الخميس 19 رمضان 1445 هـ :: 28 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

كيف نحاسب يوم القيامة؟


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أصول المحاسبة
كيف توزع الحسنات والسيئات؟
من قواعد الحساب
الخطبة الثانية

الخطبة الأولى

00:00:05

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب 70-71.

أما بعد:

أصول المحاسبة

00:01:13

فإن ربنا قد حذرنا يوم الدين، وذكرنا قيام الساعة، وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ۝ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ سورة الحـج1-2.

ذلك يوم الدين، الواقعة، الحاقة، الطامة، القارعة، يوم الفصل، يوم الدين، يوم الحساب والجزاء، يأخذ الناس حقوقهم، ويحاسبون على أعمالهم، فويل لمن حوسب الحساب العسير، وهنيئاً لمن كان حسابه يسير.

عباد الله: إن المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله ، وإنما خف الحساب يوم الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب على قوم أخذوها من غير محاسبة، فكيف يكون الحساب في ذلك اليوم؟ ما هي القواعد التي يحاسب عليها العباد، كيف تعطى الحسنات والسيئات، ما هي الموازيين؟ كيف يكون التعامل يوم الدين؟

إن هذه الأمور إذا اتضحت للعبد أصول المحاسبة، كيف سيحاسب عمل واجتهد بناء على ذلك، إن رحمة الله سبقت غضبه، ولذلك فإن كرمه عظيم سبحانه، فقال لنا نبينا ﷺ فيما يرويه عن ربه إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة[رواه البخاري6491].

وهكذا إذن عرفنا بأن الحسنة تضاعف والسيئة لا تضاعف، الحسنة إذا منع من عملها مانع قهري للإنسان تكتب له، السيئة إذا لم يعملها لله خوفاً من الله تكتب له حسنة، كما جاء في الحديث، قالت الملائكة: رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به سبحانه، فقال ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنة، إنما تركها من جراي[رواه مسلم205]يعني: من أجلي وخوفاً مني.

وإذا كانت السيئة بسيئة والحسنة بعشر، فلماذا يدخل أكثر الناس النار؟ سبحان الله الكريم فتح أبوابه ثم هؤلاء يبخلون على أنفسهم، كل من نوى حسنة تكتب له على نيته الحسنة، قال أبو الدرداء: من أتى فراشه وهو ينوي أن يصلي من الليل فغلبته عيناه حتى يصبح كتب له ما نوى، ومتى اقترن بالنية قول أو سعي تأكد الجزاء والتحق صاحبه بالعامل، فقال النبي ﷺ: إنما الدنيا لأربعة نفر، عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً فعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء[رواه الترمذي2325]رواه الترمذي وهو حديث صحيح.

يقول بلسانه: لو أن لي مال فلان لعملت بعمله، صادق النية، يؤجر مثله.

لما رجع النبي ﷺ من غزوة تبوك ودنا من المدينة قال: إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا شركوكم في الأجر، قالوا: يا رسول الله: وهم في المدينة؟ قال: وهم بالمدينة، لماذا؟ قال: حبسهم العذر [رواه البخاري4423].

ففي الحديث فضل النية في الخير، وأن من نوى الغزو وغيره من الطاعات فمنعه مانع يقول الناس: نريد أن ننصر إخواننا في فلسطين، لكن لا نستطيع الوصول إليهم، إذا كنت صادقاً يا عبد الله فلك ثواب نيتك، وكلما كثر التأسف منك على فوات ذلك وتمنيت كونك مع الغزاة كثر الثواب؛ لأنك تقول في نفسك: لو سمعتهم يقاتلون العدو تقول: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً، فتؤجر، لا كالمنافقين الذين إذا رجع المسلمون من الفتح وبالغنائم قالوا يا ليتنا كنا معهم فنفوز فوزاً عظيماً، أولئك ينظرون إلى الآخرة وهؤلاء المنافقون ينظرون إلى الدنيا.

عباد الله: فما حال الذي يترك السيئة خوفاً من المخلوقين، أو مراءاة لهم، قال ابن رجب رحمه الله: فقد قيل: إنه يعاقب على تركها بهذه النية؛ لأن تقديم خوف المخلوقين على خوف الله محرم، وكذلك قصد الرياء للمخلوقين محرم، فمن عمل عملاً ظاهره الصلاح رياءً يأثم، ومن تركها لأجل الناس ليس من أجل الله كذلك، خصوصاً إذا عزم على المعصية أو سعى في حصولها بما يمكنه، ثم حال بينه وبينه القدر، فإنه يعاقب حينئذٍ، الذي خطط للمعصية، وكان حريصاً عليها، وعزم عليها فإنه يأثم على هذا العزم وهذا الحرص، كما قال النبي ﷺ: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه[رواه البخاري31]. ويؤيد هذا أيضاً الذين يتكلمون بأنه يود الواحد منهم لو كان عنده قدرة لعصى أن يأثم على ذلك يؤيده حديث الترمذي السابق في الأربعة، ثالثهم وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يخبط بماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقاً فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مال فلانأي: هذا الفاسق الفاجر لعملت فيه بعمل فلان، لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء[رواه الترمذي2325].

كيف توزع الحسنات والسيئات؟

00:09:34

لا بد أن نتعرف كيف يحاسبنا ربنا، بناء على ماذا يتم الحساب، ما هي قواعد المحاسبة، كيف نجازى، كيف توزع الحسنات والسيئات، إذا علمنا ذلك أيها الإخوة فيه فائدة عظيمة، ماذا نعمل؟ وماذا نترك، وبأي نية، هذه مسألة مهمة جداً، من تفقه في هذا انتفع كثيراً يوم الدين فارع سمعك يا عبد الله، ارع سمعك لهذا، وافهمه وتبصر به واعقل، فما أخبرنا ربنا ونبينا إلا لمصلحتنا، اعرف كيف يتم الحساب، بناءً على ماذا؟ ما هي المعايير؟

وهناك أناس يعطون الأجر بغير حساب، قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍسورة الزمر10، يعني بغير متابعة ولا مطالبة، يعطونه يوم القيامة سهلاً، يوزع عليهم توزيعاً سهلاً، لا كما تقع المطالبة في الدنيا حتى يحصل الإنسان على حقه.

وكذلك فإن الملائكة لا تدري ماذا تكتب، يقول الله بأنه يتولى ذلك، مثل الصيام إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به[رواه البخاري5927]؛ لأن الصوم صبر، ولذلك فسر بعض المفسرين إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أي الصائمون أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍسورة الزمر10، وكل الصابرين يوفون أجرهم بهذه الطريقة كما هو ظاهر الآية، فهذا صبر على فجائع الدنيا وأحزانها، من صبر عند فقد ولد أو فقد مال أو فقد وظيفة أو فقد محبوب على نفسه كعزيز وصديق أخ في الله، عالم، فإنه يؤجر بهذه الطريقة، وقال ﷺ: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله : إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجليرواه مسلم1151، وهناك في المقابل، هناك نقصان ينقص من عمل العبد بحسب إنقاصه من شروط العمل، كما قال النبي ﷺ، إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها[رواه أبو داود796]رواه أبو داود وهو حديث حسن.

بحسب ماذا؟ حضور القلب، توافر الشروط، وهكذا تكتب أعمالنا بالنسبة المئوية، بالنسبة، هل هي ثمن، سبع، سدس، خمس، والعشرية، النسبة العشرية بحسب حالنا في العبادة، وربك يعلم الأجزاء اليسيرة، فهو يكتب للعبد بحسب حاله، والكتابة بدقة، يعلِّم الله الملائكة ماذا تكتب، وأحياناً لا تعرف الملائكة ماذا تكتب، لا تعرف، تفاجأ الملائكة بعمل، فيصعدون إلى الله للسؤال: كيف يكتب هذا العمل، ما هو أجر هذا العمل؟

عن ابن عمر قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله ﷺ إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، فقال رسول الله ﷺ: من القائل كلمة كذا وكذا؟ قال رجل من القوم: أنا يا رسول، قال: عجبت لها فتحت لها أبواب السماء[رواه مسلم601]رواه مسلم.

وفي رواية للنسائي صحيحة: لقد ابتدرها اثنى عشر ملكاً[رواه النسائي885].

وعن رفاعة بن رافع الزرقي قال: كنا يوماً نصلي وراء النبي ﷺ فلما رفع رأسه من الركعة قال: سمع الله لمن حمده، قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف قال: من المتكلم؟قال: أنا، قال: رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول[رواه البخاري799]رواه البخاري.

إذن هناك أعمال لا يعلم أجرها إلا الله .

عباد الله: الذين يصلون قاعدين كيف يكون أجرهم؟ قال عليه الصلاة والسلام عن صلاة الرجل قاعداً: إن صلى قائماً فهو أفضل ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد[رواه البخاري1115]رواه البخاري أيضاً.

قال ابن حجر: ومن صلى النفل قاعداً مع القدرة على القيام أجزأه وكان أجره على النصف من أجر القائم بغير إشكال.

لكن المفترض صاحب الفريضة لا يجوز أن يصلي إلا قائماً فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب.

طيب هذا الذي صلى قاعداً الفريضة وهو معذور كم له من الأجر؟ لو كان صحيحاً لقام، له الأجر كاملاً، لماذا؟ منعه العذر، لكن عندما يصلي قاعداً في النفل وهو قادر على القيام فله نصف الأجر من القواعد في الأجور.

وكذلك: إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً[رواه البخاري2996]؛ لأن نيته أنه لولا المانع لداوم، لقام الليل، وذهب إلى المسجد، ومشى الخطوات وبكر للصلاة وحضر حلق العلم، وذهب للجهاد في سبيل الله، وهكذا يكتب له من الأعمال مثلما كان يعمل صحيحاً مقيماً، هذا فضل الله الذي لم يقطع عنك الأجر أجر الأعمال الصالحة التي أنت متعود وهذا هو السر، متعود عليها، لم يقطعها عنك إذا انشغلت بسفر أو أقعدك المرض، فربك كريم، فتعود الصالحات؛ لأجل أن تؤجر عليها ولو دخلت في غيبوبة.

من قواعد الحساب

00:16:35

عباد الله: من قواعد الحساب: أن أول ما يقتص يوم القيامة بين الناس في الدماء، أول ما يقضى بين الناس في الدماء[رواه البخاري6533]، القتل والجراحات، والقاتل يذهب برأسه ورأسه يشخب دماً ممسكاً بالمقتول، يذهب برأسه يشخب دماً ويده ممسكة بالقاتل إلى الرحمن، يذهب إلى الرحمن يقول: يا رب انظر هذا فيم قتلني، هذا بالنسبة للمعاملات بين العباد، أول ما يقضى في المعاملات بين العباد في الدماء، أما ما يقضى في العباد في العبادات في الصلاة، فقال ﷺ: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب : انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك[رواه الترمذي413]. إذن هناك تعويض، هذا الواجب إذا أخل به هل هناك سنة ونافلة عملها ليكمل بها نقص الفريضة، يؤخذ من هذا لهذا، وهكذا الصيام لما يخل في رمضان بشيء ويخرق صيامه بمحرمات يكمل من نوافل الصيام، وهكذا الزكاة لو أخل منها بشيء تكمل من نوافل الصدقة، وهذا يبين أهمية النوافل يا عباد الله، ويكون القصاص يوم القيامة بين العباد بالحسنات والسيئات، ليس هناك أموال ولا متاع، إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار[رواه مسلم2581]رواه مسلم.

ومن أعظم المفلسين يوم القيامة الذين يؤخذ من حسناتهم حالة عجيبة، الذي يظلم المجاهدين في سبيل الله في أهليهم، فيخونهم في زوجاتهم، ولذلك قال ﷺ، وهذه من حرمة المجاهد، ومنزلة المجاهد عند الله، قال: حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء فما ظنكم[رواه مسلم1897]رواه مسلم، وفي رواية النسائي: ترون يدع له من حسناته شيئاً؟ [رواه النسائي3191].

إذن هذا المجاهد الذي حصل اعتداء على أهله وخيانة من واحد من القاعدين في البلد يوقف المعتدي يوم القيامة ويقال للمجاهد خذ ما شئت من حسناته، ويوم القيامة الواحد محتاج إلى كل حسنة، فإذا رأى هذا، فهل تظنون أنه يدع لذلك الآخر شيئاً من الحسنات أم يغترفها فيذهب بها كلها؟ ولذلك قال: فما ظنكم؟، ما ظنكم، هل يدع له منها شيئاً، هذه حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم.

وبقية الأشياء، من ظلم شبراً، من أخذ مالاً، من ضرب، اللطمة باللطمة، وهكذا السبة الشتمة اللعنة، الغيبة، كله مكتوب والحساب قائم بالحسنات والسيئات، هذه وسيلة القضاء والاقتضاء، والتسديد والاستيفاء، الحسنات والسيئات، هذا القاتل الذي قتل هل له توبة؟ جمهور العلماء أن له توبة لقوله: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُسورة الزمر53، هو مات فكيف يتحلل منه وقد مات؟ الحقوق المترتبة على القتل ثلاثة: حق لله، وحق للمقتول، وحق لأولياء المقتول. حق الله بالتوبة إذا تاب طوعاً لله يغفر الله له حقه، بقي حق أولياء المقتول بالتحلل منهم أو إعطائهم ما يشاؤون من الدية والمال، أو تسليم النفس للقصاص إذا طلبوا القصاص، لا بد من تسليمهم نفسه، يسلمهم نفسه، يذهب إليهم يقول: خذوني، يسلم نفسه إليهم، إن عفوا عفوا، إن أخذوا الدية أخذوا الدية، إن قالوا: لا بد لنا من القصاص، لا يشفي صدورنا غير القصاص، القصاص، هذا حق أولياء المقتول، بقي حق المقتول، إن صدق القاتل في التوبة عوض الله المقتول يوم القيامة خيراً من عنده حتى يتنازل عن حقه، هذه الطريقة، وإلا فإن القاتل متورط مع المقتول، والجرائم، جرائم القتل التي تزيد من قلة الخوف من الله والاجتراء على الدماء، ونسمع بالجرائم وتقليد الأفلام.

عباد الله: الدماء، أول ما يقتص يوم القيامة في الدماء، إياك أن تجرح أحداً، تضربه على أنفه يسيل دمه ينزف، يرعف، هذه قضية كبيرة وخطيرة.

اللهم إنا نسألك أن تعصمنا من الزلل، وأن تقينا شر العمل، وأن تجعلنا لك تائبين لك ذاكرين لك شاكرين، اللهم اجعلنا قائمين بحقوقك، قائمين بحقوق عبادك إنك على كل شيء قدير.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

00:23:43

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وذريته وأزواجه الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: إن الله قد حذرنا من حقوق العباد أن نخل بها، و من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله[رواه البخاري2387]، الإتلاف في الدنيا في معاشه وفي نفسه، وفي الآخرة الإتلاف بعذاب الآخرة، فالذي يأخذ ليضيع حقوق الناس لا يبالي، ثم يقول له: اشتكِ عليَّ، عندك المحكمة والحقوق المدنية، اشتكِ، ولا يسدد وعنده ما يسدد به الحق، فويل له من عذاب يوم أليم.

من القواعد في الحساب يا عباد الله أن الله لا يعاقب إلا بعد بلوغ الحجة، ولذلك قال النبي ﷺ بعدما قال الله وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاًسورة الإسراء15، تقوم الحجة، قال ﷺ في أمثلة هؤلاء: أربعة يوم القيامةيعني: يدلون بحجة، لهم أن يتكلموا رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب جاء الإسلام وما أسمع شيئاًفلم يكن هناك أحد يفهمه وهو أصم، وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعرإنه هذا المجنون، وهذا فاقد العقل، أو شبه فاقد العقل، لا يفقه، وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاًسقط عقلي وتمييزي، وأما الذي مات في الفترة ما جاءه رسول ولا سمع عن نبي ولا عن كتاب ولا عن شريعة إلهية فيقول: رب ما أتاني لك رسول، ماذا يفعل بهؤلاء؟ يأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النارهذا هو الامتحان سؤال واحد، فوالذي نفس محمدٍ بيده لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً، وأما من أبى يسحب إليها[رواه أحمد16301-16302]، من وقع فيها كانت عليه برداً وسلاماً، إذن هناك أناس فاتهم الامتحان في الدنيا، هذا المجنون وهذا الذي جاء الإسلام وهو قد مات في فترة قبل الإسلام، ما عرف عن النبي، يعيش في أدغال، في قطب شمالي أو غيره، لم يسمع عن نبي البتة.

هكذا يحاسبون، الله لا يظلم أحداً، وهو المتصف بالعدل سبحانه من جميع وجوهه.

عباد الله: وبعض الناس يتعجلون ثوابهم في الدنيا حتى المجاهدين إذا غنموا قال ﷺ: ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم[رواه مسلم1906]، فهناك فرق بين الذين يذهبون للقتال فلا يرجع بنفسه ولا يرجع بماله، ويعقر جواده، ويهراق دمه، هذا أجره أكبر من الذي ينتصر فيغنم، ويأخذ الأسلاب والأموال، ولذلك قال الصحابي: منا من مات ولم يأكل من أجره شيئاً، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها.

والانغماس في الملذات في الدنيا يمكن أن يعرض صاحبه لنقص الأجر يوم القيامة، وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَاسورة الأحقاف20، ولذلك فإن عمر لم يكن يرضى لنفسه الانغماس في النعيم لأجل هذا، وكان يرى أنه أحفظ لحسناته يوم القيامة.

ومن كمال عدل الله أيها الإخوة أنه يجزي الكفار على أعمالهم الحسنة، كافر كفل يتيم، كافر توسط شفع شفاعة حسنة، كافر بر أمه، هؤلاء يوم القيامة ليس لهم شيء وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًاسورة الفرقان23 الكفر أحبط عملهم، الشرك أحبط عملهم، لكن الله من عدله أنه يوفيهم بها في الدنيا، يوفيهم إياها في الدنيا، مزيداً من الصحة والأموال والأولاد والجاه والقوة، يوفيهم بها في الدنيا. وأما ما يدخره لهم في الآخرة فإن الله لا يعط الآخرة إلا من يحب.

عباد الله: هناك ناس لهم حسنات كثيرة مثل أمثال جبال تهامة يجعلها الله يوم القيامة هباءً منثوراً، خاف الصحابة من هؤلاء، من هؤلاء؟ قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها رواه ابن ماجه وهو حديث صحيح، فليس عندهم أي تحرج ولا توقف عند نزولهم، عند عرض الحرام عليهم، على طول مباشرة  انتهكوها .

وكذلك فإن من الحسنات ما يجري بعد الموت حسابه للعبد، مثل الوقف والأعمال الخيرية الباقية عينها ومنفعتها في الدنيا، فيجرى عليه في القبر، وكذلك المرابط في سبيل الله ينمى له عمله إلى يوم القيامة، الذي يحرس ويرابط على الثغور والحدود في سبيل الله، الصدقة الجارية، المسجد، العلم الذي ينتفع به، يعلم للناس، والثاني يعلم الثالث، والثالث يعلم أربعة، والأربعة يعلمون عشرة، والعشرة يعلمون خمسين، والخمسين يعلمون خمسمائة، وهكذا تنتشر المعلومات ويعمل بها للمعلم الذي علم أولاً مثل أجر هؤلاء جميعاً، ولذلك كان النبي ﷺ أعظم الأمة أجراً؛ لأن كل خير يفعله أي واحد في الأمة فإن لنبينا مثله؛ لأنه هو الذي علم، وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًاسورة النساء113.

عباد الله: الحساب بالذرة فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۝ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ سورة الزلزلة7-8، وهناك ناس بميزات خاصة لأشياء في قلوبهم قامت عند العمل يجعل الله حسناتهم ثقيلة جداً، مثل حديث البطاقة التي فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، طاشت السجلات وثقلت البطاقة لشيء قام في قلب صاحبها من الإيمان واليقين، مثل الزانية التي سقت كلباً من العطش، فغفر الله لها لشيء قام في قلبها من اليقين واحتساب الأجر، والإقبال على الله بذلك العمل، ورجاء الأجر شيء عظيم، قاوم ذلك الذنب، وإلا فليس كل زانية تسقي كلباً يغفر لها، فإن إثم الزنا عظيم، وهناك أناس يبدل الله سيئاتهم حسنات، حسنت توبتهم وعملوا الصالحات، قال تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍسورة الفرقان70، تنقلب سيئاتهم إلى حسنات، من بدأ بسجل نظيف بعد سيرة سيئة، وبدأ مشواراً جديداً نظيفاً طاهراً طيباً فهو عابد بعد أن كان سجله في الأعمال سيئ في حياة حافلة بالمعاصي بعد أن تاب، التوبة كانت نصوحاً ولم يرجع، تنقلب السيئات إلى حسنات، فماذا تريدون أكثر من هذا يا عباد الله من رب كريم برٍ رءوف رحيم، يجود على عباده، يجود.

نسأل الله أن يكفر عنا سيئاتنا وأن يغفر لنا ذنوبنا وأن يضاعف لنا أجورنا، وأن يثقل موازيننا، وأن يبيض وجوهنا وأن يأتينا صحائفنا بأيماننا، وأن يتوب علينا، وأن يوفقنا إلى الخير، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وأن يجعلنا إلى دينه من الدعاة العاملين وبسبيله مستمسكين، وبطريق العلم آخذين، وعلى السنة يجعل موتنا إنه هو السميع العليم.

اللهم انصر إخواننا المجاهدين، وارفع البأس عن المظلومين، اللهم عليك باليهود والصليبيين والمشركين أعداء الدين، اللهم سلط عليهم جنودك، اللهم ائتهم من حيث لا يحتسبون، اللهم عليك بهم أفشل خططهم، اللهم عطل أسلحتهم، اضرب قلوب بعضهم ببعض، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم من أراد بلدنا هذا أو بلاد المسلمين بسوء فامكر به، وأنزل به بطشك وعذابك ورده على عقبيه خاسئاً، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - رواه البخاري6491
2 - رواه مسلم205
3 - رواه الترمذي2325
4 - رواه البخاري4423
5 - رواه البخاري31
6 - رواه الترمذي2325
7 - رواه البخاري5927
8 - رواه أبو داود796
9 - رواه مسلم601
10 - رواه النسائي885
11 - رواه البخاري799
12 - رواه البخاري1115
13 - رواه البخاري2996
14 - رواه البخاري6533
15 - رواه الترمذي413
16 - رواه مسلم2581
17 - رواه مسلم1897
18 - رواه النسائي3191
19 - رواه البخاري2387
20 - رواه أحمد16301-16302
21 - رواه مسلم1906
  • ابوالبراء السلفى

    جزاك الله خيرآ شيخنا ونسألك الدعاء

  • رقية

    جزاك الله خيرا

  • ابو عبدالله

    بارك الله بك يا شيخنا ووفقك الله بمى هو خير للمسلمين اللهم الرحمنا برحمتك انك انت خير الراحمين

  • imane

    jazaaaak laho khayraan :)

  • Asma

    جزاك الله خيرا

  • mikane

    جزاك الله خيرا و شكرا على القراءة

  • reda

    alah barak 3alik