الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

هل نحن مسلمون؟ 1


عناصر المادة
المقصود ب "هل نحن مسلمون؟"
معاني كلمة: "أشهد" ومقتضياتها في اللغة والشرع
انحراف بعض الناس عن مقتضيات الشهادتين
شمولية الشهادتين لجميع أنواع التوحيد
مقارنة بين الإيمان عند أهل السنة وعند سائر الخلق
 مفهوم طاعة الله وانحراف الناس عند التطبيق

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وهذه فرصة طيبة جداً أن نلتقي بكم في هذا المكان المبارك في بيت من بيوت الله نتدارس معاً ونتناقش معاً ونستمع معاً إلى هذه الكلمات التي أسأل الله أن يكتب النفع لنا جميعاً بسماعها.

والحقيقة أن حضوركم في هذا المكان الطيب لسماع هذه الكلمة أمر تشكرون عليه، وأسأل الله أن يكتب لي ولكم هذا الحضور في ميزان حسناتنا يوم القيامة.

وتعلمون ما لحلق الذكر من أجر عظيم عند الله .

هذه الحلق التي يجتمع فيها المسلمون لمناقشة أمور الدين ومعرفة هدي الرسول ﷺ في سننه الكثيرة التي نقلت عنه عليه السلام من أفضل الأعمال إلى الله.

من أفضل الأعمال عند الله : الاجتماع في حلق الذكر لمعرفة الحق ومعرفة الدين ومعرفة سنة سيد المرسلين ﷺ.

المقصود ب "هل نحن مسلمون؟"

00:01:40

أيها الإخوة: عنوان هذه المحاضرة: "هل نحن مسلمون؟".

وهذا العنوان في الحقيقة اسم كتاب لمؤلف فاضل وهو الشيخ محمد قطب -جزاه الله خيراً.

وبعض الناس عندما يسمع هذه الجملة: "هل نحن مسلمون؟" يستغرب، كما قال أحد الناس: هل نحن مسلمون؟ أجل أيش نحن كفار؟ أكيد مسلمون.

لكن -أيها الإخوة- المسألة أبعد من هذا.

المسألة تحتاج إلى تذكير وتروٍ أكثر من هذا المظهر السطحي الذي نحن ننتسب إليه.

كثير من الناس يقولون: نحن مسلمون، أيش نحن كفار؟ أكيد نحن مسلمون.

فإذا جئت وسألته عن حقيقة الإسلام الذي يؤمن به، ما هو الإسلام الذي تؤمن به؟ ما هي صفات الله ؟ ما هو اعتقادك في التوحيد؟ ما هو عملك؟ ما معرفتك بالسنة؟ ما هو فهمك لـ "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ ما هو مفهومك للإيمان؟ ماذا تعرف عن اتباع الكتاب والسنة؟ ماذا تعرف في الفقه من الأحكام؟

تجد أنه خالي الذهن من كثير من هذه الحقائق.

مع أن كثيراً من هذه الحقائق هي التي تفرق بين المسلم والكافر.

فنحن نريد في هذا المقام أن نستعرض جملة من الحقائق والتصورات الإسلامية، ثم بعد ذلك نسأل أنفسنا: "هل نحن مسلمون؟".

أيها الإخوة: الكلمة التي من المفترض أن تكون أول كلمة يسمعها الإنسان عند ولوجه إلى الحياة الدنيا، وهي الكلمة التي من المفترض أن يختم بها الإنسان حياته عند انتقاله إلى الرفيق الأعلى -إن شاء الله- عند انتقاله إلى الحياة الآخرة.

هذه الكلمة التي يدخل بها الكافر في الإسلام.

وهذه الكلمة التي لا يصح عمل إلا بعد أدائها، وهي الركن الأول من أركان الإسلام، وهي: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.

فما هو معنى هذه الكلمة التي نقولها يومياً؟ لا تخلو صلاة من الصلوات وإلا ونقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وبعد الأذان، وفي أوقات كثيرة في أذكار الصباح والمساء نقول هذه الكلمة. فهل نحن نفقه هذه الكلمة؟

الآن كثير من المسلمين -أيها الإخوة- إذا جئت تقول له: فلان مسلم؟

يقول لك: نعم.

تقول له: وما علامة إسلامه؟

يقول لك دائماً: نسمع أنه يقول: لا إله إلا الله.

فإذا جئت تحقق في الموضوع تجد أن لا إله إلا الله في جهة، وأعمال هذا الإنسان في جهة أخرى.

معاني كلمة: "أشهد" ومقتضياتها في اللغة والشرع

00:05:48

"أشهد أن لا إله إلا الله".

والإسلام يقول: ما تدخل في الإسلام ولا تعتبر مسلما حتى تشهد أن لا إله إلا الله.

ولما بعث الرسول ﷺ معاذاً إلى اليمن -كما في الحديث الصحيح- ماذا قال له؟ قال  إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك  فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم  إلى آخر الحديث [رواه البخاري: 1496].

((صدقة)) هي الزكاة..

 «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله [رواه البخاري: 25 ومسلم: 22 ].

لاحظ الرسول ﷺ ما قال: حتى يقولوا، قال: حتى يشهدوا .

فهل هناك فرق بين "يشهد" و "يقول"؟

نعم، هناك فروق كبيرة بينهما.

الآن لو واحد طلب في المحكمة للشهادة، قال القاضي : أنت تشهد أن قطعة الأرض هذه لفلان؟ هذه شهادة، لو كانت شهادة هذا الرجل عند القاضي صحيحة، أليس من الواجب أن يكون هذا الرجل الشاهد معتقداً بقلبه أن قطعة الأرض هذه لفلان؟ لازم يكون معتقداً بقلبه، مصدقاً بالقلب أن هذه قطعة الأرض لفلان.

هل من الممكن أن تعتبر هذه الشهادة شهادة لو لم يتلفظ بها؟

واحد قال: أنا معتقد لكن ما أريد أتكلم، ما أريد أن أنطق، ما أبغى أقول عند القاضي: هذه أرض فلان، هل يعتبر هذا الرجل شهد بهذه القضية؟

لا يعتبر.

لماذا؟

لأنه لم يتلفظ بهذه الشهادة.

فإذاً، صار عندنا قضيتان:

الأولى: الاعتقاد بالقلب.

الثانية: التلفظ والنطق باللسان.

ثالثاً: لو قالوا له: إن شهادتك بأن هذه الأرض لفلان ما يمكن تصح حتى تطلع من بيتك وتروح للمحكمة وتشهد، لا بد أن تؤدي هذا العمل.

فلو قال: ما أبغى أؤدي هذا العمل، ما أبغى أروح المحكمة، لن أنتقل إلى المحكمة ولن أعمل العمل، هل نسمي هذه شهادة؟

لا نسميها شهادة.

لماذا؟

لأنه لم يقم بما يترتب على هذه الشهادة من الأعمال، لما صار فيها عمل، قال: لا.

وكثير من الناس كذا، تقول له: أنت تعرف الحق في هذه؟ يقول لي: نعم.

تشهد لي؟ نعم.

تعال معي عند القاضي؟

يقول: لا. أما المحكمة فلن أذهب.

هل تعتبر هذه شهادة؟

لا.

لأنه ليس هناك عمل.

رابعاً: لو قال له القاضي بعدما شهد الرجل هذا وقال: ترى الأرض لفلان، لو قال القاضي ترى نحن نسجنك ونجلدك؟

قال: لا، خلاص، أنا بطلت أشهد، تراجعت عن كلامي.

هل تعتبر هذه شهادة؟

لا تعتبر هذه شهادة.

لماذا؟

لأنه لم يصبر على أدائه للشهادة.

فصار كلمة: "شهد" في لغة العرب وفي الشرع تعني أربعة أشياء:

أولاً: تصديق القلب بمقتضى هذه الشهادة.

ثانياً: النطق باللسان.

ثالثاً: العمل بمقتضاها.

رابعاً: الصبر على ما تستلزمه وما يستتبع هذه الشهادة.

وإلا ما تسمى شهادة.

انحراف بعض الناس عن مقتضيات الشهادتين

00:10:58

فالآن بعد أن عرفنا هذه الأشياء الأربعة: هل في شيء في الدين كله ما يدخل فيه شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله؟

لا يوجد.

لو قلت لي: الصلاة؟

أقول لك: هذا من العمل.

ونحن ذكرنا سابقاً: أن شهادة أن لا إله إلا الله، ما تصير شهادة إلا بالعمل، والصلاة عمل.

أي حاجة، بر الوالدين من العمل، قول الحق من التلفظ.

ذكر الله -تعالى- باللسان، هذه تعتبر من القول ومن العمل.

فليس هناك شيء في الدين ما يدخل تحت الشهادتين.

وهذا باب عظيم من الفقه يجهله كثير من المسلمين.

كثير من المسلمين يظنون أنك إذا أردت أن تصبح مسلماً تدخل في الإسلام تقول: لا إله إلا الله فقط، يعني تقول هذه الكلمات بلسانك فمعناها صرت مسلماً.

لكن الآن بعدما شرحنا هذا الشرح هل هذا كلام صحيح بمجرد النطق باللسان؟

ليس بصحيح.

لذلك الآن في كثير من المسلمين يقول: لا إله إلا الله بلسانه، ولكن أعماله تنافي لا إله إلا الله بالكلية.

كثير من المسلمين لا يصبرون إذا جاء يأمر بالمعروف وينهى عن منكر ما يصبر على ما يصيبه من الشدة، هل يعتبر أنه شهد لا إله إلا الله بحق؟

لا.

لذلك بعض الناس تأتي فتقول له: يا أخي أنت أعمالك فيها أشياء كثير خطأ، أنت الآن فيه عندك منكرات؟

يقول: والله من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، وأنا خلاص أنا ضامن الجنة ما دام أني أقول: لا إله إلا الله أنا ضمنت الجنة.

هذا ضلال وهذا انحراف؛ لأن الرسول ﷺ ما قال ليقولها بلسانه؛ لأن في أحاديث أخرى يوضح بعضها بعضاً، في حديث:  إلا بحقها ، ولا إله إلا الله لها حق عظيم، فلا بد من القيام بحقها.

وهذه قصة: رجل جاء من البادية، واحد من أهل القبائل جاء إلى الرسول ﷺ وسأله عن أشياء، هذا الرجل من أهل القبائل من البادية جاء وسأل الرسول ﷺ عن أشياء، وأود أن أخبركم بهذه القصة لسبب: كثير منكم قد يكون هو أو أجداده من أهل القبائل المعروفين من أهل البادية الذين سكنوا الصحراء في يوم من الأيام، وهؤلاء أهل الصحراء أصحاب فطرة وأصحاب حدة في العقل والذكاء، عندما يستخدمونها في الخير تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، تجيب نتائج مذهلة.

أقول لكم هذه القصة، روى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك  قال: نهينا أن نسأل رسول الله ﷺ، الصحابة كانوا أول يسألون ويكثرون في السؤال، فالله قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة: 101]، وعاب الرسول ﷺ مسائل.

فالمهم الصحابة كفوا عن السؤال، قالوا إذا احتجنا أي شيء، ماذا سيحصل؟

الوحي ينزل علينا.

لكن فيه ناس من الأعراب من أهل البادية ما كانوا يعرفون ما وصل لهم هذا العلم، فماذا كانوا يفعلون؟ كانوا يأتون ويسألون الرسول ﷺ، فيقول أنس بن مالك : فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل، فيسأله، فيسأل الرسول ﷺ يقول: نحن ما كنا نستطيع أن نسأل، فقلنا: كيف نستعجل الإجابات؟ كنا ننتظر يأتي واحد من أهل البادية اللي ما وصل لهم العلم فيسأل الرسول ﷺ، ونحن نستفيد من أسئلته، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد أتانا رسولك؟ الرسول كان يرسل رسلاً إلى العرب، كل واحد يخبر القبيلة الفلانية وأهل البلد الفلاني، وأرسل معاذاً وأبا موسى إلى اليمن، وأرسل العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، وأرسل إلى حضرموت، وأرسل إلى نجد، وأرسل إلى تهامة، وأرسل إلى الشمال، الرسولﷺ كان يرسل ناساً يبلغون الدعوة، يبلغون الدين، يعلمون الناس، فقال: يا محمد، جاء البدوي بنفسه قال: يا محمد أتانا رسولك؟ جانا واحد مرسل من عندك، واحد من الصحابة أصحابك، فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك؟ هذا واحد من البادية ما عنده علم، جاء يسأل يتأكد، قال: يا محمد أتانا رسولك؟ جاءنا واحد من قبلك، فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك، فقال الرسول ﷺ: ((صدق))، كلام صحيح، قال: فمن خلق السماء؟ هذا البدوي يسأل الرسول ﷺ، قال: فمن خلق السماء؟ قال: ((الله))، قال: فمن خلق الأرض؟ البدوي يسأل بفطرته، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: ((الله))، قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ من الذي نصب هذه الجبال؟ قال: ((الله))، قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك؟ يقول هذا البدوي للرسول ﷺ بعد ما تأكد منه: من خلق الأرض؟ من خلق السماء؟ من نصب الجبال؟ الرسول ﷺ قال له: ((الله))، قال: فبالذي خلق الأرض، وخلق السماء، ونصب الجبال آلله أرسلك؟ يبغى يتأكد آلله أرسلك فعلاً؟ البدوي هذا كيف استدل؟ على الخالق أولاً، ثم بدأ يحلف الرسول ﷺ ، يقول له: آلله أرسلك؟ قال الرسول ﷺ: ((نعم)) الله أرسلني، قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: ((صدق)) الرسول ﷺ يقول: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ الله أمرك أنك تأمرنا تخبرنا نصلي خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: ((نعم))، قال: وزعم رسولك، يقول البدوي للرسول ﷺ، وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا، خبرنا هذا الرجل اللي جاء من عندك أن علينا زكاة في أموالنا، قال: صدق، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ أن ندفع زكاة؟ قال الرسول ﷺ: ((نعم))، قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً؟ قال: ((صدق)) ثم ولى، هذا الأعرابي ولى وهو يقول: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص، فقال النبي ﷺ:  لئن صدق ليدخلن الجنة [رواه مسلم: 12].

في بعض الأحاديث ما فيها ذكر الصيام، قيل: لأن الصيام متأخر.

وقيل: أنه ورد في روايات أخرى توضح فيها ذكر الصيام.

لكن الآن ليس الآن هذا المجال توضيح هذا الأمر.

ولكن هذه القصة تعلمنا بأن الأعراب أهل البادية أصحاب فطرة سليمة، تصدع فيه الحق ويعمل مباشرة، يحاولون أن يتأكدوا، فلذلك كان واحد منهم يأتي من البادية ويقول: "يا محمد إني سائلك فمشدد عليك في المسألة؟" [رواه البخاري: 63] كان الواحد منهم يأتي يقول للرسول ﷺ: ترى أنا أبغى أسألك وأشدد عليك، لا تغضب علي، لا تغضب مني.

فإذاً هذه الفطرة السليمة تشهد بأن الإيمان بالله يستوجب العمل، فهذا الأعرابي لما خرج من عند النبيﷺ بعد أن جمع المعلومات لا بد أن يعمل، يصلي ويزكي ويحج، ويشهد أن لا إله إلا الله الذي خلق هذه الأشياء.

شمولية الشهادتين لجميع أنواع التوحيد

00:21:30

فإذاً يجب أن تكون عقيدتنا بالله عقيدة صحيحة تشتمل على توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات.

لا بد أن نوحد الله ، وشهادة أن لا إله إلا الله تقتضي هذه الأنواع من التوحيد كلها.

وشهادة أن محمداً رسول الله تضيف إلينا توحيداً رابعاً، وهو: توحيد الاتباع، يعني ما نتبع إلا الرسول ﷺ.

وتوحيد الربوبية هو أننا نعتقد بأن الله هو الذي خلق الأرض وخلق السماء وخلق الناس وأنزل الغيث وهو يحيي ويميت سبحانه وتعالى.

وتوحيد الألوهية هو توحيد الله بأعمال العباد، وله اسم آخر: توحيد العبادة، يعني إذا نريد نقوم بأي نوع من أنواع العبادة يجب أن يكون هذا النوع لله ؛ مثل الصلاة والزكاة والصيام، والجهاد في سبيل الله، والذبح لله، والنذر.

هذه الأشياء كلها لله فقط.

لذلك كثير من الناس الآن يصرفون هذه العبادات لغير الله، فنجد منهم من يذبح عند قبر من القبور، أو ينذر للولي الفلاني، وإن كنا لا نشاهد هذا الآن بحمد الله في هذه البيئة التي نعيش فيها لمعرفة الناس بهذا الأمر، ولكنها مسألة منتشرة في خارج هذه البيئة.

بل إنني أذكر مرة بأنني خطبت خطبة الجمعة، واحترت عند ذكر هذه النقطة هل أوضحها للناس أو الناس عارفين أن الذبح لله، والطواف لله، والصلاة لله، ما في داعي، ولكن من باب تكميل الكلام ذكرتها، فلما انتهيت من خطبة الجمعة بعد الصلاة جاءني واحد من الناس يقول: يا شيخ مرض أحد أولادي، وقامت زوجتي نذرت إذا هذا الولد شفي من مرضه أنها تذبح ثلاث ذبائح في قبر الولي الفلاني؟ فقلت لنفسي: سبحان الله الآن أنا كنت محتاراً متردداً أذكر الكلام هذا؛ لأن الناس  عارفون، يعني ما في داعي أن أذكره، ولكنني وجدت أن بعض الموجودين عندهم شرك في هذا النوع من التوحيد وهو توحيد الألوهية.

لذلك صديق حسن خان -رحمه الله- من علماء المسلمين الكبار، -هو ما صار له فترة من الزمان ميت، رجل متأخر من العلماء- يقول هذا الرجل: حججت مرة، خرج من الهند في الحج فركب السفينة، وهذه السفينة كانت تمر على بلدان وتأخذ الناس منها، فمرت في طريقها على مدن كثيرة وسواحل، ومرت على موانئ، ومرت على الحديدة في اليمن، ومرت على موانئ أخرى، ثم اتجهت إلى مكة، فقال هذا العالم: فكنا في السفينة، ففجأة جاءت الريح وانقلبت الأمور وأشرفت السفينة على الغرق، والأمواج تتلاعب بهذه السفينة، قال: فصار الناس في وقت الشدة، صار واحد منهم يقول: يا بدوي المدد المدد! يا عبد القادر المدد المدد! يا العيدروس المدد المدد! يا فلان يا حسين المدد المدد! أيش المدد المدد؟ يعني أنقذنا أنقذنا، فقلت: فكنت أدعو الله بأن لا يغرق الله المركب، صديق حسن خان يقول: أنا أدعو الله أن ما يغرقنا، قال: نحن بعض المسلمين أسوأ من كفار قريش، كفار قريش ماذا قال الله عنهم في القرآن؟ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [العنكبوت: 65] يعني لما ركبوا في السفن وتأتيهم الأمواج كانوا هم في حال الأمن والرخاء في مكة يعبدون الأصنام، يشركون مع الله، فإذا ركبوا في السفن في الفلك وتصير حالة شديدة وضائقة وتشرف السفينة على الغرق، كان كفار قريش يدعون الله مخلصين له الدين، فلما ينجيهم إلى البر يشركون مرة أخرى، فرد الله عليهم في سورة الإسراء قال: أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ  يعني أنتم إذا رجعتم إلى البر الآن ورجعتم إلى الأمن ما عندكم احتمال أن الله يرسل عليكم زلازلاً وخسفاً ويهلككم بالزلازل، وأنتم في البر؟ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا [الإسراء: 68] ثم يقول الله لهم: أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ [الإسراء: 69] وإلا أنتم عندكم أمان أنكم ترجعون مرة ثانية في البحر في رحلة أخرى، وبعدين لما يصير الموج ويصير الغرق الله يغرقكم المرة هذه الثانية، نعم فيه احتمال، فيقول صديق حسن خان: كفار زماننا الآن أتعس من مشركي الأول، من أول كفار قريش إذا ركبوا في البحر اضطربت السفن يتجهون إلى الله ، الآن كفار هذا العصر إذا لعب بهم الموج وقاربت السفينة أن تغرق يتجه بعضهم للأولياء! يتجهون لعبد القادر! يتجهون للحسين! يتجهون للشاذلي! للبدوي! ولابن عربي! المشرك الملحد.

فإذاً، هذا توحيد الألوهية أن تكون الصلاة لله، والعبادة لله، والذبح لله، والنذر لله.

هذه الأشياء الآن كثير من المسلمين يجهلونها تماماً.

أضف إلى ذلك الجهل بأسماء الله وصفاته، كثير من المسلمين يقول لك: أنا أؤمن بأسماء الله وأؤمن بأن له صفات، فإذا جئت على اسم من أسماء الله مثلاً: اسم الرزاق، ونقول: يا فلان هذا اسم الرزاق من أسماء الله، فيقول: نعم.

أنت تؤمن بهذا الاسم يا فلان؟

يقول: نعم.

فإذا جئت إلى العمل إلى الواقع إلى التطبيق، ماذا يقول الناس اليوم في مدير شركة فصل واحداً من الموظفين؟

يقولون: قطع رزقه.

مدير الشركة قطع رزق الموظف الفلاني.

وقبل شوي تقول أنت: أنا أؤمن بأن الله هو الرزاق، والآن تقول: فلان قطع رزق فلان.

وإذا واحد راح يتوسط -هذه ترى يا جماعة مسألة واقعية- إذا واحد راح يتوسط عند المدير يبغى يرجع الرجال هذا، يقول: يا أخي هذا رجال عنده عيال! ومسكين! لا تقطع رزقه!

-سبحان الله العظيم- يظنون أن هذا المدير من البشر بيده أن يقطع الرزق ويرجع الرزق!

وقبل قليل يقول: أنا أؤمن بأسماء الله وصفاته.

واحد من الناس مستهتر بالشريعة! مستهتر بأوامر الله! مستهتر بالصلوات! يسب الدين! لا يأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر، ولا شيء، تأتي له وتقول: يا فلان أنت تؤمن بأسماء الله وصفاته؟ يقول: نعم، فتأتي معه بالكلام تقول: اتق الله ما يصير تفعل هذه المنكرات، يقول لك: الله غفور رحيم.

ألم يقل الله : نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر: 49]، وماذا قال بعدها؟ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ [الحجر: 50] يعني غفور رحيم، وعذاب أليم.

فانظر كيف بعض الناس مستعد يؤمن أن الله غفور رحيم، لكن غير مستعد أن يؤمن بأن الله شديد العقاب، فينكر صفات الله، مع أنه يقول لك: وأنا أؤمن بالأسماء والصفات.

فيا أيها الإخوة: هذه المسائل في التوحيد مهمة جداً، وليس عندنا وقت نطيل فيها، ولكن لا بد من التأكيد على هذه المعاني؛ لأن كثيراً من الناس الآن عندهم جهل كبير بهذه القضايا.

وقد جمعت أنواع التوحيد الثلاثة في آية من كتاب الله، قال الله -تعالى- في سورة مريم: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: 65].

 رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا  توحيد الربوبية.

 فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ  توحيد الألوهية.

لاحظ كيف فَاعْبُدْهُ  هو وحده، وليس تعبده وتعبد معه واحداً ثانياً.

النوع الثالث: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا توحيد الأسماء والصفات.

فانظر رحمك الله كيف جمعت هذه الآية أنواع التوحيد الثلاث.

 الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 2 - 3] هاتان الآيتان جمعت جميع أنواع التوحيد.

 رَبِّ الْعَالَمِينَ  توحيد الربوبية، و{للّهِ} توحيد الألوهية،  الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ  توحيد الأسماء والصفات.

فانظر كيف اشتملت سورة الفاتحة على أنواع التوحيد الثلاثة.

هذه الأنواع -يا جماعة- مهمة جداً.

مقارنة بين الإيمان عند أهل السنة وعند سائر الخلق

00:34:30

قضية أخرى من قضايا تصورات المسلمين: الإيمان.

الإيمان عند أهل السنة والجماعة، وأهل السنة والجماعة هي العبارة التي تطلق على الطائفة الناجية المنصورة في الدنيا وفي الآخرة -إن شاء الله تعالى-.

أهل السنة والجماعة، سموا بأهل السنة؛ لأنهم يتبعون سنة الرسول ﷺ، والجماعة لأنهم اجتمعوا على الحق، اجتمعوا على الحق ولو كانوا واحداً.

أهل السنة والجماعة -أيها الإخوة- يؤمنون ويعتقدون في الإيمان كما أمر الله -تعالى-، وكما جاء في سنة الرسول ﷺ.

تعالوا نقارن بين الإيمان عند أهل السنة والجماعة وبين الإيمان عند سائر الخلق.

الآن الناس إذا جاؤوا على قضية الإيمان يقولون: الإيمان في القلب!

وهذه العبارة "الإيمان في القلب" هل هي عبارة كافية لتعريف الإيمان ولإعطاء المدلول الصحيح للإيمان كما أخبر الله في الكتاب والسنة؟

الإيمان عند أهل السنة والجماعة تصديق بالجنان يعني بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، يعني عمل الجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.

تصديق بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان.

فالإيمان يشمل أنواع العبادة كلها.

والعبادة اسم جامع لأربعة مراتب:

حتى نبين الآن كيف الناس يجهلون حقيقة الإيمان وحقيقة العبادة-.

المرتبة الأولى: قول القلب، يعني التصديق، التصديق قول القلب، أن تصدق بقلبك أن الله موجود، وأنه الخالق الرازق، إلخ...، تصدق بالله تؤمن بالله في قلبك.

هذه أول مرتبة تؤمن بالله بأسمائه وصفاته، تؤمن به بالقلب.

الشيء الثاني: قول اللسان: أنك تعرب عما في قلبك بلسانك، تبين بلسانك ماذا يوجد داخل قلبك، فتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

الشيء الثالث: عمل القلب.

طبعاً عمل الجوارح: صلاة، صيام، عمل الجوارح الذكر الجهاد، هذا كله من أعمال الجوارح.

وقول القلب يعني التصديق.

وقول اللسان يعني الشهادتين، وإلخ.. والذكر أيضاً.

وعمل القلب: المحبة، الانقياد، الإخلاص، الخشوع، الخوف، والرجاء، والتوكل والإنابة والشعور بمراقبة الله ، هذه محلها القلب، هذا من أعمال القلب، وهذا شيء مهم جداً يجهله كثير من الناس.

الآن سؤال: في عندنا منافق وعندنا مسلم، ما هو الشيء من هذه الأركان الأربعة الذي يفرق بين المسلم وبين المنافق؟

الآن المنافق يقول: لا إله إلا الله، ويسوي أعمال الجوارح، ويمكن يقاتل، ولكن ليس في سبيل الله، يقاتل رياء حتى يقال: أنه شجاع، ويعمل عمل الجوارح.

لكن ما هو الشيء الذي عند المؤمن وليس عند المنافق؟

عمل القلب.

عمل القلب هذا لا يوجد عند المنافق، فلذلك ما عندهم خشوع، ولذلك الله قال: وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: 142].

ووصف الرسول ﷺ صلاة المنافق بأنه ينتظر اصفرار الشمس يروح يصلي العصر أربع ركعات ينقرها كنقر الغراب أو كنقر الديك، بسرعة، هل عنده خشية؟ هل عنده توكل على الله؟ هل عنده خوف ورجاء؟

ما عنده.

هذه أعمال القلب، هذه مسألة مهمة جداً، كثير من الناس لا يفقه عمل القلب.

عمل الجوارح أنك تصلي وتزكي وتصوم وتجاهد، وتمشي إلى الجمعة والجماعة، تمشي إلى المساجد.

لكن عمل القلب: الخشوع والإنابة والتوكل والخوف والرجاء والإخلاص، هذه كلها محلها في القلب.

الآن الناس ماذا يعرفون عن الإيمان؟

يقولون: الإيمان هو في القلب.

وأنا مرة ناقشت واحداً من الناس، قلت له: يا ابن الحلال لماذا ما تصلي؟ يا أخي قم صل، يا أخي لماذا ما تصلي؟ ما تكلم ولا كلمة، قلت له: قم صل فأشار إلى قلبه، يعني يصلي في قلبه؟ شف المنطق العجيب.

ونناقش كثيراً من الناس نقول لهم: يا جماعة اتقوا الله أنتم تفعلون الفواحش والمنكرات، ما يصير هذا الكلام، خطأ.

يقول: يا ابن الحلال الله غفور رحيم، وسع صدرك، نحن بخير، وأهم شيء تكون أخلاقك زينة، وتعاملك مع الناس طيباً، وما تغش ولا تكذب، ولا تخون ولا تضرب هذا، ولا تعتدي على هذا، هذا أهم شيء، هذا أهم حاجة.

طيب الصلاة يعني هذه الله غفور رحيم، صيام حج جهاد أمر بمعروف والنهي عن المنكر الدعوة إلى الله تعلم العلم؟

على جنب.

لذلك الآن انعكس هذا المفهوم الخاطئ للإيمان: أن الإيمان فقط في القلب، الجوارح ليس لها علاقة بالموضوع، العبادات ليست داخلة في الإيمان، انعكس على حياة الناس، فأنت الآن لما تجد واحداً يتقدم لأناس يخطب منهم ابنتهم، فهؤلاء الناس يسألون عن هذا الرجل، كيفه؟ فتجد الناس ماذا يقولون؟ تجد واحداً يقول: والله فلان هذا الذي تسألون عنه هذا المتقدم لبنتكم أنا أعرفه، هذا إنسان طيب ممتاز أخلاقه زينة، عسل أخلاقه، وكلامه لطيف، وما يؤذي أحداً ولا يضر أحداً ولا يغش ولا يخون، أمين في معاملته، لكن فيه عيب واحد صغير أنه ما يصلي، لكن أخلاقه ممتازة، وكل شيء فيه ممتاز، أخلاقه وأدب ولسانه طيب، ما سمعنا كلمة شينة، لكن ما نشوفه معنا في المسجد يعني الصلاة هذه ما ندري لكن الرجل ما يحتاج، خلاص زوجوه، الرسول ﷺ قال: إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه  [رواه ابن ماجه: 1967 وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1022] ما قال: ترضون خلقه فقط، الآن كثير من الناس لما يجيهم واحد يخطب بنتهم، ماذا يسألون؟

أول شيء يسألون عن أخلاقه.

هل يقولون: أيش لون دينه؟ هل يقولون: يصلي وإلا ما يصلي؟ هل يقولون: تشوفونه في المسجد وإلا ما تشوفونه؟ هذه هي أهم شيء.

وأنا سمعت مرة عما قريب واحد من الناس يقول: أنا عندي الأخلاق أهم شيء، أهم شيء الأخلاق، والذي يعاملني بأخلاق زينة أحبه وأصير أخاه ولو كان يهودياً.

لماذا؟

لأن أخلاقه زينة، يقول: نحن والله معنا ناس في العمل نصارى لكن معاملتهم زينة، نحن نحبهم!

يا سبحان الله العظيم، الله يقول: وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 51]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [المائدة: 51]،  لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة: 22].

وهؤلاء اليهود والنصارى والكفار بسائر أنواعهم وطوائفه.

بعضهم ينتسبون للإسلام يقولون: نحن مسلمون وهم كفار.

كفار عندهم خلل في توحيد الربوبية، وشرك في الألوهية، لكن يقول: نحن نحبهم.

لماذا؟

أخلاقهم زينه.

هو الدين فقط صار في الأخلاق؟

 مفهوم طاعة الله وانحراف الناس عند التطبيق

00:46:44

قضية أخرى: الآن مفهوم طاعة الله من المفاهيم الإسلامية المهمة، والتصورات الإسلامية، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال: 20]، ودائماً في القرآن: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ [الأنفال: 1]  أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ  [آل عمران: 32] وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ [المائدة: 92]، أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء: 59] فأدخل طاعة أولي الأمر في طاعة الله وطاعة رسوله دلالة على أنها لا تنفصل عنهما، ولذلك يقول الرسول ﷺ في أحاديث صحيحة:  لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .

الآن تعرض هذا الكلام للناس تقول: يا جماعة أنتم تطيعون الله ورسوله، ماذا يقولون؟

نعم.

ما أحد يقول: ما نطيع الله ورسوله.

تطيعون الله ورسوله؟

نعم.

تأتي الآن إلى عادات الناس وتقاليدهم.

بعض العادات والتقاليد المنتشرة الموجودة، ونشوف هل نحن نطيع الله ورسوله؟ هل الناس يطيعون الله ورسوله وإلا حاطين هذه الأشياء على جنب؟

الآن مثلاً التفاخر بالأنساب، هذه المسألة التفاخر بالنسب من الإسلام والا ما هي من الإسلام؟

أنا فلان وأبوي فلان وجدي فلان، ونحن نطلع من كذا، ونحن أحسن منكم أنتم أيش أصلكم؟ ما عندكم أصل.

نسمع هذا الكلام، فلان هذا ما عنده قبيلة، هذا من ... ما عنده أصل هذا، وإذا جاء يطلب زواجاً ماذا يقول له الناس: اطلع برا، هذا اللي ناقص نزوج واحد مثلك روح، لماذا؟

فهذا التفاخر، الرسول ﷺ قال: ثلاث من أمور الجاهلية ،  ثلاث لا تدعها أمتي من أمر الجاهلية  أو كما قال ﷺ، فذكر منها التفاخر بالأحساب والأنساب، نحن من كذا وأنتم من كذا، ونحن أحسن منكم وأنتم ما عندكم أصل، وأنتم أيش تطلعون؟ . ...

لماذا يا أخي؟ ألم يقل الله : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13] فأثبت الله الأكرمية للأتقى، ما قال: لأكثركم حسباً ونسباً وأشرفكم وأعلاكم.

فالآن هذا كلام القرآن، هذا هو قول الله، وقول الرسول ﷺ، نأتي إلى التطبيق هل الناس يعتقدون بهذا الكلام؟ هل الناس يطبقون قول الله : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13] في قضايا الزواج يطبقون؟ ما هو الواقع؟

قضية أخرى: الآن إذا واحد جاء يبغى يخطب بنتاً من بنات عوائل الناس شرعاً، على الكتاب والسنة، هل يجوز للخاطب أن يرى المخطوبة؟ أنا أريد أخطب من ناس يجوز لي إني أنظر إلى البنت التي أريد أن أتزوجها؟

يجوز، بل يستحب، الرسول ﷺ قال: اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما [رواه ابن ماجه: 1865، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 96]، أو  فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً [رواه مسلم: 1424] قيل: كان فيها صغراً، يعني انظر إليها حتى تشوف تعجبك وإلا ما تعجبك.

الآن نأتي على التطبيق، الآن إذا جئت تقدمت لواحد: أنا والله أريد أخطب من عندكم، أريد أتزوج من عندكم على كتاب الله وسنة الرسول ﷺ.

أهلاً وسهلاً، حياك الله، إلخ..، فإذا جئت إلى قضية الرؤية يعني الآن اتفقتم على كل شيء، وسألت عنهم وسألوا عنك وطلعتم مناسبين، جئت على المرحلة التي قبل الأخيرة، قلت: والله أنا أرغب بأن أرى البنت؛ لأن الخاطب يجوز له أن يرى المخطوبة، ماذا يقول الناس؟

الله ما تشوفها إلا ليلة العرس.

لماذا يا جماعة؟

الآن هذا الحكم في الكتاب والسنة، الصحابة الذين هم أشرف منا وأتقى منا وأعلم منا كان الواحد منهم إذا خطب من واحد ذهب وشاهد البنت قبل أن يدخل بها.

وعدم الرؤية هذه يترتب عليها مصائب وبلاوي كثيرة، فكثير من الزواجات تنتهي بعد ثاني يوم يطلقها، لماذا؟ قال: ما أعجبتني.

لماذا ما نظرت إليها؟

قال: والله ما سمحوا لي.

انظر الآن إلى المصائب التي تنتج عن عدم تطبيق هذا الحكم.

تناقش الأب: يا شيخ، هذه عاداتنا، أيش يقول الناس: ورى بنته لواحد أجنبي كذا؟

وبعض هؤلاء للأسف ما عنده مانع بنته طول اليوم مع السواق الأجنبي وتروح في الأسواق وتتفرج في الحرام، وإذا جاء واحد يريدها بالحلال يريد يشوفها ومع وجود المحرم يعني ما يختلي بها، قال: لا، ما يصير كيف؟ وهو كل يوم يطلع بنته السوق.

في الحرام ما في أشطر منا، لكن في الحلال لا، كيف؟ وأيش يقول الناس؟ الكلام هذا عندما خرجت البنت إلى السوق، لما طلعت البنت مع السواق بمفردها ما قلت هذا الكلام، فعلاً أشياء تحتار وأنت تنظر إلى واقع الناس.

نحن ما قلنا لك: أي واحد يجيك من باب واحد ما تعرفه وريه البنت.

عندما تتأكد أنه إنسان جاد فعلاً ما هو لعاب، إنسان جاد جاء يريد يخطب البنت، لماذا لا تسمح له بالنظر إليها إذا اتفقتم على جميع الأشياء وسألت عنه وسأل عنك؟ لماذا لازم تتزوج وبعدين تنتظر؟

وبعدين يمكن تتطلق ثاني يوم وإلا ثالث يوم وإلا بعد شهر وإلا بعد سنة؛ لأنها ما أعجبت الرجل.

عدم تطبيق أحكام الإسلام يؤدي إلى الكوارث والمصائب دائماً.

قضية أخرى: مما اعتاد عليه الناس في أعرافهم ومشوا عليه، إذا واحد جاء له ضيوف، ماذا يفعل؟

ذبائح.

كم واحد جاء؟

خمسة وعشرون واحداً.

كم ذبيحة ذبحت؟

أربعون ذبيحة.

يا شيخ الواحد يبغى يأكل ذبيحتين وإلا ذبيحة ونص، وليمة عرس، في الأعراف كم الحضور؟ مائة، كم ذبحتم؟ مائة وخمسين رأس.

لماذا يا أخي؟ هذا الأكل الباقي أين سيذهب؟

في تلك البراميل الخضراء الموضوعة في الطرقات حق الزبالة، من أجل أن يأتي عمال البلدية ثاني يوم يأخذوها ويرموها.

يا أخي يقول الله : إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: 27] هذا تبذير حرام، أكل يرمى، تكفر بنعمة الله،  هذا من كفر النعمة، الله أعطاك هذا المال وأعطاك هذه النعمة لكي تخونها، ماذا يقول؟

إيش يقولون الناس علي، جاءنا ضيوف وذبحنا لهم ذبيحتين وإلا ثلاث ذبائح، لازم أذبح عشرة، لو أن هذا الأكل يتصدق به ويعطى للناس الفقراء والناس المحتاجين نقول: إنها بسيطة، لكن تنظر البراميل فعلاً، أي بيت فيه زواج فيه عرسان، انظر في البراميل الزبالة بجانب هذا البيت، ماذا ستجدها؟ مليئة بأكوام الرز واللحم المرمي.

الله أعطانا النعمة هذه من أجل أن يكون آخر مصيرها في براميل الزبالة.

قضايا أخرى تحدث كثيراً في مجتمعاتنا نحن هنا، مثلاً يجتمعون جماعة ليحددوا أين عشاءهم الليلة القادمة، بكرة أين العشاء؟ ماذا يحدث عندما يتعازمون؟ كل واحد يريد يحط العشاء عنده، ماذا يقولون؟

علي الطلاق إلا العشاء عندي بكرة، وهذاك يقول: علي الطلاق إلا العشاء عندي بكرة، وثالث يقول، يعني بعدين لما يصير عند واحد منهم يكون كم واحد طلق زوجته وهو في ذلك المجلس؟ عشرة يطلقون زوجاتهم في ذلك المجلس من أجل يعزم عليه.

ويا ليت يحلف بالطلاق واحد ويصير عنده.

يحلف عشرون واحداً وتصير عند واحد، وبقية التسعة عشر، كل واحد طلق زوجته.

والطلاق هذه مسألة ماشية على كل لسان، "علي الطلاق إلا تتعشى"، "علي الطلاق غداكم عندي"، "علي الطلاق وبعض الأحيان من أولها ما صار في أخذ وعطاء وصار ما صار، ويصير ما يصير، من أولها: علي الطلاق، طيب لكن ما بعد صار وقت للطلاق اصبر شوي الناس ما قالوا لك: لا، لا من أولها: علي الطلاق.

هذه التساهل فيها، الرسول ﷺ يقول: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة [رواه أبو داود: 2194، وحسنه الألباني].

لو أنت هازل مع زوجتك يعني تمزح قلت لها: أنت طالق روحي يعني مزح، ماذا تعتبر في الشريعة الإسلامية؟

تعتبر طلقة، طلقتها باقي ثنتين وخلاص، لا تحل لك حتى تنكح زوجاً غيرك.

الآن في مجلس واحد نعد على ناس أكثر من ثلاث طلقات في مجلس واحد، يتعازمون على عشاء أو  غداء أو على شيء، على مناسبة تعد بعدين أكثر من ثلاث طلقات في مجلس واحد: "علي الطلاق".

طيب زوجتك الآن ما تفكر فيها صارت حلالاً عليك، حراماً عليك، تروح للقاضي تسأل ما تسأل، المسألة غير موجودة، أليس هذا واقع؟

ما هو الحل؟

اتقوا الله، كل واحد يتقي الله في زوجته.

أول شيء من الطلاق يا أخي حرام عليك، زوجتك ما ذنبها هذه؟

والأمثلة كثيرة فيما جرت عليه الأعراف وما جرى عليه عرف الناس، وكذا..، لذلك لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لذلك يقول الحسن البصري -رحمه الله- كما في صحيح البخاري: "إن منعته أمه من صلاة العشاء شفقة عليه لم يطعها" [صحيح البخاري: 1/131] يعني لو واحد قالت له أمه: يا وليدي خلك في البيت الدنيا برد الحين تطلع إلى صلاة العشاء صل في البيت، وهو يعلم أن صلاة الجماعة في المسجد واجبة ما هو الحكم؟

يعصي أمه ويذهب للصلاة في المسجد.

لماذا؟ لأن الرسول ﷺ  أمرنا بالصلاة مع الجماعة: لقد هممت أن آمر بحطب، فيحطب، ثم آمر بالصلاة، فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال، فأحرق عليهم بيوتهم [رواه البخاري: 644، ومسلم: 651] فأمرنا بأن نصلي مع الجماعة في المسجد.

فإذا واحد قال له أبوه: لا تصل  مع الجماعة في المسجد، صل في البيت، يطيع الله وإلا يطيع أباه؟ واحد قال له أبوه: لا تحضر ولا حلقة علم، ولا تصاحب الناس الطيبين أبداً، والله أمر بأن تصاحب الأخيار، وبأن تتعلم وتحضر حلقات العلم.

لما سئل الشيخ ابن عثيمين عن هذه المسألة: لا يطيع أباه طبعاً.

وأنا سألت مرة الشيخ ابن باز: لو أن أهلي قالوا لي ما أحضر حلقة العلم التي أنت تدرس فيها هنا في المسجد؟ ما هو الحكم؟

قال: تعصيهم.

لأنهم يمنعونك من غير فائدة.