السبت 12 شوّال 1445 هـ :: 20 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

صفة الرجولة في القرآن


عناصر المادة
الخطبة الأولى
الرجولة نعمة
الرجال هم أهل المساجد
الرجل ثابت على دينه
الرجل من نصر دعوة الرسل
أهمية الرجال في الأزمات
الخطبة الثانية
مفاهيم خاطئة في الرجولة
رجال يتمناهم الفاروق

الخطبة الأولى

00:00:02

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران:102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء:1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب:70-71.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

الرجولة نعمة

00:01:33

أيها الإخوة: حديثنا عن مشكلة من المشاكل التي تواجه العالم الإسلامي اليوم، من الأمور التي خذل فيها الإسلام أيما خذلان، هذه القضية انعدام صفة الرجولة في كثير من المسلمين اليوم.

والرجولة صفة امتن به الله ، يمتن الله بها على من يشاء من خلقه، كما قال ذلك الرجل المؤمن الذي يعلم صاحبه الكافر، يقول له موبخاً ومقرعاً، ومذكراً له بنعم الله عليه: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًاسورة الكهف:37، هذه الرجولة التي يمتن الله وينعم بها، لها صفات ولها خصائص لا تكتمل إلا بها، ولا تقوم إلا عليها، ولا تشتد بهذه الأركان، وإذا كانت الرسل الذين بعثوا إلى أقوامهم، ما كانوا إلا رجالاً، قال الله : وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمسورة يوسف:109، فلم يرسل الله إلى الناس إلا رجالاً.

هذه الرجولة -أيها الإخوة- التي ضاعت مضامينها اليوم، وفقدت أركانها عند الكثيرين، فصاروا أشباه الرجال ولا رجال، هذه الرجولة نحتاج لنتعرف على صفاتها من القرآن الكريم، ونذكر في هذه الخطبة -إن شاء الله- شيئاً من صفات الرجولة حتى يعلم الرجل اليوم هل هو رجل بالمعنى الحقيقي أم هو هيكل خارجي لا يدل على مضمون الرجولة مطلقاً؟.

الرجال هم أهل المساجد

00:04:02

يقول الله تعالى واصفاً المسجد الذي ينبغي أن يكون حاله الصحيح، ومن هو بداخله، يقول الله تعالى: لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، أسس على التقوى، أسس على التوحيد، أسس على العقيدة الصحيحة، لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىلوجه الله ، لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أنشأ فيه مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ يا محمد ﷺ من مسجد الضرار الذي بناه المنافقون، أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ، ما هي صفاته الأخرى، ما هي أهم صفة من صفاته؟ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَسورة التوبة:108أين مكان أولئك الرجال؟ أين مكانهم؟ هل هم في الأندية؟ أو في الحفلات؟ هل هم في الأسواق يمرحون ويسرحون؟ هل هم في المجتمعات الفارغة التي تفرغ الرجولة من معانيها؟ كلا أيها الإخوة، فِيهِ رِجَالٌ، في هذا المسجد رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْيأتون إلى المسجد على طهارة، والله يحب هؤلاء الرجال الذين من صفتهم الطهارة، وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَهذه صفة من صفات الرجال.

وانظر معي إلى مشهد مقابل في سورة النور مماثل لتلك الآية في سورة التوبة، يقول الله : فِي بُيُوتٍمساجد، فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَشاء الله أن ترفع، وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وحده لا شريك له، يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِسورة النــور:36 أين الفاعل، من الذي يسبح؟ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِغدوة وأصيلاً، من الذي يسبح؟ من في هذه المساجد يسبح الله ، من؟ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۝ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُسورة النــور:36-37، من في هذا المسجد؟ صفة واحدة رِجَالٌ، ثم جاءت بقية الصفات، قال ابن كثير رحمه الله: "قوله: رِجَالٌفيه إشعار بهمم السامية، ونياتهم وعزائمهم العالية التي بها صاروا عماراً للمساجد، التي هي بيوت الله في أرضه".

يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۝ رِجَالٌسورة النــور:36-37يسبحون الله في المساجد، ما هي صفاتهم الأخرى؟ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُسورة النــور:37، إذن أيها الإخوة هؤلاء الرجال الذين لم تلههم تجارة ولا بيع عن أي شيء؟ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، قال بعض السلف رحمه الله: يبيعون ويشترون، هؤلاء الرجال، يبيعون ويشترون، ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه، وأقبل إلى الصلاة، كان إذا سمع النداء وميزانه في يده -يبيع ويشتري-، فإذا سمع النداء خفض الميزان، وأقبل إلى الصلاة.

ومر عمرو بن دينار رحمه الله، ومعه سالم بن عبد الله، قال: كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد المسجد، فمررنا بسوق المدينة، وقد قاموا إلى الصلاة، وخمروا متاعهم -الناس الذين في سوق المدينة- قاموا إلى الصلاة، وغطوا متاعهم، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد، -لم يجلسوا أمامها ليحرسوها مثلاً، أو لينظروا فيها، أو أغلقوا الدكاكين، وقعدوا على الدرجات على الرصيف في الطريق ينتظرون متى تنتهي الصلاة حتى يكون كل واحد منهم أول من يفتح الدكان، تركوا أمتعتهم في الشارع، غطوها في السوق، وذهبوا إلى المسجد-، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد، فتلا هذه الآية: رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِسورة النــور:37، ثم قال: "هم هؤلاء"، هؤلاء الذين عنى الله بقوله في هذه الآية، هؤلاء الذين قدموا مراد الله على مراد أنفسهم، وآثاروا طاعة الله على المتاع الدنيوي الزائل، آثروا الاستجابة لهذا النداء العلوي الرباني، "حي على الصلاة"، "حي على الفلاح"، على نداء الجشع والطمع الذي يثيره الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء.

أيها الإخوة: كم من رجال اليوم يقعدون في محلاتهم ودكاكينهم، أو يدخلون داخلها في حجر مخفية، فيقعد أحدهم في مكتبه وراء الطاولة يجيب على هذا الهاتف، وهذا الرجل، ويكلم ويفاوض، ويخفض ويرفع، ويماكس، ويشاكس، ويترك نداء الله، يترك المسجد، لا يجيب داعي الله إليه، لماذا أيها الإخوة؟ هل يسمى هؤلاء رجالاً؟ كلا، إنهم أشباه الرجال ولا رجال.

الرجل ثابت على دينه

00:11:12

ومن صفات الرجال أنهم يثبتون على المنهج الرباني الذي أنزله الله ، المنهاج الذي وضعه رب العزة تبارك وتعالى، وضعه ليستقيم عليه الناس، هذا المنهاج الذي لا يصح أن ينحرف الإنسان عنه يمنة ولا يسرة، لا بد أن يرقبه، ويجاهد نفسه للسير عليه، هذا المنهاج المتضمن لقواعد أصولية، ومسائل تصورية لا يمكن أن يتخلى عنها المسلم بأي حال من الأحوال، هذا المنهاج الذي عليه صون ومنارات تضيء للمسلم الطريق، هذا المنهاج الرباني، منهاج أهل السنة والجماعة، الطائفة المنصورة لا بد من الثبات عليه، ماذا قال الله مادحاً صنفاً من أصناف الرجال؟ قال : مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَعاهدوا الله ثم صدقوا الله في الوعد، صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِسورة الأحزاب:23، صدقوا ما عاهدوا الله على هذا المنهج، استمروا عليه، تشبثوا به، وساروا غير مضطربين ولا متحيرين لا تعيقهم العوائق، ولا تقف أمامهم الصعوبات، ولا الشهوات، ولا الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام فيه: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ، ومات على هذا المنهج شهيداً عاملاً لمنهج الله ، فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُأن يتوفاه الله على حسن الختام، وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُقضاء الله ليموت على هذا المنهاج غير مغير ولا مبدل، قال الله وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًاسورة الأحزاب:23، ما بدلوا، ولا غيروا، ولا انحرفوا، بل هم مستقيمين على هذا المنهاج ينتظرون أمر الله تعالى أن يتوفاهم، وهم سائرون على هذا الدرب، مستقيمين عليه، لا يلوون عليه إلا مرضاة ربهم .

الثبات على المنهج الذي افتقده كثير من المسلمين اليوم، حتى ممن شغلوا بالعمل للإسلام، قامت عندهم انحرافات في التصور والسلوك، انحرفوا عن منهج الله.

أيها الإخوة: ليست القضية أن نمسك الطريق فقط، ولا أن نعرفه فقط، ولا أن نصل إليه فقط، المسألة أن نستمر عليه، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًاسورة الأحزاب:23بغير تبديل ولا تحريف.

هذه الرجولة التي يصفها الله تعالى في القرآن أن من أهلها من يقوم يؤيد الرسل في دعوتهم، ويناصرهم، ويبين للناس أن من جاءت به الرسل هو الحق، يعين الرسل ويساعدهم: وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ، من الذي جاء؟ جيش جرار، فئام كثيرة من الناس، من الذي جاء؟وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ، وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِمن آخر المدينة، رَجُلٌ يَسْعَىيشتد، لماذا جاء؟ لأن هناك سوقاً أو حراجاً لا يريد أن يفوته منه شيء! لأن هناك أسهماً تباع لا يريد أن يفوت منها شيء! كلا أيها الإخوة: يَسْعَى قَالَماذا قال؟ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ۝ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ سورة يــس:20-21، اتبعوهم هؤلاء الرسل اتبعوهم، وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَسورة يــس:22 ثم يبين عرض حقائق العقيدة، التصورات النقية الصافية الخالية من شوائب الشرك، حتى توفاه الله ، فقال: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ۝ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَسورة يــس:26-27.

الرجل من نصر دعوة الرسل

00:15:47

من صفات الرجولة -أيها الإخوة- أن نكون نحن الذين نسمي أنفسنا رجالاً نكون أعواناً للرسل، حرباً على أعداء الرسل، وليس حرباً على الرسل، أن نكون مؤيدين لدعوة الرسل لا مثبطين عن دعوة الرسل، أن نكون مستجيبين لدعوة الرسل متبعين، لا عاصين، ولا مبتدعين، ولا معاندين، وهذه الصفة كم من الرجال يمتلكها اليوم، كم من الرجال يؤيد دعوة الرسول ﷺ؟ كم؟ إنهم قليل.

وفي حال الخوف يتقدم الرجال بالنصح لله برغم الخوف الذي يكتنفهم، وأجواء الإرهاب التي تحيط بهم فيقومون بواجب النصيحة، رجال، رجل واحد يفعل أفعال لا تفعلها أمة بأسرها، رجل واحد يعدل غثاء، بل إنه يرجح عليهم، على هذا الغثاء المترامي الأطراف الذي لا يجمعه تصور واحد، ولا منهج واحد، ولا عقيدة واحدة، يقوم هؤلاء الرجال بواجب النصح لله يحذرون أولياء الله من المخاطر التي تحدق بهم، ماذا قال الله تعالى؟ وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى يشتد من أقصى المدينة، لم تقعد به طول المسافة، ولا بعد الطريق، جاء يسعى ويشتد، قَالَ يَا مُوسَى، كان هذا الرجل مؤمن، قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ يتشاورون في أمرك لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَسورة القصص:20، إني أكشف لك مخططاتهم، وأعري لك دسائسهم ونياتهم الخبيثة، فاخرج من هذه المدينة، فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ، قال ابن كثير رحمه الله: وصف بالرجولية لأنه خالف الطريق -يعني الطريق الجادة التي تسلك في الشارع-، فسلك طريقاً أقرب من طريق الذين بعثوا وراءه، فسبق إلى موسى وحذره قال: إن الناس آتون ورائي ليقبضوا عليك ويقتلوك، أعوان فرعون الطاغية، فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ، يأتي هذا الرجل يسعى يختصر الطريق ليحذر ولي الله ونبيه موسى ، تقديم النصيحة حتى في حالة الخوف هذه من صفات الرجولة.

وعند الأزمات تشتد الحاجة لوجود الرجال الحقيقيين الذين يثبتون الناس على شرع الله.

أهمية الرجال في الأزمات

00:18:46

أيها الإخوة: قد تمر بالإسلام أزمات، قد تمر بالمسلمين شدائد وضائقات، قد يمر بالمسلمين عسر شديد، تنقطع بهم السبل فيتحير الناس ويضطربون، ويميدون ويحيدون عن شرع الله، فترى الناس متفرقين شذر مذر، لا يرى أحدهم الحق ولا يتبعه، حيرتهم فتن الحياة الدنيا، فاضطربوا اضطراباً شديداً، وتبعثروا وتفرقوا، من الذي يثبت في هذه الحالة؟ من الذي يقوم بواجب التثبيت في هذه الحالة التي تقع فيها الفتن بالمسلمين، نحتاج إلى عناصر مثبتة، تثبت المسلمين على المنهج الرباني، من الذي يثبت؟ في حالة الأزمات تكتشف أنت معادن الرجال، يفضي كل رجل إلى معدنه الخالص؛ ليستبين أمام الناس هل هو من أهل العقيدة أم لا؟ هل هو رجل عقيدة أم لا؟ في حالة الأزمات يتبين الرجال الذين يقفون على منهج الله بأقدام راسخة.

أيها الإخوة: قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَسورة المائدة:23، موسى يأتي ببني إسرائيل لدخول الأرض المقدسة، ويعدهم بنصر الله تعالى، ويبشرهم، ويقول: إن الله معكم، هيا فقاتلوا هؤلاء الكفرة الذين احتلوا تلك الأرض المقدسة، بنو إسرائيل الذين ما عرف عن طبعهم إلا الغدر والخيانة، إلا النكوص عن شرع الله وطريقه، ماذا قالوا؟ كلمة قبيحة جداً قالوا: فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَسورة المائدة:24، أنت وربك يا موسى قاتلا، نحن ننتظر النتيجة؛ إن انتصرتم جئنا ودخلنا المدينة، إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَبكل وقاحة، موسى نبي الله ليس معه أحد، كل القوم نكصوا، قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِيسورة المائدة:25، موقف صعب، موقف شديد، تخلا القوم عن نبيهم، تركوه وحيداً أمام الأعداء، هذه أزمة، أليس كذلك؟ من الذي يقوم الآن في هذه الأزمة، ويثبت الناس، ويقول لهم: يا أيها الناس، اثبتوا على شرع الله، اثبتوا على الطريق، لا تنهزموا أمام الأعداء، النصر قادم بإذن الله، تمسكوا بشرع الله، والله ينصركم، إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْسورة محمد:7، قام هؤلاء الرجلان: قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَابنعمة الإيمان والإسلام والثبات، قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ، اقتحموا؛ إنهم جبناء، فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَسورة المائدة:23.

أيها الإخوة: هذه النوعية التي نحتاجها حقيقة اليوم في وسط الأزمات التي تعصف بالمسلمين، الأزمات والفتن التي تجعل الحليم حيران، نحتاج إلى رجال يبصرون الناس بالدين، إلى رجال يكونون قدوة للناس، إلى رجال يثبتون الناس على شرع الله.

وفقنا الله وإياكم لأن نكون رجالاً نقاتل في سبيل الله، ونجاهد في سبيل الله بأموالنا وأنفسنا، وأن نكون من الذين اجتباهم الله تعالى فأقامهم على الصراط المستقيم.

وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية

00:22:53

الحمد لله رب العالمين، الذي لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

مفاهيم خاطئة في الرجولة

00:23:07

أيها الإخوة: لقد فقدت الرجولة اليوم كثيراً من معانيها الحقيقية، فترى الناس اليوم يزعمون أنهم رجال، يقوم كل واحد منهم فيقول: أنا رجل، ولكن في الحقيقة ماذا تنطوي عليه هذه الرجولة، ما هو مضمونها.

أيها الإخوة: من الناس اليوم من يظن أن الرجولة عبارة عن فتل الشوارب، وتربية هذه الشنبات وإطالتها، يظن أن هذه هي الرجولة، وهو مخالف لسنة الرسول ﷺ ظاهراً وباطناً.

من الناس -أيها الإخوة- من يظن الرجولة اليوم هي الأخذ بالثارات، وقتل الأبرياء، هي الأخذ بالثار، يقول: هؤلاء ليسوا رجالاً؛ ما أخذوا بثأرهم، هؤلاء رجال؛ أخذوا بثأرهم، فقتلوا فلان، ولو كان ليس له ذنب.

من الناس من يظن اليوم أن ارتكاب المحرمات هي الرجولة، فترى بعض الأحداث اليوم -لكي يبرهنوا لأنفسهم وللناس أنهم رجال- يدخن مثلاً، يزعم أن التدخين رجولة، ويسافر لوحده للخارج، ويعبث بالمحرمات، وينتهك حدود الله ، ويزعم أن هذه هي الرجولة.

من الناس -أيها الإخوة- من يظن الرجولة رفع الصوت، أو الصياح في البيت، وفرض الرأي بقوة العضلات والبطش، وغير ذلك، يظنون أن هذه هي الرجولة.

يظن أحدهم أن الرجولة أن ينفخ على الخدم والموظفين، ويطرد من يشاء ويبقي من يشاء، يظن أن هذه هي الرجولة، كلا أيها الإخوة، ليست الرجولة ارتكاباً للمحرمات، ولا كانت الرجولة يوماً من الأيام في تاريخ الإسلام البطش والاعتداء على الأبرياء، كلا أيها الإخوة.

الرجولة لها معاني سامية، وحقائق علوية تأخذ هذا الصنف من الناس فترفعهم، حاجة الإسلام اليوم إلى الرجال عظيمة، الإسلام يوم تنتهك حرماته في شتى أقطار الأرض، لم تعد تقم للإسلام قائمة في وسط هذه الدياجير المظلمة من الشرك والجاهلية، إلا من رحم الله ، من أفراد تلك الطائفة المنصورة، التي استقامت على شرع الله .

رجال يتمناهم الفاروق

00:25:51

أيها الإخوة: يقال: إنه اجتمع مرة نفر من الصحابة، فقال لهم عمر : تمنوا، فتمنى كل واحد منهم شيئاً من أعمال البر طبعاً، فلما انتهوا قال عمر: أنتم تمنيتم، ولكني أنا أتمنى ملء هذه الحجرة رجالاً أمثال أبي عبيدة، رجالاً؛ لأن الرجال يصنعون كل شيء بإذن الله، الرجال يصنعون ويسيرون على منهج الله يطبقونه في الواقع، إذا صار عندك الرجال، لم تعد تحتاج بعدها إلى شيء، ولكن أي نوع من أنواع الرجال، هل هم أصحاب الشوارب والشنبات؟ كلا أيها الإخوة.

الرجال بهذه الصفات التي ذكرناها آنفاً عبادة، عمل، استقامة، دعوة إلى الله، صبر على الأذى في سبيل الله، إعانة الرسل، ودعوتهم ونصرتهم، والقيام في مواطن الفتن، وتثبيت الناس على الإسلام.

الرجولة ليست سناً بقدر ما هي صفات وشمائل وسجايا ذكرها الله ورسوله ﷺ، هل نفعت الرجولة الناس الذين قال الله عنهم في القرآن: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًاسورة الجن:6؟ ماذا نفعتهم رجولتهم وقد وقعوا في الشرك، ماذا نفعتهم رجولتهم؟ لا شيء أيها الإخوة، الإسلام اليوم ينادي أصحابه أتباعه يقول لهم، ويهتف بهم كما هتف لوط بقومه: أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌسورة هود:78، الإسلام اليوم يهتف بالناس: أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌسورة هود:78، رجل رشيد، رشده يقيم شرع الله في نفسه وبيته ومجتمعه، يدعو إلى الله، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌسورة هود:78.

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على دينك، اللهم واجعلنا رجالاً من أهل الحق وأعوانه، اللهم واجعلنا من جندك وأتباع نبيك محمد ﷺ.

رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ، اللهم يا سامع الصوت أجب دعاءنا، واحفظنا في أنفسنا وأهلينا، اللهم واحفظ بلادنا من كل سوء.

اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشر والشرك، والزيغ والبدعة، والفساد والعناد، وانشر رحمتك على العباد.

اللهم إنك تعلم ما نخفي وما نعلن، ولا يخفى عليك خافية في الأرض ولا في السماء، اللهم أصلح ظواهرنا وبواطننا، اللهم واجعل نياتنا خالصة لك يا رب العالمين.

اللهم وصل على نبيك محمد سيد الأولين والآخرين، وسلم تسليماً كثيراً.

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.