عائق النفس الأمارة بالسوء
بالنسبة للعوائق التي تعترض حياة الشاب في هذه الأيام فهي كثيرة، فمن ذلك عائق النفس الأمارة بالسوء، والنفس الأمارة بالسوء لا شك أن من أعظم الأشياء التي توسوس بها مسألة الشهوات وهي المسألة التي طالما يعاني منها الشباب كثيراً فكيف إذا كان الشاب يعيش في جو مليء بالفسوق والمنكرات والتبرج والصور والأفلام وحتى الكلام القبيح الذي يثار في المجالس والمجلات ويتناقل هذه الأمور التي تثير الشهوات، لا شك أن هذه الأشياء من العوائق الكبيرة التي تأمر بها النفس الأمارة بالسوء.
كذلك تأمر بإضاعة الوقت في اللهو واللعب فيقبل بعض الشباب على أنواع من الملاهي، وبعض الملاهي قد لا تكون ظاهرة في التحريم فقد لا تكون مثلاً رقصاً ولا أغانٍ وموسيقى بالنسبة للشاب الملتزم أو الشاب المستقيم أو الذي يحاول الاستقامة وبدأ في طريق الهداية، قد تكون النفس تأمره بإضاعة الوقت في هواية تافهة، أو بالنوم الزائد، أو ببعض الألعاب التي قد لا تكون محرمة في ذاتها، لكن كثرة صرف الأوقات فيها إهدار للعمر، أو قد يخدعه الشيطان في صرف وقته في نشاط معين لا يعود عليه بفائدة في دينه ولا فيه زيادة علم ولا زيادة إيمان، ونحو ذلك.
المجتمع المنحرف
ومن العوائق كذلك الموجودة في طريق الشاب المجتمع المنحرف، ولذلك فهو يجد صعوبة بالغة في الاستقامة لكثرة المخالفين من حوله لأن الأهل يخالفون والشارع يخالفه والمدرسة تخالفه والوظيفة تخالفه والنظام نفس النظام الذي يمشي عليه الناس فيه مخالفات كثيرة للشريعة، فلذلك يكون هناك كثير من المصادمات بين جو الالتزام والاستقامة وبين الواقع الموجود، وهذا شيء يعاني منه كثير من الشباب يقولون: نحن نعاني انفصاماً، نجد هناك انقسام نفسي كبير لأن الأشياء التي نحملها تخالف الأشياء الموجودة في الواقع لو كنا في عصر الخلفاء الراشدين، أو لو كنا في عصر كان المسلمون فيه أعزة والإسلام فيه مهيمن والمجتمع فيه نظيف لصار الشاب يجد في الواقع نفس الأمور يجد في الواقع الأمور نفسها التي يؤمن بها ويتمسك بها ويسير عليها، فعندما يعلم أن الشيء الفلاني حرام يجده في الواقع ممنوعاً وعندما يعلم أن الشيء الفلاني واجب يجده في الواقع مطبقاً ويجد على الخير أعوانا كثُر، لكن عندما يكون الواقع فاسداً فهو يجد مخالفة في الواقع بين ما يحمله من أفكار وتصورات إسلامية شرعية وبين الواقع الفاسد ذلك، لأن الناس لا يتمسكون بالدين ويسيرون على نظام جاهلي، فيحدث عنده نوع من المصادمة مع الواقع، ولا شك أننا نجاهد أنفسنا في الاستقامة على شرع الله برغم الانحرافات الموجودة في الواقع، ونعتقد أن هذا ما فعله النبي ﷺ عندما خرج على الدنيا بأمور تخالف كل ما حوله فكم كان شعوره ﷺ بالغربة عظيماً كم كانت غربته عظيمة في وسط قومه عندما أمر بالتوحيد والدعوة إليه والناس من حوله كلهم على الشرك إلا أفراد قلائل جداً مات أكثرهم لما بدأ الدعوة ومع ذلك النبي ﷺ جاهد وصابر حتى كتب الله له النصر وأذن له بالنصر على عدوه، ونحن اليوم في حالة مشابهة للحالة الأولى، وإن كان هناك فروقات، فمن الفروقات أن النبي ﷺ بدأ لوحده تقريباً ونحن اليوم نجد أن هناك كثيراً من المسلمين الموجودين ولا شك أن استرجاع المسلم إلى الإسلام أهون من إدخال الكافر في الإسلام؛ لأن هناك كثيراً من القواسم المشتركة التي يمكن مخاطبة الناس هؤلاء بناء عليها.
كذلك من الأمور أو من الفروق أن النبي ﷺ كان لوحده، واليوم يوجد كثير من المسلمين الأمر الذي قبله غربة الأفكار والمبادئ، فالنبي ﷺ خرج على الدنيا بدين ليس بمألوف إطلاقاً، ليس عليه ولا واحد من الناس، أما الآن يخرج الشاب فيجد كثيرًا من الناس على الدين، فالنبي ﷺ واجه لا شك جاهلية أعتى وصعوبات بالغة، ولا شك أن هذا من الأمر الذي أراد الله به أن يرفع درجته وأن يُعليَ شأنه؛ إذ كيف أقام هذه الملّة شخص واحد، بالرغم من الصعوبات البالغة التي كانت تعترض طريقه.
كثرة الاختلافات والآراء المتنافرة
ومن العوائق أيضاً الموجودة الآن في طريق الشباب كثرة الافتراقات والاختلافات والآراء المتنافرة، ولذلك تسمع بين حين وآخر هذا يدعو إلى كذا وهذا يخطئه، وهذا يأمر بكذا، وهذا يخالفه، واشتبكت الأمور وصار الناس في حيص بيص، والشباب تبع لذلك متأثرين، لا شك أنهم يتأثرون بالانقسامات والافتراقات ولذلك هناك أمر مهم جداً يجب ألا يغفل عنه ألا وهو اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى في طلب الهداية إلى الحق ونتمثل فعل النبي ﷺ عندما كان يقوم في الليل فيقول: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم [رواه مسلم: 770]، فالنبي ﷺ رغم كونه على الحق يقول: اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك مع أنه يأتيه الوحي، نحن لا يأتينا وحي ولا ينزل علينا شيء، نحن من باب أولى أن نلجأ لطلب الهداية من الله إلى الحق خصوصاً مع وجود الافتراقات والاختلافات والانقسامات في الساحة.
فهذه نبذة بسيطة عن العوائق، فمواجهتها ببصيرة وبعقل نافذ ببصيرة في دين الله، تدلُّك على الحق في وسط الافتراقات والانقسامات، وبعقل نافذ يحجبك عن الشهوات، وبمصابرة وصبر؛ لكي تواجه الواقع المنحرف الموجود، أو الانحرافات الموجودة في الواقع.