الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
النور : من صفات الله تعالى
فإن الله نور السماوات والأرض؛ ومن صفاته تعالى النور، وهو منور السماوات والأرض، وهادي أهل السموات والأرض؛ فبنوره اهتدى أهل السماء والأرض، ونوره صفة من صفاته غير مخلوقة، ونور آخر مخلوق خلقه الله تعالى ومن ذلك الحجاب الذي احتجب به عن خلقه.
وهذا النور الذي أنار به والنور من أسمائه أيضاً ومن أوصافه سبحان ذي البرهان، قال النبي ﷺ: إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصرهم من خلقه[رواه مسلم179].
وهذا النور الذي هو نور الحجاب احتجب به عن الخلق فلا يرونه ولما سئل النبي ﷺ: هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه[رواه مسلم178]. فقد احتجب عن الخلق بالنور فلا يرونه ولو كشف ذلك الحجاب وهو النور وهو مخلوق كما تقدم غير نور الذات الإلهية الصفة من صفاته غير المخلوقة لو كشف ذلك الحجاب لأحرقت سبحات وجهه[رواه مسلم179]. لأحرقت محاسنه وجماله وجلاله ما انتهى إليه بصرهم من خلقه، لاحترقت المخلوقات جميعاً حتى الملائكة المخلوقة من نور ستحترق؛ لأنه يرى كل شيء سبحانه فإذا قال: لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصرهم من خلقه[رواه مسلم179]. إذاً لاحترق الخلق كلهم ولولا أن الله يمكن المؤمنين في الجنة من النظر إليه ويجعل في عيونهم القوة والقدرة على رؤيته ما استطاعوا النظر إليه على الإطلاق لكن ينعم عليهم بأن ينظروا إليه يوم الدين على الأسرة في جنات النعيم على الأرائك ينظرون، وقال عن أثر نوره في قلب عبده المؤمن: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِسورة النور35.
منورهما كما تشرق الأرض بنور ربها يوم القيامة، اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِأي في قلب عبده المؤمن كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ، المشكاة الكوة في الجدار الفتحة فيه التي يوضع فيها المصباح فلا يتشتت نوره كمشكاة نور فيها مصباح، المصباح هذه الشعلة التي تضيء في زجاجة لكن زجاجة نقية صافية للغاية، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍكأنها في إضاءتها كالكوكب الدري، بأي شيء يوقد ذلك المصباح؟ وما هي المادة التي تحترق فينتج هذا النور؟ قال: يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍيمد هذا المصباح بزيت الزيتون شجرة مباركة لَّا شَرْقِيَّةٍفتصيبها الشمس آخر النهار فقط لا تصيبها الشمس آخر النهار وَلَا غَرْبِيَّةٍلا تصيبها الشمس أول النهر وإنما هي في الوسط لا شرقية ولا غربية فالشمس تصيبها طيلة النهار بهذه الدرجة المعتدلة فيكون زيت هذا النوع من أشجار الزيتون أصفى ما يكون، يمد ذلك المصباح يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسها نار من صفائه ونقائه هو نفسه يضيء فكيف وهو يمد هذا المصباح بهذه الشعلة المتوهجة من زيت الزيتون الصافي يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ، نور النار على نور الزيت ووجه هذا المثل نور الله إذا قذفه في قلب عبده المؤمن.
حين يقذف الله نوره في قلب المؤمن
كيف إذا هدى الله المؤمن ينظر بنور الله؟ كيف تكون نظرته قوية صافية؟ كيف تكون نظرته للأمور سديدة؟ كيف يرى الحق واضحاً؟ هكذا نور الله إذا قذفه في قلب عبده المؤمن، نور الفطرة ونور الإيمان ونور العلم نور على نور، من الذي يملك أن يدخل هذا النور في القلب؟ إنه الله لولا الله ما تنورت قلوب المؤمنين.
يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس ليعقلوا ويفهموا ويتضح الحق من الباطل وتتقرب المعاني المعقولة بالأمثلة المحسوسة والله بكل شيء عليم، فالإيمان كله نور ومآله إلى نور ومستقره في القلب المضيء المستنير وقد من الله الذي مد جميع المخلوقات بالأنوار الحسية والمعنوية بأن أشرقت أرضنا بشمس نبوة محمد بن عبد الله ﷺ فبعثه الله رحمة للعالمين.
وإن الله لما خلق الخلق خلقهم في ظلمة شاء أن يهتدي منهم عدد معين يعلمه سبحانه فروى الإمام أحمد والترمذي من حديث عبد الله بن عمرو فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله خلق خلقه في ظلمة فألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه- أي بأمر الله لم يصبه- ضلّ[رواه أحمد6854، والترمذي2642]. فلذلك أقول جف القلم على علم الله، كتب في اللوح المحفوظ من المهتدي ومن الضال، وجف القلم على علم الله تعالى، خلق خلقه الثقلين من الجن والإنس في الظلمة، ظلمة النفس الأمارة بالسوء على ظلمة الشهوات المردية على ظلمة الأهواء المضلة فألقى من نوره، فرش من نوره كما في رواية، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى إلى الحق ثم إلى طريق الجنة ومن أخطأه، جاوزه ولم يصل إليه ضل عن الحق.
فلذلك أقول جف القلم على علم الله فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِسورة الأنعام125. وينير صدره للحق وينور قلبه بالإيمان لكن العبد لا بد أن يبذل السبب أما أن لا يبذل سبباً ثم يقول: إذا شاء هداني وإذا شاء نور قلبي وإذا شاء طمس بصيرتي وأظلم قلبي، فنقول: هذه دعوى الكسالى القاعدين الذين لا يريدون الهداية، لو أرادوها لعملوا لجاهدوا لأن الله قال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاسورة العنكبوت69.
والقلب الميت المظلم لا يعقل عن الله، لا يفهم مراد الله، لا ينقاد لأمر الله، لا يميز الحق من الباطل، أما إذا كان العبد مريداً للحق، مبتغياً له، عاملاً لتحصيله، يجاهد نفسه فإن الله سيجعل مدخله من نور ومخرجه من نور وقوله من نور وعمله من نور وهكذا، فنور لا إله إلا الله التي قامت عليها السماوات والأرض تنور قلب المؤمن إن لها نوراً ولا شك.
عن سعدى المرية في حديث ابن ماجة الحسن في الصحيح قالت: مر عمر بطلحة بعد وفاة الرسول ﷺ فقال: مالك كئيباً أساءتك إمرة ابن عمك- يعني بخلافة أبي بكر- قال: لا ولكن سمعت رسول الله ﷺ يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها أحد عند موته إلا كانت نوراً لصحيفته وإن جسده وروحه ليجدان لها روحاً عند الموت يعني رحمة ورضواناً من الله- فلم أسأله حتى توفي. قال: أنا أعلمها هي التي أراد عمه عليها، ما هي الكلمة التي أراد ﷺ عمه عليها؟ لا إله إلا الله. ولو علم أن شيء أنجى له منها لأمره [رواه أحمد251].
وهذا النور؛ نور لا إله إلا الله، ونور الإيمان إذا صار في قلب المؤمن؛ فإنه ستشرق له صفحة وجهه عند موته، وتكون معه في قبره؛ ولذلك ورد في حديث نعيم القبري أنه ينور له قبره ويفسح سبعين في سبعين.
النور أنواع
وإن من ألمع الأنوار توهجاً قناديل العلم؛ فالعلم نور والجهل موت وظلمة أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَاسورة الأنعام122. هذا النور نور الإيمان الذي يحيي الله به القلوب فإذا أنار عند الموت لصاحبه وأنار في القبر فلا بد أن ينير يوم القيامة ولذلك قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِسورة الحديد28. يمشون به في الدنيا ويعبرون عليه السراط فوق جهنم يوم القيامة.
هذا النور في الدنيا مهم يا إخوان خصوصاً في هذا الوقت الذي عمت فيه الفتن، اختلط الحق بالباطل، ماجت الفتن موجاً، صار الناس يقولون: لا ندري أين الحق أين الحق؟ أين الحق في الفتاوى؟ أين الحق في المذهب الصحيح؟ ما هو منهج السلف هذا؟ كيف يكون الإنسان ناجياً؟ ما هي العقيدة الصحيحة؟ ضعنا.
لكن إذا كان المؤمن مستنيراً بنور الله من نور كتاب الله يجعل الله له نوراً يمشي به ويرى الحق ويميز الحق من الباطل ويهتدي اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِسورة البقرة257. إن التمسك بالكتاب العزيز يورث نوراً بل إن الله وصف كتابه بأنه نور فقال: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَاسورة الشورى52. وقال: قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِسورة المائدة15-16. من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة، من ظلمة الشرك إلى نور التوحيد، من ظلمة الكفر إلى نور الإسلام. يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًاسورة النساء174. قال ﷺ: أيها الناس أنما أنتظر أن يأتي رسول من ربي فأجيب- يعني ملك الموت- وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله فيه الهدى والنور فاستمسكوا بكتاب الله وخذوا به[رواه أحمد في ما معناه11131]. فرغب في كتاب الله وحث عليه ثم قال: أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي.
وفي تلاوة القرآن نور سيكون يوم القيامة ونور في الدنيا نزل مع القرآن ولذلك جاء ملك إلى النبي ﷺ من باب من السماء لم يفتح قبل قط ولم ينزل هذا الملك من قبل قط فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيك هما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة.
فهذا القرآن نور ينير في ظلمات الجهل والشرك والبدعة والضلال وسورة الكهف في يومنا هذا يوم الجمعة الذي يقرأها تكون له نور كما أنزلت، قال ﷺ: من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين[رواه البيهقي606]. وفي رواية: من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق[رواه الدارمي3450].
فهذه الأحاديث الصحيحة تبين فضل هذه السورة، وأن قراءتها نور ينتفع بها صاحبها إلى الجمعة التي بعدها إنها تكون له نوراً، هذا القرآن نوره يذهب الهم والغم؛ ولذلك النبي ﷺ في دعاء الهم والحزن قال: أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي[رواه أحمد3712]. فإذا كان القرآن نوراً في الصدر فأنعم وأكرم بهذا الصدر.
عباد الله: إن هذه الطاعة لتكسب الإنسان نوراً وإن هذا الكتاب العزيز الذي من عمل به وهو نور جعل الله له نوراً، أهل الطاعة يعرفون بنور الطاعة في وجوههم، لما خلق الله آدم كما قال ﷺ مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة، كل روح، كل إنسان هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ويسمي العلماء هذا عالم الذر؛ لأن الله استخرج ذرية آدم من ظهره، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً؛ يعني بريقاً ولمعاناً من نور، وهذا إشارة إلى الفطرة السليمة التي خلق الله الناس كلهم عليها ثم عرضهم على آدم فقال: أي ربي من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلاً منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه وسره، قال: أي ربي من هذا؟ قال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داوود، قال: ربي كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة، قال: أي ربي زده من عمري أربعين سنة، فلما قضي عمر آدم جاءه ملك الموت، فقال: أولم يبق من عمري أربعين سنة، قال ملك الموت: أولم تعطها ابنك داوود، قال: ونسي آدم فنسيت ذريته، والولد سر أبيه[رواه الترمذي3076].
فنور الفطرة إذا اجتمع مع نور القرآن مع نور الطاعة والإيمان فإن هذا الإنسان سيكون له نور عظيم يوم الدين وإذا كان الإنسان مصلياً سيكون له نور أيضاً كما قال ﷺ: والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك وعليك[رواه مسلم223]. الصلاة نور تمنع من المعاصي، تنهى عن الفحشاء والمنكر تهدي إلى الصواب، والمشي إلى الصلاة نور أيضاً وإذا كان في الظلمة فالأجر مضاعف بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة[رواه الترمذي223].نور يحتاجون إليه خصوصاً على الصراط الذي يضرب على متن جهنم وظلمة شديدة والناس يريدون أن يروا طريق سيرهم ولذلك فإنهم يحتاجون للنور حاجة شديدة.
ما أحوجنا إلى نور الطاعة والإيمان وما أحوجنا إلى النور يوم تقوم الساعة ولذلك كان ﷺ يقول: اللهم اجعل في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا وعن يميني نورا وعن يساري نورا وفوقي نورا وتحتي نورا وأمامي نورا وخلفي نورا واجعل لي نورا[رواه البخاري6316، ومسلم763]. وفي رواية: وأعظم لي نورا[ومسلم763]. وفي رواية: واجعل لي يوم القيامة نورا[رواه الطبراني في الكبير10648]. فإذا نور الله سمع الإنسان لا يسمع إلا ما يحبه الله وإذا نور الله بصر الإنسان لا يبصر لا ينظر إلا إلى ما يرضي الله وإذا نور قلبه اهتدى إلى الحق وإذا نور جوارحه عمل بها الطاعات وهكذا.
إن للأعمال الصالحة نور كما قال ﷺ أيضاً في رمي الجمار: إذا رميت الجمار كانت لك نوراً يوم القيامة[كشف الأستار عن زوائد البزار1140]. وقال ﷺ في الجهاد في سبيل الله: من رمى بسهم في سبيل الله كان له نور يوم القيامة[رواه البزار9312].والاستماع على الذكر والقرآن نور للعباد يوم الدين والعدل يجعل أصحابه على منابر من نور يوم الدين.
وإذا شاب الإنسان في طاعة الله كان شيبه نوراً له يوم القيامة كما قال ﷺ: من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة [رواه الترمذي1634]. فقال رجل: فإن رجالاً ينتفون الشيب. فقال الرسول الله ﷺ: من شاء فلينتف نوره[رواه أحمد23952]، كانت له نوراً يعني ضياء ومخلصاً من الظلمات يوم القيامة في الموقف وشدائده عندما يحتاج الناس إلى النور وما أحوجهم إلى النور في ذلك اليوم ولقد جعل الله من كرامات بعض أوليائه في الدنيا ذلك النور الذي كان للطفيل بن عمرو الدوسي لما قال ﷺ: اللهم نور له[الاستيعاب في معرفة الأصحاب1274]. فسطع نور بين عينيه، فقال: يا رب أخاف أن يقولوا مثلى- تشويه- فتحول إلى طرف سوطه فكان يضيء في الليلة الظلمة، وجاء أيضاً من كرامات أولياء الله تعالى في أسيد بن حضير وعباد بن بشر أنهما خرجا من عند رسول الله ﷺ في ليلة مظلمة فأضاء لهما طرف السوط فلما افترقا افترق الضوء معهما لهذا ضوء ولهذا ضوء في تلك الظلمة.
اللهم اجعلنا من أهل نورك يا رب العالمين، اللهم نور قلوبنا بالإيمان ونور بصائرنا بالحق واليقين، اللهم ارزقنا النور التام يوم القيامة يا رب العالمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله أكبر، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
حاجتنا إلى نور الله
عباد الله: إننا بحاجة إلى نور الفطرة فلا نطمس نور الفطرة الذي أنعم الله به علينا، وإلى نور القرآن فلنقبل على كتاب الله وإلى نور العبادات كالصلاة وغيرها فلنأت بها كما أرد الله، إننا نحتاج أن نسأل الله هذا النور الذي نفرق به بين الحق والباطل، ليجعل الله لنا نورا عند الموت، ونورا في القبر، ونورا يوم الدين، قال تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُسورة الحديد12.
يسعى نورهم يمتد إنه ينتشر يسعى نورهم بين أيديهم أمامهم، أين؟ في ظلمات يوم القيامة على السراط المضروب فوق متن جهنم، قال النبي ﷺ في أصناف الناس بأنهم يوم القيامة نورهم على قدر أعمالهم وقال عبد الله بن مسعود في الحديث: فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك، ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك، ومنهم من يعطه نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه حتى يكون آخر من يعطى نوره في إبهام قدمه أقلهم نوراً على السراط يضيء مرة ويطفأ أخرى إذا أضاء قدم قدمه وإذا أطفأ قام لا يستطيع المشي.
لأن لا يهوي في جهنم لأن السراط دحض مزلة أحد من السيف وأدق من الشعرة ولذلك يحتاج الناس أن يعرفوا أين سيضعون أقدامهم ليعبروا السراط وكلما كان النور أسرع كان العبور أسرع فإذا كان الإنسان نوره أكبر من الجبل فالطريق أمامه واضح جداً على السراط ولذلك فهو يعبره بسرعة، قال: فيمرون على السراط والسراط: كحد السيف دحض مزلة ويقال لهم: أمضوا على قدر نوركم- السرعة تتناسب مع النور- قال: فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب كما ترى هذا الشهاب الذي ينقض في السماء بهذه السرعة العظيمة ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كشد الرجل يعدو عدواً يرمل رملاً على قدر أعمالهم حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه تخر يد وتعلق يد وتخر رجل وتعلق رجل على السراط وتصيب جوانبه النار لأنه يختل فينزل طرف ثم يرفعه فينزل وهكذا فيخلصون فإذا خلصوا قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك بعد أن أراناك لقد أعطانا ما لم يعط أحدا[رواه الطبراني في الكبير9763]. قال تعالى: وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّاسورة مريم71. يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌسورة التحريم8.
أما المنافقون يحرمون من النور ويقولون للمؤمنين: انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورً، ابحثوا عن نور تعبرون به السراط المظلم فيضرب بينهم بسور له باب إذا رجعوا وتكون خديعة الله الكبرى للمنافقين ثم يلقون في جهنم.
نسأل الله أن يتم لنا نورنا يوم الدين، وأن يجعلنا ممن يعبرون السراط بسلام، إنه هو السميع العليم، اللهم اجعلنا من أهل جنتك، وأكرمنا بدار كرامتك، اللهم اجعلنا ممن يدخلها بسلام آمنين يا رب العالمين.
عباد الله:
صور بيع التورق
وإن من المعاملات التي شاعت في هذا الوقت هذه الأنواع من الشراءات لسلع في بعض المصارف التي يزعمون أنهم يبيعونك إياها ثم توكلهم ببيعها مرة أخرى لتحصل على سيولة ويسمون ذلك التورق وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة في التاسع عشر من شوال الماضي بحثاً مهماً وبياناً وقراراً في هذا الموضوع ينبغي الإطلاع عليه وإطلاع الناس عليه نظراً لكثرة انتشار وشيوع هذه القضية في الوقت الحاضر وكان عنوانه التورق كما جريه بعض المصارف في الوقت الحاضر وبعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة حول الموضوع والمناقشة التي دارت حوله تبين للمجلس أن التورق الذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر هو قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة من أسواق السلع العالمية مثل المعادن أو غيرها على المستورق الذي يذهب إلى المصرف ليطلب الدخول في هذه المعاملة هذا المستورق لأنه يريد الورق السيولة والورق الفضة فهو يريد السيولة، ترتيب بيع سلعة على المستورق بثمن آجل ليسددها بالأقساط على أن يلتزم المصرف إما بشرط في العقد أو بالعادة أو العرف الجاري بأن ينوب عنه، أن يلتزم المصرف بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر وتسليم ثمنها للمستورق فيأخذ النقد الذي يريده.
حكم بيع التورق
وبعد النظر والدراسة قرر مجلس المجمع ما يلي:
أولاً: أن التزام البائع في التورق بالوكالة في بيع السلعة، التزام البائع وهو المصرف في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة، يلتزم لك بأن يبيعها لك، يزعم أنه يبيعها عليك وأنه يملكها يزعم ذلك ثم يلتزم أن يبيعها لك، أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعاً سواء أكان الالتزام مشروطاً صراحة أم بحكم العرف والعادة المتبعة.
ثانياً: أن هذا المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة، أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة لأن النبي ﷺ قال: لا تبع ما ليس عندك[رواه أبو داود3503، وأحمد6671].
ولو سألت المصرف هل المعدن عندك قال: لا في ألمانيا، في لندن، في كذا في مكان ثاني عند شركة أخرى، عند مصرف آخر، إذاً هو يعترف ولو كان صادقاً أنه ليست عنده ولذلك قال مجلس المجمع الفقهي: أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشرط القبض الشرعي فهو يزعم أنه يملكها وأن لها أرقاماً وأنها موثقة ويبيعها عليك وليست في حوزته ولا عنده هذه السلعة ثم يقول: ألتزم لك بأن أبيعها لك وأنت لم تقبضها حتى توكله بالبيع ولم تحزها، إنها هناك بأرقام مزعومة وربما تباع في مكانها، كمية معينة من المعادن تباع عشرين ألف مرة هي نفسها، ما تحركت من مكانها، نفس المادة ربما تباع كثيراً بزعم الترقيم والتوثيق المزعوم ولذلك قال المجمع الفقهي: إن هذه المعاملة تؤدي إلى الإخلال بشرط القبض.
وهذا صحيح فإن المصرف لو قلت له: أين هي أرني إياها في قبضتك، ما أراك إياها ولو قلت له: أنا اشتريتها منك وأريد أن أبيعها فلا بد أن أقبضها قبل أن أبيعها وقبل أن أوكلك في بيعها. يقول: إن قبضها صعب وإذا أردت القبض فلا بد أن تذهب إلى المكان الفلاني. الخلاصة ما في قبض.
ثالثاً: إن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سمي بالمستورق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه والتي هي صورية في معظم أحوالها. يعني الحقيقة لا في بيع حقيقي ولا قبض حقيقي ولا شراء حقيقي، أشياء موجودة في أماكن معينة كثير من هؤلاء يبيعها هي، هي السلعة نفسها يبيعها هذا المصرف وهذا المصرف يزعم.
فإذاً قضية صورية على ورق يعني عدما قال الله: وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَاسورة البقرة275. أحل الله البيع بشروطه لا تبع ما ليس عندك البيع فيه قبض فأين القبض؟ فلذلك قالوا في القرار:
والتي هي صورية في معظم أحوالها. هدف البنك من إجرائها أن تعود عليه بزيادة على ما قدم من تمويل فهو يمول صفقة الشراء لتعود عليه بالزيادة وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء؛ لأن التورق الحقيقي أن تشتري سلعة من إنسان هي عنده بأجل بالأقساط ثمن مؤجل ثم تستلم السلعة منه وتذهب وتبيعها على غيره.
هذا هو التورق الحقيقي علماً أن التورق الحقيقي فيه خلاف بين الفقهاء والراجح جوازه لكن هذا ليس تورق وأنا أسميه تورط فليس تورق وإنما هو تورط غير مبارك ولو سموه مبارك.
قال المجمع: فالتورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل تدخل في ملك المشتري، ويقبضها قبضاً حقيقياً، وتقع في ضمانه ثم يقوم هو ببيعها بثمن حال لحاجته إليها قد يتمكن من الحصول عليه، وقد لا يتمكن والفرق بين الثمنين الآجل والحال؛ لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تبرير الحصول على الزيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص لمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بغض المصارف.
ثانياً: يوصي مجلس المجمع جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرمة امتثالا لأمر الله تعالى.
وبهذا يتبين تأكيداً على ما سبق الإفتاء به من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، والشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله وغيرهم من أهل العلم على عدم صحة هذه المعاملة، وإن أفتى فيها من أفتى وتورط فيها من تورط، وورط فيها من ورط إخوانهم مسلمين، وأنه يجب على من تبين له الحق أن يتوب إلى الله وأن لا يورط المسلمين في هذه المعاملة وأن قضية الزعم بأن هناك لجان شرعية وأفتى فلان وأفتى فلان إذا تبين الحق عرف الإنسان البيع الحقيقي والقبض والحيازة والتملك والاستلام والتسليم يجب لا لجنة ولا غير لجنة ويكفي تلاعباً وإيقاعاً بالناس في المحرمات إنها مصيبة كبيرة أن يقع الناس في المحرمات باسم الشريعة وأن هناك لجنة أفتت ولجنة عملت مع أن القضية في القبض والأدلة على القبض واضحة وهي التي تخرج القضية من كونها ربا إلى بيع شرعي "مسألة القبض".
ولا شك أن كثيراً من الناس قد وقعوا في هذا، وربما قالوا إن فلان وفلان وفلان، أو اللجنة أو كذا، وأن هذا شخص مشهور وهذا مشهور ونحن درجنا على كلامهم وما لنا في المسألة من مسؤولية فالجواب على هذا أن من تبين له الحق وجب عليه الرجوع إليه واتقاء الله ومن لم يكن يدري عن الموضوع وتورط في هذا التورط فإن عليه أن يتخلص من آثاره بأسرع ما يمكن وأن يتوب إلى الله وأن لا يعود إلى هذه المعاملة مرة أخرى.
ماذا يمكن أن يفعل غير هذا؟ التوبة والتخلص من هذا قدر الإمكان بأسرع ما يمكن لكي يبدأ معاملات أخرى شرعية صحيحة وهذا من الفتن والذي يحتاج الإنسان فيه إلى نور، نور العلم ليبصر الحق ولا يكون إمعة يقول: فلان أفتى ولجنة كذا أفتى ورأيت الختم بنفسي. والكلام الذي يقوله بعض الناس في تبرير ذلك فنقول: المسألة يجب الإنسان أن يتنور بنور العلم وأن يتبع أهل العلم الثقات غير المتساهلين والإنسان المسلم يستطيع من طلبة العلم أن يعرف من هو الأعلم ومن هو الأوثق في الدين.
وهذا المجمع بعلمائه الكثيرين والباحثين الكثر الذي أصدر هذا القرار في شهر شوال الماضي في مكة المكرمة في دورته السابعة عشرة بين المسألة وجلاها ومن باب النصيحة في الدين ولأن الأمر قد شاع لا بد أن ينبه عليه لعمومه وانتشاره، لا بد من التنبيه عليه ومن وقع فيه فعليه التوبة والاستغفار إن كان قصر في البحث والتحري والسؤال والاستفتاء وأن يتخلص من آثار هذه المعاملة بأسرع ما يمكن فإنه قد لا يمكنه أن يتخلص فوراً منها وأن يسدد أقساطها بل ربما سيقتطعون من راتبه سنوات، هذا معلوم لكنه هذا الذي عليه أن يفعله في مثل هذه الحال أن لا يعود إلى ذلك وأن يبحث عن الوسائل الأخرى التي فيها شراء أشياء حقيقة كأن يشتري سيارة يملكها الشخص أو المصرف ثم يأخذها يقبضها ثم يبيعها في مكان آخر، يشتري أسهماً من مصرف يملكها المصرف يقبضها يخرج بها ثم يبيعها أيضاً على غير هذا المصرف إلى آخر ذلك من وسائل تحصيل السيولة.
نسأل الله أن يرزقنا القناعة، وأن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يجنبنا سبل الإثم والمحرمات إنه هو السميع العليم، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة الصافات18-181.