الإسلام على خمس [رواه البخاري: 8 ومسلم: 16].
إذا ما أقمنا الخمس ما يقوم البنيان.
دعوة الناس إلى الإسلام
ثم الدعوة إلى هذا الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحكيم هذا الدين في الواقع وفي جميع النواحي: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة: 49].
هذا حفظ الدين أو الرعاية بحفظ جانب الدين من جهة الوجود.
دحض ورد الشبهات المثارة حول الدين
والثاني: المراعاة من جهة العدم، يعني لئلا يزول، يعني بدرء المفاسد، نفي كل ما يؤدي إلى الإخلال بالدين، ومن ذلك: دحض الشبهات المثارة التي تؤثر على التدين وعلى دين الناس، وتؤدي إلى خلخلة وتؤدي إلى بلبلة وزلزلة واضطراب، وعدم الثبات، لا بد من نفي هذه الشبهات، والرد عليها، ومنع ورودها أصلاً إذا استطعنا، ومنع التعرض لها، لا تتعرض لها نفوس هؤلاء الناشئة، حفاظ لهم في جانب البناء في البداية.
إقامة الحدود الشرعية
أيضاً من حفظ الدين في جانب العدم بدرء المفاسد: حد الردة الذي شرعه الله: من بدل دينه فاقتلوه ، وأن هذا الحد حد عظيم وإلا فتح الباب للخروج من الدين والمروق من الإسلام، كل واحد ما يعجبه يمشي يطلع ويشجع بعضهم بعضاً على الخروج، وبالتالي يصير عندنا خروج جماعي من الدين، وهذا ما يريده أعداء الإسلام، وحاولوا: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ [آل عمران: 72].
فإذاً، هذا حد الردة لتثبيت المسلمين على الإسلام وسد الباب لمن يفكر برفع راية مروق من الدين.
ولماذا شرع الجهاد في الإسلام سواء طلباً أو دفعاً؟ أليس لحفظ الدين؟ أليس لنشر الدين؟ أليس للمحافظة على ديار المسلمين؟ أليس للمحافظة على دار الإسلام: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ [البقرة: 193] شرك.
ثم رابعاً: رد البدع والرد على المبتدعين، ولما قال عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة [رواه أبو داود: 4607، وأحمد: 17145، وقال محققو المسند: " حديث صحيح"].
معناها أنه يجب أن نحارب هذه المحدثات وهذه الضلالات.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وخامساً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا فيه منع انتهاك حرمات الدين، المحافظة على الواجبات حتى لا يخل بها، المحافظة على حدود الله حتى لا تنتهك ويقع الناس في المحرمات، ولذلك قال: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده هذه مفاهيم داخلة في الرعاية، يعني رعاية الدين تقتضي كل هذه الأشياء.
وسائل رعاية الدين
لنبدأ الآن بشيء من التفصيل، أصلا الدين ما هو؟ كيف جاء الدين؟ كيف وجد الدين هذا؟ رسالة ربانية يعني وحي إلهي.
رعاية نصوص الدين وحفظها وفهمها
إذاً، ما هو واجبنا نحو الوحي الإلهي؟ لما نفكر الآن في قضية رعاية الدين، كيف نرعاه؟
أول شيء نرعى أصوله، نرعى نصوصه، الدين أليس أصلاً كتاباً وسنة؟ أليس وحياً؟ أليس هذا الدين في أصله آيات وأحاديث؟ لو واحد يقول: أنا أريد أن أقوم بواجب رعاية الدين، هذه رعاية الدين مسؤولية، ما هو أول شيء؟
معرفة نصوصه، حفظها، فهمها، العمل بها، هذا أساس الرعاية: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9].
تعالوا نرى بعض الأمثلة من رعاية الدين التي قام بها سلفنا، يقول زيد بن ثابت الأنصاري: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، يعني لما استحر القتل، بحفاظ لقرآن الذين كانوا عماد الجيوش في حرب المرتدين، لما استحر القتل باليمامة؛ لأن قتال مسيلمة كان هناك باليمامة وجيوش المسلمين التي انطلقت وعلى رأسها هؤلاء الحفاظ، حفاظ القرآن انطلقوا لحرب المرتدين، لما استحر القتل بحفاظ القرآن أرسل أبو بكر إلى زيد مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر لزيد: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم القيامة بالناس وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، يعني المعارك فيذهب كثير من القرآن، انظر إلى الناس اللي تفكر وتغار على الدين، عمر يسمع أخبار هؤلاء الحفاظ كانوا طليعة، والقتل بدأ بهم، لو استمرت الأمور، نظر في المآلات، مراعاة المستقبل، لو استمرت الأمور ماذا سيحصل؟ سيقتل أكثر حفاظ القرآن، وبالتالي يمكن في النهاية يصل إلى سور موجودة عند ناس ليست موجودة عند آخرين، يدخل نقص علينا على المسلمين، يدخل نقص عليهم، فماذا قال عمر لأبي بكر؟ إني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن.
طبعاً نحن نراه مطبوعاً مجموعاً، لكن أصل الفكرة هذه كيف بدأت؟ كيف بدأ هذا المشروع العمري الذي اقترحه على أبي بكر فقام به أبو بكر وأنفذه وأمر به وأتوا بالخبراء، زيد بن ثابت رئيس اللجنة.
قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله ﷺ؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر [رواه البخاري: 4679].
هذا المصحف، الخطوة الأولى كانت جمع القرآن في مصحف واحد، فماذا فعل عثمان في المرحلة الثانية؟ نسخه وعمم المصحف على الأمصار والمسلمين، فعن أنس بن مالك: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، يعني أهل الشام على أرمينية وأهل العراق على أذربيجان، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، بدأ يلاحظ حذيفة الاختلاف، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى؟ فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلي بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن حارث بن هشام فنسخوها في المصاحف [رواه البخاري: 4987].
واضح أن رعاية الدين عند السلف في هذه النقطة كانت تقتضي إنتاج أكبر عدد ممكن من الحفاظ، ولذلك صارت سنة القراءة المتبعة، ونقل القراءة عبر الأجيال، وصار هؤلاء الحفاظ الكثيرين في أجيال الأمة إلى الآن، حتى الآن يوجد في كل جيل ملايين الحفاظ، والحفظ في الصدور قبل المصاحف، وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت: 48-49].
إذاً، كان من رعاية القرآن ورعاية الدين تحفيظ القرآن للمسلمين، وجمع القرآن في المصاحف، وتعميم المصاحف على ديار وبلاد وأمصار المسلمين إذاً، أول خطوة في قضية الرعاية من الناحية التفصيلية، قال ابن عبد البر: حفظ كتاب الله ، وتفهمه، وكل ما يعين على فهمه فواجب طلبه معه، ومن ذلك: حفظ السنة أيضاً، فهي الوحي غير المتلو؛ لأن القرآن وحي متلو نتعبد بتلاوته، وكل حرف بعشر حسنات، السنة وحي غير متلو، يعني ليست مثل القرآن في التعبد بتلاوته، ولكن قراءة السنة فيها أجر، حفظ السنة فيها أجر، فهم السنة فيه أجر، نشر السنة فيه أجر: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 2-4].
ألا أني أوتيت الكتاب ومثله معه.
إذاً، من رعاية الدين في هذه المسألة تطبيق حديث: نضر الله امرأ سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه [رواه أبو داود: 3660، والترمذي: 2656، وأحمد: 21590، وقال محققو المسند: " إسناده صحيح"].
فإذاً، الكتاب والحكمة، الحكمة هي: السنة، قال الشافعي -رحمه الله-: "فذكر الله الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة" وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [النساء: 113] ما هي الحكمة؟ السنة، قال الشافعي -رحمه الله-: "فذكر الله الكتاب، وهو القُرَآن، وذكر الحِكْمَة، فسمعتُ مَنْ أرْضى من أهل العلم بالقُرَآن يقول: الحكمة سنة رسول الله"[الرسالة، للشافعي: 1/78].
كانت الرعاية حفظ الأحاديث، وطبعت، حفظت المتون بالأسانيد، وبلغت الأسانيد، ودرست الأسانيد، وفحصت الأسانيد، ونقلت الأسانيد، وبين الصحيح من الضعيف، ثم جمعت في الكتب بالأسانيد، ثم هيأ الله من يشرح هذه الكتب، يعني بعدما حفظوها جمعوها في الكتب، وبعدما جمعوها في الكتب نخلوا صحيحها، وبعد ذلك بدأت كتب الشروح، يعني خطوات رعاية عظيمة حصلت، طبعاً الكتاب، وعندك قضية القراءات والإقراء والأسانيد والقراء والتفسير هذا واضح جداً، وكان عماد الرعاية على الحفظ، قال قتادة: ما قلت لمحدث قط: أعد علي، وما سمعت أذناي شيئا قط إلا وعاه قلبي.
هو قتادة كان يستوقف سعيد بن المسيب ويسأل ويسأله حتى قال سعيد في مرة من المرات: نزفتني يا أعمى، يقول قتادة: لزمت سعيد بن المسيب أربعة أيام يحدثني، فقال يوماً: أليس تكتب؟ لو تأمر لك أحد يكتب فهل يصير في يدك شيئاً مما أحدثك به؟ أنت تقول: هات هات هات، قلت له: إن شئت حدثتك بما حدثتني به، قال: فأعدتها عليه كلها سرداً، فبقي ينظر إلي، يعني متعجباً، ويقول: أنت أهل أن تحدث، فسل، فتح له الباب، فتح له المجال، قال: فأقبلت أسأله.
وهذه القصة تشبه قصة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الذي حدث حاشد بن إسماعيل صاحبه في طلب العلم، قال: كان أبو عبد الله يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب ونحن نكتب حتى أتى على ذلك أيام فكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب فما تصنع؟ فقال لنا يوماً بعد ستة عشر يوماً: إنكما قد أكثرتما علي وألححتما، يعني في الانتقاد، ليش تحضر؟ وليش تحضر إذا ما تكتب؟ ليش تحضر؟ فأعرضا علي ما كتبتما، فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر قلب، حتى جعلنا نحكم كتبنا على حفظه، نصحح كتبنا بناء على حفظه، ثم قال: أترون أني اختلف هدراً وأضيع أيامي؟ فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد" [سير أعلام النبلاء: 12/408].
فهم نصوص الوحي ومعانيه
من وسائل رعاية الدين: فهم نصوص الوحي.
ترى هذا الآن برنامج عملي يتكلم عن ماذا حدث في صدر الأمة، ونحن يجب أن نسير على نفس الخط؛ لأن الوضع خطير في مسألة ما يحدث اليوم من محاولة تحريف الدين ما تركو شيئاً، هجوم على النصوص، وهجوم على معاني النصوص، وهجوم على تطبيق النصوص، فلذلك ما عندنا خيار؛ لأنه فيه حرب، فيه تحدي، مادام المسألة فيها هذه التحديات لا بد أن نكون أوفياء لله.
من وسائل رعاية الدين بعد ذلك: فهم معاني النصوص؛ لأن الوحي ليس طلاسم، ولا أن الله جعله رسوماً معقدة، بل قال: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 195].
وجعله بهذا الوضوح لكي يستنبط العلماء منه لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83]، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 17].
من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين قال البخاري: "باب الفهم في العلم"[صحيح البخاري: 1/25] يفقهه يفهمه، فقه، صار الفقه له سجية، سبق غيره إلى الفهم، هو الآن قال: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين [رواه البخاري: 71 ومسلم: 1037] ((خيراً)) نكرة تشمل كل أنواع الخير الكثير والقليل، والتنكير هنا للتعظيم، فالذي لا يسلك سبيل التفقه، يعني فهم النصوص ماله نصيب من الخير، يقول ابن مسعود: والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيما نزلت ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه [صحيح البخاري: 6/ 187].
يقول سعيد بن جبير: من قرأ القرآن ثم لم يفسره، يعني ما عرف معناه فهو كالأعمى أو كالأعرابي.
قال الطبري: ما في آي كتاب الله من العبر والحكم والمواعظ والأمثال لا يجوز أن يقال: اعتبر بها إلا لمن كان بمعاني بيانه عالماً، وبكلام العرب عارفاً. أصلاً ما يستطيع يفسر إلا إذا كان عنده علم باللغة العربية.
ابن تيمية -رحمه الله- يقول: العادة المطردة التي جبل الله عليها بني آدم توجب اعتناؤهم بالقرآن لفظاً ومعنى، بل أن يكون اعتناؤهم بالمعنى أوكد فإنه قد علم أنه من قرأ كتاباً في الطب أو الحساب أو غير ذلك برمجة فإنه لا بد أن يكون راغباً في فهمه وتصور معانيه، فكيف بمن قرؤوا كتاب الله -تعالى- المنزل إليهم الذي به هداهم الله.
قال: "بل ومن المعلوم" يقول شيخ الإسلام: أن رغبة رسول الله ﷺ في تعريفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعريفهم حروفه، فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تحصل المقصود، إذ اللفظ إنما يراد به للمعنى" [مجموع الفتاوى: 5/157] انتهى.
يعني كأننا نقول: لو دار الأمر بين أنك تحفظها أو تفهم معناها ما هو الأهم؟ أن تفهم معناها، ولكن من أعظم سبل الوصول إلى فهم المعنى الحفظ والطريق المعتمد من صدر الأمة وسلفها إلى الآن: البدء بالحفظ، ولا مانع يبدأ الغلام صغيراً بالحفظ، ثم لما يكبر عقله يبدأ يستوعب المعاني، هذا طبيعي، والذين يشنون حملات اليوم على التلقين، ويقولون: حفظ حفظ حفظ فقط، الانتقاد حفظ بدون معنى، ماشي، لكن انتقاد الحفظ أصلاً هو انتقاد لرعاية الدين، في حفظ نصوصه في صدور الناس؛ لأن هذا من أعظم الرعاية أن تستقر النصوص في الصدور، ورعاية الدين -كما قلنا- هي رعاية القرآن والسنة والإيمان بها: أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا [التوبة: 124] لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به.
التمسك بالدين والاعتصام به
وكذلك بالتمسك به والاعتصام وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران: 103] حديث: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنة نبيه ﷺ [رواه مسلم: 1218].
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ [الزخرف: 43]، اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف: 3].
واقتفوا آثار نبيكم -يا أيها المسلمون- وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ [النمل: 91-92]، وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا [الإسراء: 106]، وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلً [المزمل: 4].
السماع والإنصات
وقضية السماع والإنصات فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف: 204].
اقرأ علي، أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: ((نعم)) [رواه البخاري: 5050].
التدبر والمدارسة
والتدبر: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [محمد: 24]؟
والصحابة قالوا: قفوا عند عجائب القرآن.
وتعظيم شأن المدارسة ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم [رواه مسلم: 2699] يتبادلون المعاني، وينظرون انطباقه على الواقع، ويتأملون في كيفية العمل به.
كان الصحابة يجتمعون فيأمرون أحدهم يقرأ، ما يتجاوزون عشر آيات حتى يعملوا بما فيها.
القرآن حجة لك أو عليك الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ [البقرة: 121] تحلل الحلال، وتحرم الحرام، تؤمن بما فيه إذا كان بيناً واضحاً من المحكم تعرف معناه، وإذا اشتبه عليك تؤمن به، ولو ما عرفت معناه وتسأل عنه أهل العلم: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف: 44].
تعظيم السنة والاحتجاج بها وتحكيمها
والسنة: لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات: 1]، لا عقلك ولا ذوقك، لا رأيك ولا رأي غيرك، وإنما تقدم القرآن والسنة على كل شيء.
ومن رعاية السنة طبعاً: تعظيمها، حفظها، الاحتجاج بها، الإذعان لها، ما يجي واحد مثل ما قال ﷺ: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه [رواه أبو داود: 4604] يعني خلاص لا نريد السنة، قال ﷺ: وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله [رواه الترمذي: 2664].
قال: عليكم بسنتي [رواه أبو داود: 4607 وابن ماجه: 42، وأحمد: 17144، وقال محققو المسند: "حديث صحيح"]
والواشمات المستوشمات أين موجود في القرآن؟ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء: 59].
وتحكيم السنة: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء: 65].
نشر الدين والدعوة إليه
من رعاية الدين: الدعوة إليه، الآن ما يمكن تثبيت الدين في العالم إلا بنشره وبثه.
وقد خلق الله لنا من الوسائل الآن مما ننشر به ونبث وسائل لم تكن عند أسلافنا.
كان أسلافنا إذا أرادوا نشر الدين يسافرون على الإبل، وعلى الدواب في الأيام والليالي والشهور لتبليغه وإيصاله ونشره، ويذهبون في السفن، فأحيانا يضللن رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ [الشورى: 33]، وأحيانا تغرق، وحتى وصل دعاتهم وتجارهم إلى الأقاصي والأماكن النائية، ونشروا الدين.
أنت احمد ربك عندك في بيتك ما تنشر به الدين، عندك جهاز صغير في جيبك ما تنشر به الدين، عندك من هذه الأجهزة اللوحية والكفية ما تنشر به الدين، أيش ينقص؟ إذا تعلمنا وفهمنا المعنى وفقهنا في الدين، ماذا بقي إلا أن نعمل به وننشره، ولا يمكن أن تكون رعاية للدين بدون نشر.
إن المحافظة عليه تقتضي نشره، إن النبي ﷺ أرسل إلى الحبشة وأرسل إلى اليمن وأرسل إلى قبائل العرب، يعني الطفيل بن عمرو ما ذهب إلى دوس، في تهامة.
أبو ذر وما ذهب إلى غفار، ما كان يرسل ناساً إلى قبائلهم، وما أرسل ابن عمه جعفر إلى الحبشة، وما أرسل كتباً إلى هرقل قيصر الروم، وهذا أنوشروان كسرى الفرس.
دومة الجندل أرسل لهم، والمقوقس الذي في الإسكندرية أرسل إليه، معنى ذلك أن قضية الدعوة هذه قضية أساسية: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران: 104].
وإذا كان أهل الباطل ينشرون إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ [الأنفال: 36].
أنت الآن انظر ماذا؟ فضائيات أهل الباطل سواء كانوا الباطنية وإلا من القنوات التنصيرية، وإلا كان من فرق البهائية والقاديانية الذين يسمون أنفسهم بالأحمدية، وعد من قنوات أهل الباطل، ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، فماذا أعددنا نحن لرعاية الدين؟
في نشره والدعوة إليه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: 104] بهذا السبب: وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [القصص: 87]، وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ [فصلت: 33]، ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125].
الحسن البصري وقف عند الآية هذه وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ [فصلت: 33]، وقال: هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب الخلق إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحاً في إجابته وقال: إنني من المسلمين" [الزهد والرقائق، لابن المبارك، والزهد لنعيم بن حماد: 1/ 507].
طبعا هذه الرعاية للدين في نشره تقتضي حكمة وموعظة حسنة، تقتضي علماً، تقتضي العناية بالأساليب والوسائل.
والحمد لله، الآن ما نعدم الوسائل، الآن أنت في قعر بيتك تدعو إلى الله، والإنسان أحياناً ممكن يعطي واحداً رابطاً يرسل إليه رابطا ينسى الموضوع، وبعدين قد يكون أسلم عليه ناس واهتدى به ناس وعلم منه ناس وطبق الكلام الذي فيه ناس رابط، لكن بشرط أن يكون ناصحاً، وأن يكون الرابط صحيحاً بلغوا عني ولو آية [رواه البخاري: 3461].
واحد مسلم سمع كذا محاضرة لواحد نصراني يشوه الإسلام، فآلى على نفسه إلا أن ينشر الدين، فأسلم على يديه أربعة آلاف منهم أستاذ الأدب في جامعة الفاتيكان، قاضي في جزيرة مورس، وقائد هولندي اسمه كلنجر، وراسل مائة ألف شخص بمائة ألف خطاب يدعوهم إلى الإسلام، هذا قبل البريد الإلكتروني، الآن ممكن ترسل بهذا البريد عشرات الآلاف، ومئات الآلاف من الرسائل، وأنت عندك هذه الوسائل أمامك الآن في النشر سواء كان مواقع التواصل الاجتماعي أو هذا الواتس أب أو البريد الإلكتروني أو .. أو.. إلى السحابة الإلكترونية، وكل ما في الوسائل التي ظهرت وبقيت والتي ستأتي إذا أحيانا الله نستحضر فيها قول الله: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ [الأحزاب: 39] نستحضر بلغوا عني ولو آية وهذه الوسائل اليوم كثيرة.
ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله، فيه واحد كبير في السن حضر مجلساً لأحد أقاربه فسمع حديث النبي ﷺ: كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم [رواه البخاري: 6406 ومسلم: 2694] فحفظها ورسخت عنده صار ما يجلس مجلساً إلا ويقول الحديث، ما يروح على عيادة ومكان انتظار إلا ويذكر لهم الحديث، ما في اجتماع لأقاربه، ما في لقاء للزملاء في العمل إلا ويقول الحديث، حتى أنه مرض ودخل المستشفى وجاءه الطبيب وصار في الاحتضار، ذكر الحديث للطبيب، فالطبيب أجابه بحديث: من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة فقالها ثم مات ذلك الداعية رحمه الله، هذا الداعية ما هو طالب علم ولا حافظ، هو عامي لكن عنده حديث واحد أعجب به وجعل يكرره في كل مكان وفي كل مجال، ويكتب الله به خيرا كثيراً، الدين نصوصه فيها بركة، الشافعي لما قال: لو ما أنزل الله على عباده إلا هذه السورة لكفتهم، يعني سورة العصر، هي سورة قصيرة، لكن في معانيها الخير الكثير. رعاية الدين -يا جماعة- أن نوجد مواطئ قدم له في العالم.
رعاية الدين أن نوجد منصات تبثه عبر العالم.
رعاية الدين أن نوجد مستودعات ومخازن لهذا العلم، إذا احتاجه الناس يرجعون إليه، إذا بحث محركات البحث بحثت تستخرج منه، قال أبو ذر: أتيت رسول الله ﷺ فقال: إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل أراها إلا يثرب، هو أتاه في مكة، فقال: ترى أوحي إلي أن أتوجه إلى أرض ذات نخل، أريت في المنام، أريت دار هجرتكم أرضاً ذات نخل ما أراها إلا يثرب فهل أنت مبلغ عني قومك؟ يعني قبل ما ننتقل إلى المدينة وأنت يا أبا ذر في مكة اذهب الآن وبلغ قومك عسى الله أن ينفعهم بك، ويؤجرك فيهم.
فأتيت أنيساً، أخاه، أول واحد بدأ بشقيقه، فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أني قد أسلمت وصدقته، قال: ما بي رغبة عند دينك، هو يحبه، فإني قد أسلمت وصدقتك فأتينا أمنا، الخطوة الثانية فقالت: ما بي رغبة عن دينكما فإني قد أسلمت وصدقته فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفاراً، القبيلة، فأسلم نصفها، وكان يؤمهم إماء بن رحضة الغفاري، وكان سيدهم.
ماذا فعل النصف الآخر من قبيلة غفار؟ قال نصفهم: إذا قدم رسول الله ﷺ المدينة أسلمنا؛ لأن العرب كانوا ينتظرون قضية من تكون له قوة، هذه كانت محاط أنظار عند بعض المترددين، فقدم رسول الله ﷺ المدينة فأسلم نصفهم الباقي، وجاء أسلم كلهم، قبيلة فقالوا: يا رسول الله إخوتنا نسلم على الذي أسلموا عليه فأسلموا، فقال رسول الله ﷺ: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله [رواه مسلم: 2473].
الطفيل بن عمرو قصته معروفة: "يا نبي الله إنني مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم، وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عوناً عليهم، فيما أدعوهم إليه" إلى آخر القصة.
الإنسان ممكن يؤدي دوراً مهماً، في الاعتكاف في رمضان، فيه طفل صغير نذر نفسه وأخذ العهد على نفسه أن يخدم المعتكفين، فكان يأتي إليهم بأغراضهم، إذا لم يكن معتكفاً فليخدم المعتكفين.
التصدي لأعداء الدين بكافة الوسائل المتاحة
نحن الآن في قضية الرعاية نعرف أن الأعداء لهم تسلط، يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، وهؤلاء من شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا [الأنعام: 112]
فماذا يفعل حماة الدين والذابون عنه وحراس العقيدة وأهل الرعاية للإسلام؟
لا بد من التصدي، لا تكسل ولا تفتر ولا تتوانى، سخر لسانك وسخر قلمك، والقلم أحد اللسانين، فند الشبهات، ورد عليها وبالعلم، وإذا المسألة تحتاج إلى بحث ابحث، ما المشكلة؟ كل شيء يوضع في التوتير وإلا يوضع في أي موقع، لازم يكون عند الواحد على طول قدرة علمية على أن يرد؟ لا.
العلماء ترى هؤلاء الذين يكتبون الردود؛ لأنهم علماء مباشرة يكتب، لكن الذي ليس عنده علم يبحث، ماذا قال العلماء في هذا الموضوع؟ ويكتب الجواب، ينقل بأمانة ودقة، ينقل وينشر.
والآن صار فكرة الريتويت هذه أو فكرة النشر الحق، يعني أنت ما تعبت على صياغة العبارة ولا كتابة العبارة، لكن أنت الآن تتعب في نشرها وتوزيعها ووضعها في المواضع المهمة والحساسة، لو تدخل إلى مواقع وأماكن فيها معترك النقاش محتدم الحاجة هنا للبيان مهمة، فتضع هذا، مجموعات الواتساب الآن تثور فيها نقاشات، ابحث وهات الجواب وضعه لهم، أحياناً تأتي مسألة، من الذي ينشط؟ من الذي يحمل الراية؟ من الذي يبادر؟ من الذي يسبق؟ له أجر كبير عند الله؛ لأنه علمهم، علم هؤلاء، مجموعة فيها ثلاثون أربعون خمسون سبعون مائة، وكذلك فإن هذا نوع من الجهاد، يعني قضية الذب عن الدين، حراسة الدين، جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم [رواه أبو داود: 2504، النسائي: 3096، وأحمد: 12246، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم"].
والجهاد شرع لأمرين:
أولاً: نشر الدين، وتحرير الناس من عبودية العباد إلى عبودية الله.
وثانياً: الدفاع عن الدين، وعن المستضعفين من المسلمين في انتشار إلى الإمام، وفيه دفاع: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا [الحج: 40].
فيه واحد جاء من ألبانيا قال: هذه صورة المسجد منارة ومبنى أيش هذا؟ قال: هذا مبنى سكني استولى عليه ناس من أيام الشيوعية، الشيوعية في ألبانيا أقفلوا المساجد، جاؤوا ناس وحولوها إلى سكن، وسكنوا فيها، وشيء اسطبلات، وشيء مطعم، منارة موجودة، يقول: تهديم المنارة، يبغى جهد، خل المنارة، والمسجد صار الآن سكن، فندق مطعم، لماذا؟ خلاص وقطع تعلم الدين، مساكين، نشروا فيهم التنصير، الآن بعد سقوط الشيوعية خطة النصارى رهيبة، بعد سقوط الشيوعية دخول التنصير على طول بدل محل الشيوعية يدخل التنصير، ولذلك مؤامرتهم وشغلهم في نشر الباطل، هذا بسبب قعود المسلمين، تحولت مساجد كما قال الله: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [الحج: 40].
رح ألبانيا وانظر إلى الآثار وانطباق الآية في الواقع، لما توقف المسلمون عن المدافعة، استسلموا، قعدوا، تحولت مساجدهم اسطبلات خيول، ومراقص، وحانات خمور، في بعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي، هذا دين... وهذه طبيعته فيه مدافعة يصمد يبقى، ما في مدافعة خلاص أخذتم بأذناب البقر، ورضيم بالزرع خلاص، وبسبب التخاذل ينحسر الدين في نواحي من الأرض.
الجدية في أخذ الدين القيام به
الرعاية أخذ الشيء بحقه، رعاية، الرعاية أنك تحافظ تأخذه بحقه، هذه قصة أبي دجانة رواها الزبير بن العوام قال: عرض رسول الله ﷺ سيفاً يوم أحد، فقال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقمت، فقلت: أنا يا رسول الله، فأعرض عني، ثم قال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقلت: أنا يا رسول الله، فأعرض عني، ثم قال: من يأخذ هذا السيف بحقه؟ فقام أبو دجانة سماك بن خرشة فقال: أنا آخذه يا رسول الله، أنا آخذه بحقه، فما حقه؟ قال: ألا تقتل به مسلماً، ولا تفر به عن كافر ، فدفعه إليه، وكان إذا أراد القتال أعلم بعصابة، قلت: لأنظرن إليه اليوم كيف يصنع؟ قال: فجعل لا يرتفع له شيء إلا هتكه وأفراه حتى انتهى إلى نسوة يعني من المشركات في سفح الجبل معهن دفوف لهن فيهن امرأة وهي تقول:
نحن بنات طارق | نمشي على النمارق |
إن تقبلوا نعانق | ونبسط النمارق |
أو تدبروا نفارق | فراق غير وامق |
فأهوى بالسيف إلى امرأة ليضربها، ثم كف عنها، ثم انكشف له القتال، قلت له: كل عملك قد رأيت أنا كنت أتتبعك وأنظر ماذا تعمل، قد رأيت ما خلا رفعت السيف على المرأة لم تضربها، يعني لماذا؟ قال: إني والله أكرمت سيف رسول الله ﷺ أن أقتل به امرأة" [رواه الحاكم: 5019، وقال: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"].
بما أنهم كما قال الله: وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة: 217].
فالرعاية ماذا تقتضي؟
المواجهة، يعني التصدي.
بعض الناس يريد مواجهات سالمة، يعني أنه يخرج سالماً، يقول: لا، لا، هذه ممكن فيها قد يؤذى الإنسان، وطبعاً سيؤذى، ويمكن يشتموني، طبعاً قد أعاقب، هذه طبيعة، يعني أنت تريد الآن مواجهة هؤلاء أهل الباطل بدون أي أذية؟ النبي ﷺ قبلك سبوه وشتموه وضربوه وخنقوه وأخرجوه وهددوه وأرادوا أن يقتلوه، اتهموه ساحر كاهن، ما تركوا شيئاً.
من الرعاية كما قلنا: قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الآن كل ما تقدم الوقت الشعيرة هذه تضعف، والناس يتأثرون، يعني إذا سمعوا خبراً، إذا سمعوا أذية، إذا سمعوا قمعاً، ليش؟ أنت تستطيع تأمر بالمعروف تستطيع تنهى عن المنكر ما يردك إلا لسانك يا أخي ما يردك إلا هذا القلم اكتب، انشر، تكلم، أنكر، انصح، أرسل، بين، يعني لو ذهبت إلى هذا وأنكرت عليه وردك سبك فكان ماذا؟ يعني في سبيل الله، مسبات وشتائم في سبيل الله، يعني أجرها عظيم.
أما أنهم كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة: 79] هذه ما هي حالة، وهذه مصيبة، وهذا الإسلام يتراجع في المجتمع، ما يمكن، لا بد من الاستمرار إلى الأمام.
رعاية الدين، حراسة الدين، تقتضي الوفاء للدين، يقتضي هذا حق الدين يقتضي القيام.
وبعدين ترى ما يمكن إذا ما استمرينا، لماذا انتشرت مظاهر في الشعر في الملابس يلبسون صلبان، شعارات أندية، يكتبون أسماء اللاعبين، افتخاراً بالكفار، اعتزازاً بالكفار، على ظهور وصدور وألسنة صبياننا وفتياتنا، لماذا؟
لأن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتراجع، ينتشر في المجتمع التشبه بالكفار كأحد ما ينتشر، يعني واحد مما ينتشر من تشبه بقوم فهو منهم.
رعاية المنهج وحمايته
رعاية الدين تقتضي رعاية المنهج، نحن نعرف الآن أن منهج السلف مستهدف من الباطنية ممن يسمون أنفسهم بالعصرانيين والتنويريين والعقلانيين، وليس لهم من العقل نصيب، مثلاً هؤلاء الذين يريدون الانحلال من الدين والتغريب والعلمنة، إلى آخره، يعني من قضية ما يغير به أهل الغلو الآن، أهل الغلو الآن آخذين بالطول والعرض، وهذا ترى بتمكين وتسليط من الأعداء، أنت تفكر العدو يعني اليهود والنصارى ما درسوا مذهب المرجئة والخوارج؟ والله درسوه ويعرفوه، وينشروم في المسلمين مذهب المرجئة بتطوير معدل، نسخ معدلة من مذهب الخوارج، فتح الباب للشباب للدخول في هذا والسقوط فيه، الذي يسقط في الانحلال والإرجاء، والذي يسقط في الغلو وأوحال هذا الفكر الضال، كذا تفتح المجالات لهؤلاء، وإذا صار الشاب منتقداً وذكياً وألمعياً ويكتب وعنده أسلوب، ممكن يعطى مكافآت، ويعطى أشياء لاستقطابه واستكتابه، حتى يكتب مناصراً للتغريب، مناصرا للانحلال من الدين، والآن واضح جداً يفتح المجال لقضية السقوط، سقوط الشباب في تيار الغلو، فتراه يكفر العموم، يكفر باللازم، يكفر بالتسلسل، يكفر من خالفه في المسائل الاجتهادية، يكفر من لم يكفر من كفره هو، يعني هذا إذا كفر شخصاً وجاء واحد قال له: كفره، قال: لا كيف هذا؟ يمكن فيه موانع الأهلية، أقيمت عليه الحجة؟ قال له: إذا ما كفرته أنت كافر، الخوارج من زمان كانوا يكفرون مرتكب الكبيرة، يكفرون الزاني وشارب الخمر، الآن فيه نمط جديد من التكفير، هو تكفير يتسلسل، إذا كفر واحداً كفر كل الذي تحته، مثلاً كفر الأب، كفر الزوجة والأولاد والبنات والخدامة كله التسلسل، خلاص هذا كافر، إذا هذا راضٍ هذا كافر، لو موظف عند مدير كافر؟ يقول: أنت تحته يعني أنت راضٍ يعني أنت كافر، أنت ما أعلنت كذا، إذاً أنت كافر، والذين معك كلهم كفار، والذي حواليك كفار، والذين رضوا بك كفار، والذين يعيشون معك كفار، والذين تحت حكمك كفار، هذا كذا بالتسلسل، بالانتشار متواليات بالطريق الهرمي كذا تنزل من الهرم التكفير الهرمي، هذا يسموه الشجري، مثل التسويق الشجري الهرمي فيه تكفير هرمي، وقلنا: تكفير الذي في المسائل الاجتهادية مسألة خلافية بين أهل العلم، يعني بين السلف بين المذاهب الأربعة، لا، خلاص أنت أخذت رأي الآخر إذاً أنت كافر، هذه مسألة اجتهادية، أين الخوارج من زمان؟ كان يكفر مرتكب الكبيرة، هذا يكفر بالمسائل الاجتهادية، ويكفر من لم يكفر من كفره، فلذلك فعلاً هؤلاء صنعوا لنا مستنقعات أوحال الذي ما يسقط في الإرجاء يسقط هنا، حتى يصير كأن المسألة فيها مسارات، من يدخل هنا، من يدخل هنا، من يدخل هنا، صنع أعداؤنا لنا مسارات، وصنعوا لشبابنا مسارات اللي ما يسقط في التشبه بالكفار وفي التغريب وفي الانحلال من الدين، واللي ما يسقط في الإلحاد ممكن يسقط في تيار العقلاني هذا الذي فيه تقديم العقل على النقل، انتقاد الصحابة، وانتقاد السلف، والتجرؤ على النصوص مثلاً، واللي ما يسقط في تيار في مسار التعالم إلى أن يسقط في مسار التكفير والغلو، هم وضعوا لنا مسارات، وهذه مسألة مدروسة حتى يجد الشباب أنفسهم في المسار الذي يريدونه، إذا أنت صاحب شهوة صنعنا لك هذا المسار، وإذا صاحب شبهة صنعنا لك هذا المسار.
وهذا معناه يوجب علينا الآن في قضية التصدي لما نتكلم عن موضوع الرعاية وحفظ الدين قضية خطيرة من ينقذ هؤلاء الشباب؟ من ينقذهم من براثن الانحلال والمعاصي والشهوات أو من براثن الشبهات والغلو وأنواع الانحرافات الأخرى في العقيدة ثلاثة وسبعين فرقة؟
فالحال والله حال صعبة، الأمم ممثلة في توتير، هذه المواقع تمثل الأفكار الموجودة، أليس كذلك؟ هذه المعرفات تمثل الأفكار الموجودة، وأنت تستطيع أن ترى أن هذا مساره فيه هؤلاء، وهذا مساره فيه هؤلاء، فأين الذين يفتحون للشباب مسارات الهدى وطريق السلف الصالح، فقه الكتاب والسنة، العلم بالكتاب والسنة، العمل بالكتاب والسنة بفهم الصحابة بفهم السلف، ما تأخذ لك مسألة مالك فيها إمام متبع، إياك والشذوذات، ما ضيع الناس مثل هذه الشذوذات، لا تذهب مع مسالك أهل الأهواء مسالك أهل البدع من شيخهم من قائدهم من قدوتهم من معلمهم، يعني لما ذهب ابن مسعود أبو عبد الرحمن ذهب للمسجد بناء على المعلومة التي نقلها له أخوه الصحابي الآخر أبو موسى قال: وجد قوماً حلقاً حلقاً، على رأس كل حلقة واحد، سبحوا مائة، هللوا، افعلوا، افعلوا، فيه قائد.
وكذلك عبد الله بن وهب الراسبي في الأخير خلاص قادهم، ولذلك لا بد، الرعاية للدين الآن تقتضي فعلاً حراسة، هذا الدين تقتضي فعلاً الذب عنه وبيان ضلال المضلين وخطأ هؤلاء أصحاب الانحرافات، بيان الهدى والنور في فهم هؤلاء السلف، اليوم أصحاب رؤوس الضلالات كل يوم واحد يخطف لنا ناساً من عامة المسلمين يطلع واحد زعيم ضلالة، قائد ضلالة، إما يكون متأثراً بتيار الرفض، أو تيار تقديم الرأي على الوحي، ويجتال لك ناساً إما يكون عنده حسن عرض، أو أسلوب جذاب، أو كلام مقنع، فيخطف لك مجموعة من هؤلاء الشباب وإلا الكبار وإلا النساء فيسيرون وراءه، فيؤول الأمر إلى أن يصبح الناس أتباع كل ناعق، كل ما طلع ناعق ساروا وراءه مجموعة، ما في ثوابت تجعلهم يعرفون "أنت الدجال الذي حدثنا عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذه مسألة خطيرة ومهمة، وهذا الدفاع أو الترسيخ والذود عن الدين هو الذي سيؤدي إلى إنقاذ هؤلاء الشباب، وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ [الأنعام: 155]، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الأعراف: 158].
والنبي ﷺ كان يقوم لأصحابه في المواقف المختلفة، يقوم في منى وفي عرفات وفي غدير خم، ويقوم ويعلمهم حتى في أماكن في الطريق ويحذرهم، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً ، والطريق فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين [رواه أبو داود: 4607].
ولذلك ترى ما يعجبهم السنة العمرية، سنة أبي بكر، سنة عثمان، ما يعجبهم.
الاهتمام بالشباب الموهوبين
ثم في الرعاية لا بد من اهتمام بهؤلاء الموهوبين من الشباب؛ لأن هؤلاء في الأخير هم يعني مستقبلا رؤوس أهل الإسلام، هم علماؤه، هم فقهاؤه، هم وعاظه، هم دعاته، هم قادته، هم شجعانه، إذا كان أهل الباطل قال ذاك الساحر للملك: انظر لي غلاماً فهماً فطناً لقناً فأعلمه علمي هذا، يعني أعلمه السحر، انظر العبارة يقول الساحر للملك: انظر لي غلاماً فهماً فطناً لقناً فأعلمه السحر، معناها كان فيه اهتمام بأصحاب المواهب من هؤلاء الضلال، والآن التركيز على أصحاب المواهب الآن، لكن المشكلة أحياناً تأتيك نظريات أصحاب طرح ما هو على الجادة ولا على منهج السلف يدخلون تحت اسم مثلاً عنوان التنمية البشرية، هذا عنوان براق، وممكن يطلع منه خير كثير، لكن هذا فيه مجال للدس فيه مثلاً القيادة الفعالة ... تدريب القادة .. كلمة قادة هذه كلمة براقة فيؤخذون بمثل هذه الأسماء، فماذا يعلمون؟ يودوه على فندق في بلد ما، هو مكان فيه فساد، ما هو مكان صلاح ولا مكان دين، وإذا وضع لك فقرات الرحلة زيارة المساجد فقط، فيه زيارة أماكن أخرى، صار كأن الشباب أو الصفوة او الموهوبون هذا مساراهم ليش؟ لأنه ما جعلت لهم برامج أخرى منافسة، ما جعلت لهم أماكن أخرى، خلاص تأخذ بأيديهم تعلمهم تربيهم وعلى منهج الوحي، الوحي، والوحي، والله هذا النجاة على منهج الوحي، أليس بالأطفال المسلمين من يوجد عندهم هذا النبوغ؟ ثم أليست الرعاية الآن هي التربية المتوازنة لهؤلاء الشباب الجامعة بين تربية العقل والروح والعاطفة والجسد؟ هذا المطلوب.
لا بد أن يقام به الاهتمام بالمشاعر والعواطف، النبي ﷺ ماذا كان يفعل في موضوع الرعاية؟ رعاية الشباب، عن مالك بن الحويرث: "أتينا النبي ﷺ ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين يوماً وليلة، وكان رسول الله ﷺ رحيماً رفيقاً، فلما ظن أنا قد اشتهينا" [رواه البخاري: 631].
وفي رواية: "اشتقنا أهلنا ،سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه، فقال: ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم ، وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها، قال: وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم [رواه البخاري: 628 ومسلم: 674].
كم مدة الدورة هذه؟
عشرون، المقصود أنه كان فيه استقطاب للشباب، أقمنا عنده شببة عشرين يوماً وليلة، ولما رأى أنا قد اشتقنا إلى أهلينا أطلق سراحهم وأعادهم لكن أعادهم برسالة.
المشكلة أن كثيراً من الشباب ضمن العيش، الآن الموجود الذي فيه ترفيه والألعاب والدراسة والعمل والوظيفة والدوام والرجوع، والسفر والسياحة ما أصبح يحس الشباب أنه عنده رسالة؛ لأنه صار مستهلكاً في الحياة الدنيا هذه، مستهلكاً في ألعابها وترفها وتسليتها، مستهلكاً في ضحكها ومزحها، ومستهلكاً في أسفارها وضياع الأوقات التي تصير فيها غير التي استهلكه في أنواع من الانحرافات في ضياع أين الرعاية؟ يا غلام إني أعلمك كلمات [رواه الترمذي: 2516] أيش معناها؟ يا معاذ هل تدري ما حق الله على العباد [رواه البخاري: 2856 ومسلم: 30].
والنبي ﷺ كان أيضاً لما يعلم يدل على الذين علمهم استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، فبدأ به، سالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل [رواه البخاري: 3758، ومسلم: 2464].
ثم أنت انظر إلى دفع كل واحد، الرعاية تقتضي أن تدفع كل واحد في تخصصه الذي يبدع فيه، انطلق لتبليغ رسالة الله، المنهج واحد لكن المهارات متعددة، والمواهب متعددة، والتخصصات متعددة.
الأرقم بن أبي الأرقم استثمرت داره وكان صغيراً ببداية البعثة.
مالك بن الحويرث، جاء وهو صغير وهذا راح مع الشباب وارجعوا إلى أهليكم .
ومصعب بن عمير ماذا فعل مع أهل المدينة لما أرسله؟
أسامة بن زيد لما ولاه الجيش، علي بن أبي طالب بعثه على القضاء على اليمن بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن قاضياً فقلت: يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن؟
وفي رواية: إني رجل شاب قال: إن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك" [رواه أبو داود: 3582] هو يخشى، من تواضعه ، كان ﷺ يثني عليهم بالخير الذي فيهم، هذا أرحم، وهذا أشد، وهذا أصدق حياء، وهذا أقضى، وهذا أقرأ، وهذا أعلم بالحلال والحرام، وهذا بالفرائض، وهذا أمين الأمة، ويرشد كل واحد، انطر إلى الرعاية للمنهج، وتحدثنا عنه، والآن نتكلم الرعاية للشباب للمسلمين لذات المسلمين كبار وصغار، حتى الشيبان حتى الغلمان والنساء والفتيات،كان يقول: يا علي لا تتبع النظرة النظرة.
عبد الله بن عباس لما روى حديث الفضل رديف النبي ﷺ فجاءت امرأة من خثعم فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي ﷺ يصرف وجه الفضل للشق الآخر" [رواه البخاري: 1855] يعني في متابعة لهم حتى في المسائل المتعلقة بفتنة النساء لا تتبع النظرة النظرة [رواه أبو داود: 2149، والترمذي: 2777]، وهذا يصرف وجهه.
وهؤلاء يقول: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج [رواه البخاري: 5065، ومسلم: 1400].
وسعى هو بنفسه يا ربيعة: مالك لا تتزوج؟ من يزوجني؟ اذهب إلى بني فلان مهموماً مالك يا ربيعة؟ ما عندي ما يقيم المرأة، اجمعوا له وزن نواة من ذهب، اجمعوا له نواة من ذهب، قال له: مالك يا ربيعة؟ ما عندي ما أولم به، اجمعوا له خروفا كبشاً، وفيه شعير عند عائشة هاتوه واخبزوه، ذبحوها وسلخوها، وطبخوها، وأولموا عليها، يعني حتى قضية التكاتف في تزويج الشباب، وقضية العمل الجماعي، وتحمل المجتمع للمسؤولية، في النهاية عففنا شاباً، وكونا أسرة، ومنه سيخرج نسل مبارك، الرعاية فيها تنشئة تدريجية، قالت عائشة: "إن ما نزل أول ما نزل" يعني من القرآن "سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب" يعني رجع "الناس إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبداً" [رواه البخاري: 4993].
وحتى التدرج أهل الكتاب تقدم أولاً الشهادتين ثم الصلاة الزكاة والصيام وفي رفق ورحمة: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران: 159] يعني هذه الرعاية مبنية على قضية إن الله يحب الرفق في الأمر كله [رواه البخاري: 6927 ومسلم: 2165] يعني مراعاة الحال، الرعاية تحتاج إلى مراعاة، مراعاة للحال، مدعوين شباب، اهتمام بحالهم، يا جابر تزوجت؟ نعم، بكراً أم ثيباً؟ ثيباً، ليش؟ أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك)) عندي أخوات، أبي مات ترك لي تسع أخوات إذا أتيتهن بامرأة بكر صغيرة مثلهن ما تحسن تدبير أمورهن، فأردت أن آتي بامرأة تمشطهن وتقوم عليهن، فدعا له [رواه البخاري: 2097، ومسلم: 715].
هذا الرعاية التي جعلت النبي -عليه الصلاة والسلام- يهتم بامرأة سوداء كانت تنظف المسجد، ماتت دفنوها ما أيقظوه في الليل، لماذا؟ أفلا آذنتموني؟ وراح وصلى على قبرها [رواه البخاري: 458 ومسلم: 956].
ونحن في الرعاية اليوم لأمور الدين نحتاج إلى وسائل وأساليب، تبغى رسالة، مقالة، نشرة، كتيباً، كتاباً، فتوى، مجلة، صحيفة، قناة إذاعية، تلفازاً، قناة فضائية، جوالاً، تطبيقات، كذا مواقع التواصل، الشبكات.
رعاية المهتدين والمسلمين الجدد
ومن ضمن الرعاية: رعاية المسلمين الجدد، ورعاية المهتدين، الآن تقام جهود دعوية ينتج عنها توبة الشباب، أحياناً بعض برامج التوبة هذه تحتاج إلى ضبط شرعي لأن بعض برامج التوبة فيها أحياناً أحاديث غير صحيحة، أو أحياناً الذي تاب يرفع يده ويقوم، النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعظهم يتوب من تاب، خلاص بينه وبين الله، ما في شيء اسمه ارفع يدك، وطرق غريبة في تتويب الناس، لكن هذا التائب هل يترك؟ المسألة فيها المتابعة لهذا المهتدي، يحتاج إلى تعليم، يحتاج إلى خدمة، يحتاج إلى إعانة، يحتاج إلى صحبة، يحتاج إلى بيئة، يحتاج إلى توجيه، إلى مصادر ثقافة وقراءة، تزود، ممكن يرجع، ممكن أهل الشر مرة أخرى، ممكن هو نفسه يبرد، يفتر، أين محاضن المهتدين الجدد والمسلمين الجدد؟ العناية هذه من الرعاية، الرعاية لا بد أن تراعي هذه المجالات، ترى ربط الناس بالمسجد تأثيره كبير، لو واحد قال: أنا ما يمكن أغطي له وقته أربعة وعشرين سنة، أنا عندي مسؤوليات أيضاً، أنا عندي زوجة وعندي أولاد، وعندي بيت، وعندي واجبات أخرى اجتماعية، وأريد أن أنفق، أين أنا أغطي هذا؟
تاب الآن على يدي، تبغى نصيحة؟ اربطه بالمسجد، وفيه مساجد فيها برامج، يعني فيها دروس، فيها محاضرات، فيها ناس طيبون، بعدين المسألة القيام بها جماعي، يعني أنت تأخذه قليلاً، وهذا يأخذه قليلاً، فيكون هناك، يعني الكل يساعد في حمل هؤلاء، حتى يقوى عوده، ويذهب هو يدعو ويهتدي على يديه ناس، خلاص، تعلم، فقه، ثبت، هو ينطلق الآن، هو ينطلق، ولا بد يعرف أيضاً هو الآن دعي إلى ماذا؟ أن هذا ما سيدعو إليه غيره هو مستقبلاً، يعني بعد ذلك، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع، المرأة في بيت زوجها راعية، والخادم راع .
الرعاية شاملة لجميع الطبقات والفئات
والرعاية شاملة لكل الطبقات، والعالم إلى العامي، وكل صاحب موقع اجتماعي، والولايات فيها، يعني كل واحد ولاه الله أعطاه مسؤولية، أعطاه منصباً، رزقه مكانة، قوة، سلطة، هذا في موضوع الرعاية، أول واحد من السبعة الذين يظلهم الله ((إمام عادل)) أول واحد؛ لأنه هو هذا كلما صعدت إلى الأعلى في سلم القوة والصلاحيات والمسؤولية، كل ما عظم موضوع الرعاية هذا يعظم؛ لأنه يستطيع، السلطان إذا كان فيه خير يفتح الله على يديه ألف باب من الخير، ويغلق على يديه ألف باب من الشر، وإذا العكس يغلق ألف باب من الخير، ويفتح ألف باب من الشر، والمقسطون عند الله على منابر من نور.
تمكين الدعاة من رعاية وحماية الدين
لا بد من التمكين لدعاة الإسلام، لا بد من حماية حوزة الدين، وإذا أي واحد حاول الاختراق يكون هناك من الناس من له بالمرصاد، عمر ما أشغلته الرعايات العظيمة التي كان يقوم بها عن تتبع نابتة نبتت، واحد بدأ يطلع أفكار غريبة، ويسأل عن متشابه القرآن، ويجلس في المجالس يثير أيش المرسلات والعاصفات والناشرات والنازعات؟ طريقة طرحه فيها إثارة شبهات، هذا صبيغ بن عسل قدم المدينة وكان عنده كتب، يعني مصادر ثقافة أجنبية، فبلغ ذلك عمر، جعل صبيغ يسأل عن متشابه القرآن، إثارة البلبلة، بلغ ذلك عمر فبعث إليه، تعال، وقد أعد له عراجين النخل، فلما دخل عليه جلس، القصة هذه ممكن تكون معروفة لأكثرنا في أولها، ولكن هذه في آخرها فيها عبر لما دخل عليه جلس فقال له عمر: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صبيغ، فقال عمر: وأنا عبد الله عمر، ثم أهوى إليه فجعل يضربه بتلك العراجين؛ لأن التهمة ثابتة، فما زال يضربه حتى شجه، فجعل الدم يسيل على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي.
هذه القصة المعروفة المشهورة، هذه الشبهات التي في الرأس لها دواء، عراجين النخل، لها دواء النخل مبارك، فيه دواء كل الأمراض، ما الذي حصل بعد ذلك؟ قالوا: وبعث عمر به إلى البصرة وأمرهم ألا يجالسوه، أول نفاه من البلد، وكتب إلى الوالي هناك وهو أبو موسى:اذهب به إلى البصرة مكان في العراق بعيد.
العقوبة هذه التي أذهبت ما في رأسه، الآن تأدب.
اثنين: نفيه من البلد.
ثلاثة: عزله عن الناس، أمرهم ألا يجالسوه، ماذا يقول في الرواية؟ فكان بها كالبعير الأجرب في البصرة، كان بها كالبعير الأجرب، ما أحد يقترب منه، مثل السامري، فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ [طه: 97] خلاص لا يأتي مجلساً إلا قالوا عزمة أمير المؤمنين، كل الناس يقولون: أمير المؤمنين قال: ما أحد يكلمه، ولا يجلس إليه، فتفرقوا عنه، الرجل استوحش، تأزم نفسياً حتى تاب وحلف بالله ما بقي يجد مما كان في نفسه شيئاً، فأذن عمر في مجالسته، انظر إلى أثر التربية العمرية، فلما خرجت الخوارج أتي صبيغ فقيل له: هذا وقتك، جاءتك الفرصة، الخوارج طلعوا رح معهم، فقال: لا، نفعتني موعظة العبد الصالح.
هذا كلامه.
الرعاية والحماية من الشبهات
على أية حال: الرعاية فيها حماية من شبهات المنصرين، وشبهات الملاحدة، وشبهات العلمانيين، وشبهات الغلاة، وشبهات أهل تقديم الرأي على الوحي، هذا كله من الرعاية، ودور العلماء كبير، وطلبة العلم أيضاً، والناس المحبين لهؤلاء أيضاً، مصلحة الأرصاد هنا، الأرصاد، معلمو الناس الخير، رصد النابتات ومعالجة الأمور قبل استفحالها، والمبادرة عند ظهورها، ويكون الشيء حاسماً، وقضية البيان والدفاع، هذه واجبة، إذا أنت سكت وأنا سكت وهو سكت متى يعرف الجاهل؟ ومتى يستيقظ الغافل؟ ومتى يصح السقيم؟
قال الإمام الهروي: "عرضت على السيف خمس مرات لا يقال لي: ارجع عن مذهبك، لكن يقال لي: اسكت عمن خالفك" [سير أعلام النبلاء: 18/509] ما طمعوا منه بأن يترك مذهب السلف، وإنما كان رجاؤهم، كل الطلب، اسكت فقط، لكن ما سكت.
كلام ابن القيم في النونية نختم به مجلسنا:
أجاهدن عداك مَا أبقيتني | ولأجعلن قِتَالهمْ ديداني |
ولأفضحن على روس الملا | ولأفرين أديمهم بِلِسَان |
ولأكشفن سرائرا خفيت على | ضعفاء خلقك مِنْهُم بِبَيَان |
إلى أن قال:
ولأنصحن الله ثمَّ رَسُوله | وَكتابه وَشَرَائِع الايمان |
إِن شَاءَ رَبِّي ذَا يكون بحوله | أَو لم يَشَأْ فَالْأَمْر للرحمن |
[توضيح المقاصد شرح الكافية الشافية، نونية ابن القيم: 2/148-149]
فنسأل الله أن يجعلنا من الذين يجاهدون بالقرآن جهاداً كبيراً، ونسأله سبحانه أن يسلك بنا في عداد المصلحين، ونسأله عز وجل أن يرزقنا الرعاية لهذا الدين إنه سميع مجيب، والغرباء يصلحون ما أفسد الناس، ويصلحون إذا فسد الناس وهم أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم، وهو خير مسؤول أن يعلي راية الدين، وأن يقمع أهل الزيغ والمفسدين، وأن ينصر الإسلام والمسلمين، إنه سميع مجيب قريب.
والحمد لله رب العالمين.